الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ أيْ لا تَقُومُوا إلَيْها وأنْتُمْ سُكارى مِن نَحْوِ نَوْمٍ أوْ خَمْرٍ حَتّى تَنْتَهُوا وتَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ في صَلاتِكم.
رُوِيَ « (أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ صَنَعَ مَأْدُبَةً ودَعا نَفَرًا مِنَ الصَّحابَةِ. حِينَ كانَتِ الخَمْرِ مُباحَةً. فَأكَلُوا وشَرِبُوا حَتّى ثَمِلُوا، وجاءَ وقْتُ صَلاةِ المَغْرِبِ فَتَقَدَّمَ أحَدُهم لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأ: أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. فَنَزَلَتْ.»
وَقِيلَ أرادَ بِالصَّلاةِ مَواضِعَها وهي المَساجِدُ ولَيْسَ المُرادُ مِنهُ نَهْيَ السَّكْرانِ عَنْ قُرْبانِ الصَّلاةِ، وإنَّما المُرادُ النَّهْيُ عَنِ الإفْراطِ في الشُّرْبِ، والسُّكْرِ مِنَ السُّكْرِ وهو السَّدُّ. وقُرِئَ «سَكارى» بِالفَتْحِ وسَكْرى عَلى أنَّهُ جَمْعٌ كَهَلْكى. أوْ مُفْرَدٌ بِمَعْنى وأنْتُمْ قَوْمٌ سَكْرى، أوْ جَماعَةٌ سُكْرى وسُكْرى كَحُبْلى عَلى أنَّها صِفَةٌ لِلْجَماعَةِ. ﴿وَلا جُنُبًا﴾ عَطْفٌ عَلى (p-76)قَوْلِهِ وأنْتُمْ سُكارى إذِ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى الحالِ، والجُنُبُ الَّذِي أصابَتْهُ الجَنابَةُ، يَسْتَوِي فِيهِ المُذَكَّرُ والمُؤَنَّثُ والواحِدُ والجَمْعُ، لِأنَّهُ يُجْرى مَجْرى المَصْدَرِ. ﴿إلا عابِرِي سَبِيلٍ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ولا جُنُبًا، اسْتِثْناءٌ مِن أعَمِّ الأحْوالِ أيْ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ جُنُبًا في عامَّةِ الأحْوالِ إلّا في السَّفَرِ وذَلِكَ إذا لَمْ يَجِدِ الماءَ وتَيَمَّمَ، ويَشْهَدُ لَهُ تَعْقِيبُهُ بِذِكْرِ التَّيَمُّمِ، أوْ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ جُنُبًا أيْ جُنُبًا غَيْرَ عابِرِي سَبِيلٍ. وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ التَّيَمُّمَ لا يَرْفَعُ الحَدَثَ. ومَن فَسَّرَ الصَّلاةَ بِمَواضِعِها فَسَّرَ عابِرِي سَبِيلٍ بِالمُجْتازِينَ فِيها، وجَوَّزَ لِلْجُنُبِ عُبُورَ المَسْجِدِ. وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: لا يَجُوزُ لَهُ المُرُورُ في المَسْجِدِ إلّا إذا كانَ فِيهِ الماءُ أوِ الطَّرِيقُ. ﴿حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ غايَةَ النَّهْيِ عَنِ القُرْبانِ حالَ الجَنابَةِ، وفي الآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ المُصَلِّيَ يَنْبَغِي أنْ يَتَحَرَّزَ عَمّا يُلْهِيهِ ويَشْغَلُ قَلْبَهُ، ويُزَكِّي نَفْسَهُ عَمّا يَجِبُ تَطْهِيرُها عَنْهُ. ﴿وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ مَرَضًا يَخافُ مَعَهُ مِنِ اسْتِعْمالِ الماءِ، فَإنَّ الواجِدَ كالفاقِدِ. أوْ مَرَضًا يَمْنَعُهُ عَنِ الوُصُولِ إلَيْهِ. ﴿أوْ عَلى سَفَرٍ﴾ لا تَجِدُونَهُ فِيهِ. ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ فَأحْدَثَ بِخُرُوجِ الخارِجِ مِن أحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وأصْلُ الغائِطِ المَكانُ المُطَمْئِنُ مِنَ الأرْضِ. ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ أوْ ماسَسْتُمْ بَشَرَتَهُنَّ بِبَشَرَتِكُمْ، وبِهِ اسْتَدَلَّ الشّافِعِيُّ عَلى أنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ الوُضُوءَ. وقِيلَ: أوْ جامَعْتُمُوهُنَّ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ هُنا وفي المائِدَةِ «لَمَسْتُمْ»، واسْتِعْمالُهُ كِنايَةً عَنِ الجِماعِ أقَلُّ مِنَ المُلامَسَةِ. ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً﴾ فَلَمْ تَتَمَكَّنُوا مِنِ اسْتِعْمالِهِ، إذِ المَمْنُوعُ عَنْهُ كالمَفْقُودِ. ووَجْهُ هَذا التَّقْسِيمِ أنَّ المُتَرَخِّصَ بِالتَّيَمُّمِ إمّا مُحْدِثٌ أوْ جُنُبٌ، والحالَةُ المُقْتَضِيَةُ لَهُ في غالِبِ الأمْرِ مَرَضٌ أوْ سَفَرٌ. والجُنُبُ لِما سَبَقَ ذِكْرُهُ اقْتَصَرَ عَلى بَيانِ حالِهِ والمُحْدِثُ لِما لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُ ذُكِرَ مِن أسْبابِهِ ما يَحْدُثُ بِالذّاتِ وما يَحْدُثُ بِالعَرَضِ، واسْتُغْنِيَ عَنْ تَفْصِيلِ أحْوالِهِ بِتَفْصِيلِ حالِ الجُنُبِ وبَيانِ العُذْرِ مُجْمَلًا فَكَأنَّهُ قِيلَ: وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا مَرْضى أوْ عَلى سَفَرٍ أوْ مُحْدِثِينَ جِئْتُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكُمْ﴾ أيْ فَتَعَمَّدُوا شَيْئًا مِن وجْهِ الأرْضِ طاهِرًا. ولِذَلِكَ قالَتِ الحَنَفِيَّةُ: لَوْ ضَرَبَ المُتَيَمِّمُ يَدَهُ عَلى حَجَرٍ صَلْدٍ ومَسَحَ بِهِ أجْزَأهُ. وقالَ أصْحابُنا لا بُدَّ مِن أنْ يَعْلُقَ بِاليَدِ شَيْءٌ مِنَ التُّرابِ لِقَوْلِهِ تَعالى في المائِدَةِ ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكم مِنهُ﴾ أيْ بَعْضِهِ، وجَعْلُ مِن لِابْتِداءِ الغايَةِ تَعَسُّفٌ إذْ لا يُفْهَمُ مِن نَحْوِ ذَلِكَ إلّا التَّبْعِيضُ، واليَدُ اسْمٌ لِلْعُضْوِ إلى المَنكِبِ، وما رُوِيَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَيَمَّمَ ومَسَحَ يَدَيْهِ إلى مِرْفَقَيْهِ»، والقِياسُ عَلى الوُضُوءِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ المُرادَ ها هُنا وأيْدِيَكم إلى المَرافِقِ. ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ فَلِذَلِكَ يَسَّرَ الأمْرَ عَلَيْكم ورَخَّصَ لَكم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِیلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق