الباحث القرآني
﴿وَإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ يُرِيدُونَ بِهِ ما رُزِقُوا في التِّيهِ مِنَ المَنِّ والسَّلْوى.
وَبِوَحْدَتِهِ أنَّهُ لا يَخْتَلِفُ ولا يَتَبَدَّلُ، كَقَوْلِهِمْ طَعامُ مائِدَةٍ الأمِيرُ واحِدٌ يُرِيدُونَ أنَّهُ لا تَتَغَيَّرُ ألْوانُهُ وبِذَلِكَ أجْمَعُوا أوْ ضَرْبٌ واحِدٌ، لِأنَّهُما طَعامُ أهْلِ التَّلَذُّذِ وهم كانُوا فَلاحَةً فَنَزَعُوا إلى عَكَرِهِمْ واشْتَهَوْا ما ألِفُوهُ. ﴿فادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ (p-84)سَلْهُ لَنا بِدُعائِكَ إيّاهُ ﴿يُخْرِجْ لَنا﴾ يُظْهِرْ ويُوجِدْ، وجَزْمُهُ بِأنَّهُ جَوابُ فادْعُ فَإنَّ دَعْوَتَهُ سَبَبُ الإجابَةِ.
﴿مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ﴾ مِنَ الإسْنادِ المَجازِيِّ، وإقامَةِ القابِلِ مَقامَ الفاعِلِ، ومِن لِلتَّبْعِيضِ. ﴿مِن بَقْلِها وقِثّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها﴾ تَفْسِيرٌ وبَيانٌ وقَعَ مَوْقِعَ الحالِ، وقِيلَ بَدَلٌ بِإعادَةِ الجارِّ. والبَقْلُ ما أنْبَتَتْهُ الأرْضُ مِنَ الخُضَرِ والمُرادُ بِهِ أطايِبُهُ الَّتِي تُؤْكَلُ، والفُومُ الحِنْطَةُ ويُقالُ لِلْخُبْزِ ومِنهُ فَوِّمُوا لَنا، وقِيلَ الثُّومُ وقُرِئَ « قُثّائِها» بِالضَّمِّ، وهو لُغَةٌ فِيهِ. (قالَ) أيِ اللَّهُ، أوْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ. ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى﴾ أقْرَبُ مَنزِلَةً وأدْوَنُ قَدْرًا. وأصْلُ الدُّنُوِّ القُرْبُ في المَكانِ فاسْتُعِيرَ لِلْخِسَّةِ كَما اسْتُعِيرَ البُعْدُ لِلشَّرَفِ والرِّفْعَةِ، فَقِيلَ بَعِيدُ المَحَلِّ بَعِيدُ الهِمَّةِ، وقُرِئَ « أدْنَأُ» مِنَ الدَّناءَةِ. بِالَّذِي هو خَيْرٌ يُرِيدُ بِهِ المَنَّ والسَّلْوى فَإنَّهُ خَيْرٌ في اللَّذَّةِ والنَّفْعِ وعَدَمِ الحاجَةِ إلى السَّعْيِ. ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ انْحَدِرُوا إلَيْهِ مِنَ التِّيهِ، يُقالُ هَبَطَ الوادِيَ إذا نَزَلَ بِهِ، وهَبَطَ مِنهُ إذا خَرَجَ مِنهُ، وقُرِئَ بِالضَّمِّ والمِصْرُ البَلَدُ العَظِيمُ وأصْلُهُ الحَدُّ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وقِيلَ أرادَ بِهِ العَلَمَ، وإنَّما صَرَفَهُ لِسُكُونِ وسَطِهِ أوْ عَلى تَأْوِيلِ البَلَدِ، ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ غَيْرُ مُنَوَّنٍ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وقِيلَ أصْلُهُ مِصْرائِيمُ فَعُرِّبَ. ﴿فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ﴾ أُحِيطَتْ بِهِمْ إحاطَةَ القُبَّةِ بِمَن ضُرِبَتْ عَلَيْهِ، أوْ أُلْصِقَتْ بِهِمْ، مِن ضَرْبِ الطِّينِ عَلى الحائِطِ، مُجازاةً لَهم عَلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ. واليَهُودُ في غالِبِ الأمْرِ أذِلّاءُ مَساكِينُ، إمّا عَلى الحَقِيقَةِ أوْ عَلى التَّكَلُّفِ مَخافَةَ أنْ تُضاعَفَ جِزْيَتُهم. ﴿وَباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ رَجَعُوا بِهِ، أوْ صارُوا أحِقّاءَ بِغَضَبِهِ، مِن باءَ فَلانٌ بِفُلانٍ إذا كانَ حَقِيقًا بِأنْ يُقْتَلَ بِهِ، وأصْلُ البَوْءِ المُساواةُ. ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما سَبَقَ مِن ضَرْبِ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ والبَوْءِ بِالغَضَبِ. ﴿بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِالمُعْجِزاتِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما عُدَّ عَلَيْهِمْ مِن فَلْقِ البَحْرِ، وإظْلالِ الغَمامِ، وإنْزالِ المَنِّ والسَّلْوى، وانْفِجارِ العُيُونِ مِنَ الحَجَرِ. أوْ بِالكُتُبِ المُنَزَّلَةِ: كالإنْجِيلِ، والفُرْقانِ، وآيَةِ الرَّجْمِ والَّتِي فِيها نُعِتَ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنَ التَّوْراةِ، وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ فَإنَّهم قَتَلُوا شَعْياءَ وزَكَرِيّا ويَحْيى وغَيْرَهم بِغَيْرِ الحَقِّ عِنْدَهُمْ، إذْ لَمْ يَرَوْا مِنهم ما يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوازَ قَتْلِهِمْ، وإنَّما حَمَلَهم عَلى ذَلِكَ اتِّباعُ الهَوى وحُبُّ الدُّنْيا كَما أشارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ أيْ: جَرَّهُمُ العِصْيانُ والتَّمادِي والِاعْتِداءُ فِيهِ إلى الكُفْرِ بِالآياتِ، وقَتْلِ النَّبِيِّينَ. فَإنَّ صِغارَ الذُّنُوبِ سَبَبٌ يُؤَدِّي إلى ارْتِكابِ كِبارِها، كَما أنَّ صِغارَ الطّاعاتِ أسْبابٌ مُؤَدِّيَةٌ إلى تَحَرِّي كِبارِها. وقِيلَ كَرَّرَ الإشارَةَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ما لَحِقَهم كَما هو بِسَبَبِ الكُفْرِ والقَتْلِ فَهو بِسَبَبِ ارْتِكابِهِمُ المَعاصِيَ واعْتِدائِهِمْ حُدُودَ اللَّهِ تَعالى. وقِيلَ الإشارَةُ إلى الكُفْرِ والقَتْلِ، والباءُ بِمَعْنى مَعَ وإنَّما جُوِّزَتِ الإشارَةُ بِالمُفْرَدِ إلى شَيْئَيْنِ فَصاعِدًا عَلى تَأْوِيلِ ما ذُكِرَ أوْ تَقَدَّمَ لِلِاخْتِصارِ، ونَظِيرُهُ في الضَّمِيرِ قَوْلُ رُؤْبَةَ يَصِفُ بَقَرَةً:
؎ فِيها خُطُوطٌ مِن سَوادٍ وبَلَقْ... كَأنَّهُ في الجِلِدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
والَّذِي حَسَّنَ ذَلِكَ أنَّ تَثْنِيَةَ المُضْمَراتِ والمُبْهَماتِ وجَمْعَها وتَأْنِيثَها لَيْسَتْ عَلى الحَقِيقَةِ، ولِذَلِكَ جاءَ الَّذِي بِمَعْنى الجَمْعِ.
{"ayah":"وَإِذۡ قُلۡتُمۡ یَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامࣲ وَ ٰحِدࣲ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ یُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّاۤىِٕهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِی هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِی هُوَ خَیۡرٌۚ ٱهۡبِطُوا۟ مِصۡرࣰا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَاۤءُو بِغَضَبࣲ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ یَكۡفُرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ وَیَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَ ٰلِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











