الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ قال سعيد بن المسيب: ملّوا عيشهم [[لم أجده عن سعيد فيما اطلعت عليه، وأخرج الطبري نحوه عن قتادة "تفسير الطبري" 1/ 309، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 381.]]. وقال قتادة: ذكر القوم عيشًا كان لهم بمصر، فقالوا لموسى: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ الآية [[أخرجه الطبري 1/ 309، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 381، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد وابن جرير 1/ 289.]]، و (الطعام): اسم جامع لما يؤكل، وإنما قالوا: طعام واحد، وكان طعامهم المن والسلوى، لأنهم كانوا يأكلون المن [[في (ب): (والسلوى).]] بالسلوى فكان طعامًا واحدًا كالخبيص، لون واحد وإن اتخذ من أطعمة شتى [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 77 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 314، و"البغوي" 1/ 78، "زاد المسير" 1/ 88، "القرطبي" 1/ 360، "البحر المحيط" 1/ 232.]]. قال ابن زيد: كان [[(كان) ساقط من (ب).]] طعامهم المن، وشرابهم السلوى، فكانوا يجمعون بينهما فيأكلونه طعاما واحدا [[أخرجه ابن جرير 1/ 310، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 77 أ، والبغوي في "تفسيره" 1/ 78، وأبو حيان في "البحر" 1/ 232. والقول بأن السلوى شراب يخالف ما عليه جمهور المفسرين.]]. وقال أصحاب المعاني: لما كان غذاؤهم في كل يوم لا يتغير، قيل: طعام واحد، كما يقال لمن يدوم على الصوم والصلاة: هو على أمر واحد، لملازمته لذلك لا يتغير عنه [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 314، "الكشاف" 1/ 284، "تفسير الرازي" 3/ 99، "القرطبي" 1/ 360، "ابن كثير" 1/ 107، "البحر المحيط" 1/ 232.]]. وقوله تعالى: ﴿فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ معنى الدعاء: الطلب [[(الطلب) ساقط من (ب).]] ممن يملك النفع والضر. وقال ابن السراج: أصله النداء وإنما قال للمسألة: دعاء؛ لأن السائل يقول: يا رب، فينادي ربه عز وجل [[انظر: "تهذيب اللغة" (دعاء) 1/ 1188، "اللسان" (دعا) 3/ 1385.]]. وجاء الدعاء بلفظ الماضي تفاؤلا [[في (ب): (مقالا) وفي (ج): (نقالا).]] بأن [[في (ج): (باذن).]] ذلك قد كان، كقولك: أحسن الله جزاءه [[في (ج): (جزاء).]]. وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجْ لَنَا﴾ المعنى سَلْه وقل له: أَخرِجْ [[في (أ)، (ج): (ويخرج) زيادة (واو) والأصوب حذفها كما في (ب)، ومثله في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 113.]] يُخْرِجْ، وكذلك قوله: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: 53]، المعنى لهم: قولوا [[في (ج): (يقولوا).]] التي هي أحسن يقولوا. ومثله: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [[(الذين آمنوا) سقط من (أ)، (ج).]] يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: 31]، أي قل لهم: أقيموا يقيموا، فجعل هذه كلها بمنزلة جواب الأمر، لأن قبله: ادع وقل [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 114، وقوله (يخرج) مجزوم. قال بعضهم: بما تضمنه الأمر من معنى الجزاء، وقيل: بنفس الأمر، وقيل مجزوم بلام الطلب المضمره أي: ليخرج. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 180، "تفسير ابن عطية" 1/ 314، "تفسير القرطبي" 1/ 361، "البحر المحيط" 1/ 232.]]. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَقْلِهَا﴾ البقل: كل نبات لا يبقى له ساق إذا رعته الماشية [[ذكر الأزهري عن الليث (بقل) 9/ 171، وقال ابن عطية: البقل كل ما تنبته الأرض من النجم 1/ 315، وانظر: "تفسير القرطبي" 1/ 361.]]. وأما (الفوم): فقد اختلف أهل اللغة فيه، فقال الفراء: الفوم فيما يذكرون لغة قديمة، وهي الحنطة والخبز جميعا قد ذكرا، قال: وقال بعضهم: سمحت العرب من أهل اللغة يقولون: فَوَّموا لنا بالتشديد يريدون: اختبزوا. وقال أُحَيْحَة بن الجُلاح [[في (ب): (الحلاج). هو أُحَيْحَة بن الجلاح بن الحُرَيْش بن الأوس، كان سيد الأوس في الجاهلية وكان شاعرا. انظر: "الاشتقاق" لابن دريد ص 441، "الخزانة" 3/ 357.]]: قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُنِي كَأَغْنَى وَاحِدٍ ... قَدِمَ [[في (ج): (قد قدم).]] الْمَدِينَةَ فِي زِرَاعَةِ فُومِ [[نسب البيت بعضهم إلى أبي محجن الثقفي، والبيت برواية الثعلبي والطبري: قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا واحدًا ... وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ انظر: "تفسير الطبري" 1/ 311، "تفسير الثعلبي" 1/ 77 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 315، و"الهمع" 2/ 240، "اللسان" (فوم) 6/ 3491، "تفسير القرطبي" 1/ 362، "تفسير ابن كثير" 1/ 108، "البحر المحيط" 1/ 219، "فتح القدير" 1/ 144.]] قال الفراء: وهي في قراءة عبد الله: (وثومها) بالثاء، وكأنه أشبه المعنيين بالصواب؛ لأنه مع ما [[(ما) ساقط من (ب).]] يشاكله من العدس والبصل، والعرب تبدل الفاء ثاء فيقول: جدث وجدف، ووقع في عَاثُورشَرًّ وعَافُورشَرًّ والْمَغَافِير [[المغافير شيء حلو يشبه العسل. انظر: "اللسان" (غفر) 6/ 3276.]] والْمَغَاثِير [[انتهى كلام الفراء، ولم يرد عنده بيت ابن الْجُلَّاح، معاني القرآن 1/ 41، وانظر == "تفسير الطبري" 10/ 312، وقد نقل كلام الفراء، ولم يعزه له، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 315، "تفسير ابن كثير" 1/ 107.]]. فذكر الفراء قولين في الفوم، واختار الثاني، وهو أنه بمعنى الثوم [[قال ابن قتيبة: وهذا أعجب الأقاويل إليّ. "تفسير غريب القرآن" ص 1/ 44.]] الذي يذكر مع البصل، وهذا القول أيضا اختيار الكسائي [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 77 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 89.]]. وقال الزجاج: الفوم: الحنطة، ويقال: الحبوب، لا اختلاف بين أهل اللغة أن الفوم: الحنطة. قال: وسائر الحبوب التي تختبز يلحقها اسم الفوم. قال: ومن قال: الفوم هاهنا: الثوم [[وهذا اختيار الفراء والكسائي كما سبق.]] فإن هذا لا يعرف، ومحال أن يطلب القوم طعاما لا بر فيه، وهو أصل الغذاء [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 115، والنص من "تهذيب اللغة" (فام) 3/ 2727، وذكره الطبري في "تفسيره" عن بعض السلف 3108، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 77 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 315، "زاد المسير" 1/ 88.]]. وقال اللحياني: هو الفوم والثوم [[في (ب): (الفوم).]]، للحنطة [[في (ب): (الحنطة). كلام اللحياني في "تهذيب اللغة" (فام) 3/ 272.]]. [الأزهري: وقراءة ابن مسعود إن صح بالثاء، فمعنى الفوم وهو الحنطة.] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب). ونص كلام الأزهري في "تهذيب اللغة": وإن كان يقرأ ابن مسعود بالثاء فمعناه: الفوم، وهو الحنطة "التهذيب" (فام) 1/ 2727.]]. وقال ابن دريد: أزد السراة يسمون السنبل فُومًا [["جمهرة أمثال العرب" 3/ 160، وانظر: "مجاز القرآن" 1/ 41، وفى "اللسان" (أزد الشراة) (فوم) 60/ 3491.]]. وهذا القول اختيار المبرد. ومفعول (يخرج) محذوف من الكلام، تقديره: يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها شيئا [[أي أن مفعول يخرج محذوف، تقديره: (شيئا) وهذا قول الطبري في "تفسيره" 1/ 310، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 180، وغيرهما. وذهب الأخفش ومكي إلى أن (من) زائدة، والمفعول (ما) انظر "معاني القرآن" للأخفش 1/ 282، و"المشكل" 1/ 49، وقولهما مردود عند كثير من المفسرين؛ لأنه يخالف مذهب سيبويه. أن (من) لا تزاد في الموجب، أي المثبت. انظر: "الكتاب"1/ 38، "تفسير ابن عطية" 1/ 316، و"البيان" 1/ 85، 86، "البحر المحيط" 1/ 232.]]. ومثله مما حذف [[في (ب): (ومنه مما يحذف).]] منه المفعول قوله: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ [إبراهيم: 37]، أي: ناسًا أو فريقًا. وقوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ [البقرة: 61] يحتمل أن يكون ﴿أَدْنَى﴾ أفعل من الدنو، ومعناه: أتستبدلون الذي هو أقرب وأسهل متناولا، يشارككم في وجدانه [[في (ب): (وجدنه).]] كل أحد بالرفيع الجليل الذي خصكم الله وبين الأثرة لكم به على جميع الناس [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 312، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 115، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 181.]]. ويجوز أن يكون معنى الدنو في قرب القيمة [[في (ب): (القيامة).]]، يقول: أتستبدلون الذي هو أقرب في القيمة [[في (ب): (القيامة).]]، أي أقل قيمة، أو أدنى في الطعم واللذة، أي أقل لذة وأبشع طعما بالذي هو خير في الطعم واللذة والقيمة [[وهذا القول راجع لمعنى القول السابق فجمع بين المعنيين الزجاج حيث قال: فمعناه أقرب وأقل قيمة 1/ 115. والخلاصة في معنى (أدنى) قولان: أحدهما: == أنه من الدنو بغير همز، وهذا الدنو يدخل فيه عدة معان، فهو دنو في القيمة، واللذة، والكلفة، والحل، وامتثال الأمر، وغير ذلك مما ذكره المفسرون. انظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 181، "تفسير الثعلبي" 1/ 77 ب، "تفسير ابن عطية" 1/ 316 "الكشاف" 1/ 285، "البحر المحيط" 1/ 234، والقول الثاني: أنه من الدناءة بالهمزة، وهو ما سيأتي ذكره.]]. ويجوز أن يكون أفعل من الدناءة، وترك همزه؛ لأن العرب تقول: إنه لَدَنيٌّ يُدَنّي في الأمور، غير مهموز، أي: يتتبع خسيسها وأصاغرها، على أنه قد حكى الفراء [["معاني القرآن" للفراء 1/ 42، والكلام قبله كله عن الفراء وذكره الطبري في "تفسيره" 2/ 312، ولم يعزه له، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 77 ب، "الكشاف" 1/ 285، "البحر" 1/ 233.]] عن زهير الفرقبي [[في (ب): (الفريقي). زهير الفرقبي أحد القراء، نحوي، ويعرف بالكسائي، له اختيار في القراءة يروى عنه، عاش في زمن عاصم. انظر: "غاية النهاية" 1/ 295.]] أنه يقرأ (أدنأ) بالهمز [[في (ب): (بالهمزة). وهذه القراءة من الشواذ.]]، وهذا قول الفراء: إن معنى أدنى من الدناءة [["معاني القرآن" للفراء 1/ 42، وهو قول الطبري في "تفسيره" 1/ 312، وذكره الزجاج في "المعاني" 1/ 115، وذكره النحاس واختار غيره 1/ 181، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 316، "تفسير القرطبي" 1/ 364، "البحر المحيط" 1/ 234.]]. والأول [[(الواو) ساقطة من (ب).]] اختيار الزجاج [[اختيار الزجاج: أن (أدنى) غير مهموز بمعنى الذي هو أقرب وأقل قيمة. "المعاني" 1/ 115.]]. وقال بعض النحويين: (أدنى) هاهنا بمعنى أدون، أي: أوضع وأخس، فقدمت النون وحولت الواو ألفا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 77 ب، وانظر: "المشكل" لمكي 1/ 50، "تفسير ابن عطية" 1/ 237، و"البيان" 1/ 86، و"الإملاء" ص 39، "تفسير القرطبي" == 1/ 364، "البحر المحيط" 1/ 234، "الدر المصون" 1/ 395، و"الفتوحات الإلهية" 1/ 60. وقوله: (وحولت الواو ألفًا) أي لما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا.]]، وهذا خطأ، فقد أجمعوا على أنه لا يشتق فعل [[(فعل) هكذا في جميع النسخ، ولعلها (أفعل) قال أبو البركات ابن الأنباري: (ولا يجوز أن يكون (أدنى) أفعل من الدناءة؛ لأن ذلك يوجب أن يكون مهموزاً) "البيان" 1/ 87.]] من دون إذا كان بمعنى أخس كقولهم: فلان دونك في الشرف. قوله تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ جائز أن يكون هذا من كلام موسى لهم [[انظر: "تفسير البيضاوي" 1/ 27، و"الخازن" 1/ 133.]]، وجائز أن يكون من قول الله تعالى لهم، ويكون في الآية إضمار كأنه قال: فدعا موسى فاستجبنا له، وقلنا لهم: اهبطوا مصرا أمن الأمصار، فإن الذي سألتم لا يكون إلا في القرى والأمصار، ولهذا نون مصر، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب) والنص فيها: (.. اهبطوا مصرًا أي انزلوا مصرا لأنه لم يرد ..).]] لأنه لم يرد بلدة بعينها [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 314 - 315، "معاني القرآن" للفراء 1/ 43، وللأخفش 1/ 273، وللزجاج 1/ 115، "تفسير أبي الليث" 1/ 369، "تفسير الثعلبي" 1/ 77 ب، "تفسير ابن عطية" 1/ 238، "البحر المحيط" 1/ 234.]]، وجائز أن يكون أراد مصر بعينها، وصرفها لخفتها وقلة حروفها [[انظر المراجع السابقة.]]. قال الزجاج: صرف؛ لأنه مذكر سمي به مذكر [[قوله: (سمى به مذكر) ساقط من (ب). وبهذا انتهى ما نقله عن الزجاج. "معاني القرآن" 1/ 116.]]، فهو مثل جُمْل ودَعْد وهند في جواز إجرائها [[الإجراء: هو الصرف في اصطلاح الكوفيين، فالجاري: المنصرف، وغير الجاري: الممنوع من الصرف. وقوله: (جُمّل ودعد وهند) صرفت لأنها على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن. فصرفت لخفتها وإلا فهي مؤنثة. انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 42، و"البيان" 1/ 87.]]. والفراء يختار ترك الإجراء، ويفرق بين هذا وبين أسماء النساء، قال: إنها [[أي: أسماء النساء، كما هي عبارة الفراء في "المعاني" 1/ 42.]] إذا خفت وكانت على [[(على) ساقط من (ج).]] ثلاثة أحرف، أوسطها ساكن، انصرفت، لأنها تكثر بها التسمية فتخف لكثرتها، واسم البلد لا يكاد يكثر. فاجعل [[في المعاني للفراء: (.. فإن شئت جعلت الألف التي في (مصرا) ألفًا يوقف عليها ...) وإن شئت جعلت (مصر) غير المصر التي تعرف ..) 1/ 43.]] الألف التي في مصرا ألفا يوقف عليها، فإذا وصلت لم تنون كما كتبوا: سلاسلا [[من (ب)، وفي غيرها: (سلاسل)، آية: 4 من سورة الإنسان.]] وقواريرا [[في (أ): (قرارير)، آية: 15، 16 من سورة الإنسان.]] بالألف، وأكثر القراء على ترك الإجراء فيها [[في المعاني: (فيهما) أي: (سلاسلا) و (قواريرا). أما (سلاسلا) فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام ورويس في رواية بالتنوين، ووقفوا بالألف عوضا منها، والباقون بغير تنوين. وأما (قواريرا) فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر، بالتنوين ووقفوا عليها بالألف في الموضعين، ووافقهم ابن كثير في الأول، والباقون بغير تنوين مع إختلاف في الوقف. انظر "التيسير" ص 217، انظر "النشر" 4/ 395.]]. ويختار قراءة من قرأ مصر بغير تنوين [[حيث قال: (والوجه الأول أحب إليّ) لأنها في قراءة عبد الله اهبطوا مصر (بغير ألف ..) "معاني القرآن" للفراء 1/ 234.]]، وهي قرآءة مهجورة [[قال الطبري: ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه، إلا من لا يجوز == الاعتراض به على "الحجة" 2/ 136، والقراءة بغير تنوين قراءة الحسن، وطلحة، والأعمش، وأبان بن تغلب، وهي كذلك في مصحف أبي، وعبد الله، وبعض مصاحف عثمان، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 318 - 319، "تفسير القرطبي" 1/ 365، "البحر المحيط" 1/ 234.]]، والوجه ما ذكرنا قبل، أنه صرف لخفته [[قال النحاس: وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والفراء، "إعراب القرآن" 1/ 182، وكذا رده أبو حيان. انظر: "البحر المحيط" 1/ 235، وقد ذكر ابن جرير الطبري الحجج لمن رأى أن المراد مصر من الأمصار، ولمن قال: إنها مصر المعروفة، وتوقف في ترجيح قول على الآخر، 1/ 314. أما ابن كثير فرجح أن المراد مصر من الأمصار، 1/ 109، وانظر: "البحر المحيط" 1/ 235.]]. وقال الكسائي: العرب الفصحاء [[بياض في (ب).]] لا يبالون أن يجروا مالا يجري، ولا يرون به بأسا، ولولا أن ذلك مستقيم لهم ما جاز لهم أن يجروه في الشعر، فلا تهابن أن تجري شيئا مما لا يجري أبدا، إلا قولهم: أَفْعَلَ منك فإنه مما لم أسمع العرب تجريه في شعر ولا في [[(في) ساقط من (ب). وكلام الكسائي أورده النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 182.]] غيره. والمصر في اللغة: الحاجز بين الشيئين [[ذكر الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" (مصر) 4/ 3406، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 78 أ، "تفسير القرطبي" 1/ 366.]]. قال عدي بن زيد [[نسبه بعضهم لأمية بن أبي الصلت، وبعضهم لعدى.]]: وَجَعَلَ الشَمْسَ مِصْرًا لاَخَفَاءَ بِهِ ... بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْل قَدْ فَصَلاَ [[يروي البيت (جاعل) ورد في "تهذيب اللغة" (مصر) 4/ 3406، "الصحاح" (مصر) 2/ 817، "المخصص" 13/ 164، "اللسان" (مصر) 7/ 5/ 42، "تفسير الثعلبي" == 1/ 78 أ، "مفردات الراغب" ص 469، "زاد المسير" 1/ 89، "تفسير القرطبي"، "البحر المحيط" 1/ 220، "الدر المصون" 1/ 396.]] أي: حدًّا، ومُصُور الدار: حدودها، فالمصر: القطعة التي بانت بعمارتها عما سواها وانتهت إليه البرية [[(البرية) ساقط من (أ)، (ج). انظر: "تهذيب اللغة" (مصر) 4/ 3405 - 3406، "تفسير الثعلبي" 1/ 78 أ، "القرطبي" 1/ 366، "اللسان" (مصر) 7/ 4215.]]. وقوله تعالى: ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ أي: ألزموها إلزامًا لا تبرح عنهم، يقال: ضرب عليه [[في (ب): (عليهم).]] كذا، إذا ألزمه، وأصله من ضرب الشيء على الشيء، كما يضرب المسمار على الشيء فيلزمه، فيقال [[في (ب): (أن يقال).]] لكل من ألزم شيئا: ضرب عليه، يقال: ضرب فلان على عبده ضريبة، وضرب السلطان على التجار [[في (ب): (التجارة).]] ضريبة أي ألزمهم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 315، "تفسير الثعلبي" 1/ 78 أ، "تفسير ابن عطية" 1/ 319، "تفسير القرطبى" 1/ 366.]]. ويقال للشيء الدائم: ضربة لازم ولازب [[قال ابن الأنباري: ما هذا بضربة لازب، أي ما هو بضربة سيف لازب، واللازب: اللازم. انظر: "الزاهر" 1/ 609، "تهذيب اللغة" (لزب) 4/ 3258، "اللسان" (لزب) 7/ 4025 - 4026.]]. ومنه قول النابغة: و [[(الواو) ساقطة من (ب).]] لاَ يَحْسِبُون الشَّرَّ ضَرْبَةَ لاَزَبِ [[شطره الأول: == وَلاَ يَحْسِبُونَ الْخَيْرَ لاَ شَرَّ بَعْدَهُ ورد البيت في "الزاهر" 1/ 609، "تهذيب اللغة" (لزب) 7/ 4026، "المخصص" 12/ 68، "مقاييس اللغة" (لزب) 5/ 245، "اللسان" (لزب) 7/ 4026، و"ديوان النابغة الذيباني" ص 33.]] والذلة: الذل. أبو عبيد عن الكسائي: فرس ذلول بيّن [[في "تهذيب اللغة" (من) وليس فيه قوله: (وهو ضد الصعوبة).]] الذِّلّ، وهو ضد الصعوبة، ورجل ذليل بيّن الذِّلّة والذُّلّ [["تهذيب اللغة" (ذل) 2/ 1290، وانظر: "اللسان" (ذلل) 3/ 1513 - 1514.]]. والمسكنة مفعلة من السكون، قال الليث: المسكنة مصدر فِعْل المِسْكين، وإذا اشتقوا منه فعلا قالوا: تَمَسْكَن إذا صار مِسْكِينًا [["تهذيب اللغة" (سكن) 2/ 1724 - 1725، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 315، "اللسان" (سكن) 2054 - 2057.]]. قال ابن الأنباري: المسكنة الأمور التي تسكن صاحبها وتمنعه من الحركة ومن هذا أخذ المسكين، توهمًا أن الميم من أصل الكلمة، كما قالوا: تمكن من المكان، وهو مفعل من الكون، ويقال: تسكن الرجل وتمسكن إذا ظهرت [[في (ب): (ظهر).]] عليه أمور المساكين وتشبه بهم. كما يقال: تدرع وتمدرع، إذا لبس المدرعة [[انظر: "الزاهر" 1/ 224، و"تهذيب اللغة" (سكن) 2/ 1723 - 1725، و"الصحاح" (سكن) 5/ 2137، و"اللسان" (سكن) 4/ 2054 - 2057.]]. فأما معنى الآية، فإن جماعة من المفسرين قالوا: في هذا ما دل على أن قوله: ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [[في (ج): (والمسكنة).]] إخبار عمن كانوا [[في (ب): (كان).]] في عصر موسى. وبعضهم قال: ما يدل على أن ضرب الذلة حصل على من كان في عهد النبي ﷺ. قال كثير من المفسرين: ضربت عليهم يومئذ الذلة والمسكنة، وهو أثر البؤس وزي الفقر، وذلك لعلم الله فيهم أنهم سيقتلون النبيين ويفعلون ويفعلون، ثم أعقابهم يتوارثون ذلك الذل والمسكنة، وهذا قول الكلبي [[ذكر أبو الليث عن الكلبي: يعني الرجل من اليهود وإن كان غنيا، يكون عليه زي الفقراء. "تفسير أبي الليث" 1/ 370، وانظر: "تفسير الرازي" 3/ 102، "البحر المحيط" 1/ 236. والكلبي هو محمد بن السائب، ضعفوه، واتهمه بعضهم بالكذب، توفي سنة ست وأربعين ومائة، انظر: "تهذيب التهذيب" 3/ 569، "طبقات المفسرين" للداودي 2/ 149.]]. وإلى هذا القول مال ابن الأنباري، لأنه قال: قوله: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [[في (ج): (والمسكنة).]] منسوق على محذوف، دل الكلام عليه، وتلخيصه: اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم، فهبطوا فعثوا وأفسدوا، وضربت عليهم الذلة، فلما عرف معنى المراد حذف، وجرى مجرى الظاهر في حسن العطف عليه وقال الحسن وقتادة: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون [[ذكره الطبري بسنده عنهما 1/ 315، وكذا "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 385، وانظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 369، "تفسير ابن عطية" 1/ 319، "تفسير القرطبي" 1/ 366، "تفسير ابن كثير" 1/ 109.]]. وقال عطاء بن السائب [[هو الإمام الحافظ، أبو السائب، كان من كبار العلماء، ولكنه ساء حفظه قليلاً آخر عمره، مات سنة ثلاثين مائة "طبقات ابن سعد" 6/ 338، و"طبقات خليفة" ص 164، "سير أعلام النبلاء" 6/ 110.]]: هو [الْكُسْتِيج] [[في (أ)، (ج): (الكستينح) وفي (ب): (الكستينج)، وما أثبته هو الصواب وهو الوارد عند الواحدي في "الوسيط" 1/ 118، والبغوي 1/ 78، وفي غيرهما. == قال في "القاموس": الْكُسْتِيج بالضم: خيط غليظ يشده الذميّ فوق ثيابه دون الزنار، مُعَرَّبُ: كُسْتِي. القاموس ص 1328.]] وزي اليهودية، والمسكنة زي الفقر، فترى المثري منهم يتبأس مخافة أن يضاعف عليه الجزية [[ذكره الثعلبي1/ 78 أ، والبغوي 1/ 78، وانظر: "البحر المحيط" 1/ 236.]]. وهذا يدل على أن هذا الضرب وهذا الأثر حصل على المتأخرين منهم، لأنهم قبل الإسلام لم يعطوا الجزية ولم يوسموا [[في (ب): (يرسموا).]] بالغيار [[ذكره الرازي 2/ 102، وقال أبو حيان: المضروب عليهم الذلة والمسكنة اليهود المعاصرون لرسول الله ﷺ قاله الجمهور، "البحر" 1/ 236. وقيل: لا يلزم هذا فإنهم أذلوا قبل المسلمين، فقد ذكر ابن كثير عن الحسن قال: أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين، ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية. انظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 109.]]. فإن قيل: نحن نرى اليهودي يملك المال الواسع، والفاخر من الثياب، والرفيع من العقار، ومن ملك بعض هذا لم يكن مسكينا. قيل: الذلة الجزية، والمسكنة فقر القلب والنفس، وغير ظاهر آثارهما، ولا يوجد يهودي غني النفس [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 78 أ، "تفسير البغوي" 1/ 78/، "تفسير ابن عطية" 1/ 319، "تفسير القرطبي" 1/ 366، "البحر المحيط" 1/ 236.]]. ويجوز أن يكون هذا من العموم الذي أريد به الخصوص. وقوله تعالى: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: رجعوا [[في (ب): (ارجعوا).]] في قول الفراء [[لم أجده للفراء، وبه قال الأخفش في "معاني القرآن" 1/ 973، وابن قتيبة في "الغريب" ص 51 وهو قول الكسائي كما سيأتي.]]. وقال الكسائي: انصرفوا به [[في تفسير الثعلبي: (رجعوا في قول الكسائي وغيره) 1/ 78 أ، ونحوه في الماوردي 1/ 346، وكذا في البحر 1/ 220. قال النحاس في "شرح القصائد المشهورات": (والكسائي يذهب إلى أن (بؤت) من باء يبوء إذا رجع) ص170.]]، ولا يكون أبدا باؤوا إلا بشيء إما بخير وإما بشر، يقال: بَاءَ يَبُوءُ بَوْءًا [وَبَوَاءً] [[في (أ)، (ج): (بووا وبَوْا) وفي (ب): (بَاء يبؤا بوءا وبؤا) وفي "معاني القرآن" للفراء (بَاء بإثم يَبُوءُ بَوْءًا) 1/ 60، وفي الطبري: (بَاءَ فلان بذنبه يَبُوءُ به بَوْأً وَبَواءً) 1/ 316، ونحو ذلك في "معاني القرآن" للأخفش 1/ 273، "تهذيب اللغة" (باء) 1/ 246 - 248.]] ولا يكون باء بمعنى مطلق الانصراف [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 306.]]. قال ابن الأنباري: وجاء في الحديث: "باء طلحة بالجنة" [[لم أجده بهذا اللفظ، وفي "مسند أحمد" وغيره: (عن الزبير قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول يومئذٍ "أوجب طلحة"، حين صنع برسول الله ﷺ ما صنع .. الحديث)، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال: الحديث في "سيرة ابن هشام" عن ابن إسحاق، ورواه ابن سعد مختصرًا، والترمذي مطولًا. "مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر" 3/ 1417. وانظر: "الترمذي مع عارضة الأحوذي" 13/ 178، وانظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 35، "طبقات ابن سعد" 3/ 218.]] أي: انصرف بها. وقال أبو عبيدة: باؤوا بغضب: احتملوه [["مجاز القرآن" 1/ 42.]]، ونحو ذلك قال الزجاج في قوله: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: 90]. قال: باؤوا في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب أي: احتملته [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 148.]]. ومنه قوله. ﴿أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: 29]. واختلف أصحاب الاشتقاق في أصل هذا الحرف: فمذهب أبي العباس أنه من الباءة والمباءة، وهو منزل القوم حيث [[في (ج): (حين).]] يتبوؤون [[ذكر الأزهري عن الليث نحوه، وكذا عن الأصمعي وأبي زيد وغيرهم، "تهذيب اللغة" (باء) 1/ 246 - 248. وذكر الماوردي عن أبي العباس المبرد: أن أصل ذلك المنزلة. ومعناه: أنهم نزلوا منزلة غضب من الله. "تفسير الماوردي" 1/ 344 انظر: "الصحاح" (بوأ) 1/ 37، "اللسان" (بوأ) 1/ 380 - 382.]]. فمعنى باء بالذنب: أي نزل منزلة المذنبين، وباؤوا بغضب أي نزلوا منزلة من يلحقهم الغضب، ومن هذا يقال: أبأت فلانًا بفلان، إذا قبلته به، كأنك جعلته [[في (ج): (وجعلته).]] في منزلته وفي محله، وفلان بواء بفلان من هذا، والكلام يتصرف فيقع بعضه محمولا على بعض، هذا هو الأصل، ثم يفسر: باء بالشيء إذا احتمله ورجع به وانصرف به، وأقرّ به. وهذه كلها معان ترجع إلى أصل واحد، وهو الحلول في ذلك المحل [[ذكر ابن فارس في "مقاييس اللغة": أن (بَوَأ) الباء والواو والهمزة أصلان: أحدهما: الرجوع إلى الشيء، والثاني: تساوي الشيئين 1/ 312. وانظر. "تفسير الطبري" 1/ 316، "الماوردي" 1/ 344، "تهذيب اللغة" (باء) 15/ 594 - 596.]]. قال الفرزدق لمعاوية: فَلَو كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي جَاهِليَّةٍ ... لَبُؤْتَ بِهِ أَوغَصَّ بِالْمَاءِ شَارِبُه [[يروي هذا البيت بروايات مختلفة منها (شَنِئْتَ) بدل (لبؤت) وعليها فلا شاهد فيه هنا، ورواية الديوان: == وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأمْرُ فِي غَيْرِ مُلْكِكُمُ ... لَأَدَّيْتَهُ أَوْ غَصَّ بَالْمَاءِ شَارِبُه انظر: "الكامل" 2/ 232، "التهذيب" (شنأ) 2/ 1941، و"مجمل اللغة" (شنو) 2/ 513، "اللسان" (شنأ) 4/ 2336، "ديوان الفرزدق" 1/ 53.]] أي لأقررت [[(به) ساقط من (ب).]] به، كأنه قال: حللت محل المقر به [[انظر: "الكامل" 2/ 232.]]، وقال لبيد: أَنْكَرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّهَا ... عِنْدِي وَلم تَفْخَرْ عَلىَّ كِرَامُهَا [[البيت متعلق ببيت قبله، وقوله: (أنكرت باطلها) أي: رددته و (بؤت بحقها): رجعت، أو اعترفت وأقررت. انظر: "شرح ديوان لبيد" ص 318، و"شرح القصائد المشهورات" ص 170، "الصحاح" (بوأ) 1/ 38، "اللسان" (بوأ) 1/ 37، "الخزانة" 5/ 518، 9/ 16، "الدر المصون" 1/ 398.]] وقوله تعالى: ﴿تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: 29]. تأويله: تحل محل من اجتمعت عليه العقوبتان بأن لم يتقبل قربانك وقتلتني [[قال الزجاج: ترجع إلى الله بإثمي وإثمك .. "معاني القرآن" 2/ 182، وانظر. "تفسير الطبري" 6/ 192 - 193.]]. وعند الزجاج أن أصل هذا الحرف من التسوية [[لم أجده عن الزجاج فيما اطلعت عليه، والله أعلم، والذي قاله الزجاج في "المعاني" عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: 90]. قال: (معنى باءوا في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب: أي تحملته، "معاني القرآن" 1/ 148، وعند تفسير قوله تعالى ﴿تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: 29]، قال. أي ترجع إلى الله بإثمي وإثمك. "معاني القرآن" 1/ 182 و (بواء) بمعنى: سواء ذكره الماوردي 1/ 345، وذكره الأزهري عن أبي العباس وأبي عبيدة والأخفش. انظر: "تهذيب اللغة" (باء) 1/ 246 - 248، وانظر: "البحر المحيط" 1/ 220.]]. تقول العرب: هم في هذا الأمر بواء، أي: سواء. وبوأت الرمح نحو الفارس: سويته، وبوأت فلانًا منزلًا [[في (ب): (منزل).]]: أي سويته [[في الصحاح: (بَوَّأْت للرجل منزلا، وبَوَّاتُه منزلا بمعنى، أي: هيأته ومكنت له فيه "الصحاح" (بوأ) 1/ 37، وانظر: "تهذيب اللغة" (باء) 1/ 247.]] له، وقد باءت دماء القوم: إذا استوت، وباء فلان بالذنب: إذا احتمله واستوى عليه. وفي حديث عبادة بن الصامت قال: (جعل الله الأنفال إلى نبيه ﷺ فقسمها بينهم عن بواء) [[الحديث أخرجه أحمد 5/ 322، وابن ماجه (2852)، وذكره الماوردي في "تفسيره" 1/ 345.]] أي [[(أي) ساقط من (ب).]] عن سواء بينهم في القسم. فمعنى ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ كأنهم استوى عليهم الغضب من الله [[انظر: "تفسير الماوردي" 1/ 345، "البحر المحيط" 1/ 220، 236.]]. ومعنى غضب الله: ذمه إياهم وإنزال العقوبة بهم، لا كعارض يحل بالمخلوقين [[هذا تأويل لصفة الغضب التي أثبتها الله لنفسه، فيجب أن نثبتها له كما أثبتها لنفسه، ولا يلزم لها أي لازم باطل كأن تكون كالعارض الذي يحل بالمخلوقين.]]. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ (ذلك) إشارة إلى ضرب الذلة [[في (ج): (الذل).]] والمسكنة والغضب [[انظر "تفسير الطبري" 1/ 316، انظر "تفسير ابن عطية" 1/ 320.]]، ومعنى ﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحكمة التي أنزلت على محمد ﷺ [[ذكر المؤلف في "الوسيط" 1/ 119، ولم أجده عند غيره فيما اطلعت عليه، والله أعلم.]]. وقال غيره: أي بصفة محمد ﷺ وآية الرجم [[ذكره الثعلبي 1/ 78 أ، والبغوي 1/ 78، وأبو حيان في البحر 1/ 236. والأولى عموم الآية لأن كفر اليهود إنما جاء من كفرهم بالتوراة وتحريفها، ومن ثم كفرهم بمحمد وما جاء به فهو عام. انظر "تفسير الطبري" 1/ 316 - 317، "تفسير أبي الليث" 1/ 370، "البحر المحيط"1/ 236، "تفسير ابن كثير" 1/ 109.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ قال الفراء: إنما ألزمهم الله القتل ولم يقتلوا، لأن الذين كانوا في زمن النبي ﷺ من اليهود تولوا أولئك الذين قتلوا، فسماهم الله قتلة [[انتهى ما نقله من كلام الفراء انظر: "المعاني" 1/ 16.]]، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [المائدة: 81] فألزمهم الكفر بتوليهم الكفار. ويعني بالنبيين من قتلهم اليهود مثل: زكريا ويحيى وشعيا، وسائر من قتلوا من الأنبياء [[انظر: الثعلبي في "تفسيره" 1/ 78 ب.]]. وقوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هو صفة للقتل، كأنه قيل: قتلًا بغير حق، يعني بالظلم [[انظر: "تفسير الماوردي" 1/ 347، و"تفسير البغوي" 1/ 78، "زاد المسير" 1/ 90، "البحر المحيط" 1/ 237.]]. قال ابن الأنباري: معناه: ويقتلون النبيين من غير جرم وذنوب أتوها توجب دماءهم، وتلزمهم أن يمحوا من ديوان النبوة لأجلها، ولا يجوز أن يقتل نبي بحقٍّ أبدًا [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 322، و"تفسير البغوي"1/ 78، و"زاد المسير" 1/ 90، و"الكشاف" 1/ 285، و"تفسير القرطبي" 1/ 368، و"البحر المحيط" 1/ 237، و"روح المعاني" 1/ 276.]]. وقيل: قوله: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ تأكيد، لأن قتل النبي لا يكون إلا بغير حق، فهو كقوله: ﴿الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْه﴾ وأمثاله [[انظر: "زاد المسير" 1/ 90، "البحر المحيط" 1/ 237.]]. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ قال الأخفش: ما والفعل بمنزلة المصدر، أي: ذلك الكفر والقتل بعصيانهم [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 276، نقل قوله بمعناه. وانظر "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 182، "تفسير القرطبي" 1/ 368.]]. يعني أن الكفر والقتل حصلا منهم بعصيانهم ما أمروا به وتركهم الطاعة [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 317.]]، لأن نفس الكفر والقتل هو العصيان، فالعصيان هو الكفر، والكفر هو العصيان، وكل واحد منهما موجب للآخر في هذا الموضع، وإن لم يكن العصيان كفرا في مواضع. ويجوز أن يكون المعنى: ذلك حصل بشؤم عصيانهم، فحذف المضاف [[أو يكون العصيان والتمادي فيه جرهم إلى القتل والكفر، فإن صغار الذنوب سبب يؤدي للكبائر، ذكره البيضاوي في "تفسيره" 1/ 27. والنسفي في "تفسيره" 1/ 134، وأبو حيان في "البحر" 1/ 237.]]. وعلى هذا التأويل يتوجه قول من خص العصيان والاعتداء بعصيانهم الله في السبت، واعتدائهم فيه، فإن كثيرا من المفسرين ذهبوا إلى هذا [[بل هو قول بعضهم. انظر: الكشاف 1/ 285، والنسفي في "تفسيره" 1/ 134، "البحر المحيط" 1/ 237.]]، ومنهم من لم يخص وقال: ذلك [[(ذلك) ساقط من (ب).]] بركوبهم المعاصي، وتجاوزهم أمري، وارتكابهم محارمي [[وعليه أكثر المفسرين، انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 78 ب، و"تفسير الطبري" 1/ 317، و"تفسير أبي الليث" 1/ 372، و"الكشاف" 1/ 285، و"تفسير البغوي" 1/ 78، و"تفسير ابن كثير" 1/ 109.]]. قلت: وهذه [[في (أ)، (ج): (وهذا) وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.]] الأخبار التي أخبر الله [[في (ب): (أخبر الله به).]] عن اليهود ووصفهم بها ليست تشملهم كلهم مذ كانوا إلى عصر النبي ﷺ بل بعضهم انقرضوا قبل هذه الأحداث، وبعضهم اتصف ببعض هذه الأوصاف دون بعض، وبعضهم رضي بما أتى به الآخرون من هذه الجرائم فكانوا [[في (ب): (وكانوا).]] شركاءهم [[في (ب): (شركاؤهم).]] في الإثم، ولكن الله تعالى أضاف هذه الأوصاف إلى اليهود، وهو يريد الجانين والذين تولوهم كقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: 30]، وكلهم لم يقل ذلك. فأما (النبي) فأكثر العرب على ترك همزه [[أكثر علماء اللغة على أن أصل (النبي) مهموز من أنبأ عن الله، فتركت العرب همزه على طريق البدل لا على طريق التخفيف. ومنهم من يرى أنه غير مهموز الأصل، وإنما هو من النباوة، وهي الرفعة، الأول قول سيبويه. انظر: "الكتاب" 3/ 555، و"إصلاح المنطق" ص 158، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 274، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 117، و"الحجة" لأبي علي1/ 88، و"الإغفال" ص204، و"اشتقاق أسماء الله" ص 293، "تهذيب اللغة" (نبا) 4/ 3490، "تفسير الطبري" 1/ 316 - 317، "الزاهر" 2/ 119، وفيه اختار ابن الأنباري أن أصله غير مهموز.]]. قال [[في (ب): (وقال).]] أبو عبيدة: اجتمعت العرب على حذف الهمزة من أربعة أحرف من النبي والذرية والخابية والبرية وأصلها [[في (ب): (أصلها) بحذف الواو.]] الهمزة [[في (ج): (الهمز). وكلام أبي عبيدة أورده ابن السكيت في "إصلاح المنطق" عنه عن يونس "إصلاح المنطق" ص 159، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" ص 295.]]. وأما اشتقاقه فقال الزجاج وعدة معه: اشتقاقه [[في (ب): (مشتق).]] من نَبَّأَ وأَنْبَأَ، أي: أخبر، فترك همزه لكثرة الاستعمال. ويجوز أن يكون من نَبَا يَنْبُو، إذا ارتفع، فيكون فعيلا من الرفعة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 117، وانظر: "تهذيب اللغة" (نبا) 4/ 3490، قال أبو القاسم الزجاجي: (اعلم أن للعلماء في اشتقاق (النبي) قولين: أما سيبويه في حكايته عن الخليل فيذهب إلى أنه مهموز الأصل من أنبأ عن الله، أي: أخبر، وهو مذهب أكثر أهل اللغة، فتركت العرب همزه لا على طريق التخفيف، لكن على طريق الإبدال ...) ثم ذكر الفرق بين التخفيف والإبدال وبَيَّن أن ما ترك عن طريق الإبدال لا يجوز همزه إلا عند من لا يرى البدل. قال: (والقول الآخر مذهب جماعة من أهل اللغة، وهو رأى أبي عمرو بن العلاء قالوا: ليس بمهموز الأصل وإنما هو من النباوة وهي الرفعة. "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 293، 294.]]. وقال ابن السكيت: النبي هو من أنبأ عن الله، فترك همزه، قال: وإن أخذته من النَّبْوَةَ والنَّبَاوَةِ، وهي الارتفاع من الأرض، أي أنه شرف [[في "إصلاح المنطق": (أي شرف على سائر الخلق) ص 158، وانظر: تهذيب اللغة 4/ 3490.]] سائر الخلق، فأصله غير الهمز [[الكلام بهذا النص في "تهذيب اللغة" (نبا) 3490، وورد في "إصلاح المنطق" عن الفراء، وقال ابن السكيت بعده: وأنشد هو أي الفراء وأبو عمرو ثم ذكر بيتًا غير بيت أوس. "إصلاح المنطق" ص 158.]]، وأنشد قول أوس بن حجر: لَأَصْبَحَ رَتْمًا [[في (أ)، (ج): (رقما)، وما في (ب) موافق للمصادر التي ورد بها البيت.]] دُقَاقَ الْحَصَى ... مَكَانَ النَّبَيِّ مِنَ الْكَاثِبِ [[في جميع النسخ (الكاتب) بالتاء وهذا مخالف لجميع المصادر. و (الرتم): الدق والكسر، (دُقَاقَ الحصى): دقيق الحصى، و (النبي) المكان المرتفع و (الكاثب): الرمل المجتمع. ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص 58، "جمهرة أمثال العرب" 2/ 13، "الزاهر" 2/ 119/ "تهذيب اللغة" (كثب) 4/ 3103، و (رتم) 2/ 1358، و (ثرم) 2/ 1360، و (نبا) 4/ 3490، "الصحاح" (نبا) 6/ 2501، و"مجمل اللغة" (رتم) 2/ 498، (كثب) 7/ 3826، "مقاييس اللغة" (كثب) 5/ 163، و (نبو) 5/ 385، "اللسان" (كثب) 7/ 3826، و (رتم) 3/ 1578، و (نبا) 15/ 302، "تفسير القرطبي" 1/ 367، "الدر المصون" 1/ 402.]] قال: النبي: المكان المرتفع. قال أبو علي فيما استدرك على أبي إسحاق [[وذلك في كتاب (الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني) ص 205، نقل عنه الواحدي بتصرف، وداخل بين كلام أبي علي في "الإغفال" وكلامه في "الحجة". وكلام أبي علي بنصه في "المخصص" 12/ 321.]]: النبي اشتقاقه من النبأ الذي هو الخبر، كأنه المخبر عن الله سبحانه، وهذا مذهب سيبويه [[نص كلام أبي علي في "الإغفال": (لا يخلو قولهم: (النبي) من أن يكون مأخوذا من (النبأ) أو من النبوة التي هي ارتفاع أو يكون مأخوذا منهما. فحمل (اللام) مرة على أنه ياء منقلبة عن الواو، ومرة على أنها همزة كسنة وعضا، فلا يجوز أن يكون مأخوذًا من النبوة، لأن س يبويه حكى أن جميع العرب يقولون. تنبأ مسيلمة ..) "الإغفال" ص 205. وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" 3/ 460، 555.]]. ولا يجوز أن يكون مشتقا من النبأ الذي هو الخبر والنجاوة التي هي الرفعة بأن يحتمل الأمرين [[قال أبو علي: (.. ولا يجوز أيضا أن تكون لامه على وجهين: مرة ياء منقلبة عن == الواو، ومرة همزة ..) "الإغفال" ص 206.]]؛ وذلك لأن العرب كلهم يقولون [[(يقولون) ساقط من (ب).]]: تَنَبَّأَ مُسَيلمة بالهمز ويقولون في تحقير النبوة: كان مسيلمة نُبُوَّتُه نُبَيِّئةَ سِوء [[السياق أقرب إلى كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 89، وانظر: "الإغفال" ص206،209، "الخصائص" 12/ 322، و"الكتاب" 3/ 460.]]، فلو كان يحتمل الأمرين جميعا ما اجمعوا على الهمز في فعله وتحقيره. فإن قيل [[قوله: (فإن قيل فإن المازني ... إلخ) لم يرد في "الإغفال"، وإنما ورد في "الحجة" 2/ 88.]]: فإن المازني أنشد على أن (النبي) من النباوة قول بعضهم: مَحْضَ الضَّرِيبَة فَي الْبَيْتِ الَّذِي وُضِعَتْ ... فِيهِ النَّبَاوَةُ حُلْوًا غَيْرَ مَمْذُوقِ [[ورد البيت في "الحجة" لأبي علي بدون نسبة 2/ 88، وأورده ابن سيده في "المخصص" ونسبه لابن همام 12/ 323. وقوله: (محض الضريبة) المحض من كل شيء: الخالص. و (الضريبة): الطبيعة والسجية. انظر: "الصحاح" (ضرب) 1/ 169، "اللسان" (محض) 6/ 414.]] قيل: أراد: في البيت الذي وضعت فيه الرفعة، وليس كل رفعة [نبوءة] [[في (أ)، (ب): (نبوة) وفي ج: (نبوه)، والتصحيح من "الحجة" 2/ 90.]]، وقد يكون في البيت رفعة ليست [[في (ب): (ليس).]] [بنبوءة] [[في (أ)، (ب): (بنبوة) وفي ج: (بنبوة)، والتصحيح من "الحجة" 2/ 90.]]، والمخبر عن الله المبلغ عنه إذا أخذ اسمه من النبأ [[في جميع النسخ (النبا) بدون همز، والتصحيح من "الحجة" 2/ 90.]] كان أخص به وأشد مطابقة للمعنى المقصود، ولأن النبوة ليس من الارتفاع المحمود، ألا ترى أنه لا يمدح به [[(به) ساقط من (ب).]] كما يمدح بالرفعة [[من قوله: (ولأن النبوة ...) إلى قوله: (كما يمدح بالرفعة) ليس في "الحجة" ولا في "الإغفال".]]. فإن [[في (ب): (قال قلت).]] قلت: فلم لا يستدل بقولهم: أنبياء [[أي: بالجمع. انظر: "الإغفال" ص 207، و"الحجة" 2/ 90.]] على جواز الأمرين [[الأمران هما: كون اللام همزة، أو حرف لين. انظر "الإغفال" ص 207.]]. لأنهم جمعوا ما كان أصله غير [[أي أن أفعلاء جمع في أكثر الأمر لمعتل اللام. انظر "الإغفال" ص 207.]] الهمز على أفعلاء نحو: غنى وأغنياء وتقى وأتقياء، فيحتمل [[في (ب): (فيحمل).]] على هذا أن النبي أصله غير الهمز، [ويحتمل أن أصله الهمز] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] فترك همزه، وجمع [[قوله (ويحتمل ...) إلى (فترك همزه وجمع)، مكرر في (ب) بعد قوله: (بما أصله غير الهمز).]] على أفعلاء، تشبيها بما أصله غير الهمز. قيل: ما ذكرته لا يدل على تجويز الأمرين، لأن (أنبياء) إنما جاء لأن البدل من الهمز لزم في (نبي) فصار في لزوم البدل له كقولهم: عيد وأعياد فكما أن أعيادا لا يدل على أن عيدا من الياء، لكونه من عود الشيء، كذلك لا يدل (أنبياء) على أنه من النباوة، ولكن لما لزم البدل جعل بمنزلة: تقي وأتقياء وصفي وأصفياء ونحو ذلك، وصار [[في (ب): (فصار).]] كالبرية والخابية، ونحو ذلك مما لزم الهمزة فيه حرف اللين بدلا من الهمزة، وما دل على أنه من الهمز قائم لم يعترض عليه [[في "الحجة": (لم يعترض فيه شيء) وبعده: (فصار قول من حقق الهمزة في النبي كرد الشيء إلى الأصل المرفوض استعماله ..) 2/ 90.]] شيء. وقد جمعوه أيضا نُبَآء [[في (أ)، (ج): (نبآا) وفي (ب): (نبا)، وما أثبته يوافق ما في "الحجة" 2/ 90.]] على فُعَلاَء [[في (ج): (أفعلاء).]]، مثل ظريف وظرفاء. قال العباس بن مرداس [[هو العباس بن مرداس بن أبي عامر بن سليم، وأمه الخنساء، الصحابية الشاعرة المشهورة، أسلم العباس قبل فتح مكة بيسير، وكان من المؤلفة قلوبهم. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص أ 50، "الخزانة" 1/ 152.]]: يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ [[في (أ)، (ج) (النبآا) وفي (ب) (البنا).]] إِنَّكَ مُرسَلٌ ... بِالحَقِّ خَيْرُ هُدَى الْإِلَهِ هُدَاكَا [[رواية شطره الثاني في أكثر المصادر: بِالخَيْر كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا ورد البيت في "الكتاب" 3/ 460، "سيرة ابن هشام" 4/ 95، "المقتضب" 1/ 162، 2/ 210، و"جمهرة اللغة" 3/ 212، "الصحاح" (نبأ) 1/ 75، و"الحجة" لابن زنجله ص 99، و"الحجة" لأبي علي 2/ 90، "تفسير الطبري" 1/ 317، "اللسان" (نبأ) 4/ 4315، "تفسير القرطبي" 1/ 367.]] وكأنه جمعه على أصل اللغة، ولما لزم البدل في نبي صار قول من حقق الهمز كرد الشيء إلى الأصل المرفوض استعماله نحو: وَذَرَ ووَدَعَ فمن ثم كان الأكثر فيه التخفيف. واستردأ سيبويه تحقيق: النبيء والبرية [[انظر: "الكتاب" 3/ 555، وقوله (البريه) هكذا في جميع النسخ، ولو قال (البريئة) كان أولى. انظر "الحجة" 2/ 91.]]، لأن الغالب في استعمالهما التخفيف على وجه البدل. ومن زعم أن البرية من البرا [[(البرا): التراب، انظر "الحجة" 2/ 91.]] كان غالطا، لأنه لوكان كذلك لم يجز همزه بحال، وهي مهموزة في لغة أهل الحجاز، فتحقيقهم لها يدل على أنها من برأ الله الخلق. فأما حجة من همز (النبي) أن يقول: هو أصل الكلمة، وليس مثل (عيد) الذي قد ألزم البدل، ألا ترى أن ناسًا من أهل الحجاز قد حققوا الهمز في الكلام، ولم يبدلوه، فإذا كان الهمز أصل الكلمة وأتى به قوم في كلامهم على أصله لم يكن مثل: وَذَرَ ووَدع ونحوهما مما رفض في استعمالهم [[في "الحجة": (لم يكن كماضي "يدع" ونحوه مما رفض استعماله واطرح) 2/ 91.]] واطرح. وأما ما روي في الحديث من أن بعضهم قال: يا نبيء الله، فقال: لست بنبيء الله، ولكن نبيّ الله، فإن أهل النقل ضعفوا إسناد الحديث [[في "الحجة": (فأظن أن من أهل النقل من ضعف إسناد الحديث ..)، 2/ 92. والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن أبي ذر، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: بل منكر لم يصح. قال النسائي: حمران ليس بثقة، وقال أبو داود: رافضي، روى عن موسى بن عبيدة، وهو واه، ولم يثبت أيضا عنه عن نافع، عن ابن عمر قال: ما همز رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم. "المستدرك"، كتاب (التفسير) 2/ 231، وذكره ابن الأنباري في "الزاهر" 2/ 120، وأبو القاسم الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص 294، وأعله بالإرسال، وانظر: "البيان" 1/ 88، و"النهاية" 5/ 3.]]. ومما يقوي [[في (ج): (ومما يقوى هذا الحديث تضعيفه).]] تضعيفه أن [[في (ب): (من أن).]] من مدح النبي ﷺ بقوله [[(بقوله) ساقط من (ب).]]: يَا خَاتَمَ النُّبَآءَ [[البيت للعباس بن مرداس وقد مرَّ قريبًا.]] ......... لم يؤثَر فيه إنكار عليه، ولو كان في واحده نكير لكان الجمع كالواحد، وأيضا فلم نعلم [[في (ب): (يعلم).]] أنه عليه السلام أنكر على الناس أن يتكلموا بلغاتهم. وأما من أبدل ولم يحقق فإنه يقول: مجيء الجمع في التنزيل على أنبياء يدل على أن الواحد قد ألزم فيه البدل [[(البدل) ساقط من (ب).]]، وإذا لزم البدل ضعف التحقيق [[انتهى ما نقله عن "الحجة" لأبي علي الفارسي 2/ 88 - 92، وانظر: "الإغفال" ص 204، 210، و"اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 294، 295، "المخصص" 12/ 321 - 323.]]. وقال الكسائي: النبي بغير همز، معناه في اللغة: الطريق، والأنبياء طرق الهدى [["تهذيب اللغة" (نبا) 4/ 1489، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 78 ب، و"تفسير الطبري" 1/ 317، "البحر المحيط" 1/ 220.]]. وعلى هذا سمّي الرسول نبيًّا لاهتداء الخلق به. واختار ابن الأنباري هذا القول، وقال [["الزاهر" 2/ 119، وظاهر كلامه أنه يرجع غيره حيث قال: النبي معناه في كلام العرب الرفيع الشأن .. ثم قال: ويجوز أن يكون النبي سمي نبيا لبيان أمره .... إلخ).]]: سمي النبيّ نبيًّا لبيان أمره ووضح خبره، أخذ من النبي وهو عندهم الطريق [[رد أبو القاسم الزجاجي على ابن الأنباري قوله: إن النبي من أسماء الطريق، كما نقل ذلك ياقوت في (معجم البلدان)، قال ياقوت: (وقال أبو بكر بن الأنباري في "الزاهر" في قول القطامي: لَمَّا وَرَدن نَبِيَّا ... البيت == إن النبي في هذا البيت هو الطريق، وقد رد عليه ذلك أبو القاسم الزجاجي فقال: (كيف يكون ذلك من أسماء الطريق وهو يقول: لما وردن نبيًا، وقد كانت قبل وروده على طريق، فكأنه قال: لما وردن طريقا، وهذا لا معنى له إلا أن يكون أراد طريقًا بعينه في مكان مخصوص، فيرجع إلى أنه اسم مكان بعينه ..) "معجم البلدان" 5/ 259.]]. وأنشد للقُطامي [[القطامي: هو عمير بن شييم التغلبي، كان نصرانيًّا فأسلم، فأسلم، وعده الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، انظر: "طبقات الشعراء" للجمحي ص 179، "الشعر والشعراء" 483، "الخزانة" 2/ 370.]]: لَمَّا وَرَدْنَ نَبِيًّا وَاسْتَتَبَّ بِنَا ... مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ السَّيْح مُنْسحِلُ [[قوله: (استتب): استقام وتبين واطرد، و (نبي): مكان معين في ديار تغلب، (مُسْحَنْفِر): صفة لطريق واسع ممتد (السيح): ضرب من البرود أو العباء مخطط. (مُنْسَحل): مكشوط، وصف الطريق بذلك وأنه لكثرة المرور به صار واضحا. ورد البيت في "الزاهر" 2/ 119، "تفسير الطبري" 2/ 141، "تفسير ابن عطية" 1/ 241، و"معجم البلدان" 5/ 259، "اللسان" (نبا) 7/ 4333، "البحر المحيط" 1/ 220، "الدر المصون" 1/ 402.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب