الباحث القرآني
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ يعني عن الحكمة فيها بدليل الجواب ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة ١٨٩].
وأما ما ذكر في البلاغة من أنهم سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن الأهلة -عن كونه هلالًا يبدو صغيرًا ثم يكبر أيش السبب؟ فأجاب الله تعالى ببيان الحكمة، وقالوا: إن هذا من باب أسلوب الحكيم؛ أن يجاب السائل بغير ما يتوقع؛ إشارة إلى أنه كان ينبغي أن يسأل عن هذا- فالصواب أنهم ما سألوا الرسول عن هذا، سألوه عن الحكمة من الأهلة وأن الله سبحانه وتعالى خلقها على هذا الوجه، والدليل الجواب؛ لأن الأصل أن الجواب هو جواب السؤال، حتى يثبت ذلك بنص صحيح.
ولم يثبت ذلك بنص صحيح أن الصحابة سألوا عن السبب في كونه يبدو هلالًا صغيرًا ثم لا يزال ينمو شيئًا فشيئًا حتى يكتمل، ما فيه حديث صحيح في هذا، وعليه فيتعين أن يكون السؤال مطابقا للجواب؛ لأنهم سألوا: ما هي الحكمة.
* طالب: (...) بالعكس؟
* الشيخ: لا، والجواب.
* طالب: (...) مطابق للسؤال.
* الشيخ: وكذلك السؤال، يعني نحن الآن نؤيد أن السؤال عن الحكمة، ما هو عن كونه يبدو صغيرًا، فنقول: هذا الجواب لا بد أن يكون مطابقًا من سؤالهم، وسؤالهم أيضًا مطابقًا له.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ يعني الأهلة مواقيت للناس، جمع ميقات، من الوقت، يعني أنها توقَّت بها الأشياء، ولهذا يوقت الناس فيها كل ما يتعلق بأحوالهم، ففيها مواقيت في العِدد المعلقة بالشهور؛ كعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، وعدة من لا تحيض، كم؟ ثلاثة أشهر، وأجل المولِي ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة ٢٢٦].
وكذلك يوقت الناس فيها آجال الديون والإجارات وغيرها، فهي مواقيت للناس.
والمواقيت بالأشهر الهلالية أبين وأظهر من المواقيت بالأشهر الوهمية التي هي الأشهر الأفرنجية الآن، أشهر وهمية ما لها أصل، ولهذا بعضها ثمان وعشرون وبعضها واحد وثلاثون، ثلاثة أيام، هذه الأشهر لو يختلف الناس وما عندهم تقاويم أين يرجعون إليه؟ ما عندهم شيء يرجعون إليه، لكن الأهلة إذا اختلفوا يحكم بينهم الهلال، الهلال هو اللي يحكم بينهم، فهو علامة حسية ظاهرة، ولهذا جعل الله عز وجل الأشهر مواقيت للناس، للناس عموما، لا للمسلمين فقط، بل للناس عموما؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة ٣٦].
وقوله: ﴿وَالْحَجِّ﴾ يعني ومواقيت للحج؛ لأن الحج أشهر معلومات، تبتدئ بدخول شوال وتنتهي بانتهاء ذي الحجة، ثلاثة أشهر.
فإذا قال قائل: والصيام أيضًا ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة ١٨٥].
قلنا: نعم، لكن سياق الآيات توطئة لبيان الحج، فلهذا قال: ﴿وَالْحَجِّ﴾، والصيام انتهى الكلام عليه.
﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة ١٨٩] طيب ﴿هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ [البقرة ١٨٩] فيه إعراب، (مواقيت) خبر (هي)، وسؤالي: لماذا لم تنون فيقال: مواقيتٌ؟
* طالب: صيغة منتهى الجموع، ممنوع من الصرف.
* الشيخ: لأنه ممنوع من الصرف؛ لصيغة منتهى الجموع: (مفاعيل). وقول الله: ﴿الْحَجِّ﴾ معطوفة على ﴿لِلنَّاسِ﴾.
﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ [البقرة ١٨٩].
البر هو الخير، وسمي الخير برا لما فيه من السعة، ومنه في الاشتقاق البَرُّ، اللي هو الخلاء، سوى البنيان لسعته.
وقوله: ﴿لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا﴾ الباء حرف جر أصلي ولّا زائد؟
* طالب: زائد.
* الشيخ: زائد للتوكيد، يعني وليس البر بإتيانكم البيوت من ظهورها.
﴿بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ أي من خلفها لا من أبوابها، ﴿لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ﴾ وفي قراءة: ﴿الْبِيُوتَ﴾، البيوت هي لغتنا العامية نعم، وهي لغة عربية، قراءة سبعية.
﴿بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ هذه (من) بيانية، أي تأتوها من الخلف، وكانوا في الجاهلية من سفههم يأتون البيوت من ظهورها إذا أحرموا بحج أو بعمرة، إلا قريشًا فإنهم يأتونها من أبوابها، أما غيرهم يقولون: نحن أحرمنا ما يمكن ندخل بيوتنا من أبوابها، هذا يبطل الإحرام، لا بد أن نأتي من الظهور لئلا يسترنا سقف البيت، شوفوا الجهل، كانوا يتسلقون البيوت مع الجدران من الخلف، ويعتقدون أن ذلك بر وقربة إلى الله عز وجل، فنفى الله هذا وأبطله ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ هذا ليس من البر، بل هو من خلاف البر.
السبب لما فيه من التعسير، ولما فيه من مخالفة الحكمة والسفه، فهو خلاف البر، ولهذا قال عز وجل: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾.
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ وفي قراءة: ﴿وَلَكِنِ البِرُّ مَنِ اتَّقَى﴾ على أن تكون (لكن) مخففة من الثقيلة مهملة و(البر) مبتدأ.
أما على القراءة بالتشديد ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ﴾ فهي عاملة و(البر) اسمها.
وقوله: ﴿الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ (البر) اسم معنى و(من اتقى) اسم جثة، كيف يخبر بالجثة عن اسم المعنى؟
نقول: إن هذا تقدم لنا نظيره مرارا، وأنه يخرّج على واحد من أوجه ثلاثة، من يعرفها؟
* طالب: يكون المصدر هنا بمعنى اسم الفاعل: ولكن البَارَّ، أو على تقدير محذوف: ولكنَّ البِرَّ بِرُّ مَنِ اتَّقَى.
* الشيخ: نعم، أو؟
* الطالب: أو هذا على سبيل المبالغة المطلقة مصدر.
* الشيخ: أن يجعل المتقي نفس البر، طيب صح.
﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ اتقى من؟ اتقى الله عز وجل؛ لأن الاتقاء في مقام العبادة إنما يراد به: اتقوا الله عز وجل.
البر هو التقوى، هذا حقيقة البر، لا أن تتقي دخول البيت من بابه، ولكن البر أن تتقي الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾، ائتوا البِيوت والبُيوت من أبوابها، أي من جهة الباب؛ فإن هذا هو الخير، وهذا من الحكمة في تعليم الله عز وجل أنه إذا نهى عن شيء وجه الناس إلى الطريق السليم ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة ١٠٤].
وهكذا تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام أمته إذا سد عليهم بابا لتحريمه فتح لهم باب الحل، «قال للذي جاء إليه بتمر طيب وقال: إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال: «لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ» يعني الجمع التمر الرديء المجمع «بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٠٢)، ومسلم (١٥٩٣ / ٩٥) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.]] يعني تمرا طيبا، فمنعه من المحرم وفتح له باب الحلال.
وهكذا ينبغي لكل من يعلم الناس إذا سد عليهم بابا وهم يحتاجون إلى التعامل به أن يفتح عليهم باب الإباحة.
﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ فإن هذا هو الموافق للعادة وللطبيعة وللعقل، قال بعض العلماء: وينبغي أن تكون هذه قاعدة حتى في الأمور المعنوية؛ أنك تأتيها من أبوابها، ما تتجشم الأمر تجشما، بل تأتي من بابه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى تتم لك الأمور؛ فيكون فيها إشارة إلى أن الأمور المعنوية أيضًا تؤتى من أبوابها، ما تجشم الأشياء تجشما، يعني هذا قد لا تحصل المقصود.
فإذا أردت مثلًا أن تخاطب شخصا كبيرا، كبير المنزلة، فهل تأتي إليه على طول مثلا، تتكلم معه وتخاطبه بما تخاطب سائر الناس؟ الجواب: لا وإنما تأتي من الأبواب.
﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: اجعلوا لكم وقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (لعل) للتعليل؛ أي: لأجل أن تنالوا الفلاح، والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب.
* طالب: طيب مثلا الناس اللي يتعاملون (...).
* الشيخ: يأخذ الحزام ويروح يحطّب ويجيء يبيع.
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة ١٩٠] قاتلوا: فعل أمر، والمقاتلة: مفاعلة من الجانبين، يعني اقتلوهم بمقاتلتهم، ولكن قال: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، أي في دينه وشرعه ولأجله، فسبيل الله سبحانه وتعالى يتناول الدين وأن يكون القتال في حدود الدين، وعلى الوجه المشروع، ولله وحده، ولهذا قدمه، قدم المقاتَل من أجله قبل المقاتَل؛ إشارة إلى أنه ينبغي الإخلاص في هذا القتال؛ لأنه ليس بالأمر الهين، الإنسان المقاتل يعرض رقبته لسيوف الأعداء، فإذا لم يكن مخلصا لله خسر الدنيا والآخرة، قُتل ولم تحصل له الشهادة، فنبه بتقديم المراد ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ لأجل أن يكون مبنيا هذا القتال على الإخلاص.
وقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ قاتلوا الذين يقاتلونكم، اختلفت آراء الناس في هذا المفعول به ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ فإن قوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ قد يقول قائل: مفهومه أن الذين لا يقاتلونكم لا تقاتلونهم، وعلى هذا فيكون مقاتلتنا للكفار قتال دفاع فقط، يعني الذين يقاتلونكم فقط.
ولهذا اختلف العلماء في هذا على أقوال ثلاثة:
أحدها: أن هذه الآية منسوخة، منسوخة بماذا؟ بقوله: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة ٣٦] فتكون الآية غير محكمة، هذا واحد.
الثاني: أن هذا الوصف ليس للاحتراز، ولكنه للتهييج وبيان الواقع، لتهييجنا نحن على قتالهم وبيان واقعهم أنهم يقاتلوننا، وعلى هذا فلا يزيد الأمر بالقتال إلا قوة، يعني إذا قال لك إنسان: قاتل الذي يضربك رجّال، معناه كأنه يقول لك: اقتص لنفسك وكيف تصبر على أنه يضربك ولا تضربه مثلا، فيكون المراد بذلك التهييج وبيان الواقع لهؤلاء أنهم يقاتلوننا، فكيف لا نقاتلهم؟
الوجه الثالث أو القول الثالث: أنها قيد مخرِج لما عداه، فلا نقاتل إلا من يقاتلنا، أما من لا يقاتلنا واستسلم لأمرنا وبذل الجزية وخضع لأحكام الإسلام فإننا لا نقاتله، وهذا رأي كثير من المتأخرين، على أن الآية إنما أمر الله أن نقاتل من يقاتلنا، فأما من لا يقاتلنا واستسلم لحكمنا ورضي بأحكام الإسلام وبذل الجزية فإننا لا نقاتلهم.
واستدلوا لذلك بأن الرسول ﷺ كان إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه ومن معه من المسلمين خيرا وقال لهم: «اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا»، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ إِذَا نَزَلَ عَلَى حِصْنٍ فَلْيَدْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلْيَدْعُهُمْ إِلَى الْهِجْرَةِ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَوُا الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا فَلْيُقَاتِلْهُمْ»[[أخرجه مسلم (١٧٣١ / ٣) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه.]]، فدل هذا على أن هؤلاء إذا بذلوا الجزية فإنهم لا يقاتلون، لأنهم خضعوا لأحكام الإسلام وكانوا تحت سيطرتنا.
واختار ابن كثير رحمه الله القول الوسط: أن المراد به التهييج وبيان الواقع.
﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة ١٩٠] لا تعتدوا في المقاتلة، والاعتداء في المقاتلة يشمل الاعتداء في حق الله والاعتداء في حق المقاتَلين.
أما الاعتداء في حق الله فمثل أن نقاتلهم في وقت لا يحل القتال فيه، لماذا؟ مثل أن نقاتلهم في الأشهر الحرم على القول بأن تحريم القتال فيها غير منسوخ.
وأما في حق المقاتلين فألا نمثل بهم، ما نمثل بهم؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تُمَثِّلُوا» ولا نقتل وليدا يعني طفلا، ولا نقتل امرأة، ولا نقتل شيخا فانيا، ولا نقتل راهبا في صومعته، ولا نقتل شيخا كبيرا ليس له رأي في القتال، هذا معنى الاعتداء، يعني لا تعتدوا بقتال من لا يقاتل أو يعين على القتال.
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ الجملة هنا تعليل للحكم، أين الحكم؟ ﴿لَا تَعْتَدُوا﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ هذا التعليل، المعتدين في القتال ولَّا في القتال وغيره؟ المعتدين في القتال وغيره؛ لأنها عامة، (أل) هنا عامة، اسم موصول لأنها دخلت على مشتق، و(أل) الداخلة على المشتق يجعلونها اسما موصولا، ثم إن العلة غالبا تكون أعم من المعلول، أعم.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩٠، ١٩١] ﴿اقتلوهم﴾ الضمير يعود على من؟ على الكفار الذين يقاتلوننا؛ لقوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾.
﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ حيث: ظرف مبني على الضم، ظرف مكان ولّا زمان؟ ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب، يعني اقتلوهم في أي مكان.
شوف الأول يقول: ﴿قَاتِلُوا﴾ ثم قال: ﴿وَاقْتُلُوا﴾ أيهما أشد؟ القتل أشد، يعني متى وجدنا هذا المحارب الذي يقاتلنا حقيقة أو حكمًا فإننا نقتله في أي مكان، ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ لكنه يستثنى ما سيأتي إن شاء الله في الآيات، ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة ١٩١].
* طالب: شيخ، الجزية ما الحكمة منها (...).
* الشيخ: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ يعني في أي مكان، يستثنى منه ما هو؟ المسجد الحرام ﴿لَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة ١٩١].
﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ [البقرة ١٩١] قال: ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ﴾ ولم يقل: أخرجوهم حيث أخرجوكم؛ لأن الإخراج يكون من شيء إلى شيء، أما القتال فيكون في شيء، القتال يكون في مكان، والإخراج يكون من المكان.
ولهذا قال: ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ أي من المكان الذي أخرجوكم منه، فمثلا إذا قدر أن الكفار غلبوا على هذه البلاد وأخرجوا المسلمين منها، فإن المسلمين يجب عليهم أن يقاتلوهم، فإذا قاتلوهم يخرجونهم ولّا لا؟ نعم يخرجونهم من البلاد من حيث أخرجونا، فهم الذين اعتدوا علينا واحتلوا بلادنا، فنخرجهم من حيث أخرجونا.
واعلم أن أحق الناس ببلاد الله الصالحون ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا﴾ من ﴿عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥].
وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف ١٢٨].
فالأرض ما هي بأرض فلان ولا أرض الجنس الفلاني ولا الجنس الفلاني، الأرض أرض الله يورثها من يشاء من عباده، وقد بين أن الذي يرثها عباده الصالحون، هؤلاء هم الذين يرثونها شرعا وقدرا أيضًا، وقدرا فإن الله تعالى يجعل العاقبة للمتقين.
إذن ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ نقول: أخرجوهم من البلاد التي أخرجوكم منهما؛ لأن الحق لكم، أنتم الذين ظُلِمتم وأُخرِجتم من دياركم، فأخرجوا هؤلاء الكفار منها.
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة ١٩١] الفتنة ما هي؟ الفتنة صد الناس عن دينهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج ١٠]، ففتنة الناس أشد من قتلهم؛ لأن قتلهم غاية ما فيه أن نقطعهم من ملذات الدنيا، لكن الفتنة نقطعهم من الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج ١١].
وفي هذا دليل -وإن كان ينبغي أن يجعل في الفوائد- على أن استعمار الأفكار أشد من استعمار الديار، وأن الكفار إذا تسلطوا على المسلمين بصدهم عن دينهم فهو أعظم من احتلال ديارهم، الفتنة أشد من القتل.
قريش هل فتنوا المؤمنين؟ نعم، فتنوهم أيّ فتنة، فتنوهم، عذبوهم، قتلوهم، صاروا يعذبونهم بالرمضاء في شدة الحر، أذية ما فوقها أذية، هذا أشد من القتل، يعني لو فرض أن المسلمين قتلوا أحدا من المشركين فإن فتنة المشركين للمسلمين أعظم وأشد.
* طالب: شيخ، صار المسلمين دول، ففيه دولة أخرجت من ديارها، هل يجب على المسلمين كلهم أن..
* الشيخ: نعم يجب عليهم مع القدرة أن يعينوا هؤلاء حتى يطردوا أعداءهم عن بلادهم.
* الطالب: طيب بعض الدول بينها وبين الكفار هادول اللي أخرجوا المسلمين معاهدة يجب عليهم ولّا ما يجب؟
* الشيخ: لا، يبينوا لهم، لكنهم إذا نقضوا، عند أهل العلم إذا نقضوا العهد في طائفة من المؤمنين انتقض العهد، حتى لو بيننا وبينهم عهد، الرسول عليه الصلاة والسلام جعل نقض قريش العهد بمعاونتهم حلفاءهم نقضا لعهده، مع أنهم ما فعلوا إلا أنهم ساعدوا حلفاءهم على حلفاء النبي عليه الصلاة والسلام، على حلفاء الرسول وهم إلى الآن ما بعد أسلموا، فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا نقضا للعهد، فإذا اعتدوا على أحد من المسلمين فقد نقضوا العهد، فسيأتي إن شاء الله هذا في..
يقول: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة ١٩١] لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام يعني في مكة؛ لأن المسجد الحرام هو المسجد نفسه وما عنده فهو البلد، يعني لا تقاتلوهم في مكة حتى يقاتلوكم فيه.
و(في) هنا الظاهر أنها للظرفية، ويحتمل أن تكون للسببية، أي: حتى يقاتلوكم بسببه.
﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩١] إن قاتلوكم حتى عند المسجد الحرام؟ حتى عند المسجد الحرام، إذا قاتلونا حتى عند المسجد الحرام فإننا نقاتلهم.
هذه الآية هي منسوخة ولّا لا؟ لا، هذه الآية غير منسوخة.
فإن قال قائل: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال: «إِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُولُوا: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٣٢)، ومسلم (١٣٥٤ / ٤٤٦) من حديث أبي شريح العدوي.]]، فهذا دليل على أن الآية هذه منسوخة.
فالجواب على ذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يريد بذلك قتال أهل مكة والدخول عليهم، عنوة هذا لا يجوز، أما إذا قاتلونا فإننا نقاتلهم من باب المدافعة، ولا أحد يقول: إنه إذا قاتلك المشرك في مكة فاستسلم، أبدا ما أحد يقول بهذا.
فنحن لا نبدؤهم بالقتال، حتى على الفرض الممتنع؛ لو أن أهل مكة ارتدوا فإننا لا نقاتلهم، وإنما قلت: على الفرض الممتنع؛ لأن أهل مكة لا يمكن أن يرتدوا، ويش الدليل؟
الدليل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٨٣)، ومسلم (١٣٥٣ / ٤٤٥) من حديث عبد الله بن عباس. ]]، فإن نفي الهجرة من مكة بعد الفتح دليل على أنها ستبقى بلاد إسلام، وإلا لأمكن أن يرتد أهلها ويكون منها الهجرة.
الحاصل نقول: إننا لا يجوز أن نبدأ أهل الحرم بقتال أبدا، لكن إن قاتلونا في الحرم فإننا نقاتل مدافعة حتى تهدأ الفتنة.
ولهذا قال: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ١٩١] كذلك: المشار إليه ما سبق من الأحكام في الأمر بالقتال، أي مثل هذا الجزاء، وهو أمرنا لكم بقتال الكفار المقاتلين لكم نجزي الكافرين، وعلى هذا فيكون القتال عاما لكل كافر، فإن الواجب على المسلمين أن يقاتلوا الكفار -كما سيأتي إن شاء الله في الآية التي بعدها- وجوبا.
والجهاد في سبيل الله فرض كفاية في الأصل، وقد يكون فرض عين، وذكروا أنه يكون فرض عين في مواضع:
الموضع الأول: إذا حضره، فإنه يكون فرض عين، ما يجوز أن ينصرف؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال ١٥، ١٦].
الموضع الثاني: إذا حصر بلده العدو، إذا حصره فإنه يتعين القتال، من أجل فك الحصار عن البلد، ولأنه يشبه من حضر صف القتال.
الموضع الثالث: إذا احتيج إليه، إذا كان هذا الرجل يحتاج الناس إليه؛ إما لرأيه أو لقوته أو لأي عمل يكون، فإذا كان محتاجا إليه فإنه يتعين عليه.
والموضع الرابع: إذا استنفره الإمام، إذا استنفر الإمام الناس وجب عليهم أن يخرجوا ولا يتخلف أحد،
وإلا فهو فرض كفاية.
واعلم أن الفرض، سواء قلنا: فرض عين، أو فرض كفاية، لا يكون فرضا إلا إذا كان هناك قدرة، أما مع عدم القدرة فلا فرض؛ لعموم الأدلة الدالة على أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة ٩١]، فإذا كنا لا نستطيع أن نقاتل هؤلاء لم يجب علينا، وإلا لأثمنا جميع الناس مع عدم القدرة، ولكنه مع ذلك يجب أن يكون عندنا العزم على أننا إذا قدرنا فسنقاتل.
ولهذا قيدها الله عز وجل: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة ٩١] ليس على هؤلاء الثلاثة حرج، بشرط، ما هو؟ ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، فأما مع عدم النصح لله ورسوله فعليهم الحرج حتى وإن وجدت الأعذار في حقه.
فالحاصل أننا نقول: إن القتال فرض كفاية ويتعين في مواضع، وهذا الفرض كغيره من المفروضات من شرطه القدرة، أما مع العجز فلا يجب، لكن يجب أن يكون العزم معقودا على أنه إذا حصل القوة جاهدنا في سبيل الله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ»[[أخرجه مسلم (١٩١٠ / ١٥٨)، وأبو داود (٢٥٠٢) واللفظ له، من حديث أبي هريرة.]]، والعياذ بالله.
فيها قراءات هنا، اللي عندنا ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ الجمل أربع: ولا تقاتلوهم، حتى يقاتلوكم، فإن قاتلوكم، فاقتلوهم، هذه أربع جمل كلها بصيغة المفاعلة إلا واحدة، كلها بصيغة المفاعلة (قاتل) إلا واحدة وهي الأخيرة ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ شوف هذه القراءات اللي عندي، يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ﴾ كل الأربعة (قتل) بدون صيغة مفاعلة، ﴿وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فَاقتْلُوهُمْ﴾ وعلى هذا فتكون الأربعة كلها بغير صيغة المفاعلة، ولكن القراءة هذه أبلغ، حيث إن الله عز وجل نهى عن المقاتلة إلا بمقاتلة، وإذا حصلت المقاتلة لا تقتصروا على المقاتلة، ماذا تفعلون؟ تقتلون، إذا قاتلوا فاقتلوا، وهذا أبلغ وأقوم، وإن كان كله حقا؛ لأن القراءات كلها قرأ بها النبي عليه الصلاة والسلام، وقد يكون
بعضها يدل على معنى لا يدل عليه الآخر، ويصير (لا تقاتلوهم): لا تقتلوهم حتى يقتلوكم، وقطعا ما هو معناه أنه لا تقتلوهم حتى يقتلوكم كلكم، إذا قتلوكم كلكم ما فيه شيء، لكن حتى يقتلوكم ولو واحدا منكم؛ لأن قتل واحد منا كقتل الجميع، ولهذا ذكر أهل العلم أن أهل الذمة إذا نقضوا العهد في واحد من المسلمين انتقض العهد، قالوا: إذا اعتدى على مسلم بقتل أو زنا أو ما أشبه ذلك فإنه ينتقض عهده، مع أنه ما نقض العهد بالنسبة للعموم لكن الواحد منا يعتبر ممثلا للجميع كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «ذِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٥٥)، ومسلم (١٣٧٠ / ٢٠) من حديث علي بن أبي طالب. ]].
﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة ١٩٢] إن انتهوا، ويش عنه؟ عن المقاتلة، إن انتهوا عن المقاتلة فإن الله غفور رحيم، يعني فاغفروا لهم ولا تقاتلوهم.
وهل يدل هذا على أنهم إذا انتهوا عن المقاتلة غفر لهم بدون إسلام؟ لا، لكن ﴿إِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يعني فاغفروا لهم؛ كقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة ٣٤]، يعني ولا تقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ما داموا تابوا، فهؤلاء أيضًا إن انتهوا ولم يقاتلوكم فلا تقاتلوهم.
* طالب: يمكن لها معنى يا شيخ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يعني ما يجب عليكم القتال إذا انتهوا غفور لكم.
* الشيخ: يحتمل هذا أيضًا ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ والله فيه احتمال لكنها فيها شيء من البعد إنما المعنى الظاهر هو هذا، وبعض المفسرين قال: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ لهم، وجعل الانتهاء عاما للانتهاء عن القتال وعن الكفر، كقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال ٣٨] فجعل قوله: ﴿إِنِ انْتَهَوْا﴾ يعني عن قتالكم وعن الكفر ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* طالب: حتى وإن أصابوا جمع كثير من المسلمين؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يعني يمكن يبدؤوا القتال ويقتلوا كثير ثم يقولوا: خلاص انتهينا، نكف؟
* الشيخ: نكف، لكننا ندعوهم إلى الإسلام، فإن التزموا بأحكام الإسلام وإلا قتلناهم حتى نبيدهم.
* طالب: جواب الشرط..
* الشيخ: لا هو الجملة ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (...).
* طالب: هي خبر مقدم على كل حال.
* الشيخ: هي خبر مقدم على كل حال.
* طالب: تصير تعليلية؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
* الشيخ: إذا كان الكلام في الإعراب فهي جواب الشرط على كل حال.
* الطالب: فإذا جعلناها تعليلية؟
* الشيخ: ما نحتاج إلى تعليل، نقول: ﴿إِنِ انْتَهَوْا﴾ فقد وصف الله نفسه بأنه ذو مغفرة ورحمة يعني فالمعنى اغفروا لهم وارحموهم، لا تعرضوا لهم.
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة ١٩٣] هذه آية فاصلة، ﴿قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ يعني يجب أن نقاتل الكفار حتى لا تكون فتنة، أي صد عن سبيل الله، بحيث لا يعتدون على أحد ويفتنونه عن دينه، سواء كان جميعا أو بعضا، فلو فرض أنّا قاتلناهم واستسلموا وتركوا القتال، لكن بدؤوا يدسون على المسلمين كتبا، كتب إلحاد وكتب ضلال، فهل نكف عن قتالهم؟ لا؛ لأن الله يقول: ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، فلا بد أن نقاتلهم إلى أن يستسلموا ويدفعوا شرهم نهائيا، فإن بقي من شرهم شيء وجب علينا أن نقاتلهم.
ولهذا قال: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ فإذا قاتلناهم وكان حكم الإسلام هو الظاهر، فقد كان الدين لله، وحينئذ نكف عنهم، وإلا فالواجب قتالهم، وهذه مع الأسف هذه المسائل مع أنها في أول سورة من القرآن وفي سورة مدنية نزلت متأخرة أكثرنا في غفلة عنها، يعني كأن القتال الآن أصبح شيئا يُذكر وليس بشيء يجب أن يكون، كأنها نظريات أو قراءة حوادث وأخبار ماضية، كأننا لا نطالب بها الآن، ولذلك ركنا إلى الدنيا، وصار أهم شيء علينا أن تبقى لنا هذه الرفاهية، وهذا الأشر والبطر عند بعض الناس، ولم نعبأ بما خلقنا من أجله أو بما يجب علينا نحو دين الله عز وجل.
الدين الآن يفتت في كل مكان بوسائل وطرق، لا يأتون إلى البلد المستقيم كبلادنا -والحمد لله- فيقولون: اسجدوا للأصنام، اذهبوا إلى القبور، الجؤوا إلى أصحاب القبور، ما يقولون هكذا؛ لأنهم يعلمون لو قالوا هكذا لرجمهم الصبيان بالحجارة، لكنهم يدسون أشياء يفسدون بها الأخلاق، وإذا فسدت الأخلاق لم يكن لنا في الآخرة من خلاق.
والوسائل التي تهدم الأخلاق كثيرة ومعلومة للكثير منكم، لهذا صارت فتنتهم أشد من القتل، وصرنا نطمئن إلى هذه الأمور، وبردت الجلود، وتقاصرت الهمم، حتى أصبح منا الآن من المسلمين من يقول: المسيحيون إخوة لنا، الله يقول: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦] لهم دينهم ولنا ديننا، والجامع بيننا الإنسانية، الجامع الإنسانية! ودين الإسلام دين السعة ودين الرحمة ودين السماح!
وما أشبه ذلك من هذه الأمور التي يشبِّهون بها، ما علموا أن الإنسان اللي يعتقد أن دين النصارى قائم الآن فهو كافر؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران ٨٥]، ويقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران ١٩] وهذه الجملة حصر لتعريف ركنيها: المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ معناه: ما فيه دين سواه، حتى لو تدينوا ودخلوا الصوامع والبيع والأديرة، فإن ذلك لا ينفع ولا يجوز لنا أن نعتقده دينا؛ لأنه ليس بدين، هم وإن دانوا به لكن ليس عند الله دين. (...)
* * *
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ إلى آخره [البقرة: ١٨٩].
* في هذه الآية الكريمة حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، وأنهم يسألون عن أمور الدين وأمور الدنيا؛ لأن هذا مما يتعلق بالدنيا.
* وفيه أيضًا بيان، وفيه بيان علم الله وسمعه ورحمته، من أين يؤخذ؟
من قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾، علم الله بسؤالهم وسمعه ورحمهم بالإجابة.
* وفي هذه الآية من الفوائد: عناية الله سبحانه وتعالى برسوله ﷺ، حيث يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه، وهذا من معونته، من معونة الله للرسول عليه الصلاة والسلام وعنايته به، أو لا؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحكمة من الأهلة أنها مواقيت للناس في شئون دينهم ودنياهم؛ لقوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.
ومن فوائدها، أي * من فوائد الآية الكريمة: أن ميقات الأمم كلها، الميقات الذي وضعه الله لها ما هو؟ الأهلة، فهو الميقات العالمي، ﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾ عامة.
* ومن فوائد الآية الكريمة أن الحج مقيد بالأشهر؛ لقوله: ﴿وَالْحَجِّ﴾.
بالتزام ما شرعه الله، والحذر من معصيته؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾.
* ومن فوائدها: أن العقائد لا تجعل غير المشروع مشروعًا، من قوله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾؛ مع أنهم يعتقدونه بِرًّا، ولكنه قال: ﴿لَيْسَ الْبِرُّ﴾، فمن اعتقد شيئًا غير مشروع من اعتقده بِرًّا قلنا له: إنه ليس ببر، لو اعتقده وتقرب به إلى الله فإننا نحذره من ذلك.
* طالب: شيخ (...) هذا الإيمان (...) هل هذا صحيح.
* الشيخ: لا؛ لأنه ما تسلطه بِرًّا ما تضرر بتسلطه، أنا مرة من المرات لو وصلنا بالحديث كان واحد يسألني يقول: بالنبي إنك تعلمه كذا وكذا بالنبي، فنهيته قلت: يا أخي، هذا ما يجوز الحلف بالنبي، احلف بالله ولّا لا تحلف، ولما إنه يعني أعاد السؤال قال: بالنبي ما عمري أحلف بالنبي، والظاهر أن هذه قضيته.
قلنا: إن العقائد لا تجعل غير المشروع مشروعًا؛ لأن هؤلاء يعتقدون أن البر أن يأتوا البيوت من ظهورها، ولكن الله تعالى أبطل هذه العقيدة، ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يأتي الأمور من أبوابها؛ لقوله: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾، فإن هذه الآية كما تتناول البيوت الحسية كذلك أيضًا تتناول الأمور المعنوية.
* ومن فوائد الآية: وجوب تقوى الله؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن التقوى تسمى بِرًّا، وقد سبق أنها إذا ذُكِرت مفردة شملت البر، وإذا ذُكر البر مفردًا شمل التقوى، وإذا قُرِنَا جميعًا كقوله: ﴿تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة ٢] صار البر: فعل الخير أو فعل المأمورات، والتقوى: ترك المنهيات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التقوى سبب للفلاح؛ لقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، والتقوى لها أكثر من مئة فائدة، وقد كتبها بعض الطلبة فيما سبق، طلبنا من الطلبة أنهم يكتبون فوائد التقوى المذكورة في القرآن فقط، فكتبوا حوالي مئة فائدة كلها مذكورة في القرآن، ومن كان بإمكانه أن يفعل يتفرغ نصف ساعة خصوصًا لحافظ القرآن عن ظهر القلب ويأتي بالفوائد هذا طيب وتكون له حسنة.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة ١٩٠]، في هذه الآية وجوب القتال؛ لقوله: ﴿وَقَاتِلُوا﴾، ووجوب أن يكون في سبيل الله، أي: في شرعه ودينه؛ لقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، ووجوب الإخلاص فيه؛ لقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي للمتكلم أن يذكر للمخاطَب ما يهيجه على الامتثال.
* الطلبة: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾، هذا إذا قلنا: إنها قيد للتهييج والإغراء، فإن قلنا: إنها قيد معنوي يراد به إخراج من لا يقاتلوننا اختلف الحكم.
* ومن فوائد الآية: تحريم الاعتداء حتى مع الكفار؛ لقوله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ ومع المسلمين من باب أولى، ولهذا الرسول ﷺ قال: «لَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا»[[أخرجه مسلم (١٧٣١ / ٣) من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه بلفظ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثٍ..» الحديث. ]]؛ لأن كل هذا من العدوان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات محبة الله، أن الله يحب، من أين؟
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.
* الشيخ: بس، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾؟ هذا نفي، ونحن نقول: في الآية إثبات محبة الله، أي أن الله يحب، وهذه نفي، أيش تقول؟
* طالب: أن يكون غير المعتدين..
* طالب آخر: لأنه لا يمكن أن لا يحب إلا الذي من شأنه أن يحب.
* الشيخ: نعم، لو كان لا يحب أبدًا ما صح أن ينفى محبته عن المعتدين فقط، فهو ما انتفت محبته عن هؤلاء إلا وهي ثابتة في حق غيرهم.
* ومن فوائد الآية: حسن تعليم الله عز وجل حيث يقرن الحُكم بالحكمة، الدليل؟
* طالب: ﴿لَا تَعْتَدُوا﴾.
* الشيخ: ﴿لَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، وقد سبق لنا أن فوائد (...) الحكمة، واحد، اثنين، ثلاثة. في عموم العلة، عموم الحكم بعموم العلة إذن تكون أربعة.
* طالب: هو ذكرها.
* طالب آخر: هذا القياس.
* الشيخ: إي، لكن ما بيّنها، إن كان القياس هو أرادها لكن ما عبّر عنها، واضح؟ عموم الحكم بعموم علته، فمثلًا: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [الأعراف ٣٣]، و﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥]، ﴿إِنَّهُ رِجْسٌ﴾ هذه العلة، يؤخذ منها أن كل رجس فهو حرام، ولَّا لا؟ إذن صارت الفوائد أربعة، الحمد لله، الفوائد أربع.
* طالب: الاستنباط أو إن كان قياس..
* الشيخ: نعيدها الآن ما خدناه نعيدها، أولًا: بيان سمو الشريعة، وثانيًا: زيادة طمأنينة العبد، وثالثًا: العموم بعموم العلة، لكن فيه رابع الآن، ذكرتم..
* طالب: عموم الحكم بعموم العلة.
* الشيخ: هذا هو، هذا اللي إحنا ذكرناه أخيرًا و..
* طلبة: (...).
* الشيخ: إي، لكنها إذا صارت مستنبطة يكون القياس جليًّا (...) عموم الحكم بعموم العلة، كيف عديتها أربع سبحان الله؟!
* طلبة: (...).
* الشيخ: أنا ما فهمت الآن أنها واحد.
* طالب: نعيدها يا شيخ.
* الشيخ: هات نعدها، بيان سمو شريعة، هذه واحدة، متفق عليه؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: زيادة طمأنينة المكلَّف، هذا اثنين، وكل واحدة غير التاني واضح؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: والثالث؟
* الطلبة: عموم الحكم بعموم العلة.
* الشيخ: عموم الحكم بعموم العلة، ويش بعد؟
* الطلبة: وإن كان قياس.
* الشيخ: وإن كان قياس لا ما حسبناها، إذن صاروا ثلاثة.
طيب، ثم قال الله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ إلى آخره، في هذا تقوية الحث على قتال هؤلاء، يعني: اقتلوهم في أي مكان وجدتموهم، ﴿اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾، والضمير في قوله: ﴿اقْتُلُوهُمْ﴾ يعود على ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ فيجري فيه ما سبق.
* فمن فوائد الآية الكريمة: وجوب قتال الكفار أينما وُجِدوا؛ لقوله: ﴿حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾، ووجوب قتالهم أينما وُجِدوا يستلزم وجوب قتالهم في أي زمان وُجِدوا؛ لأن عموم المكان يستلزم عموم الزمان.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن نُخرج هؤلاء الكفار كما أخرجونا، المعاملة بالمثل؛ لقوله: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾، ولهذا قال العلماء: إذا مثّلوا بنا مثّلنا بهم، وإذا قطعوا نخيلنا قطعنا نخيلهم مثلًا بمثل سواء بسواء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الفتنة بالكفر والصد عن سبيل الله أعظم من القتل، فيتفرع على هذه الفائدة: أن استعمار الأفكار أعظم من استعمار الديار؛ أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن استعمار الأفكار فتنة، واستعمار الديار أكثر ما فيها إما القتل أو سلب الخيرات والاقتصاد وما أشبه ذلك، فالفتنة أشد؛ لأنها هي القتل الحقيقي الذي به خسارة الدين والدنيا والآخرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تعظيم حرمة المسجد الحرام؛ لقوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: جواز القتال عند المسجد الحرام إذا بدأنا بذلك أهلُه؛ لقوله: ﴿حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾، فإن قلت: ألا يعارض هذا قول رسول الله ﷺ: «وَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٨٣٢)، ومسلم (١٣٥٤ / ٤٤٦) واللفظ له من حديث أبي شريح العدوي.]]؟ إن قلتم هذا يعارض الحديث؟
* الطلبة: لا ما يعارضه.
* الشيخ: ما يعارضه، ما الفرق أو ما الجمع؟ الجمع أن ابتداء القتال لندخل مكة هذا حرام، محرّم ولا يجوز مهما كان الأمر، وأما إذا قاتلونا في مكة فإننا نقاتلهم من باب؟
* الطلبة: المدافعة.
* الشيخ: من باب المدافعة، ولهذا نقاتلهم بقدر ما نكسر شوكتهم فقط.
* ومن فوائد الآية الكريمة: قوة قتال الأعداء؛ لأنه قال: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ ، يعني إن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم، أما على قراءة: ﴿فَإِنْ قَتَلُوكُمْ﴾ ، فالمعنى: فإن قتلوا بعضكم؛ لأنهم إذا قتلونا كيف نقتلهم؟! فالمعنى: قتلوا بعضنا فلنقتلهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العدل لله عز وجل؛ لقوله: ﴿كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾، حيث قاتلوا فأُذِن لنا بقتالهم، والجزاء من جنس العمل.
* طالب: يا شيخ، حيث قتلتموهم ما يؤخذ منها جواز قتالهم في أي مكان..
* الشيخ: إي نعم، إلا في مكة، إلا في مكة مستثنى؛ لأنه قال: في المسجد الحرام، قال: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾، ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾، مع أنه فيما يظهر أنه لا يمكن أن يرتد أهل مكة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧٨٣)، ومسلم (١٣٥٣ / ٨٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري.]]، وهذا خبر صادق، لكن قد يقاتلون ولو كانوا غير كفار، فإذا قاتلونا فيه قاتلناهم.
﴿كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
يستفاد من هذه الآية الكريمة: تمام عدل الله سبحانه وتعالى، حيث جعل أحكامه وعقوبته مبنية على عدوان من يستحق هذه العقوبة، وجهه؟ ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، يعني: فلا تقاتلوهم قد غفر لهم، أو: فاغفروا لهم وارحموهم، فالمعنى أنه إذا انتهى هؤلاء عن قتالهم فإن مغفرة الله ورحمته تسعهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
(...) هذا أمر مُغَيًّا بغاية، غاية عدمية ولّا إيجابية؟ عدمية، ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، يعني: حتى لا توجد فتنة، والفتنة هي الشرك والصد عن سبيل الله، الغاية الثانية إيجابية ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾، بمعنى أن يكون الدين غالبًا ظاهرًا ما يعلو إلا الإسلام فقط، وما دونه فهو دين معلوٌّ عليه يؤخذ على أصحابه الجزية عن يد وهم صاغرون، هذا إذن القتال واجب إلى هاتين الغايتين: أن لا تكون فتنة، والثاني: أن يكون الدين لله.
(...) مبتدأ و(الحرام) صفته، و(بالشهر) جار ومجرور خبره.
وقوله: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ مبتدأ وخبر، ومعنى قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾، يعنى معناه أن الشهر الحرام يكون بدلًا عن الشهر الحرام.
قال: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ ﴿إِنِ انْتَهَوْا﴾ يعني: عن قتالكم ورجعوا ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، يعني فإنه قد انتفى عنهم الظلم، وحينئذ لا يكون عليهم عدوان.
وقوله هنا: ﴿فَلَا عُدْوَانَ﴾ قيل: إن معناه: فلا سبيل، كما في قوله تعالى: ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص ٢٨]، هذا في قصة موسى، ومعنى ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ يعني: لا سبيل عليّ، وقيل: لا عدوان عليّ؛ لأنه قال: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾، فمعنى ﴿لَا عُدْوَانَ﴾ أي: لا مقاتلة لهم، وهو من باب مقابلة الشيء بمثله لفظًا؛ لأنه سببه.
﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ ليس معناه أن فعلكم هذا عدوان، لكن لما صار سببه العدوان صح أن يُعَبَّر عنه بلفظه.
وقوله: ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ أين خبر (لا)؟ يجوز أن يكون خبرها الجار والمجرور في قوله: ﴿عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، ويجوز أن يكون خبرها محذوف، والتقدير: فلا عدوان حاصل أو كائن إلا على الظالمين.
ثم قال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ وسبق الكلام عليها.
وهذه الجملة الأولى لها معنيان؛ المعنى الأول: أنهم إذا قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم ولا تستعظموا ذلك؛ فإن مقاتلتكم إياهم في الشهر الحرام كمقاتلتهم إياكم في الشهر الحرام، فيكون هذا في مقابلة هذا.
وقيل: معنى ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ أنه لما صدوكم في الحديبية عن أداء العمرة في الشهر الحرام فإنكم ستقضونها في الشهر الحرام من العام القادم، فتكون عمرتكم في شهر حرام بدلًا عن الشهر الحرام، فيكون الشهر الحرام الأول السنة السادسة من الهجرة، والثاني السنة السابعة من الهجرة، يعني: فلا يغمكم ذلك ولا يحزنكم؛ فإنه إذا فاتكم أو إذا فاتتكم العمرة في هذا الشهر فإنها لن تفوتكم في الشهر الثاني، هذان معنيان؛ المعنى الأول أن الشهر الحرام يعني إذا قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم ولا تستعظموا ذلك؛ فإن قتالكم إياهم في شهر حرام مقابل لقتالهم إياكم في شهر حرام، وهذا من تمام العدل أن تعامل غيرك بمثل ما عاملك به، الوجه الثاني: الشهر الحرام الذي تقضون فيه العمرة من السنة السابعة بالشهر الحرام الذي فاتتكم فيه العمرة من السنة السادسة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى العمرة في السنة السادسة من الهجرة، ولكن كفار قريش لعنادهم وعصبيتهم والجاهلية منعوه أن يدخل مكة، وقاضاهم على أن يرجع من العام القادم وأن يعتمر، وأن يبقى فيها ثلاثة أيام كما هو معروف.
وقوله: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ الحرمات جمع (حُرُم)، والمراد بالحرم كل ما يُحترم؛ لأن (حُرُم) جمع (حَرَام)، و(حُرُمات) جمع (حُرُم)، فالمعنى أن المحترَم يُقتص منه بمحترم آخر، وما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن من انتهك حرمة شيء فإنه تُنتهك حرمته، فمن انتهك حرمة الشهر انتهكت حرمته في هذا الشهر، ومن انتهك عرض مؤمن انتهكت عرضه بمثله، ومن انتهك نفس مؤمن فقتله انتهكت حرمة نفسه بقتله، وهكذا.
﴿الْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ الحرمات جمع (حُرُم)، والحُرُم جمع (حَرَام)، والمعنى أن كل شيء محترم يكون بدلًا عن الشيء المحترم الآخر، وكل هذا التأكيد من الله عز وجل في هذه الآيات من أجل تسلية المؤمنين؛ لأن المؤمنين لا شك أنهم يحترمون الأشهر الحرم والقتال فيها، ولكن الله تعالى سلّاهم بذلك بأن الحرمات قصاص، فكما أنهم انتهكوا ما يجب احترامه بالنسبة لكم فإن لكم أن تنتهكوا ما يجب احترامه بالنسبة إليهم.
ولهذا قال مفرِّعًا على ذلك: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، أي: تجاوز الحد في معاملتكم، سواء كان ذلك بأخذ المال أو بقتل النفس أو بالعرض أو بما دون ذلك أو أكثر، ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، قوله هنا:﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ ليس أخذُنا بالقصاص اعتداء، لكنه سُمِّي اعتداء؛ لأنه مُسَبَّب عن الاعتداء، مسبب عنه، فكأنه يقول: أنتم إذا اعتدى عليكم أحد فخذوا حقكم منه، وسمى ذلك عدوانًا؛ لأن سببه؟
* الطلبة: العدوان.
* الشيخ: العدوان؛ لأن سببه العدوان، ثم إن فيه نكتة أخرى وهي أنه من المعروف أن العادي يرى نفسه في مقام أعز من المعتدَى عليه وأرفع من المعتدى عليه، ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ولو كان يرى نفسه في مقام دون ما اعتدى، فكأنه يقول: إن قصاصكم أيضًا يعتبر مقام عز لكم كما أنه هو طغى واعتدى فأنتم الآن يعتبر قصاصكم بمنزلة المرتبة العليا بالنسبة إليهم، فيكون في ذلك سببان لكونه عبّر عن القصاص بالاعتداء، السبب الأول؟
* طالب: عبر عن القصاص..
* الشيخ: لسببين، السبب الأول؟
* طالب: أنه عبر عن القصاص بالاعتداء.
* الشيخ: هذا هذا التعبير عن القصاص بالاعتداء له سببان؟
* طالب: أن سبب هذا هو الاعتداء.
* الشيخ: نعم، عبّر عن القصاص بالاعتداء؛ لأن سببه الاعتداء، هذا واحد، الوجه الثاني؟
* طالب: أنه قد يُفهم من الاعتداء أن المعتدي قد يكون أعز من المعتدى عليه، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: في مقاصتكم لهم فإنكم أعز منهم.
* الشيخ: لا تعتبروا أنفسكم في مقام ذل، بل أنتم في مقام مثل ما جعلوا أنفسهم هم في هذا المقام، واضح؟
وقوله: ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ ﴿بِمِثْلِ﴾، ادعى بعضهم أن الباء هنا زائدة وقال: إن التقدير: فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم، على أن تكون ﴿مِثْلِ﴾ هنا مفعولًا مطلقًا، أي: عدوانًا أو اعتداء مثل اعتدائهم، ولكن الصواب أنها ليست زائدة وأنها أصلية، وأن المعنى: اعتدوا عليه بمثله، أن الباء للبدل، يعني: مثل ما تقول: اشتريت الشيء بدرهم، بحيث يكون المثل مطابقًا لما اعتُدِي عليكم به في هيئته وفي كيفيته وفي زمنه وفي مكانه، فإذا اعتدى عليكم أحد بقتال في الحرم؟
* الطلبة: فاعتدوا عليه.
* الشيخ: فاقتلوه، إذا اعتدى أحد عليكم بقتال في الأشهر الحرم فقاتلوه، فيكون الباء هنا دالة على المقابلة والعوض كما هي في قولك: اشتريت الثوب بدرهم، فيكون المعنى أن هذا الاعتداء يكون مقابلًا تمامًا لما اعتدي به عليكم زمنًا ومكانًا، ويش بعد؟
* الطلبة: كيفية.
* الشيخ: وكيفية، زمنًا ومكانًا وكيفية، ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، اتقوا الله أي: اتخذوا وقاية من عذابه، بماذا؟ بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وفي هذا المقام اتقوا الله فلا تتعدوا ما يجب لكم من القصاص؛ لأن الإنسان كما تعرفون إذا ظُلِم فإنه قد يكون عند الاقتصاص يتجاوز ويتعدى، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فلذلك قال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، فلا تتجاوزوا ما يجب لكم من القصاص.
قال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ اعلموا، شوف أمرنا أن نعلم، وهذا أوكد من مجرد الخبر، هذا أوكد من مجرد الخبر، يعني لو قال: واتقوا الله إن الله مع المتقين، هذا خبر لا شك ومؤكد، لكن إذا قال: اعلموا، أبلغ، يعني: يجب أن تعلموا أن الله مع المتقين، فيكون هذا أبلغ من مجرد الخبر.
وقوله تعالى: ﴿مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ أي: المتخذين وقاية من عذاب الله، وكثيرًا ما يذكر الله تعالى أنه مع المتقين، مع الصابرين، مع المؤمنين، وما أشبه ذلك، كما أنه ذكر أنه مع الخلق مطلقًا كما في قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة ٧].
وهذا يشمل المتقي وغير المتقي، كل نجوى ثلاثة يكون الله رابعهم، أدنى من ذلك، أكثر، يكون الله تعالى معهم أينما كانوا، بل أشد من ذلك أن الله تعالى قد يذكر معيته مع المنافقين، كما في قوله تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء ١٠٨]. فهنا ذُكِرت المعية على ثلاثة أوجه: ذكرت باعتبار وصف محمود، مثل: مع المتقين، مع الصابرين، وما أشبه ذلك، وذكرت باعتبار وصف مذموم، مثل: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾، وذكرت مجردة عن هذا وهذا، ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ﴾، وكما في قوله أيضًا في سورة الحديد التي تلتها سورة (قد سمع) قال فيها: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد ٤]، فلا بد لنا هنا من عدة أمور؛ الأمر الأول: هل ما ذكر من معية الله تعالى في هذه الأمور الثلاثة هل ينافي علو الله أو لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: الجواب: لا ينافيه، لا شك أنه لا ينافيه، لماذا لا ينافي علو الله، كيف نقول: إن الله مع هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، ونقول: إنه لا ينافي علوه؟
الجواب على هذا من ثلاثة أوجه؛ الوجه الأول: أن الله تعالى جمع بينهما في كتابه، وما جمع الله بينهما في كتابه فليس بينهما تناقض، الدليل: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، كل شيء تراه في القرآن فإنه ما يمكن يتناقض؛ إذ لو جاز التناقض في خبر الله عز وجل لكان معناه أن أحد الخبرين؟
* طالب: كذب.
* الشيخ: كذب، وهذا مستحيل في أخبار الله عز وجل، إذن لا تناقض؛ لأن الله جمع بينهما في القرآن، ثانيًا الوجه الثاني: لا تناقض بين معنى العلو ومعنى المعية، فإن العرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا، ويقولون: نسير والنجم معنا، ويقولون: نسير والجبل الفلاني معنا، وهو بعيد عنهم، القمر موضوع في السماء، والنجم موضوع في السماء، والجبل بعيد (...) يشاهدونه، ومع ذلك يقولون: إنه معنا، فهل لزم من المعية أن يكون الشيء مخالطًا لك؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، قد يكون معك وهو بعيد جدًّا عنك، إذا كان هذا ممكنًا في حق المخلوق فهل يكون ممتنعًا في حق الخالق؟ الجواب: لا؛ لأن لله تعالى أعظم وأوسع وأعم إحاطة من خلقه سبحانه وتعالى، السماوات السبع كلها والأرضون السبع في كف الرحمن كخردلة في يد أحدنا، واضح؟
الوجه الثالث: أن يقال: لو قُدِّر أن بينهما -أي: بين المعية والعلو- تناقضًا في حق المخلوق، فإن ذلك لا يكون في حق الخالق، لماذا؟ قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية: فإن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوّه قريب في علوّه. الله تعالى ليس كمثله شيء، ولا يمكن أن تقيس الله بالخلق أبدًا، الذي يقيس الخالق بالمخلوق لا شك أنه ظالم؛ لأن الله يقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١]، فبهذه الوجوه الثلاثة علمنا أن ما أثبت الله لنفسه من المعية فإنه لا ينافي علوه، ولكن يجب أن نعلم أن هذه المعيات الثلاث تختلف بحسب مقتضياتها، فمثل المعية التي عُلِّقَت بوصف محمود ويش مقتضاها؟ مقتضاها مع الإحاطة النصر والتأييد والتثبيت، وما إلى ذلك، هذا مقتضاها.
فهنا ﴿مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ يعني: بنصرهم وتأييدهم وتثبيتهم وتطمين قلوبهم ومساعدتهم على لزوم التقوى، كذلك ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ و﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وما أشبه ذلك.
واعلم أن هذا القسم من المعية تارة يعلَّق بشخص وتارة يعلق بوصف، المعية الخاصة تارة تعلق بوصف وتارة تعلق بشخص، ويش مثال المعلقة بشخص؟ قوله تعالى عن نبيه محمد ﷺ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة ٤٠]، هذه معية مقيدة بشخص، مع من؟ مع الرسول ﷺ وأبي بكر، وقال الله تعالى لموسى وهارون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦] هذه مقيدة بشخص.
أما المقيدة بالوصف فمثل قوله: ﴿مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، ﴿مَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وما أشبه ذلك، هذه مقيدة بالوصف، ويسمي العلماء هذه المعية التي تقتضي النصر والتأييد والتثبيت يسمونها المعية الخاصة؛ لأنها تقتضي نصرًا وتأييدًا بهذا المعيَّن بوصفه أو شخصه.
أما الثاني الذي في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد ٤] ﴿وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة ٧]، فهذه معية تقتضي الإحاطة بالخلق علمًا وسمعًا وبصرًا وقدرة وتدبيرًا، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته سبحانه وتعالى.
أما الثالثة: التي عُلِّقت بوصف مذموم فإنها تقتضي مع الإحاطة التهديد، تقتضي التهديد لهؤلاء الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الرب عز وجل وهو معهم، هذه مقتضيات المعية عند أهل السنة والجماعة، وأنكروا غاية الإنكار على من زعم أن مقتضاها أن الله مختلط بالخلق وحالٌّ في أمكنتهم أو حالٌّ في أعيانهم، والعياذ بالله، وهذا مذهب الحلولية من الجهمية وغيرهم، يقولون: إن الله عز وجل مع الخلق في أمكنتهم، نسأل الله العافية، فلا يُنَزِّهُون الله تعالى عما ينزهون منه أدنى أولادهم، على رأيهم الباطل الفاسد يقتضي أن الله تعالى يكون مع الإنسان في أخبث مكان؛ أو لا؟ لأن هذا مذهبهم، ويقتضي الذين يقولون: إنه مختلط حتى بأعيان المخلوقات لا مشاركًا لها في الأماكن يقتضي أن يكون الخالق جل وعلا حالًّا في ذات أخبث الحيوانات، هؤلاء يدّعون أنهم من أهل القبلة وأنهم من المسلمين، وصاروا أخبث من النصارى، النصارى ويش قالوا؟ إن الله حالٌّ فيمن؟
* الطلبة: في عيسى.
* الشيخ: في عيسى، عيسى نبي من الأنبياء رسول من الرسل من أولي العزم، لكن أولئك -والعياذ بالله- أهل الحلول يقولون: إنه حالٌّ حتى في أخبث الأبدان من الحيوانات، نسأل الله العافية؛ دعنا من الذين يقولون بوحدة الوجود عاد هذا دول ناس آخرين أخبث من هؤلاء وأخبث.
إذن المعية عند أهل السنة والجماعة لا تقتضي، ما نقول: لا تستلزم فقط، لا تقتضي أبدًا بأي حال من الأحوال أن يكون الخالق مخالطًا للخلق لا في أمكنتهم ولا في ذواتهم؛ فإن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه، واضح؟ لكنها تختلف مقتضياتها حسب ما أشرنا إليه، قد تقتضي التهديد، وقد تقتضي النصر والتأييد، وقد تقتضي مجرد الإحاطة والعلم، فهنا لا يلتبس عليك الأمر ولا يكون في ذهنك أو في فهمك هذا المذهب الخبيث.
ومن العجائب أن قدماء الجهمية قالوا بالحلول الذي أشرت إليه، وأن متأخريهم قالوا بالنفي المحض، قالوا: إن الله لا يوجد في مكان، فقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا متصل بالعالم ولا منفصل عن العالم، ولا فوق العالم ولا تحت العالم، ما في شيء، ولهذا قال بعض العلماء: لو قال لنا قائل: صفوا لنا العدم، ما وصفناه بأحسن من هذا الوصف، هذا وصف محيط، نسأل الله العافية والسلامة، فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى هدى الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، وقالوا: نحن نؤمن بأن الله تعالى قد استوى على عرشه بذاته، وأنه عليٌّ على خلقه، وأن علوَّه من لوازم ذاته، وأن ما وصف الله به نفسه من كونه ينزل إلى السماء الدنيا، وكونه يقرب من بعض عباده، وكونه مع الخلق، كل هذا لا ينافي علوّه؛ لأن الله عز وجل محيط بكل شيء، فهو كما قال شيخ الإسلام: قريب في علوّه علِيٌّ في دنوه. ولكن الشيء الذي يعتري الإنسان في هذه الأمور والشبه التي تعتريه حيث يظن أن الخالق مثل المخلوق، فيقول: كيف يكون في السماء وعلى العرش ثم تقول: إنه معك، كيف يكون فوق السماء على العرش ثم تقول: يقرب منك؟ «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥ / ١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واللفظ لمسلم. ]] وما أشبه ذلك، فنقول: إن هذا الفهم إنما جاءك حيث ظننت أن صفات الخالق كصفات المخلوق، الآن انظر في نفسك روحك التي بين جنبيك هل صفاتها كصفات الجسم؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا، تروح في الليل إذا نمت يمين ويسار وترجع، وإذا مات الإنسان صُعِدَ بها إلى السماء حتى تصل إلى السماء السابعة قبل أن يُدفن ثم ترجع، هل يتصور هذا أن يكون الجسم ولا ما يتصور؟
* الطلبة: ما يتصور.
* الشيخ: ما يتصور أن الجسم يصعد بهذه السرعة ويرجع بهذه السرعة، فإذا كان هذا في مخلوقات من مخلوقات الله عز وجل ما يمكن أن تقيسه على الجسم فكيف بالخالق؟
يقول بعض المشبهة، بعض الناس اللي عندنا هنا في بلادنا يقولون: تقولون: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، معنى ذلك أنه دائمًا نازل؛ لأن ثلث الليل مستمر، مستمر دائمًا، إذا طلع الفجر عندنا وإذا باقي شوية على اللي غرب عنا؟ نقول: هذا قولوا: إن الرسول كذب، أحسن، الرسول عليه الصلاة والسلام قال ها الكلام يخاطب جماعة أصح منا عقولًا وأعمق منا فهمًا ما أوردوا هذا الإيراد؛ لأنهم يعرفون أن الرب عز وجل ليس كالمخلوق، الله سبحانه وتعالى يصح أن نقول: إنه الآن نازل في الثلث الآخر من الليل في هذه الجهة من الأرض، يعني نزل إلى السماء الدنيا حين يكون ثلث الليل الآخر على هذه الجهة من الأرض، والجهة الأخرى اللي عندهم صباح أو عندهم أول الليل يكون نازلًا ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يكون نازلًا، والله على كل شيء قدير، فلا يجوز للإنسان أن يرد ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله بمثل هذه ..
(...) للجهاد في سبيل الله؛ لأن الآية كما ترون هذه في سياق الجهاد، كما أنها في مقدمة الحج، في مقدمة آيات الحج، فيدخل فيها الإنفاق في الحج ولَّا لا؟ نعم، يدخل فيها.
قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، قال: ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ بعضهم يقول: إن الباء هنا زائدة، أي: ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، والصواب أنها أصلية وليست بزائدة، وأن معنى (ألقى بيده) أقوى من معنى (ألقى يده)؛ لأن ألقى بيده أي أنه وضع يده فلم يكن بها حراك، بخلاف ألقى يده إلى التهلكة، وأيضًا يمنع أن نقول: المعنى ألقى يده، يمنعه قوله: ﴿إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؛ إذ لو كان المعنى ألقى يده لقال: في التهلكة، ولم يقل: إلى التهلكة، فالباء أصلية، والمعنى: لا تلقوا بها، بمعنى أن لا يكون منها حراك، ألقى بيده كما يقول: ألقى بعصاه، ألقى بيده إلى التهلكة كأنه سلّمها إلى التهلكة، و(التهلكة) (تَفْعِلَة) من الهلاك، والمعنى: لا تلقوها إلى ما يهلككم. فما معنى قوله: ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؟ المعنى: لا تلقوا بها إلى ما فيه الهلاك، الحسي أو المعنوي؟
* طالب: كلاهما.
* الشيخ: أو كلاهما؟ كلاهما، نعم؛ لأنها وردت فيمن امتنعوا عن القتال أو امتنعوا عن البذل في سبيل الله، وهذا هلاك حسي ولّا معنوي؟
* طالب: معنوي.
* الشيخ: هذا هلاك معنوي؛ لأنهم أهلكوا أنفسهم بترك ما يجب عليهم من الجهاد والإنفاق فيه، على أن هذا الهلاك المعنوي يترتب عليه الهلاك الحسي؛ لأنهم إذا تركوا قتال الأعداء قاتلهم الأعداء وتسلطوا عليهم، وإذا تركوا الإنفاق في سبيل الله لقتال الأعداء أيضًا تسلطوا عليهم، كذلك يدخل فيها الإلقاء بالتهلكة، الإلقاء باليد إلى التهلكة الحسية، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يعرّض نفسه للمخاطر، ما يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للمخاطر مثل أن يلقي نفسه في نار أو في ماء يغرقه، أو ينام تحت جدار مائل للسقوط أو ما أشبه ذلك، فإن هذا حرام، ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء ٢٩]، حيث يدخل في هذه الآية ﴿لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ كل ما يؤدي إلى ضرر للبدن وإن لم يصل إلى درجة القتل، الدليل: «أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما بعثه الرسول ﷺ في سرية وأجنب وإذا الجو بارد فتيمم وصلى بأصحابه، فلما رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: «أَصَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟». قال: يا رسول الله، ذكرت قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ فتيممت، فضحك النبي عليه الصلاة والسلام وأقرّه[[أخرجه أبو داود (٣٣٤)، والبخاري تعليقًا (١ /٧٧) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟». ]] ». مع أنه لو اغتسل يقينًا بيموت؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما (...) على كل حال، لكن دلت الآية على أن ما كان سببًا للضرر فإنه داخل في النهي، كل شيء يضر البدن فإنك منهي عنه، ومن أجل هذه القاعدة عرفنا أن الدخان؟
* الطلبة: حرام.
* الشيخ: حلال.
* الطلبة: حرام.
* الشيخ: حرام؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: لأيش؟
* الطالب: لأنه يضر.
* الشيخ: لأنه يضر باتفاق الأطباء أنه ضار، كما أن فيه ضياعًا للمال أيضًا، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال.
إذن ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ يشمل الإلقاء باليد إلى التهلكة الحسية والمعنوية.
﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿أَحْسِنُوا﴾ فعل أمر، ثم علّل هذا الأمر بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، الأمر بالإحسان يشمل الإحسان في عبادة الخالق والإحسان إلى المخلوق، الإحسان في عبادة الخالق وفي معاملة المخلوق، فما هو الإحسان في عبادة الخالق؟ الإحسان في عبادة الخالق بيّنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠، ٤٧٧٧)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، الفرق بين الجملتين ظاهر جدًّا، فالأولى: عبادة طلب، والثانية: عبادة خوف، تعبد الله كأنك تراه تطلبه، أو إن لم تكن تراه فإنه يراك تخاف منه، والمرتبة الثانية أدون ولّا أعلى؟
* الطلبة: أعلى.
* الشيخ: المرتبة الثانية أعلى؟
* طالب: أدون.
* الشيخ: أدون، ولهذا قال: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ»، فالمرتبة الأولى أعلى، أن تعبد الله طلبًا للوصول إليه لا خوفًا من عقابه، وإن كان العبادة للأمرين جميعًا، لكن الأولى أعلى، أعلى شأنًا، أما الإحسان في معاملة الخلق فإن الإحسان في معاملة الخلق جمعها كلمة واحدة من الرسول ﷺ: «أَنْ تَأْتِيَ إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْكَ»[[معجم الصحابة لابن قانع (١ / ٢٤٩) من حديث سعد بن الأخرم الطائي بلفظ: «وَتَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا تُحِبُّ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْكَ».]]، هذه كلمة جامعة أن تأتي إلى الناس ما تحب أن يأتوا إليك، إذا عامل الرجل الناس على هذا المنهاج أحسن ولّا ما أحسن؟
* الطلبة: أحسن.
* الشيخ: طيب، رجل عنده سلعة فيها عيب، لكنه عيب لا يَبِين، فباعها إلى شخص ولا أخبره، يكون محسنًا في المعاملة؟
* طالب: غير محسن.
* الشيخ: لأيش؟
* طالب: لأنه ما أخبره.
* الشيخ: لا؛ لأنه لا يحب أن يأتي إليه أحد بهذه المعاملة، ما يحب، إذن ما أحسن، لكن عامله وقال: إن في السلعة عيبًا هو كذا وكذا يكون محسنًا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يكون محسنًا، كذا؟ طيب، بعض الناس بهذه المناسبة يريد أن يبيع سلعة ويعرف أن بها عيب، فيعرضها للبيع ويقول: ترى تشتريها على أي صفة كانت ترى كل عيب بها، كل عيب بها، إن كانت سيارة يقول: ترى ما بعت عليك إلا الكفرات ولا طار القيادة فقط، ولا أحد عيونها، يجوز هذا ولَّا لا؟
* طالب: لا.
* الشيخ: هل يعقل واحد يشتري مثلًا بستة آلاف يشرط طار القيادة أو كفرًا ما يسوى إلا مئتين ريال لو هو جديد، معقول هذا ولَّا لا؟
* طالب: غير معقول.
* الشيخ: لكن هم يقولون هكذا علشان لو يلقى بها عيب ويجي يقول: أبغي أرده لأجل العيب، قالوا: إحنا شارطين عليك، فما رأيكم في هذه المعاملة؟ إحسان ولّا إساءة؟
* الطلبة: إساءة.
* الشيخ: إساءة، إذن يجب أنه يبيّن، نعم لو فُرِض أن هذا الرجل اشترى هذه السيارة ولا علم أن بها عيبًا ثم باعها وخاف أن تُرد عليه بعيب فاشترط مثل هذه الشروط، فإن هذا جائز، هذا جائز، وهذا القول هو الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، على أن من علم بالعيب فكتمه ولو شرط البراءة من العيوب فإنها تلزمه، والمذهب يقولون: إن أبرأه من العيوب بعد العقد برئ، وإن أبرأه قبل لم يبرأ، ولكن الصواب أن المسألة ما ترجع إلى الإبراء قبل العقد أو بعده وإنما ترجع إلى علم الإنسان، علم البائع بالعيب أو عدم علمه، فإن كان عالمًا لم يبرأ إلا إذا عيّنه قال: ترى فيها العيب الفلاني، ورضي، هو دخل على بصيرة، وإن لم يكن عالمًا برئ.
* طالب: ويش لون قول المذهب: يبرأ؟
* الشيخ: المذهب، بعت عليّ سيارة، ويوم بعته ابتعت، إحنا الآن في مجلس الخيار، تراك تصبر بكل عيب فيها، وقلت: أنا صابر، وهو يدري أن بها العيب الفلاني لكنه ما معلّمك، المذهب يقولون: إنه يبرأ، لو وجد عيبًا ما يرده عليك، لماذا؟ لأنه أسقط الحق بعد ثبوته بالعقد، أما لو قلت: أبغي أبيع عليك السيارة هذه وترى فيها كل عيب، وقلت: أنا راضي وشريتها منك، فإنني لا يلزمني هذا، إذا وجدت العيب أردها عليك، إذا قال: ها ما كنت سقت الخيار، قلت: نعم، سقته قبل أن يثبت؛ لأنه ما يثبت الخيار إلا بعد العقد، واضح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لكن الصواب الذي ذكر شيخ الإسلام أنه هو المروي عن الصحابة أن المدار على أيش؟
* الطلبة: علم البائع.
* الشيخ: على علم البائع أو عدم علمه.
* طالب: تبيين عيب السلعة حتى لو لم يطلب المشتري؟
* الشيخ: نعم لو لم يطلب المشتري «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».[[متفق عليه؛ البخاري (١٣)، ومسلم (٤٥ / ٧١)، من حديث أنس رضي الله عنه.]]
قال: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولو لم يكن من الإحسان إلا هذا لكان كافيًا للمؤمن أن يقوم بالإحسان، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، إخواني، الإنسان ربما يصب لشخص كأسًا من الماء من البرّاد ليسقيه، هذا إحسان؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إحسان ولَّا لا؟
* الطلبة: إحسان.
* الشيخ: إحسان، إذا فعلت هذا فاستشعر أن الله يحبك، الله يحبك؛ لأن هذه نقطة مهمة ومفيدة، أنك إذا فعلت الإحسان تشعر بأنك ترجو بذلك محبة الله؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، إذا أخبرت أخاك بمسألة من العلم فهمتها إحسان ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: إحسان، استشعر هذا المعنى أنك بهذا العمل تعرضت لمحبة الله عز وجل وهكذا.
(...) وجوب قتال الكفار حتى ينتهوا عن الفتن؛ لقوله: ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾.
* ويُستفاد منها: أنه إذا زالت الفتنة وقيامهم ضد الدعوة الإسلامية وذلك ببذل الجزية فإنهم لا يقاتَلون.
* ويستفاد منها: أنهم إذا انتهوا إما عن الشرك بالإسلام وإما عن الفتنة بالاستسلام فإنه لا يُعتدى عليهم؛ لقوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: أن الظالم يجازى بمثل عدوانه؛ لقوله: ﴿فَلَا عُدْوَانَ﴾، وقد قلنا فيما سبق: إن مثل هذا التعبير يراد به المماثلة للفعل، يعني أن تسمية المجازاة اعتداء من باب المماثلة حتى يكون الجزاء من جنس العمل.
ثم قال تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾، يستفاد من هذه الآية الكريمة: تسلية الله عز وجل للمسلمين بأنه إذا فاتهم قضاء عمرتهم في الشهر الحرام فيمكنهم أن يقضوها بالشهر الحرام من السنة الثانية كما حصل ذلك.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الحرمات قصاص، يعني أن من انتهك حرمتك فلك أن تنتهك حرمته مثلًا بمثل، ولهذا فرّع عليها قوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن المعتدي لا يجازَى بأكثر من عدوانه؛ لقوله: ﴿بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، فلا يقول الإنسان: أنا أريد أن أعتدي للتشفي، ومن ثم قال العلماء: إنه لا يُقتص من الجاني إلا بحضرة السلطان أو نائبه خوفًا من الاعتداء، أن الإنسان يريد أن يتشفى لنفسه فيعتدي أكثر ثم يمثّل به أو ما أشبه ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب تقوى الله عز وجل في معاملة الآخرين، وفي كل حال؛ لقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* ومنها: إثبات أن الله مع المتقين؛ لقوله.. ها؟
* الطلبة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
* ومن فوائدها: تأكيد هذه المعية؛ ولهذا قال: ﴿وَاعْلَمُوا﴾، لم يقتصر على مجرد أن يخبر بها، بل أمرنا أن نعلم بذلك، وهذا أمر فوق مجرد الإخبار.
* ومن فوائدها أيضًا: إحاطة الله عز وجل بالخلق وتأييده للمتقين الذين يقومون بتقواهم، ووجه ذلك أنه من المعلوم بالعقل والفطرة والكتاب والسنة من المعلوم أن الله فوق جميع الخلق، ومع ذلك فقد أثبت أنه مع الخلق، وهذا دليل على إحاطته سبحانه وتعالى، وليس معنى كونه مع الخلق أنه مختلط بهم أو حالٌّ في أمكنتهم كما ذهب إلى هذا الوهم الفاسد مَن؟
* الطلبة: الحلولية.
* الشيخ: الحلولية من الجهمية وغيرهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة التقوى حيث ينال العبد بها أيش؟ معية الله، فإنه من المعلوم إذا كان الله معك ينصرك ويؤيدك ويثبّتك، فهذا يدل على فضيلة السبب الذي هو التقوى، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، يُستفاد من هذه الآية الكريمة: وجوب الإنفاق في سبيل الله.
* طالب: ﴿أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: وجوب، من أين عرفت الوجوب؟
* الطالب: الأمر.
* الشيخ: الأصل في الأمر؟
* الطالب: الوجوب.
* الشيخ: الوجوب، هل يدخل في هذا الزكاة ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، تدخل، هي أول ما يدخل؛ لأن هي أوجب ما يجب، أوجب ما يكون من الإنفاق في سبيل الله الزكاة، أوجب من الإنفاق في الجهاد وفي صلة الرحم وفي بر الوالدين؛ لأنها أحد أركان الإسلام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى الإخلاص في العمل، من أين؟
* الطلبة: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، ويدخل في هذا كما قلنا في التفسير القصد والتنفيذ، أن يكون القصد لله، وأن يكون التنفيذ على حسب شريعة الله، كذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ [الفرقان ٦٧]، لا تقل: أريد أن أنفق وأنفق كل شيء، لا تسرف ولا تقتر.
* ويستفاد من الآية الكريمة: تحريم الإلقاء باليد إلى التهلكة، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، وقد سبق في التفسير أن الإلقاء باليد إلى التهلكة يشمل التفريط في الواجب وفعل المحرم، أو بعبارة أعم يتناول كل ما فيه هلاك على الإنسان وخطر في دينه أو دنياه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالإحسان؛ لقوله: ﴿وَأَحْسِنُوا﴾، وهل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ أما الإحسان الذي به تمام الواجب فهو للوجوب، وأما الإحسان الذي به كمال العمل فهو للاستحباب، فمثلًا إذا قُرِن الإحسان بالعدل صار الإحسان على سبيل..
* طالب: الوجوب.
* الشيخ: لا، على سبيل الاستحباب؛ لأن العدل هو الواجب، فيكون الإحسان فضلًا زائدًا عن الواجب، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل ٩٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الإحسان، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المحبة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وهي محبة حقيقة على ظاهرها، وليس المراد بها الثواب ولا إرادة الثواب، خلافًا للأشاعرة وغيرهم من أهل التحريف الذين يحرّفون هذا المعنى العظيم إلى معنى لا يكون بمثابته، فإن مجرد الإرادة ليست بشيء بالنسبة للمحبة.
وقد سبق لنا مرارًا وتكرارًا أن شبهتهم هو أن المحبة إنما تكون بين شيئين متناسبين، وبيّنّا بطلان هذا التعليل، وأنه مخالف للنص ولإجماع السلف، ومنقوض بما ثبت في السمع والحس من أن المحبة قد تكون بين شيئيين غير متناسبين، فقد أثبت النبي عليه الصلاة والسلام أن أُحُدًا وهو حصى «جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠٨٣)، ومسلم (١٣٩٣ / ٥٠٤) من حديث أنس رضي الله عنه.]]، والإنسان يجد أن دابته تحبه، البعير إذا سمعت صوت صاحبها حنّت إليه وأتت إليه، وكذلك غيرها من المواشي.
{"ayahs_start":189,"ayahs":["۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَ ٰقِیتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَیۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِنۡ أَبۡوَ ٰبِهَاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ","وَقَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِینَ","وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِیهِۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَقَـٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ لِلَّهِۖ فَإِنِ ٱنتَهَوۡا۟ فَلَا عُدۡوَ ٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ","ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَـٰتُ قِصَاصࣱۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡ فَٱعۡتَدُوا۟ عَلَیۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ","وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَ ٰقِیتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَیۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُوا۟ ٱلۡبُیُوتَ مِنۡ أَبۡوَ ٰبِهَاۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق