الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ﴾، ”يُخْرِجْ“، مَجْزُومٌ، وفِيهِ غَيْرُ قَوْلٍ: قالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: اَلْمَعْنى: ”سَلْهُ، وقُلْ لَهُ: أخْرِجْ لَنا، يُخْرِجْ لَنا هو“، وقالَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣]، قالُوا: اَلْمَعْنى: ”قُلْ لَهُمْ: قُولُوا الَّتِي هي أحْسَنُ، أنْ يَقُولُوا“، وقالَ قَوْمٌ: مَعْنى ”يُخْرِجْ لَنا“، مَعْنى الدُّعاءِ، كَأنَّهُ قالَ: أخْرِجْ لَنا، وكَذَلِكَ ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١]، اَلْمَعْنى: ”قُلْ لِعِبادِي: أقِيمُوا“، ولَكِنَّهُ صارَ قَبْلَهُ ”اُدْعُ“، و”قُلْ“، فَجُعِلَ بِمَنزِلَةِ جَوابِ الأمْرِ، وكِلا القَوْلَيْنِ مَذْهَبٌ، ولَكِنَّهُ عَلى الجَوابِ أجْوَدُ، لِأنَّ ما في القُرْآنِ مِن لَفْظِ الأمْرِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ جازِمٌ، مَرْفُوعٌ، قالَ الله - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الصف: ١١]، ثُمَّ جاءَ بَعْدَ تَمامِ الآيَةِ: ”يَغْفِرْ لَكم“، اَلْمَعْنى: آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ، وجاهِدُوا، يَغْفِرْ لَكم. (p-١٤٣)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مِن بَقْلِها وقِثّائِها وفُومِها﴾، في ”اَلْقِثّاءُ“، لُغَتانِ، يُقالُ: ”اَلقُثّاءُ“، و”اَلْقِثّاءُ يا هَذا“، وقَدْ قَرَأ بَعْضُهُمْ: ”قُثّائِها“، بِالضَّمِّ، والأجْوَدُ الأكْثَرُ: ”وَقِثّائِها“، بِالكَسْرِ، ”وَفُومِها“: ”اَلْفُومُ“: اَلْحِنْطَةُ، ويُقالُ: اَلْحُبُوبُ، وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ ”اَلْفُومُ“، هَهُنا: ”اَلثُّومُ“، وهَذا ما لا يُعْرَفُ، أنَّ الفُومَ: اَلثُّومُ، وهَهُنا ما يَقْطَعُ هَذا، مُحالٌ أنْ يَطْلُبَ القَوْمُ طَعامًا لا بُرَّ فِيهِ، والبُرُّ أصْلُ الغِذاءِ كُلِّهِ، ويُقالُ: ”فَوِّمُوا لَنا“، أيْ: ”اِخْبِزُوا لَنا“، ولا خِلافَ عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّ الفُومَ: اَلْحِنْطَةُ، وسائِرُ الحُبُوبِ الَّتِي تُخْبَزُ يَلْحَقُها اسْمُ الفُومِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾، يَعْنِي أنَّ المَنَّ والسَّلْوى أرْفَعُ مِنَ الَّذِي طَلَبْتُمْ، و”أدْنى“، اَلْقِراءَةُ فِيهِ بِغَيْرِ الهَمْزِ، وقَدْ قَرَأ بَعْضُهُمْ: ”أدْنَأُ بِالَّذِي هو خَيْرٌ“، وكِلاهُما لَهُ وجْهٌ في اللُّغَةِ، إلّا أنَّ تَرْكَ الهَمْزَةِ أوْلى بِالِاتِّباعِ، أمّا ”أدْنى“، غَيْرَ مَهْمُوزٍ، فَمَعْناهُ: اَلَّذِي هو أقْرَبُ، (p-١٤٤)وَأقَلُّ قِيمَةً، كَما تَقُولُ: ”هَذا ثَوْبٌ مُقارِبٌ“، فَأمّا الخَسِيسُ، فاللُّغَةُ فِيهِ أنَّهُ مَهْمُوزٌ، يُقالُ: ”دُنُوءٌ“، ”دَناءَةٌ“، و”هو دَنِيءٌ“، بِالهَمْزَةِ، ويُقالُ: ”هَذا أدْنَأُ مِنهُ“، بِالهَمْزَةِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾، اَلْأكْثَرُ في القِراءَةِ إثْباتُ الألِفِ، وقَدْ قَرَأ بَعْضُهُمْ: ”اِهْبِطُوا مِصْرَ فَإنَّ لَكم“، بِغَيْرِ ألِفٍ، فَمَن قَرَأ: ”مِصْرًا“، بِالألِفِ، فَلَهُ وجْهانِ: جائِزٌ أنْ يُرادَ بِها مِصْرًا مِنَ الأمْصارِ، لِأنَّهم كانُوا في تِيهٍ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ أرادَ ”مِصْرَ“، بِعَيْنِها، فَجَعَلَ ”مِصْرًا“، اِسْمًا لِلْبَلَدِ، فَصُرِفَ لِأنَّهُ مُذَكَّرٌ، سُمِّيَ بِهِ مُذَكَّرٌ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ”مِصْرَ“، بِغَيْرِ ألِفٍ عَلى أنَّهُ يُرِيدُ ”مِصْرًا“، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٩]، وإنَّما لَمْ يُصْرَفْ لِأنَّهُ لِلْمَدِينَةِ، فَهو مُذَكَّرٌ سُمِّيَ بِهِ مُؤَنَّثٌ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ﴾، ”اَلذِّلَّةُ“: اَلصَّغارُ، و”اَلْمَسْكَنَةُ“: اَلْخُضُوعُ، واشْتِقاقُهُ مِن ”اَلسُّكُونُ“، إنَّما يُقالُ: ”مِسْكِينٌ“، لِلَّذِي أسْكَنَهُ الفَقْرُ، أيْ: قَلَّلَ حَرَكَتَهُ. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾، (p-١٤٥)يُقالُ: ”بُؤْتُ بِكَذا وكَذا“، أيْ: اِحْتَمَلْتُهُ. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾، مَعْنى ذَلِكَ - واللَّهُ أعْلَمُ -: اَلْغَضَبُ حَلَّ بِهِمْ بِكُفْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ﴾، اَلْقِراءَةُ المُجْمَعُ عَلَيْها في ”اَلنَّبِيِّينَ“، و”اَلْأنْبِياءُ“، و”اَلْبَرِيَّةُ“، طَرْحُ الهَمْزَةِ، وجَماعَةٌ مِن أهْلِ المَدِينَةِ يَهْمِزُونَ جَمِيعَ ما في القُرْآنِ مِن هَذا، فَيَقْرَؤُونَ: ”اَلنَّبِيئِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ“، و”اَلْأنْبِئاءُ“، واشْتِقاقُهُ مِن ”نَبَّأ، و“ أنْبَأ ”، أيْ: أخْبَرَ، والأجْوَدُ تَرْكُ الهَمْزَةِ، لِأنَّ الِاسْتِعْمالَ يُوجِبُ أنَّ ما كانَ مَهْمُوزًا مِن“ فَعِيلٌ ”، فَجَمْعُهُ“ فُعَلاءُ ”، مِثْلَ:“ ظَرِيفٌ ”، و“ ظُرَفاءُ ”، و“ نَبِيءٌ ”، و“ نُبَآءُ ”، فَإذا كانَ مِن ذَواتِ الياءِ، فَجَمْعُهُ“ أفْعِلاءُ ”، نَحْوَ:“ غَنِيٌّ ”، و“ أغْنِياءُ ”، و“ نَبِيٌّ ”، و“ أنْبِياءُ ”، وقَدْ جاءَ“ أفْعِلاءُ ”، في الصَّحِيحِ، وهو قَلِيلٌ، قالُوا:“ خَمِيسٌ ”، و“ أخْمِساءُ ”، و“ أخْمُسٌ ”، و“ نَصِيبٌ ”، وأنْصِباءُ“، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”نَبِيٌّ“، مِن ”أنْبَأْتُ“، مِمّا تُرِكَ هَمْزُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن ”نَبَأ، يَنْبُؤُ“، إذا ارْتَفَعَ، فَيَكُونَ ”فَعِيلًا“، مِنَ الرِّفْعَةِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والنَّصارى والصّابِئِينَ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحًا فَلَهم أجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٦٢]، (p-١٤٦)لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِأحَدٍ مِنهم إيمانٌ إلّا مَعَ إيمانِهِ بِالنَّبِيِّ ﷺ، ودَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أضَلَّ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ١] ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وآمَنُوا بِما نُـزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وهو الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ [محمد: ٢]، فَتَأْوِيلُهُ: مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وآمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ فَلَهم أجْرُهُمْ، وجازَ أنْ يُقالَ: ”فَلَهم“، لِأنَّ ”مَن“، لَفْظُها لَفْظُ الواحِدِ، وتَقَعُ عَلى الواحِدِ، والِاثْنَيْنِ، والجَمْعِ، والتَّأْنِيثِ، والتَّذْكِيرِ، فَيُحْمَلُ الكَلامُ عَلى لَفْظِها، فَيُوَحَّدُ ويُذَكَّرُ، ويُحْمَلُ عَلى مَعْناها فَيُثَنّى، ويُجْمَعُ، ويُؤَنَّثُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎تَعالَ فَإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ∗∗∗ نَكُنْ مِثْلَ مَن يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ ؎وَ ”هادُوا“، أصْلُهُ في اللُّغَةِ: تابُوا، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنّا هُدْنا إلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، أيْ: تُبْنا إلَيْكَ، وواحِدُ ”اَلنَّصارى“، قِيلَ فِيهِ قَوْلانِ: قالُوا: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ واحِدُهم ”نَصْرانُ“، كَما تَرى، فَيَكُونَ ”نَصْرانُ“، و”نَصارى“، عَلى وزْنِ ”نَدْمانُ“، و”نَدامى“، قالَ الشّاعِرُ: (p-١٤٧)فَكِلْتاهُما خَرَّتْ وأسْجَدَ رَأْسَها ∗∗∗ كَما أسْجَدَتْ نَصْرانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ فَ ”نَصْرانَةٌ“، تَأْنِيثُ ”نَصْرانُ“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”اَلنَّصارى“، واحِدُهم ”نَصْرِيٌّ“، مِثْلَ: ”بَعِيرٌ مَهْرِيٌّ“، و”إبِلٌ مَهارى“، ومَعْنى ”اَلصّابِئِينَ“: اَلْخارِجِينَ مِن دِينٍ إلى دِينٍ، يُقالُ: ”صَبَأ فُلانٌ - إذا خَرَجَ مِن دِينِهِ - يَصْبَأُ يا هَذا“، ويُقالُ: ”صَبَأتِ النُّجُومُ“، إذا ظَهَرَتْ، و”صَبَأ نابُهُ“، إذا خَرَجَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب