الباحث القرآني

﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكم ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ ﴿واقْتُلُوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهم وأخْرِجُوهم مِن حَيْثُ أخْرَجُوكم والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتْلِ ولا تُقاتِلُوهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكم فِيهِ فَإنْ قاتَلُوكم فاقْتُلُوهم كَذَلِكَ جَزاءُ الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ١٩١] ﴿فَإنِ انْتَهَوْا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إلّا عَلى الظّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] ﴿الشَّهْرُ الحَرامُ بِالشَّهْرِ الحَرامِ والحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكم واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٩٤] ﴿وأنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ وأحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] ﴿وأتِمُّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكم حَتّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كانَ مِنكم مَرِيضًا أوْ بِهِ أذًى مِن رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيامٍ أوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ فَإذا أمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ (p-٥٩)كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أهْلُهُ حاضِرِي المَسْجِدِ الحَرامِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ [البقرة: ١٩٦] . ﴿الأهِلَّةِ﴾، جَمْعُ هِلالٍ، وهو مَقِيسٌ في فِعالٍ المُضَعَّفِ، نَحْوَ: عِنانٍ وأعِنَّةٍ، وشَذَّ فِيهِ فُعُلٌ قالُوا: عُنُنٌ في عِنانٍ، وحُجُجٌ في حِجاجٍ. والهِلالُ، ذَكَرَ صاحِبُ كِتابِ (شَجَرِ الدُّرِّ) في اللُّغَةِ: أنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ هِلالِ السَّماءِ، وحَدِيدَةٍ كالهِلالِ بِيَدِ الصّائِدِ يُعَرْقِبُ بِها الحِمارَ الوَحْشِيَّ، وذُؤابَةِ النَّعْلِ، وقِطْعَةٍ مِنَ الغُبارِ، وما أطاقَ مِنَ اللَّحْمِ بِظُفْرِ الأُصْبُعِ، وقِطْعَةٍ مِن رَحًى، وسَلْخِ الحَيَّةِ، ومُقاوَلَةِ الأجِيرِ عَلى الشُّهُورِ، والمُباراةِ في رِقَّةِ النَّسْجِ، والمُباراةِ في التَّهْلِيلِ. وجَمْعِ هَلَّةٍ وهي المُفْرِجَةُ، والثُّعْبانِ، وبَقِيَّةِ الماءِ في الحَوْضِ، انْتَهى ما ذَكَرَهُ مُلَخَّصًا. ويُسَمّى الَّذِي في السَّماءِ هِلالًا لِلَيْلَتَيْنِ، وقِيلَ: لِثَلاثٍ. وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: لِلَيْلَتَيْنِ مِن أوَّلِهِ ولَيْلَتَيْنِ مِن آخِرِهِ، وما بَيْنَ ذَلِكَ يُسَمّى قَمَرًا. وقالَ الأصْمَعِيُّ: سُمِّيَ هِلالًا إلى أنْ يُحَجَّرَ، وتَحْجِيرُهُ أنْ يَسْتَدِيرَ لَهُ كالخَيْطِ الرَّقِيقِ، وقِيلَ: يُسَمّى بِذَلِكَ إلى أنْ يَبْهَرَ ضَوْءُهُ سَوادَ اللَّيْلِ، وذَلِكَ إنَّما يَكُونُ في سَبْعٍ. قالُوا: وسُمِّيَ هِلالًا لِارْتِفاعِ الأصْواتِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ مِن قَوْلِهِمُ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ، والإهْلالُ بِالحَجِّ، وهو رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، أوْ مِن رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّهْلِيلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ. وقَدْ يُطْلَقُ الهِلالُ عَلى الشَّهْرِ، كَما يُطْلَقُ الشَّهْرُ عَلى الهِلالِ، ويُقالُ: أهَلَّ الهِلالُ، واسْتَهَلَّ وأهْلَلْناهُ واسْتَهْلَلْناهُ، هَذا قَوْلُ عامَّةِ أهْلِ اللُّغَةِ. وقالَ شَمِرٌ: يُقالُ اسْتَهَلَّ الهِلالُ أيْضًا يَعْنِي مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ وهو الهِلالُ، وشَهْرٌ مُسْتَهِلٌّ: وأنْشَدَ: ؎وشَهْرٌ مُسْتَهِلٌّ بَعْدَ شَهْرٍ وحَوْلٌ بَعْدَهُ حَوْلٌ جَدِيدُ ويُقالُ أيْضًا: اسْتَهَلَّ بِمَعْنى تَبَيَّنَ، ولا يُقالُ أهَلَّ، ويُقالُ أهْلَلْنا عَنْ لَيْلَةِ كَذا، وقالَ أبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ القُشَيْرِيُّ في تَفْسِيرِهِ: يُقالُ أهَلَّ الهِلالُ واسْتَهَلَّ، وأهْلَلْنا الهِلالَ واسْتَهْلَلْناهُ، انْتَهى. وقَدْ تَقَدَّمَ لَنا الكَلامُ في مادَّةِ هَلَلَ، ولَكِنْ أعَدْنا ذَلِكَ بِخُصُوصِيَّةِ لَفْظِ الهِلالِ بِالأشْياءِ الَّتِي ذَكَرْناها هُنا. (مَواقِيتُ)، جَمْعُ مِيقاتٍ بِمَعْنى الوَقْتِ كالمِيعادِ بِمَعْنى الوَعْدِ، وقالَ بَعْضُهُمُ: المِيقاتُ مُنْتَهى الوَقْتِ، قالَ تَعالى: ﴿فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢] . ثَقِفَ الشَّيْءَ: إذا ظَفِرَ بِهِ ووَجَدَهُ عَلى جِهَةِ الأخْذِ والغَلَبَةِ، ومِنهُ: رَجُلٌ ثَقِفٌ سَرِيعُ الأخْذِ لِأقْرانِهِ، ومِنهُ: ﴿فَإمّا تَثْقَفَنَّهم في الحَرْبِ﴾ [الأنفال: ٥٧]، وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَإمّا تَثْقَفُونِي فاقْتُلُونِي ∗∗∗ فَمَن أثْقَفْ فَلَيْسَ إلى خُلُودِ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] أحْكَمْتُمْ غَلَبَتَهم، يُقالُ: رَجُلٌ ثَقِفٌ لَقِفٌ إذا كانَ مُحْكِمًا لِما يَتَناوَلُهُ مِنَ الأُمُورِ، انْتَهى. ويُقالُ: ثَقِفَ الشَّيْءَ ثَقافَةً إذا حَذَقَهُ، ومِنهُ أخَذْتُ الثَّقافَةَ بِالسَّيْفِ، والثِّقافُ أيْضًا حَدِيدَةٌ تَكُونُ لِلْقَوّاسِ والرَّمّاحِ يُقَوِّمُ بِها المُعْوَجَّ، وثَقِفَ الشَّيْءَ: لَزِمَهُ، وهو ثَقِفٌ إذا كانَ سَرِيعَ العِلْمِ، وثَقِفْتُهُ: قَوَّمْتُهُ، ومِنهُ الرِّماحُ المُثَقَّفَةُ، أيِ: المُقَوَّمَةُ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎ذَكَرْتُكِ والخَطِّيُّ يَخْطِرُ بَيْنَنا ∗∗∗ وقَدْ نَهِلَتْ مِنّا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ يَعْنِي الرِّماحَ المُقَوَّمَةَ. ﴿التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] . عَلى وزْنِ تَفْعُلَةٍ، مَصْدَرٌ لِهَلَكَ، وتَفْعُلَةٌ مَصْدَرٌ قَلِيلٌ، حَكى سِيبَوَيْهِ مِنهُ: التَّضُرَّةَ والتَّسُرَّةَ، ومِثْلُهُ مِنَ الأعْيانِ التَّنْصُبَةُ، والتَّنْفُلَةُ، يُقالُ: هَلَكَ هَلَكًا وهَلاكًا وتَهْلُكَةً وهَلْكاءَ عَلى وزْنِ فَعْلاءَ، ومَفْعِلٌ مِن هَلَكَ، جاءَ بِالضَّمِّ والفَتْحِ والكَسْرِ، وكَذَلِكَ بِالتّاءِ، هو مُثَلَّثُ حَرَكاتِ العَيْنِ، والضَّمُّ في مَهْلِكٍ نادِرٌ، والهَلاكُ في ذِي الرُّوحِ: المَوْتُ، وفي غَيْرِهِ: الفَناءُ والنَّفادُ. وكَوْنُ التَّهْلُكَةِ مَصْدَرًا حَكاهُ أبُو عَلِيٍّ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، وقالَهُ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يُقالَ أصْلُها التَّهْلِكَةُ كالتَّجْرِبَةِ والتَّبْصِرَةِ ونَحْوِهِما، عَلى أنَّها مَصْدَرٌ مِن هَلَّكَ، يَعْنِي المُشَدَّدَ اللّامِ، فَأُبْدِلَتْ مِنَ الكَسْرَةِ ضَمَّةٌ، كَما جاءَ الجُوارُ في الجِوارِ، انْتَهى كَلامُهُ. وما ذَهَبَ إلَيْهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ: لِأنَّ فِيها حَمْلًا عَلى شاذٍّ، ودَعْوى إبْدالٍ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ، أمّا الحَمْلُ عَلى الشّاذِّ، فَحَمْلُهُ عَلى أنَّ أصْلَ تَفْعُلَةٍ ذاتِ الضَّمِّ، عَلى تَفْعِلَةٍ (p-٦٠)ذاتِ الكَسْرِ، وجَعْلُ تَهْلُكَةٍ مَصْدَرًا لِهَلَّكَ المُشَدَّدِ اللّامِ، وفَعَّلَ الصَّحِيحُ اللّامِ غَيْرُ المَهْمُوزِ قِياسُ مَصْدَرِهِ أنْ يَأْتِيَ عَلى تَفْعِيلٍ، نَحْوَ: كَسَّرَ تَكْسِيرًا، ولا يَأْتِي عَلى تَفْعُلَةٍ إلّا شاذًّا، فالأوْلى جَعْلُ تَهْلُكَةٍ مَصْدَرًا، إذْ قَدْ جاءَ ذَلِكَ نَحْوَ: التَّضُرَّةِ. وأمّا تَهْلِكَةٌ فالأحْسَنُ أيْضًا أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا لِهَلَكَ المُخَفَّفِ اللّامِ: لِأنَّهُ بِمَعْنى تَهْلُكَةٍ بِضَمِّ اللّامِ، وقَدْ جاءَ في مَصادِرِ فَعَلَ: تَفْعِلَةً، قالُوا: جَلَّ الرَّجُلُ تَجِلَّةً، أيْ جَلالًا، فَلا يَكُونُ تَهْلِكَةٌ إذْ ذاكَ مَصْدَرًا لِهَلَّكَ المُشَدَّدِ اللّامِ، وأمّا إبْدالُ الضَّمَّةِ مِنَ الكَسْرَةِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ فَفي غايَةِ الشُّذُوذِ، وأمّا تَمْثِيلُهُ بِالجُوارِ والجِوارِ فَلا يُدَّعى فِيهِ الإبْدالُ، بَلْ يُبْنى المَصْدَرُ فِيهِ عَلى فُعالٍ بِضَمِّ الفاءِ شُذُوذًا. وزَعَمَ ثَعْلَبٌ أنَّ التَّهْلُكَةَ مَصْدَرٌ لا نَظِيرَ لَهُ، إذْ لَيْسَ في المَصادِرِ غَيْرُهُ، ولَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ حَكَيْنا عَنْ سِيبَوَيْهِ أنَّهُ حَكى التَّضُرَّةَ والتَّسُرَّةَ مَصْدَرَيْنِ. وقِيلَ: التَّهْلُكَةُ ما أمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنهُ، والهَلاكُ ما لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنهُ، وقِيلَ التَّهْلُكَةُ: الشَّيْءُ المُهْلِكُ، والهَلاكُ حُدُوثُ التَّلَفِ، وقِيلَ: التَّهْلُكَةُ كُلُّ ما تَصِيرُ غايَتُهُ إلى الهَلاكِ. * * * • ﴿أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦]: قالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أُحْصِرَ الرَّجُلُ رُدَّ عَنْ وجْهٍ يُرِيدُهُ، قِيلَ: حَصَرَ وأُحْصِرَ لِمَعْنًى واحِدٍ، قالَهُ الشَّيْبانِيُّ، والزَّجّاجُ، وقالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الفَرّاءِ، وقالَ ابْنُ مَيّادَةَ: ؎وما هَجْرُ لَيْلى أنْ يَكُونَ تَباعَدَتْ عَلَيْكَ ولا أنْ أحْصَرَتْكَ شُغُولُ وقِيلَ: أُحْصِرَ بِالمَرَضِ، وحَصَرَهُ العَدُوُّ، قالَهُ يَعْقُوبُ. وقالَ الزَّجّاجُ أيْضًا: الرِّوايَةُ عَنْ أهْلِ العِلْمِ في العِلْمِ الَّذِي يَمْنَعُهُ الخَوْفُ والمَرَضُ: أُحْصِرَ، والمَحْبُوسُ: حُصِرَ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والفَرّاءُ أيْضًا أحُصِرَ فَهو مُحْصَرٌ، فَإنْ حُبِسَ في سِجْنٍ أوْ دارٍ قِيلَ: حُصِرَ فَهو مَحْصُورٌ، وقالَ ثَعْلَبٌ: أصْلُ الحَصْرِ والإحْصارِ الحَبْسُ، وحُصِرَ في الحَبْسِ أقْوى مِن أُحْصِرَ، وقالَ ابْنُ فارِسٍ في (المُجْمَلِ): حُصِرَ بِالمَرَضِ، وأُحْصِرَ بِالعَدُوِّ. ويُقالُ: حَصِرَ صَدْرُهُ أيْ: ضاقَ، ورَجُلٌ حَصِرٌ: وهو الَّذِي لا يَبُوحُ بِسِرِّهِ، قالَ جَرِيرٌ: ؎ولَقَدْ تَكَنَّفَنِي الوُشاةُ فَصادَفُوا ∗∗∗ حَصِرًا بِسِرِّكَ يا تَمِيمُ ضَنِينًا والحُصْرُ: احْتِباسُ الغائِطِ، والحَصِيرُ: المَلِكُ: لِأنَّهُ كالمَحْبُوسِ بِالحِجابِ. قالَ لَبِيدٌ: ؎حَتّى لَدى بابِ الحَصِيرِ قِيامُ والحَصِيرُ مَعْرُوفٌ: وهو سَقِيفٌ مِن بَرَدى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْضِمامِ بَعْضِهِ إلى بَعْضٍ، كَحَبْسِ الشَّيْءِ مَعَ غَيْرِهِ. (الهَدْيِ) الهَدْيُ ما يُهْدى إلى بَيْتِ اللَّهِ تَعالى تَقَرُّبًا إلَيْهِ، بِمَنزِلَةِ الهَدِيَّةِ يُهْدِيها الإنْسانُ إلى غَيْرِهِ. يُقالُ: أهْدَيْتُ إلى البَيْتِ الحَرامِ هَدِيًّا وهَدْيًا، بِالتَّشْدِيدِ، والتَّخْفِيفِ، فالتَّشْدِيدُ جَمْعُ هَدِيَّةٍ، كَمَطِيَّةٍ ومَطِيٍّ، والتَّخْفِيفُ جَمْعُ هِدْيَةٍ كَجِذْيَةِ السَّرْجِ، وجِذْيٍ. قالَ الفَرّاءُ: لا واحِدَ لِلْهَدْيِ، وقِيلَ: التَّشْدِيدُ لُغَةُ تَمِيمٍ، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: ؎فَلَمْ أرَ مَعْشَرًا أسَرُوا هَدِيًّا ∗∗∗ ولَمْ أرَ جارَ بَيْتٍ يُسْتَباءُ وقِيلَ: الهَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وقِيلَ: الهَدْيُ بِالتَّخْفِيفِ مَصْدَرٌ في الأصْلِ، وهو بِمَعْنى الهَدْيِ كالرَّهْنِ ونَحْوِهِ، فَيَقَعُ لِلْإفْرادِ والجَمْعِ. وفي اللُّغَةِ ما أُهْدِيَ مِن دَراهِمَ أوْ مَتاعٍ أوْ نَعَمٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُسَمّى هَدْيًا، لَكِنَّ الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ خَصَّتِ الهَدْيَ بِالنَّعَمِ. وقَدْ وقَعَ الخِلافُ فِيما يُسَمّى مِنَ النَّعَمِ هَدْيًا عَلى ما سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ. الحَلْقُ: مَصْدَرُ حَلَقَ يَحْلِقُ، إذا أزالَ الشَّعَرَ بِمُوسى أوْ غَيْرِهِ مِن مُحَدَّدٍ ونُورَةٍ، والحَلْقُ مَجْرى الطَّعامِ بَعْدَ الفَمِ. الأذى: مَصْدَرٌ، وهو بِمَعْنى الألَمِ، تَقُولُ: آذانِي زَيْدٌ إيذاءً آلَمَنِي. الصَّدَقَةُ: ما أُعْطِيَ مِن مالٍ بِلا عِوَضٍ تَقَرُّبًا إلى اللَّهِ تَعالى. النُّسُكُ: قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: النُّسُكُ سَبائِكُ الفِضَّةِ، كُلُّ سَبِيكَةٍ مِنها نَسِيكَةٌ، ثُمَّ قِيلَ لِلْمُتَعَبِّدِ: ناسِكٌ: لِأنَّهُ خَلَّصَ نَفْسَهُ مِن دَنَسِ الآثامِ وصَفّاها، كالنَّسِيكَةِ المُخَلَّصَةِ مِنَ الدَّنَسِ، ثُمَّ قِيلَ لِلذَّبِيحَةِ: نُسُكٌ: لِأنَّها مِن أشْرَفِ العِباداتِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِها إلى اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ: النُّسُكُ مَصْدَرُ نَسَكَ يَنْسَكُ نُسْكًا ونُسُكًا، كَما تَقُولُ حَلُمَ الرَّجُلُ، حُلْمًا وحُلُمًا. الأمْنُ: زَوالُ ما يُحْذَرُ (p-٦١)يُقالُ: أمِنَ يَأْمَنُ أمْنًا وأمَنَةً. الثَّلاثَةُ: عَدَدٌ مَعْرُوفٌ، ويُقالُ مِنهُ: ثَلَّثْتُ القَوْمَ أُثَلِّثُهم، أيْ صَيَّرْتُهم ثَلاثَةً بِي. والثَّلاثُونَ عَدَدٌ مَعْرُوفٌ، والثُّلُثُ بِضَمِّ اللّامِ وتَسْكِينِها أحَدُ أجْزاءِ المُنْقَسِمِ إلى ثَلاثَةٍ، وثُلُثُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ، وسَيَأْتِي الكَلامُ عَلى ذَلِكَ إنْ شاءَ اللَّهُ. العِقابُ: مَصْدَرُ عاقَبَ أيْ جازى المُسِيءَ عَلى إساءَتِهِ، وهو مُشْتَقٌّ مِنَ العاقِبَةِ، كَأنَّهُ يُرادُ عاقِبَةُ فِعْلَةِ المُسِيءِ. * * * ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾، نَزَلَتْ عَلى سُؤالِ قَوْمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الهِلالِ، وما فائِدَةُ مِحاقِهِ وكَمالِهِ ومُخالَفَتِهِ لِحالِ الشَّمْسِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، والرَّبِيعُ، وغَيْرُهم. ورُوِيَ أنَّ مَن سَألَ هو مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، وثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمٍ الأنْصارِيُّ، قالا: يا رَسُولَ اللَّهِ ! ما بالُ الهِلالِ يَبْدُو دَقِيقًا مِثْلَ الخَيْطِ ثُمَّ يَزِيدُ حَتّى يَمْتَلِئَ، ثُمَّ لا يَزالُ يَنْقُصُ حَتّى يَعُودَ كَما بَدَأ، لا يَكُونُ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ ؟ فَنَزَلَتْ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، وهو أنَّ ما قَبْلَها مِنَ الآياتِ نَزَلَتْ في الصِّيامِ، وأنَّ صِيامَ رَمَضانَ مَقْرُونٌ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ، وكَذَلِكَ الإفْطارُ في شَهْرِ شَوّالٍ، ولِذَلِكَ قالَ ﷺ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» . وكانَ أيْضًا قَدْ تَقَدَّمَ كَلامٌ في شَيْءٍ مِن أعْمالِ الحَجِّ، وهو الطَّوافُ، والحَجُّ أحَدُ الأرْكانِ الَّتِي بُنِيَ الإسْلامُ عَلَيْها. وكانَ قَدْ مَضى الكَلامُ في تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعالى، وفي الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ، فَأتى بِالكَلامِ عَلى الرُّكْنِ الخامِسِ وهو الحَجُّ، لِيَكُونَ قَدْ كَمُلَتِ الأرْكانُ الَّتِي بُنِيَ الإسْلامُ عَلَيْها. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ما كانَ أُمَّةٌ أقَلَّ سُؤالًا مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ سَألُوا عَنْ أرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، فَأُجِيبُوا، مِنها في سُورَةِ البَقَرَةِ: أوَّلُها: ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦]، والثّانِي: هَذا، وسِتَّةٌ بَعْدَها، وفي غَيْرِها: ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٤]، ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأنْفالِ﴾ [الأنفال: ١]، ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ [الإسراء: ٨٥]، ﴿ويَسْألُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ﴾ [الكهف: ٨٣]، ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الجِبالِ﴾ [طه: ١٠٥]، ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ السّاعَةِ﴾ [الأعراف: ١٨٧]، قِيلَ: اثْنانِ مِن هَذِهِ الأسْئِلَةِ في الأوَّلِ في شَرْحِ المَبْدَأِ، واثْنانِ في الآخِرِ في شَرْحِ المَعادِ، ونَظِيرُهُ أنَّهُ افْتُتِحَتْ سُورَتانِ بِـ (يا أيُّها النّاسُ)، الأُولى وهي الرّابِعَةُ مِنَ السُّوَرِ في النِّصْفِ الأوَّلِ، تَشْتَمِلُ عَلى شَرْحِ المَبْدَأِ، والثّانِيَةُ وهي الرّابِعَةُ أيْضًا مِنَ السُّوَرِ في النِّصْفِ الآخِرِ تَشْتَمِلُ عَلى شَرْحِ المَعادِ. والضَّمِيرُ في يَسْألُونَكَ ضَمِيرُ جَمْعٍ عَلى أنَّ السّائِلِينَ جَماعَةٌ، وإنْ كانَ مَن سَألَ اثْنَيْنِ، كَما رُوِيَ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلى جَمْعٍ، وإنْ كانَ ما صَدَرَ إلّا مِن واحِدٍ مِنهم أوِ اثْنَيْنِ، وهَذا كَثِيرٌ في كَلامِهِمْ، قِيلَ: أوْ لِكَوْنِ الِاثْنَيْنِ جَمْعًا عَلى سَبِيلِ الِاتِّساعِ والمَجازِ. و”الكافُ“: خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ و”يَسْألُونَكَ“ خَبَرٌ، فَإنْ كانَتِ الآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ السُّؤالِ كانَ ذَلِكَ مِنَ الإخْبارِ بِالمُغَيَّبِ، وإنْ كانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ السُّؤالِ، وهو المَنقُولُ في أسْبابِ النُّزُولِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِكايَةً عَنْ حالٍ مَضَتْ. و”عَنْ“ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: ”يَسْألُونَكَ“ يُقالُ: سَألَ بِهِ وعَنْهُ، بِمَعْنًى واحِدٍ، ولا يُرادُ بِذَلِكَ السُّؤالُ عَنْ ذاتِ الأهِلَّةِ، بَلْ عَنْ حِكْمَةِ اخْتِلافِ أحْوالِها، وفائِدَةِ ذَلِكَ، ولِذَلِكَ أجابَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾، فَلَوْ كانَتْ عَلى حالَةٍ واحِدَةٍ ما حَصَلَ التَّوْقِيتُ بِها. والهِلالُ هو مُفْرَدٌ وجَمْعٌ بِاخْتِلافِ أزْمانِهِ، قالُوا: مِن حَيْثُ كَوْنُهُ هِلالًا في شَهْرٍ، غَيْرَ كَوْنِهِ هِلالًا في آخَرَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”﴿عَنِ الأهِلَّةِ﴾“ بِكَسْرِ النُّونِ وإسْكانِ لامِ الأهِلَّةِ بَعْدَها هَمْزَةٌ، ووَرْشٌ عَلى أصْلِهِ مِن نَقْلِ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ وحَذْفِ الهَمْزَةِ، وقَرَأ شاذًّا بِإدْغامِ نُونِ ”عَنْ“ في لامِ الأهِلَّةِ بَعْدَ النَّقْلِ والحَذْفِ. (قُلْ هي)، أيِ: الأهِلَّةُ ﴿مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾، هَذِهِ: الحِكْمَةُ في زِيادَةِ القَمَرِ ونُقْصانِهِ، إذْ هي كَوْنُها مَواقِيتٌ في الآجالِ، والمُعامَلاتِ، والأيْمانِ، والعِدَدِ، والصَّوْمِ، والفِطْرِ، ومُدَّةِ الحَمْلِ والرَّضاعِ، والنُّذُورِ المُعَلَّقَةِ بِالأوْقاتِ، وفَضائِلِ الصَّوْمِ في الأيّامِ الَّتِي لا تُعْرَفُ إلّا بِالأهِلَّةِ. وقَدْ ذَكَرَ تَعالى هَذا المَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ﴾ [يونس: ٥]، وفي قَوْلِهِ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكم ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ﴾ [الإسراء: ١٢] . وقالَ الرّاغِبُ: الوَقْتُ الزَّمانُ (p-٦٢)المَفْرُوضُ لِلْعَمَلِ، ومَعْنى: مَواقِيتُ لِلنّاسِ أيْ ما يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِن أُمُورِ مُعامَلاتِهِمْ ومَصالِحِهِمْ، انْتَهى. وقالَ الرُّمّانِيُّ: الوَقْتُ مِقْدارٌ مِنَ الزَّمانِ مُحَدَّدٌ في ذاتِهِ، والتَّوْقِيتُ تَقْدِيرُ حَدِّهِ، وكُلَّما قَدَّرْتَ لَهُ غايَةً فَهو مُوَقَّتٌ، والمِيقاتُ مُنْتَهى الوَقْتِ، والآخِرَةُ مُنْتَهى الخَلْقِ، والإهْلالُ مِيقاتُ الشَّهْرِ، ومَواضِعُ الإحْرامِ مَواقِيتُ الحَجِّ: لِأنَّها مَقادِيرُ يَنْتَهِي إلَيْها، والمِيقاتُ مِقْدارٌ جُعِلَ عَلَمًا لِما يُقَدَّرُ مِنَ العَمَلِ، انْتَهى كَلامُهُ. وفِي تَغْيِيرِ الهِلالِ بِالنَّقْصِ والنَّماءِ رَدٌّ عَلى الفَلاسِفَةِ في قَوْلِهِمْ: إنَّ الأجْرامَ الفَلَكِيَّةَ لا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ التَّغْيِيرِ إلى أحْوالِها، فَأظْهَرَ تَعالى الِاخْتِلافَ في القَمَرِ، ولَمْ يُظْهِرْهُ في الشَّمْسِ، لِيُعْلَمَ أنَّ ذَلِكَ بِقُدْرَةٍ مِنهُ تَعالى. والحَجُّ: مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ”لِلنّاسِ“ . قالُوا: التَّقْدِيرُ ومَواقِيتُ لِلْحَجِّ، فَحُذِفَ الثّانِي اكْتِفاءً بِالأوَّلِ، والمَعْنى: لِتَعْرِفُوا بِها أشْهُرَ الحَجِّ ومَواقِيتَهُ. ولَمّا كانَ الحَجُّ مِن أعْظَمِ ما يُطْلَبُ مِيقاتُهُ وأشْهُرُهُ بِالأهِلَّةِ، أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ، وكَأنَّهُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ، إذْ قَوْلُهُ: مَواقِيتُ لِلنّاسِ، لَيْسَ المَعْنى مَواقِيتَ لِذَواتِ النّاسِ، وإنَّما المَعْنى: مَواقِيتُ لِمَقاصِدِ النّاسِ المُحْتاجِ فِيها لِلتَّأْقِيتِ دِينًا ودُنْيا. فَجاءَ قَوْلُهُ: ”والحَجِّ“ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ. فَفي الحَقِيقَةِ لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلى النّاسِ، بَلْ عَلى المُضافِ المَحْذُوفِ الَّذِي نابَ النّاسُ مَنابَهُ في الإعْرابِ. ولَمّا كانَتْ تِلْكَ المَقاصِدُ يُفْضِي تَعْدادُها إلى الإطْنابِ، اقْتَصَرَ عَلى قَوْلِهِ: ”﴿مَواقِيتُ لِلنّاسِ﴾“ . وقالَ القَفّالُ: إفْرادُ الحَجِّ بِالذِّكْرِ: لِبَيانِ أنَّ الحَجَّ مَقْصُورٌ عَلى الأشْهُرِ الَّتِي عَيَّنَها اللَّهُ تَعالى لِفَرْضِ الحَجِّ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ نَقْلُ الحَجِّ عَنْ تِلْكَ الأشْهُرِ لِأشْهُرٍ أُخَرَ، إنَّما كانَتِ العَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ في النَّسِيءِ، انْتَهى كَلامُهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”والحَجِّ“ بِفَتْحِ الحاءِ. وقَرَأ الحَسَنُ وابْنُ أبِي إسْحاقَ: ”والحِجِّ“ بِكَسْرِها في جَمِيعِ القُرْآنِ في قَوْلِهِ: (حِجُّ البَيْتِ)، فَقِيلَ: بِالفَتْحِ المَصْدَرُ، وبِالكَسْرِ الِاسْمُ. وقالَ سِيبَوَيْهِ: الحَجُّ، كالرَّدِّ والسَّدِّ، والحِجُّ كالذِّكْرِ، فَهُما مَصْدَرانِ. والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ: ”﴿مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾“، ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبُو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ مِن جَوازِ الإحْرامِ بِالحَجِّ في جَمِيعِ السَّنَةِ لِعُمُومِ الأهِلَّةِ، خِلافًا لِمَن قالَ: لا يَصِحُّ إلّا في أشْهُرِ الحَجِّ. قِيلَ: وفِيها دَلِيلٌ عَلى أنَّ مَن وجَبَ عَلَيْها عِدَّتانِ مِن رَجُلٍ واحِدٍ، اكْتَفَتْ بِمُضِيِّ عِدَّةٍ واحِدَةٍ لِلْعِدَّتَيْنِ، ولا تَسْتَأْنِفُ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنهُما حَيْضًا، ولا شُهُورًا: لِعُمُومِ قَوْلِهِ: مَواقِيتُ لِلنّاسِ. ودَلِيلٌ عَلى أنَّ العِدَّةَ إذا كانَ ابْتِداؤُها بِالهِلالِ، وكانَتْ بِالشُّهُورِ، وجَبَ اسْتِيفاؤُها بِالأهِلَّةِ لا بِعَدَدِ الأيّامِ، ودَلِيلٌ عَلى أنَّ مَن آلى مِنَ امْرَأتِهِ مِن أوَّلِ الشَّهْرِ إلى أنْ مَضى الأرْبَعَةُ الأشْهُرُ مُعْتَبَرٌ في اتِّباعِ الطَّلاقِ بِالأهِلَّةِ دُونَ اعْتِبارِ الثَّلاثِينَ، وكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ «آلى مِن نِسائِهِ شَهْرًا»، وكَذَلِكَ الإجاراتُ، والأيْمانُ، والدُّيُونُ، مَتى كانَ ابْتِداؤُها بِالهِلالِ، كانَ جَمِيعُها كَذَلِكَ، وسَقَطَ اعْتِبارُ العَدَدِ، وبِذَلِكَ حَكَمَ النَّبِيُّ ﷺ في الصَّوْمِ، وفِيها رَدٌّ عَلى أهْلِ الظّاهِرِ. ومَن قالَ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ المُساقاتِ تَجُوزُ عَلى الأجَلِ المَجْهُولِ سِنِينَ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ، ودَلِيلٌ عَلى مَن أجازَ البَيْعَ إلى الحَصادِ، أوِ الدِّراسِ أوْ لِلْغِطاسِ وشِبْهِهِ، وهو مالِكٌ، وأبُو ثَوْرٍ، وأحْمَدُ: وكَذَلِكَ إلى قُدُومِ الغُزاةِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَنعُهُ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ، ودَلِيلٌ عَلى عَدَمِ اعْتِبارِ وصْفِ الهِلالِ بِالكِبَرِ أوِ الصِّغَرِ: لِأنَّهُ يُقالُ: ما فُصِّلَ، فَسَواءٌ رُئِيَ كَبِيرًا أوْ صَغِيرًا، فَإنَّهُ لِلَّيْلَةِ الَّتِي رُئِيَ فِيها. * * * ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى﴾ . قالَ البَراءُ بْنُ عازِبٍ، والزُّهْرِيُّ، وقَتادَةُ، سَبَبُ نُزُولِها أنَّ الأنْصارَ كانُوا إذا حَجُّوا واعْتَمَرُوا يَلْتَزِمُونَ شَرْعًا أنْ لا يَحُولَ بَيْنَهم وبَيْنَ السَّماءِ حائِلٌ، فَكانُوا يَتَسَنَّمُونَ ظُهُورَ بُيُوتِهِمْ عَلى الجُدْرانِ، وقِيلَ: كانُوا في الجاهِلِيَّةِ وفي بَدْءِ الإسْلامِ، إذا أحْرَمَ أحَدُهم بِحَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ لَمْ يَأْتِ حائِطًا ولا بَيْتًا، ولا دارًا مِن بابِهِ، فَإنْ كانَ مِن أهْلِ المَدِينَةِ نَقَبَ في ظَهْرِ بَيْتِهِ نَقْبًا يَدْخُلُ مِنهُ ويَخْرُجُ، أوْ يَنْصِبُ سُلَّمًا يَصْعَدُ مِنهُ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ الوَبَرِ خَرَجَ مِن خَلْفِ الخَيْمَةِ والفُسْطاطِ، ولا يَدْخُلُ ولا (p-٦٣)يَخْرُجُ مِنَ البابِ حَتّى يَحِلَّ إحْرامُهُ، ويَرَوْنَ ذَلِكَ بِرًّا إلّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الحُمْسِ، وهم: قُرَيْشٌ، وكِنانَةُ، وخُزاعَةُ، وثَقِيفٌ، وخَثْعَمُ، وبَنُو عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وبَنُو نَصْرِ بْنِ مُعاوِيَةَ. فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ ومَعَهُ رَجُلٌ مِنهم، فَوَقَفَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وقالَ: إنِّي أحْمَسُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ”وأنا أحْمَسُ“ . فَنَزَلَتْ. ذَكَرَ هَذا مُخْتَصَرًا السُّدِّيُّ. ورَوى الرَّبِيعُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ «دَخَلَ وخَلْفَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَدَخَلَ وخَرَقَ عادَةَ قَوْمِهِ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ”لِمَ دَخَلْتَ وأنْتَ قَدْ أحْرَمْتَ“ ؟ قالَ: دَخَلْتَ أنْتَ فَدَخَلْتُ بِدُخُولِكَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: ”إنِّي أحْمُسُ، إنِّي مِن قَوْمٍ لا يَدِينُونَ بِذَلِكَ“، فَقالَ الرَّجُلُ: وأنا دِينِي دِينُكَ» فَنَزَلَتْ. وقالَ إبْراهِيمُ: كانَ يَفْعَلُ ما ذُكِرَ قَوْمٌ مِن أهْلِ الحِجازِ، وقِيلَ: كانَ الخارِجُ لِحاجَةٍ لا يَعُودُ مِن بابِهِ مَخافَةَ التَّطَيُّرِ بِالخَيْبَةِ، ويَبْقى كَذَلِكَ حَوْلًا كامِلًا. ومُلَخَّصُ هَذِهِ الأسْبابِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ: رادًّا عَلى مَن جَعَلَ إتْيانَ البُيُوتِ مِن ظُهُورِها بِرًّا، آمِرًا بِإتْيانِ البُيُوتِ مِن أبْوابِها، وهَذِهِ أسْبابٌ تَظافَرَتْ عَلى أنَّ البُيُوتَ أُرِيدَ بِها الحَقِيقَةُ، وأنَّ الإتْيانَ هو المَجِيءُ إلَيْها، والحَمْلُ عَلى الحَقِيقَةِ أوْلى مِنِ ادِّعاءِ المَجازِ مَعَ مُخالَفَةِ ما تَظافَرَ مِن هَذِهِ الأسْبابِ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّ الأهِلَّةَ مَواقِيتُ لِلْحَجِّ: اسْتَطْرَدَ إلى ذِكْرِ شَيْءٍ كانُوا يَفْعَلُونَهُ في الحَجِّ زاعِمِينَ أنَّهُ مِنَ البِرِّ، فَبَيَّنَ لَهم أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ البِرِّ، وإنَّما جَرَتِ العادَةُ بِهِ قَبْلَ الحَجِّ أنْ يَفْعَلُوهُ في الحَجِّ، ولَمّا ذَكَرَ سُؤالَهم عَنِ الأهِلَّةِ بِسَبَبِ النُّقْصانِ والزِّيادَةِ، وما حِكْمَةُ ذَلِكَ، وكانَ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ تَعالى حَكِيمٌ، فَأفْعالُهُ جارِيَةٌ عَلى الحِكْمَةِ، رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأنَّ ما يَفْعَلُونَهُ مِن إتْيانِ البُيُوتِ مِن ظُهُورِها، إذا أحْرَمُوا لَيْسَ مِنَ الحِكْمَةِ في شَيْءٍ، ولا مِنَ البِرِّ، أوْ لَمّا وقَعَتِ القِصَّتانِ في وقْتٍ واحِدٍ نَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِما مَعًا، ووَصَلَ إحْداهُما بِالأُخْرى. وأمّا حَمْلُ الإتْيانِ والبُيُوتِ عَلى المَجازِ فَفِيهِ أقْوالٌ. أحَدُهُما: أنَّ ذَلِكَ ضَرْبُ مَثَلٍ: المَعْنى لَيْسَ البِرُّ أنْ تَسْألُوا الجُهّالَ، ولَكِنِ اتَّقُوا واسْألُوا العُلَماءَ. فَهَذا كَما يُقالُ: أتَيْتُ الأمْرَ مِن بابِهِ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. الثّانِي: أنَّهُ ذَكَرَ إتْيانَ البُيُوتِ مِن أبْوابِها مَثَلًا لِمُخالَفَةِ الواجِبِ في الحَجِّ، وذَلِكَ ما كانُوا يَعْمَلُونَهُ في النَّسِيءِ، فَإنَّهم كانُوا يُخْرِجُونَ الحَجَّ عَنْ وقْتِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعالى، فَيُحَرِّمُونَ الحَلالَ ويَحِلُّونَ الحَرامَ، فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْمُخالَفَةِ، وقِيلَ: واتَّقُوا اللَّهَ تَحْتَ إتْيانِ كُلِّ واجِبٍ في اجْتِنابِ كُلِّ مُحَرَّمٍ. قالَهُ أبُو مُسْلِمٍ. الثّالِثُ: أنَّ إتْيانَ البُيُوتِ مِن ظُهُورِها كِنايَةٌ عَنِ العُدُولِ عَنِ الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وإتْيانَها مِن أبْوابِها كِنايَةٌ عَنِ التَّمَسُّكِ بِالطَّرِيقِ الصَّحِيحِ، وذَلِكَ أنَّ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ أنْ يَسْتَدِلَّ بِالمَعْلُومِ عَلى المَظْنُونِ، وقَدْ ثَبَتَ أنَّ الصّانِعَ حَكِيمٌ لا يَفْعَلُ إلّا الصَّوابَ، وقَدْ عَرَفْنا أنَّ اخْتِلافَ أحْوالِ القَمَرِ في نُورِهِ مِن فِعْلِهِ، فَيُعْلَمُ أنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وحِكْمَةً، فَهَذا اسْتِدْلالٌ بِالمَعْلُومِ عَلى المَجْهُولِ. أمّا أنْ نَسْتَدِلَّ بِعَدَمِ عِلْمِنا بِما فِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ عَلى أنَّ فاعِلَهُ لَيْسَ بِحَكِيمٍ، فَهَذا اسْتِدْلالٌ بِالمَجْهُولِ عَلى المَعْلُومِ، فالمَعْنى: أنَّكم لَمّا لَمْ تَعْلَمُوا حِكْمَتَهُ في اخْتِلافِ القَمَرِ، صِرْتُمْ شاكِّينَ في حِكْمَةِ الخالِقِ، فَقَدْ أتَيْتُمْ ما تَظُنُّونَهُ بِرًّا، إنَّما البِرُّ أنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها فَتَسْتَدِلُّوا بِالمَعْلُومِ، وهو حِكْمَةُ الخالِقِ عَلى المَجْهُولِ، فَتَقْطَعُوا أنَّ فِيهِ حِكْمَةً بالِغَةً، وإنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، قالَهُ في (رِيِّ الظَّمْآنِ)، وهو قَوْلٌ مُلَفَّقٌ مِن كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا تَمْثِيلًا لِتَعْكِيسِهِمْ في سُؤالِهِمْ، وأنَّ مَثَلَهم فِيهِ كَمَثَلِ مَن يَتْرُكُ بابَ البَيْتِ ويَدْخُلُهُ مِن ظَهْرِهُ، والمَعْنى: لَيْسَ البِرُّ، وما يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ، بِأنْ تَعْكِسُوا في مَسائِلِكم، ولَكِنَّ البِرَّ بِرُّ مَنِ اتَّقى ذَلِكَ وتَجَنَّبَهُ، ولَمْ يَجْسُرْ عَلى مِثْلِهِ. ثُمَّ قالَ: ﴿وأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها﴾ أيْ: وباشِرُوا الأُمُورَ مِن وُجُوهِها الَّتِي يَجِبُ أنْ تُباشَرَ عَلَيْها، ولا تَعْكِسُوا، والمُرادُ وُجُوبُ تَوَطُّيءِ النُّفُوسِ، ورَبْطِ القُلُوبِ عَلى أنَّ جَمِيعَ أفْعالِ اللَّهِ حِكْمَةٌ وصَوابٌ مِن غَيْرِ اخْتِلاجِ شُبْهَةٍ، ولا اعْتِراضِ شَكٍّ في ذَلِكَ، حَتّى لا يُسْألَ عَنْهُ (p-٦٤)لِما في السُّؤالِ مِنَ الِاتِّهامِ بِمُقارَفَةِ الشَّكِّ ﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] . انْتَهى كَلامُهُ. وحَكى هَذا القَوْلَ مُخْتَصَرًا ابْنُ عَطِيَّةَ، فَقالَ: وقالَ غَيْرُ أبِي عُبَيْدَةَ: لَيْسَ البِرُّ أنْ تَشِذُّوا في الأسْئِلَةِ عَنِ الأهِلَّةِ وغَيْرِها، فَتَأْتُونَ الأُمُورَ عَلى غَيْرِ ما تُحِبُّ الشَّرائِعُ. أنَّهُ كَنّى بِالبُيُوتِ عَنِ النِّساءِ، الإيواءُ إلَيْهِنَّ كالإيواءِ إلى البُيُوتِ، ومَعْناهُ: لا تَأْتُوا النِّساءَ مِن حَيْثُ لا يَحِلُّ مِن ظُهُورِهِنَّ، وأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ يَحِلُّ مِن قَبُلِهِنَّ. قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وحَكاهُ مَكِّيٌّ، والمَهْدَوِيُّ عَنِ ابْنِ الأنْبارِيِّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: كَوْنُهُ في جِماعِ النِّساءِ بَعِيدٌ مُغَيِّرٌ نَمَطَ الكَلامِ، انْتَهى. والباءُ في: ”بِأنْ تَأْتُوا“ زائِدَةٌ في خَبَرِ لَيْسَ، و”بِأنْ تَأْتُوا“ خَبَرُ لَيْسَ، ويَتَقَدَّرُ بِمَصْدَرٍ، وهو مِنَ الإخْبارِ بِالمَعْنى عَنِ المَعْنى، وبِالأعْرَفِ عَمّا دُونَهُ في التَّعْرِيفِ: لِأنَّ ”أنْ“ وصِلَتَها، عِنْدَهم بِمَنزِلَةِ الضَّمِيرِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، والكِسائِيُّ، وقالُونُ، وعَبّاسٌ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: والعِجْلِيُّ عَنْ حَمْزَةَ: والشُّمُّونِيُّ عَنِ الأعْشى، عَنْ أبِي بَكْرٍ ”البِيُوتَ“ بِالكَسْرِ: حَيْثُ وقَعَ ذَلِكَ لِمُناسَبَةِ الياءِ، والأصْلُ هو الضَّمُّ: لِأنَّهُ عَلى وزْنِ فُعُولٍ، وبِهِ قَرَأ باقِي السَّبْعَةِ و”مِن“ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ”تَأْتُوا“ وهي لِابْتِداءِ الغايَةِ، والضَّمِيرُ في ”أبْوابِها“ عائِدٌ عَلى البُيُوتِ. وعادَ كَضَمِيرِ المُؤَنَّثِ الواحِدَةِ: لِأنَّ البُيُوتَ جَمْعُ كَثْرَةٍ، وجَمْعُ المُؤَنَّثِ الَّذِي لا يَعْقِلُ فُرِّقَ فِيهِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ، فالأفْصَحُ في قَلِيلِهِ أنْ يُجْمَعَ الضَّمِيرُ، والأفْصَحُ في كَثِيرِهِ أنْ يُفْرَدَ، كَهو في ضَمِيرِ المُؤَنَّثِ الواحِدَةِ، ويَجُوزُ العَكْسُ. وأمّا جَمْعُ المُؤَنَّثِ الَّذِي يَعْقِلُ فَلَمْ تُفَرِّقِ العَرَبُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ، والأفْصَحُ أنْ يُجْمَعَ الضَّمِيرُ. ولِذَلِكَ جاءَ في القُرْآنِ: ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكم وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] ونَحْوُهُ، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ كَما يَعُودُ عَلى المُؤَنَّثِ الواحِدِ وهو فَصِيحٌ. * * * ﴿ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى﴾، التَّأْوِيلاتُ الَّتِي في قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ﴾ [البقرة: ١٧٧] سائِغَةٌ هُنا مِن أنَّهُ أطْلَقَ البِرَّ، وهو المَصْدَرُ، عَلى مَن وقَعَ مِنهُ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ، أوْ فِيهِ حَذْفٌ مِنَ الأوَّلِ، أيْ: ذا البِرِّ، ومِنَ الثّانِي أيْ: بَرُّ مَن آمَنَ. وتَقَدَّمَ التَّرْجِيحُ في ذَلِكَ. وهَذِهِ الآيَةُ كَأنَّها مُخْتَصَرَةٌ مِن تِلْكَ: لِأنَّ هُناكَ عَدَّ أوْصافًا كَثِيرَةً مِنَ الإيمانِ بِاللَّهِ إلى سائِرِ تِلْكَ الأوْصافِ، وقالَ في آخِرِها: ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣]، وقالَ هُنا: ﴿ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى﴾، والتَّقْوى لا تَحْصُلُ إلّا بِحُصُولِ تِلْكَ الأوْصافِ، فَأحالَ هُنا عَلى تِلْكَ الأوْصافِ ضِمْنًا إذْ جاءَ مَعَها هو المُتَّقِي. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِتَخْفِيفِ ”ولَكِنْ“ ورَفْعِ ”البِرُّ“ والباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ والنَّصْبِ. ﴿وأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها﴾ تَفْسِيرُها: يَتَفَرَّغُ عَلى الأقْوالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ في قَوْلِهِ: ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها﴾ . (واتَّقُوا اللَّهَ): أمْرٌ بِاتِّقاءِ اللَّهِ، وتَقَدَّمَتْ جُمْلَتانِ خَبَرِيَّتانِ وهُما ﴿ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى﴾، فَعَطَفَ عَلَيْهِما جُمْلَتانِ أمْرِيَّتانِ الأُولى راجِعَةٌ لِلْأُولى، والثّانِيَةُ راجِعَةٌ لِلثّانِيَةِ، وهَذا مِن بَدِيعِ الكَلامِ. ولَمّا كانَ ظاهِرُ قَوْلِهِ مَنِ اتَّقى، مَحْذُوفَ المَفْعُولِ، نَصَّ في قَوْلِهِ: واتَّقُوا اللَّهَ، عَلى مَن يَتَّقِي، فاتَّضَحَ في الأوَّلِ أنَّ المَعْنى مَنِ اتَّقى اللَّهَ. (لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ) ظاهِرُهُ التَّعَلُّقُ بِالجُمْلَةِ الأخِيرَةِ، وهي قَوْلُهُ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾: لِأنَّ تَقْوى اللَّهِ هو إجْماعُ الخَيْرِ مِنِ امْتِثالِ الأوامِرِ، واجْتِنابِ النَّواهِي، فَعَلَّقَ التَّقْوى بِرَجاءِ الفَلاحِ، وهو الظَّفَرُ بِالبُغْيَةِ. ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَتْ لَمّا صَدَّ المُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عامَ الحُدَيْبِيَةِ، وصالَحُوهُ عَلى أنْ يَرْجِعَ مِن قابِلٍ فَيُحِلُّوا لَهُ مَكَّةَ ثَلاثَةَ أيّامٍ، فَرَجَعَ لِعُمْرَةِ القَضاءِ، وخافَ المُسْلِمُونَ أنْ لا تَفِيَ لَهم قُرَيْشٌ، ويَصُدُّوهم، ويُقاتِلُوهم في الحَرَمِ وفي الشَّهْرِ الحَرامِ، وكَرِهُوا ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ. وأطْلَقَ لَهم قِتالَ الَّذِينَ يُقاتِلُونَهم مِنهم في الحَرَمِ وفي الشَّهْرِ الحَرامِ، ورَفَعَ عَنْهُمُ الجُناحَ في ذَلِكَ، وبِذِكْرِ هَذا السَّبَبِ ظَهَرَتْ مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها: لِأنَّ ما قَبْلَها مُتَضَمِّنٌ شَيْئًا مِن مُتَعَلَّقاتِ الحَجِّ، ويَظْهَرُ أيْضًا أنَّ المُناسِبَ هو أنَّهُ لَمّا أمَرَ تَعالى بِالتَّقْوى، وكانَ أشَدُّ أقْسامِ التَّقْوى وأشَقُّها عَلى النَّفْسِ قِتالَ أعْداءِ اللَّهِ، فَأمَرَ بِهِ فَقالَ تَعالى: ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾، والظّاهِرُ أنَّ المُقاتَلَةَ في سَبِيلِ اللَّهِ هي الجِهادُ في الكُفّارِ (p-٦٥)لِإظْهارِ دِينِ اللَّهِ وإعْلاءِ كَلِمَتِهِ، وأكْثَرُ عُلَماءِ التَّفْسِيرِ عَلى أنَّها أوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ في الأمْرِ بِالقِتالِ، أمَرَ فِيها بِقِتالِ مَن قاتَلَ، والكَفِّ عَنْ مَن كَفَّ، فَهي ناسِخَةٌ لِآياتِ المُوادَعَةِ. ورُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ أنَّ أوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ في القِتالِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] . قالَ الرّاغِبُ: أمَرَ أوَّلًا بِالرِّفْقِ والِاقْتِصارِ عَلى الوَعْظِ والمُجادَلَةِ الحَسَنَةِ، ثُمَّ أذِنَ لَهُ في القِتالِ، ثُمَّ أمَرَ بِقِتالِ مَن يَأْبى الحَقَّ بِالحَرْبِ، وذَلِكَ كانَ أمْرًا بَعْدَ أمْرٍ عَلى حَسَبِ مُقْتَضى السِّياسَةِ، انْتَهى. وقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ بِالأمْرِ بِقِتالِ المُشْرِكِينَ، وقِيلَ: هي مُحْكَمَةٌ، وفي (رِيِّ الظَّمْآنِ) هي مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]، وضَعُفَ نَسْخُها بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تُقاتِلُوهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ [البقرة: ١٩١]: لِأنَّهُ مِن بابِ التَّخْصِيصِ لا مِن بابِ النَّسْخِ، ونَسْخُ: ﴿ولا تُقاتِلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] بِقَوْلِهِ: (وقاتِلُوهم) بِأنَّهُ لا يَجُوزُ الِابْتِداءُ بِالقِتالِ في الحَرَمِ، وهَذا الحُكْمُ لَمْ يُنْسَخْ، بَلْ هو باقٍ، وبِأنَّهُ يَبْعُدُ أنْ يُجْمَعَ بَيْنَ آياتٍ مُتَوالِيَةٍ يَكُونُ كُلُّ واحِدَةٍ مِنها ناسِخَةً لِلْأُخْرى، وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ قَوْلَهُ: ”وقاتِلُوا“ لَيْسَ أمْرًا بِقِتالٍ، وإنَّما أرادَ بِالمُقاتَلَةِ المُخاصَمَةِ، والمُجادَلَةِ والتَّشَدُّدِ في الدِّينِ، وجَعَلَ ذَلِكَ قِتالًا: لِأنَّهُ يَئُولُ إلى القِتالِ غالِبًا، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ ما يَئُولُ إلَيْهِ. والآيَةُ عَلى هَذا مُحْكَمَةٌ. وهَذا القَوْلُ خِلافُ الظّاهِرِ، والعُدُولُ عَنِ الظّاهِرِ لِغَيْرِ مانِعٍ لا يُناسِبُ. ”في سَبِيلِ اللَّهِ“ السَّبِيلُ هو الطَّرِيقُ، واسْتُعِيرَ لِدِينِ اللَّهِ وشَرائِعِهِ، فَإنَّ المُتَّبِعَ ذَلِكَ يَصِلُ بِهِ إلى بُغْيَتِهِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، فَشُبِّهَ بِالطَّرِيقِ المُوَصِّلِ الإنْسانَ إلى ما يَقْصِدُهُ، وهَذا مِنِ اسْتِعارَةِ الأجْرامِ لِلْمَعانِي، ويَتَعَلَّقُ ”في سَبِيلِ اللَّهِ“ بِقَوْلِهِ: ”وقاتِلُوا“، وهو ظَرْفٌ مَجازِيٌّ: لِأنَّهُ لَمّا وقَعَ القِتالُ بِسَبَبِ نُصْرَةِ الدِّينِ صارَ كَأنَّهُ وقَعَ فِيهِ، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ. التَّقْدِيرُ: في نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن بابِ التَّضْمِينِ، كَأنَّهُ قِيلَ: وبالِغُوا بِالقِتالِ في نُصْرَةِ سَبِيلِ اللَّهِ، فَضُمِّنَ ”قاتِلُوا“ مَعْنى المُبالَغَةِ في القِتالِ. ﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ﴾ ظاهِرُهُ: مَن يُناجِزُكُمُ القِتالَ ابْتِداءً، أوْ دَفْعًا عَنِ الحَقِّ، وقِيلَ: مَن لَهُ أهْلِيَّةُ القِتالِ سِوى مَن جَنَحَ لِلسَّلْمِ فَيَخْرُجُ مِن هَذا النِّسْوانُ، والصِّبْيانُ، والرُّهْبانُ. وقِيلَ: مَن لَهُ قُدْرَةٌ عَلى القِتالِ، وتَسْمِيَةُ مَن لَهُ الأهْلِيَّةُ والقُدْرَةُ مُقاتِلًا مَجازٌ، وأبْعَدُ مِنهُ مَجازًا مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَعْنى: الَّذِينَ يُخالِفُونَكم، فَجَعَلَ المُخالَفَةَ قِتالًا: لِأنَّهُ يَئُولُ إلى القِتالِ، فَيَكُونُ أمْرًا بِقِتالِ مَن خالَفَ، سَواءٌ قاتَلَ أمْ لَمْ يُقاتِلْ، وقُدِّمَ المَجْرُورُ عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِأنَّهُ الأهَمُّ، وهو أنْ يَكُونَ القِتالُ بِسَبَبِ إظْهارِ شَرِيعَةِ الإسْلامِ، ألا تَرى الِاقْتِصارَ عَلَيْهِ في نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤] . ﴿ولا تَعْتَدُوا﴾ نَهْيٌ عامٌّ في جَمِيعِ مُجاوَزَةِ كُلِّ حَدِّ حَدَّهُ اللَّهُ تَعالى، فَدَخَلَ فِيهِ الِاعْتِداءُ في القِتالِ بِما لا يَجُوزُ، وقِيلَ: المَعْنى ولا تَعْتَدُوا في قَتْلِ النِّساءِ، والصِّبْيانِ، والرُّهْبانِ، والأطْفالِ، ومَن يَجْرِي مَجْراهم. قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، ومُجاهِدٌ، ورَجَّحَهُ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، كالنَّحّاسِ وغَيْرِهِ: لِأنَّ المُفاعَلَةَ غالِبًا لا تَكُونُ إلّا مِنِ اثْنَيْنِ، والقِتالُ لا يَكُونُ مِن هَؤُلاءِ: ولِأنَّ النَّهْيَ ورَدَ في ذَلِكَ،«نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ النِّساءِ، والصِّبْيانِ، وعَنِ المُثْلَةِ»، وفي وِصايَةِ أبِي بَكْرٍ لِيَزِيدَ بْنِ أبِي سُفْيانَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ هَؤُلاءِ، والشَّيْخِ الفانِي، وعَنْ تَخْرِيبِ العامِرِ، وذَبْحِ البَقَرَةِ والشّاةِ لِغَيْرِ مَأْكَلٍ، وإفْسادِ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ بِحَرْقٍ أوْ غَيْرِهِ. وقِيلَ: ولا تَعْتَدُوا في قِتالِ مَن بَذَلَ الجِزْيَةَ. قالَهُ ابْنُ بَحْرٍ، وقِيلَ: في تَرْكِ القِتالِ، وقِيلَ: بِالبُداءَةِ والمُفاجَأةِ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وقِيلَ: بِالمُثْلَةِ، وقِيلَ: بِابْتِدائِهِمْ في الحَرَمِ في الشَّهْرِ الحَرامِ، وقِيلَ: في القِتالِ لِغَيْرِ وجْهِ اللَّهِ، كالحَمِيَّةِ وكَسْبِ الذِّكْرِ. ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ . هَذا كالتَّعْلِيلِ لِما قَبْلَهُ، كَقَوْلِهِ: أكْرِمْ زَيْدًا إنَّ عَمْرًا يُكْرِمُهُ. وحَقِيقَةُ المَحَبَّةِ - وهي مَيْلُ النَّفْسِ إلى ما تُؤْثِرُهُ - مُسْتَحِيلَةٌ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى، ولا واسِطَةَ بَيْنَ المَحَبَّةِ والبَغْضاءِ بِالنِّسْبَةِ إلى اللَّهِ تَعالى: لِأنَّهُما مَجازانِ عَنْ إرادَةِ ثَوابِهِ، وإرادَةِ عِقابِهِ، أوْ عَنْ مُتَعَلَّقِ الإرادَةِ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ. (p-٦٦)وذَلِكَ بِخِلافِ مَحَبَّةِ الإنْسانِ وبُغْضِهِ، فَإنَّ بَيْنَهُما واسِطَةً، وهي عَدَمُهُما، فَلِذَلِكَ لا يَرِدُ عَلى نَفْيِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعالى أنْ يُقالَ: لا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ المَحَبَّةِ وُجُودُ البُغْضِ، بَلْ ذَلِكَ لازِمٌ لِما بَيَّنّاهُ مِن عَدَمِ الواسِطَةِ بَيْنَهُما في حَقِّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب