الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِها وقِثّائِها وفُومِها وعَدَسِها وبَصَلِها قالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإنَّ لَكم ما سَألْتُمْ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وباءُوا بِغَضَبٍ مِن اللَّهِ ذَلِكَ بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ . هَذا قَوْلُهم في التِّيهِ. وعَنَوْا بِالطَّعامِ الواحِدِ: المَنُّ والسَّلْوى. قالَ مُحَمَّدُ بْنُ القاسِمِ: كانَ المَنُّ يُؤْكَلُ بِالسَّلْوى، والسَّلْوى بِالمَنِّ، فَلِذَلِكَ كانا طَعامًا واحِدًا. والبَقْلُ هاهُنا: اسْمُ جِنْسٍ، وعَنَوْا بِهِ: البُقُولُ. وقَرَأْتُ عَلى شَيْخِنا أبِي مَنصُورٍ اللُّغَوِيِّ قالَ: تَذْهَبُ العامَّةُ إلى أنَّ البَقْلَ: ما يَأْكُلُهُ النّاسُ خاصَّةً دُونَ البَهائِمِ مِنَ النَّباتِ النّاجِمِ الَّذِي يَحْتاجُ في أكْلِهِ إلى طَبْخٍ، ولَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّما البَقْلُ: العُشْبُ، وما يَنْبُتُ الرَّبِيعُ مِمّا يَأْكُلُهُ النّاسُ والبَهائِمُ، يُقالُ: بَقَلَتِ الأرْضُ، وأبْقَلَتْ، لُغَتانِ فَصِيحَتانِ: إذا أنْبَتَ البَقْلُ. وابْتَقَلَتِ الإبِلُ: إذا رَعَتْ. قالَ أبُو النَّجْمِ يَصِفُ الإبِلَ: ؎ تَبَقَّلَتْ في أوَّلِ التَّبَقُّلِ وبَيْنَ رِماحَيْ مالِكٍ ونَهْشَلِ وَفِي "القِثّاءِ" لُغَتانِ: كَسْرُ القافِ وضَمُّها، والكَسْرُ أجْوَدُ، وبِهِ قَرَأ الجُمْهُورُ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو رَجاءٍ، وقَتادَةُ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، والأعْمَشُ: بِضَمِّ القافِ. قالَ الفَرّاءُ: الكَسْرُ لُغَةُ أهْلِ الحِجازِ، والضَّمُّ لُغَةُ تَمِيمٍ، وبَعْضُ بَنِي أسَدٍ. وَفِي "الفُومِ" ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّهُ الحِنْطَةُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُّدِّيُّ، عَنْ أشْياخِهِ، والحَسَنُ، وأبُو مالِكٍ، قالَ الفَرّاءُ: هي لُغَةٌ قَدِيمَةٌ، يَقُولُ أهْلُها: فَوَمُوا لَنا، أيِ: اخْتَبِزُوا لَنا. (p-٨٩). والثّانِي: أنَّهُ الثَّوْمُ، وهو قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وأُبَيٍّ: "وَثَوْمِها" واخْتارَهُ الفَرّاءُ، وعَلَّلَ بِأنَّهُ ذَكَرَ مَعَ ما يُشاكِلُهُ، والفاءُ تُبْدَلُ مِنَ الثّاءِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: الجَدَثُ، والجَدَفُ: لِلْقَبْرِ، والأثافِيِّ والأثاثِي: لِلْحِجارَةِ الَّتِي تُوضَعُ تَحْتَ القِدْرِ. ومَغافِيرُ، والمَغاثِيرُ: لِضَرْبٍ مِنَ الصَّمْغِ. وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٌ، والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ، ومُقاتِلٌ، والكِسائِيُّ، والنَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وابْنُ قُتَيْبَةَ. والثّالِثُ: أنَّهُ الحُبُوبُ، ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ والزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى﴾: أيْ: أرادَ ﴿بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ أيْ: أعْلى، يُرِيدُ: أنَّ المَنَّ والسَّلْوى أعْلى ما طَلَبْتُمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ اسْمٌ لِمِصْرٍ مِنَ الأمْصارِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ، وإنَّما أمَرُوا بِالمِصْرِ، لِأنَّ الَّذِي طَلَبُوهُ في الأمْصارِ. والثّانِي: أنَّهُ أرادَ البَلَدَ المُسَمّى بِمِصْرَ. وُفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ والحَسَنِ وطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ والأعْمَشِ "مِصْرَ" بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، قالَ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أرادَ مِصْرَ فِرْعَوْنَ، وهَذا قَوْلُ أبُو العالِيَةِ والضَّحّاكُ، واخْتارَهُ الفَرّاءُ، واحْتَجَّ بِقِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. قالَ: وسُئِلَ عَنْها الأعْمَشُ، فَقالَ: هي مِصْرُ الَّتِي عَلَيْها صالِحُ بْنُ عَلِيٍّ. وقالَ مُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: سُمِّيَتْ مِصْرًا، لِأنَّها آَخِرُ حُدُودِ المَشْرِقِ، وأوَّلُ حُدُودِ المَغْرِبِ، فَهي حَدٌّ بَيْنَهُما. والمِصْرُ: الحَدُّ. وأهْلُ هَجَرَ يَكْتُبُونَ في عَهْدِهِمُ: اشْتَرى فَلانٌ الدّارَ بِمُصَوِّرِها، أيْ: بِحُدُودِها. وقالَ عَدِيُّ: ؎ وجاعِلُ الشَّمْسِ مِصْرًا لا خَفاءَ بِهِ ∗∗∗ بَيْنَ النَّهارِ وبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلا (p-٩٠)وَحَكى ابْنُ فارِسٍ أنَّ قَوْمًا قالُوا: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقَصْدِ النّاسِ إيّاها، كَقَوْلِهِمْ: مَصَرَتِ الشّاةُ، إذا حَلَبْتَها، فالنّاسُ يَقْصِدُونَها، ولا يَكادُونَ يَرْغَبُونَ عَنْها إذا نَزَلُوها. *** قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ . أيِ: الزَمُوها، قالَ الفَرّاءُ: الذِّلَّةُ والذُّلُّ: بِمَعْنًى واحِدٍ وقالَ الحَسَنُ: هي الجِزْيَةُ. وفي المَسْكَنَةِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها الفَقْرُ والفاقَةُ، قالَهُ أبُو العالِيَةِ، والسُّدِّيُّ، وأبُو عُبَيْدَةَ، ورُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: هي فَقْرُ النَّفْسِ. والثّانِي: الخُضُوعُ، قالَهُ الزَّجّاجُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَباءُوا﴾ أيْ: رَجَعُوا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى الغَضَبِ. وَقِيلَ إلى جَمِيعِ ما ألْزَمُوهُ مِنَ الذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ وغَيْرِها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ﴾ . كانَ نافِعٌ يَهْمِزُ "النَّبِيِّينَ" و"الأنْبِياءَ" و"النُّبُوَّةَ" وما جاءَ مِن ذَلِكَ، إلّا في مَوْضِعَيْنِ في الأحْزابِ: ﴿تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ ٥٣ ﴿إنْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ﴾ ٥٠ . وإنَّما تَرَكَ الهَمْزَ في هَذَيْنَ المَوْضِعَيْنِ لِاجْتِماعِ هَمْزَتَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ، وباقِي القُرّاءِ لا يَهْمِزُونَ جَمِيعَ المَواضِعِ. قالَ الزَّجّاجَ: الأجْوَدُ تَرْكُ الهَمْزِ. واشْتِقاقُ النَّبِيِّ مِن: نَبَّأ، وأنْبَأ، أيْ: أخْبَرَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن: نَبا يَنْبُو: إذا ارْتَفَعَ، فَيَكُونُ بِغَيْرِ هَمْزٍ: فَعِيلًا، مِنَ الرِّفْعَةِ. قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَقْتُلُ في اليَوْمِ ثَلاثَمِائَةَ نَبِيٍّ، ثُمَّ يُقِيمُونَ سُوقَ بَقْلِهِمْ في آَخِرِ النَّهارِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ مَعْناهُ: بِغَيْرِ جُرْمٍ، قالَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. والثّانِي: أنَّهُ تَوْكِيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ تَعْمى القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾ . والثّالِثُ: أنَّهُ خارِجٌ مَخْرَجَ الصِّفَةِ لِقَتْلِهِمْ أنَّهُ ظُلْمٌ، فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٩١)﴿رَبِّ احْكم بِالحَقِّ﴾ فَوَصَفَ حُكْمَهُ بِالحَقِّ، ولَمْ يَدُلَّ عَلى أنَّهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الحَقِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ العُدْوانُ: أشَدُّ الظُّلْمِ. وقالَ الزَّجّاجُ: الِاعْتِداءُ: مُجاوَزَةُ القَدْرِ في كُلٍّ شَيْءٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب