الباحث القرآني
* (لطيفة)
وَلَمْ يَذْكُرْ بُيُوتَ الأبْناءِ لِأنَّها داخِلَةٌ في بُيُوتِهِمْ أنْفُسِهِمْ، فاكْتَفى بِذِكْرِها دُونَها، وإلّا فَبُيُوتُهم أقْرَبُ مِن بُيُوتِ مَن ذَكَرَ في الآيَةِ.
* [فصل: مَرَضُ الأبْدانِ]
وَأمّا مَرَضُ الأبَدانِ، فَقالَ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١]
وَذَكَرَ مَرَضَ البَدَنِ في الحَجِّ والصَّوْمِ والوُضُوءِ لِسِرٍّ بَدِيعٍ يُبَيِّنُ لَكَ عَظَمَةَ القُرْآنِ، والِاسْتِغْناءَ بِهِ لِمَن فَهِمَهُ وعَقَلَهُ عَنْ سِواهُ، وذَلِكَ أنَّ قَواعِدَ طِبِّ الأبْدانِ ثَلاثَةٌ: حِفْظُ الصِّحَّةِ، والحِمْيَةُ عَنِ المُؤْذِي، واسْتِفْراغُ المَوادِّ الفاسِدَةِ، فَذَكَرَ سُبْحانَهُ هَذِهِ الأُصُولَ الثَّلاثَةَ في هَذِهِ المَواضِعِ الثَّلاثَةِ.
فَقالَ في آيَةِ الصَّوْمِ: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤]
فَأباحَ الفِطْرَ لِلْمَرِيضِ لِعُذْرِ المَرَضِ، ولِلْمُسافِرِ طَلَبًا لِحِفْظِ صِحَّتِهِ وقُوَّتِهِ؛ لِئَلّا يُذْهِبَها الصَّوْمُ في السَّفَرِ لِاجْتِماعِ شِدَّةِ الحَرَكَةِ، وما يُوجِبُهُ مِنَ التَّحْلِيلِ، وعَدَمِ الغِذاءِ الَّذِي يُخْلِفُ ما تَحَلَّلَ، فَتَخُورُ القُوَّةُ، وتَضْعُفُ، فَأباحَ لِلْمُسافِرِ الفِطْرَ حِفْظًا لِصِحَّتِهِ وقُوَّتِهِ عَمّا يُضْعِفُها.
وَقالَ في آيَةِ الحَجِّ: ﴿فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]
فَأباحَ لِلْمَرِيضِ، ومَن بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ مِن قَمْلٍ أوْ حِكَّةٍ أوْ غَيْرِهِما أنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ في الإحْرامِ اسْتِفْراغًا لِمادَّةِ الأبْخِرَةِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي أوْجَبَتْ لَهُ الأذى في رَأْسِهِ بِاحْتِقانِها تَحْتَ الشَّعْرِ، فَإذا حَلَقَ رَأْسَهُ، تَفَتَّحَتِ المَسامُّ، فَخَرَجَتْ تِلْكَ الأبْخِرَةُ مِنها، فَهَذا الِاسْتِفْراغُ يُقاسُ عَلَيْهِ كُلُّ اسْتِفْراغٍ يُؤْذِي انْحِباسُهُ.
والأشْياءُ الَّتِي يُؤْذِي انْحِباسُها ومُدافَعَتُها عَشَرَةٌ: الدَّمُ إذا هاجَ، والمَنِيُّ إذا تَبَيَّغَ، والبَوْلُ، والغائِطُ، والرِّيحُ، والقَيْءُ، والعُطاسُ، والنَّوْمُ، والجُوعُ، والعَطَشُ.
وَكُلُّ واحِدٍ مِن هَذِهِ العَشَرَةِ يُوجِبُ حَبْسُهُ داءً مِنَ الأدْواءِ بِحَسْبِهِ.
وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحانَهُ بِاسْتِفْراغِ أدْناها، وهو البُخارُ المُحْتَقَنُ في الرَّأْسِ عَلى اسْتِفْراغِ ما هو أصْعَبُ مِنهُ، كَما هي طَرِيقَةُ القُرْآنِ التَّنْبِيهُ بِالأدْنى عَلى الأعْلى.
وَأمّا الحِمْيَةُ: فَقالَ تَعالى في آيَةِ الوُضُوءِ: ﴿وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣]
فَأباحَ لِلْمَرِيضِ العُدُولَ عَنِ الماءِ إلى التُّرابِ حِمْيَةً لَهُ أنْ يُصِيبَ جَسَدَهُ ما يُؤْذِيهِ، وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى الحِمْيَةِ عَنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَهُ مِن داخِلٍ أوْ خارِجٍ، فَقَدْ أرْشَدَ - سُبْحانَهُ - عِبادَهُ إلى أُصُولِ الطِّبِّ ومَجامِعِ قَواعِدِهِ، ونَحْنُ نَذْكُرُ هَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في ذَلِكَ، ونُبَيِّنُ أنَّ هَدْيَهُ فِيهِ أكْمَلُ هَدْيٍ.
فَأمّا طِبُّ القُلُوبِ، فَمُسَلَّمٌ إلى الرُّسُلِ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ، ولا سَبِيلَ إلى حُصُولِهِ إلّا مِن جِهَتِهِمْ وعَلى أيْدِيهِمْ، فَإنَّ صَلاحَ القُلُوبِ أنْ تَكُونَ عارِفَةً بِرَبِّها، وفاطِرِها، وبِأسْمائِهِ، وصِفاتِهِ، وأفْعالِهِ، وأحْكامِهِ، وأنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضاتِهِ ومُحابِّهِ، مُتَجَنِّبَةً لِمَناهِيهِ ومَساخِطِهِ، ولا صِحَّةَ لَها ولا حَياةَ ألْبَتَّةَ إلّا بِذَلِكَ، ولا سَبِيلَ إلى تَلَقِّيهِ إلّا مِن جِهَةِ الرُّسُلِ، وما يُظَنُّ مِن حُصُولِ صِحَّةِ القَلْبِ بِدُونِ اتِّباعِهِمْ، فَغَلَطٌ مِمَّنْ يَظُنُّ ذَلِكَ، وإنِّما ذَلِكَ حَياةُ نَفْسِهِ البَهِيمِيَّةِ الشَّهْوانِيَّةِ، وصِحَّتُها وقُوَّتُها، وحَياةُ قَلْبِهِ وصِحَّتُهُ، وقُوَّتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ، ومَن لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ هَذا وهَذا فَلْيَبْكِ عَلى حَياةِ قَلْبِهِ، فَإنَّهُ مِنَ الأمْواتِ، وعَلى نُورِهِ، فَإنَّهُ مُنْغَمِسٌ في بِحارِ الظُّلُماتِ.
* [فصل: طِبُّ الأبْدانِ]
وَأمّا طِبُّ الأبْدانِ: فَإنَّهُ نَوْعانِ:
نَوْعٌ قَدْ فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الحَيَوانَ ناطِقَهُ وبَهِيمَهُ، فَهَذا لا يُحْتاجُ فِيهِ إلى مُعالَجَةِ طَبِيبٍ، كَطِبِّ الجُوعِ، والعَطَشِ، والبَرْدِ، والتَّعَبِ، بِأضْدادِها وما يُزِيلُها.
والثّانِي: ما يَحْتاجُ إلى فِكْرٍ وتَأمُّلٍ كَدَفْعِ الأمْراضِ المُتَشابِهَةِ الحادِثَةِ في المِزاجِ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بِها عَنِ الِاعْتِدالِ، إمّا إلى حَرارَةٍ، أوْ بُرُودَةٍ، أوْ يُبُوسَةٍ، أوْ رُطُوبَةٍ، أوْ ما يَتَرَكَّبُ مِنَ اثْنَيْنِ مِنها، وهي نَوْعانِ: إمّا مادِّيَّةٌ، وإمّا كَيْفِيَّةٌ، أعْنِي: إمّا أنْ يَكُونَ بِانْصِبابِ مادَّةٍ، أوْ بِحُدُوثِ كَيْفِيَّةٍ، والفَرْقُ بَيْنَهُما أنَّ أمْراضَ الكَيْفِيَّةِ تَكُونُ بَعْدَ زَوالِ المَوادِّ الَّتِي أوْجَبَتْها، فَتَزُولُ مَوادُّها، ويَبْقى أثَرُها كَيْفِيَّةً في المِزاجِ.
وَأمْراضُ المادَّةِ أسْبابُها مَعَها تَمُدُّها، وإذا كانَ سَبَبُ المَرَضِ مَعَهُ، فالنَّظَرُ في السَّبَبِ يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ أوَّلًا، ثُمَّ في المَرَضِ ثانِيًا، ثُمَّ في الدَّواءِ ثالِثًا. أوِ الأمْراضُ الآلِيَّةُ وهي الَّتِي تُخْرِجُ العُضْوَ عَنْ هَيْئَتِهِ، إمّا في شَكْلٍ، أوْ تَجْوِيفٍ، أوْ مَجْرًى، أوْ خُشُونَةٍ، أوْ مَلاسَةٍ، أوْ عَدَدٍ، أوْ عَظْمٍ، أوْ وضْعٍ، فَإنَّ هَذِهِ الأعْضاءَ إذا تَألَّفَتْ وكانَ مِنها البَدَنُ سُمِّيَ تَألُّفُها اتِّصالًا، والخُرُوجُ عَنِ الِاعْتِدالِ فِيهِ يُسَمّى تَفَرَّقَ الِاتِّصالِ، أوِ الأمْراضُ العامَّةُ الَّتِي تَعُمُّ المُتَشابِهَةَ والآلِيَّةَ.
والأمْراضُ المُتَشابِهَةُ: هي الَّتِي يَخْرُجُ بِها المِزاجُ عَنِ الِاعْتِدالِ، وهَذا الخُرُوجُ يُسَمّى مَرَضًا بَعْدَ أنْ يَضُرَّ بِالفِعْلِ إضْرارًا مَحْسُوسًا.
{"ayah":"لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُوا۟ مِنۢ بُیُوتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ ءَابَاۤىِٕكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ إِخۡوَ ٰنِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخَوَ ٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَعۡمَـٰمِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخۡوَ ٰلِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥۤ أَوۡ صَدِیقِكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُوا۟ جَمِیعًا أَوۡ أَشۡتَاتࣰاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُیُوتࣰا فَسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ تَحِیَّةࣰ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةࣰ طَیِّبَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق