الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لن نصبر على طَعَام وَاحِد﴾ كَأَنَّهُمْ أَجمعُوا وسئموا من أكل الْمَنّ والسلوى، فسألوا مُوسَى أَن يسْأَل لَهُم غَيره من الطَّعَام. فَإِن قيل: كَانَ لَهُم الْمَنّ والسلوى، فَلم سماهما وَاحِدًا؟ ! قيل: كَانُوا يَأْكُلُون أَحدهمَا بِالْآخرِ (فَكَانَ) كطعام وَاحِد. ﴿طَعَام وَاحِد فَادع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير اهبطوا مصرا﴾ وَقيل: إِنَّه كَانَ أبدا على نسق وَاحِد، وَكَانَ من حَيْثُ اتساقه كطعام وَاحِد. ﴿فَادع لنا رَبك يخرج لنا مِمَّا تنْبت الأَرْض من بقلها وقثائها﴾ سَأَلُوا هَذِه الْأَطْعِمَة. وَقَوله تَعَالَى: ﴿وفومها﴾ اخْتلفُوا فِيهِ. اخْتلفُوا فِيهِ. قَالَ ابْن عَبَّاس، وَالْأَكْثَرُونَ: إِنَّه الْحِنْطَة. وَقيل: الْخبز. وَحكى أَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ لامْرَأَته: " فومى لنا " أَي: أجزي لنا. وَقَالَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم: أَرَادَ بِهِ الثوم. فأبدل الثَّاء بِالْفَاءِ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر: (كَانَت دِيَارهمْ إِذْ ذَاك بارزة ... فِيهَا الفراديس والفومان والبصل) وَقد قَرَأَ أبي بن كَعْب وَابْن مَسْعُود: " ونومها " بالثاء ﴿وعدسها وبصلها﴾ . قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير﴾ يَعْنِي: أتختارون الْأَدْنَى على مَا هُوَ خير. فَإِن قيل: أَلَيْسَ فِيمَا سَأَلُوا الْحِنْطَة وَالْخبْز، وَهِي خير من الْمَنّ والسلوى فَلم سَمَّاهُ أدنى؟ قيل: أَرَادَ بِهِ أدنى فِي الْقيمَة، أَو أَرَادَ بِهِ أسهل وجودا على الْعَادة. ﴿اهبطوا مصرا﴾ أَي: انزلوا واذهبوا إِلَى مصر. وَاخْتلفُوا فِيهِ، فالأكثرون على أَنه الْمصر الْمَعْرُوف. وَقد قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " اهبطوا مصر " غير منصرف. وَمن صرفه كَانَ لقلَّة الْحُرُوف. وَقَالَ الْأَعْمَش: أَرَادَ بِهِ مصر الَّذِي عَلَيْهِ صَالح بن عَليّ، وَهُوَ الْمصر الْمَعْرُوف. وَقيل: كَانَ مصرا من الْأَمْصَار لَا بِعَيْنِه يَقُول: أنزلوا مصرا ﴿فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم وَضربت عَلَيْهِم الذلة﴾ قيل: أَرَادَ بِهِ الْجِزْيَة، وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب: هُوَ الكستيج والزنار. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَصْحَاب القبالات مِمَّن ضربت عَلَيْهِم الذلة. ﴿والمسكنة﴾ والفقر، يُقَال: تمسكن الرجل أَي صَار فَقِيرا، وسمى الْفَقِير مِسْكينا لِأَن الْفقر أسْكنهُ وَأَقْعَدَهُ عَن الْحَرَكَة. ﴿وباءوا بغضب من الله﴾ أَي: رجعُوا وَاحْتَملُوا غضب الله. ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله﴾ وَالْآيَة: الْعَلامَة. وَالْآيَة: الْجَمَاعَة. يُقَال: خرج الْقَوْم بآيهم أَي: بجماعتهم. وَالْآيَة من الْقُرْآن مجمع كَلِمَات مَعْلُوم الأول وَالْآخر. قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيقْتلُونَ النَّبِيين﴾ . قَرَأَ نَافِع بِالْهَمْز وَالْمدّ. وَالْبَاقُونَ بالتليين، وَأَصله الإنباء، فَمن همزه كَانَ على الأَصْل. وَمن لينه فلكثرة الِاسْتِعْمَال. وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من النُّبُوَّة وَهِي الْمَكَان الْمُرْتَفع، فعلى هَذَا يكون التليين على الأَصْل. وَفِي الحَدِيث: " أَن رجلا قَالَ: يَا نبيء الله بِالْهَمْز وَالْمدّ فَقَالَ: لست بِنَبِي الله إِنَّمَا أَنا نَبِي الله ". قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر الْحق﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: لم قَالَ: " بِغَيْر الْحق " وَقتل النَّبِيين لَا يكون إِلَّا بِغَيْر الْحق؟ ! قُلْنَا: ذكره وَصفا للْقَتْل، وَالْقَتْل يُوصف تَارَة بِالْحَقِّ، وَتارَة بِغَيْر الْحق وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى ﴿قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ﴾ . ذكر الْحق وَصفا للْحكم لَا أَن حكمه يَنْقَسِم إِلَى الْجور وَالْحق. ﴿ذَلِك بِمَا عصوا﴾ من الْمعاصِي ﴿وَكَانُوا يعتدون﴾ يتجاوزون الْحَد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب