* اللغة:
(مَواقِيتُ) : جمع ميقات، وأصله موقات قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وهي معالم يوقّت الناس بها شئون معايشهم.
* الإعراب:
(يَسْئَلُونَكَ) فعل مضارع مرفوع، وفاعل، ومفعول به، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان الحكمة في اختلاف الأهلة، بعد أن ألحفوا في السؤال عن ذلك. روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريّ قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ، لا يكون على حال واحدة؟ فجاءت الآية بالحكم الشامل الحاسم. والحكمة المنوخاة من تطور الهلال لتوقيت المعايش واتساقها على نمط واحد باهر، والهلال مفرد وجمع، باختلاف زمانه، ويجمع قياسا على أهلّة، وهو مقيس في فعال المضعّف، نحو: عنان وأعنّة، وزمام وأزمّة، وسنان وأسنّة. (عَنِ الْأَهِلَّةِ) الجار والمجرور متعلقان بيسألونك (قُلْ) فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة استئنافية (هِيَ مَواقِيتُ) جملة اسمية من مبتدأ وخبر في محل نصب مقول القول (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمواقيت (وَالْحَجِّ) عطف على الناس (وَلَيْسَ) الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للاستطراد، وسيأتي ذكره، أو كأنه تعكيس في سؤالهم، وإن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره، وليس فعل ماض ناقص (الْبِرُّ) اسم ليس (بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) الباء حرف جر زائد في خبر ليس، وأن وما بعدها في تأويل مصدر خبر ليس، والبيوت مفعول به (مِنْ ظُهُورِها) الجار والمجرور متعلقان بتأتوا (وَلكِنَّ) الواو عاطفة، ولكن حرف للاستدراك مشبه بالفعل (الْبِرُّ) اسمها المنصوب، ولا بد من تقدير محذوف ليتسق الكلام، كأنه قيل:
إن ما تفعلونه من استقصاء في السؤال ليس برا، ولكن البر (مِنْ) اسم موصول خبر لكن، ولا من حذف مضاف، أي برّ من (اتَّقى) الجملة صلة الموصول لا محل لها (وَأْتُوا) الواو عاطفة، وعطف الإنشاء على الخبر جائز، فقد تقدمت جملتان خبريتان وهما: ليس البر، ولكن البر من اتقى، وعطف عليها جملتان إنشائيتان وهما:
وأتوا البيوت، واتقوا الله (الْبُيُوتَ) مفعول به (مِنْ أَبْوابِها) الجار والمجرور متعلقان بأتوا (وَاتَّقُوا اللَّهَ) الجملة عطف على الجملة الأمرية (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها، وجملة الرجاء حالية.
* البلاغة:
«الاستطراد» وهو فن دقيق متشعب، يجنح اليه المتكلم في غرض من أغراض القول يخيل إليك انه مستمر فيه، ثم يخرج منه إلى غيره لمناسبة بينهما، ثم يرجع إلى الاول، فقد ذكر عن الأهلة واختلافها أنها مواقيت للحج، وأن مثلهم في السؤال كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره، فقد كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا- أي بستانا- ولا دارا ولا فسطاطا من باب، فاذا كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته، منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيه يصعد، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم ذلك. ومن جميل هذا الفن قول عبد المطلب:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة ... فان تسلّت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
* الفوائد:
اختلف علماء البلاغة في السؤال: أهو سؤال عن السبب أم عن الحكمة؟ واختار الزمخشري والراغب والقاضي البيضاوي أنه سؤال عن الحكمة كما يدل عليه الجواب إخراجا للكلام على مقتضى الظاهر لأنه الأصل، واختار السّكّاكيّ أنه سؤال عن السبب، لأن الحكمة ظاهرة لا تستحق السؤال عنها، والجواب من الأسلوب الحكيم.
وقد أطال كل فريق في الاحتجاج لما يدعيه، وانتهى بهم الأمر إلى التراشق بقوارص الكلام، مما لا يتسع له المقام فلله درّ رجال التراث عندنا، ما أشدّ تقصّيهم وأكثر تنقيبهم.
{"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَ ٰقِیتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَیۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِنۡ أَبۡوَ ٰبِهَاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}