قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَمْتَلِئَ نُورًا ثُمَّ يَعُودُ دَقِيقًا كَمَا بَدَأَ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ [[أخرجه ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس انظر الدر المنثور للسيوطي ١ / ٤٩٠.]] ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ وَهِيَ جَمْعُ هِلَالٍ مِثْلُ رِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ سُمِّيَ هِلَالًا لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَرَخَ حِينَ يُولَدُ وَأَهَلَّ الْقَوْمُ بِالْحَجِّ إِذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ جَمْعُ مِيقَاتٍ أَيْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَوْقَاتَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَآجَالَ الدُّيُونِ وَعَدَدَ النِّسَاءِ وَغَيْرَهَا، فَلِذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ دَائِمَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَدْخُلْ حَائِطًا وَلَا بَيْتًا وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ نَقَبَ نَقْبًا فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ لِيَدْخُلَ مِنْهُ وَيَخْرُجَ أَوْ يَتَّخِذَ سُلَّمًا فَيَصْعَدَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ خَرَجَ مِنْ خَلْفِ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَابِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بِرًّا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحُمْسِ وَهُمْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ [وَخُزَاعَةُ وَثَقِيفٌ وَخَثْعَمٌ وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنُو مُضَرَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سُمُّوا حُمْسًا لِتَشَدُّدِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَالْحَمَاسَةُ الشِّدَّةُ وَالصَّلَابَةُ] [[ساقط من نسخة (ب) .]] فَدَخْلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَدَخْلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْبَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ؟ قَالَ رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "إِنِّي أَحْمَسُ" فَقَالَ الرَّجُلُ إِنْ كُنْتَ أَحْمَسِيًّا فَإِنِّي أَحْمَسِيٌّ رَضِيتُ بِهَدْيِكَ وَسَمْتِكَ وَدِينِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [[أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي انظر الدر المنثور للسيوطي ١ / ٤٩٢. وانظر تفسير الطبري ٣ / ٥٥٦.]] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ نَاسٌ مَنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَّلُوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَمَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أَجْلِ سَقْفِ الْبَيْتِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ فَيَفْتَحُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ فَدَخَلَ حُجْرَةً فَدَخْلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ "لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "إِنِّي أَحْمَسُ" فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَنَا أَحْمَسُ يَقُولُ وَأَنَا عَلَى دِينِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [[أخرجه ابن جرير عن الزهري انظر تفسير الطبري ٣ / ٥٥٨.]] .
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وابن عامر ٢٨/أوَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: والغيوب وَالْجُيُوبَ وَالْعُيُونَ وَشُيُوخًا بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ لِمَكَانِ الْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "جِيُوبِهِنَّ" بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ "الْغِيُوبَ" بِكَسْرِ الْعَيْنِ ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ أَيِ: الْبِرُّ: بِرُّ مَنِ اتَّقَى.
﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
{"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَ ٰقِیتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَیۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِنۡ أَبۡوَ ٰبِهَاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}