الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: (﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور ٦١] في مواكلة مقابليهم) (...).
* * *
* الشيخ: معنى: لا يرجون النكاح منين؟ إن الناس ما يرغبون بهن.
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني: تقول: إن المرأة العجوز ليس فيها شهوة؟ وهذه الشابَّة القبيحة فيها شهوة، إي؛ لكن ما قال الله سبحانه وتعالى: والقواعد من النساء اللاتي ليس فيهن نكاح ﴿اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ يعني: يئسن من النكاح؛ لأنهن علمن أن الناس لا يرغبون، فلو قال: والقواعد من النساء اللاتي لا نكاح فيهن أو لا شهوة فيهن صحيح، ما يجوز تعدية الحكم إلى القبيحة الشوهاء، لكن لما قال: ﴿لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ يعني: ما يأملوا النكاح لا لمجرد أنه لا شهوة فيهن، ولكن لأن الناس لا يرغبونهن (...).
(...) اللاتي لا أزواج لهن ﴿اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ مطلقًا.
* طالب: أي قائل (...).
* الشيخ: ما أعرف، هل أحد قال به؟ لكن أما (...) الإيمان فهذا وارد معروف القول به، أما تفاضل الأعمال فلا أعرف ولا أعلم الآن به قائل.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أصلًا المرجئة يخرجون الأعمال كلها من الإيمان.
* طالب: يعني: يقولون العمل (...).
* الشيخ: لا، لكن ما يقولون: إن الصلاة مثلًا مثل الصيام، والصيام مثل كذا يرون إن بعض الأعمال أفضل من بعض، بس إنهم يقولون: إنها غير داخلة في الإيمان، يخرجونها من الإيمان، ولا أعلم أنهم يقولون: إن الأعمال متساوية في فضلها، ما أعلم ذلك ولا أظن أحدًا يقول به؛ لكن مسألة إخراجها من الإيمان هذا هو الذي جعلهم يقولون: إن إيمان أبي بكر وإيمان أفسق الناس واحد، يعني: عندهم الإيمان هو مجرد الإقرار بالله عز وجل، أما مسألة الانقياد فهذا خارج من الإيمان.
﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ [النور ٦١] الأعمى هذه هي اسم تفضيل ولَّا صفة مشبهة؟ صفة مشبهة؛ لأنه وصفه ذلك، وليس معناه إنه أعمى من فلان مثلًا، اسم التفضيل اللي معناه مُفضَّل ومُفضَّل عليه، وأما الأعمى والأعرج وشبهه، فهذه صفة مشبهة يسمونها الصفات المشبهة يعني باسم الفاعل.
وأما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء ٧٢] فإن ظاهره أن ﴿أَعْمَى﴾ الثانية اسم تفضيل؛ يعني: أشد عمًى وأضل سبيلًا؛ لكن المعروف خصوصًا عند البصريين أن هذه صفة مشبَّهة، وأنه لا يجوز أن يصاغ اسم التفضيل من ذي صفة مشبهة على وزن أفعل، أما الكوفيون فيقولون: إنه لا بأس ويرون أنه لا بأس أن تقول: فلان أعرج من فلان، وفلان أعمى من فلان، وقولهم أصح؛ لأن هذا شيء يقبله الذوق ولا مانع منه، إنما المراد هنا بالأعمى الصفة المشبَّهة الذي لا يبصر.
﴿وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ﴾ الأعرج: هو الذي لا يمشي مشيًا مستقيمًا.
﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ المريض: هو الذي خرجت صحتُه عن الاعتدال، هذا المريض، كل مَنْ خرجت صحته عن الاعتدال فهو مريض، وتختلف الأمراض لكن في أي شيء قال المؤلف: (في مواكلة مقابليهم) مقابل الأعمى: البصير، مقابل الأعرج: السليم، مقابل المريض: الصحيح؛ يعني: أنه ليس على الأعمى حرج إذا أكل مع البصير، ما عليه حرج، هذا فيه شيء؟
* طالب: هذا واضح.
* الشيخ: هذا شيء واضح ما يحتاج إلى نفي الحرج عنهم، لكن يقال: إنهم كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأعمى، يقولون: لأننا إذا أكلنا معه (...)، ومن جهة أخرى الأعمى يتحرَّج أيضًا من الأكل مع البصير؛ لأنه يقول: إني إذا أكلت أخاف آكل أكثر منه.
على الرأي الأول يصير: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى﴾ يعني: ليس في الأعمى أي: بمؤاكلته حرج.
كذلك المريض ليس على المريض حرج إذا أكل مع مَنْ؟ مع الصحيح، ما يقال: إنه فيه حرج؛ لأن الصحيح يأكل أكثر، وكذلك الأعرج لا بأس أن يأكل مع الصحيح ولا حرج عليه؛ لأنه قد يقول الأعرج: أنا رجلي مائلة، ولو قعدت هأكل المقرب إلي (...) فليس عليه حرج، هذا ما ذهب إليه بعضهم إن المراد: ليس عليهم حرج في الأكل مع غيرهم، وعلى هذا تكون (على) ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى﴾ بمعنى: في؛ يعني: ليس في الأعمى حرج؛ أي: في مؤاكلته ولا في الأعرج حرج، ولا في المريض حرج.
وقال آخرون: المراد الجهاد، ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ يعني: في ترك الجهاد، ﴿وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ﴾ في ترك الجهاد، ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ في ترك الجهاد، قالوا: والدليل على ذلك أن الله ذكر بعد هذه الآية قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوه﴾ إلى آخر الآيات [النور: ٦٢]، فإنها في الجهاد وتكون هذه الآيات مقدمة لذكر الجهاد، ولكنها صُدِّرَت بها آية الأكل من البيوت المذكورة إما للتمهيد والتوطئة والتنبيه؛ لأن الإنسان إذا جاء كلام في غير محله المرتقب لا بد أن ينتبه ويبحث ما هو السبب، بخلاف ما إذا جاء الكلام على نَسَقٍ واحد فإنه قد ينساق معه ولا يتفهَّم المعاني.
وقد مر علينا أن من فائدة الالتفات هو تنبيه المخاطب أو السامع.
هذا أيضًا، وضعت هذه الجملة: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ قبل أن تُذْكَر آياتُ الجهاد في هذا المحل؛ ليتنبه القارئ؛ حيث خرجت المسألة عما هو متبادر ومتوقع، هذا قول.
قول آخر: إن المراد ليس عليهم حرج في أيش؟ في ترك الجهاد، وقالوا: هذا كقوله تعالى في سورة الفتح: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح ١٧]؛ فإنها في الجهاد بلا ريب اللي في سورة الفتح.
وقال آخرون: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ﴾ في ترك أي عبادة تكون فيها هذه الأعذار مانعة كل عبادة تمنع منها هذه الأعذار؛ فإنه لا حرج عليهم في تركها، مفهوم -يا جماعة- تكون الآية أعم من الجهاد وغيره، بل كل عبادة سبب تركها والإخلال بها أحد هذه الأوصاف الثلاثة، فإنه لا حرج عليهم فيها؛ قالوا: وهذا مقتضى الأدلة الشرعية: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج ٧٨].
فإذا ترك الإنسان عبادة أو أخلَّ بها لعذر العمى فلا حرج عليه، لعذر المرض فلا حرج عليه، لعذر العرج فلا حرج عليه؛ فتكون الآية عامة في الأكل (المواكلة) كما قال المؤلف.
وكذلك أيضًا في ترك الجهاد وكذلك فيما يُشْتَرط له المشي وهو أعرج لا يستطيع أو مريض لا يستطيع أو أعمى لا يستطيع كالذي يشترط له البصر، فكل هذا ليس عليهم فيه حرج لكن على هذين الرأيين الأخيرين يبقى -كما أشرنا إليه- ما مناسبة هذا القول أو هذه الآية لآخر الآية، صَدْر الآية مع آخرها، ويش وجه التناسب بينها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني: المناسبة أنه كما هو معلوم أن هؤلاء لا حرج عليهم فيما يُشْتَرط فيه السلامة من هذه الأمراض فإنه كذلك لا حرج عليكم فيما يأتي، فيكون الغرض التمهيد لنفي الحرج بالآتي، يعني: كما أنه معلوم أن هذه الأشياء أعذار تمنع من الحرج بدون أي مجادلة فكذلك أيضًا ليس عليكم حرج في الأكل من بيوتكم إلى آخره.
إذن ﴿وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا﴾ متعلقة باللي قبلها ولَّا لا؟ لا، لأنك لو كانت متعلقة باللي قبلها لكان المعنى ليس على الأعمى حرج أن يأكل من بيتك، ولا على الأعرج حرج أن يأكل من بيتك، ولكننا قلنا: إن الآية عامة، يعني: ليس على هؤلاء حرج فيما تكون هذه العلل عذرًا لهم في تركه.
ثم قال: (﴿وَلَا﴾ حرج ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ أي: بيوت أولادكم).
قال المؤلف: (﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ ) قال: (أي بيوت أولادكم) لماذا لم يجعل الآية عامة؟ ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ يعني: بيوت أنفسكم.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأن هذا لا حاجة (...) في الحرج فيه.
لكن قد يقول قائل: إن في آخر الآية ما يدل على أنه يراد بيوت الإنسان أيضًا وهو قوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ ويكون نفي الحرج عن الأكل من البيوت من حيث كونهم ﴿جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ لا لمطلق الأكل، أنتم فاهمين يا جماعة؟
أقول: ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ المؤلف حمل الآية على أن المراد ببيوت الإنسان بيوت أولاده، ونحن نقول: لا مانع من أن يُراد بها بيتُه الحقيقي وبيت ولده.
فإن قال قائل: أَيُّ فائدة لنفي الحرج عن أكله من بيته؟
قلنا: لأجل ما يُذْكَر في آخر الآية وهي: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ يعني: ليس عليك جناح أن تأكل من بيتك سواء أكلت أنت وأهلك أو أكلتم متفرقين، وإن كان الأفضل الاجتماع على الأكل كما سنذكر إن شاء الله عند آخر الآية، لكن مع ذلك لا جناح يعني: ليس على الإنسان جناح أنه يأكل يتغدى لحاله وعياله لحالهم، أو لحاله وزوجته لحالها، أو ما أشبه ذلك ولا بأس أيضًا أنه يأكل هو وإياهم جميعًا لا بأس بهذا ولا بهذا.
يبقى النظر: ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ﴾ إلى آخره، ما ذكر بيوت الأولاد! نقول: هي داخلة في قوله: ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ فإن بيت الولد بيت لأبيه؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٣٥٨)، والنسائي (٤٤٤٩)، وابن ماجه (٢٢٩٠) من حديث عائشة، واللفظ للنسائي وابن ماجه. ]]، ولقوله: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٣٠) من حديث عبد الله بن عمرو، وابن ماجه (٢٢٩١) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ لابن ماجه.]] فعليه يكون بيت الولد بيت للوالد، ونحن إنما انتقدنا على المؤلف لم ننتقد إدخاله بيوت الأولاد في بيوت الإنسان، فإن هذا صحيح، وإنما انتقدنا تخصيصه البيوت، أيش يقول؟ ببيوت الأولاد، فنحن نقول: ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ أي: بيوت أنفسكم، وبيوت أولادكم بالنسبة لبيت الإنسان نفسه فائدتها ما ذكر في آخر الآية، وبالنسبة لبيت ولده أعمُّ من ذلك.
﴿أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ ﴿آبَائِكُمْ﴾ يشمل الأب الأدنى والأعلى؛ فإن الجدَّ أبٌّ كما قال الله تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج ٧٨] فسمَّى الله إبراهيم أبًا لنا مع أنه جَدٌّ بعيد، وكذلك أمهاتكم يشمل الأمَّ الدنيا التي ولدت الإنسان والأمَّ العليا التي هي الجَدَّات.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما يشمل الرضاع والتبني؛ لأن حقوق القرابة ما تتعلق بها حقوق الرضاع.
﴿أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ﴾ الأشقاء أو لأب أو لأم.
﴿أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ﴾ لكن بشرط أن لا تكون ذات زوج، فإن كانت ذات زوج والمال له ما صار بيتًا لأخته، صار بيتًا لزوجها، لكن إذا كانت الأخت لها بيت فإنه لا بأس أن يأكل الإنسان من هذا البيت.
﴿أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ﴾ يقال في ﴿عَمَّاتِكُمْ﴾ مثلما قلنا في ﴿أَخَوَاتِكُمْ﴾ يعني: ما لم تكن العمة ذات زوج فلا يأكل الإنسان من بيت زوجها؛ لأنه له وليس لها.
﴿أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ﴾ بالنسبة للأعمام والعمات والأخوال والخالات يشمل الأدنى من هؤلاء والأعلى؛ فالأدنى أخو أبيك بالنسبة للعم، والأعلى أخو جدك وإن علا، وبالنسبة للخال الأدنى أخو أمك، والأعلى أخو جدتك، وإن علا فإنه خالك.
(﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ ) أي: (خَزَّنْتُموه لغيركم) قوله: ﴿مَفَاتِحَهُ﴾ المفاتح بمعنى الخزائن يعني: ما ملكتم خزائنه، وقيل: إنها بمعنى المفاتيح، وهي ما يُفتح به؛ فالمِفتاح غير المِفْتَحْ، مِفْتَحْ جمعه مَفاتح، مفتاح جمعه مفاتيح، قيل: إنه يطلق المِفتح على المفتاح، والمفاتح على المفاتيح، وقيل: لا، المراد بالمفاتح الخزائن، والمفاتيح ما يفتح به، ولكن القرآن يؤيد القول الأول كما قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ [القصص ٧٦]، وعلى هذا فنقول هنا في الآية الكريمة ﴿مَفَاتِحَهُ﴾ أي: خزائنه أو مفاتيح خزائنه.
وقوله: ﴿مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ ويش معنى ﴿مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾؟
أي: جُعِلَت مفاتيحه في أيديكم وهي الخزائن، فلا جناح على الإنسان أن يأكل منها لكن بالمعروف، يعني: مثلًا لو أن إنسانًا صاحب فاكهة وأعطاك مفتاح المخزن قصده أن تحافظ عليه وعلى مفاتيحه، فدخلتَ يومًا من الأيام في هذا المخزن يجوز أنك تأكل مثلًا منه لكن بشرط أن يكون ذلك بالمعروف ما تاخد (...) تتردد عليه دائمًا إلا إذا رضي بذلك.
* طالب: لو كان ملكًا للدولة؟
* الشيخ: ويش لون؟
* الطالب: لو كان ملكًا للدولة؟
* الشيخ: إي نعم، ولو كان ملكًا للدولة؛ لأنه ما دام اؤتمنت عليه فهو عامٌّ، فهو جائز.
قال: (﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ وهو من صَدَقَكُمْ في مَوَدَّتِه، المعنى يجوز الأكل من بيوت مَنْ ذُكِرَ وإن لم يحضُروا أي: إذا عُلِمَ رضاهم به) شوف المؤلف يقول: يجوز الأكل من بيوت هؤلاء، وإن لم يحضروا هذا صحيح.
وقوله: (أي: إذا عُلِم رضاهم به) فهذا غير صحيح؛ وذلك أنه إذا عُلِم رضا صاحب البيت بأكلك فإنه لا فرق بين أن يكون من هؤلاء أو من غيرهم، إذا علم لكن يؤكل من بيوت هؤلاء ما لم يعلم عدم رضاهم.
فالمراتب ثلاث:
المرتبة الأولى: أن تعلم رضاهم رضا صاحب البيت بأكلك فهذا جائز ولّا لا؟ جائز، من هذه البيوت ومن غيرها.
المرتبة الثانية: أن تَعْلَم عدم رضاهم؛ أنه ما يرضى فلا تأكل لا من هذه البيوت ولا من غيرها؛ لقول النبي ﷺ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»[[أخرجه أحمد (٢٠٦٩٥)، والدارقطني (٢٨٨٦) من حديث عم أبي حرة الرقاشي. ]].
المرتبة الثالثة: أن لا تعلم رضاه ولا عدم رضاه، فهذه هي التي يُفَرَّق فيها بين مَنْ ذُكِرَ وغيره؛ فيقال: تأكل من بيوت هؤلاء؛ لأن الغالب رضاهم لوجود الصلة بينك وبينهم من القرابة أو الصداقة أو الائتمان؛ لأن حقيقة الأمر أن هذه البيوت ترجع إلى ثلاثة أسباب؛ إما قرابة أو ائتمان أو صداقة.
فالقرابة من ذُكِروا، وأما الائتمان ففي قوله: ﴿مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾، وأما الصداقة ففي قوله: ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾، ففي حالة عدم العلم بالرضا والسخط نقول: يجوز الأكل من هذه البيوت دون غيرها، وأما اشتراط المؤلف علم الرضا في هذه البيوت فلا وجه له؛ لأنه لو اشترطنا ذلك لم يكن بينها وبين البيوت الأخرى فرق.
لو فُرِضَ، صديق لك أدخلك بيته ووجدت في القهوة أكل وأكلت بدون أن تستأذن بيجوز ولَّا لا؟ إي، يجوز نقول: يجوز، هذا هو معنى الآية.
المؤلف يرى أنه ما يجوز إلا إذا علمت أنه يرضى بذلك، ولكن الصحيح أنه لا يشترط العلم بالرضا لكن لو علمنا أن هذا الرجل شحيح لا يرضى بأن تأكل شيئا أبدًا من ماله إلا ما قدَّمه لك ففي هذا الحال لا يجوز الأكل للحديث الذي أشرنا إليه (...).
لا، بس هذا خطير؛ لأن (...) مجرد ما أكرمك وأدخلك بيعظمك مثلًا بدعوة، هذا ما يجوز إنك تقعد على هذا إلا بإذنه، لكن الصديق سواء دعاك أو ما دعاك، وسواء أراد يقدم لك كرامة أو ما أراد، إذا ما دخلت بيت صديقك فلك الأكل ما لم تعلم أنه لا يرضى بذلك.
وفي قوله: ﴿صَدِيقِكُمْ﴾ دليل على أن للصداقة حقًّا، وهو كذلك، والسبب الصلة التي بينك وبينه.
ما رأيكم في الصِّهر وفي صلة الرضاع، هل تدخل في صلة النسب أو في الصداقة أو ما تدخل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: تدخل في الصداقة إن كان صديقًا؛ لأنه قد لا يكون صديقًا كثير من الناس يكون أخوك من الرضاعة وبينك وبينه عداوة، وكثير من الناس يكون هذا الرجل صهرًا لك وبينك وبينه عداوة، فالمهم إذا لم يكن صداقة بين الصِّهر وصِهره أو بين الرضيع ومرضعه فإنه لا يجوز الأكل من بيته.
(﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا﴾ مجتمعين ﴿أَوْ أَشْتَاتًا﴾ متفرقين جمع شَتٍّ) شَتّ وأشتات مثل سبب وأسباب إلا أن سبب غير مدغمة، وشت مدغمة.
قال: (نزلت فيمن تَحَرَّج أن يأكل وحده، وإذا لم يجد من يؤاكله يترك الأكل) هذه يقال: إنها كانت عادة لبعض العرب إذا ما وجد أحدًا يأكل معه ما يأكل، لازم ما يأكل إلا ومعه أحد، فإن لم يجد أحدًا يأكل معه ما أكل شيئًا أبدًا، يموت من الجوع وهو ما أكل إلى أن يَلْقى أحدًا يأكل معه، وهذا لا شك إنه دليل على الكرم، لكنه كرم فيه إفراط.
القصد أنك تأكل مع غيرك وتأكل وحدك؛ كما قال الله عز وجل: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ وهذا في الجواز، وأما الأفضل فهو الأكل جميعًا كما أمر النبي ﷺ بذلك، وأخبر أن في ذلك بركة؛ شكا إليه رجل أنه كان يأكل ولا يشبع، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «لَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ» قال: نعم، قال:» «اجْتَمِعُوا عَلَى أَكْلِكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ»[[أخرجه أبو داود (٣٧٦٤)، وابن ماجه (٣٢٨٦) من حديث وحشي بن حرب.]]؛ فاجتماع الناس على الأكل هذا من أسباب البركة، كما أنه أيضًا من أسباب الإلفة والمودة؛ لأن الناس أهل البيت مثلًا متفرقون في أعمالهم فإذا لم يكن شيء يجمعهم وهو الأكل فمتى يجتمعون، لكن مع المؤسف أن هذه السُّنَّة أصبحت الآن مفقودة عند كثير من الناس، تجد الأب يأكل وحده، والولد الأكبر يأكل وحده، والمتوسط يأكل وحده، اللي يمكن يجتعمن النساء الحريم، هذا اللي يمكن يجتمعن، أما الرجال فإن اجتماعهم فيما يظهر لي قليل، ولكن هذا خلاف السنة.
السنة أن يجتمع الناس على الأكل، والحمد لله ينتظر بعضهم بعضًا، ما يضر إذا تأخر ربع ساعة في انتظار صاحبه؟! ما الذي يضر؟! لأن كونهم يجتمعون ويتحدثون جميعًا هذا يجلب المودة والإلفة، لكن كون الولد ما يشوف أبوه أبدًا؛ بالليل يسهر الولد وأبوه ينام بَكر، وبالنهار أبوه يطلب المعيشة والولد يدرس، وبالأكل أبوه يصلي مع الجماعة ودا قاعد يتغدى مثلًا أو ما أشبه ذلك، إذن متي يكون الاجتماع؟ ومتى يكون الإلفة بين الناس؟
هل الأفضل الآن أن يأكل الرجل وأهل بيته من رجال ونساء؟ نعم، هذا هو الأفضل أنهم يأكلون جميعًا حتى الرجال مع النساء، وقد شاهدنا من السلف السابقين مَنْ يأكلون جميعًا هو وأبوه، كنا عند أخوال لنا إذا أصبحنا عندهم أبدًا، نجدهم كلهم يجتمعون (...).
* * *
يعني: الإثم والمشقة، وذكرنا اختلاف العلماء في هذا (...)؛ يعني: الأعمى والأعرج والمريض وأنهم ذكروا فيها ثلاثة أراء وهي؟
* طالب: أنها في الجهاد.
* الشيخ: أنها في الجهاد.
* الطالب: أو أنها عامة في كل شيء.
* الشيخ: أو عامة في كل شيء.
* الطالب: أنها في الأكل.
* الشيخ: أنها في مؤاكلتهم، والعموم أولى، والمعنى ليس عليهم حرج فيما تكون هذه الأمراض أو هذه العاهات سببًا للعجز عنه من جهاد أو غيره، فليس عليهم حرج، ويكون في ذلك تمهيد لما ذكر بعد، يعني: فكما أن هؤلاء لا حرج عليهم فلا حرج عليكم أيضًا ﴿أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ إلى آخره.
﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا﴾ يعني: مجتمعين على الأكل ﴿أَوْ أَشْتَاتًا﴾ متفرقين.
ثم قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم﴾ (﴿بُيُوتًا﴾ لكم لا أهل بها ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم﴾ أي: قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة تَرُدُّ عليكم، وإن كان بها أهل فسلموا عليهم).
قوله: ﴿إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا﴾ ﴿بُيُوتًا﴾ نكرة في سياق ﴿إِذَا﴾، ويش هي ﴿إِذَا﴾؟ شرطية، في سياق الشرط، فتكون عامة في بيوت الإنسان وبيوت غيره.
وقوله: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم﴾ إن كان بها أهل وهي لغيره، يسلموا عليهم أي: على مَنْ فيها، وسُمِّي سلامًا على النفس وهو على الغير؛ لأن المؤمنين نفس واحدة كما قال النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى والسَّهَرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦ / ٦٦) النعمان بن بشير.]]، وإن كانت بيوتًا ليس فيها أحد، الإنسان يُسَلِّم على نفسه يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ لأن هذا هو السلام الذي عَلَّمه النبي ﷺ أمته أن يسلموا على أنفسهم كما في الصلاة.
وقوله: ﴿تَحِيَّةً﴾ مصدر (حيَّا)؛ يعني: تُحَيَّون تحية.
وقوله: ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أضافها الله إليه؛ لأنه هو الذي شرعها، ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ يعني: هذه التحية من عند الله، أو أنها منه لأنه هو الذي شرعها، أو أنه الغاية بها يعني: أنها تطلب منه؛ لأنك تقول: السلام علينا أو السلام عليكم فهي تُطْلَب منه، فهو غايتها أو هو مُشرِّعُها فإضافتها إلى الله لأنه المُشَرِّع الشارع لها فهو الذي أمر بها ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، أو لأنه غايتها أي: الذي تنتهي إليه هذه التحية ليثيب عليها ويجيبها.
وقوله: ﴿مُبَارَكَةً﴾ ويش معنى مباركة؟ أي: ذات بركة، والبركة كما مر هي الخير الكثير الثابت.
وقوله: ﴿طَيِّبَةً﴾ قال المؤلف: (مُثابًا عليها)، وهذا من الطِّيب أن تكون مُثابًا عليها؛ لكن من الطَّيِّب أيضًا أن تكون موافقة لشريعة الله؛ لأن الأعمال الصالحة والطيبة معناه هي الموافقة للشرع بأن تكون مخلصًا فيها لله مُتَّبِعًا فيها رسول الله ﷺ.
وقوله: (﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ أي: يُفَصِّل لكم معالم دينكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكي تفهموا ذلك).
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ﴾ مر علينا أننا نعرب (الكاف) اسمًا بمعنى مثل على أنها مفعول مطلق لـ (يُبَيِّن) أي: مثل ذلك البيان (يبين)، و﴿الْآيَاتِ﴾ سبق أن المراد بها الشرعية والكونية؛ فالشرعية ما جاءت به الرسل، والكونية مخلوقات الله التي نشاهد ونسمع.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (لعل) هذه للتعليل؛ أي: لأجل أن تعقلوا، ومعنى العقل هنا الفهم على ما مشى عليه المؤلف، ولكن الأصح أنه أعمُّ من ذلك؛ أنه الفهم وحسن التصرُّف؛ لأن العقل -كما مر علينا- نوعان، ما هما؟
* طالب: إدراك.
* الشيخ: وعقل تصرُّف، فعقل الإدراك هو مَناطُ التكليف وهو حاصل للمسلم والكافر والبر والفاجر، وعقل التصرُّف هو إحسان التصرف؛ أن يكون الإنسان يتصرَّف تصرُّفًا مبنيًّا على عقل، هذا يَخْرُج منه الكافرُ والفاسق؛ لأنهم لم يُحسِنوا التصرُّف فهم غير عاقلين؛ ولهذا دائمًا ينفي الله سبحانه وتعالى العقل عن الكفار مع أنهم من أذكى الناس وأفهمهم، لكن ليس عندهم عقل التصرف، عندهم عقل الإدراك فقط، والذي يُحمَد عليه الإنسان هو عقلُ التصرُّف، أما العقل الأول فإنه لا يُحمد عليه؛ لأنه ليس من كَسْبِه.
* طالب: العقل بمعنى (...).
* الشيخ: معنى أيش.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إلا، له عقل؛ لأنه من العِقال؛ إذ إنه يَعْقِل صاحبَه لإحسان التصرُّف، ليس تصرُّف المجنون كتصرف هذا.
* طالب: (...).
* الشيخ: عقل الإدراك، العقل الذي يتميز به الإنسان عن المجنون هو عقل الإدراك، المهم إن المراد بالعقل هنا ليس مجرد الفهم؛ لأننا إذا فسَّرْناه بمجرد الفهم حولناه إلى عقل الإدراك فقط، وعقل الإدراك ليس مناطًا للمدح، وإنما المناط للمدح عقل التصرف الذي يُحْسِن به الإنسان التصرف، وهذا هو المراد بهذه الآية؛ أي: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تدركون ذلك وتحسنون التصرف بمقتضى هذه الآيات التي بَيَّنها الله لكم.
* يستفاد من هذه الآية.
* أولًا: بيان رحمة الله سبحانه وتعالى في نفي الحرج عمن لا يستحقه؛ لقوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾
* ثانيًا: بيان سهولة هذه الشريعة بنفي الحرج عمن لا يستحق أن يلحقه.
* ثالثًا: أن الأحكام تدور مع عللها، فإذا وُجِدَت العلةُ الحكمُ ثَبَتَ، وإذا انتفت انتفى الحكم؛ لأن نفي الحرج عن هؤلاء ويش هو لأجله؟ لهذه العلة التي فيهم، فإذا برأ المريض، واستقام مشيُ الأعرج، ورد الله البصر على الأعمى انتفى هذا الحكم في حقهم، وثبت في حقهم ما يثبت في حق السالمين.
* وفيه: جواز الأكل من بُيوت هؤلاء المذكورين سواء بإذن أو بغير إذن إلا إذا علمنا عدم رضاهم، فإذا علمنا أنهم لا يرضون فإنه لا يجوز الأكل من بُيوتهم.
* وفيه دليل على: أن مال ابن الإنسان مال له كيف ذلك؟
* طالب: (...) إن خير، بمعنى: ما أكلتم.
* الشيخ:«إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ».
* الطالب: إن أطيب ما أكلتم وأبناءكم.
* الشيخ:«وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُم»[[أخرجه أبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٣٥٨) واللفظ له، والنسائي (٤٤٤٩)، وابن ماجه (٢١٣٧) من حديث عائشة.]]، وهنا وجه الدلالة من الآية؟
* الطالب: (...) هنا ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾، ولم يذكر يعني..
* الشيخ: الأولاد، ما ذكر الأولاد، فدل على أن المراد بالبيوت بيوتكم وبيوت أولادكم.
* وفيه دليل أيضًا على: تحكيم العادة في الأمور؛ لأنه إنما أبيح لنا الأكل من هذه البيوت؛ لأن العادة والعرف الرضا بذلك، معروف هادول الأقارب والصديق ومالك المفاتيح كلهم مما جرى العرف بأنهم يسامحون في الأكل، ولكنه سبق إن الإنسان لا يحمل شيئًا، يأكل ولا يحمل؛ ولهذا إنما أجاز الله الأكل فقط.
* وفيه أيضًا -في الآية- دليل على: جواز الأكل مجتمعين ومتفرقين؛ لقوله ﴿جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾، ولكن الأفضل كما مر الاجتماع.
* وفيه أيضًا دليل على: مشروعية السلام عند الدخول إلى البيوت؛ لقوله: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، وكان هذا من هَدْيِ النبي ﷺ، إلا أن الإنسان يبدأ بشيء قبل السلام وهو السواك، إذا دخل بيته يبدأ أولًا بالتسوُّك[[أخرجه مسلم (٢٥٣ / ٤٣) من حديث عائشة.]] ثم يسلم على أهله[[أخرجه الترمذي (٢٦٩٨) من حديث أنس، ولفظه: يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ.]].
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، قبل هذا، قبل السلام؛ لأن الغالب في وقتنا هذا إنه ما يكونوا عند الباب، لكن إن كانوا عند الباب فالسلام عليهم قبل.
* وفيه أيضًا دليل على: فضيلة السلام لكون الله تعالى وصفه بأنه: تحية من عنده مباركة طيبة؛ ثلاثة أوصاف، وهذا لا شك دليل على فضله، فيدل على أنه أفضل من قول الإنسان: أهلًا وسهلًا، وشبهه، وعلى أن الإنسان لو أجاب السلام بأهلًا وسهلًا لن يجزئ؛ لأن أهلًا وسهلًا لا توصف بأنها ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾.
أما السلام عليكم أو عليكم السلام، فإنه يوصف بأنه ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾؛ ولهذا تجدون هذا هدي الأنبياء في حديث المعراج؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سلم على النبي الذي يواجهه في السماء رد عليه السلام وقال: «مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ» في آدم وإبراهيم، و«بِالْأَخِ الصَّالِحِ» فيمن عداهم: «مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ» فيرحِّبُون بعد أن يردوا السلام، وكونه يقول في الحديث: «فَرَدَ السَّلَامَ وَقَالَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٧) واللفظ له، ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) من حديث مالك بن صعصعة.]] دليل على أن هذا ليس من رد السلام، وهذا أمر معلوم، لكن مع الأسف أن الناس الآن هجروا هذا، وصار غالب الناس إذا سلَّمْتَ عليهم قالوا لك: أهلًا ومرحبًا، ولَّا هَلَا ولَّا مَرْحَبًا، هذا لا يجزي ولا يجوز الاقتصار عليه.
* طالب: (...) التليفون.
* الشيخ: إي نعم، سلام التليفون، كل ما خابرت أحدًا سلِّم عليه؛ لأن حقيقة التليفون مواجهة، لكنها غَيْبِيَّة، فتقول: السلام عليكم، ولكن أيضًا هذا مما يُؤْسَف له إن الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم يمكن نقول: عالمهم وجاهلهم ما يفعلون هذا، يقولون: ألو وألو أسمع (...).
* * *
ثم قال تعالى مُؤَدِّبًا عباده: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣]
* طالب: (...).
* الشيخ: أن يقول: غفر الله لكم، انصرفوا غفر الله لكم، أو اللهم اغفر لهم.
قال: (﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ بأن تَقُولوا: يا محمد، بل قولوا: يا نبيَّ الله، يا رسول الله، في لِينٍ وتواضعٍ وخَفْضِ صوت) إلى آخره.
قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ ﴿دُعَاء﴾ على كلام المؤلف بمعنى نداء، ومنه قولكم: دعوت فلانًا أي: ناديته، وعلى هذا فـ (دعاء) مضاف إلى مفعوله؛ لأن (دعاء) مصدر مضاف إلى مفعوله، وفاعله محذوف، والتقدير: لا تجعلوا دعاءكم الرسولَ هذا الأصل، فصرف الفاعل وأُضِيف المصدر إلى مفعوله أي: دعاءكم الرسول، هذا أصله.
وقوله: ﴿كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا﴾ هذا مضاف إلى فاعله ومفعوله ﴿بَعْضًا﴾ يعني: كما إذا دعا بعضكم بعضًا فإننا عندما يدعو بعضنا بعضًا نقول: يا فلان؛ لكن النبي عليه الصلاة والسلام له من الحق والإكرام ما لا يليق بنا أن ندعوه باسمه، بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، وقد التزم الصحابة رضي الله عنهم هذا الأدب، فصاروا يُنادُون النبي ﷺ بوصفه بالنبوة أو بالرسالة، وما ورد على خلاف ذلك من أقوال الصحابة أو دعائهم فإما أن يكون قَبْلَ النهي وإما أن يكون من جاهلٍ كالذي يَحْصَلُ من بعض الأعراب.
هذا ما ذهب إليه المؤلف وبعضُ المفسرين، وقال آخرون: المراد من ﴿دُعَاء الرَّسُول﴾ أي: دعاء الرسول إياكم فيكون المصدر مضافًا إلى فاعله؛ أي: لا تجعلوا دعاء الرسول إذا دعاكم كدعاء بعضكم بعضًا، إن شئتم أجبتم، وإن شئتم تركتم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام إجابته فرض، وعليه فإذا أمرنا بأمرٍ أو دعانا لأمر فإن إجابته فرض علينا ليست كغيره، إن شئنا أجبنا وإن شئنا تركنا، وعلى هذا فيكون في الآية نهيًا عن معصية الرسول ﷺ وأمرًا بطاعته ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضكُمْ بَعْضًا﴾.
ويؤيد هذا قولُه: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور ٦٣] فإن سياق الآية يؤيد هذا القول، لو قيل بأن الآية شاملة للمعنيين يجوز ولَّا لا؟ يجوز، يجوز أن نجعلها شاملة للمعنيين؛ لأننا أثبتنا قاعدة في هذا، وهو أن الآية إذا كانت تحتمل المعنيين بدون تناقض فإنها تُحْمَل عليهما جميعًا، أما إذا كانت تحتمل معنيين لكن معنى كل واحد يُخالِف الآخر فإنه حينئذ يجب طلبُ الترجيح، الذي يُرَجِّح أحدَ المعنيين فيؤخذ به، وأما إذا كانت صالحة لهما ولا منافاة بينهما فإن الواجب حَمْلُها على المعنيين جميعًا.
فعليه نقول: إن هذا من باب الأدب في مُخاطبة الرسول عليه الصلاة والسلام والأدب في إجابته، ففي مخاطبته ما نجعل مخاطبته ودعاءنا إياه كدعاء غيره، وفي إجابته لا نجعل دعاءه وطلبه لأمر من الأمور كطلب غيره؛ ومن ثَمَّ قال أهل العلم: لو دعاه النبي ﷺ وهو يصلي هل تجب عليه الإجابة ولَّا لا؟ تجب عليه الإجابة، ولو دعاه والده وهو يصلي فإن كان في فريضة لم يُجِبْه، وإن كان في نافلة أجابه، إلا أن يَعْلَم رضا والده بذلك بحيث يُشْعِره أنه يصلي فلا يهمه إذا كان يصلي ألا يجيب، فهذا لا يجيبه، وإما إذا كان والده من الناس الذين لا يعذرون وكذلك والدته فإنه يُجيبُه في النفل ويقطع صلاته.
الحرج؛ يعني: الإثم والمشقة، وذكرنا اختلاف العلماء في هذا المنفي عن الأعمى والأعرج والمريض، وأنهم ذكروا فيها ثلاثة آراء، وهي؟
* طالب: أنها في الجهاد.
* الشيخ: أنها في الجهاد.
* الطالب: أو أنها عامة في كل شيء.
* الشيخ: أو عامة في كل شيء.
* طالب: أنها في الأكل.
* الشيخ: أنها في مؤاكلتهم، والعموم أولى، والمعنى: ليس عليهم حرج فيما تكون هذه الأمراض أو هذه العاهات سببًا للعجز عنه من جهاد أو غيره، فليس عليهم حرج، ويكون في ذلك تمهيد لما ذكر بعدُ؛ يعني: فكما أن هؤلاء لا حرج عليهم فلا حرج عليكم أيضًا أن تأكلوا من بيوتكم، إلى آخره.
(﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا﴾ [النور ٦١] يعني: مجتمعين على الأكل، ﴿أَوْ أَشْتَاتًا﴾ متفرقين).
ثم قال الله تعالى: (﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ بيوتًا لكم لا أهل بها، ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة ترد عليكم، وإن كان بها أهلٌ فسلِّموا عليهم).
قوله: ﴿إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا﴾ ﴿بُيُوتًا﴾ نكرة في سياق؟
* طالب: (إذا).
* الشيخ: (إذا) ويش (إذا)؟
* الطالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية؛ في سياق الشرط، فتكون عامة في بيوت الإنسان وبيوت غيره.
وقوله: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ إن كان بها أهل وهي لغيره يسلم عليهم؛ أي: على من فيها، وسمي: سلامًا على النفس وهو على الغير؛ لأن المؤمنين نفس واحدة، كما قال النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦ / ٦٦) من حديث النعمان بن بشير.]].
وإن كانت بيوتًا ليس فيها أحد فإن الإنسان يسلِّم على نفسه، يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ لأن هذا هو السلام الذي علَّمه النبي ﷺ أمته؛ أن يسلموا على أنفسهم كما في الصلاة.
وقوله: ﴿تَحِيَّةً﴾ مصدر (حَيَّا)؛ يعني: تُحيون تحيةً، وقوله: ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أضافها الله إليه؛ لأنه هو الذي شرعها، ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ يعني: هذه التحية من عند الله، أو أنه الغاية بها؛ يعني: أنها تطلب منه؛ لأنك تقول: السلام علينا أو السلام عليكم، فهي تطلب منه، فهو غايتها أو هو مشرِّعها، فإضافتها إلى الله؛ لأنه المشرِّع الشارع لها، فهو الذي أمر بها ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، أو لأنه غايتها؛ أي: الذي تنتهي إليه هذه التحية؛ ليثيب عليها ويجيبها.
وقوله: ﴿مُبَارَكَةً﴾ ويش معنى ﴿مُبَارَكَةً﴾؟ أي: ذات بركة، والبركة -كما مرَّ- هي الخير الكثير الثابت.
وقوله: ﴿طَيِّبَةً﴾ قال المؤلف: (مثابًا عليها)، وهذا نعم من الطيب؛ أن تكون مثابًا عليها، لكن من الطيب أيضًا أن تكون موافقة لشريعة الله؛ لأن الأعمال الصالحة والطيبة معناه هي الموافقة للشرع؛ بأن تكون مخلَصًا فيها لله، متبعًا فيها رسول الله ﷺ.
وقوله: (﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ أي: يفصل لكم معالم دينكم، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكي تفهموا ذلك).
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ﴾ مر علينا أننا نعرب الكاف اسمًا بمعنى (مِثْل)، على أنها مفعول مطلق لـ﴿يُبَيِّنُ﴾؛ أي: مثل ذلك البيان يُبَيِّن.
و﴿الْآيَاتِ﴾ سبق أن المراد بها الشرعية والكونية؛ فالشرعية ما جاءت به الرسل، والكونية مخلوقات الله التي نشاهد ونسمع.
وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (لعل) هذه للتعليل؛ أي: لأجل أن تعقلوا، ومعنى العقل هنا: الفهم، على ما مشى عليه المؤلف، ولكن الأصح أنه أعم من ذلك؛ أنه الفهم وحسن التصرف؛ لأن العقل -كما مر علينا- نوعان، ما هما؟
* طالب: عقل إدراك.
* الشيخ: وعقل تصرف.
فعقل الإدراك هو مناط التكليف، وهو حاصل للمسلم والكافر، والبر والفاجر، وعقل التصرف هو إحسان التصرف؛ أن يكون الإنسان يتصرف تصرفًا مبنيًّا على عقل، هذا يخرج منه الكافر والفاسق؛ لأنهم لم يحسنوا التصرف، فهم غير عاقلين؛ ولهذا دائمًا ينفي الله سبحانه وتعالى العقل عن الكفار مع أنهم من أذكى الناس وأفهمهم، لكن ليس عندهم عقل التصرف، عندهم عقل الإدراك فقط، والذي يحمد عليه الإنسان هو عقل التصرف، أما العقل الأول فإنه لا يحمد عليه؛ لأنه ليس من كسبه.
* طالب: يا شيخ، العقل ما له أصل يعني في اللغة أو العرف أو الشرع؟
* الشيخ: إلا، له أصل.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لأنه من العقال؛ إذ إنه يعقل صاحبه بإحسان التصرف، ليس تصرف المجنون كتصرف هذا.
* الطالب: من أي قسم؟
* الشيخ: من عقل الإدراك، العقل الذي يتميزبه الإنسان عن المجنون هو عقل الإدراك.
المهم أن المراد بالعقل هنا ليس مجرد الفهم؛ لأننا إذا فسرناه بمجرد الفهم حوَّلناه إلى عقل الإدراك فقط، وعقل الإدراك ليس مناطًا للمدح، وإنما المناط للمدح عقل التصرف الذي يحسن به الإنسان التصرف، وهذا هو المراد بهذه الآية، أي ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تدركون ذلك وتحسنون التصرف بمقتضى هذه الآيات التي بيَّنها الله لكم.
* يستفاد من هذه الآية؛ أولًا: بيان رحمة الله سبحانه وتعالى في نفي الحرج عمن لا يستحقه؛ لقوله: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾.
* ثانيًا: بيان سهولة هذه الشريعة بنفي الحرج عمن لا يستحق أن يلحقه.
* ثالثًا: أن الأحكام تدور مع عللها؛ فإذا وجد في العلة الحكم ثبت، وإذا انتفت انتفى الحكم؛ لأن نفي الحرج عن هؤلاء، ويش هو لأجله؟ لهذه العلة التي فيهم، فإذا برئ المريض، واستقام مشي الأعرج، ورد الله البصر على الأعمى، انتفى هذا الحكم في حقهم، وثبت في حقهم ما يثبت في حق السالمين.
* وفيه: جواز الأكل من بيوت هؤلاء المذكورين أو لا؟ سواء بإذن أو بغير إذن، إلا إذا علمنا؟
* طالب: عدم رضاهم.
* الشيخ: عدم رضاهم، فإذا علمنا أنهم لا يرضون، فإنه لا يجوز الأكل من بيوتهم.
* وفيه دليل على أن مال ابن الإنسان مال له، كيف ذلك؟
* طالب: ﴿أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾، وقال الرسول يعني.. إن خير، بمعناه.. يعني ما أكلتم..
* الشيخ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ».
* الطالب: معناه أطيب ما أكلتم، وأبناؤكم..
* الشيخ: «وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٣٥٨)، والنسائي في المجتبى (٤٤٥٠)، وابن ماجه (٢٢٩٠) من حديث عائشة.]].
وهنا ما وجه الدلالة من الآية؟
* الطالب: قال هنا: ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ ولم يذكر الأولاد.
* الشيخ: ما ذكر الأولاد، فدل على أن المراد بالبيوت: بيوتكم وبيوت أولادكم.
* وفيه دليل أيضًا على تحكيم العادة في الأمور؛ لأنه إنما أبيح لنا الأكل من هذه البيوت؛ لأن العادة والعرف الرضا بذلك؛ لأنه معروف هؤلاء الأقارب والصديق ومالك المفاتيح كلهم مما جرى العرف بأنهم يسامحون في الأكل، ولكنه سبق أن الإنسان لا يحمل شيئًا، يأكل ولا يحمل؛ ولهذا إنما أجاز الله الأكل فقط.
* في الآية دليل على جواز الأكل مجتمعين ومتفرقين؛ لقوله: ﴿جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾، ولكن الأفضل -كما مر- الاجتماع.
* وفيه أيضًا دليل على مشروعية السلام عند الدخول إلى البيوت؛ لقوله: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، وكان هذا من هدي النبي ﷺ، إلا أن الإنسان يبدأ بشيء قبل السلام وهو؟
* طالب: السواك.
* الشيخ: السواك، إذا دخل بيته يبدأ أولًا بالتسوك، ثم يسلم على أهله.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، قبل هذا، قبل السلام؛ لأن الغالب في وقتنا هذا أنهم ما يكونون عند الباب، لكن إن كانوا عند الباب فالسلام عليهم قبل.
* وفيه أيضًا دليل على فضيلة السلام؛ لكون الله تعالى وصفه بأنه تحيةٌ من عنده مباركةٌ طيبةٌ، ثلاثة أوصاف، وهذا لا شك دليل على فضله، فيدل على أنه أفضل من قول الإنسان: أهلًا وسهلًا، وشِبْهِه.
وعلى أن الإنسان لو أجاب السلام بـ(أهلًا وسهلًا) لم يجزئ؛ لأن (أهلًا وسهلًا) لا توصف بأنها تحيةٌ من عند الله مباركةٌ طيبةٌ، أما السلام عليكم أو عليكم السلام فإنه يوصف بأنه تحيةٌ من عند الله مباركةٌ طيبةٌ؛ ولهذا تجدون هذا هدي الأنبياء في حديث المعراج؛ فإن «الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سلَّم على النبي الذي يواجهه في السماء رد عليه السلام وقال: مرحبًا بالابن الصالح، في آدم وإبراهيم، وبالأخ الصالح فيمن عداهم؛ مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٧)، ومسلم (١٦٤ / ٢٦٤) واللفظ للبخاري من حديث مالك بن صعصعة.]]، فيرحبون بعد أن يردوا السلام، وكونه يقول في الحديث: «فَرَدَّ السَّلَامَ وَقَالَ» دليل على أن هذا ليس من رد السلام، وهذا أمر معلوم.
لكن مع الأسف الناس الآن هجروا هذا، وصار غالب الناس إذا سلمت عليهم قالوا لك: أهلًا ومرحبًا، ولَّا هلا، ولَّا مرحبًا، هذا لا يجزئ، ولا يجوز الاقتصار عليه.
* طالب: شيخ، ينطبق على (...)؟
* الشيخ: إي نعم، السلام قصدك؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: إي نعم، كلما خاطبت أحدًا تسلم عليه؛ لأن -حقيقةً- التليفون مواجهة لكنها غيبية، فتقول: السلام عليكم، ولكن أيضًا هذا مما يؤسف له؛ أن الناس الآن كلهم صغيرهم وكبيرهم -يمكن نقول: عالمهم وجاهلهم- ما يفعلون هذا، يقولون: آلو، و(آلو) أسمع أنها تحية إنجليزية.
* طالب: (...).
* الشيخ: مشكلة، حالة الناس -الله يهدينا وإياهم- ما هم يفطنون لهذه الأمور.
أما (تليفون) أنا أرى أن الأسماء الواردة لا بأس أنها تبقى على ما هي عليه؛ لأن الأسماء المعرَّبة في اللغة العربية موجودة من قديم، فلا بأس أن نقول: تليفون، ولا يلزم أن نقول: هاتف، مثلًا، وكذلك نقول: راديو، ولا يلزم نقول: مذياع، لكن المشكل الشيء المخالف للشرع؛ يعني: نبدل كلمة شرعية واردة في مثل هذا المقام بكلمة غير شرعية، هذا هو المشكل، ولَّا مسألة الأسماء التي ترد؛ لأن هم الذين صنعوها وسموها بهذا الاسم، ما علينا منهم، وإن كان بعض العلماء يقول: لا، هم سموها هذا الاسم مراعاة للمعنى لا مراعاة لمجرد الصنعة، فهم يقولون مثلًا: إن راديو أظن بمعنى هاتف عندهم.
* طالب: راديو بمعنى مذياع.
* الشيخ: بمعنى مذياع، فما دام أنهم مراعون المعنى يجب أننا نأتي باللفظ الذي يدل على هذا المعنى في لغتنا، إنما المسألة بسيطة هذه، لكن الكلام عن الذي يخالف الشرع، أما المسائل هذه فهي أهون.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الحث على؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، ربما يؤخذ منه، وربما يقال: إن مطلق السلام فيه البركة، وهو أولى؛ لأن تقييدنا إياه بما إذا قال: ورحمة الله وبركاته يكون تقييدًا لشيء موسَّع، فالنبي عليه الصلاة والسلام دائمًا يسلم يقول:« «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ»[[أخرجه البخاري (٤٧٣٩) من حديث عائشة.]]، ولكن مع ذلك نقول: إن الأفضل: ورحمة الله وبركاته، لا شك في هذا، إنما إذا هو اقتصر على الأول فإنه يصح أن نقول: ﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾؛ لأن هذا وصف للتحية لا وصف لصيغتها؛ يعني: نفس التحية مباركة طيبة، وليس وصفًا لصيغتها؛ أن تكون فيها لفظ البركة ولفظ الطيب، ولَّا كان يقول بعد: وطيباته.
* وفي هذه الآية أيضًا دليل على عناية الله سبحانه وتعالى بالخلق؛ حيث كان يبين لهم الآيات؛ لأجل أن يتصرفوا تصرف العاقل فيتبعوا شريعته، ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ومرَّ علينا أن هذا البيان بالنسبة للآيات الشرعية ما يعرفها إلا المؤمنون الذين آمنوا بها وعقلوها، وأما الآيات الكونية فقد يؤمن بها حتى الكافر؛ الكفار يؤمنون بأن الله خالق السماوات والأرض، وأنه بيده ملكوت السماوات والأرض، وأنه منزل الغيث، إلى آخره.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ما ورد في هذا المكان بعينه عن الرسول، لكن ورد تعليمها السلام علينا في الصلاة، حيث قال: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣١)، ومسلم (٤٠٢ / ٥٥) من حديث ابن مسعود.]]، وأيضًا كذلك رد الملائكة ما فيه أثر؛ أن الملائكة ترد عليك ما فيه أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هم يقولون: إذا لم يكن فيها أحد فقد قال الله تعالى: ﴿سَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾، فإننا نأخذ من هذا العموم أن نسلم على من فيها، وهم -لأنهم مؤمنون- كأنفسنا، وإذا لم يكن فيها أحد نسلم على أنفسنا خاصةً، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، هذا الذي ورد به الشرع في الصلاة.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يمكن هذا، لكنه على بعد، وتكون سلمت على نفسك؛ لأنك أنت السبب في رده، والمتسبب كالمباشر، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «يَلْعَنُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَلْعَنُ أَبَاهُ» لما قالوا: هل يلعن الرجل والديه؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٧٣)، ومسلم (٩٠ / ١٤٦)، وأبو داود (٥١٤١) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو.]]، هذا يمكن أن نجعل وجه كونه على أنفسنا أننا إذا سلمنا رد علينا، لكنه في الحقيقة قد يتخلف فيما إذا لم يرد، فإذا سلمت عليه فقد سلمت على نفسي، ردَّ أم لم يردَّ، حتى لو فرض أنه ما رد عليَّ فقد امتثلت الأمر، إي نعم.
* طالب: الآن قلنا: إن الأعمى والأعرج نعذرهم لما كانت هذه العاهة عندهم فهل نقول كذلك (...) ضعيف النظر أو فيمن كان متوسطًا بين البصير البصر العادي أو بين هذا العمى، بمعنى نقول مثلًا: ضعيف النظر(...)؟
* الشيخ: إي نعم؛ يعني مثلًا لو فرضنا أن الإنسان كُلِّف بالكتابة، الكتابة واجبة إذا دعي الإنسان إليها، كما قال الله تعالى: ﴿فَلْيَكْتُبْ﴾ [البقرة ٢٨٢] يعني: لو دعاك أحد تكتب بينهم وثيقة وأنت قادر، فقد أمرك الله أن تكتب، إذا كان ضعيف النظر ما يستطيع ما عليه حرج، لو ما هو بأعمى، على كل حال؛ يعني: هذه العاهات إن كانت كاملة عُذِر الإنسان فيها عذرًا كاملًا، وإن كانت ناقصة فبحسبه، الحكم يدور مع علته.
* طالب: (...) على سبيل الحصر ولَّا على سبيل (...)؟
* الشيخ: لا، على سبيل الحصر، وهذا هو فائدة؛ ذكر التنصيص على كل واحد، وألا كانت تأتي الآية: ولا على أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أقاربكم، لكن هؤلاء منصوص عليهم؛ يعني: فمثلًا ابن الخالة ما تأكل من بيته، وابن العمة ما تأكل من بيته؛ لأن المنصوص عليهم، هذا فائدة ذكر كل واحد بنفسه.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ابن العمة ما هو ببيت لك.
* الطالب: قياسًا.
* الشيخ: لا، ولا يصلح قياسًا؛ لأنك لو أردت أن تقيسها على ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ جعلتها أعلى من العمة؛ يعني: جعلتها في منزلة أولى أن تؤكل من العمة، إذا دخَّلتها في ﴿بُيُوتِكُمْ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما تدخل، غير هؤلاء المنصوص عليهم ما تأكل من بيته إلا إذا أذن؛ يعني: هو والأجنبي سواء.
* طالب: قوله: ﴿أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ (...) عامة (...) عدم العقوق؟
* الشيخ: إي نعم، بس الأم أشد؛ يعني أوجب برًّا، كلما دنا فهو أوجب، كما قال النبي ﷺ: «ثُمَّ ادْنَاكَ، فَادْنَاكَ»[[أخرجه مسلم (٢٥٤٨ / ٢) من حديث أبي هريرة.]].
* الطالب: أن تكون بمنزلة الأم.
* الشيخ: إي نعم؛ ولهذا يجب برها ويجب الإنفاق عليها، وكل ما يثبت للأم يثبت لها، إلا إنها -الأم- أحق وأولى، كذلك أيضًا بالنسبة للجد مثلها، إلا أن الجد يخالف الأب في بعض المسائل، كمسألة التملك، فإن الذين قالوا بجواز تملك الأب من مال ولده خصوه بالأب الأدنى؛ لأن حقيقة الأمر أن المسألة ضعيفة ما تتوصل إلى أن يكون الجد ومن علا يتملك، حتى الأب مختلف في تملكه من مال ولده.
* * *
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ [النور ٦٢] ﴿إِنَّمَا﴾ أداة حصر، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ والحصر يفيد إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، وعلى هذا فالإيمان ثابت لمن وصفوا بهذه الصفات، ومنتفٍ عمن تخلَّف عنهم منها شيء.
أولًا: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ والإيمان بالله ورسوله -كما أسلفنا- لا يكون إيمانًا حتى يتضمن القبول، ويش بعد؟
* طالب: والإذعان.
* الشيخ: والإذعان، حتى يتضمن القبول والإذعان، أما مجرد التصديق فليس بإيمان، فلو صدَّق الإنسان بالله وبرسوله ﷺ، ولكن ما قَبِل ما جاء به ولا أذعن له فليس بمؤمن؛ ولهذا أبو طالب كان مصدقًا بالنبي ﷺ، ومع ذلك ليس بمؤمن به؛ لأنه لم يقبل ما جاء به ولم يذعن له، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ يعني: إيمانًا صحيحًا يتضمن القبول والإذعان.
وقوله: ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ﴾ مع من؟ يقول: (﴿مَعَهُ﴾ أي: الرسول ﷺ، ﴿عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ كخطبة الجمعة، ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ لعروض عذر لهم، ﴿حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ ).
﴿إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ يعني: على أمر عامٍّ للمسلمين؛ من الجهاد والمشورة والجمعة وغيرها، كل أمر جامع عام للمسلمين ليس أمرًا خاصًّا بهم، إذا اجتمعوا ما يذهبون حتى يستأذنوه؛ لأن ذهابهم بدون استئذان يؤدي إلى الفوضى واختلال النظام.
فلو فرض أنه نودي: الصلاة جامعة، واجتمع الناس للتشاور في أمر، ثم قام واحد بعد أن حضر الناس، قام وانصرف بدون استئذان، نقول: هذا حرام ولا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى تفكك هذا الاجتماع وإلى الفوضى وعدم النظام.
فإذا اجتمع المسلمون على أمر جامع؛ يعني: عام للمسلمين من خطبة جمعة وغيرها، فإنه لا يجوز لأحد أن ينصرف إلا بعذر وبعد الاستئذان؛ لما في ذلك من الضعف؛ إضعاف الباقين؛ لأنه إذا شافوا الواحد يقوم قام الثاني، وقام الثالث، وقام الرابع، وهكذا، ولا شك أنه -كما نشاهد نحن الآن- إذا قام واحد من المجتمع فإنه يتبعه أناس، ويكون هذا بمنزلة الحائط -أي: الجدار- الذي انهدم منه ثُلْمة، لا يتماسك فيما بعد، والعوام لهم مثال يقولون: إذا طاح من طي الركية طية إلا طاح؛ الركية يعني: البير، إذا طاح منها حصاة ويش الباقي؟ يتداعى، لا تعده إلا طاح.
فالحاصل: أن المؤمنين حقيقةً هم الذين إذا كانوا مع الرسول ﷺ على أمر جامع، ويش معنى جامع؟ أي: شامل وعام؛ كالتجمع للجهاد، والتجمع للمشاورة، والتجمع إلى أمر هام يتعلق بالمسلمين عمومًا، فإنهم لا يذهبون من مكان الاجتماع حتى يستأذنوا النبي ﷺ.
ثم إنه يقول المؤلف أيضًا قيده بقيد لا بد منه قال: (لعروض عذر لهم)، أيضًا ما يذهبون إلا لعذر، فلا بد من العذر، والعذر أمر خفي لا يعلم، ولا بد من الاستئذان؛ ليتبين لجميع الحاضرين عذرهم، ولا يكون في ذلك خللٌ عليهم.
* طالب: شيخ، هذه خاصة بالرسول ﷺ؟
* الشيخ: لا، هذه عامة لكل اجتماع.
* الطالب: كل الاجتماعات؟
* الشيخ: كل الاجتماعات العامة التي لمصلحة الإسلام والمسلمين، ما يجوز لأحد أن ينصرف إلا لعذر وبعد الاستئذان.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، هذه ما هي من مصالح المسلمين.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: ما هي من مصالح المسلمين، الكلام على اللي فيها مصالح للمسلمين، ﴿أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ يعني: يجمع المسلمين لمصالحهم، وإما أنه يروحوا (...) كيف؟ اللي يدخل، يدخل، وإن كان أنه ما ينبغي للإنسان أن يشرد عن ربعه، لكن كونه أنه يقول: هذا حرام، ما نقول: حرام؛ لأن هذا ما يخل بالإسلام ولا شيء، غاية ما هنالك أنه يخل بهذا الجمع (...) يتمتعون (...) كيف؟ ما فيه شيء.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ لا شك أن تركيب الجملة على هذا يدل على الشرف ورفعة المكانة؛ لقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ﴾ فإن (أُولَاء) اسم إشارة تدل على تعظيم المشار إليه؛ ولهذا جاءت بصيغة البعيد ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارة إلى علو مرتبتهم، ثم جاءت مؤكدة بـ(إن)، ثم جاءت بالجملة الاسمية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فحصر الإيمان بالله ورسوله في هولاء الذين يستأذنون رسول الله ﷺ، إذا كانوا معه على أمر جامع يستأذنونه قبل أن ينصرفوا.
(﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ أمرهم، ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ بالانصراف، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ).
﴿إِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ فاشترط الله سبحانه وتعالى أن يكون الاستئذان لشيء من الشؤون؛ يعني: لأمر من أمورهم التي يُعذرون بها بالتخلف عن الجمع، ثم قال للرسول: ﴿أْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ﴾، فجعله أيضًا مخيرًا في الإذن وعدمه، ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ﴾، وهذا التخيير هل هو تخيير تشهٍّ وإرادة مطلقة أو تخيير مصلحة؟
* طالب: تخيير مصلحة.
* الشيخ: تخيير مصلحة.
ما هو الضابط لتخيير المصلحة وتخيير التشهي والإرادة المطلقة؟ إذا كان التخيير من أجل الرفق بالمكلف فهو تخييرُ تشهٍّ، مثلما يوجد في بعض الكفارات، ككفارة اليمين ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة ٨٩]، وكما في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة ١٩٦].
فإذا كان الغرض من التخيير مراعاة التسهيل على المكلف فهو من باب التشهي؛ يعني: اللي تشتهيه افعله، وإذا كان التخيير من أجل مصلحة عامة أو خاصة فإنه تخيير مصلحة، وذلك فيما إذا كان يتعلق بالغير، فتخيير -مثلًا- ولي اليتيم في بيع ماله أو حبسه، أو إقراضه أو عدم إقراضه، هذا من باب تخيير المصلحة؛ لأنه يتصرف لغيره.
وكذلك أيضًا تخيير النبي عليه الصلاة والسلام هنا ﴿فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ﴾، هذا تخيير مصلحة، إذا كان إذنُ الرسول ﷺ لهؤلاء لا يضر بالجمع، وفيه أيضًا مصلحة بيِّنة لهم أكثر من مصلحة بقائهم، فهنا يتعين؟
* طلبة: الإذن.
* الشيخ: يتعين الإذن، وإذا كان يخشى إذا أذن لهم أن يكثر المستأذنون وينهدم هذا الجمع، أو أن بقاءهم في هذا الجمع أصلح لهم من ذهابهم لشأنهم، فهنا يتعين ألَّا يأذن لهم، فتخيير النبي عليه الصلاة والسلام هنا يرجع إلى المصلحة؛ إذا اقتضت المصلحة الإذن أذن، وإلا فلا.
وقوله تعالى: ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ عبَّر بالبعض إشارة إلى أنهم إذا استأذنوا لشيء مهم -وإن لم يكن الشؤون المتعددة- فإنه يكون عذرًا في جواز الاستئذان والإذن لهم.
ثم مع ذلك قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ وهذا الاستغفار لهم لتطييب قلوبهم، إذا انصرفوا عن هذا الجمع وفاتهم أجره، فاستغفر لهم الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن قلوبهم تطيب في الانصراف، ولا يبقى في قلوبهم حرج وقلق، هذه من جهة، ومن جهة أخرى ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمُ﴾؛ لأنه قد يكون في استئذانهم هذا أمر لا يعذرون فيه، هم ظنوه عذرًا فاستأذنوا من أجله، وهو ليس بعذر عند الله، ويكون استغفارك لهم ماحيًا لما عسى أن يكون من التقصير والتفريط في ذلك.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هذا تقدم الكلام عليه مرارًا، وقلنا: إن المغفرة في جانب الذنوب، والرحمة في جانب حصول المطلوب؛ ففي المغفرة النجاة من المكروه، وفي الرحمة حصول المطلوب.
ثم قال تعالى مؤدبًا عباده: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور ٦٣].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: أن يقول: غفر الله لكم، انصرفوا غفر الله لكم، إي نعم، أو اللهم اغفر لهم.
قال: (﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ بأن تقولوا: يا محمد، بل قولوا: يا نبي الله، يا رسول الله، في لين وتواضع وخفض صوت) إلى آخره.
قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ ﴿دُعَاءَ﴾ على كلام المؤلف بمعنى: نداء، ومنه قولكم: دعوت فلانًا؛ أي: ناديته، وعلى هذا فـ﴿دُعَاءَ﴾ مضاف إلى مفعوله؛ لأن (دعاء) مصدر مضاف إلى مفعوله، وفاعله محذوف، والتقدير: لا تجعلوا دعاءكم الرسولَ، هذا الأصل، فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى مفعوله؛ أي: دعاءكم الرسول، هذا أصله.
وقوله: ﴿كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ هذا مضاف إلى فاعله، ومفعوله ﴿بَعْضًا﴾؛ يعني: كما إذا دعا بعضكم بعضًا، فإننا عندما يدعو بعضنا بعضًا نقول: يا فلان، لكن النبي عليه الصلاة والسلام له من الحق والإكرام ما لا يليق بنا أن ندعوه باسمه، بل نقول: يا نبي الله، يا رسول الله، وقد التزم الصحابة رضي الله عنهم هذا الأدب، فصاروا ينادون النبي ﷺ بوصفه بالنبوة أو بالرسالة، وما ورد على خلاف ذلك من أقوال الصحابة أو دعائهم؛ فإما أن يكون قبل النهي، وإما أن يكون من جاهل، كالذي يحصل من بعض الأعراب، هذا ما ذهب إليه المؤلف وبعض المفسرين.
وقال آخرون: المراد من ﴿دُعَاءَ الرَّسُولِ﴾ أي: دعاء الرسول إياكم، فيكون المصدر مضافًا إلى فاعله؛ أي: لا تجعلوا دعاء الرسول إذا دعاكم كدعاء بعضكم بعضًا؛ إن شئتم أجبتم، وإن شئتم تركتم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام إجابته فرض.
وعليه، فإذا أمرنا بأمر أو دعانا لأمر فإن إجابته فرض علينا، ليست كغيره؛ إن شئنا أجبنا، وإن شئنا تركنا، وعلى هذا فيكون في الآية نهيًا عن معصية الرسول ﷺ وأمرًا بطاعته، ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾، ويؤيد هذا قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، فإن سياق الآية يؤيد هذا القول.
لو قيل بأن الآية شاملة للمعنيين، يجوز ولَّا لا؟ يجوز أن نجعلها شاملة للمعنيين؛ لأننا أسلفنا قاعدة في هذا، وهو: أن الآية إذا كانت تحتمل المعنيين بدون تناقض فإنها تحمل عليهما جميعًا، أما إذا كانت تحتمل معنيين لكن معنى كل واحد يخالف الآخر، فإنه حينئذٍ يجب طلب الترجيح الذي يرجح أحد المعنيين فيؤخذ به، وأما إذا كانت صالحة لهما ولا منافاة بينهما، فإن الواجب حملها على المعنيين جميعًا.
فعليه، نقول: إن هذا من باب الأدب في مخاطبة الرسول عليه الصلاة والسلام، والأدب في إجابته؛ ففي مخاطبته ما نجعل مخاطبته ودعانا إياه كدعاء غيره، وفي إجابته لا نجعل دعاءه وطلبه لأمر من الأمور كطلب غيره.
ومن ثَمَّ قال أهل العلم: لو دعاه النبي ﷺ وهو يصلي هل تجب عليه الإجابة ولَّا لا؟ تجب عليه الإجابة، ولو دعاه والده وهو يصلي؛ فإن كان في فريضة لم يجبه، وإن كان في نافلة أجابه، إلا أن يعلم رضا والده بذلك، بحيث يشعره أنه يصلي، فلا يهمه إذا كان يصلي ألَّا يجيب، فهذا لا يجيبه، وأما إذا كان والده من الناس الذين لا يعذرون -وكذلك والدته- فإنه يجيبه في النفل ويقطع صلاته.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يخفف الفريضة إذا علم أن والده له شغل، لكن لا على وجه يُخِل بها.
قال: (﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾ [النور ٦٣] أي: يخرجون من المسجد في الخطبة من غير استئذان خفية مستترين بشيء، و﴿قَدْ﴾ للتحقيق).
قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ﴾ التسلل معناه: الخروج بخفية، هذا معنى التسلل، وقوله: ﴿لِوَاذًا﴾ أي: لائذين بشيء، فهو مصدر في موضع الحال؛ يعني: يتسلل ويلوذ بشيء، كالسارية مثلًا أو كالشخص الآخر يصير واقف ثم يروح من وراه وينسل، وما أشبه ذلك.
وقول المؤلف: (في الجمعة) هذا بناءً على أن المراد بالأمر الجامع خطبة الجمعة، وإذا قلنا: أن المراد به ما هو أعم، مثل يتسللون ويش عنه؟ عن موضع الجمع، سواء في الجمعة أو في غيرها، فالله تعالى عالم بهولاء الذين يتسللون لائذين بشيء؛ لأنهم خرجوا عما كان عليه المسلمون، وعما يجب عليهم أن يكونوا عليه.
وقوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ﴾ قال المؤلف: (﴿قَدْ﴾ للتحقيق)، وإنما نص على ذلك؛ لأن المعروف في علم النحو: أن (قد) إن دخلت على ماضٍ فهي للتحقيق، وإن دخلت على مضارع فهي للتقليل؛ قد يجود البخيل، وقد يفهم البليد، وقد يسبق العاجز، وما أشبه ذلك، هذه للتقليل، لكنها أحيانًا تأتي للتحقيق، مثل هذه الآية: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا﴾، ومثل قوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ﴾ [الأحزاب ١٨]، وإنما أتي بالمضارع هنا؛ لأجل أن يتبين أن هذا العلم ليس لما مضى فقط، بل ولما يستقبل، فعلم الله في هؤلاء المتسللين ليس علمًا بمن سبق تسلله، بل بمن سبق تسلله وبمن (...).
* * *
﴿تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور ٦١] وأن ذلك من الآيات التي بينها الله تعالى للعباد وأوضحها لهم؛ لما في ذلك من جلب المودة والمحبة والخير، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالسلام وقال: «وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[[أخرجه مسلم (٥٤ / ٩٣) من حديث أبي هريرة.]].
ثم تقدم أيضًا: أن الله حصر الإيمان في ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ﴾ يعني: مع الرسول ﷺ، ﴿عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ عام شامل، ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾، وبين أن المستأذنين هم الذين يؤمنون بالله ورسوله، وأن الذين يتسللون لواذًا بدون استئذان هم الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله، وتوعدهم على ذلك بأنه يعلم هذا العمل منهم، وإخباره بأنه عالم به دليل على أنه سيجازيهم عليه؛ إذ لا فائدة من الإخبار بالعلم إلا وقوع المجازاة على ذلك.
* وفي الآية دليل على أن الإيمان ينقسم إلى ناقص وكامل؛ لأن عدم الاستئذان في الأمر الجامع لا يوجب الكفر، ولكنه معصية تنافي كمال الإيمان، فالإيمان قد يراد به مطلق الإيمان، وقد يراد به الإيمان المطلق، والفرق: أن مطلق الإيمان يصدق ولو بإيمان ناقص، والإيمان المطلق هو الإيمان؟
* طالب: الكامل.
* الشيخ: الكامل، ففرق بين مطلق الإيمان؛ أن تضيف (مطلق) إلى (إيمان)، وبين أن تصف الإيمان بالمطلق، فالإيمان المطلق؛ أي: الكامل، ومطلق الإيمان؛ أي: أن يكون مع الإنسان أصل الإيمان وإن لم يكن كاملًا، ففي قوله تعالى في كفارة القتل: ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء ٩٢]، المراد بالإيمان هنا: المطلق أو مطلق الإيمان؟
* طالب: مطلق الإيمان.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأنه لا يشترط في عتق الرقبة أن يكون المعتَق كامل الإيمان، بل يكفي أن يكون مؤمنًا، ولو أن معه أصل الإيمان فقط.
وفي قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ كهذه الآية، وفي قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال ٢] المراد بالإيمان؟
* طالب: المطلق.
* الشيخ: الإيمان المطلق؛ يعني: الإيمان الكامل هو الذي يكون على هذه الأوصاف.
* وفي الآية دليل على أن ولي الأمر يجب عليه التيسير على من تحت يده؛ لقوله: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾.
* وفيه أيضًا دليل على أن الاستئذان بدون عذر لا يقبل؛ لقوله: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْ نِهِمْ﴾، أما إذا استأذنوا لمجرد أنهم يريدون أن يتركوا العمل فإنه لا يؤذن لهم.
* وفيه أيضًا دليل على تفويض الأمر إلى من له ولاية؛ لقوله: ﴿لِمَنْ شِئْتَ﴾، ولكن هذا التفويض -كما أشرنا إليه في الدرس- تفويض للمصلحة لا لمجرد التشهي والإرادة، بل لا بد إذا رأى أن في الإذن لهم مصلحة أذِن لهم، فإذا رأى أن المصلحة في عدم الإذن فلا يجوز أن يأذن.
* وفيه أيضًا: عناية الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين؛ حيث أمر النبي ﷺ أن يستغفر لهم؛ ليطمئنوا على هذا الانصراف.
* وفيه أيضًا: أن الأولى عدم الاستئذان حتى وإن كان للإنسان شأن؛ لأن الأمر بالاستغفار دليل على أن هناك شيئًا منين؟ من التفريط الذي أمر النبي عليه الصلاة والسلام بأن يستغفر لهم عليه، وهذا صحيح لا شك؛ أن الأولى البقاء مع الجماعة، وأن الإذن أو الاستئذان للانصراف أمر قد يكون فيه ذنب؛ ولهذا أمر الله نبيه أن يستغفر لهم قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾.
* وفي الآية دليل أيضًا على انتفاع الإنسان بدعاء غيره؛ لقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾، والشواهد على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كثيرة، ولكن هل ينتفع الإنسان بعمل غيره سوى الدعاء أو لا ينتفع؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الجواب: إن كان له أثر في ذلك العمل فإنه ينتفع به بلا شك؛ مثل أن يكون هو الذي سَنَّ هذه السنة؛ يعني: ابتدأ العمل بها للناس ودل عليها، فإن النبي ﷺ يقول: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]، وكذلك إذا كان له أثر في العامل؛ مثل أن يكون والدًا له، «فَإِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٣٥٨)، والنسائي في المجتبى (٤٤٥٠)، وابن ماجه (٢٢٩٠) من حديث عائشة.]]، فالوالد ينتفع بعمل ابنه إذا تبرع به له؛ ولهذا «جاء رجل للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله، إن أمي افْتُلِتَت نفسها، وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: «نَعَمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٨٨)، ومسلم (١٠٠٤ / ٥١) من حديث عائشة.]].
وكذلك المرأة التي «سألت النبي ﷺ على أمها صوم شهر، فهل يجزئ أن تصوم عنها؟ فأذن لها النبي عليه الصلاة والسلام»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٥٣)، ومسلم (١١٤٨ / ١٥٤) من حديث ابن عباس.]].
وكذلك الحج؛ حيث «سألت امرأة النبي ﷺ فقالت: إن أباها أدركته فريضة الله على عباده بالحج شيخًا لا يستطيع الركوب على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نَعَمْ»، وذلك في حجة الوداع»[[متفق عليه؛ البخاري (١٥١٣)، ومسلم (١٣٣٤ / ٤٠٧) من حديث ابن عباس.]].
فإذا كان للمهدَى إليه أو للإنسان أثر في العمل أو في العامل انتفع به، لكن إذا لم يكن له أثر فيهما؛ مثل أن يتبرع قريب لقريبه أو صديق لصديقه بعمل صالح، فهل يجزئ ذلك أو لا يجزئ؟
اختلف في ذلك أهل العلم؛ منهم من يرى: أنه يجزئ، وأن الإنسان لو عمل عملًا صالحًا وجعل ثوابه لشخص من المسلمين فإنه ينتفع به، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد؛ على أن أيَّ قُربة وطاعة يتقرب بها العبد إلى الله ويجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت فإنه ينتفع بذلك.
ودليلهم على هذا: قياس غير الأولاد على الأولاد، قالوا: لأنه إذا جاز أن يصل عمل غير الإنسان إليه فلا فرق بين أن يكون ولدًا أو غير ولد، الشأن هل ينتفع الإنسان بعمل غيره؟
والذين قالوا بالمنع قالوا: إن الولد ليس كغيره؛ لأن الولد من أثر الإنسان ومن كَسْبه وفعله، وليس كالأخ والقريب والصديق ونحوهم.
أما الدعاء للمسلمين فهذا أمر مجمع عليه، وفيه نص الكتاب والسنة والإجماع، ولا أحد يخالف في ذلك.
فإذا سألنا سائل: أيما أولى أن أصلي ركعتين وأتصدق بثواهما لشخص من أقاربي غير الأب، أو أن أدعو لهذا الشخص في صلاتي؟
نقول: الأفضل أن تدعو له في صلاتك؛ لأن هذا أمر مجمع على نفعه، وأما أن تتصدق عليه بثواب صلاتك فهذا مختلف فيه؛ من العلماء من يرى جوازه، ومنهم من يرى أنه ليس بجائز وليس بمشروع، وأن الميت لا ينتفع به.
هذا في غير من استؤجر لعمل صالح ليُهديَه إلى غيره، كاستئجار بعض القراء ليقرؤوا قرآنًا للميت، فإن هذا لا ينتفع به الميت قطعًا؛ لأن هذا الرجل الذي قرأ لأجل المال إنما قرأ للدنيا، ومن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فليس له حظٌّ في الآخرة.
وعلى هذا فلا ثواب لهذا القارئ، وإذا لم يكن له ثواب هل ينتفع الميت بذلك؛ لأنه إنما ينتفع بالثواب لا بمجرد القراءة؟ فإذا قلنا: هذا القارئ لا ثواب له؛ لأنه أراد بعمل الآخرة الدنيا بقي الميت غير مستفيد من هذه القراءة.
* طالب: (...) وقال: اللهم هذا عن (...)؟
* الشيخ: هذا يستدل به، لكن هذا من باب الصدقة، وهو المال، وليس من باب العبادات البدنية المحضة.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لكن أهدى ثوابًا له، التقرب إلى الله ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج ٣٧]، فهذا الثواب الذي حصل له بهذا الذبح، هذا الذبح عمل مالي، ما هي بعمل بدني محض، مالي فهو كالصدقة، وأما عمل بدني محض؛ بيصلي الإنسان مثلًا أو يسبح أو يهلل أو يقرأ، فليس مثل هذا.
* الطالب: (...) الصدقات؟
* الشيخ: (...) الأعمال الصالحة.
* الطالب: حتى الأعمال البدنية (...) يتصدق بصدقة وهو (...) عن فلان.
* الشيخ: هذه يجوز عند أكثر أهل العلم؛ لأنهم يستدلون بحديث «الرجل الذي قال: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: «نَعَمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٨٨)، ومسلم (١٠٠٤ / ٥١) من حديث عائشة.]].
ويستدلون أيضًا بالأضحية؛ أن الرسول ضحَّى عن أمته وفيهم من هو حي وميت وليس النبي عليه الصلاة والسلام لهم.
لكن لقائل أن يقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أبٌ للمؤمنين، فهو كالرجل يضحي عن أهل بيته.
فالمسألة ما هي من الأمور التي يطمئن الإنسان إلى صحة القول بأن كل الأعمال تنفع الميت إذا أهديت له، أو تنفع الحي إذا أهديت له، ليست من الأمور التي يطمئن فيها الإنسان إلى هذا القول؛ ولهذا نرى أن الدعاء للأموات خير من إهداء القرب لهم، إلا ما ورد به النص فيتبع.
لكن الجمهور -كما عرفتم- الذين يقولون بالجواز يقيسون من عدا الأولاد على الأولاد، ويقيسون ما عدا الأموال على الأموال، ويقولون: المهم أن يصل الثواب إلى الميت من غيره، هذا هو المطلق، والقائلون بالمنع يقولون: إن الأولاد ليسوا كغيرهم ولا يقاسون على غيرهم؛ لأن الولد من كسب المرء.
وسبق أيضًا أن الله نهى المؤمنين أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضًا.
* فيستفاد منه: وجوب احترام النبي ﷺ وتعظيمه، وأنه لا يجوز للإنسان أن يناديه كما ينادي غيره من الناس؛ لما له من التعظيم والتوقير.
* وفيه أيضًا: على الوجه الثاني في معنى الآية: أن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام الأمة ليس كدعاء غيره، فإذا دعاك النبي ﷺ إلى أمر أو أمرك به فإنه يجب عليك ألَّا تجعل هذا الدعاء كدعاء غيره؛ لما في إجابته من امتثال أمر الله ورسوله.
* وفيه أيضًا: تحذير المتسللين في الأمور الجامعة بدون عذر واستئذان؛ لقوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ﴾.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُوا۟ مِنۢ بُیُوتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ ءَابَاۤىِٕكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ إِخۡوَ ٰنِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخَوَ ٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَعۡمَـٰمِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخۡوَ ٰلِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥۤ أَوۡ صَدِیقِكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُوا۟ جَمِیعًا أَوۡ أَشۡتَاتࣰاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُیُوتࣰا فَسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ تَحِیَّةࣰ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةࣰ طَیِّبَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ","إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُوا۟ مَعَهُۥ عَلَىٰۤ أَمۡرࣲ جَامِعࣲ لَّمۡ یَذۡهَبُوا۟ حَتَّىٰ یَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","لَّا تَجۡعَلُوا۟ دُعَاۤءَ ٱلرَّسُولِ بَیۡنَكُمۡ كَدُعَاۤءِ بَعۡضِكُم بَعۡضࣰاۚ قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذࣰاۚ فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ"],"ayah":"لَّیۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِیضِ حَرَجࣱ وَلَا عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُوا۟ مِنۢ بُیُوتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ ءَابَاۤىِٕكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أُمَّهَـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ إِخۡوَ ٰنِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخَوَ ٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَعۡمَـٰمِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ أَخۡوَ ٰلِكُمۡ أَوۡ بُیُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥۤ أَوۡ صَدِیقِكُمۡۚ لَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُوا۟ جَمِیعًا أَوۡ أَشۡتَاتࣰاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُیُوتࣰا فَسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ تَحِیَّةࣰ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةࣰ طَیِّبَةࣰۚ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق