الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾ سَبَبُ نُزُولِها، «أنَّ مُعاذَ بْنَ جَبَلٍ وثَعْلَبَةَ بْنَ غَنَمَةَ، وهُما مِنَ الأنْصارِ، سَألا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ زِيادَةِ الأهِلَّةِ ونَشْأتِها، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» وأُخِذَ اسْمُ الهِلالِ مِنِ اسْتِهْلالِ النّاسِ بِرَفْعِ أصْواتِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، والمَواقِيتُ: مَقادِيرُ الأوْقاتِ لِدُيُونِهِمْ وحَجِّهِمْ، ويُرِيدُ بِالأهِلَّةِ شُهُورَها، وقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الهِلالِ بِالشَّهْرِ لِحَوْلِهِ فِيهِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ أخَوانِ مِن نَجْدٍ عَلى ثِقَةٍ والشَّهْرُ مِثْلُ قُلامَةِ الظُّفْرِ ∗∗∗ حَتّى تَكامَلَ في اسْتِدارَتِهِ ∗∗∗ في أرْبَعٍ زادَتْ عَلى عَشْرِ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَلَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها﴾ فِيهِ سِتَّةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ سَبَبَ نُزُولِ ذَلِكَ، ما رَوى داوُدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ جُبَيْرٍ: «أنَّ (p-٢٥٠) النّاسَ كانُوا إذا أحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا حائِطًا مِن بابِهِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دارًا، وكانَ رَجُلٌ مِنالأنْصارِ يُقالُ لَهُ رِفاعَةُ بْنُ أيُّوبَ، فَجاءَ فَتَسَوَّرَ الحائِطَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمّا خَرَجَ مِن بابِ الدّارِ خَرَجَ رِفاعَةُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: (ما حَمَلَكَ عَلى ذَلِكَ؟ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، رَأيْتُكَ خَرَجْتَ مِنهُ فَخَرَجْتُ مِنهُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنِّي رَجُلٌ أحْمَسُ فَقالَ: إنْ تَكُنْ أحْمَسَ فَدِينُنا واحِدٌ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ البِرَّ﴾ الآيَةَ،» وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، وعَطاءٍ، وقَوْلُهُ: أحْمَسُ يَعْنِي مِن قُرَيْشٍ، كانُوا يُسَمَّوْنَ (الحُمْسَ) لِأنَّهم تَحَمَّسُوا في دِينِهِمْ أيْ تَشَدَّدُوا، والحَماسَةُ الشِّدَّةُ، قالَ العَجّاجُ: ؎ وكَمْ قَطَعْنا مِن قِفافٍ حُمْسِ أيْ شِدادٍ. والقَوْلُ الثّانِي: عَنى بِالبُيُوتِ النِّساءَ، سُمِّيَتْ بُيُوتًا لِلْإيواءِ إلَيْهِنَّ، كالإيواءِ إلى البُيُوتِ، ومَعْناهُ: لا تَأْتُوا النِّساءَ مِن حَيْثُ لا يَحِلُّ مِن ظُهُورِهِنَّ، وأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ يَحِلُّ مِن قُبُلِهِنَّ، قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ في النَّسِيءِ وتَأْخِيرِ الحَجِّ بِهِ، حِينَ كانُوا يَجْعَلُونَ الشَّهْرَ الحَلالَ حَرامًا بِتَأْخِيرِ الحَجِّ، والشَّهْرَ الحَرامَ حَلالًا بِتَأْخِيرِ الحَجِّ عَنْهُ، ويَكُونُ ذِكْرُ البُيُوتِ وإتْيانِها مِن ظُهُورِها مَثَلًا لِمُخالَفَةِ الواجِبِ في الحَجِّ وشُهُورِهِ، والمُخالَفَةُ إتْيانُ الأمْرِ مِن خَلْفِهِ، والخَلْفُ والظَّهْرُ في كَلامِ العَرَبِ واحِدٌ، حَكاهُ ابْنُ بَحْرٍ. والرّابِعُ: أنَّ الرَّجُلَ كانَ إذا خَرَجَ لِحاجَتِهِ، فَعادَ ولَمْ يَنْجَحْ لَمْ يَدْخُلْ مِن بابِهِ، ودَخَلَ مِن ورائِهِ، تَطَيُّرًا مِنَ الخَيْبَةِ، فَأمَرَهُمُ اللَّهُ أنْ يَأْتُوا بُيُوتَهم مِن أبْوابِها. والخامِسُ: مَعْناهُ لَيْسَ البَرَّ أنْ تَطْلُبُوا الخَيْرَ مِن غَيْرِ أهْلِهِ، وتَأْتُوهُ مِن غَيْرِ بابِهِ، وهَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ. (p-٢٥١) والقَوْلُ السّادِسُ: أنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَهُمْ، بِأنْ يَأْتُوا البِرَّ مِن وجْهِهِ، ولا يَأْتُوهُ مِن غَيْرِ وجْهِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب