الباحث القرآني

﴿لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ﴾ نَفْيٌ لَمّا كانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِن مُؤاكَلَةِ الأصِحّاءِ حَذَرًا مِنَ اسْتِقْذارِهِمْ، أوْ أكْلِهِمْ مِن بَيْتِ مَن يُدْفَعُ إلَيْهِمُ المِفْتاحُ ويُبِيحُ لَهُمُ التَّبَسُّطَ فِيهِ إذا خَرَجَ إلى الغَزْوِ وخَلَّفَهم عَلى المَنازِلِ مَخافَةَ أنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ مِن طِيبِ قَلْبٍ، أوْ مِن إجابَةِ مَن دَعَوْهم إلى (p-115) بُيُوتِ آبائِهِمْ وأوْلادِهِمْ وأقارِبِهِمْ فَيُطْعِمُونَهم كَراهَةَ أنْ يَكُونُوا كَلًّا عَلَيْهِمْ، وهَذا إنَّما يَكُونُ إذا عُلِمَ رِضا صاحِبِ البَيْتِ بِإذْنٍ أوْ قَرِينَةٍ أوْ كانَ في أوَّلِ الإسْلامِ ثُمَّ نُسِخَ بِنَحْوِ قَوْلِهِ ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أنْ يُؤْذَنَ لَكم إلى طَعامٍ﴾ . وقِيلَ نَفْيٌ لِلْحَرَجِ عَنْهم في القُعُودِ عَنِ الجِهادِ وهو لا يُلائِمُ ما قَبْلَهُ ولا ما بَعْدَهُ. ﴿وَلا عَلى أنْفُسِكم أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ﴾ مِنَ البُيُوتِ الَّتِي فِيها أزْواجُكم وعِيالُكم فَيَدْخُلُ فِيها بُيُوتُ الأوْلادِ لِأنَّ بَيْتَ الوَلَدِ كَبَيْتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ «أنْتَ ومالُكَ لِأبِيكَ»، وقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ «إنَّ أطْيَبَ ما يَأْكُلُ المُؤْمِنُ مِن كَسْبِهِ وإنَّ ولَدَهُ مِن كَسْبِهِ» . ﴿أوْ بُيُوتِ آبائِكم أوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكم أوْ بُيُوتِ إخْوانِكم أوْ بُيُوتِ أخَواتِكم أوْ بُيُوتِ أعْمامِكم أوْ بُيُوتِ عَمّاتِكم أوْ بُيُوتِ أخْوالِكم أوْ بُيُوتِ خالاتِكم أوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ﴾ وهو ما يَكُونُ تَحْتَ أيْدِيكم وتَصَرُّفِكم مِن ضَيْعَةٍ أوْ ماشِيَةٍ وِكالَةٍ أوْ حِفْظًا. وقِيلَ بُيُوتُ المَمالِيكِ والمَفاتِحُ جَمْعُ مِفْتَحٍ وهو ما يُفْتَحُ بِهِ وقُرِئَ «مِفْتاحَهُ» . ﴿أوْ صَدِيقِكُمْ﴾ أوْ بُيُوتِ صَدِيقِكم فَإنَّهم أرْضى بِالتَّبَسُّطِ في أمْوالِهِمْ وأسَرُّ بِهِ، وهو يَقَعُ عَلى الواحِدِ والجَمْعِ كالخَلِيطِ، هَذا كُلُّهُ إنَّما يَكُونُ إذا عُلِمَ رِضا صاحِبِ البَيْتِ بِإذْنٍ أوْ قَرِينَةٍ ولِذَلِكَ خُصِّصَ هَؤُلاءِ فَإنَّهُ يُعْتادُ التَّبَسُّطُ بَيْنَهم، أوْ كانَ ذَلِكَ في أوَّلِ الإسْلامِ فَنُسِخَ فَلا احْتِجاجَ لِلْحَنَفِيَّةِ بِهِ عَلى أنْ لا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مالِ المَحْرَمِ. ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أوْ أشْتاتًا﴾ مُجْتَمِعِينَ أوْ مُتَفَرِّقِينَ نَزَلَتْ في بَنِي لَيْثِ بْنِ عَمْرٍو مِن كِنانَةَ كانُوا يَتَحَرَّجُونَ أنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ وحْدَهُ. أوْ في قَوْمٍ مِنَ الأنْصارِ إذا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ لا يَأْكُلُونَ إلّا مَعَهُ. أوْ في قَوْمٍ تَحَرَّجُوا عَنِ الِاجْتِماعِ عَلى الطَّعامِ لِاخْتِلافِ الطَّبائِعِ في القَذارَةِ والنَّهَمَةِ. ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا﴾ مِن هَذِهِ البُيُوتِ ﴿فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ عَلى أهْلِها الَّذِينَ هم مِنكم دِينًا وقَرابَةً. ﴿تَحِيَّةً مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ ثابِتَةً بِأمْرِهِ مَشْرُوعَةً مِن لَدُنْهُ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ صِلَةً لِلتَّحِيَّةِ فَإنَّهُ طَلَبَ الحَياةَ وهي مِن عِنْدِهِ تَعالى وانْتِصابُها بِالمَصْدَرِ لِأنَّها بِمَعْنى التَّسْلِيمِ. ﴿مُبارَكَةً﴾ لِأنَّها يُرْجى بِها زِيادَةُ الخَيْرِ والثَّوابِ. ﴿طَيِّبَةً﴾ تَطِيبُ بِها نَفْسُ المُسْتَمِعِ. وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ لِي «مَتى لَقِيتَ أحَدًا مِن أُمَّتِي فَسَلِّمْ عَلَيْهِ يَطُلْ عُمُرُكَ، وإذا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ يَكْثُرُ خَيْرُ بَيْتِكَ، وصَلِّ صَلاةَ الضُّحى فَإنَّها صَلاةُ الأبْرارِ الأوّابِينَ» . ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ﴾ كَرَّرَهُ ثَلاثًا لِمَزِيدِ التَّأْكِيدِ وتَفْخِيمِ الأحْكامِ المُخْتَتَمَةِ بِهِ وفَصْلُ الأوَّلِينَ بِما هو المُقْتَضى لِذَلِكَ وهَذا بِما هو المَقْصُودُ مِنهُ فَقالَ: ﴿لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ أيِ الحَقَّ والخَيْرَ في الأُمُورِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب