الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ إذا صدّر الله الآية بـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ دل ذلك على اهتمام الموضوع؛ لأن النداء يسترعي أيش؟ الانتباه، فإذا خاطبك أحد وناداك: يا فلان، فإنه يريد منك أن تنتبه، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه:« إذا سمعت الله يقول: » ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ «فأرْعِها سمعَك؛ فإما خير تُؤمر به، وإما شرٌّ تُنهى عنه»[[أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٥٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
ثم إن الله تعالى إذا صدّر هذا النداء لوصف الإيمان دلّ ذلك على أن امتثاله إن كان أمرًا وتصديقه إن كان خبرًا من مقتضيات الإيمان؛ لأنك لا تنادي شخصًا بوصف، ثم توجه إليه الأمر أو الخبر إلا لأنه أهل لقبول هذا الأمر وتصديق هذا الخبر بما معه من هذا الوصف، ويفيد أيضًا أن مخالفة هذا نقص في الإيمان، فإذا كان أمرًا فخُولف أو خبرًا فكُذّب، فإن هذا ينافي الإيمان، ويفيد أيضًا معنًى ثالثًا؛ وهو ما يُعرف عندهم بالإغراء؛ يعني تحبيب الشيء إلى الإنسان؛ لأنه إذا قيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ كأنه قيل: إن كنت مؤمنًا فافعل كما تقول للرجل: يا أيها الكريم، قد نزل بك ضيف؛ يعني فأكرمه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ أي: لا تصلّوا، ولا تتهيؤوا للصلاة، والحال أنكم سكارى، ولهذا نعرب الواو في قوله: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ حالية، والجملة: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ الجملة في محل نصب على الحال من الواو في قوله: ﴿لَا تَقْرَبُوا﴾.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ جمع (سكران)، والسكران من زال عقله على سبيل الطرب والنشوة، وبهذا يظهر الفرق بين السكران والمغمى عليه والمبنّج وما أشبهه، السكران يتغطّى عقله، لكن يجد طربًا ولذة ونشوة حتى يتخيل أنه ملك من الملوك كما قال شاعر الجاهلية:
؎وَنَشْرَبُهَــــــــــــــــــــافَتَتْرُكُنَــــــــــــــــــــا مُلُوكًـا ∗∗∗ ...........................
وكما وقع لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حين شرب فثمل؛ سكر قبل أن تحرم الخمر، فمر به بعيران ناضحان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ناضح يعني تسقي بالسواني، وكان عنده مغنية تغنيه فقالت:
؎أَلَا يَا حَمْــــــزُ لِلشُّـــــرُفِالنِّــــــــوَاءِ ∗∗∗ ........................
فهيّجته، فأخذ السيف، وجبّ أسنمة البعيرين، وبقر بطونها، وأخرج أكبادها، نشوة طرب، فجاء عليّ إلى النبي ﷺ يشتكي فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حمزة، فلما جاء إليه وجده لم يفق بعد، فكلّمه، فقال له حمزة: وهل أنتم إلا عبيد أبي؟! إذن تصوّر أنه أيش؟ أنه ملك وأن دول عبيد أبيه، فرجع النبي عليه الصلاة والسلام وعرف أن الرجل لا يدري ما يقول وتركه[[متفق عليه؛ البخاري (٤٠٠٣)، ومسلم (١ / ١٩٧٩) من حديث علي بن أبي طالب.]].
فهنا يقول: ﴿سُكَارَى﴾ من السكارى؟ قلنا: جمع (سكران)، وهو من تغطَّى عقله على وجه اللذة والطرب، وذلك بشرب المسكر، أما البنج فليس بسكر، والإغماء ليس بسكر، وإن تغطى العقل.
وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ ﴿حَتَّى﴾ هل هي للغاية أو للتعليل؟
* طلبة: للغاية.
* الشيخ: هي ﴿حَتَّى﴾ تأتي للتعليل، وتأتي للغاية، ففي قوله تعالى: ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه ٩١]. هذه لا شك أنها للغاية؛ لأن بقاءهم عاكفين على العجل لا يستلزم مجيء موسى.
وفي قوله تعالى: ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون ٧] هذه للتعليل أو للغاية؟
* طلبة: للتعليل..
* طلبة آخرون: للغاية.
* الشيخ: أمهلوا بارك الله فيكم، تأملوا ﴿لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾.
* طلبة: للتعليل.
* الشيخ: ما تصلح للغاية؟
* طلبة: لا لا.
* الشيخ: لو جعلناها للغاية كان المعنى: لا تنفقوا حتى ينفضّوا، فإذا انفضوا فأنفقوا، هذه الغاية، للتعليل: لا تنفقوا على من عند رسول الله لأجل أن ينفضّوا عنه، أيهما المعنى؟ الثاني لا شك؛ لأنهم ليسوا على استعداد أنهم إذا انفضوا عن رسول الله ينفقون عليهم. هذه الآية التي معنا: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ إلى أن تعلموا ما تقولون؟ أو المعنى: لتعلموا ما تقولون؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: فيها وجهان، وللطلاب قولان، تصلح لهذا وهذا: لا تقربوا الصلاة لتعلموا ما تقولون، لا تقربوا الصلاة إلى أن تعلموا ما تقولون، وإذا كانت صالحة للوجهين ولا منافاة بينهما فإنها تُحمل عليهما، فنقول: السكران لا يقرب الصلاة حتى يعلم ما يقول؛ يعني حتى يصحو صحوًا تامًّا، ولا يقربوا الصلاة لأجل أن يعلم ما يقول في صلاته وما يفعل في صلاته.
* طالب: قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران ١٠٦]، وقوله تعالى: ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه ١٠٢] ما نقول هذا من سبيل الترادف؛ يعني من نوع واحد، كلمتان مترادفتان على..؟
* الشيخ: اللي هي الزرق والسواد، هل الأزرق هو الأسود؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: عجيب!
* الطالب: نقول: أزرق أسود.
* الشيخ: نعم، هذا لا نعرفه إلا في لغة بعض المصريين؛ الأزرق غير الأسود، لكن بعض العلماء وفّق في هذا نحن نشرح، بعضهم قال: إن الأزرق إذا كانت زرقته يعني شديدة مال إلى السواد صار أسود، وبعضهم قال: في بعض الأحيان يكون سودًا وفي بعض الأحيان زرقًا، وبعضهم قال: سود الوجوه زرق الأعين فيكون ﴿نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [طه ١٠٢] المراد البعض، الزرقة لبعض أجزائهم، وعلى كل حال هي لا يمكن أن تُجعل الزرقة والسواد شيئًا واحدًا؛ لأنه يمكن الجمع بغير هذا.
* طالب: شيخ، بارك الله فيكم، أليس هناك وجه آخر للجمع بين هذه الآية اللي معنا وهي قوله تعالى: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام ٢٣] فيقول: إنهم لم يكونوا مشركين في شيء؛ لأنهم لن ينفعونا؟
* الشيخ: إي، يعني ما هم شركاء لانتفاء نفعهم؟
* الطالب: نعم، هم قالوا: لو قالوا شيئًا لنفوه.
* الشيخ: إي: قصدك أن نفوا الشرك لانتفاء الانتفاع به، لكن الله يقول: ﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام ٢٤] هذا صريح أنهم كذبوا في قولهم.
* طالب: أحسن الله إليك، عرفنا الخمر وقلنا: زوال العقل.
* الشيخ: السَّكَر.
* الطالب: إي نعم، زوال العقل (...) لو قال قائل: لو كان شرب الخمر من أجل الانتقام هل نقول إنه سكران أو غير سكران؟
* الشيخ: إي، ما فيه شك أنه سكران.
* الطالب: (...) التعريف؟
* الشيخ: نعم، نفس الذي أراد الانتقام يجد في نفسه طربًا ونشوة يتمكن بها، أو تحمله هذه النشوة والطرب على أن يوقع بمن أراد الانتقام به.
* طالب: هل يصح أن نقول: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ أهل السنة والآية الأخرى أهل بدعة؟
* الشيخ: اقرأ آخر الآية: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [آل عمران ١٠٦] إذا كانت البدعة مكفِّرة دخلوا في الآية، إذا لم تكن مُكفّرة لم يدخلوا في الآية.
* طالب: تفسير الآية الأخرى كما قوله تعالى (...) الخمر (...) آمنوا من الخمر والميسر هل تعتبر هذه الآية ناسخة لما..؟
* الشيخ: هذه -بارك الله فيك- سنتكلم عليها -إن شاء الله تعالى- في الفوائد؛ لأن الخمر له ثلاث مراتب بل أربع مراتب: إباحة، وتعريض، وتحريم في وقت دون وقت، وتحريم مطلق.
* طالب: هل السكران يدرك يا شيخ بعد شرب الخمر ما يفعل؟
* الشيخ: لا، يدرك، لكن ما هو الإدراك التام، لكن من خفة ما جاءه من الطرب، من الخفة صار يفعل شيئًا يندم عليه فيما لو صحا، ولهذا تجدهم -والعياذ بالله- يفعل الواحد بأمه، نشرت بعض المجلات اللبنانية منذ سنوات قديمة أن شابًّا دخل على أمه في الساعة الواحدة ليلًا بعد منتصف الليل فدعاها إلى نفسه قالت: لا، فقال: إن لم تفعلي لأقتلن نفسي فأدركتها الشفقة فمكّنته من نفسها ففجر بها، فلما أصبح أحس بما فعل، فجاء إلى أمه وقال: ماذا فعلتُ البارحة؟ قالت: لم تفعل شيئًا. خافت، قال: أخبريني أو أقتل نفسي! فأدركتها الشفقة فأخبرته، فذهب إلى الحمام وأخذ معه صفحة أو جرّة من البنزين وصبّه على نفسه، ثم أحرق بنفسه. نسأل الله العافية.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء ٤٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سبق الكلام على أول هذه الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ وقلنا: إن تصدير الكلام بالنداء يدل على أهميته؛ لأن النداء يوجب انتباه المخاطب، ثم كون النداء بوصف الإيمان يدل على أن امتثاله إن كان أمرًا وتصديقه إن كان خبرًا من مقتضيات الإيمان، ويدل على أن مخالفة ذلك من نواقص الإيمان، وذكرنا الأثر المروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إذا قال الله تعالى: » ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ «فأرْعِها سمْعَك؛ فإما خيرٌ تؤمر به، وإما شرٌّ»[[أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٥٠) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ والذي يناديك هو رب العالمين جل وعلا، فأصغ إليه وانتبه حتى تنظر ماذا يريد منك.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لو نادانا أحد من خارج السوق: يا أهل المسجد. أفلا نشرئب لندائه ونطلع وننظر ماذا يريد منا؟ والذي ينادينا الآن هو الله رب العالمين عز وجل من فوق سماواته، يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ يعني: ابتعدوا عن الصلاة في حال السكر، ولا تأتوها إلا وأنتم على أتم ما يكون من الإحساس واليقظة، وذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وبين الله، والمصلي يناجي الله عز وجل، يخاطبه، يحاوره، يقول: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢] فيقول الله: «حَمِدَنِي عَبْدِي» ، ويقول: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة ٣] فيقول: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»، ويقول: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] فيقول: مجّدني عبدي، ويقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥] فيقول: «هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»[[أخرجه مسلم (٣٩٥ / ٣٨) من حديث أبي هريرة.]]، ويقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة ٦] فيقول: «هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ». فما كان هذا شأنه فإنه يجب أن يُعتنى به، وأن يدخل الإنسان فيه وهو على أتم ما يكون صحوة وأتم ما يكون يقظة ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾، والصلاة اسم جنس يشمل صلاة الفريضة وصلاة النافلة، وقوله: ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿تَقْرَبُوا﴾. والسكر تغطية العقل على وجه اللذة والطرب، وخرج بقولنا على وجه اللذة والطرب: تغطية العقل على غير ذلك كالبنج مثلًا والإغماء، فإن ذلك لا يعد سكرانًا، ولا يثبت له أحكام المسكر، والسكر يكون بالشراب، ويكون بالشم، ويكون بالأكل، فكل ما أسكر فهو خمر؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»[[أخرجه البخاري (٢٤٢) من حديث عائشة، ومسلم (٢٠٠٣ /٧٣) من حديث ابن عمر، واللفظ له.]]. ﴿وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ ﴿تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ لفظًا ومعنى، وما تفعلون كذلك من باب أولى؛ لأن الذي لا يعلم القول لا يعلم الفعل فإن القول أفهم من الفعل، وكثير من الناس لا يفهم من الفعل شيئًا، وبعض الناس يفهم من الفعل أكثر مما يفهم من القول، فالمهم أن قوله: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ يعني وما تفعلون.
﴿وَلَا جُنُبًا﴾ يعني ولا تقربوا الصلاة جنبًا. انتبه، لا تقربوا الصلاة جنبًا، الحال هنا صارت مفردة وفي الأول ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ فالله أعلم، هل هذا من باب اختلاف التنوع في الألفاظ أو لسبب يظهر بالتأمل.
وقوله: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ كلمة (جنب) مفردة لفظًا، ولكنها صالحة للجماعة وللواحد، ولهذا قال: ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ ولم يقل: إلا عابرَ سبيل. إذن ﴿جُنُبًا﴾ نقول: حال من فاعل ﴿تَقْرَبُوا﴾ أو معطوفة على الجملة الحالية من فاعل: ﴿تَقْرَبُوا﴾.
﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ أي: مجتازين مارين، وكيف يتفق هذا مع الصلاة؟
نقول: إن الله لم يقل لا تصلوا، قال: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ وأماكن الصلاة ما هي؟ المساجد، وعلى هذا يكون المعنى: ولا تقربوا أماكن الصلاة وأنتم جنب إلا عابري سبيل أي: مارين بها مرورًا.
أي: مجتازين مارين، وكيف يتفق هذا مع الصلاة؟ نقول: إن الله لم يقل: لا تصلوا، قال: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾.
وأماكن الصلاة ما هي؟ المساجد، وعلى هذا يكون المعنى: ﴿لَا تَقْرَبُوا﴾ أماكن الصلاة وأنتم جنبًا ﴿إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ أي: مارين بها مرورًا، والعبور بمعنى التجاوز، والسبيل بمعنى الطريق يعني إلا أن تكونوا متجاوزين طريقًا.
﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ (حتى) للغاية أو للتعليل؟
* الطلبة: للغاية.
* الشيخ: للغاية، وهو غاية لقوله: ﴿وَلَا جُنُبًا﴾، أما ﴿سُكَارَى﴾ فغايتها ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾.
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ هذا كالاستثناء من قوله: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ ففي هذه الأحوال لا يجب الغسل ويغني عنه التيمم.
وفي قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ﴾ قراءتان؛ الأولى: بتحقيق الهمزتين ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ﴾، والثانية: بحذف إحداهما أي ﴿أَوْ جَا أَحَدٌ﴾ .
وفي قوله: ﴿لَامَسْتُمُ﴾ قراءتان أيضًا؛ الأولى: بالمد ﴿لَامَسْتُمُ﴾، والثانية: بحذف المد أي: ﴿لَمَسْتُمُ﴾ ، ونتكلم عليه إن شاء الله.
قال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ وأطلق الله المرض، لم يقل: وأعجزكم الاغتسال. لكن يؤخذ من آيات أخرى أن المراد بالمرض المرض الذي يؤثر عليه استعمال الماء.
وقوله: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ أطلق أيضًا ولم يقيد، لكن نقول: إن قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ قيد هذا الإطلاق، يعني: على سفر، ولم تجدوا ماء.
﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ (أو) هذه أشكلت على أهل العلم؛ لأن ظاهرها التنويع مع قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾، والتنويع مشكل؛ لأنها ليست قسيمًا لما سبق ولا نوعًا مما سبق.
والجواب عن هذا الإشكال أن نقول: إن (أو) بمعنى (الواو) و (أو) تأتي بمعنى (الواو) في اللغة العربية، ومنه قول النبي ﷺ: «سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ»[[أخرجه أحمد في مسنده (٤٣١٨) من حديث ابن مسعود.]] فقوله: «سَمَّيْتَ بِهِ نَفَسْكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ» الإنزال ليس قسيمًا للتسمية ولا نوعًا من التسمية، لكن معنى الحديث: سميت به نفسك وأنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، فالآية معناها -والله أعلم-: أو على سفر وجاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء.
وقوله: ﴿جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ الغائط المكان المطمئن من الأرض المنخفض وعبر به عن الخارج المستقذر وهو البول والغائط، لماذا؟ لأنهم كانوا فيما سبق ليس عندهم كنف ولا حمامات، وإنما يخرج الإنسان إلى البر فيختار مكانًا مطمئنًا من أجل أن يقضي حاجته، فتأملوا يا إخوان حال الناس في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، البيوت ما فيها بيوت الخلاء ولا مراحيض إلا فيما بعد، كان الناس ينتابون المكان المنخفض لقضاء الحاجة والمكان المنخفض يسمى أيش؟ غائطًا أي: نازلًا، وفي لغة عامية يقولون: ماء غويط، ويش معناه؟ يعني نازل، منقعر.
هنا يقول: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ وفي قراءةٍ: ﴿لَامَسْتُمُ﴾ وهل القراءتان في معنى واحد؟ قيل: إن معناهما واحد. وقيل: ﴿لَامَسْتُمُ﴾ للجماع، و﴿لَمَسْتُمُ﴾ لمجرد اللمس. ولكن الصحيح أن معناهما واحد ولكن الفرق بينهما: أن اللمس من جانب واحد والملامسة من جانبين، كالقتل من جانب واحد والمقاتلة من الجانبين، والمراد باللمس الجماع وإنما اخترنا ذلك؛ لأنه لو كان المراد به اللمس باليد لكان في الآية تكرار وإهمال، كيف تكرار وإهمال؟ تكرار لحدث أصغر؛ لأن المجيء من الغائط هو الحدث الأصغر ولمس النساء باليد حدث أصغر وفيه إهمال للحدث الأكبر، فإذا قلنا: الملامسة الجماع صار في الآية ذكر الحدثين جميعًا: الأصغر، والأكبر.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء ٤٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى في آخر آيةِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ قال: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ وفيها قراءتان: ﴿لَامَسْتُمُ﴾ و﴿لَمَسْتُمُ﴾ وقد اختلف المفسرون في معناها على قولين، القول الأول: أن المراد بها الجماع، والقول الثاني: أن المراد بها اللمس باليد.
والصواب أن المراد بها الجماع من أجل أن تكون في مقابل قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾؛ لأن في قوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ إشارة إلى سبب الوضوء، ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ إشارة إلى سبب الغسل فيكون في هذا ذكر الحدثين جميعًا.
أما لو قلنا: ﴿لَمَسْتُمُ﴾ بمعنى اللمس باليد، وأن اللمس باليد ناقض الوضوء لم يكن في الآية إلا ذكر سبب واحد لحدث واحد وهو الحدث الأصغر، يكون في الآية سببان لحدث واحد وهو الأصغر وهذا نوع من التكرار.
﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ و(النساء) اسم جنس يشمل الأحرار والعبيد، ويشمل الجميلة وغير الجميلة، ويشمل الصغيرة وغير الصغيرة أو لا؟ لا يشمل الصغيرة التي لا يوطأ مثلها لا يشملها، وسيأتي إن شاء الله ذكر ذلك في الفوائد.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ الفاء هذه حرف عطف على قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾.
ونفي الوجدان يدل على الطلب؛ لأنه لا يقال: (لم يجد) إلا لمن طلب، تقول: طلبت فلم أجد، وأما من لم يطلب فلا يصح أن يقال: إنه لم يجد.
﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ ﴿تَيَمَّمُوا﴾ أي: اقصدوا؛ لأن التيمم في اللغة: بمعنى القصد، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة ٢٦٧] يعني: لا تقصدوا الخبيث تنفقون منه ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه، وقال الشاعر:
؎تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا ∗∗∗ بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌعَــــــــالِ
قال: تيممتها أي قصدتها، وأما الصعيد فهو وجه الأرض، الصعيد وجه الأرض؛ لأنه صاعد ظاهر بين.
وأما قوله: ﴿طَيِّبًا﴾ فالطيب ضد الخبيث، وإذا كان المقصود من هذا التيمم التطهر صار الطيب هو الطهور، وإن شئت فقل: الطاهر وهو كذلك، فالطيب هنا هو الطاهر.
و(الصعيد) قلنا: كل ما على وجه الأرض أو هو وجه الأرض سواء كان أحجارًا أو رمالًا أو ترابًا أو غير ذلك.
﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ معطوفة على ﴿تَيَمَّمُوا﴾.
﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (الوجه): نقول في حده ما قلناه في الوضوء؛ يعني حد الوجه من الأذن إلى الأذن عرضًا ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولًا، هذا هو الوجه.
وأما قوله: ﴿أَيْدِيكُمْ﴾ فهنا أطلق الله اليد، وإذا أُطْلِقَت اليد، فالمراد بها الكف فقط ولا يراد بها ما زاد على ذلك.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ الجملة هذه تعليل لما سبق من الأحكام؛ أي: لعفوه ومغفرته شرع لكم التيمم عند عدم وجود الماء أو عند المرض.
و(العفوُّ): هو المتجاوز عن عباده في ترك الواجب وفعل المحرم، وعفو الله عز وجل عفوٌ كامل مقرون بالقدرة؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء ١٤٩] بخلاف عفو غيره فقد يكون للعجز أي: العجز عن الأخذ بالثأر.
وقوله: ﴿غَفُورًا﴾ الغفور هو الساتر للذنوب المتجاوز عنها، فإذا أضيف العفو إلى المغفرة حصل الكمال وهو أن العفو لترك الواجب والمغفرة لفعل المحرم.
* في هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة؛ منها: أهمية الصلاة والعناية بها، وجه ذلك أن الله تعالى صدر الحكم المتعلق بالصلاة بالنداء لاسترعاء الانتباه، ومنها -أي مما يدل على العناية بها- أن الله صدر الخطاب بذلك بوصف الإيمان ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فدل هذا على أهمية الصلاة وعلى العناية بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حل الخمر؛ لقوله: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ فإن هذا رخصة للناس أن يشربوا الخمر في غير أوقات الصلاة، وهذه إحدى المراحل التي كانت في الخمر؛ لأن الخمر له أربع مراحل: الإباحة، والتعريض بتركه، والنهي عن شربه قرب وقت الصلاة، والنهي عن شربه مطلقًا.
وقد أجمع المسلمون على تحريم الخمر وصار تحريمه من الأمور الظاهرة المجمع عليها حتى قال العلماء: إن من أنكر تحريمه فإنه كافر إلا أن يكون ناشئًا في بلد بعيد عن بلاد المسلمين فإنه يعرف ثم بعد ذلك يبين له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا حكم لقول السكران؛ لقوله: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ فإنه يدل على أن السكران لا يعلم ما يقول، وإذا كان لا يعلم ما يقول صار قوله لغوًا لا عبرة به، وهو كذلك، وهذا هو القول الراجح أن قول السكران لا عبرة به حتى لو طلق فإنه لا يقع طلاقه، ولو أعتق فإنه لا ينفذ عتقه، ولو وقف لا ينفذ إيقافه، أَيُّ قول يقوله فإنه لا عبرة به لأنه لا يعلم ما يقول.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن الإنسان إذا غضب غضبًا شديدًا حتى صار لا يعلم ما يقول، فإنه لا عبرة بقوله حتى لو كان كفرًا وحمله على ذلك شدة الغضب فإنه لا عبرة بقوله؛ لقوله: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ فدل ذلك على أن جهل الإنسان بما يقول له أثر في تغيير الحكم، وكذلك لو طلق في شدة الغضب وهو لا يعلم ما يقول، بل لو أنه طلق وهو يعلم ما يقول لكن صار كالمكره من شدة الغضب؛ فإنه لا حكم؛ لقوله ولا تطلق المرأة بذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على حضور القلب في الصلاة؛ لقوله: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ والقلب إذا غاب فإن الإنسان لا يعلم ما يقول، وإنما يقول على سبيل العادة فقط، وإلا لو أنه رجع إلى نفسه لتبين له أنه لا يدري ما يقول؛ أي: لا يدري معنى ما يقول وإن كان قد يدري أنه لفظ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن فيها شاهدًا لنهي النبي ﷺ عن الصلاة في حضرة الطعام أو وهو يدافعه الأخبثان، ووجه ذلك أن الصلاة في هذه الحال ينقصها العلم بما يقول المصلي.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الوسواس إذا غلب على أكثر الصلاة فإنها لا تصح، يعني: لو غلب الوسواس الهواجيس في الصلاة عليها أو على أغلبها فإنها لا تصح؛ لقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾، ولكن هذه المسألة الصحيح فيها أن الصلاة تصح لكنه لا ينال الثواب الكامل، ودليل ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن «الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَدْبَرَ وَلَهُ ضُرَاطٌ» ، من شدة ما سمع ووقعه على قلبه فإذا أقيمت الصلاة حضر وصار يقول للإنسان: «اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، حَتَّى لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ مَا قَدْ صَلَّى»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٨)، ومسلم (٣٨٩ / ٨٤) من حديث أبي هريرة.]]، وهذا يدل على أن الوساوس في الصلاة لا تبطلها، لكن لا شك أنها تنقصها؛ لقوله: «لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا»[[انظر الفتاوى لابن تيمية (٢ / ٢٢٦) من حديث ابن عباس.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم مكث الجنب في المسجد؛ لقوله: ﴿وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ وهذا هو أصح الأقوال في هذه الآية أن المراد بذلك النهي عن قربان الجنب للمساجد إلا عابري سبيل، ولكن يستثنى من ذلك ما إذا توضأ الجنب فإنه إذا توضأ يجوز له المكث في المسجد؛ لأن هذا وردت فيه آثار عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يفعلون هذا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٦٤٦) من حديث عطاء بن يسار.]].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العبور ليس كالمكث، وعليه؛ يعني يترتب على هذه الفائدة: أن الإنسان لو مر عابرًا بالمسجد فإننا لا نلزمه أن يصلي تحية المسجد؛ لأنه عابر بخلاف ما إذا مكث وجلس فإننا نقول له: لا تجلس حتى تصلي ركعتين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنع يزول -أعني منع الجنب من دخول المسجد يزول- إذا اغتسل؛ لقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾، وقد علمتم آنفا أنه يزول أيضًا بأيش؟
* الطلبة: بالوضوء.
* الشيخ: بالوضوء للآثار الواردة عن الصحابة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى القاعدة المعروفة المتفق عليها؛ وهي: أن المشقة تجلب التيسير، ووجهه أن الله تعالى أجاز للمريض أن يتيمم، ولكن هل يتيمم لكل مرض أو يتيمم إذا كان استعمال الماء يؤدي إلى الموت؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: نعم، لا هذا ولا هذا، من العلماء من يقول: لا يتيمم إلا إذا كان يخاف الموت أما إذا كان يخاف المرض أو طول المرض أو تشويه الجسم فإنه لا يتيمم. ومنهم من قال: يتيمم لكل مرض. والصواب أنه لا هذا ولا هذا فيتمم لكل مرض يخشى استعمال الماء فيه أن يطول مرضه أو يزيد مرضه أو يسري الجرح حتى يؤثر في البدن أو ما أشبه ذلك، المهم متى حصل شيء يضره فإنه يتيمم ولا بأس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المسافر إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم ولا ينتظر حتى يجد الماء في البلد؛ لقوله: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجوز التيمم في الحضر عند عدم الماء؛ لأن الله تعالى شرط التيمم عند عدم الماء؛ شرط شرطين، الأول: عدم الماء، والثاني: السفر، والصحيح أنه جائز؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تيمم في الحضر في قصة الرجل الذي جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرد عليه حتى تيمم على الجدار وقال: «إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ»[[أخرجه أبو داود (١٧) من حديث المهاجر بن قنفذ بلفظ: «إِنِّي كَرِهْتُ..» الحديث.]] وهذا نص في النزاع، ولأن العلة واحدة وهي عدم أيش؟
* طالب: الماء.
* الشيخ: عدم الماء، فلو فرض أن الماء انقطع عن البلد ولم يجد الإنسان ماء يتطهر به فإنه يتيمم؛ لأن العلة واحدة، لكن ذَكَر السفر؛ لأنه مظنة العدم، وكما مر علينا أن القيد إذا كان أغلبيًّا فإنه لا مفهوم له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن السفر ليس له حد معين، وجهه الإطلاق ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾، ولم يقل: مسافة كذا أو مسافة كذا، وهذا القول هو الراجح من أقوال أهل العلم: أن السفر لا حد له لا بثمانين كيلو ولا مئة كيلو ولا أربعين كيلو. حَدُّه أن يقع عليه اسم السفر؛ فإذا وقع عليه اسم السفر ثبتت له أحكام السفر ولم يحدد الله ولا رسوله السفر بمسافة معينة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن البول والغائط ناقضان للوضوء؛ لقوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾.
وهل هناك نواقض أخرى سوى ذلك؟ فيه نواقض؛ منها: النوم إذا كان عميقًا بحيث لو أحدث الإنسان لم يحس بنفسه، وأما النوم اليسير الذي يحس الإنسان بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء.
* ومنها: أكل لحم الإبل فإنه ناقض للوضوء، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيه حديثان صحيحان: حديث البراء[[أخرجه أبو داود (١٨٤)، والترمذي (٨١)، وابن ماجه (٤٩٤) من حديث البراء بن عازب.]]، وحديث جابر بن سمرة[[أخرجه مسلم (٣٦٠ / ٩٧) من حديث جابر بن سمرة.]]
كم هذه؟ البول، والغائط، والنوم وأكل لحم الإبل، بقيت علينا أشياء التي فيها خلاف مع أن النوم نفسه فيه خلاف لكن الصحيح أنه ينقض الوضوء إذا كان عميقًا.
الخارج من غير السبيلين إذا كان نجسًا كالدم، وفيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه لا ينقض الوضوء فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا تصيبهم الجراحة في سبيل الله وتصيبهم الجراحة أيضًا في غير القتال ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمرهم بالوضوء من ذلك، ومثل هذا تتوافر الدواعي على نقله، ولأن نقول: الوضوء ثبت بمقتضى الدليل الشرعي فلا يمكن أن ترتفع هذه الطهارة التي حصلت بالوضوء إلا بدليل شرعي وليس هناك دليل يدل على أن خروج الدم من البدن أو غيره من النجاسات من غير السبيلين ناقض الوضوء، وعلى هذا فالرعاف ولو كثر والجرح ولو كثر نزيف الدم منه لا يكون ناقضًا للوضوء.
مس الذكر، وإن شئت قل: مس الفرج هل هو ناقض الوضوء؟
فيه للعلماء أقوال: أنه ناقض مطلقًا، وأنه غير ناقض مطلقًا، والتفصيل، والأظهر التفصيل وهذا هو مقتضى التعليل الذي علل به النبي ﷺ عدم النقض فإنه قال: لما سئل عن الرجل يَمَسُّ ذكره في الصلاة، أعليه الوضوء؟ قال: «لَا، إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ»[[أخرجه أبو داود (١٨٢)، والترمذي (٨٥)، والنسائي في المجتبى (١٦٥) من حديث طلق بن حبيب.]] أي: جزء منك وقطعة منك، فإذا مسه الإنسان بغير شهوة فهو كما لو مس بقية أعضائه ليس عليه وضوء ولا إشكال في هذا.
لكن إذا مسه لشهوة، فهل الوضوء واجب أو الوضوء مستحب؟ فيه قولان للعلماء، منهم من قال: إنه مستحب. لأن الشهوة تثير البدن، ومنهم من قال: إنه واجب. والأحسن بل والأحوط أن يتوضأ.
منها أيضًا؛ مما اختلف فيه العلماء: تغسيل الميت، مس المرأة، والصحيح في هذا أنه لا ينقض، وعلى هذا فالنواقض التي نرى أنها ناقضة والتي دلت عليها النصوص عندنا هي: البول، والغائط، والنوم العميق، وأكل لحم الإبل، ومس الذكر لشهوة على سبيل الاحتياط.
* طالب: خروج الريح يا شيخ؟
* الشيخ: الريح خارجة من السبيلين، نعم؛ ولهذا لو قلنا: الخارج من السبيلين وعممنا لكان أولى.
* طالب: القيء؟
* الشيخ: القيء لا ينقض الوضوء.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن مجامعة النساء حدث؛ لقوله: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾.
ولكن هل هو حدث أصغر أو أكبر؟ نقول: هو حدث أكبر كما دلت على ذلك آية المائدة، وعلى هذا فيجب على الإنسان إذا جامع المرأة أن يغتسل سواء أنزل أم لم ينزل، وكان في أول الإسلام أن الرجل إذا جامع ولم ينزل فإنه يغسل ذكره وما أصاب المرأة منه ولا يجب عليه الغسل ثم بعد هذا نسخ فصار الاغتسال واجبًا من الجماع وإن لم يحصل إنزال، أما إذا حصل إنزال من جماع أو غير جماع فإن الغسل واجب؛ لقول النبي ﷺ: «إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»[[أخرجه مسلم (٣٤٣ / ٨٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يشترط لجواز التيمم عدم الماء، أو التضرر باستعماله؛ عدم الماء مأخوذ من قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾، والتضرر باستعماله من قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى﴾، وعلى هذا لا يمكن أن يكون تيمم إلا إذا تعذر استعمال الماء لعدم أو لضرر باستعماله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التيمم على وجه الأرض كله من رمل أو حصى أو تراب أو سبخة أو جص أو غير ذلك، كل ما على الأرض فيتمم به؛ لقوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا﴾ ولم يقيِّد، ولقول النبي ﷺ: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ»[[أخرجه أبو داود (٣٣٢)،والترمذي (١٢٤)، والنسائي في المجتبى (٣٢٢) من حديث أبي ذر.]] الصعيد الطيب.
واختلف العلماء فيما إذا كان من غير جنس الأرض: كالشجر هل يجوز التيمم به أو لا؟ فمنهم من أجاز التيمم به، ومنهم من قال: لا يجوز إلا إذا كان متصلًا بالأرض، فأما الغصن المنكسر المرمي في الأرض فإنه لا يتيمم به، وهذا هو الأقرب، وعلى هذا فلو تيمم الإنسان بجزع شجرة متصل بالأرض فلا بأس، ولكن لا شك أن تيممه على نفس الأرض أولى وأحوط وأبعد عن الخلاف.
واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط أن يكون له غبار أو لا؟ فقال بعض العلماء: لا بد أن يكون له غبار؛ لقوله تعالى في آية المائدة: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة ٦] و(مِن) للتبعيض، وهذا يقتضي أن يكون هناك غبار يمسح به.
ومنهم من قال: لا يشترط أن يكون له غبار واستدلوا بالآية هذه ﴿بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [النساء ٤٣] ولم يقل: منه، واستدلوا بأنه ثبت عن النبي ﷺ «أنه لما أرى عمار بن ياسر كيف يتيمم ضرب بيديه الأرض ونفخ فيهما»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٣٦٨ / ١١٢) من حديث عمار بن ياسر.]]، ولو كان الغبار شرطًا لم ينفخ؛ لأن النفخ يلزم منه أن يطير الغبار، والصواب أنه لا يشترط الغبار وأن الإنسان إذا تيمم على الأرض صح تيممه سواء كان فيها غبار أم لم يكن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا بد من المسح، المسح مع القصد؛ لقوله: ﴿فَتَيَمَّمُوا﴾، ﴿فَامْسَحُوا﴾، وعلى هذا فلو هبت الريح وحملت ترابًا ووقف الإنسان أمام الريح صمد لها حتى مُلِئَت وجهه من الغبار ومسح وجهه فهل يجزئ ذلك أو لا؟
قال بعض أهل العلم: إنه يجزئ، والأحوط أن لا يجزئ؛ وذلك لأن الله أمر بأن نقصد وجه الأرض ونمسح منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحكمة في التشريع، وجه ذلك: أن الله فرَّق بين طهارة الماء وطهارة التيمم؛ طهارة الماء من الجنابة لا بد أن تعم أيش؟ جميع البدن، ومن الحدث الأصغر لا بد أن تعم الأعضاء الأربعة: الوجه، واليدان، والرأس، والرجلان.
أما طهارة التيمم فإنها لا تكون إلا في عضوين فقط وهما: الوجه، واليدان، ولا فرق فيها بين الطهارتين: الكبرى، والصغرى، والحكمة من ذلك هو أن الطهارة بالماء فيها تطهير، تطهير حسي واضح، وطهارة التيمم فيها تطهير معنوي وهو كمال التعبد والتذلل لله عز وجل بحيث إن الإنسان يمسح بالتراب وجهه وكفيه، وهذا دليل على كمال التعبد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الترتيب بين مسح الوجه في التيمم ومسح اليدين، أيهما يقدم؟ الوجه؛ والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل على الصفا: «﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ « أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر.]] وفي لفظ للنسائي: «ابْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»[[أخرجه النسائي في المجتبى (٢٩٦٢) من حديث جابر.]] وإذا كان الله بدأ هنا بالوجوه فإننا نبدأ بها وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال: يشترط الترتيب في التيمم مطلقًا سواء تيمم عن حدث أصغر أم عن حدث أكبر. ومنهم من قال: لا يشترط الترتيب مطلقًا سواء تيمم عن حدث أصغر أو عن حدث أكبر. ومنهم من قال: إن كان عن حدث أصغر وجب الترتيب، وإن كان عن حدث أكبر لم يجب؛ قالوا: لأنه إن كان عن حدث أصغر كان بدلًا عن طهارة يجب فيها الترتيب والبدل له حكم المبدل، وإن كان عن غسل فالغسل لا يشترط فيه الترتيب فيكون بدله لا يشترط فيه الترتيب وهو التيمم. والأحوط؟ الأحوط أن يرتب فيبدأ بالوجه ثم باليدين.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا يجب في التيمم مسح الذراع؛ لقوله: ﴿بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ وأطلق، واليد عند الإطلاق هي الكف؛ ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨] وقد أجمع العلماء على أن السارق لا تقطع يده إلا من مفصل الكف ولا تقطع من المرفق، وهنا أطلق الله تعالى اليد كما أطلقها في القطع بالسرقة، وإذا أطلقت فالمراد الكف.
فإن قال قائل: أفلا يجب المسح إلى المرفق قياسًا على الوضوء؟ نقول: القياس لا بد فيه من مساواة الفرع بالأصل، وهنا لا يمكن تساوى الفرع والأصل للتباين العظيم بين طهارة التيمم وطهارة الماء؛ فكما ترون أن طهارة التيمم أخف بكثير من طهارة الماء لا يجب إلا أن يطهر كم؟ عضوين فقط، والطهارة متساوية في الحدث الأصغر والأكبر، والطهارة أيضًا ليس فيها مضمضة ولا استنشاق ولا إيصال التراب إلى ما تحت الشعور ولو كانت خفيفة، والفرق بين طهارة الماء والتيمم كبير جدًّا، وإذا كان كذلك فإنه لا يصح القياس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين لله عز وجل: العفو، والغفور، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾.
* ومن فوائدها: إثبات ما دل عليه هذان الاسمان من الصفة وهي: العفو والمغفرة.
فإن قال قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ هل هذا الوصف كان لله ثم زال؟
فالجواب: لا. كلمة (كان) فعل ماض؟! نقول: لأنها في هذا السياق وشبهه قد سلبت عنها الدلالة على الزمن، وكان المراد بها تحقيق الاتصاف بما دلت عليه، وهذا في القرآن كثير بالنسبة لأسماء الله وصفاته.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- بعض الناس يستدل بقول الله تبارك وتعالى: ﴿وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ [المائدة ٦] الآية أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبان؟
* الشيخ: وجه الدلالة؟
* الطالب: قالوا: لأن الذين يقولون بأن المضمضة والاستنشاق واجبة بالوضوء، يقولون: أن الأنف والفم من الوجه، فهل الله سبحانه وتعالى أو ثبت عن رسول الله ﷺ أنه أمر الذين تيمموا بالمضمضة والاستنشاق أن يتيمموا بالتراب؟
* الشيخ: أسمعتم ما قال؟ يقول: بعض العلماء أو بعض الناس استدل بهذه الآية على أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبان. فنقول: نعم نحن نوافقهم على أن المضمضة والاستنشاق في التيمم ليسا بواجبان وكيف يستنشق التراب أو كيف يتمضمض به؟ أما الوضوء فإن النبي ﷺ كان يواظب على المضمضة والاستنشاق ولم يرد عنه حديث لا صحيح ولا ضعيف بأنه تركه، بل قال للقيط بن صبرة: «بَالِغْ بِالْاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صِائِمًا»[[أخرجه أبو داود (١٤٢) ، (٢٣٦٦)، والترمذي (٧٨٨)، والنسائي في المجتبى (٨٧)، وابن ماجه (٤٠٧) من حديث لقيط بن صبرة.]] وقال: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ»[[أخرجه أبو داود (١٤٤) من حديث لقيط بن صبرة.]] وقال: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ عَلَى أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَسْتَنْثِرْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٦٢)، ومسلم (٢٧٨ / ٢٠) من حديث أبي هريرة.]]. أوامر، ثم نقول أيضًا: طهارة التيمم فيها نقص أعظم؛ أيضًا الرِّجل ما تغسل في طهارة التيمم، هل يقولون: إن الرجل ليس واجبًا غسلها؟
* طالب: لا يقولون، في سورة النساء ..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: إن حكمه، دليله دليل..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: هم يقولون: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: سنة (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: الذين يقولون بأن المضمضة والاستنشاق واجبة أن الوجه يدخل فيه الأنف والفم.
* الشيخ: صحيح.
* الطالب: الله عز وجل ذكر هنا أطلق في آية التيمم.
* الشيخ: لكن هل يمكن أن الإنسان يستنشق التراب أو يتمضمض بالتراب؟ أنا عندي إن صح هذا القول عن أحد من أهل العلم، ففي عقله خبل، هذا إن صح.
* طالب: مؤذن أصبح جنبًا هل حكمه في وقت الآذان يعتبر منهي عنه؟
* الشيخ: هل أيش؟
* الطالب: مؤذن في المسجد حب يغتسل ويرجع هل يعد هذا (...) المنهي عنه؟
* الشيخ: لا، نقول: اغتسل ثم أذن وإن لم تفعل فتوضأ ثم أذن.
* * *
(...)
* الشيخ: لأيش؟
* طالب: عندي أسئلة يا شيخ، بعضهم يقول: (...)، والمعروف أن الجدار في السابق، طين لكن هل ينطبق على البوية الأن؟
* الشيخ: لا، البوية ما ينطبق عليها إلا على القول الثاني اللي يقولون: كل ما على وجه الأرض فهو صعيد.
* الطالب: وما هو الصيحيح يا شيخ؟
* الشيخ: هذا هو الصحيح.
* طالب: طبعًا، ذكرتم إنه لا يشترط في التيمم أن يكون هناك غبار، وذكرتم الأدلة بأن الرسول ﷺ نفخ في يده، فما الرد على من قال: إنه يجب أن يكون غبار واستدل بالآية التي في المائدة: ﴿مِنْهُ﴾ قوله تعالى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة ٦] وأن (منه) للتبعيض، فما وجه ردنا عليه؟
* الشيخ: الرد عليه أن يقال: (من) هنا تصلح للتبعيض، وتصلح لابتداء الغاية، وإذا احتمل بطل، إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، من يعين لنا أن (من) للتبعيض إذا قال: امسحوا بوجوهكم منه؟
* الطالب: الأصل يا شيخ.
* الشيخ: الأصل أيش؟ نعم؟
* الطالب: الأصل في ﴿مِنْهُ﴾ للتبعيض.
* الشيخ: لا، لها معان متعددة ويعين أحد المعاني السياق.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- هل يمكن أن نستفيد من دخول الصحابة وهم جنب إلى المسجد بعدم وجوب تحية المسجد؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: هل لي أن أقول: هل نستفيد بعدم وجوب تحية المسجد؟
* الشيخ: لا، ما نستفيد؛ لأن تحية المسجد إنما تجب على من دخل المسجد وهو أهل للصلاة، أما إذا دخل وهو غير متوضئ فإننا لا نقول: صَلِّ.
* الطالب: أسقطوا واجبًا (...).
* الشيخ: لا لا، أصلًا ما هي بواجب لذاتها، واجب على من دخل على وضوء ألا يجلس حتى يصلي ركعتين، هذا يعني القائلين بالوجوب، مع أن الذي يظهر لنا أنها ليست بواجبة.
* الطالب: اليد إذا أطلقت يراد بها الكتف تقيد من (...).
* الشيخ: يعني: على رأي هؤلاء؛ إذا سرق السارق قطع يده من الكتف.
* طالب: وتبينها السنة.
* الشيخ: لا، الآية مطلقة، ومَنِ الذي قال لهم: إن اليد إذا أطلقت، إلى الكتف؟
* طالب: شيخ، الدم الخارج من السبيلين لا ينقض الوضوء؟
* الشيخ: ينقض الوضوء، كل خارج من السبيلين فإنه ينقض الوضوء.
* الطالب: وإذا خرج من غير السبيلين؟
* الشيخ: من غير السبيلين لا ينقض الوضوء.
* طالب: أحسن الله إليكم، على قول الذي رجحتموه وهو أن الغبار لا يشترط في التيمم، أقول: ما يضطرد هذا مع القول بالتيمم على الجدران المصحوبة بالبوية؟
* الشيخ: البوية يقولون: إنه ليست من أصل الأرض، البوية -المعروف أنها- من البترول فهي تشبه الثياب التي تكسى بها الجدران، لكن من قال: إن كل متصل بالأرض فهو من الأرض، وهو مذهب مالك فإنه يصح التيمم عليه.
* الطالب: أما قاعدتكم فهي: أنه لا بد أن يكون من الأرض حتى يجز التيمم عليه.
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: أحسن الله إليك، يا شيخ، ثبت عن ابن عمر أنه «ضرب للتيمم ضربتين، ومسح بها الوجه ويديه إلى المرفقين»[[أخرجه مالك في الموطأ (١٤٢). ]] ، فهل يؤخذ منها جواز التيمم ضربتين، وكذلك المسح..؟
* الشيخ: هذا اجتهاد منه، رضي الله عنه، لكن اجتهاد في مقابلة النص؛ لأنه ثبت في حديث عمران بن حصين «أن الرسول إنما مسح الكفين فقط».
* الطالب: أقول: فعل الصحابة ما يكون له حجة؟
* الشيخ: حجة في مقابل السنة؟!
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، يقال: هذا من اجتهاداته مثل ما كان -رضي الله عنه- يغسل داخل عينيه في الوضوء حتى عمي.
* طالب: هل الغلبة على العقل من إغماء أو سكر، هل هو ناقض للوضوء؟
* الشيخ: إي نعم، مثل النوم العميق.
* طالب: الوقوف هل هو من المكث أم من العبور (...)؟
* الشيخ: ويش تقولون في هذا؟ هل الوقوف في المسجد مثل العبور أو مثل القعود؟
* الطلبة: القعود.
* الشيخ: قعود، هذا قعود، والدليل على هذا أن الرسول منع الحائض من الطواف بالبيت مع أنها تدور.
* طالب: في الحديث لا يجوز حتى تصلى ركعتين، ثم (...) يجوز.
* الشيخ: نحن نقول مثل هذا: لا، صلِّ ركعتين، نقول: هذا مثل القعود.
* طالب: شيخ، إذا كان في أحد الأعضاء جرح يعني ما يستطيع استعمال الماء وباقي الأعضاء سليمة، هل يتيمم ويعدل عن الوضوء ولا..؟
* الشيخ: يعني يضره الغسل والمسح؟
* الطالب: لا، بس يضره أنه..
* الشيخ: الغسل والمسح ولا الغسل فقط؟
* الطالب: نعم، الغسل والمسح.
* الشيخ: هذا يتيمم عنه، إلا إذا كان عليه جبيرة لفافة فإنه يسمح اللفافة.
* الطالب: ويغسل باقي الأعضاء؟
* الشيخ: ويغسل باقي الأعضاء حتى باقي العضو نفسه.
* الطالب: فيه دليل يا شيخ؟
* الشيخ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾.
* الطالب: ﴿مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
* الشيخ: وهل استطاع أن يغسل باقي العضو ولَّا لا؟
* الطالب: بالنسبة لباقي الأعضاء يستطيع.
* الشيخ: إذن يجب عليه.
* طالب: شخص مجروح ولا يستطيع غسله ولا مسحه، ولكنه يستطيع أن يلف عليه لفافة ويمسح اللفافة، هل نقول: يتيمم أو يجب عليه (...)؟
* الشيخ: لا، يتيمم إلا إذا كان من مصلحة الجرح، إذا كان من مصلحة الجرح اللفافة، يلف عليه.
* الطالب: يجب؟
* الشيخ: إذا كان لمصلحته، معلوم لأنه: ﴿لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة ١٩٥].
* الطالب: والتيمم قبل أو بعد؟
* الشيخ: الصحيح، أما المذهب فالتيمم في محل غسل، إذا كان باليد فإذا غسل اليد السليمة تيمم ثم مسح رأسه، والصحيح أنه يجوز أن يكون بعد انتهاء الوضوء وأنه لا يشترط الترتيب في هذا.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيه شيء.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِیلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُوا۟ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰۤ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَاۤءَ أَحَدࣱ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَاۤىِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَلَمۡ تَجِدُوا۟ مَاۤءࣰ فَتَیَمَّمُوا۟ صَعِیدࣰا طَیِّبࣰا فَٱمۡسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَیۡدِیكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق