الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: سُكارى مِنَ الخَمْرِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ، وقَدْ رَوى عَطاءُ بْنُ السّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ: «أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ صَنَعَ طَعامًا وشَرابًا ودَعا نَفَرًا مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ فَأكَلُوا وشَرِبُوا حَتّى ثَمِلُوا، ثُمَّ قَدَّمُوا عُمَرَ فَصَلّى بِهِمُ المَغْرِبَ فَقَرَأ: ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ﴾ أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وأنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ وأنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ ﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾» والقَوْلُ الثّانِي: وأنْتُمْ سُكارى مِنَ النَّوْمِ، وهو قَوْلُ الضَّحّاكِ، وأصْلُ السُّكْرِ: السَّكْرُ، وهو سَدُّ مَجْرى الماءِ، فالسُّكْرُ مِنَ الشَّرابِ يَسُدُّ طَرِيقَ المَعْرِفَةِ. فَإنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ نَهْيُ السَّكْرانِ؟ فَفِيهِ جَوابانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَكْرانَ مِن غَيْرِ أنْ يَخْرُجَ إلى حَدٍّ لا يُحْتَمَلُ مَعَهُ الأمْرُ. والثّانِي: أنَّهُ نُهِيَ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلسُّكْرِ وعَلَيْهِ صَلاةٌ. ﴿وَلا جُنُبًا إلا عابِرِي سَبِيلٍ حَتّى تَغْتَسِلُوا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: (p-٤٩٠) أحَدُهُما: أرادَ سَبِيلَ المُسافِرِ إذا كانَ جُنُبًا لا يُصَلِّي حَتّى يَتَيَمَّمَ، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ أبِي مِجْلَزٍ عَنْهُ، ومُجاهِدٍ، والحَكَمِ، وابْنِ زَيْدٍ. والثّانِي: لا يَقْرُبُ الجُنُبُ مَواضِعَ الصَّلاةِ مِنَ المَساجِدِ إلّا مارًّا مُجْتازًا، وهَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في رِوايَةِ الضَّحّاكِ، وابْنِ يَسارٍ عَنْهُ، وهو قَوْلُ جابِرٍ، والحَسَنِ، والزُّهْرِيِّ، والنَّخَعِيِّ. ﴿وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضى﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: ما انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ المَرَضِ مِن مُسْتَضِرٍّ بِالماءِ وغَيْرِ مُسْتَضِرٍّ، وهَذا قَوْلُ داوُدَ بْنِ عَلِيٍّ. الثّانِي: ما اسْتُضِرَّ فِيهِ بِاسْتِعْمالِ الماءِ دُونَ ما لَمْ يُسْتَضَرَّ، وهَذا قَوْلُ مالِكٍ، وأحَدُ قَوْلَيِ الشّافِعِيِّ. والثّالِثُ ما خِيفَ مِنِ اسْتِعْمالِ الماءِ فِيهِ التَّلَفُ دُونَ ما لَمْ يُخَفْ، وهو القَوْلُ الثّانِي مِن قَوْلَيِ الشّافِعِيِّ. ﴿أوْ عَلى سَفَرٍ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: ما انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ مِن قَلِيلٍ وكَثِيرٍ، وهو قَوْلُ داوُدَ. والثّانِي: مَسافَةُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ فَصاعِدًا، وهو قَوْلُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ رَحِمَهُما اللَّهُ. والثّالِثُ: مَسافَةُ ثَلاثَةِ أيّامٍ، وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ. ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ هو المَوْضِعُ المُطْمَئِنُّ مِنَ الأرْضِ كانَ الإنْسانُ يَأْتِيهِ لِحاجَتِهِ، فَكَنّى بِهِ عَنِ الخارِجِ مَجازًا، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمالُهُ حَتّى صارَ كالحَقِيقَةِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الغائِطَ حَقِيقَةٌ في اسْمِ المَكانِ دُونَ الخارِجِ، قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ أما أتاكَ عَنِّي الحَدِيثُ إذْ أنا بِالغائِطِ أسْتَغِيثُ ؎ وصِحْتَ في الغائِطِ يا خَبِيثُ ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ فِيهِ قِراءَتانِ: إحْداهُما: ( لَمَسْتُمُ ) بِغَيْرِ ألِفٍ، قَرَأ بِها حَمْزَةُ والكِسائِيُّ. (p-٤٩١) والأُخْرى: ﴿لامَسْتُمُ﴾، وهي قِراءَةُ الباقِينَ. وَفي هَذِهِ المُلامَسَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: الجِماعُ، وهو قَوْلُ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، ومُجاهِدٍ. والثّانِي: أنَّ المُلامَسَةَ بِاليَدِ والإفْضاءَ بِبَعْضِ الجَسَدِ، وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ عُمَرَ، وعُبَيْدَةَ، والنَّخَعِيِّ، والشَّعْبِيِّ، وعَطاءٍ، وابْنِ سِيرِينَ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ. وَفي اخْتِلافِ القِراءَتَيْنِ في ( لَمَسْتُمْ ) أوْ ( لاَمَسْتُمُ ) قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّ ( لاَمَسْتُمُ ) أبْلَغُ مِن ( لَمِسْتُمُ ) والثّانِي: أنَّ ﴿لامَسْتُمُ﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ الوُضُوءِ عَلى اللّامِسِ والمَلْمُوسِ. ( ولَمَسْتُمُ ) يَقْتَضِي وُجُوبَهُ عَلى اللّامِسِ دُونَ المَلْمُوسِ. ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ التَّعَبُّدُ والتَّحَرِّي، وهو قَوْلُ سُفْيانَ. والثّانِي: أنَّهُ القَصْدُ، وذُكِرَ أنَّها في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَأْتُوا صَعِيدًا طَيِّبًا. وَفي الصَّعِيدِ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّها الأرْضُ المَلْساءُ الَّتِي لا نَباتَ فِيها ولا غِراسَ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ. والثّانِي: أنَّها الأرْضُ المُسْتَوِيَةُ، وهو قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ. والثّالِثُ: هو التُّرابُ، وهو قَوْلُ عَلِيٍّ، وابْنِ مَسْعُودٍ، والشّافِعِيِّ. والرّابِعُ: أنَّهُ وجْهُ الأرْضِ ذاتِ التُّرابِ والغُبارِ، ومِنهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ: ؎ كَأنَّهُ بِالضُّحى تَرْمِي الصَّعِيدَ بِهِ ∗∗∗ دَبّابَةٌ في عِظامِ الرَّأْسِ خُرْطُومُ وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿طَيِّبًا﴾ أرْبَعَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: حَلالًا، وهو قَوْلُ سُفْيانَ. والثّانِي: طاهِرًا، وهو قَوْلُ أبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ. والثّالِثُ: تُرابُ الحَرْثِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-٤٩٢) والرّابِعُ: أنَّهُ مَكانٌ حَدِرٌ غَيْرُ بَطِحٍ، وهو قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ. ﴿فامْسَحُوا بِوُجُوهِكم وأيْدِيكُمْ﴾ فالوَجْهُ المَمْسُوحُ في التَّيَمُّمِ هو المَحْدُودُ في غَسْلِ الوُضُوءِ. فَأمّا مَسْحُ اليَدَيْنِ فَفِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: الكَفّانِ إلى الزَّنْدَيْنِ دُونَ الذِّراعَيْنِ، وهو قَوْلُ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، ومَكْحُولٍ، وبِهِ قالَ مالِكٌ في أحَدِ قَوْلَيْهِ، والشّافِعِيُّ في القَدِيمِ. والثّانِي: الذِّراعانِ مَعَ المِرْفَقَيْنِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، والحَسَنِ، والشَّعْبِيِّ، وسالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، والشّافِعِيِّ في الجَدِيدِ. والثّالِثُ: إلى المَنكِبَيْنِ والإبْطَيْنِ، وهو قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وحُكِيَ نَحْوُهُ عَنْ أبِي بَكْرٍ. واخْتَلَفُوا في جَوازِ التَّيَمُّمِ في الجَنابَةِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: يَجُوزُ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. والثّانِي: لا يَجُوزُ وهو قَوْلُ عُمَرَ، وابْنِ مَسْعُودٍ، والنَّخَعِيِّ. واخْتَلَفُوا في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما: نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ الصَّحابَةِ أصابَتْهم جِراحٌ، وهَذا قَوْلُ النَّخَعِيِّ. والثّانِي: أنَّها نَزَلَتْ في إعْوازِ الماءِ في السَّفَرِ، وهو قَوْلُ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب