الباحث القرآني

﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ﴾: سَألَهُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ؛ وثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمٍ؛ فَقالا: ما بالُ الهِلالِ يَبْدُو رَقِيقًا كالخَيْطِ؛ ثُمَّ يَزِيدُ حَتّى يَسْتَوِيَ؛ ثُمَّ لا يَزالُ يَنْقُصُ حَتّى يَعُودَ كَما بَدَأ؟ ﴿قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾؛ كانُوا قَدْ سَألُوهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَنِ الحِكْمَةِ في اخْتِلافِ حالِ القَمَرِ؛ وتَبَدُّلِ أمْرِهِ؛ فَأمَرَهُ اللَّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ أنْ يُجِيبَهم بِأنَّ الحِكْمَةَ الظّاهِرَةَ في ذَلِكَ أنْ تَكُونَ مَعالِمَ لِلنّاسِ في عِباداتِهِمْ؛ لا سِيَّما الحَجُّ؛ فَإنَّ الوَقْتَ مُراعًى فِيهِ؛ أداءً؛ وقَضاءً؛ وكَذا في مُعامَلاتِهِمْ؛ عَلى حَسَبِ ما يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ؛ و"المَواقِيتُ": جَمْعُ "مِيقاتٌ"؛ مِن "الوَقْتُ"؛ والفَرْقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المُدَّةِ؛ والزَّمانِ؛ أنَّ المُدَّةَ المُطْلَقَةَ امْتِدادُ حَرَكَةِ الفَلَكِ؛ مِن مَبْدَئِها إلى مُنْتَهاها؛ والزَّمانُ: مُدَّةٌ مَقْسُومَةٌ إلى الماضِي؛ والحالِ؛ والمُسْتَقْبَلِ؛ والوَقْتُ: الزَّمانُ المَفْرُوضُ لِأمْرٍ؛ ﴿وَلَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِها﴾: كانَتِ الأنْصارُ إذا أحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا دارًا ولا فُسْطاطًا مِن بابِهِ؛ وإنَّما يَدْخُلُونَ ويَخْرُجُونَ مِن نَقْبٍ؛ أوْ فُرْجَةٍ وراءَها؛ ويُعِدُّونَ ذَلِكَ بِرًّا؛ فَبُيِّنَ لَهم أنَّهُ لَيْسَ بِبِرٍّ؛ فَقِيلَ: ﴿وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى﴾؛ أيْ: بِرُّ مَنِ اتَّقى المَحارِمَ؛ والشَّهَواتِ؛ ووَجْهُ اتِّصالِهِ بِما قَبْلَهُ أنَّهم سَألُوا عَنِ الأمْرَيْنِ؛ أوْ أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّها مَواقِيتُ لِلْحَجِّ ذَكَرَ عُقَيْبَهُ ما هُو مِن أفْعالِهِمْ في الحَجِّ؛ اسْتِطْرادًا؛ أوْ أنَّهم لَمّا سَألُوا عَمّا لا يَعْنِيهِمْ؛ ولا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ النُّبُوَّةِ؛ فَإنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مَبْعُوثٌ لِبَيانِ الشَّرائِعِ؛ لا لِبَيانِ حَقائِقِ الأشْياءِ؛ وتَرَكُوا السُّؤالَ عَمّا يَعْنِيهِمْ؛ ويَخْتَصُّ بِعِلْمِ الرِّسالَةِ؛ عَقَّبَ بِذِكْرِهِ جَوابَ ما سَألُوا عَنْهُ؛ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ اللّائِقَ بِهِمْ أنْ يَسْألُوا عَنْ أمْثالِ ذَلِكَ؛ ويَهْتَمُّوا بِالعِلْمِ بِها؛ أوْ أُرِيدَ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلى تَعْكِيسِهِمْ في السُّؤالِ؛ وكَوْنِهِ مِن قَبِيلِ دُخُولِ البَيْتِ مِن ورائِهِ؛ والمَعْنى: ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَعْكِسُوا في مَسائِلِكُمْ؛ ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى ذَلِكَ؛ ولَمْ يَجْتَرِئْ عَلى مِثْلِهِ؛ ﴿وَأْتُوا البُيُوتَ مِن أبْوابِها﴾؛ إذْ لَيْسَ في العُدُولِ بِرٌّ؛ أوْ: باشِرُوا الأُمُورَ مِن وُجُوهِها؛ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ في تَغْيِيرِ أحْكامِهِ؛ أوْ في جَمِيعِ أُمُورِكُمْ؛ أمَرَ بِذَلِكَ صَرِيحًا بَعْدَ بَيانِ أنَّ البِرَّ بِرُّ مَنِ اتَّقى؛ إظْهارًا لِزِيادَةِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ التَّقْوى؛ وتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾؛ أيْ: لِكَيْ تَظْفَرُوا بِالبِرِّ؛ والهُدى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب