الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: [[في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناؤه"، والسياق يقتضي ما أثبت.]] "يا أيها الذين آمنوا"، صدّقوا الله ورسوله ="لا تقربوا الصلاة"، لا تصلوا ="وأنتم سكارى"، وهو جمع"سكران" ="حتى تعلموا ما تقولون"، في صلاتكم فتميّزون فيها ما أمركم الله به أو ندبكم إلى قيله فيها، [[في المطبوعة: "وتقرأون فيها مما أمركم الله ... " وهو سياق مضطرب جدا، وفي المخطوطة: "وتقرون فيها مما أمركم الله" غير منقوط، وهو مضطرب أيضًا، ورجحت أن صواب قراءتها ما أثبت.]] مما نهاكم عنه وزَجَركم.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في"السكر" الذي عناه الله بقوله:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
فقال بعضهم: عنى بذلك السّكر من الشراب.
* ذكر من قال ذلك
٩٥٢٤ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن علي: أنه كان هو وعبد الرحمن ورجل آخر شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن فقرأ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ فخلط فيها، فنزلت:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".
٩٥٢٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب: أن عبد الرحمن بن عوف صنعَ طعامًا وشرابًا، فدعا نفرًا من أصحاب النبي ﷺ، فأكلوا وشربوا حتى ثَمِلوا، فقدّموا عليًّا يصلي بهم المغرب، فقرأ:"قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُون أَعْبُد مَا تَعْبُدُون، وَأَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَأَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ لَكُمْ دِيِنكُمْ وَلِيَ دِين"، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون".
٩٥٢٦ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قبل أن تحرّم الخمر، فقال الله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، الآية.
٩٥٢٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي رزين في قوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر. فقال: وكان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
٩٥٢٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي رزين قال: كانوا يشربون بعد ما أنزلت التي في"البقرة"، [[يعني آية سورة البقرة: ٢١٩: "يسألونك عن الخمر والميسر".]] وبعد التي في"النساء"، فلما أنزلت التي في"المائدة" تركوها. [[يعني آية سورة المائدة: ٩٠، ٩١: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه".]]
٩٥٢٩ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"، قال: نهوا أن يصلوا وهم سكارى، ثم نسخها تحريمُ الخمر.
٩٥٣٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٩٥٣١ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات، ثم نسخ بتحريم الخمر.
٩٥٣٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي وائل، وأبي رزين وإبراهيم في قوله:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" و ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [سورة البقرة: ٩٠] ، وقوله: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [سورة النحل: ٦٧] ، قالوا: كان هذا قبل أن ينزل تحريم الخمر.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى من النوم.
* ذكر من قال ذلك
٩٥٣٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: ليست لمن يقربها سكران من الشراب، إنما عُنِي بها سكر النوم. [[في المطبوعة: "قال: سكر النوم"، حذف ما بين ذلك، وكان في المخطوطة: "لمن يقربها سكرا إنما عنى بها سكر النوم" بياض بين الكلام، ووضع بهامش المخطوطة حرف"ط" بمعنى الخطأ. وقد اجتهدت قراءتها كما أثبتها.]]
٩٥٣٤ - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سلمة، عن الضحاك:"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، قال: لم يعن بها سكر الخمر، وإنما عنى بها سكر النوم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال: ذلك نهيٌ من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر، للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله ﷺ بأن ذلك كذلك، نهيٌ من الله = وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه.
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف يكون ذلك معناه، والسكران في حال زوال عقله، نظيرُ المجنون في حال زوال عقله، وأنت ممن يُحيل تكليف المجانين لفقدهم الفهم لما يُؤمر وينهى؟ [[في المطبوعة والمخطوطة: "بما يؤمر ... "، والصواب"لما" كما أثبته.]]
قيل له: إن السكران لو كان في معنى المجنون، لكان غير جائز أمرُه ونهيه. ولكن السكران هو الذي يفهم ما يأتي ويذَر، غير أن الشراب قد أثقل لسانه وأجزاء جسمه وأخدَرها، [[في المطبوعة: "وأحر جسمه وأخدره" غير ما في المخطوطة لأنه كتب"وأحرا حسمه وأخدرها"، فلم يحسن قراءة"وأجزاء"، فأفسد الكلام.]] حتى عجز عن إقامة قراءته في صلاته، وحدودها الواجبة عليه فيها، من غير زوال عقله، فهو بما أمر به ونهى عنه عارف فَهِمٌ، وعن أداء بعضه عاجز بخدَرِ جسمه من الشراب. وأما من صار إلى حدّ لا يعقل ما يأتي ويذر، فذلك منتقل من السكر إلى الخَبل ومعاني المجانين، [[في المطبوعة: "ومعدود في المجانين"، غير ما في المخطوطة، وكان فيها: "ومعاني المجانين"، فلم يحسن قراءتها، ففعل ما فعل كدأبه.]] وليس ذلك الذي خوطب بقوله:"لا تقربوا الصلاة"، لأن ذلك مجنون، وإنما خوطب به السكران، والسكرانُ ما وصفنا صفته.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم، معنى ذلك:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" ="ولا تقربوها جنبًا إلا عابري سبيل" = يعني: إلا أن تكون مجتازي طريق، أي: مسافرين ="حتى تغتسلوا". [[انظر تفسير: "الجنب" فيما سلف قريبًا ص: ٣٤٠.]]
* ذكر من قال ذلك:
٩٥٣٥ - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن عباس في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: المسافر = وقال ابن المثنى: في السفر.
٩٥٣٦ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، يقول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جُنب إذا وجدتم الماء، فإن لم تجدوا الماء فقد أحللتُ لكم أن تمسَّحوا بالأرض.
٩٥٣٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله = أو: عن زِرّ = عن علي رضي الله عنه:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: إلا أن تكونوا مسافرين فلم تجدوا الماء، [[في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تجدوا الماء"، والصواب ما أثبت.]] فتيمموا. [[الأثر: ٩٥٣٧ -"عباد بن عبد الله الأسدي". روى عن علي. وروى عنه المنهال بن عمرو. قال البخاري: "فيه نظر"، وذكره ابن حبان في الثقات، وتكلم فيه أحمد. مترجم في التهذيب. وانظر الأثر التالي رقم: ٩٥٤٠.]]
٩٥٣٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: المسافر.
٩٥٣٩ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن عباس بمثله.
٩٥٤٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله، عن علي رضي الله عنه قال: نزلت في السفر:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"،"وعابر السبيل"، المسافر، إذا لم يجد ماء تيمم.
٩٥٤١ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا هارون، عن ابن مجاهد، عن أبيه:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: المسافر، إذا لم يجد الماءَ فإنه يتيمم، فيدخلُه فيصلي. [[في المطبوعة: "فإنه يتيمم فيصلي" حذف"فيدخله"، كأنه لم يعرف ماذا عنى بها فحذفها، وهذا عمل سيئ قبيح. وقوله: "فيدخله" يعني: المسجد.]]
٩٥٤٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: هو الرجل يكون في السفر، فتصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.
٩٥٤٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: مسافرين، لا يجدون ماء فيتيممون صعيدًا طيبًا، لم يجدوا الماء فيغتسلوا. [[في المطبوعة: "حتى يجدوا الماء فيغتسلوا"، وفي المخطوطة: "لي يجدوا الماء فيغتسلوا"، وصواب قراءتها ما أثبت.]]
٩٥٤٤ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: مسافرين لا يجدون ماء.
٩٥٤٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مسعر، عن بكير بن الأخنس، عن الحسن بن مسلم في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: إلا أن يكونوا مسافرين، فلم يجدوا الماء فيتيمموا. [[في المطبوعة: "فلا يجدون الماء فيتمموا"، وأثبت ما في المخطوطة، إلا"فلم يجدوا"، فقد كانت فيها"فلا يجدوا".]]
٩٥٤٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن الحكم:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: المسافر تصيبه الجنابة، فلا يجد ماء فيتيمم.
٩٥٤٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير = وعن منصور، عن الحكم = في قوله:"إلا عابري سبيل"، قالا المسافر الجنبُ، لا يجد الماء فيتيمم فيصلي.
٩٥٤٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، إلا أن يكون مسافرًا.
٩٥٤٩ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن الحكم نحوه.
٩٥٥٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: كنا نسمع أنه في السفر.
٩٥٥١ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: هو المسافر الذي لا يجد الماء، فلا بد له من أن يتيمم ويصلي، فهو يتيمم ويصلي = قال: كان أبي يقولُ هذا.
* * *
وقال آخرون معنى ذلك، لا تقربوا المصَلَّى للصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون = ولا تقربوه جنبًا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل = يعني: إلا مجتازين فيه للخروج منه.
فقال أهل هذه المقالة: أقيمت"الصلاة" مقام"المصلَّى" و"المسجد"، إذ كانت صلاة المسلمين في مساجدهم أيّامئذ، لا يتخلَّفون عن التجميع فيها. [[في المطبوعة: "التجمع فيها"، و"التجميع" هو: شهود صلاة الجماعة، أو إقامة صلاة الجماعة.]] فكان في النهي عن أن يقربوا الصلاة، كفايةٌ عن ذكر المساجد والمصلَّى الذي يصلون فيه.
* ذكر من قال ذلك:
٩٥٥٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: هو الممرُّ في المسجد. [[الأثر: ٩٥٥٢ -"أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود"، أبوه: عبد الله بن مسعود الصحابي. مضت ترجمته في رقم: ٤٣، ٤٥٧٠، وغيرهما.]]
٩٥٥٣ - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم، عن ابن يسار، عن ابن عباس:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل":، قال: لا تقرب المسجد إلا أن يكون طريقك فيه، فتمرّ مارًّا ولا تجلس. [[في المطبوعة: "فتمر مرًا"، لم يحسن قراءة ما كان في المخطوطة، على سوء كتابتها.]]
٩٥٥٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد في الجنب: يمر في المسجد مجتازًا وهو قائم، لا يجلس وليس بمتوضئ. وتلا هذه الآية:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل".
٩٥٥٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرَّا في المسجد ما لم يجلسا فيه.
٩٥٥٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو الزبير قال: كان أحدنا يمر في المسجد وهو جُنب مجتازًا.
٩٥٥٧ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: الجنب يمر في المسجد ولا يقعُد فيه.
٩٥٥٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم = قالا جميعًا، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: إذا لم يجد طريقًا إلا المسجد، يمرّ فيه.
٩٥٥٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا"، قال: لا بأس أن يمرّ الجنب في المسجد، إذا لم يكن له طريق غيره.
٩٥٦٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم مثله.
٩٥٦١ - حدثني المثنى قال، حدثنا [الحماني] قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يجلس فيه. ثم قرأ:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل". [[الأثر: ٩٥٦١ - في المخطوطة: "حدثني المثنى قال حدثنا قال حدثنا شريك"، وهو إسناد ناقص، فجاء في المطبوعة فجعله"حدثني المثنى قال حدثنا شريك"، واستظهرت أن يكون كما أثبته بين القوسين، من الآثار التي تليه، ومن رواية المثنى بمثل هذا الإسناد فيما سلف.]]
٩٥٦٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة مثله.
٩٥٦٣ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة مثله.
٩٥٦٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى مثله.
٩٥٦٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن إسماعيل، عن الحسن قال: لا بأس للحائض والجنب أن يمرّا في المسجد، ولا يقعدَا فيه.
٩٥٦٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن سعيد، عن الزهري قال: رُخِّص للجنب أن يمرّ في المسجد.
٩٥٦٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن قول الله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، أنّ رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم، فيريدون الماء ولا يجدون ممرًّا إلا في المسجد، فأنزل الله تبارك وتعالى:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل".
٩٥٦٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن حماد، عن إبراهيم،"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، قال: لا يجتاز في المسجد، إلا أن لا يجدَ طريقًا غيره.
٩٥٦٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن ابن مجاهد، عن أبيه: لا يمر الجنب في المسجد، يتخذُه طريقًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالتأويل لذلك، تأويل من تأوَّله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل، إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بيَّن حكم المسافر إذا عَدِم الماء وهو جنب في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ ، فكان معلومًا بذلك أن قوله [[في المطبوعة والمخطوطة: "فكان معلوم بذلك"، والصواب ما أثبت.]] "ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا"، لو كان معنيًّا به المسافر، لم يكن لإعادة ذكره في قوله:"وإن كنتم مرضى أو على سفر" معنى مفهوم، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
* * *
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا، لا تقربوا المساجد للصلاة مصلِّين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتى تغتسلوا، إلا عابري سبيل.
* * *
و"العابر السبيل": المجتازُه مرًّا وقطعًا. يقال منه:"عبرتُ هذا الطريق فأنا أعبُرُهُ عَبْرا وعبورًا". ومنه قيل:"عبر فلان النهرَ"، إذا قطعه وجازه. ومنه قيل للناقة القوية على الأسفار:"هي عُبْر أسفار، وعَبْر أسفار"، [[في المطبوعة، حذف"وعبر أسفار" الثانية، كأنه ظنها تكرارًا. وإنما أراد واحدة بضم العين وسكون الباء، والأخرى بفتح العين وسكون الباء = وهناك ثالثة بكسر العين وسكون الباء.]] لقوتها على الأسفار.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"وإن كنتم مرضى"، من جرح أو جُدَرِيّ وأنتم جنب، كما:-
٩٥٧٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا أبو المنبِّه الفضل بن سليم، [[الأثر: ٩٥٧٠ -"أبو المنبه: الفضل بن سليم"، لم أجده، وإنما وجدت"الفضل بن سليم العبدي". روى عن القاسم بن خالد، روى عنه مسلم بن إبراهيم. مترجم في ابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ٦٣.]] عن الضحاك، عن ابن مسعود قوله:"وإن كنتم مرضى أو على سفر"، قال: المريض الذي قد أُرخص له في التيمم، هو الكسير والجريح. فإذا أصابت الجنابة الكسيرَ اغتسل، [[في المطبوعة، حذف قوله: "ولم يحل جبائره" كأنه لم يعرف لها معنى!! وهو أشهر من ذلك!]] والجريح لا يحل جراحته، إلا جراحة لا يخشى عليها. [[في المخطوطة: "والجرح لا يحل جراحته"، والصواب ما في المطبوعة.]]
٩٥٧١ - حدثنا تميم بن المنتصر قال، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، عن شريك، عن إسماعيل السدي، عن أبي مالك قال، في هذه الآية:"وإن كنتم مرضى أو على سفر"، قال: هي للمريض الذي به الجراحةُ التي يخاف منها أن يغتسل، فلا يغتسل. فرُخِّص له في التيمم.
٩٥٧٢ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن كنتم مرضى"، و"المرض" هو الجراح. والجراحة التي يتخوّف عليه من الماء، [[في المخطوطة: "التي يتخوف عليه منه الماء"، وفي المطبوعة: "التي يتخوف عليها من الماء"، والصواب بينهما ما أثبت.]] إن أصابه ضرَّ صاحبه، فذلك يتيمم صعيدًا طيبًا.
٩٥٧٣ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير في قوله:"وإن كنتم مرضى"، قال: إذا كان به جروح أو قُروح يتيمم. [[الأثر ٩٥٧٣ -"عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي"، مضى برقم: ٢٧٥٢، ٢٧٥٣. وقد كان في المطبوعة: "عروة"، والصواب من المخطوطة، وإن كانت غير منقوطة.]]
٩٥٧٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم:"وإن كنتم مرضى"، قال: من القروح تكون في الذراعين.
٩٥٧٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم:"وإن كنتم مرضى"، قال: القروح في الذراعين.
٩٥٧٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن جويبر، عن الضحاك قال: صاحب الجراحة التي يتخوّف عليه منها، يتيمم. ثم قرأ:"وإن كنتم مرضى أو على سفر".
٩٥٧٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن كنتم مرضى"، و"المرض"، أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدريّ، [[في المطبوعة: "أو القروح أو الجدري"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء.
٩٥٧٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، عن عاصم = يعني الأحول = عن الشعبي: أنه سئل عن [قوله] : المجدور تُصيبه الجنابة؟ قال: ذهب فرسان هذه الآية. [[هكذا في المخطوطة: "عن قوله: المجدور ... " فأثبتها بين القوسين، لأني في شك منها. وأما قوله: "ذهب فرسان هذه الآية"، فإنه مما أشكل على معناه، وربما رجحت أنه أراد أن الآية نزلت في أصحاب رسول الله ﷺ من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم، فيريدون الماء ولا يجدون ممرًا إلا في المسجد، كما مضى في الأثر رقم: ٩٥٦٧. فيكون قوله: "ذهب فرسان هذه الآية"، عن ذلك الشطر من الآية"ولا جنبًا إلا عابري سبيل"، وأنهم هم الأنصار من أصحاب رسول الله، الذين كانت أبوابهم في المسجد، وقد مضوا، لم يبق اليوم منهم أحد. هذا غاية اجتهادي، وفوق كل ذي علم عليم.]]
* * *
وقال آخرون في ذلك، ما:-
٩٥٧٩ - حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماءً فتيمموا"، قال: المريضُ الذي لا يجد أحدًا يأتيه بالماء، ولا يقدر عليه، وليس له خادم ولا عون، فإذا لم يستطع أن يتناول الماء، وليس عنده من يأتيه به، ولا يحبو إليه، تيمم وصلَّى إذا حلَّت الصلاة = قال: هذا كله قولُ أبي = إذا كان لا يستطيع أن يتناول الماء وليس عنده من يأتيه به، لا يترك الصلاة، وهو أعذَرُ من المسافر.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: وإن كنتم جَرْحى أو بكم قروحٌ، أو كسر، أو علّة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غيرُ مسافرين، فتيمموا صعيدًا طيبًا.
* * *
وأما قوله:"أو على سفر"، فإنه يعني: أو إن كنتم مسافرين وأنتم أصحّاء جنب، فتيمموا صعيدًا.
* * *
وكذلك تأويل قوله:"أو جاء أحد منكم من الغائط"، يقول: أو جاء أحدٌ منكم من الغائط، قد قضى حاجته وهو مسافر صحيح، فليتيمم صعيدًا أيضًا.
* * *
و"الغائط": ما اتسع من الأودية وتصوَّب. وجعل كناية عن قضاء حاجة الإنسان، لأن العرب كانت تختار قضاءَ حاجتها في الغِيطان، فكثر ذلك منها حتى غلب عليهم ذلك، فقيل لكل من قضى حاجته التي كانت تقضي في الغِيطان، حيثُ قضاها من الأرض:"مُتَغَوِّط" و"جاء فلان من الغائط"، يعني به: قضى حاجته التي كانت تقضى في الغائط من الأرض. [[انظر تفسير"الغائط" فيما سلف ٥: ٣٥٤.]] .
* * *
وذكر عن مجاهد أنه قال في"الغائط": الوادي.
٩٥٨٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أو جاء أحد منكم من الغائط"، قال: الغائط، الوادي.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أو باشرتم النساءَ بأيديكم.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في"اللمس" الذي عناه الله بقوله:"أو لامستم النساء".
فقال بعضهم: عنى بذلك الجماع.
* ذكر من قال ذلك:
٩٥٨١ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: ذكروا اللمس، فقال ناس من الموالي: ليس بالجماع. وقال ناس من العرب: اللمس الجماع. قال: فأتيت ابن عباس فقلت: إنّ ناسًا من الموالي والعرب اختلفوا في"اللمس"، فقالت الموالي: ليس بالجماع، وقالت العرب: الجماع. قال: من أيّ الفريقين كنت؟ قلت: كنت من الموالي. قال: غُلِب فريق الموالي، إن"المس" و"اللمس"، و"المباشرة"، الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء. [[الأثر: ٩٥٨١ - أخرجه البيهقي في السنن ١: ١٢٥، من طريق إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة.]]
٩٥٨٢ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي قيس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.
٩٥٨٣ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن جبير يحدِّث عن ابن عباس: أنه قال:"أو لامستم النساء"، قال: هو الجماع.
٩٥٨٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال: اختلفتُ أنا وعطاء وعبيد بن عمير في قوله:"أو لامستم النساء"، فقال عبيد بن عمير: هو الجماع. وقلت أنا وعطاء: هو اللمس. قال: فدخلنا على ابن عباس فسألناه فقال: غُلِب فريقُ الموالي، وأصابت العرب، هو الجماع، ولكن الله يعفُّ ويكني.
٩٥٨٥ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير: اختلفوا في الملامسة، فقال سعيد بن جبير وعطاء: الملامسة ما دون الجماع. وقال عبيد: هو النكاح. فخرج عليهم ابن عباس فسألوه، فقال: أخطأ الموليَان وأصَاب العربيّ، الملامسة النكاح، ولكن الله يكني ويعفّ.
٩٥٨٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن قتادة قال: اجتمع سعيد بن جبير وعطاء وعبيد بن عمير، فذكر نحوه.
٩٥٨٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن عثمة قال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال، قال سعيد بن جبير وعطاء في التماس: [[هكذا في المطبوعة والمخطوطة، ولعل صوابها: "اللماس" مصدر"لامس ملامسة ولماسًا"، كما سيأتي في الآثار التالية.]] الغمز باليد. وقال عبيد بن عمير: الجماع. فخرج عليهم ابن عباس فقال: أخطأ الموليان وأصابَ العربيُّ، ولكنه يعفّ ويكني. [[الأثر: ٩٥٨٧ - محمد بن عثمة، هو: "محمد بن خالد بن عثمة" مضى برقم: ٩٠، ٥٣١٤، ٥٤٨٣.]]
٩٥٨٨ - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا قال ابن عباس: اللمس، الجماع. [[الأثر: ٩٥٨٨ - أخشى أن يكون في هذا الإسناد خرم.]]
٩٥٨٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن علية وعبد الوهاب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله.
٩٥٩٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"اللمس" و"المس" و"المباشرة"، الجماع، ولكن الله يكني بما شاءَ.
٩٥٩١ - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس قال: الملامسة الجماع، ولكن الله كريم يكني عما شاء.
٩٥٩٢ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس مثله.
٩٥٩٣ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير قال: اختلفت العرب والموالي في"الملامسة" على باب ابن عباس، قالت العرب: الجماع. وقالت الموالي: باليد. قال: فخرج ابن عباس فقال: غُلِب فريق الموالي، الملامسة الجماع.
٩٥٩٤ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن رجل، عن سعيد بن جبير قال: كنا على باب ابن عباس، فذكر نحوه.
٩٥٩٥ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا داود، عن سعيد بن جبير قال: قعد قوم على باب ابن عباس، فذكر نحوه.
٩٥٩٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:"أو لامستم النساء"، الملامسة هو النكاح.
٩٥٩٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن سعيد بن جبير قال: اجتمعت الموالي والعرب في المسجد، وابن عباس في الصُّفَّة، فاجتمعت الموالي على أنّ"اللمس" دون الجماع، واجتمعت العرب على أنه الجماع. فقال ابن عباس: من أيّ الفريقين أنت؟ قلت: من الموالي. قال: غُلِبت.
٩٥٩٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: اللمس، الجماع.
٩٥٩٨م = وبه عن سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس مثله.
٩٥٩٩ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن الأعمش، عن حبيب، عن سعيد، عن ابن عباس قال: هو الجماع.
٩٦٠٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك، عن زهير، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله.
٩٦٠١ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن داود، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"أو لامستم النساء"، قال: الجماع.
٩٦٠٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أشعث، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه قال: الجماع.
٩٦٠٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن قال: الجماع.
٩٦٠٤ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك، عن خصيف قال: سألت مجاهدًا فقال ذلك.
٩٦٠٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة والحسن قالا غشيان النساء.
* * *
وقال آخرون: عنى الله بذلك كلَّ لمسٍ، بيدٍ كان أو بغيرها من أعضاء جسد الإنسان = وأوجبوا الوضوءَ على من مسَّ بشيء من جسده شيئًا من جسدها مفضيًا إليه.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٠٦ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، عن عبد الله أنه قال، شيئًا هذا معناه: الملامسة ما دون الجماع.
٩٦٠٧ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن هلال، عن أبي عبيدة، عن عبد الله = أو: عن أبي عبيدة، منصورٌ الذي شك = قال: القبلة، من المس.
٩٦٠٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن مخارق، عن طارق، عن عبد الله قال: اللمس، ما دون الجماع.
٩٦٠٩ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال، قال ابن مسعود: اللمس، ما دون الجماع.
٩٦١٠ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: القبلةُ، من اللمس.
٩٦١١ - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل = عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: القبلة، من اللمس، وفيها الوضوء.
٩٦١٢ - حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود مثله.
٩٦١٣ - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال: أخبرنا سليم بن أخضر قال، أخبرنا ابن عون، عن محمد قال: سألت عبيدة عن قوله:"أو لامستم النساء"، قال: فأشار بيده هكذا = وحكاه سليم = وأراناه أبو عبد الله، فضم أصابعه. [[الأثر: ٩٦١٣ -"سليم بن أخضر البصري". روى عن ابن عون، قال ابن سعد: "كان ألزمهم لابن عون. وكان ثقة". مترجم في التهذيب."وأبو عبد الله"، هو: "أحمد بن عبدة الضبي" مضى برقم: ٥٥٠٢.]]
٩٦١٤ - حدثني يعقوب وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن سلمة بن علقمة، عن محمد قال: سألت عبيدة عن قوله:"أو لامستم النساء"، قال بيده، فطَبِنْتُ ما عَنىَ، فلم أسأله. [[قوله: "قال بيده"، أي: أومأ بيده وأشار. وقوله: "فطبنت ما عنى"، أي: فطنت له وفهمته. يقال: "طبن الشيء يطبن طبنا = وطبن له" أي: فظن له. و"رجل طبن": فطن حاذق عالم بكل شيء. وفي المطبوعة: "فظننت ما عنى"، ليست بشيء. وهي في المخطوطة، سيئة النقط. والصواب ما أثبته، وسيأتي في الأثر رقم: ٩٦١٦: "حتى عرفت الذي أراد"، فهو المعرفة، لا الظن كما ترى، وكذلك الأثر رقم: ٩٦٢٦.]]
٩٦١٥ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال: ذكروا عند محمد مسَّ الفرج، وأظنهم ذكروا ما قال ابن عمر في ذلك، فقال محمد: قلت لعبيدة: قوله:"أو لامستم النساء"، فقال بيده. قال ابن عون بيده، كأنه يتناوَل شيئًا يقبض عليه. [["قال" في هذا الأثر، في الموضعين، بمعنى الإيماء والإشارة، كما أسلفت في التعليق السالف.]]
٩٦١٦ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا خالد، عن محمد قال، قال عبيدة: اللمس باليد.
٩٦١٦م - قال [يعقوب] ، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن محمد قال: سألت عبيدة عن هذه الآية:"أو لامستم النساء"، فقال بيده، وضم أصابعه، حتى عرفت الذي أراد.
٩٦١٧ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يتوضأ من قُبْلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللِّماس. [["اللماس" (بكسر اللام) مصدر"لامسه ملامسة ولماسًا".]]
٩٦١٨ - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر قال: الملامسة ما دون الجماع.
٩٦١٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا مُحِلّ بن محرز، عن إبراهيم قال: اللمس من شهوة ينقض الوضوء. [[الأثر: ٩٦١٩ -"محل بن محرز الضبي الكوفي الأعور". روى عن أبي وائل: وإبراهيم النخعي، والشعبي. أدخله البخاري في الضعفاء، فقال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي قال: يحول من هناك". قال يحيى القطان: "كان وسطا، ولم يكن بذاك". وهو ثقة. مترجم في التهذيب.
و"محل" بضم
الميم، وكسر الحاء، واللام مشددة.]] .
٩٦٢٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا شعبة، عن الحكم وحماد أنهما قالا اللمس، ما دون الجماع.
٩٦٢١ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عطاء قال: الملامسة، ما دون الجماع.
٩٦٢٢ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن أشعث، عن الشعبي، عن أصحاب عبد الله، عن عبد الله قال: الملامسة، ما دون الجماع.
٩٦٢٣ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن عامر، عن عبد الله قال: الملامسة، ما دون الجماع.
٩٦٢٤ - قال حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
٩٦٢٤م - حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله مثله.
٩٦٢٥ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال، قال عبد الله = الملامسة، ما دون الجماع. ثم قرأ:"أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء".
٩٦٢٦ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن:"أو لامستم النساء"، فقال بيده هكذا، فعرفت ما يعني.
٩٦٢٧ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه = وحسن بن صالح، عن منصور = عن هلال بن يساف، عن أبي عبيدة قال: القبلة من اللمس.
٩٦٢٨ - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن زهير، عن خصيف، عن أبي عبيدة: القبلة والشيء. [[قوله: "والشيء"، هكذا هي في المطبوعة، وفي المخطوطة"السي" غير منقوطة، وأخشى أن يكون صوابها"والمس".]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال:"عنى الله بقوله:"أو لامستم النساء"، الجماع دون غيره من معاني اللمس"، لصحة الخبر عن رسول الله ﷺ، أنه قبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ.
٩٦٢٩ - حدثني بذلك إسماعيل بن موسى السدي قال، أخبرنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة قالت: كان النبي ﷺ يتوضأ ثم يقبل، ثم يصلِّي ولا يتوضأ. [[الحديثان: ٩٦٣٩ - ٩٦٣٠ - عروة، في هذين الإسنادين: هو عروة بن الزبير، ابن أخت عائشة، على اليقين، خلافًا لمن زعم أنه"عروة المزني"، من اجل كلمة قالها الثوري: "ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني"! فإنه إن لم يحدثه عن عروة بن الزبير، فقد حدث غيره عنه.
والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٢١٠ (حلبي) ، عن وكيع - بالإسناد الثاني هنا - وفيه صراحة"عن عروة بن الزبير". وكذلك جاء التصريح بأنه"عروة بن الزبير"، في رواية ابن ماجه: ٥٠٢، من طريق وكيع. فارتفع كل شك وكل إشكال.
وكلمة الثوري رواها أبو داود في سننه، عقب الحديث: ١٨٠، بصيغة التمريض: "روى عن الثوري". ثم نقضها هو نفسه، فقال: "وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - حديثًا صحيحًا".
والحديث رواه أيضًا أبو داود: ١٧٩، والترمذي: ٨٦ (بشرحنا) - كلاهما من طريق وكيع، به. وفيهما"عن عروة" فقط، كما هنا.
وقد أطال العلماء الكلام في تعليل هذا الحديث، وخالفهم آخرون، فأثبتوا صحته"عن عروة بن الزبير". وهو الصواب. وفصلنا القول فيه في شرحنا للترمذي ١: ١٣٣-١٤٢. وأثبتنا صحته، وترجيح القول بأن"الملامسة" في هذه الآية هي الجماع، وأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء. ولم نر حاجة لتكرار ذلك والإطالة به هنا.
وانظر السنن الكبرى للبيهقي، ورد ابن التركماني عليه ١: ١٢٣-١٢٧، وابن كثير ٢: ٤٦٥-٤٦٦.]]
٩٦٣٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة: أن النبي ﷺ قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت. [[الحديثان: ٩٦٣٩ - ٩٦٣٠ - عروة، في هذين الإسنادين: هو عروة بن الزبير، ابن أخت عائشة، على اليقين، خلافًا لمن زعم أنه"عروة المزني"، من اجل كلمة قالها الثوري: "ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني"! فإنه إن لم يحدثه عن عروة بن الزبير، فقد حدث غيره عنه.
والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٢١٠ (حلبي) ، عن وكيع - بالإسناد الثاني هنا - وفيه صراحة"عن عروة بن الزبير". وكذلك جاء التصريح بأنه"عروة بن الزبير"، في رواية ابن ماجه: ٥٠٢، من طريق وكيع. فارتفع كل شك وكل إشكال.
وكلمة الثوري رواها أبو داود في سننه، عقب الحديث: ١٨٠، بصيغة التمريض: "روى عن الثوري". ثم نقضها هو نفسه، فقال: "وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - حديثًا صحيحًا".
والحديث رواه أيضًا أبو داود: ١٧٩، والترمذي: ٨٦ (بشرحنا) - كلاهما من طريق وكيع، به. وفيهما"عن عروة" فقط، كما هنا.
وقد أطال العلماء الكلام في تعليل هذا الحديث، وخالفهم آخرون، فأثبتوا صحته"عن عروة بن الزبير". وهو الصواب. وفصلنا القول فيه في شرحنا للترمذي ١: ١٣٣-١٤٢. وأثبتنا صحته، وترجيح القول بأن"الملامسة" في هذه الآية هي الجماع، وأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء. ولم نر حاجة لتكرار ذلك والإطالة به هنا.
وانظر السنن الكبرى للبيهقي، ورد ابن التركماني عليه ١: ١٢٣-١٢٧، وابن كثير ٢: ٤٦٥-٤٦٦.]]
٩٦٣١ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن النبي ﷺ: أنه كان يقبَّل ثم يصلي ولا يتوضأ. [[الحديث: ٩٦٣١ - حجاج: هو ابن أرطاة.
زينب السهمية: هي بنت محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص. فهي عمة عمرو بن شعيب. وذكرها ابن حبان في الثقات. وزعم الدارقطني أنها مجهولة!
والحديث في هذه الرواية مرسل، لأن زينب السهمية تابعية، لا صحابية.
وقد رواه أحمد في المسند موصولا ٦: ٦٢ (حلبي) ، عن محمد بن فضيل، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن عائشة. فارتفع الإرسال.
وكذلك رواه ابن ماجه: ٥٠٣، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن فضيل، به، موصولا.
وأعله بعض الحفاظ بأن الحجاج بن أرطاة مدلس، وأنه رواه هنا بقوله: "عن عمرو بن شعيب"، لم يصرح بالتحديث.]]
٩٦٣٢ - حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال، حدثنا شهاب بن عباد قال، حدثنا مندل، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة = وعن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة = قالت: كان رسول الله ﷺ ينال مني القبلةَ بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء [[الحديث: ٩٦٣٢ - هذا الحديث يرويه الطبري هنا من وجهين:
فيرويه عن عمر بن شبة، عن شهاب بن عباد، عن مندل. ثم يرويه مندل عن ليث، عن عطاء، عن عائشة - ويرويه مندل أيضًا عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة.
عمر بن شبة أبو زيد: مضت ترجمته في: ٦٣١٠. شهاب بن عباد العبدي الكوفي أبو عمر: ثقة من شيوخ البخاري ومسلم. قال ابن عدي: "كان من خيار الناس". مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٢ / ٢ / ٢٣٦، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٣٦٣. ووقع اسمه محرفًا في المخطوطة والمطبوعة"سهاد بن عباد"! ولا يوجد راو بهذا الاسم. ووقع أيضًا محرفًا تحريفًا آخر في ابن كثير ٢: ٤٦٦"هشام بن عباد"! نقلا عن هذا الموضع من الطبري. وثبت على الصواب في المخطوطة الأزهرية من تفسير ابن كثير (٢: ٣٠١ نسخة مصورة عندي) .
مندل - بفتح الميم والدال بينهما نون ساكنة -: هو ابن علي العنزي، بفتح النون، الكوفي. وهو مختلف فيه بين التوثيق والتضعيف. والراجح - عندي - أنه حسن الحديث. وهو مترجم في التهذيب، والكبير ٤ / ٢ / ٧٣، وابن سعد ٦: ٢٦٥، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٣٤-٤٣٥.
ليث: هو ابن أبي سليم.
عطاء: هو ابن أبي رباح.
وأبو روق: هو عطية بن الحارث الهمداني. مضى توثيقه في: ١٣٧.
والحديث من الوجه الأول: رواية"عطاء عن عائشة" - رواه أيضًا البزار في مسنده، من طريق محمد بن موسى بن أعين، عن أبيه، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة، به. نقله ابن التركماني في الجوهر النقي ١: ١٢٥ (مع السنن الكبرى) ، والزيلعي في نصب الراية ١: ٧٤ (طبعة مصر) . وهذا إسناد صحيح، ولا علة له.
وقد رواه الدارقطني، ص: ٥٠، من طريق عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن عائشة. وهذا إسناد صحيح أيضًا. ولكن الدارقطني حاول إعلاله بعلة غير قادحة. فذكر أن الثوري رواه عن عبد الكريم، عن عطاء، فقط، من قوله = يعني: من كلام عطاء. وقال: "وهو الصواب"! وهذه علة متهافتة. فالوصل والرفع زيادتان من ثقة، فهما مقبولتان.
تنبيه: وقع في الجوهر النقي في هذا الحديث"عن عبد الكريم، عن عائشة"، دون ذكر"عن عطاء". وهو خطأ مطبعي لا شك فيه. بدلالة نقل الزيلعي، وبأن باقي الكلام في الجوهر النقي يدل على أنه"عن عطاء عن عائشة" - يقينا.
والحديث من الوجه الثاني: رواية إبراهيم التيمي، عن عائشة - رواه أحمد في المسند ٦: ٢١٠ (حلبي) ، عن وكيع، عن سفيان - وهو الثوري - عن أبي روق، به.
وكذلك رواه أبو داود: ١٧٨، والنسائي ١: ٣٩، والدارقطني، ص ٥٠، ٥١، والبيهقي ١: ١٢٦-١٢٧، كلهم من طريق الثوري، عن أبي روق، به. وقال أبو داود: "هو مرسل. إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئًا". وقال النسائي: "ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا". وأشار إليه الترمذي ١: ١٣٨ (بشرحنا) ، وقال: "وهذا لا يصح أيضًا. ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعًا عن عائشة".
وهذا الحديث قد روي موصولا أيضًا، من رواية إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة. وقد بينت ذلك مفصلا في شرح الترمذي.
ثم للحديث إسناد آخر صحيح عن عائشة:
فرواه الدارقطني، ص: ٤٩، من طريق سعيد بن بشير، عن منصور، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة. ونقله عنه الزيلعي وابن التركماني.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١: ٢٤٧، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط. وفيه سعيد بن بشير: وثقه شعبة وغيره، وضعفه يحيى وجماعة". و"سعيد بن بشير" رجحنا توثيقه في: ٥٤٣٩.]]
٩٦٣٣ - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثني يزيد بن سنان، عن عبد الرحمن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم سلمة: أنّ رسول الله ﷺ كان يقبِّلها وهو صائم، ثم لا يفطر، ولا يحدث وضوءًا. [[الحديث: ٩٦٣٣ - هذا الحديث ليس في شيء من الكتب الستة. ولم أجده في مسند أحمد أيضًا.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٦٦، عن الطبري، ولم ينسبه لغيره.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١: ٢٤٧، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط. وفيه يزيد بن سنان الرهاوي: ضعفه أحمد ويحيى وابن المديني، ووثقه البخاري وأبو حاتم، وثبته مروان بن معاوية. وبقية رجاله موثقون". ويزيد هنا، مختلف فيه كما قال الهيثمي. والراجح عندنا توثيقه. وهو مترجم في التهذيب، وترجمه البخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٣٣٧، فلم يذكر فيه جرحًا، ولم يذكره في الضعفاء، وترجمه ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٢٦٦.]]
= ففي صحة الخبر فيما ذكرنا عن رسول الله ﷺ، الدلالةُ الواضحة على أنّ"اللمس" في هذا الموضع، لمس الجماع، لا جميع معاني اللمس، كما قال الشاعر:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا ... إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا [[مضى تخريجه في ٤: ١٢٦، تعليق: ١.]]
يعني بذلك: ننك لماسًا. [[قوله: "لماسًا" أي، ملامسة. وكأنه جعل"اللميس" مصدرًا من"اللمس"، مثل"المسيس" مصدرًا من"المس". وهو قول غريب لم أجده عند غيره. بل أكثرهم يقول: "لميس: اسم امرأة"، ومعنى"امرأة لميس": هي المرأة اللينة الملمس.]]
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله ﷺ أصابتهم جنابة، وفيهم جراح. [[في المخطوطة والمطبوعة: "وهم جراح"، و"جريح" جمعه"جرحى"، لا يجمع على"جراح"، ولم أجد من نص عليه، أو على شذوذ على القياس. ورجحت أن الناسخ كتب"وهم" مكان"وفيهم" فأثبتها كذلك.]]
٩٦٣٤ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، في المريض لا يستطيع الغُسل من الجنابة، أو الحائض، قال: يجزيهم التيمم. وقال: أصاب أصحاب رسول الله ﷺ جراحة ففشت فيهم، [[في المطبوعة"ونال أصحاب رسول الله ... " مكان: "وقال: أصاب أصحاب رسول الله"، كأنه أخطأ قراءة المخطوطة.]] ثم ابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إلى النبي ﷺ، فنزلت:"وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط"، الآية كلها.
* * *
وقال آخرون: نزلت في قوم من أصحاب النبي ﷺ أعوَزَهم الماء فلم يجدوه في سفر لهم.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٣٥ - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة أنها قالت: كنت في مَسِير مع رسول الله ﷺ، حتى إذا كنا بذات الجيش ضلَّ عِقدي، [["ضل الشيء": إذا ضاع.]] فأخبرت بذلك النبي ﷺ فأمر بالتماسه، فالتُمِس فلم يوجد، فأناخ النبي ﷺ وأناخ الناس، فباتوا ليلتهم تلك، فقال الناس: حبست عائشة النبي ﷺ! قالت: فجاء إليّ أبو بكر ورأس النبي ﷺ في حجري وهو نائم، فجعلَ يَهمِزُني ويَقْرصني ويقول [[همز صاحبه: غمزه بيده ولمزه ونخسه.]] من أجل عقدك حبست النبيَّ ﷺ! قالت: فلا أتحرك مخافة أن يستيقظ النبي ﷺ، وقد أوجعني، فلا أدري كيف أصنع! فلما رآني لا أُحير إليه، انطلق. [[يقال: "أحار عليه جوابه، وأحار له جوابًا، فهو يحير"، إذا رد عليه. ويقال: "ما أحار بكلمة"، و"ما أحار إلى جوابًا". أي ما رد جوابًا. وقولها: "لا أحير إليه"، أي: ما أجيبه ولا أكمله.
وكان في المطبوعة: " لا أجير" بالجيم، وهو خطأ. والصواب ما أثبت من المخطوطة.]] فلما استيقظ النبي ﷺ وأراد الصلاة فلم يجد ماء، قالت: فأنزل الله تعالى آية التيمم. قالت: فقال ابن حضير: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر! [[الحديث: ٩٦٣٥ - عبيد الله بن عمر: هو العمري، أحد الفقهاء السبعة.
وهذا الحديث ظاهره الإرسال. لأنه - هنا - من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة. وعبد الرحمن لم يدرك أن يسمع من عمة أبيه عائشة.
وسيأتي بنحوه: ٩٦٤١، من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - متصلا. ونخرجه هناك، إن شاء الله.]]
٩٦٣٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة: أن النبي ﷺ كان في سفر، ففقدت عائشة قلادة لها، فأمر الناس بالنزول، فنزلوا وليس معهم ماء. فأتى أبو بكر على عائشة فقال لها: شَقَقت على الناس! = وقال أيوب بيده، يصف أنه قرصها [[قوله: "قال بيده" أي أومأ وأشار، كما سلف مرارًا.]] = قال: وَنزلت آية التيمم، ووُجدت القلادة في مُناخ البعير، فقال الناس: ما رأينا قط امرأة أعظم بركة منها! [[الحديث: ٩٦٣٦ - وهذا أيضًا مرسل، لأن ابن أبي مليكة حكى القصة دون أن يذكر من حدثه. وهو تابعي.
وسيأتي نحو معناه: ٩٦٣٩، من رواية ابن أبي مليكة، عن ذكوان حاجب عائشة.
وسيأتي أيضًا: ٩٦٤٢، من رواية ابن أبي مليكة، عن قصة ابن عباس وعائشة، دون واسطة ذكوان.]]
٩٦٣٧ - حدثني محمد بن عبد الله الهلالي قال، حدثني عمران بن محمد الحداد قال، حدثني الربيع بن بدر قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن رجل منا، من بَلَعْرَج، [["بلعرج" يعني: بني الأعرج، كما يقولون في"بني العنبر""بلعنبر"، وكان حقه أن يكون"بلأعرج"، (بفتح الباء وسكون اللام وفتح الهمزة) ، ولكنه عاد فسهل الهمزة، وألقى حركتها على اللام، فصارت مفتوحة الباء واللام ساكنة العين. و"بنو الأعرج" هم: بنو الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. واسم"الأعرج": الحارث، قطعت رجله، كما ذكر أبو عبيدة في النقائض: ١٠٢٥.]] يقال له الأسلع قال: كنت أخدم النبي ﷺ وأرحَلُ له، فقال لي ذات ليلة: يا أسلع، قم فارحلْ لي. قلت: يا رسول الله، أصابتني جنابة! فسكت ساعة، ثم دعاني وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد، ووصف لنا ضربتين. [[الحديث: ٩٦٣٧ - محمد بن عبد الله الهلالي - شيخ الطبري - مضى في: ١٢٧٥، ٦١٨٠.
عمران بن محمد الحداد: لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا في شيء من المراجع.
الربيع بن بدر بن عمرو بن جراد السعدي الأعرجي، ولقبه"عليلة": ضعيف مجمع على ضعفه.
أبوه"بدر"، وجده"عمرو بن جراد": فيهما جهالة. فلم يرو عنهما غير الربيع بن بدر، وهو ضعيف كما قلنا.
والحديث رواه الطبري عقب هذا، من طريق عمرو بن خالد، عن الربيع، به، نحوه.
ورواه ابن سعد في الطبقات ٧ / ١ / ٤٥، في ترجمة"الأسلع"، عن مسلم بن إبراهيم، عن الربيع بن بدر. ووقع عنوان الترجمة فيه هكذا"ميمون بن سنباذ الأسلع". وهو تخليط من الطابع. فإن"ميمون بن سنباذ" غير"الأسلع" وإنما هي عنوان مستقل، دون ترجمة، كما يقع في ابن سعد كثيرًا، ثم"الأسلع" عنوان ترجمة أخرى.
ورواه الدارقطني، ص: ٦٦، والطحاوي في معاني الآثار ١: ٦٧-٦٨، والبيهقي في السنن الكبرى ١: ٢٠٨- كلهم من طريق الربيع بن بدر. وقال البيهقي: "الربيع بن بدر ضعيف، إلا أنه غير منفرد به".
ونقله الزيلعي في نصب الراية ١: ١٥٣، ونقل كلام البيهقي، وتعقبه بأن هذا لا يكفي في الاحتجاج به حتى يعلم الوجه الآخر ودرجته. وكذلك تعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي.
والوجه الآخر الذي أشار إليه البيهقي - نقله ابن كثير ٢: ٤٧٢-٤٧٣، من رواية ابن مردويه، من طريق العباس بن أبي سرية، "حدثني الهيثم بن رزيق المالكي، من بني مالك بن كعب بن سعد، وعاش مائة وسبعة عشر سنة، عن أبيه، عن الأسلع بن شريك ... " - فذكر الحديث، بنحوه.
و"العباس بن أبي سرية": لم أعرف من هو؟ ولم أجد له ترجمة.
و"الهيثم بن رزيق": ترجمه ابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٨٣-٨٤، ولم يذكر فيه جرحًا، وأشار إلى هذه الرواية. وله ترجمة موجزة في لسان الميزان ٦: ٢٠٦، ولم يذكر أنه يروي عن أبيه. و"رزيق": بتقديم الراء، كما في المشتبه، ص: ٢٢١، والمخطوطة الأزهرية من ابن كثير ٢: ٣٠٧. ووقع مغلوطًا في المراجع التي نشير إليها.
وأبوه"رزيق": ترجمه ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٥٠٤ (في باب الراء) .
وقد رواه أيضًا الطبراني في الكبير، من هذا الوجه. ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ١: ٢٦١-٢٦٢، وقال: "وفيه الهيثم بن رزيق. قال بعضهم: لا يتابع على حديثه".
وذكر الهيثمي أيضًا رواية الربيع بن بدر، بلفظين ١: ٢٦٢، ونسبهما للطبراني في الكبير، وأعلمهما بضعف الربيع.
وذكر الحافظ ابن حجر هذه الروايات في الإصابة ١: ٣٤-٣٥، في ترجمة"الأسلع". وفيها فوائد كثيرة.]]
٩٦٣٨ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا عمرو بن خالد قال، حدثني الربيع بن بدر قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن رجل منا يقال له الأسلع، قال: كنت أخدم النبي ﷺ = فذكر مثله إلا أنه قال: فسكت رسول الله ﷺ شيئًا [[قوله: "شيئًا"، أي قليلا، وقد فسر في هذا الخبر، "ساعة" وقد أسلفت شرح ذلك بشواهده، وأنه من نوادر اللغة التي أغفلتها المعاجم في ٦: ٤٤٨، تعليق: ٢.]] = أو قال: ساعةً، الشك من عمرو = قال: وأتاه جبريل عليه السلام بآية الصعيد، فقال رسول الله ﷺ: قم يا أسلع فتيمم. قال: فتيممت ثم رحَلت له. قال: فسرنا حتى مررنا بماء، فقال: يا أسلع، مَسَّ = أو: أمِسّ = بهذا جلدك. قال: وأراني التيمم، كما أراه أبوه: ضربة للوجه، وضربة لليدين والمرفقين. [[في المطبوعة: "إلى المرفقين"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
٩٦٣٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن بُغيل قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم قال، حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: أنه حدثه ذكوان أبو عمرو، حاجبُ عائشة: أن ابن عباس دخل عليها في مرضها فقال: أبشري، كنت أحبَّ نساء رسول الله ﷺ إلى رسول الله ﷺ، ولم يكن رَسول الله ﷺ يحبُّ إلا طيبًا، وسقطت قلادتك ليلة الأبْوَاء، فأصبح رسول الله ﷺ يلتقطها حتى أصبح في المنزل، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله:"تيمموا صعيدًا طيبًا"، فكان ذلك من سببك، وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة. [[الحديث: ٩٦٣٩ - حفص ين بغيل الهمداني المرهبي الكوفي: مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ١٧٠، ولم يذكر فيه جرحًا، فهو ثقة. و"بغيل": بضم الباء الموحدة وفتح الغين المعجمة. ووقع في المطبوعة"نفيل". وهو تصحيف. وفي المخطوطة غير منقوط.
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: هو التابعي المعروف. وقد مضت ترجمته في: ٦٦٠٥، ووقع في المطبوعة"عبد الله بن عبيد الله عن ابن أبي مليكة"! جعل راويين. وهو خطأ صرف، فليس في شيوخ عبد الله بن عثمان بن خثيم، ولا في تلاميذ ابن أبي مليكة - من يسمى"عبد الله بن عبيد"، بالاستقصاء التام الذي في تهذيب الكمال (مخطوط مصور) . وابن خثيم يروي عن ابن أبي مليكة مباشرة.
ثم هذا الحديث - بعينه - معروف من روايته عنه، كما سيأتي.
ذكوان أبو عمرو المدني، حاجب عائشة ومولاها: تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٢ / ١ / ٢٣٨، وابن سعد ٥: ٢١٨، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٤٥١.
والحديث قطعة من حديث طويل، رواه أحمد في المسند: ٢٤٩٦، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن ابن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان.
ثم رواه أيضًا: ٣٢٦٢، بمعناه، عن عبد الرازق، عن معمر، عن ابن خثيم.
وسيأتي مختصرًا، بنحوه، من طريق ابن عيينة: ٩٦٤٢.
وكان استئذان ابن عباس على عائشة، حين كانت تموت. ولذلك قال لها ابن عباس حينذاك: "أبشري، ما بينك وبين أن تلقي محمدًا ﷺ والأحبة، إلا أن تخرج الروح من الجسد". رضي الله عنها وأرضاها.
وقوله: "وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة" - هذا هو الصواب الثابت في المطبوعة، وهو الموافق لرواية المسند ٢٤٩٦. ويؤيده ما في الرواية الأخرى منه: ٣٢٦٢: "فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك". ووقع في المخطوطة هنا"لهذه الآية". وهو خطأ لا معنى له.]]
٩٦٤٠ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، [[قوله: "هلكت"، أي انقطعت وضاعت وضلت.]] فبعث رسول الله ﷺ رجالا في طلبها، فوجدوها. وأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا بغير وضوء. فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله آية التيمم. فقال أسيد بن حضير لعائشة: جزاك الله خيرًا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرًا! [[الحديث: ٩٦٤٠ - رواه أحمد في المسند ٦: ٥٧ (حلبي) ، عن ابن نمير بهذا الإسناد.
وكذلك رواه البخاري ١: ٣٧٣ (فتح) ، من طريق ابن نمير.
ورواه مسلم ١: ١٠٩-١١٠، وأبو داود: ٣١٧، وابن ماجه: ٥٦٨، والبيهقي في السنن الكبرى ١: ٢١٤- من طرق، عن هشام بن عروة، نحوه.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٧١، عن رواية المسند.
وانظر الحديث التالي لهذا.]]
٩٦٤١ - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثني عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث: أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي ﷺ: أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبَيداء، ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله ﷺ ونزل. فبينا رسول الله ﷺ في حِجْري راقد، أقبل أبي فلكزني لَكْزة ثم قال: حبست الناس! ثم إن رسول الله ﷺ استيقظ وحَضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت:"يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة" الآية. قال أسيد بن حضيرك لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة! [[الحديث: ٩٦٤١ - مضى معناه بإسناد منقطع: ٩٦٣٥، من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة. وأما هذا فمتصل، يرويه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
وقد رواه مالك في الموطأ، ص: ٥٣ - ٥٤، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
وكذلك رواه أحمد في المسند ٦: ١٧٩ (حلبي) ، والبخاري ١: ٣٦٥-٣٦٨ (فتح) . ومسلم ١: ١٠٩، والنسائي ١: ٥٩ - كلهم من طريق مالك.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٧١-٤٧٢، عن رواية البخاري.]]
٩٦٤٢ - حدثني الحسن بن شبيب قال، حدثنا ابن عيينة قال، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الله بن أبي مليكة قال: دخل ابن عباس على عائشة فقال: كنتِ أعظم المسلمين بركة على المسلمين! سقطت قلادتك بالأبواء، فأنزل الله فيك آية التيمم! [[الحديث: ٩٦٤٢ - الحسن بن شبيب بن راشد بن مطر، أبو علي المؤدب، شيخ الطبري: ترجمه ابن أبي حاتم ترجمة موجزة ١ / ٢ / ١٨، وترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ٧: ٣٢٨، والحافظ في لسان الميزان ٢: ٢١٣-٢١٤. وقال ابن عدي: "حدث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة". وقال الدارقطني: "يعتبر به، وليس بالقوي".
وهذا الحديث عن هذا الشيخ فيه غلط يقينًا ولعله من تخليطه!! فإنه يرويه عن ابن عيينة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم - مباشرة، بالتصريح بالسماع. وهذا - في ذاته - ممكن، لأن ابن عيينة سمع من ابن خثيم. ولكن هذا الحديث بعينه ليس كذلك:
فقد رواه أحمد في المسند: ١٩٠٥، بأطول مما هنا - عن سفيان، وهو ابن عيينة: "عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم". فأثبت الواسطة بين ابن عيينة وابن خثيم. ولا نستسيغ أن نوازن بين الإمام أحمد وهذا الشيخ"الحسن بن شبيب".
وقد رواه - بنحوه - البخاري ٨: ٣٧١-٣٧٢، وابن سعد في الطبقات ٨: ٥١، كلاهما من طريق عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة.
وفي هذه الروايات الثلاث، كما في رواية الطبري هنا: أنه من حكاية ابن أبي مليكة للقصة، دون أن يذكر أنه أخبره بها"ذكوان حاجب عائشة"، كما مضى في الرواية: ٩٦٣٩.
والراجح عندي أن تكون هذه الروايات مرسلة، وأن ابن أبي مليكة لم يشهد احتضار عائشة ودخول ابن عباس عليها، وأنه سمع ذلك من مولاها ذكوان. ولكن حاول الحافظ في الفتح التكلف في احتمال أن يكون شهد ذلك. وهو تكلف بعيد.]]
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله:"أو لامستم النساء".
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض البصريين والكوفيين: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ﴾ بمعنى: أو لمستم نساءكم ولَمَسْنَكم.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: ﴿أو لمستم النساء﴾ بمعنى: أو لمستم، أنتم أيها الرجال، نساءكم. وهما قراءتان متقاربتا المعنى. لأنه لا يكون الرجل لامسًا امرأته إلا وهي لامِستُه. فـ "اللمس" في ذلك يدل على معنى"اللِّماس"، و"اللماس" على معنى"اللمس" من كل واحد منهما صاحبه. فبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب، لاتفاق معنييهما.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"فلم تجدوا ماء"،"أو لمستم النساء، فطلبتم الماء لتتطَّهروا به فلم تجدوه بثمن ولا غير ثمن ="فتيمموا" يقول: فتعمَّدوا.
* * *
= وهو:"تفعَّلوا" من قول القائل:"تيممت كذا" = إذا قصدته وتعمدته ="فأنا أتيمّمه"، وقد يقال منه:"يَمَّمه فلان فهو يُيممه"، و"أمّمته أنا" و"أمَمْته" خفيفة، و"تيممت وتأمَّمت"، ولم يسمع فيها"يَمَمْت" خفيفة. [[بل روى ذلك اللحياني فقال: "أمو، ويموا".]] ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
تَيَمَّمْتَ قَيْسًا وَكَمْ دُونَهُ ... مِنَ الأرْضِ مِنْ مَهْمَةٍ ذِي شَزَنْ [[سلف البيت وشرحه وتخريجه في ٥: ٥٥٨.]]
يعني بقوله:"تيمَّمت"، تعمدت وقصدت. [[انظر تفسير: "تيمم" فيما سلف ٥: ٥٥٨، ٥٥٩.]]
* * *
وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله:"فَأُمُّوا صَعِيدًا".
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٣ - حدثني عبد الله بن محمد قال، حدثنا عبدان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول في قوله:"فتيمموا صعيدًا طيبًا"، قال: تحرَّوا وتعمَّدوا صعيدًا طيبًا. [[الأثر: ٩٦٤٣ -"عبد الله بن محمد" هو: "عبد الله بن محمد بن يزيد، أبو محمد الحنفي" و"عبدان"، هو: "عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد الأزدي".
مضت ترجمتهما برقم: ٥٠٠٠، ومضى هذا الإسناد نفسه برقم: ٥٠٠٩، ٦١٩٨، ٦٢٠٠، وانظر الإسناد التالي: ٩٦٤٨، ٩٦٧٦.]]
* * *
وأما"الصعيد"، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه.
فقال بعضهم: هو الأرض الملساء التي لا نَبات فيها ولا غِرَاس.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٤ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"صعيدًا طيبًا"، قال: التي ليس فيها شجر ولا نبات.
* * *
وقال آخرون: بل هو الأرض المستوية.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٥ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"الصعيد"، المستوي.
* * *
وقال آخرون: بل"الصعيد"، التراب.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال: الصعيد، التراب. [[الأثر: ٩٦٤٦ -"الحكم بن بشير بن سلمان"، مضت ترجمته برقم: ١٤٩٧، ٦١٧١. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "الحكم بن بشر"، وهو خطأ.
"عمرو بن قيس الملائي" مضت ترجمته: ٨٨٦، ٦١٧١.]]
* * *
وقال آخرون:"الصعيد"، وجه الأرض.
* * *
وقال آخرون: بل هو وجه الأرض ذاتِ التراب والغُبَار.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب قول من قال:"هو وجه الأرض الخالية من النبات والغُروس والبناء، المستوية"، ومنه قول ذي الرمة:
كَأنَّهُ بِالضُّحَى تَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ ... دَبَّابَةٌ في عِظَامِ الرَّأسِ خُرْطُومُ [[ديوانه: ٥٧١، من قصيدته المحكمة المشهورة. والبيت من أبياته في ذكر ظبية أودعت ولدها الصغير بين أشجار، فإذا ارتفعت شمس الضحى نال منه التعب، فانطرح على الأرض، كأنه سكران أثقله النعاس. وقوله: "دبابة": تدب في أوصال شاربها، يعني الخمر. وكان في المطبوعة: "وما به"، وهو خطأ. و"خرطوم"، صفة للخمر السريعة الإسكار، تأخذ شاربها حتى يشمخ بخرطومه - أي: أنفه - من شدة السكر وغلبته.]]
يعني: تضرب به وجه الأرض.
* * *
وأما قوله:"طيبًا"، فإنه يعني به: طاهرًا من الأقذار والنجاسات. [[انظر تفسير"طيب" فيما سلف ٣: ٣٠١ / ٥: ٥٥٥ / ٧: ٤٢٤.]]
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى قوله:"طيبًا".
فقال بعضهم: حلالا.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٧ - حدثني عبد الله بن محمد قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول في قوله:"صعيدًا طيبًا" قال، قال بعضهم: حلالا.
* * *
وقال بعضهم بما:-
٩٦٤٨ - حدثني عبد الله قال، حدثنا عبدان قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءة، قال: قلت لعطاء:"فتيمموا صعيدًا طيبًا"، قال: طيّب ما حولك. [[في المطبوعة: "الطيب ما حولك"، وكان مثلها في المخطوطة، إلا أنه ضرب على الألف واللام.]] قلت: مكان جَرْدٌ غير بَطِح، [[قوله: "جرد" (بفتح فسكون) : وهي الأرض الفضاء لا نبت فيها، وكأنه عنى أنها كانت ذات نبات ثم جردها الشتاء والقحط. وقوله: "بطح" على وزن"فرح" وهو الرمل في البطحاء، وهو"الأبطح"، أيضًا، وهو أرض ترابها سهل لين فيه دقاق الحصى. وكان في المطبوعة: "غير أبطح"، ولكني أثبت ما في المخطوطة.]] أيجزئ عني؟ قال: نعم. [[الأثر: ٩٦٤٨ - انظر التعليق على الإسناد السالف رقم: ٩٦٤٣.]]
* * *
ومعنى الكلام: فإن لم تجدوا ماء، أيها الناس، وكنتم مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لمستم النساء، فأردتم أن تصلّوا ="فتيمموا"، يقول: فتعمدوا وجه الأرض الطاهرة ="فامسحوا بوجوهكم وأيديكم".
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فامسحوا منه بوجوهكم وأيديكم، ولكنه ترك ذكر"منه"، اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
* * *
و"المسح منه بالوجه"، أن يضرب المتيمم بيديه على وجه الأرض الطاهر، أو ما قام مقامه، فيمسَح بما علق من الغُبار وجهه. فإن كان الذي علق به من الغُبار كثيرًا فنفخ عن يديه أو نفضه، فهو جائز. وإن لم يعلَق بيديه من الغبار شيء وقد ضرب بيديه أو إحداهما الصعيد، ثم مسح بهما أو بها وجهه، أجزأه ذلك، لإجماع جميع الحجَّة على أن المتيمم لو ضرب بيديه الصعيد = وهو أرض رمل = فلم يعلق بيديه منها شيء فتيمم به، أن ذلك مجزئَه، لم يخالف ذلك من يجوز أن يُعْتَدّ خلافًا. [[في المطبوعة: "أن يعتد بخلافه"، غير ما في المخطوطة، وهو معرق في الصواب. وقوله: "يعتد خلافًا" أي: يحسب خلافا. وأقام"خلافًا" المصدر، صفة مثل"عدل"، ومعناه: الذي يعد خلافه خلافًا.]] فلما كان ذلك إجماعًا منهم، كان معلومًا أن الذي يراد به من ضَرْب الصعيد باليدين، مباشرةُ الصعيد بهما، بالمعنى الذي أمرً الله بمباشرته بهما، لا لأخْذِ ترابٍ منه.
* * *
وأما"المسح باليدين"، فإن أهل التأويل اختلفوا في الحدِّ الذي أمر الله بمسحه من اليدين.
فقال بعضهم: حدّ ذلك الكفّان إلى الزَّندين، وليس على المتيمم مسح ما وراء ذلك من الساعدين.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٤٩ - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال، حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن أبي مالك قال: تيمّم عمّارٌ فضرب بيديه إلى التراب ضربةً واحدة، ثم مسح بيديه واحدة على الأخرى، ثم مسح وجهه، ثم ضرب بيديه أخرى، فجعل يلوي يَدَه على الأخرى، ولم يمسح الذراع. [[الأثر: ٩٦٤٩ - رواه بغير هذا اللفظ، البيهقي في السنن الكبرى ١: ٢١٠، وانظر الأثر الآتي رقم: ٩٦٥١.]]
٩٦٥٠ - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن ابن أبي خالد قال: رأيت الشعبي وصفَ لنا التيمم: فضرب بيديه إلى الأرض ضربة، ثم نفضهما ومسح وجهه، ثم ضرب أخرى، فجعل يلوي كفَّيه إحداهما على الأخرى. ولم يذكر أنه مسح الذراع.
٩٦٥١ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن أبي مالك قال: وضع عمار بن ياسر كفيه في التراب، ثم رفعهما فنفخهما، فمسح وجهه وكفيه، ثم قال: هكذا التيمم.
٩٦٥٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا سلام مولى حفص قال، سمعت عكرمة يقول: التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين.
٩٦٥٣ - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن سعيد وابن جابر: أن مكحولا كان يقول: التيمم ضربة للوجه والكفين إلى الكوع = ويتأوّل مكحول القرآن في ذلك: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [سورة المائدة: ٦] ، وقوله في التيمم:"فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"، ولم يستثن فيه كما استثنى في الوضوء"إلى المرافق" = قال مكحول: قال الله ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [سورة المائدة: ٣٨] ، فإنما تقطع يد السارق من مَفصِل الكوع.
٩٦٥٤ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا بشر بن بكر التنيسي، عن ابن جابر: أنه رأى مكحولا يتيمم، يضرب بيديه على الصعيد، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بواحدةٍ.
٩٦٥٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: التيمم ضربة للوجه والكفين.
* * *
وعلة من قال هذه المقالة من الأثر، ما:
٩٦٥٦ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة ومحمد بن بشر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار بن ياسر: أنه سأل رسول الله ﷺ عن التيمم، فقال: مرة للكفين والوجه [[في المطبوعة: "على الوجه"، والصواب ما في المخطوطة.]] = وفي حديث ابن بشر: أن عمارًا سأل النبيّ ﷺ عن التيمم. [[الحديث: ٩٦٥٦ - سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، مولى خزاعة: تابعي ثقة. أخرج له الجماعة.
أبوه: عبد الرحمن بن أبزى، له صحبة، أدرك النبي ﷺ معه.
والحديث رواه أحمد في المسند ٤: ٢٦٣ (حلبي) ، عن عفان، عن أبان، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد، نحوه.
فزاد في الإسناد"عن عزرة" بين قتادة وسعيد.
وعزرة: هو ابن عبد الرحمن بن زراة الخزاعي. مضت ترجمته في: ٢٧٥٢، ٢٧٥٣.
وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى، ص: ٦٧، من طريق عفان، عن أبان.
وكذلك رواه أبو داود: ٣٢٧، والترمذي: ١٤٤ بشرحنا - كلاهما من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، به.
وقال الترمذي: "حديث عمار حديث حسن صحيح. وقد روى عن عمار من غير وجه".
وكذلك رواه البيهقي ١: ٢١٠، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة.
ثم قال البيهقي: "وكذلك رواه جماعة عن ابن أبي عروبة. ورواه عيسى بن يونس، عن ابن أبي عروبة - دون ذكر عزرة في إسناده. وكذلك رواه أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، واختلف عليه في ذكر عزرة في إسناده.
ورواه الدارمي ١: ١٩٠، عن عفان - وهو الشيخ الذي رواه عنه أحمد بن حنبل، عن أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن سعيد بن عبد الرحمن - بدون ذكر عزرة في الإسناد.
أفيكون هذا من الاختلاف على"أبان" الذي أشار إليه البيهقي؟ قد يكون. ولكني أراه بعيدًا، لأن هذا إنما هو في النسخة المطبوعة من الدارمي، وهي مملوءة بالغلط والتحريف، لا يعتمد عليها. وقد ثبت ذكر"عن عزرة" في مخطوطة عتيقة صحيحة بدار الكتب، من كتاب الدارمي. فهي العمدة في ذلك - إلى أن شيخ الدارمي هو شيخ أحمد. وقد رواه عنه بزيادة"عن عزرة"، كما ذكرنا آنفًا.
وأيا ما كان فالإسناد صحيح، لأن قتادة يروي أيضًا عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى مباشرة. ولكن الذين زادوا"عزرة" في الإسناد أكثر وأحفظ ممن لم يذكره. وإن صح الإسنادان، فلعله يكون من المزيد في متصل الأسانيد.
ولكن متن الحديث هنا محرف"مرة بالكفين على الوجه"! وهذا لا معنى له. وصوابه في المخطوطة: "مرة للوجه والكفين". وهو الموافق لمعنى الحديث في الروايات الأخر. ولفظ المسند: "ضربة للوجه والكفين" أيضًا.
والحديث ذكره ابن كثير ٢: ٤٦٩، عن رواية المسند. ووقع فيه (مخطوطًا ومطبوعًا) "عروة" بدل"عزرة". وهو تحريف من الناسخين.]]
٩٦٥٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد بن سعيد القرشي، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبزى، قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد الماء! فقال عمر: لا تصل. فقال له عمار: أما تذكر أنّا في مسيرٍ على عهد رسول الله ﷺ، فأجنبت أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعَّكت في التراب وصلَّيت، [["تمعك في التراب": تمرغ فيه.]] فأتيت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له، فقال:"إنما كان يكفيك"، وضرَب كفّيه الأرض، ونفخ فيهما، ومسح وجهه وكفيه مرة واحدة؟ [[الحديث: ٩٦٥٧ - عبيد بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص، القرشي الأموي: ثقة، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما. وهو أخو"يحيى بن سعيد الحافظ".
الحكم: هو ابن عتيبة الكندي.
ابن أبزى: هو سعيد بن عبد الرحمن، المترجم في الحديث الذي قبل هذا.
والحديث على ظاهر الإسناد الذي هنا - يكون منقطعًا، فإنه يكون من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى للحادثة في عهد عمر، وهو لم يدرك ذلك يقينًا، لأنه من صغار التابعين. وهو إنما يروي هذا عن أبيه.
فلا أدري أوقعت هذه الرواية للطبري هكذا، أم هو تخليط من الناسخين.
وأما الحديث في ذاته فهو صحيح من هذا الوجه:
فقد رواه أحمد في المسند ٤: ٢٦٥ (حلبي) ، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن ذر -وهو ابن عبد الله المرهبي الهمداني - عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: "أن رجلا أتى عمر ... "، إلخ.
وكذلك رواه الطيالسي، عن شعبة، بنحوه: ٦٣٨.
وكذلك رواه البخاري ١: ٣٧٥-٣٧٧، بأسانيد من طريق شعبة.
وكذلك رواه مسلم ١: ١١٠، وأبو داود: ٣٢٤-٣٢٦، والنسائي ١: ٥٩-٦٠، و٦٠-٦١، وابن ماجه: ٥٦٩، والبيهقي في السنن الكبرى ١: ٢٠٩-٢١٠، بأسانيد - كلهم من طريق شعبة، به نحوه.
ففي كل هذه الأسانيد أنه من رواية سعيد عن أبيه. أما زيادة"ذر بن عبد الله المرهبي" في الإسناد بين الحكم وسعيد. فإنه ثبت عند الشيخين - البخاري ومسلم - تصريح الحكم بأنه سمعه من"ابن عبد الرحمن بن أبي أبزى عن أبيه، مثل حديث ذر". فقد سمعه عن سعيد بالواسطة، ثم سمعه منه مباشرة.
وسيأتي حديثان آخران لعمار في شأن التيمم: ٩٦٧٠، ٩٦٧٢.]] وقالوا: أمر الله في التيمم بمسح الوجه واليدين، فما مسح من وجهه ويديه في التيمم أجزأه، إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من أصل أو قياس.
* * *
وقال آخرون: حدُّ المسح الذي أمر الله به في التيمم، أن يمسح جميع الوجه واليدين إلى المرفقين.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٥٨ - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوراث بن سعيد قال، حدثنا أيوب عن نافع: أن ابن عمر تيمم بمربد النعم، [["المربد" (بكسر فسكون) : المكان تحبس فيه الإبل والغنم. و"مربد النعم" بالمدينة.]] فضرب ضربة فمسح وجهه، وضرب ضربة فمسح يديه إلى المرفقين.
٩٦٥٩ - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله أنه قال: التيمم مسحتان، يضرب الرجل بيديه الأرض يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما مرة أخرى فيمسح يديه إلى المرفقين. [[في المخطوطة: "ثم يمسح بهما مرة أخرى"، والصواب ما في المطبوعة.]]
٩٦٦٠ - حدثني ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن عبيد الله قال، أخبرني نافع، عن ابن عمر في التيمم قال: ضربة للوجه، وضربة للكفين إلى المرفقين.
٩٦٦١ - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان يقول في المسح في التيمم: إلى المرفقين. [[الآثار: ٩٦٥٨ -٩٦٦١ - انظر ما أخرجه البيهقي في سننه ١: ٢٠٧ من أثر ابن عمر.]]
٩٦٦٢ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا ابن عون قال: سألت الحسن عن التيمم، فضرب بيديه على الأرض فمسح بهما وجهه، وضرب بيديه فمسح بهما ذراعيه ظاهرَهما وباطنهما.
٩٦٦٣ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أنه قال في هذه الآية: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [سورة المائدة: ٦] ، وقال في هذه الآية ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [[هذه الآية من سورة المائدة، وفيها"منه"، أما آية سورة النساء التي نحن فيها، فليس فيها"منه"، ولكن ثبت في المخطوطة"منه"، فرددتها إلى آية المائدة.]] [سورة المائدة: ٦] ، قال: أمر أن يمسح في التيمم، ما أمر أن يغسل في الوضوء، وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء: الرأس والرجلان.
٩٦٦٤ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية = وحدثنا ابن المثنى قال، حدثني محمد بن أبي عدي = جميعًا، عن داود، عن الشعبي في التيمم قال: ضربة للوجه، ولليدين إلى المرفقين. [[في المطبوعة: "وضربة لليدين"، زاد"ضربة"، وأثبت ما في المخطوطة.]]
٩٦٦٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: أمر بالتيمم، فيما أمر بالغسل.
٩٦٦٦ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال: سألت سالم بن عبد الله عن التيمم، فضرب بيديه على الأرض ضربة فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه على الأرض ضربة أخرى، فمسح بهما يديه إلى المرفقين.
٩٦٦٧ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، وأخبرنا حبيب بن الشهيد، عن الحسن: أنه سئل عن التيمم فقال: ضربة يمسح بها وجهه، ثم ضربة أخرى يمسح بها يديه إلى المرفقين.
* * *
وعلة من قال هذه المقالة: أن التيمم بدلٌ من الوضوء، وعلى المتيمم أن يبلغ بالتراب من وجهه ويديه ما كان عليه أن يبلغه بالماء منهما في الوضوء. [[في المطبوعة: "على المتيمم" بإسقاط الواو، وأثبتها من المخطوطة.]] واعتلوا من الأثر بما:-
٩٦٦٨ - حدثني به موسى بن سهلٍ الرملي قال، حدثنا نعيم بن حماد قال، حدثنا خارجة بن مصعب، عن عبد الله بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي جهيم قال: رأيت رسول الله ﷺ يبول، فسلَّمت عليه، فلم يرد عليَّ. فلما فرغ قام إلى حائط فضرب بيديه عليه، فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه إلى الحائط فمسح بهما يديه إلى المرفقين، ثم ردَّ عليَّ السلام. [[الحديث: ٩٦٦٨ - نعيم بن حماد بن معاوية، الخزاعي الفارضي: ثقة من شيوخ البخاري، تكلم فيه بعضهم بما لا يقدح. مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ٢ / ١٠٠، وابن سعد ٧ / ٢ / ٢٠٥-٢٠٦، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٤٦٣-٤٦٤، وتاريخ بغداد ١٣: ٣٠٦-٣١٤.
خارجة بن مصعب بن خارجة الخراساني: مختلف فيه جدًا. والأكثر على تضعيفه. ولكن أعدل كلمة فيه كلمة الحاكم في المستدرك ١: ٤٩٩، قال: "خارجة لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين، وإذا روى عن الثقات الأثبات فروايته مقبولة".
عبد الله بن عطاء: إن لم يكن الطائفي المكي فلا أدري من هو؟ وأخشى أن يكون من المجهولين الذين يروي عنهم نعيم بن حماد.
الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز، التابعي الثقة المشهور. وما رأيت له رواية عن أبي جهيم، وما إخاله أدركه. وهو يروي هذا الحديث عن"عمير مولى ابن عباس" عن أبي جهيم، كما سيأتي.
فلا أدري أسقط هذا من نسخ الطبري، أم هو هكذا في هذه الرواية؟ فيكون من غلط نعيم بن حماد، أو من غلط شيخه عبد الله بن عطاء!
وقد نقله ابن كثير ٢: ٤٦٨-٤٦٩، كما ثبت هنا. فإن كان خطأ في النسخ، كان خطأ قديمًا.
أبو جهيم - بالتصغير - بن الحارث بن الصمة الأنصاري: صحابي معروف.
والحديث في أصله ثابت صحيح، بغير إسناد الطبري هذا الذي لا يكاد يقوم!
فرواه البخاري ١: ٣٧٤-٣٧٥ (فتح) : "حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث [هو ابن سعد] ، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، سمعت عميرًا مولى ابن عباس، قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ﷺ، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: أقبل النبي ﷺ من نحو بئر جمل، فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي ﷺ حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام".
فهذه هي الرواية الصحيحة. أما ما هنا من زيادة"إلى المرفقين" - فهي زيادة ضعيفة الإسناد كما ترى. وقد أشار الحافظ إلى روايتين أخريين فيهما: "فمسح بوجهه وذراعيه"، وضعفهما بضعف رواتهما، وقال"والثابت في حديث أبي جهيم بلفظ: يديه، لا ذراعيه".
وانظر السنن الكبرى للبيهقي ١: ٢٠٥.
ورواه أيضًا أبو داود: ٣٢٩، والنسائي ١: ٥٩ -كلاهما من طريق الليث بن سعد، به.
وذكره مسلم في صحيحه ١: ١١٠-١١١ تعليقًا، قال: "وروى الليث بن سعد"- إلخ. ويظهر أنه لم يكن متوثقا منه. فوقع فيه وهم في موضعين: "عبد الرحمن بن يسار"، بدل"عبد الله بن يسار". و"أبو جهم" بالتكبير، بدل"أبو جهيم". وقد نص الحافظ في الفتح على وهمه في الموضعين.
ورواه أيضًا أحمد في المسند: ١٧٦١٤ (ج٤ ص١٦٩ حلبي) ، عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة: "حدثنا عن الرحمن الأعرج"، فذكر الحديث، كرواية البخاري.
ووقع للحافظ ابن حجر وهم شديد في هذه الرواية، في الإصابة ٧: ٣٥، في ترجمة أبي جهيم، فقال: "ورواه ابن لهيعة، عن عبد الله بن يسار، عن أبي جهيم! أخرجه أحمد"! ورواية أحمد ليست كما قال. بل هي كروايات البخاري وأبي داود والنسائي، اللاتي ذكرهن من قبل.]] وقال آخرون: الحدّ الذي أمر الله أن يبلغ بالتراب إليه في التيمم: الآباط.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٦٩ - حدثني أحمد بن عبد الرحمن البرقي قال، حدثني عمرو بن أبي سلمة التنيسي، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: التيمم إلى الآباط.
وعلة من قال ذلك: أن الله أمر بمسح اليد في التيمم، كما أمر بمسح الوجه. وقد أجمعوا أن عليه أن يمسح جميع الوجه، فكذلك عليه جميع اليد، ومن طرف الكفّ إلى الإبط"يدٌ". واعتلوا من الخبر بما:-
٩٦٧٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا صيفي بن ربعي، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي اليقظان قال: كنا مع رسول الله ﷺ، فهلك عقد لعائشة، [["هلك العقد" انقطع فضاع.]] فأقام رسول الله ﷺ حتى أضاء الصبح، فتغيَّظ أبو بكر على عائشة، فنزلت عليه الرخصة، المسح بالصعيد. فدخل أبو بكر فقال لها: إنك لمباركة! نزل فيك رخصة! فضربنا بأيدينا: ضربة لوجوهنا، [[في المطبوعة: "لوجهنا" بالإفراد، والصواب من المخطوطة.]] وضربة بأيدينا إلى المناكب والآباط. [[الحديث: ٩٦٧٠ - صيفي بن ربعي الأنصاري: ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب. وترجمه ابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٤٨، وروى عن أبيه، قال: "صالح الحديث، ما أرى بحديثه بأسًا". ووقعت ترجمته في مطبوعة ابن أبي حاتم في ترجمتين برقمين، اتباعًا لإحدى نسخه المخطوطة. ووهم مصححه الفاضل في ترجيحها على المخطوطة الأخرى التي جعلت فيه ترجمة واحدة.
أبو اليقظان: هو عمار بن ياسر. وهذه كنيته.
والحديث رواه الطيالسي في مسنده: ٦٣٧، عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد، مطولا.
وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ١: ٢٠٨، من طريق الطيالسي.
ورواه أحمد في المسند ٤: ٣٢٠ (حلبي) ، عن حجاج، عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد.
ورواه ابن ماجه: ٥٦٥، من طريق الليث بن سعد، عن الزهري، بهذا الإسناد.
والحديث من هذا الوجه بهذا الإسناد - منقطع، لأن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود لم يدرك عمار بن يسار، وروايته عنه مرسلة.
وقد ثبت أن عبيد الله سمعه من أبيه من عمار، وسمعه من ابن عباس عن عمار. فاتصل إسناده من هذين الوجهين:
قال البيهقي - بعد روايته -: "وكذلك رواه معمر بن راشد، ويونس بن يزيد الأيلي، والليث بن سعد، وابن أخي الزهري، وجعفر بن برقان - عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عمار".
ثم رواه - بنحوه - من طريق مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة"أنه أخبره عن أبيه، عن عمار بن ياسر".
وقال أبو داود - بعد الحديث: ٣٢٠، الذي سنذكره بعد - قال: "وقال مالك: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار. وكذلك قال أبو أويس، عن الزهري".
ورواه ابن ماجه: ٥٦٦، من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو، وهو ابن دينار، عن الزهري: "عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار بن ياسر" - مختصرًا.
وأما من رواية عبيد الله عن ابن عباس: فرواه أحمد في المسند ٤: ٢٦٣-٢٦٤، من طريق صالح - وهو ابن كيسان - عن الزهري: "حدثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار بن ياسر" - فذكره مطولا.
وكذلك رواه البيهقي ١: ٢٠٨-٢٠٩، من طريق أحمد في المسند.
وذكره ابن كثير ٢: ٤٧٢، من رواية المسند.
وكذلك رواه أبو داود: ٣٢٠، والنسائي ١: ٦٠ -كلاهما من طريق صالح، عن الزهري، به - بذكر ابن عباس في الإسناد.
وقال الطيالسي - بعد الحديث: ٦٣٧، الذي ذكرناه آنفًا -: "روى هذا الحديث محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار".
وكذلك نص أبو داود في السنن، والبيهقي - بعد روايتهما الحديث من طريق صالح - على أن ابن إسحاق رواه عن الزهري، وذكر فيه"عن ابن عباس".
وأياما كان: فالحديث صحيح. ولسنا نرى هذا اضطرابًا، بل هي طرق متعددة ثابتة، لا تكون واحدة منها علة لغيرها.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن الحدّ الذي لا يجزئ المتيمم أن يقصِّر عنه في مسحه بالتراب من يديه: الكفان إلى الزّندين، لإجماع الجميع على أن التقصير عن ذلك غير جائز. ثم هو فيما جاوز ذلك مخيّر، إن شاء بلغ بمسحه المرفقين، وإن شاء الآباط. والعلة التي من أجلها جعلناه مخيرًا فيما جاوز الكفين: أن الله لم يحدَّ في مسح ذلك بالتراب في التيمم حدًّا لا يجوز التقصير عنه. فما مسح المتيمم من يديه أجزأه، إلا ما أُجمع عليه، أو قامت الحجة بأنه لا يجزئه التقصير عنه. وقد أجمع الجميعُ على أن التقصير عن الكفين غير مجزئ، فخرج ذلك بالسنة، [[في المطبوعة: "فخرج ذلك بالسنة"، وأثبت ما في المخطوطة.]] وما عدا ذلك فمختلف فيه. وإذا كان مختلفًا فيه، وكان الماسح بكفيه داخلا في عموم الآية = كان خارجًا مما لزمه من فرض ذلك.
* * *
واختلف أهل التأويل في الجنب، هل هو ممن دخل في رخصة التيمم إذا لم يجد الماء أم لا؟
فقال جماعة من أهل التأويل من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين: حكم الجنب فيما لزمه من التيمم إذا لم يجد الماء، حكم من جاء من الغائط وسائر من أحدَث ممن جُعل التيمم له طهورًا لصلاته. وقد ذكرت قول بعض من تأوّل قول الله:"أو لامستم النساء"، أو جامعتموهن، وتركنا ذكر الباقين لكثرة من قال ذلك.
* * *
واعتلَّ قائلو هذه المقالة، بأن للجنب التيمم إذا لم يجد الماء في سفره، بإجماع الحجة على ذلك نقلا عن نبيها ﷺ، الذي يقطع العذر ويزيل الشك.
* * *
وقال جماعة من المتقدمين: لا يجزئ الجنب غيرُ الاغتسال بالماء، وليس له أن يصلي بالتيمم، والتيمم لا يطهره. قالوا: وإنما جعل التيمم رخصة لغير الجنب. وتأولوا قول الله:"ولا جنبًا إلا عابري سبيل". قالوا: وقد نهى الله الجنب أن يقرب مصَلَّى المسلمين إلا مجتازًا فيه حتى يغتسل، ولم يرخِّص له بالتيمم.
قالوا: وتأويل قوله:"أو لامستم النساء" أو لامستموهن باليد، دون الفرج، ودون الجماع.
قالوا: فلم نجد الله رخص للجنب في التيمم، بل أمره بالغسل، وأن لا يقرب الصلاة إلا مغتسلا. قالوا: والتيمم لا يطهِّره لصلاته.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٧١ - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيت رجلا أجنبَ فلم يجد الماء شهرًا، أيتيمم؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في"سورة المائدة": ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [سورة المائدة: ٦] ؟ فقال عبد الله: إن رُخّص لهم في هذا، لأوشكوا إذا بَرَد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد! فقال له أبو موسى: إنما كرهتم هذا لهذا! قال: نعم! قال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر:"بعثني رسول الله ﷺ في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرَّغت في الصعيد كما تَمَرَّغ الدابة. قال: فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: إنما يكفيك أن تصنع هكذا = وضرب بكفيه ضربة واحدة، ومسح بهما وجهه، ومسح كفيه"؟ قال عبد الله: ألم تر عُمرَ لم يقنع لقول عمار؟ [[الحديث: ٩٦٧١ - أبو السائب: هو سلم بن جنادة، مضت ترجمته في: ٤٨ شقيق: هو ابن سلمة، أبو وائل الأسدي، التابعي الكبير المخضرم.
والحديث رواه أحمد في المسند ٤: ٢٦٤-٢٦٥ (حلبي) ، عن أبي معاوية، عن الأعمش بهذا الإسناد.
وكذلك رواه البخاري ١: ٣٨٦ (فتح) ، ومسلم ١: ١١٠، وأبو داود: ٣٢١: والنسائي ١: ٦١- كلهم من طريق أبي معاوية عن الأعمش.
ورواه أحمد أيضًا ٤: ٢٦٥، من طريق عبد الواحد، وهو ابن زياد العبدي، عن الأعمش، به، بنحوه.
ونقله ابن كثير ٢: ٢٦٩ عن هذه الرواية من المسند.
وكذلك رواه مسلم ١: ١١٠، من طريق عبد الواحد.
ورواه البيهقي ١: ٢١١، من طريق يعلى بن عبيد، عن الأعمش. ثم قال: "أخرجه البخاري ومسلم، من أوجه عن الأعمش. وأشار البخاري إلى رواية يعلى بن عبيد، وهو أثبتهم سياقة للحديث". وإشارة البخاري هي فيه ١: ٣٨٧، عقب رواية أبي معاوية.]]
٩٦٧٢ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: كنا عند عمر بن الخطاب رحمه الله، [[في المطبوعة: "رضي الله عنه"، وأثبت ما في المخطوطة.]] فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنا نمكث الشهر والشهرين لا نجد الماء! فقال عمر: أمّا أنا، فلو لم أجد الماء لم أكن لأصلِّي حتى أجد الماء. قال عمار بن ياسر: أتذكر يا أمير المؤمنين، حيث كنا بمكان كذا وكذا، ونحن نرعي الإبل، فتعلم أنّا أجنبنا =؟ قال: نعم! = فأما أنا فتمرغت في التراب، فأتينا النبي ﷺ قال: إن كان الصعيد لكَافيك! وضرب بكفَيه الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح وجهه وبعضَ ذراعيه؟ فقال: اتق الله يا عمار! فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت لم أذكره! فقال: لا ولكن نُوَلِّيك من ذلك ما تولَّيت. [[الحديث: ٩٦٧٢ - عبد الرحمن: هو ابن مهدي.
سفيان: هو الثوري.
سلمة: هو ابن كهيل. مضت ترجمته في ٤٣٩، ٢٤٣٥.
أبو مالك: هو غزوان الغفاري، وهو تابعي معروف، مضى مرارًا.
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى: ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ٩٤ وهو أخو"سعيد بن عبد الرحمن" المترجم في: ٩٦٥٦، ٩٦٥٧.
ووقع في الطبري هنا من الناسخين يقينًا، إذ سقط منه مخطوطًا ومطبوعًا [عن عبد الرحمن بن أبزى] . فصار ظاهر الإسناد أن عبد الله بن عبد الرحمن هو الذي كان عند عمر وحكى القصة! وما كان هذا قط، لأن عبد الله لم يدرك ذلك، وليست له رواية إلا عن أبيه. ولا يحتمل السياق هنا أن يكون هذا اختلاف رواية.
ثم مما يقطع بذلك أن النسائي روى هذا الحديث ١: ٦٠، عن محمد بن بشار - شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد نفسه، وفيه: [عن عبد الرحمن بن أبزى] ، التي زدناها هنا.
وكذلك رواه أحمد في المسند ٤: ٣١٩ (حلبي) ، عن عبد الرحمن بن مهدي - شيخ شيخ الطبري هنا، بهذا -الإسناد. وفيه هذه الزيادة. ولكن وقع في مطبوعة المسند خطأ مطبعي"عن أبي ثابت" بدل"عن أبي مالك"، وصححناه من مخطوطة المسند التي عندنا.
فالحديث يرويه سلمة بن كهيل، عن شيخين، هما: أبو مالك، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى - كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي أبزى.
وقد أشار البيهقي ١: ٢٠٩-٢١٠ إلى روايات لسلمة بن كهيل في هذا الحديث، زعمها اضطرابًا من سلمة، ولكن الظاهر أنها اختلاف روايات من الرواة عنه.
وقوله - في متن الحديث -"قال: نعم. فأما أنا فتمرغت ... " - هذا هو الثابت أيضًا في رواية النسائي. وفي طبعة مصر"أما أنا" بدون الفاء. وهو سياق صحيح، على تقدير حذف"قال" بعد قوله"نعم". لظهور أن قوله"فأما أنا" من كلام عمار بن ياسر، لا من كلام عمر. ومثل هذا كثير. ولفظ المسند في هذا الموضع: "قال: نعم، قال: فإني تمرغت في التراب".]]
٩٦٧٣ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت إبراهيم في دُكان مسلم الأعور، فقلت: أرأيت إن لم تجد الماء وأنت جنب؟ قال: لا أصلي. [[الأثر: ٩٦٧٣ -"مسلم الأعور"، هو"مسلم بن كيسان الضبي"، ضعيف يتكلمون فيه، ولكن ليس له مدخل في هذا الأثر. و"إبراهيم" هو النخعي.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: أن الجنب ممن أمره الله بالتيمم إذا لم يجد الماء، والصلاةِ [[قوله: "والصلاة" مجرورًا عطفًا على"أمره الله بالتيمم ... والصلاة".]] بقوله:"أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا". وقد بينا ثَمَّ أن معنى"الملامسة"، في هذا الموضع: الجماع، بنقل الحجة التي لا يجوزُ الخطأ فيما نقلته مجمعةً عليه، ولا السهو ولا التواطؤ والتشاعر، [["التشاعر"، التعالم والتواطؤ. وقد سلفت هذه الكلمة في ٦: ١٢٧، تعليق: ٢ = و١٥٥، تعليق: ١. وكان في المطبوعة: "والتضافر"، غيرها إذ لم يفهمها.]] بأن حكم الجنب في ذلك حكم سائر من أحدث فلزمه التطهر لصلاته = مع ما قد روي في ذلك عن رسول الله ﷺ من الأخبار التي قد ذكرنا بعضها، وتركنا ذكر كثير منها، استغناءً بما ذكرنا منها عما لم نذكر، وكراهة منا إطالة الكتاب باستقصاء جميعه.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"فلم تجدوا ماء فتيمموا"، وهل ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه طلب الماء، [[في المطبوعة: "هل ذلك أمر" بحذف الواو، وأثبت ما في المخطوطة.]] أم ذلك أمر منه بالتيمم كلما لزمه الطلب وهو محدِثَ حدثًا يجب عليه منه الوضوء بالماء، لو كان للماء واجدًا؟
فقال بعضهم: ذلك أمر من الله بالتيمم كلما لزمه فرضُ الطلب بعد الطلب، محدثًا كان أو غير محدث.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٧٤ - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: التيمم لكل صلاة.
٩٦٧٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي مثله.
٩٦٧٦ - حدثني عبد الله بن محمد قال، حدثنا عبدان المروزي قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا عبد الوراث قال، أخبرنا عامر الأحول، عن نافع: أنه حدثه عن ابن عمر مثل ذلك. [[الأثر: ٩٦٧٦ - انظر التعليق على الأثر: ٩٦٤٣.]]
٩٦٧٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال: لا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة.
٩٦٧٨ - حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة قال: يتيمم لكل صلاة = ويتأوّل هذه الآية:"فلم تجدوا ماء".
٩٦٧٩ - قال أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قالوا: التيمم لكل صلاة. [[الأثر: ٩٦٧٩ -"يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري" القاضي، روى عن أنس. و"عبد الكريم بن أبي المخارق"، الفقيه روى عن أنس.
"وربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي"، وهو: ربيعة الرأي، صاحب الفتوى بالمدينة. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وعبد الكريم بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن"، وهو خطأ، ولا يستقيم مع السياق أيضًا.]]
٩٦٨٠ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن النخعي قال: يتيمم لكل صلاة.
* * *
وقال أخرون: بل ذلك أمرٌ من الله بالتيمم بعد طلب الماء مَنْ لزمه فرض الطلب إذا كان محدثًا. فأما من لم يكن أحدث بعد تطهره بالتراب، فلزمه فرض الطلب، فليس عليه تجديد تيممه، وله أن يصلي بتيممه الأول.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٨١ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب، عن يونس، عن الحسن قال: التيمم بمنزلة الوضوء.
٩٦٨٢ - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال، حدثنا عمر بن شاكر، عن الحسن قال: يصلي المتيمم بتيممه ما لم يحدث، فإن وجد الماء فليتوضأ. [[الأثر: ٩٦٨٢ -"عمر بن شاكر البصري". يروي عن أنس المناكير. روى عنه إسماعيل بن موسى السدي الفزاري. مترجم في التهذيب.]]
٩٦٨٣ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا هشام، عن الحسن قال: كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم يحدث. وكذلك التيمم.
٩٦٨٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا هشام، عن الحسن قال: كان الرجل يصلي الصلوات كلها بوضوء واحد.
٩٦٨٥ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن الحسن قال: يصلي الصلوات بالتيمم ما لم يحدث.
٩٦٨٦ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب، عن ابن جريج، عن عطاء قال: التيمم بمنزلة الوضوء.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال:"يتيمم المصلي لكل صلاة لزمه طلب الماء للتطهر لها فرضًا"، لأن الله جل ثناؤه أمر كل قائم إلى الصلاة بالتطهر بالماء، فإن لم يجد الماء فالتيمم. ثم أخرج القائمَ إلى الصلاة من كان قد تقدم من قيامه إليها الوضوء بالماء [[في المطبوعة: "قد تقدم قيامه إليها"، بحذف"من"، وهي صواب في مكانها، كما في المخطوطة.]] = سنةُ رسول الله ﷺ، [[قوله: "سنة رسول الله" مرفوع، فاعل قوله: "ثم أخرج القائم ... سنة رسول الله".]] إلا أن يكون قد أحدث حدثًا ينقض طهارته، فيسقط فرض الوضوء عنه بالسنة. وأما القائم إليها وقد تقدم قيامه إليها بالتيمم لصلاة قبلها، ففرض التيمم له لازم بظاهر التنزيل، بعد طلبه الماء إذا أعوزه.
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الله لم يزل [[انظر تفسير"كان" بمعنى: لم يزل، فيما سلف ٧: ٥٢٣ / ٨: ٥١، ٨٨، ٩٨، ٢٢٩.]] ="عفوا"، عن ذنوب عباده، [[انظر تفسير"العفو" فيما سلف ٧: ٢١٥، ٣٢٧.]] وتركه العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به، كما عفا لكم، [[في المطبوعة: "كما عفا عنكم"، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة.]] أيها المؤمنون، عن قيامكم إلى الصلاة التي فرضها عليكم في مساجدكم وأنتم سكارى ="غفورًا"، يقول: فلم يزل يستر عليهم ذنوبهم بتركه معاجلتهم العذابَ على خطاياهم، كما ستر عليكم، أيها المؤمنون، بتركه معاجلتكم على صلاتكم في مساجدكم سكارى. يقول: فلا تعودوا لمثلها، فينالكم بعودكم لما قد نهيتكم عنه من ذلك، مُنَكِّلَة. [[قوله: "منكلة" (بضم الميم وفتح النون وتشديد الكاف مكسورة) من التنكيل: وهو إنزال العقاب الشديد، إذا رآه غير نكل عنه وحذره. ولو قرئت: "منكلة"، (بفتح الميم وسكون النون واللام المفتوحة) ، لكانت صوابًا، ومثلها: "المنكل" وهو النكال أيضًا.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قوله جل ثناؤه:"ألم تر إلى الذين". فقال قوم: معناه: ألم تخبر؟
* * *
وقال آخرون: معناه ألم تعلم؟ [[انظر تفسير"ألم تر" فيما سلف ٣: ١٦٠ / ٥: ٤٢٩، ٤٣٠ / ٦: ٢٨٨ = ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٧٠.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: ألم تر بقلبك، يا محمد، علمًا [[في المخطوطة: "ألم تر بعلمك"، وهو خطأ، صوابه ما في المبطوعة.]] "إلى الذين أوتوا نصيبًا". وذلك أن"الخبر" و"العلم" لا يجليان رؤية، ولكنه رؤية القلب بالعلم. فذلك كما قلنا فيه. [[في المطبوعة والمخطوطة: "لذلك"، وصواب السياق ما أثبت.]]
* * *
وأما تأويل قوله:"إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب"، فإنه يعني: إلى الذين أعطوا حظَّا من كتاب الله فعلموه [[انظر تفسير"الإيتاء" في فهارس اللغة = وتفسير"النصيب" فيما سلف ٤: ٢٠٦ / ٦: ٢٨٨ / ٨: ٢٧٤.]]
وذكر أن الله عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالَيْ مُهاجَر رسول الله ﷺ.
* ذكر من قال ذلك:
٩٦٨٧ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل"، فهم أعداء الله اليهود، اشتروا الضلالة.
٩٦٨٨ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب" إلى قوله:"يحرفون الكلم عن مواضعه"، قال: نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي. [[هكذا في المخطوطة أيضًا"رفاعة بن زيد بن السائب"، وسترى أنه: " ... بن زيد بن التابوت" في الأثر التالي، وأسماء يهود مشكلة، فلم أستطع أن أقطع بخطئها، فلعل"السائب" اسم جده، ولقبه"التابوت".]]
٩٦٨٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال، [[كان في المطبوعة والمخطوطة: "عن أبي إسحاق"، وهو خطأ فاحش.]] حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم - يعني من عظماء اليهود = إذا كلم رسول الله ﷺ لوى لسانه وقال:"راعنا سمعَك، يا محمد حتى نفهمك"! ثم طعن في الإسلام وعابه، فأنزل الله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة" إلى قوله:"فلا يؤمنون إلا قليلا" [[الأثر: ٩٦٨٩ - سيرة ابن هشام ٢: ٢٠٩، وهو تال للأثر السالف رقم: ٩٥٠١.]]
٩٦٩٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، [[في المطبوعة وحدها: "عن أبي إسحاق"، والمخطوطة صواب هنا.]] بإسناده، عن ابن عباس، مثله.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِیلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق