الباحث القرآني

﴿وَإذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ هو ما رُزِقُوا في التِيهِ مِنَ المَنِّ والسَلْوى، وإنَّما قالُوا: ﴿عَلى طَعامٍ واحِدٍ﴾ وهُما طَعامانِ، لِأنَّهم أرادُوا بِالواحِدِ ما لا يَتَبَدَّلُ،: ولَوْ كانَ عَلى مائِدَةِ الرَجُلِ ألْوانٌ عِدَّةٌ، يُداوِمُ عَلَيْها كُلَّ يَوْمٍ لا يُبَدِّلُها، يُقالُ: لا يَأْكُلُ فُلانٌ إلّا طَعامًا واحِدًا، ويُرادُ بِالوَحْدَةِ: نَفِيُ التَبَدُّلِ والِاخْتِلافِ، أوْ أرادُوا: أنَّهُما ضَرْبٌ واحِدٌ، لِأنَّهُما مَعًا مِن طَعامِ أهْلِ التَلَذُّدِ والتَتَرُّفِ، وكانُوا مِن أهْلِ الزِراعاتِ، فَأرادُوا ما ألِفُوا مِنَ البُقُولِ والحُبُوبِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ﴿فادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾ سَلْهُ، وقُلْ لَهُ: أخْرِجْ لَنا ﴿يُخْرِجْ لَنا﴾ يُظْهِرْ لَنا، ويُوجِدْ ﴿مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِن بَقْلِها﴾ هو ما أنْبَتَتْهُ الأرْضُ مِنَ الخُضَرِ، والمُرادُ بِهِ: أطايِبُ البُقُولِ: كالنَعْناعِ، والكَرَفْسِ، والكُرّاثِ، ونَحْوِهِما مِمّا يَأْكُلُ الناسُ، ﴿وَقِثّائِها﴾ يَعْنِي: الخِيارُ ﴿وَفُومِها﴾ هو الحِنْطَةُ، أوِ الثُومُ، لِقِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وثُومِها، ﴿وَعَدَسِها وبَصَلِها قالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى﴾ أقْرَبُ مَنزِلَةً، وأدْوَنُ مِقْدارًا، والدُنُوُّ والقُرْبُ يُعَبَّرُ بِهِما عَنْ قِلَّةِ المِقْدارِ، ﴿بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ أرْفَعُ، وأجَلُّ ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ مِنَ الأمْصارِ، أيِ: انْحَدِرُوا إلَيْهِ مِنَ التِيهِ، وبِلادُ التِيهِ: ما بَيْنَ بَيْتِ المَقْدِسِ إلى قِنَّسْرِينَ، وهي اثْنا عَشَرَ فَرْسَخًا في ثَمانِيَةِ فَراسِخَ، أوْ مِصْرُ فِرْعَوْنَ، وإنَّما صَرَفَهُ مَعَ وُجُودِ السَبَبَيْنِ، وهُما: التَأْنِيثُ والتَعْرِيفُ، لِإرادَةِ البَلَدِ، أوْ لِسُكُونِ وسَطِهِ كَنُوحٍ ولُوطٍ، وفِيهِما العُجْمَةُ والتَعْرِيفُ ﴿فَإنَّ لَكُمْ﴾ فِيها ﴿ما سَألْتُمْ﴾ أيْ: فَإنَّ الَّذِي سَألْتُمْ يَكُونُ في الأمْصارِ، لا في التِيهِ ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِلَّةُ والمَسْكَنَةُ﴾ أيِ: الهَوانُ والفَقْرُ، يَعْنِي: جُعِلَتِ الذِلَّةُ مُحِيطَةً بِهِمْ، (p-٩٤)مُشْتَمِلَةً عَلَيْهِمْ، فَهم فِيها كَما يَكُونُ في القُبَّةِ مَن ضُرِبَتْ عَلَيْهِ، أوْ أُلْصِقَتْ بِهِمْ حَتّى لَزِمَتْهم ضَرْبَةَ لازِبٍ، كَما يُضْرَبُ الطِينُ عَلى الحائِطِ فَيَلْزَمُهُ، فاليَهُودُ صاغِرُونَ، أذِلّاءُ، أهْلُ مَسْكَنَةٍ وفَقْرٍ، إمّا عَلى الحَقِيقَةِ، وإمّا لِتَصاغُرِهِمْ وتَفاقُرِهِمْ خِيفَةَ أنْ تُضاعَفَ عَلَيْهِمُ الجِزْيَةُ، (عَلَيْهُمُ الذِلَّةُ) حَمْزَةُ وعَلِيٌّ، وكَذا كُلُّ ما كانَ قَبْلَ الهاءِ ياءٌ ساكِنَةٌ، وبِكَسْرِ الهاءِ والمِيمِ، أبُو عَمْرٍو. وبِكَسْرِ الهاءِ، وضَمِّ المِيمِ، غَيْرُهُمْ، ﴿وَباءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾ مِن قَوْلِكَ: باءُ فُلانٍ بِفُلانٍ إذا كانَ حَقِيقِيًّا بِأنْ يُقْتَلَ بِهِ لِمُساواتِهِ لَهُ، أيْ: صارُوا أحِقّاءَ بِغَضَبِهِ، وعَنِ الكِسائِيِّ رَجَعُوا ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن ضَرْبِ الذِلَّةِ، والمَسْكَنَةِ، والخَلّاقَةِ بِالغَضَبِ ﴿بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ويَقْتُلُونَ النَبِيِّينَ﴾ بِالهَمْزَةِ، نافِعٌ، وكَذا بابُهُ، أيْ: ذَلِكَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ، وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ، وقَدْ قَتَلَتِ اليَهُودُ شِعْياءَ، وزَكَرِيّا، ويَحْيى صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ. والنَبِيُّ مِنَ النَبَإ، لِأنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ اللهِ تَعالى، فَعِيلَ بِمَعْنى مُفْعِلٍ، أوْ بِمَعْنى مُفْعَلٍ، أوْ مِن نَبا، أيِ: ارْتَفَعَ، والنُبُوَّةُ: المَكانُ المُرْتَفِعُ، ﴿بِغَيْرِ الحَقِّ﴾ عِنْدَهم أيْضًا، فَإنَّهم لَوْ أنْصَفُوا لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ القَتْلَ عِنْدَهُمْ، وهو في مَحَلِّ النَصْبِ عَلى الحالِ مِنَ الضَمِيرِ في يَقْتُلُونَ، أيْ: يَقْتُلُونَهم مُبْطِلِينَ ﴿ذَلِكَ﴾ تَكْرارٌ لِلْإشارَةِ ﴿بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ بِسَبَبِ ارْتِكابِهِمْ أنْواعَ المَعاصِي، واعْتِدائِهِمْ حُدُودَ اللهِ في كُلِّ شَيْءٍ، مَعَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ، وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ. وقِيلَ: هو اعْتِداؤُهم في السَبْتِ، ويَجُوزُ أنْ يُشارَ بِذَلِكَ إلى الكُفْرِ، وقَتْلِ الأنْبِياءِ، عَلى أنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ عِصْيانِهِمْ، واعْتِدائِهِمْ، لِأنَّهُمُ انْهَمَكُوا فِيهِما، وغَلَوْا حَتّى قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، فَجَسُرُوا عَلى جُحُودِ الآياتِ وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ، أوْ ذَلِكَ الكُفْرُ والقَتْلُ مَعَ ما عَصَوْا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب