الباحث القرآني
قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ جَعَلَ الخِطابَ خاصًّا بِالمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهم كانُوا يَقْرَبُونَ الصَّلاةَ حالَ السُّكْرِ، وأمّا الكُفّارُ فَهم لا يَقْرَبُونَها سُكارى ولا غَيْرَ سُكارى.
قَوْلُهُ: لا تَقْرَبُوا قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: إذا قِيلَ: لا تَقْرَبْ بِفَتْحِ الرّاءِ مَعْناهُ لا تَتَلَبَّسْ بِالفِعْلِ، وإذا كانَ بِضَمِّ الرّاءِ كانَ مَعْناهُ: لا تَدْنُ مِنهُ. والمُرادُ هُنا: النَّهْيُ عَنِ التَّلَبُّسِ بِالصَّلاةِ وغِشْيانِها. وبِهِ قالَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ أبُو حَنِيفَةَ. وقالَ آخَرُونَ: المُرادُ مَواضِعُ الصَّلاةِ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ: وعَلى هَذا فَلا بُدَّ مِن تَقْدِيرِ مُضافٍ، ويُقَوِّي هَذا قَوْلُهُ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ وقالَتْ طائِفَةٌ: المُرادُ الصَّلاةُ ومَواضِعُها مَعًا؛ لِأنَّهم كانُوا حِينَئِذٍ لا يَأْتُونَ المَسْجِدَ إلّا لِلصَّلاةِ، ولا يُصَلُّونَ إلّا مُجْتَمِعِينَ، فَكانا مُتَلازِمَيْنِ.
قَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ سُكارى﴾ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، وسُكارى جَمْعُ سَكْرانَ، مِثْلُ كُسالى جَمْعُ كَسْلانَ. وقَرَأ النَّخَعِيُّ " سَكْرى " بِفَتْحِ السِّينِ، وهو تَكْسِيرُ سَكْرانَ. وقَرَأ الأعْمَشُ " سُكْرى " كَحُبْلى، صِفَةٌ مُفْرَدَةٌ. وقَدْ ذَهَبَ العُلَماءُ كافَّةً إلى أنَّ المُرادَ بِالسُّكْرِ هُنا سُكْرُ الخَمْرِ، إلّا الضَّحّاكُ فَإنَّهُ قالَ: المُرادُ سُكْرُ النَّوْمِ. وسَيَأْتِي بَيانُ سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ، وبِهِ يَنْدَفِعُ ما يُخالِفُ الصَّوابَ مِن هَذِهِ الأقْوالِ.
قَوْلُهُ: ﴿حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ هَذا غايَةُ النَّهْيِ عَنْ قُرْبانِ الصَّلاةِ في حالِ السُّكْرِ؛ أيْ: حَتّى يَزُولَ عَنْكم أثَرُ السُّكْرِ وتَعْلَمُوا ما تَقُولُونَهُ، فَإنَّ السَّكْرانَ لا يَعْلَمُ ما يَقُولُهُ وقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذا مَن قالَ: إنَّ طَلاقَ السَّكْرانِ لا يَقَعُ؛ لِأنَّهُ إذا لَمْ يَعْلَمْ ما يَقُولُهُ انْتَفى القَصْدُ. وبِهِ قالَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ وابْنُ عَبّاسٍ وطاوُسٌ وعَطاءٌ والقاسِمُ ورَبِيعَةُ، وهو قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وإسْحاقَ وأبِي ثَوْرٍ والمُزَنِيِّ، واخْتارَهُ الطَّحاوِيُّ وقالَ: أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ طَلاقَ المَعْتُوهِ لا يَجُوزُ، والسَّكْرانُ مَعْتُوهٌ كالمُوَسْوِسِ. وأجازَتْ طائِفَةٌ وُقُوعَ طَلاقِهِ وهو مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ ومُعاوِيَةَ وجَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ، وهو قَوْلُ أبِي حَنِيفَةَ والثَّوْرِيِّ والأوْزاعِيِّ. واخْتَلَفَ قَوْلُ الشّافِعِيِّ في ذَلِكَ. وقالَ مالِكٌ: يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ والقَوَدُ في الجِراحِ والقَتْلِ ولا يَلْزَمُهُ النِّكاحُ والبَيْعُ.
قَوْلُهُ: ولا جُنُبًا عَطْفٌ عَلى مَحَلِّ الجُمْلَةِ الحالِيَّةِ، وهي قَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ سُكارى﴾ والجُنُبُ لا يُؤَنَّثُ ولا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ؛ لِأنَّهُ مُلْحَقٌ بِالمَصْدَرِ كالبُعْدِ والقُرْبِ. قالَ الفَرّاءُ: يُقالُ: جَنُبَ الرَّجُلُ وأجْنَبَ مِنَ الجَنابَةِ، وقِيلَ: يُجْمَعُ الجُنُبُ في لُغَةٍ عَلى أجَنابٍ، مِثْلُ عُنُقٍ وأعْناقٍ، وطُنُبٍ وأطْنابٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ اسْتِثْناءٌ مُفَرَّغٌ، أيْ: لا تَقْرَبُوها في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا في حالِ عُبُورِ السَّبِيلِ. والمُرادُ بِهِ هُنا السَّفَرُ، ويَكُونُ مَحَلُّ هَذا الِاسْتِثْناءِ المُفْرَّغِ النَّصْبَ عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ لا تَقْرَبُوا بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِالحالِ الثّانِيَةِ، وهي قَوْلُهُ: ولا جُنُبًا لا بِالحالِ الأُولى، وهي قَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ سُكارى﴾ فَيَصِيرُ المَعْنى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ حالَ كَوْنِكم جُنُبًا إلّا حالَ السَّفَرِ، فَإنَّهُ يَجُوزُ لَكم أنْ تُصَلُّوا بِالتَّيَمُّمِ، وهَذا قَوْلُ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ جُبَيْرٍ والحَكَمِ وغَيْرِهِمْ، قالُوا: لا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يَقْرَبَ الصَّلاةَ وهو جُنُبٌ إلّا بَعْدَ الِاغْتِسالِ إلّا المُسافِرَ فَإنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ لِأنَّ الماءَ قَدْ يُعْدَمُ في السَّفَرِ لا في الحَضَرِ، فَإنَّ الغالِبَ أنَّهُ لا يُعْدَمُ.
وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وعِكْرِمَةُ والنَّخَعِيُّ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ ومالِكٌ والشّافِعِيُّ: عابِرُ السَّبِيلِ هو المُجْتازُ في المَسْجِدِ، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَيَكُونُ مَعْنى الآيَةِ عَلى هَذا لا تَقْرَبُوا مَواضِعَ الصَّلاةِ: وهي المَساجِدُ في حالِ الجَنابَةِ إلّا أنْ تَكُونُوا مُجْتازِينَ فِيها مِن جانِبٍ إلى جانِبٍ، وفي القَوْلِ الأوَّلِ قُوَّةٌ مِن جِهَةِ كَوْنِ الصَّلاةِ فِيهِ باقِيَةً عَلى مَعْناها الحَقِيقِيِّ، وضَعْفٌ مِن جِهَةِ ما في حَمْلِ عابِرِ السَّبِيلِ عَلى المُسافِرِ، وإنَّ مَعْناهُ: أنَّهُ يَقْرَبُ الصَّلاةَ عِنْدَ عَدَمِ الماءِ بِالتَّيَمُّمِ، فَإنَّ هَذا الحُكْمَ يَكُونُ في الحاضِرِ إذا عُدِمَ الماءُ، كَما يَكُونُ في المُسافِرِ، وفي القَوْلِ الثّانِي قُوَّةٌ مِن جِهَةِ عَدَمِ التَّكَلُّفِ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ وضَعْفٌ مِن جِهَةِ حَمْلِ الصَّلاةِ عَلى مَواضِعِها، وبِالجُمْلَةِ فالحالُ الأُولى، أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وأنْتُمْ سُكارى﴾ تُقَوِّي بَقاءَ الصَّلاةِ عَلى مَعْناها الحَقِيقِيِّ مِن دُونِ تَقْدِيرِ مُضافٍ، وكَذَلِكَ ما سَيَأْتِي مِن سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ يُقَوِّي ذَلِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ يُقَوِّي تَقْدِيرَ المُضافِ؛ أيْ: لا تَقْرَبُوا مَواضِعَ الصَّلاةِ.
ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ بَعْضَ قُيُودِ النَّهْيِ أعْنِي لا تَقْرَبُوا وهو قَوْلُهُ: وأنْتُمْ سُكارى يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالصَّلاةِ مَعْناها الحَقِيقِيُّ، وبَعْضُ قُيُودِ النَّهْيِ وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ المُرادُ مَواضِعُ الصَّلاةِ، ولا مانِعَ مِنِ اعْتِبارِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما مَعَ قَيْدِهِ الدّالِّ عَلَيْهِ، ويَكُونُ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ نَهْيَيْنِ مُقَيَّدٌ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما بِقَيْدٍ، وهُما لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ الَّتِي هي ذاتُ الأذْكارِ والأرْكانِ وأنْتُمْ سُكارى، ولا تَقْرَبُوا مَواضِعَ الصَّلاةِ حالَ كَوْنِكم جُنُبًا إلّا حالَ عُبُورِكم في المَسْجِدِ مِن جانِبٍ إلى جانِبٍ، وغايَةُ ما يُقالُ في هَذا أنَّهُ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجازِ وهو جائِزٌ بِتَأْوِيلٍ مَشْهُورٍ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ حِكايَتِهِ لِلْقَوْلَيْنِ: الأوْلى قَوْلُ مَن قالَ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ إلّا مُجْتازِي طَرِيقٍ فِيهِ، وذَلِكَ أنَّهُ قَدْ بُيِّنَ حُكْمُ المُسافِرِ إذا عُدِمَ الماءُ وهو جُنُبٌ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ فَكانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ؛ أيْ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ لَوْ كانَ مَعْنِيًّا بِهِ المُسافِرُ لَمْ يَكُنْ لِإعادَةِ ذِكْرِهِ في قَوْلِهِ: (p-٣٠١)﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ﴾ مَعْنًى مَفْهُومٌ.
وقَدْ مَضى ذِكْرُ حُكْمِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيلُ الآيَةِ: يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا المَساجِدَ لِلصَّلاةِ مُصَلِّينَ فِيها وأنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ، ولا تَقْرَبُوها أيْضًا جُنُبًا حَتّى تَغْتَسِلُوا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ. قالَ: والعابِرُ السَّبِيلِ: المُجْتازُ مَرًّا وقَطْعًا، يُقالُ مِنهُ: عَبَرْتُ هَذا الطَّرِيقَ فَأنا أعْبُرُهُ عَبْرًا وعُبُورًا، ومِنهُ قِيلَ: عَبَرَ فُلانٌ النَّهَرَ إذا قَطَعَهُ وجاوَزَهُ، ومِنهُ قِيلَ لِلنّاقَةِ القَوِيَّةِ: هي عَبْرُ أسْفارٍ لِقُوَّتِها عَلى قَطْعِ الأسْفارِ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا الَّذِي نَصَرَهُ - يَعْنِي ابْنَ جَرِيرٍ - هو قَوْلُ الجُمْهُورِ، وهو الظّاهِرُ مِنَ الآيَةِ انْتَهى. قَوْلُهُ: ﴿حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ غايَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ قُرْبانِ الصَّلاةِ أوْ مَواضِعِها حالَ الجَنابَةِ. والمَعْنى: لا تَقْرَبُوها حالَ الجَنابَةِ حَتّى تَغْتَسِلُوا إلّا حالَ عُبُورِكُمُ السَّبِيلَ. قَوْلُهُ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ المَرَضُ عِبارَةٌ عَنْ خُرُوجِ البَدَنِ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدالِ والِاعْتِيادِ إلى الِاعْوِجاجِ والشُّذُوذِ، وهو عَلى ضَرْبَيْنِ كَثِيرٍ ويَسِيرٍ. والمُرادُ هُنا: أنْ يَخافَ عَلى نَفْسِهِ التَّلَفَ أوِ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمالِ الماءِ، أوْ كانَ ضَعِيفًا في بَدَنِهِ لا يَقْدِرُ عَلى الوُصُولِ إلى مَوْضِعِ الماءِ. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ يَتَطَهَّرُ وإنْ ماتَ، وهَذا باطِلٌ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] . وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم﴾ [النساء: ٢٩] وقَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] .
قَوْلُهُ: ﴿أوْ عَلى سَفَرٍ﴾ فِيهِ جَوازُ التَّيَمُّمِ لِمَن صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ المُسافِرِ، والخِلافُ مَبْسُوطٌ في كُتُبِ الفِقْهِ، وقَدْ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ أنْ يَكُونَ سَفَرَ قَصْرٍ، وقالَ قَوْمٌ: لا بُدَّ مِن ذَلِكَ. وقَدْ أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى جَوازِ التَّيَمُّمِ لِلْمُسافِرِ. واخْتَلَفُوا في الحاضِرِ، فَذَهَبَ مالِكٌ وأصْحابُهُ وأبُو حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٌ إلى أنَّهُ يَجُوزُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ.
وقالَ الشّافِعِيُّ: لا يَجُوزُ لِلْحاضِرِ الصَّحِيحِ أنْ يَتَيَمَّمَ إلّا أنْ يَخافَ التَّلَفَ. قَوْلُهُ: ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ هو المَكانُ المُنْخَفِضُ والمَجِيءُ مِنهُ كِنايَةٌ عَنِ الحَدَثِ، والجَمْعُ الغِيطانُ والأغْواطُ، وكانَتِ العَرَبُ تَقْصِدُ هَذا الصِّنْفَ مِنَ المَواضِعِ لِقَضاءِ الحاجَةِ تَسَتُّرًا عَنْ أعْيُنِ النّاسِ، ثُمَّ سُمِّيَ الحَدَثُ الخارِجُ مِنَ الإنْسانِ غائِطًا تَوَسُّعًا، ويَدْخُلُ في الغائِطِ جَمِيعُ الأحْداثِ النّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ ( لامَسْتُمْ ) وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( لَمَسْتُمْ ) قِيلَ: المُرادُ بِها بِما في القِراءَتَيْنِ الجِماعُ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ مُطْلَقُ المُباشَرَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ يَجْمَعُ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ المُبَرِّدُ: الأوْلى في اللُّغَةِ أنْ يَكُونَ لامَسْتُمْ بِمَعْنى قَبَّلْتُمْ ونَحْوِهِ، ولَمَسْتُمْ بِمَعْنى: غَشِيتُمْ.
واخْتَلَفَ العُلَماءُ في مَعْنى ذَلِكَ عَلى أقْوالٍ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: المُلامَسَةُ هُنا مُخْتَصَّةٌ بِاليَدِ دُونَ الجِماعِ، قالُوا: والجُنُبُ لا سَبِيلَ لَهُ إلى التَّيَمُّمِ، بَلْ يَغْتَسِلُ أوْ يَدَعُ الصَّلاةَ حَتّى يَجِدَ الماءَ. وقَدْ رُوِيَ هَذا عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وابْنِ مَسْعُودٍ. قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: لَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِما في هَذِهِ المَسْألَةِ أحَدٌ مِن فُقَهاءِ الأمْصارِ مِن أهْلِ الرَّأْيِ وحَمَلَةِ الآثارِ، انْتَهى. وأيْضًا الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدْفَعُهُ وتُبْطِلُهُ كَحَدِيثِ عَمّارٍ وعِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ وأبِي ذَرٍّ في تَيَمُّمِ الجُنُبِ.
وقالَتْ طائِفَةٌ: هو الجِماعُ كَما في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٤٩]، وقَوْلُهُ: ﴿وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧] وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ وطاوُسٍ والحَسَنِ وعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والشَّعْبِيِّ وقَتادَةَ ومُقاتِلِ بْنِ حَيّانَ وأبِي حَنِيفَةَ. وقالَ مالِكٌ: المُلامِسُ بِالجِماعِ يَتَيَمَّمُ، والمُلامِسُ بِاليَدِ يَتَيَمَّمُ إذا التَذَّ، فَإنْ لَمَسَها بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلا وُضُوءَ، وبِهِ قالَ أحْمَدُ وإسْحاقُ.
وقالَ الشّافِعِيُّ: إذا أفْضى الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِن بَدَنِهِ إلى بَدَنِ المَرْأةِ سَواءً كانَ بِاليَدِ أوْ غَيْرِها مِن أعْضاءِ الجَسَدِ انْتَقَضَتْ بِهِ الطَّهارَةُ وإلّا فَلا. وحَكاهُ القُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عُمَرَ والزُّهْرِيِّ ورَبِيعَةَ. وقالَ الأوْزاعِيُّ: إذا كانَ اللَّمْسُ بِاليَدِ نَقَضَ الطُّهْرَ، وإنْ كانَ بِغَيْرِ اليَدِ لَمْ يَنْقُضْهُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ﴾ وقَدِ احْتَجُّوا بِحُجَجٍ تَزْعُمُ كُلُّ طائِفَةٍ أنَّ حُجَّتَها تَدُلُّ عَلى أنَّ المُلامَسَةَ المَذْكُورَةَ في الآيَةِ هي ما ذَهَبَتْ إلَيْهِ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ. فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحابَةُ ومَن بَعْدَهم في مَعْنى المُلامَسَةِ المَذْكُورَةِ في الآيَةِ، وعَلى فَرْضِ أنَّها ظاهِرَةٌ في الجِماعِ، فَقَدْ ثَبَتَتِ القِراءَةُ المَرْوِيَّةُ عَنْ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ بِلَفْظِ ( أوْ لَمَسْتُمْ ) وهي مُحْتَمَلَةٌ بِلا شَكٍّ ولا شُبْهَةٍ. ومَعَ الِاحْتِمالِ فَلا تَقُومُ الحُجَّةُ بِالمُحْتَمَلِ. وهَذا الحُكْمُ تَعُمُّ بِهِ البَلْوى ويُثْبِتُ بِهِ التَّكْلِيفُ العامُّ، فَلا يَحِلُّ إثْباتُهُ بِمُحْتَمَلٍ قَدْ، وقَدْ وقَعَ النِّزاعُ في مَفْهُومِهِ. وإذا عَرَفْتَ هَذا فَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ عَلى مَنِ اجْتَنَبَ ولَمْ يَجِدِ الماءَ، فَكانَ الجُنُبُ داخِلًا في الآيَةِ بِهَذا الدَّلِيلِ، وعَلى فَرْضِ عَدَمِ دُخُولِهِ فالسُّنَّةُ تَكْفِي في ذَلِكَ.
وأمّا وُجُوبُ الوُضُوءِ أوِ التَّيَمُّمِ عَلى مَن لَمَسَ المَرْأةَ بِيَدِهِ أوْ بِشَيْءٍ مِن بَدَنِهِ فَلا يَصِحُّ القَوْلُ بِهِ اسْتِدْلالًا بِهَذِهِ الآيَةِ لِما عَرَفْتَ مِنَ الِاحْتِمالِ. وأمّا ما اسْتَدَلُّوا بِهِ مِن «أنَّهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أتاهُ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ ما تَقُولُ في رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأةً لا يَعْرِفُها ؟ ولَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِنِ امْرَأتِهِ شَيْئًا إلّا قَدْ أتاهُ مِنها غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يُجامِعْها فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ﴾» [هود: ١١٤] .
أخْرَجَهُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ مِن حَدِيثِ مُعاذٍ، قالُوا: فَأمَرَهُ بِالوُضُوءِ؛ لِأنَّهُ لَمَسَ المَرْأةَ ولَمْ يُجامِعْها، ولا يَخْفاكَ أنَّهُ لا دَلالَةَ بِهَذا الحَدِيثِ عَلى مَحَلِّ النِّزاعِ، فَإنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ إنَّما أمَرَهُ بِالوُضُوءِ لِيَأْتِيَ بِالصَّلاةِ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الآيَةِ، إذْ لا صَلاةَ إلّا بِوُضُوءٍ. وأيْضًا فالحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأنَّهُ مِن رِوايَةِ ابْنِ أبِي لَيْلى عَنْ مُعاذٍ ولَمْ يَلْقَهُ، وإذا عَرَفْتَ هَذا فالأصْلُ البَراءَةُ عَنْ هَذا الحُكْمِ، فَلا يَثْبُتُ إلّا بِدَلِيلٍ خالِصٍ عَنِ الشَّوائِبِ المُوجِبَةِ؛ لِقُصُورِهِ عَنِ الحُجَّةِ.
وأيْضًا قَدْ ثَبَتَ عَنْ عائِشَةَ مِن طُرُقٍ أنَّها قالَتْ: «كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يُصَلِّي ولا يَتَوَضَّأُ» . وقَدْ رُوِيَ هَذا الحَدِيثُ بِألْفاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، رَواهُ أحْمَدُ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ، وما قِيلَ (p-٣٠٢)مِن أنَّهُ مِن رِوايَةِ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ ولَمْ يَسْمَعْ مِن عُرْوَةَ فَقَدْ رَواهُ أحْمَدُ في مَسْنَدِهِ مِن حَدِيثِ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ، ورَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِن حَدِيثِ لَيْثٍ عَنْ عَطاءٍ عَنْ عائِشَةَ، ورَواهُ أحْمَدُ أيْضًا وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ مِن حَدِيثِ أبِي رَوْقٍ الهَمْدانِيِّ عَنْ إبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عائِشَةَ، ورَواهُ أيْضًا ابْنُ جَرِيرٍ مِن حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، ورَواهُ أيْضًا مِن حَدِيثِ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ.
ولَفْظُ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كانَ يُقَبِّلُها وهو صائِمٌ ولا يُفْطِرُ ولا يُحْدِثُ وُضُوءًا» . ولَفْظُ حَدِيثِ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ: «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ كانَ يُقَبِّلُ ثُمَّ يُصَلِّي ولا يَتَوَضَّأُ» .
ورَواهُ أحْمَدُ عَنْ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ عَنْ عائِشَةَ. قَوْلُهُ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾ هَذا القَيْدُ إنْ كانَ راجِعًا إلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِمّا هو مَذْكُورٌ بَعْدَ الشَّرْطِ، وهو المَرَضُ والسَّفَرُ والمَجِيءُ مِنَ الغائِطِ ومُلامَسَةُ النِّساءِ كانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ المَرَضَ والسَّفَرَ بِمُجَرَّدِهِما لا يُسَوِّغانِ التَّيَمُّمَ، بَلْ لا بُدَّ مَعَ وُجُودِ أحَدِ السَّبَبَيْنِ مِن عَدَمِ الماءِ، فَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أنْ يَتَيَمَّمَ إلّا إذا لَمْ يَجِدْ ماءً، ولا يَجُوزُ لِلْمُسافِرِ أنَّ يَتَيَمَّمَ إلّا إذا لَمْ يَجِدْ ماءً، ولَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلى هَذا أنَّ الصَّحِيحَ كالمَرِيضِ إذا لَمْ يَجِدِ الماءَ تَيَمَّمَ، وكَذَلِكَ المُسافِرُ عَدَمُ الماءِ في حَقِّهِ غالِبٌ، وإنْ كانَ راجِعًا إلى الصُّورَتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ: أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ كَما قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ كانَ فِيهِ إشْكالٌ، وهو أنَّ مَن صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ المَرِيضِ أوِ المُسافِرِ جازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وإنْ كانَ واجِدًا لِلْماءِ قادِرًا عَلى اسْتِعْمالِهِ وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ هَذا القَيْدُ إلى الآخَرَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا في الأوَّلَيْنِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِ فِيهِما.
وأنْتَ خَبِيرٌ بِأنَّ هَذا كَلامٌ ساقِطٌ وتَوْجِيهٌ بارِدٌ. وقالَ مالِكٌ ومَن تابَعَهُ: ذَكَرَ اللَّهُ المَرَضَ والسَّفَرَ في شَرْطِ التَّيَمُّمِ اعْتِبارًا بِالأغْلَبِ في مَن لَمْ يَجِدِ الماءَ بِخِلافِ الحاضِرِ، فَإنَّ الغالِبَ وجُودُهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَنُصَّ اللَّهُ سُبْحانَهُ عَلَيْهِ انْتَهى.
والظّاهِرُ أنَّ المَرَضَ بِمُجَرَّدِهِ مُسَوِّغٌ لِلتَّيَمُّمِ، وإنْ كانَ الماءُ مَوْجُودًا إذا كانَ يَتَضَرَّرُ بِاسْتِعْمالِهِ في الحالِ أوْ في المَآلِ، ولا تُعْتَبَرُ خَشْيَةُ التَّلَفِ، فاللَّهُ سُبْحانَهُ يَقُولُ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] ويَقُولُ: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، والنَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «الدِّينُ يُسْرٌ» . ويَقُولُ: «يَسُرُّوا ولا تُعَسِّرُوا»، وقالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ»، ويَقُولُ: «أُمِرْتُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ» فَإذا قُلْنا: إنَّ قَيْدَ عَدَمِ وُجُودِ الماءِ راجِعٌ إلى الجَمِيعِ كانَ وجْهُ التَّنْصِيصِ عَلى المَرَضِ هو أنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ والماءُ حاضِرٌ مَوْجُودٌ إذا كانَ اسْتِعْمالُهُ يَضُرُّهُ، فَيَكُونُ اعْتِبارُ ذَلِكَ القَيْدِ في حَقِّهِ إذا كانَ اسْتِعْمالُهُ لا يَضُرُّهُ، فَإنَّ في مُجَرَّدِ المَرَضِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِاسْتِعْمالِ الماءِ ما يَكُونُ مَظِنَّةً لِعَجْزِهِ عَنِ الطَّلَبِ؛ لِأنَّهُ يَلْحَقُهُ بِالمَرَضِ نَوْعُ ضَعْفٍ. وأمّا وجْهُ التَّنْصِيصِ عَلى المُسافِرِ فَلا شَكَّ أنَّ الضَّرْبَ في الأرْضِ مَظِنَّةٌ لِإعْوازِ الماءِ في بَعْضِ البِقاعِ دُونَ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: فَتَيَمَّمُوا التَّيَمُّمُ لُغَةً: القَصْدُ، يُقالُ: تَيَمَّمْتُ الشَّيْءَ: قَصَدْتُهُ، وتَيَمَّمْتُ الصَّعِيدَ: تَعَمَّدْتُهُ، وتَيَمَّمْتُهُ بِسَهْمِي ورُمْحِي: قَصَدْتُهُ دُونَ مَن سِواهُ، وأنْشَدَ الخَلِيلُ:
؎يَمَّمْتُهُ الرُّمْحَ شَزْرًا ثُمَّ قُلْتُ لَهُ هَذِي البَسالَةُ لا لِعْبُ الزَّحالِيقِ
وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
؎تَيَمَّمْتُها مِن أذَرِعاتٍ وأهْلُها ∗∗∗ بِيَثْرِبَ أدْنى دارِها نَظَرٌ عالِي
وقالَ:
؎تَيَمَّمَتِ العَيْنُ الَّتِي عِنْدَ ضارِجِ ∗∗∗ يَفِيءُ عَلَيْها الظِّلُّ عَرْمَضُها ظامِي
قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُ: فَتَيَمَّمُوا أيِ: اقْصِدُوا، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمالُ هَذِهِ الكَلِمَةِ حَتّى صارَ التَّيَمُّمُ مَسْحَ الوَجْهِ واليَدَيْنِ بِالتُّرابِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ في قَوْلِهِمْ: قَدْ تَيَمَّمَ الرَّجُلُ؛ مَعْناهُ: قَدْ مَسَحَ التُّرابَ عَلى وجْهِهِ.
وهَذا خَلْطٌ مِنهُما لِلْمَعْنى اللُّغَوِيِّ بِالمَعْنى الشَّرْعِيِّ، فَإنَّ العَرَبَ لا تَعْرِفُ التَّيَمُّمَ بِمَعْنى مَسْحِ الوَجْهِ واليَدَيْنِ، وإنَّما هو مَعْنًى شَرْعِيٌّ فَقَطْ، وظاهِرُ الأمْرِ الوُجُوبُ، وهو مُجْمَعٌ عَلى ذَلِكَ. والأحادِيثُ في هَذا البابِ كَثِيرَةٌ، قَوْلُهُ: صَعِيدًا الصَّعِيدُ: وجْهُ الأرْضِ سَواءً كانَ عَلَيْهِ تُرابٌ أوْ لَمْ يَكُنْ، قالَهُ الخَلِيلُ وابْنُ الأعْرابِيِّ والزَّجّاجُ.
قالَ الزَّجّاجُ: لا أعْلَمُ فِيهِ خِلافًا بَيْنَ أهْلِ اللُّغَةِ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وإنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨] أيْ: أرْضًا غَلِيظَةً لا تُنْبِتُ شَيْئًا، وقالَ تَعالى: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:
؎كَأنَّهُ بِالضُّحى يَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ ∗∗∗ ونابُهُ في عِظامِ الرَّأْسِ خُرْطُومُ
وإنَّما سُمِّيَ صَعِيدًا لِأنَّهُ نِهايَةُ ما يُصْعَدُ إلَيْهِ مِنَ الأرْضِ، وجَمْعُ الصَّعِيدِ صُعَداتٌ. وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِيما يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ بِهِ، فَقالَ مالِكٌ وأبُو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيُّ والطَّبَرِيُّ: إنَّهُ يُجْزِئُ بِوَجْهِ الأرْضِ كُلِّهِ تُرابًا كانَ أوْ رَمْلًا أوْ حِجارَةً، وحَمَلُوا قَوْلَهُ: طَيِّبًا عَلى الطّاهِرِ الَّذِي لَيْسَ بِنَجِسٍ.
وقالَ الشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وأصْحابُهُما: إنَّهُ لا يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلّا بِالتُّرابِ فَقَطْ، واسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] أيْ: تُرابًا أمْلَسَ طَيِّبًا، وكَذَلِكَ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: طَيِّبًا قالُوا: والطَّيِّبُ التُّرابُ الَّذِي يُنْبِتُ. وقَدْ تُنُوزِعَ في مَعْنى الطَّيِّبِ، فَقِيلَ: الطّاهِرُ كَما تَقَدَّمَ، وقِيلَ: المُنْبِتُ كَما هُنا، وقِيلَ: الحَلالُ.
والمُحْتَمَلُ لا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ولَوْ لَمْ يُوجَدْ في الشَّيْءِ الَّذِي يُتَيَمَّمُ بِهِ إلّا ما في الكِتابِ العَزِيزِ؛ لَكانَ الحَقُّ ما قالَهُ الأوَّلُونَ، لَكِنْ ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِن حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «فُضِّلْنا عَلى النّاسِ بِثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وجُعِلَتْ لَنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لَنا طَهُورًا إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ» وفي لَفْظٍ «وجُعِلَ تُرابُها لَنا طَهُورًا» فَهَذا مُبَيِّنٌ لِمَعْنى الصَّعِيدِ المَذْكُورِ في الآيَةِ، أوْ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِهِ، أوْ مُقَيِّدٌ لِإطْلاقِهِ، ويُؤَيِّدُ هَذا ما حَكاهُ ابْنُ فارِسٍ عَنْ كِتابِ الخَلِيلِ: تَيَمَّمَ الصَّعِيدَ؛ أيْ: أخَذَ مِن غُبارِهِ انْتَهى، والحَجَرُ الصَّلْدُ لا غُبارَ لَهُ.
قَوْلُهُ: ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكُمْ﴾ (p-٣٠٣)هَذا المَسْحُ مُطْلَقٌ يَتَناوَلُ المَسْحَ بِضَرْبَةٍ أوْ ضَرْبَتَيْنِ، ويَتَناوَلُ المَسْحَ إلى المِرْفَقَيْنِ أوْ إلى الرُّسْغَيْنِ، وقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بَيانًا شافِيًا، وقَدْ جَمَعْنا بَيْنَ ما ورَدَ في المَسْحِ بِضَرْبَةٍ وبِضَرْبَتَيْنِ، وما ورَدَ في المَسْحِ إلى الرُّسْغِ وإلى المِرْفَقَيْنِ، في شَرْحِنا لِلْمُنْتَقى وغَيْرِهِ مِن مُؤَلَّفاتِنا بِما لا يُحْتاجُ فِيهِ إلى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ أيْ: عَفا عَنْكم وغَفَرَ لَكم تَقْصِيرَكم ورَحِمَكم بِالتَّرْخِيصِ لَكم والتَّوْسِعَةِ عَلَيْكم. وقَدْ أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والضِّياءُ في المُخْتارَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ قالَ: صَنَعَ لَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعامًا، فَدَعانا وسَقانا مِنَ الخَمْرِ فَأخَذَتِ الخَمْرُ مِنّا، وحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأْتُ: ( ﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ ) [الكافرون: ١] ونَحْنُ نَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ: أنَّ الَّذِي صَلّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ في الآيَةِ قالَ: نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعَلِيٍّ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وسَعْدٍ، صَنَعَ لَهم عَلِيٌّ طَعامًا وشَرابًا فَأكَلُوا وشَرِبُوا، ثُمَّ صَلّى بِهِمُ المَغْرِبَ فَقَرَأ ﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ حَتّى خَتَمَها فَقالَ: لَيْسَ لِي دِينٌ ولَيْسَ لَكم دِينٌ، فَنَزَلَتْ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: نَسَخَتْها ﴿إنَّما الخَمْرُ والمَيْسِرُ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٩٠] . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الضَّحّاكِ في الآيَةِ قالَ: لَمْ يَعْنِ بِها الخَمْرَ إنَّما عَنِيَ بِها سُكْرَ النَّوْمِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وأنْتُمْ سُكارى﴾ قالَ: النُّعاسُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ في المُصَنَّفِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ. قَوْلُهُ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ قالَ: نَزَلَتْ في المُسافِرِ تُصِيبُهُ الجَنابَةُ فَيَتَيَمَّمُ ويُصَلِّي. وفي لَفْظٍ قالَ: لا يَقْرَبُ الصَّلاةَ إلّا أنْ يَكُونَ مُسافِرًا تُصِيبُهُ الجَنابَةُ فَلا يَجِدُ الماءَ فَيَتَيَمَّمُ ويُصَلِّي حَتّى يَجِدَ الماءَ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ يَقُولُ: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ جُنُبٌ إذا وجَدْتُمُ الماءَ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا الماءَ فَقَدْ أحْلَلْتُ أنْ تَمْسَحُوا بِالأرْضِ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لا يَمُرُّ الجُنُبُ ولا الحائِضُ في المَسْجِدِ، إنَّما أُنْزِلَتْ ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ لِلْمُسافِرِ يَتَيَمَّمُ ثُمَّ يُصَلِّي.
وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ والضِّياءُ في المُخْتارَةِ «عَنِ الأسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ قالَ: كُنْتُ أُرَحِّلُ ناقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَأصابَتْنِي جَنابَةٌ في لَيْلَةٍ بارِدَةٍ، وأرادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ الرِّحْلَةَ، فَكَرِهْتُ أنْ أُرَحِّلَ ناقَتَهُ وأنا جُنُبٌ، وخَشِيتُ أنْ أغْتَسِلَ بِالماءِ البارِدِ فَأمُوتَ أوْ أمْرَضَ، فَأمَرْتُ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ فَرَحَّلَها، ثُمَّ رَضَفْتُ أحْجارًا فَأسْخَنْتُ بِها ماءً فاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وأصْحابَهُ، فَقالَ: يا أسْلَعُ، ما لِي أراكَ راحِلَتَكَ تَغَيَّرَتْ ؟ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرَحِّلْها، رَحَّلَها رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، قالَ: ولِمَ ؟ قُلْتُ: إنِّي أصابَنِي جَنابَةٌ فَخَشِيتُ القَرَّ عَلى نَفْسِي، فَأمَرْتُهُ أنْ يُرَحِّلَها ورَضَفْتُ أحْجارًا فَأسْخَنْتُ بِها ماءً فاغْتَسَلْتُ بِهِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إلى قَوْلِهِ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾» . وأخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ مِن وجْهٍ آخَرَ «عَنْ أسْلَعَ قالَ: كُنْتُ أخْدِمُ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وأُرَحِّلُ لَهُ، فَقالَ لِي ذاتَ لَيْلَةٍ: يا أسْلَعُ قُمْ فَأرْحِلْ لِي. قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أصابَتْنِي جَنابَةٌ، فَسَكَتَ عَنِّي ساعَةً حَتّى جاءَ جِبْرِيلُ بِآيَةِ الصَّعِيدِ، فَقالَ: قُمْ يا أسْلَعُ فَتَيَمَّمْ» الحَدِيثَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ﴾ قالَ: المَساجِدَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ مِن طَرِيقِ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ عَنْهُ ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ قالَ: لا تَدْخُلُوا المَسْجِدَ وأنْتُمْ جُنُبٌ إلّا عابِرِي سَبِيلٍ، قالَ: تَمُرُّ بِهِ مَرًّا ولا تَجْلِسُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْهُ أنَّهُ كانَ يُرَخِّصُ لِلْجُنُبِ أنْ يَمُرَّ في المَسْجِدِ ولا يَجْلِسَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأ قَوْلَهُ: ﴿ولا جُنُبًا إلّا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ . وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْ أنَسٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ جابِرٍ قالَ: كانَ أحَدُنا يَمُرُّ في المَسْجِدِ وهو جُنُبٌ مُجْتازًا. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ قالَ: نَزَلَتْ في رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ كانَ مَرِيضًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يَقُومَ فَيَتَوَضَّأ ولَمْ يَكُنْ لَهُ خادِمٌ فَيُناوِلُهُ، فَأتى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ قالَ: هو الرَّجُلُ المَجْدُورُ أوْ بِهِ الجِراحُ أوِ القُرْحُ يُجْنِبُ فَيُخافُ إنِ اغْتَسَلَ أنْ يَمُوتَ فَيَتَيَمَّمُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ، قالَ: نالَ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ جِراحٌ فَفَشَتْ فِيهِمْ، ثُمَّ ابْتُلُوا بِالجَنابَةِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ ﴿وإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ الآيَةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وسَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ: ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ قالَ: اللَّمْسُ ما دُونَ الجِماعِ، والقُبْلَةُ مِنهُ، وفِيهِ الوُضُوءُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يَتَوَضَّأُ مِن قُبْلَةِ المَرْأةِ، ويَقُولُ: هي اللِّماسِ. وأخْرَجَ الدّارَقُطْنِيُّ والبَيْهَقِيُّ والحاكِمُ عَنْ عُمَرَ قالَ: إنِ القُبْلَةَ مِنَ اللَّمْسِ فَتَوَضَّأْ مِنها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: اللَّمْسُ هو الجِماعُ ولَكِنَّ اللَّهَ كَنى عَنْهُ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (p-٣٠٤)وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: كُنّا في حُجْرَةِ ابْنِ عَبّاسٍ ومَعَنا عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ ونَفَرٌ مِنَ المَوالِي، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ ونَفَرٌ مِنَ العَرَبِ فَتَذاكَرْنا لِلْماسِّ، فَقُلْتُ أنا وعَطاءٌ والمَوالِي: اللَّمْسُ بِاليَدِ، وقالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ والعَرَبُ: هو الجِماعُ، فَدَخَلْتُ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ فَأخْبَرْتُهُ فَقالَ: غُلِبَتِ المَوالِي، وأصابَتِ العَرَبُ، ثُمَّ قالَ: إنَّ اللَّمْسَ والمَسَّ والمُباشَرَةَ إلى الجِماعِ ما هو، ولَكِنَّ اللَّهَ يَكْنِي ما شاءَ بِما شاءَ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: إنَّ أطْيَبَ الصَّعِيدِ أرْضُ الحَرْثِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِیلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق