الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾، وإنَّما يُسَمّى هِلالًا في أوَّلِ ما يُرى وما قَرُبَ مِنهُ لِظُهُورِهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ بَعْدَ خَفائِهِ؛ ومِنهُ الإهْلالُ بِالحَجِّ، وهو إظْهارُ التَّلْبِيَةِ، واسْتِهْلالُ الصَّبِيِّ: ظُهُورُ حَياتِهِ بِصَوْتٍ أوْ حَرَكَةٍ، ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ: إنَّ الإهْلالَ هو رَفْعُ الصَّوْتِ، وإنَّ إهْلالَ الهِلالِ مِن ذَلِكَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ بِذِكْرِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، والأوَّلُ أبْيَنُ وأظْهَرُ. ألا تَرى أنَّهم يَقُولُونَ: تَهَلَّلَ وجْهُهُ: إذا ظَهَرَ مِنهُ البِشْرُ والسُّرُورُ، ولَيْسَ هُناكَ صَوْتٌ مَرْفُوعٌ ؟ وقالَ تَأبَّطَ شَرًّا:
؎وإذا نَظَرْتَ إلى أسِرَّةِ وجْهِهِ بَرَقَتْ كَبَرْقِ العارِضِ المُتَهَلِّلِ
يَعْنِي الظّاهِرَ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ اللُّغَةِ في الوَقْتِ الَّذِي يُسَمّى هِلالًا، فَمِنهم مَن قالَ: يُسَمّى هِلالًا لِلَيْلَتَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ، ومِنهم مَن قالَ: يُسَمّى لِثَلاثِ لَيالٍ ثُمَّ يُسَمّى قَمَرًا، وقالَ الأصْمَعِيُّ: يُسَمّى هِلالًا حَتّى يَحْجُرَ، وتَحْجِيرُهُ أنْ يَسْتَدِيرَ بِخُطَّةٍ دَقِيقَةٍ، ومِنهم مَن يَقُولُ: يُسَمّى هِلالًا حَتّى يُبْهِرَ ضَوْؤُهُ سَوادَ اللَّيْلِ، فَإذا غَلَبَ ضَوْؤُهُ سُمِّيَ قَمَرًا.
قالُوا: وهَذا لا يَكُونُ إلّا في اللَّيْلَةِ السّابِعَةِ، وقالَ الزَّجّاجُ: الأكْثَرُ يُسَمُّونَهُ هِلالًا لِابْنِ لَيْلَتَيْنِ، وقِيلَ: إنَّ سُؤالَهم وقَعَ عَنْ وجْهِ الحِكْمَةِ في زِيادَةِ الأهِلَّةِ ونُقْصانِها، فَأجابَهم: إنَّها مَقادِيرُ لِما يَحْتاجُ إلَيْهِ النّاسُ في صَوْمِهِمْ وحَجِّهِمْ وعِدَدِ نِسائِهِمْ ومَحَلِّ الدُّيُونِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ، فَكانَتْ هَذِهِ مَنافِعَ عامَّةً لِجَمِيعِهِمْ وبِها عَرَفُوا الشُّهُورَ والسِّنِينَ وما لا يُحْصِيهِ مِنَ المَنافِعِ والمَصالِحِ غَيْرُ اللَّهِ تَعالى.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى جَوازِ الإحْرامِ بِالحَجِّ في سائِرِ السَّنَةِ، لِعُمُومِ اللَّفْظِ في سائِرِ (p-٣١٧)الأهِلَّةِ أنَّها مَواقِيتُ لِلْحَجِّ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أفْعالَ الحَجِّ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ الإحْرامَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] لا يَنْفِي ما قُلْنا؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] فِيهِ ضَمِيرٌ لا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الكَلامُ، وذَلِكَ لِاسْتِحالَةِ كَوْنِ الحَجِّ أشْهُرًا؛ لِأنَّ الحَجَّ هو فِعْلُ الحاجِّ، وفِعْلُ الحاجِّ لا يَكُونُ أشْهُرًا؛ لِأنَّ الأشْهُرَ إنَّما هي مُرُورُ الأوْقاتِ، ومُرُورُ الأوْقاتِ هو فِعْلُ اللَّهِ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْحاجِّ، والحَجُّ فِعْلُ الحاجِّ؛ فَثَبَتَ أنَّ في الكَلامِ ضَمِيرًا لا يُسْتَغْنى عَنْهُ؛ ثُمَّ لا يَخْلُو ذَلِكَ الضَّمِيرُ مِن أنْ يَكُونَ فِعْلَ الحَجِّ أوِ الإحْرامِ بِالحَجِّ.
ولَيْسَ لِأحَدٍ صَرْفُهُ إلى أحَدِ المَعْنَيَيْنِ دُونَ الآخَرِ إلّا بِدَلالَةٍ، فَلَمّا كانَ في اللَّفْظِ هَذا الِاحْتِمالُ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ بِهِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ لَنا تَخْصِيصُ العُمُومِ بِالِاحْتِمالِ، والوَجْهُ الآخَرُ: أنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ إحْرامَ الحَجِّ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِصِحَّةِ الإحْرامِ في غَيْرِها، وإنَّما فِيها إثْباتُ الإحْرامِ فِيها؛ وكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الإحْرامَ جائِزٌ فِيها بِهَذِهِ الآيَةِ وجائِزٌ في غَيْرِها بِالآيَةِ الأُخْرى؛ إذْ لَيْسَ في إحْداهُما ما يُوجِبُ تَخْصِيصَ الأُخْرى؛ والَّذِي يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ اللَّفْظِ أنْ يَكُونَ المُرادُ أفْعالَ الحَجِّ لا إحْرامَهُ، إلّا أنَّ فِيهِ ضَمِيرَ حَرْفِ الظَّرْفِ وهو " في " فَمَعْناهُ حِينَئِذٍ: " الحَجُّ في أشْهُرٍ مَعْلُوماتٍ " وفِيهِ تَخْصِيصُ أفْعالِ الحَجِّ في هَذِهِ الأشْهُرِ دُونَ غَيْرِها، وكَذَلِكَ قالَ أصْحابُنا فِيمَن أحْرَمَ بِالحَجِّ قَبْلَ أشْهُرِ الحَجِّ فَطافَ لَهُ وسَعى بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ قَبْلَ أشْهُرِ الحَجِّ " إنَّ سَعْيَهُ ذَلِكَ لا يُجْزِيهِ وعَلَيْهِ أنْ يُعِيدَهُ؛ لِأنَّ أفْعالَ الحَجِّ لا تُجْزِي قَبْلَ أشْهُرِ الحَجِّ " فَعَلى هَذا يَكُونُ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] أنَّ أفْعالَهُ في أشْهُرِ الحَجِّ مَعْلُوماتٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ عُمُومٌ في إحْرامِ الحَجِّ لا في أفْعالِ الحَجِّ المُوجِبَةِ، وغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ أهِلَّةً مَخْصُوصَةً بِأشْهُرِ الحَجِّ.
كَما لا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الأهِلَّةُ في مَواقِيتِ النّاسِ وآجالِ دُيُونِهِمْ وصَوْمِهِمْ وفِطْرِهِمْ مَخْصُوصَةً بِأشْهُرِ الحَجِّ دُونَ غَيْرِها؛ فَلَمّا ثَبَتَ عُمُومُ المُرادِ في سائِرِ الأهِلَّةِ فِيما تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ مِن مَواقِيتِ النّاسِ، وجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَهُ في الحَجِّ؛ لِأنَّ الأهِلَّةَ المَذْكُورَةَ لِمَواقِيتِ النّاسِ هي بِعَيْنِها الأهِلَّةُ المَذْكُورَةُ لِلْحَجِّ، وعَلى أنّا لَوْ حَمَلْناهُ عَلى أفْعالِ الحَجِّ وجَعَلْناها مَقْصُورَةَ المَعْنى عَلى المَذْكُورِ في الآيَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] لَأدّى ذَلِكَ إلى إسْقاطِ فائِدَتِهِ وإزالَةِ حُكْمِهِ وتَخْصِيصِ لَفْظِهِ بِغَيْرِ دَلالَةٍ تُوجِبُ الِاقْتِصارَ بِهِ عَلى مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧] (p-٣١٨)فَلَمّا وجَبَ أنْ يُوَفّى كُلُّ لَفْظٍ حَقَّهُ مِمّا اقْتَضاهُ مِنَ الحُكْمِ والفائِدَةِ؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلى سائِرِ الأهِلَّةِ وأنَّها مَواقِيتُ لِإحْرامِ الحَجِّ وسَنَتَكَلَّمُ في المَسْألَةِ عِنْدَ بُلُوغِنا إلَيْها إنْ شاءَ اللَّهُ.
* * *
وقَوْلُهُ: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ قَدْ دَلَّ عَلى أنَّ العِدَّتَيْنِ إذا وجَبَتا مِن رَجُلٍ واحِدٍ يُكْتَفى فِيهِما بِمُضِيِّها لَهُما جَمِيعًا ولا تُسْتَأْنَفُ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما حَيْضًا ولا شُهُورًا غَيْرَ مُدَّةِ الأُخْرى؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمْ يُخَصِّصْ إحْداهُما حِينَ جَعَلَها وقْتًا لِجَمِيعِ النّاسِ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ، ومُضِيُّ مُدَّةِ العِدَّةِ هو وقْتٌ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما لِقَوْلِهِ: ﴿فَما لَكم عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها﴾ [الأحزاب: ٤٩] فَجَعَلَ العِدَّةَ حَقًّا لِلزَّوْجِ، ثُمَّ لَمّا كانَتِ العِدَّةُ مُرُورَ الأوْقاتِ، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الأهِلَّةَ وقْتًا لِلنّاسِ كُلِّهِمْ وجَبَ أنْ يُكْتَفى بِمُضِيِّ مُدَّةٍ واحِدَةٍ لِلْعِدَّتَيْنِ؛ ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾ قَدْ عُقِلَ مِن مَفْهُومِ خِطابِهِ أنَّها تَكُونُ مُدَّةً لِإجارَةِ جَمِيعِ النّاسِ ومَحَلًّا لِجَمِيعِ دُيُونِهِمْ، وإنْ كانَ واحِدٌ مِنهم لا يَحْتاجُ إلى أنْ يَخْتَصَّ لِنَفْسِهِ بِبَعْضِ الأهِلَّةِ دُونَ بَعْضٍ ؟ كَذَلِكَ مَفْهُومُ الآيَةِ في العِدَّةِ قَدِ اقْتَضى مُضِيَّ مُدَّةٍ واحِدَةٍ لِرَجُلَيْنِ.
وقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾ عَلى أنَّ العِدَّةَ إذا كانَ ابْتِداؤُها بِالهِلالِ وكانَتْ بِالشُّهُورِ أنَّهُ إنَّما يَجِبُ اسْتِيفاؤُها بِالأهِلَّةِ ثَلاثَةَ أشْهُرٍ إنْ كانَتْ ثَلاثَةً، وإنْ كانَتْ عِدَّةَ الوَفاةِ فَأرْبَعَةُ أشْهُرٍ بِالأهِلَّةِ وأنْ لا تُعْتَبَرَ عَدَدَ الأيّامِ، وكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ شَهْرَ الصَّوْمِ مُعْتَبَرٌ بِالهِلالِ في ابْتِدائِهِ وانْتِهائِهِ، وأنَّهُ إنَّما يُرْجَعُ إلى العَدَدِ عِنْدَ فَقْدِ رُؤْيَةِ الهِلالِ، ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ مَن آلى مِنِ امْرَأتِهِ في أوَّلِ الشَّهْرِ أنَّ مُضِيَّ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ مُعْتَبَرٌ بِالأهِلَّةِ في إيقاعِ الطَّلاقِ دُونَ اعْتِبارِ الثَّلاثِينَ، وكَذَلِكَ هَذا في الإجاراتِ والأيْمانِ وآجالِ الدُّيُونِ، مَتى كانَ ابْتِداؤُها بِالهِلالِ كانَ جَمِيعُها كَذَلِكَ وسَقَطَ اعْتِبارُ عَدَدِ الثَّلاثِينَ؛ وبِذَلِكَ حَكَمَ النَّبِيُّ ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإنْ غُمَّ عَلَيْكم فَعُدُّوا ثَلاثِينَ» بِالرُّجُوعِ إلى اعْتِبارِ العَدَدِ عِنْدَ فَقْدِ الرُّؤْيَةِ.
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها﴾ فَإنَّهُ قَدْ قِيلَ فِيهِ ما حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسْحاقَ المَرْوَزِيِّ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ الجُرْجانِيُّ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: " كانَ ناسٌ مِنَ الأنْصارِ إذا أهَلُّوا بِالعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهم وبَيْنَ السَّماءِ شَيْءٌ ويَتَحَرَّجُونَ مِن ذَلِكَ، وكانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلّا بِالعُمْرَةِ فَيَبْدُو لَهُ الحاجَةُ بَعْدَما يَخْرُجُ مِن بَيْتِهِ فَيَرْجِعُ ولا يَدْخُلُ مِن بابِ الحُجْرَةِ مِن أجْلِ سَقْفِ البابِ أنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وبَيْنَ السَّماءِ، فَيَفْتَحُ الجِدارَ مِن ورائِهِ ثُمَّ يَقُومُ عَلى حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ (p-٣١٩)بِحاجَتِهِ فَيَخْرُجُ مِن بَيْتِهِ " وبَلَغَنا «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أهَلَّ مِن الحُدَيْبِيَةِ بِالعُمْرَةِ فَدَخَلَ حُجْرَتَهُ، فَدَخَلَ في إثْرِهِ رَجُلٌ مِن الأنْصارِ مِن بَنِي سَلَمَةَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إنِّي أحْمَسُ قالَ الزُّهْرِيُّ: وكانَتِ الحُمْسُ لا يُبالُونَ ذَلِكَ فَقالَ الأنْصارِيُّ: وأنا أحْمَسُ يَقُولُ وأنا عَلى دِينِكَ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها﴾»
ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ والبَراءُ وقَتادَةُ وعَطاءٌ: " أنَّهُ كانَ قَوْمٌ مِنَ الجاهِلِيَّةِ إذا أحْرَمُوا نَقَبُوا في ظُهُورِ بُيُوتِهِمْ نَقْبًا يَدْخُلُونَ مِنهُ ويَخْرُجُونَ، فَنُهُوا عَنِ التَّدَيُّنِ بِذَلِكَ وأُمِرُوا أنْ يَأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها " وقِيلَ فِيهِ: إنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهم بِأنْ يَأْتُوا البِرَّ مِن وجْهِهِ، وهو الوَجْهُ الَّذِي أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ، ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مُرادُ اللَّهِ تَعالى بِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فِيهِ بَيانُ أنَّ إتْيانَ البُيُوتِ مِن ظُهُورِها لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلى اللَّهِ تَعالى، ولا هو مِمّا شَرَعَهُ ولا نَدَبَ إلَيْهِ، ويَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَثَلًا أرْشَدَنا بِهِ إلى أنْ نَأْتِيَ الأُمُورَ مِن مَأْتاها الَّذِي أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ ونَدَبَ إلَيْهِ.
وفِيهِ بَيانُ أنَّ ما لَمْ يَشْرَعْهُ قُرْبَةً ولا نَدَبَ إلَيْهِ لا يَصِيرُ قُرْبَةً ولا دِينًا بِأنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ مُتَقَرِّبٌ ويَعْتَقِدَهُ دِينًا ونَظِيرُهُ مِنَ السُّنَّةِ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِن «نَهْيِهِ عَنْ صَمْتِ يَوْمٍ إلى اللَّيْلِ» «وأنَّهُ رَأى رَجُلًا في الشَّمْسِ فَقالَ: ما شَأْنُهُ ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمْسِ؛ فَأمَرَهُ بِأنْ يَتَحَوَّلَ إلى الفَيْءِ»، وأنَّهُ ﷺ «نَهى عَنِ الوِصالِ»؛ لِأنَّ اللَّيْلَ لا صَوْمَ فِيهِ، فَنَهى أنْ يُعْتَقَدَ صَوْمُهُ وتَرْكُ الأكْلِ فِيهِ قُرْبَةٌ، وهَذا كُلُّهُ أصْلٌ في أنَّ مَن نَذَرَ ما لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّذْرِ ولا يَصِيرُ قُرْبَةً بِالإيجابِ ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ ما لَيْسَ لَهُ أصْلٌ في الوُجُوبِ وإنْ كانَ قُرْبَةً لا يَصِيرُ واجِبًا بِالنَّذْرِ، نَحْوُ عِيادَةِ المَرِيضِ وإجابَةِ الدَّعْوَةِ والمَشْيِ إلى المَسْجِدِ والقُعُودِ فِيهِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.
{"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَ ٰقِیتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَیۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِنۡ أَبۡوَ ٰبِهَاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق