الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: والنساء اللواتي بن من أزواجهن، ولهن أولاد قد ولدنهم من أزواجهن قبل بينونتهن منهم بطلاق، أو ولدنهم منهم، [[في المطبوعة: "أو أولدنهم"، وهو خطأ فاحش. والصواب من المخطوطة.]] بعد فراقهم إياهن، من وطء كان منهم لهن قبل البينونة ="يرضعن أولادهن"، يعني بذلك: أنهن أحق برضاعهم من غيرهم.
وليس ذلك بإيجاب من الله تعالى ذكره عليهن رضاعهم، إذا كان المولود له ولد، [[في المطبوعة والمخطوطة"والدا"، والسياق يقتضي ما أثبت.]] حيا موسرا. لأن الله تعالى ذكره قال في"سورة النساء القصرى" [[هي"سورة الطلاق"، السورة الخامسة والستون من كتاب الله. وسموها"القصرى" لتسميتهم السورة الرابعة من القرآن: "سورة النساء الطولى"، للفرق بينهما.]] ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [سورة الطلاق: ٦] ، فأخبر تعالى ذكره: [[في المطبوعة: "وأخبر تعالى أن الوالدة. . . "، والزيادة من المخطوطة. وفيهما جميعا"وأخبر" بالواو، والسياق يقتضي الفاء كما أثبتها.]] أن الوالدة والمولود له إن تعاسرا في الأجرة التي ترضع بها المرأة ولدها، أن أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضا رضاع ولدها. فكان معلوما بذلك أن قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين"، دلالة على مبلغ غاية الرضاع التي متى اختلف الوالدان في رضاع المولود بعده، جعل حدا يفصل به بينهما، لا دلالة على أن فرضا على الوالدات رضاع أولادهن.
* * *
قال أبو جعفر: وأما قوله:"حولين"، فإنه يعني به سنتين، كما:-
٤٩٤٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، سنتين.
٤٩٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وأصل"الحول" من قول القائل:"حال هذا الشيء"، إذا انتقل. ومنه قيل:"تحول فلان من مكان كذا"، إذا انتقل عنه.
* * *
فإن قال لنا قائل: وما معنى ذكر"كاملين" في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، بعد قوله:"يرضعن حولين"، وفي ذكر"الحولين" مستغنى عن ذكر"الكاملين"، [[في المطبوعة: "وفي ذكر الحولين" بإسقاط"الهاء" الضمير.]] إذ كان غير مشكل على سامع سمع قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين" ما يراد به؟ فما الوجه الذي من أجله زيد ذكر كاملين؟.
قيل: إن العرب قد تقول:"أقام فلان بمكان كذا حولين، أو يومين، أو شهرين"، وإنما أقام به يوما وبعض آخر، أو شهرا وبعض آخر، أو حولا وبعض آخر، فقيل:"حولين كاملين" ليعرف سامعو ذلك أن الذي أريد به حولان تامان، [[في المطبوعة: "ليعرف سامع ذلك"، بالإفراد، وأثبت ما في المخطوطة.]] لا حول وبعض آخر. [[انظر ما سلف في تفسير قوله تعالى: "ولتكملوا العدة" ٣: ٤٧٦، ٤٧٧ / ثم تفسير قوله تعالى: "تلك عشرة كاملة" في الجزء ٤: ١٠٨، ١٠٩.]] وذلك كما قال الله تعالى ذكره: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [سورة البقرة: ٢٠٣] . ومعلوم أن المتعجل إنما يتعجل في يوم ونصف، وكذلك ذلك في اليوم الثالث من أيام التشريق، [[في المخطوطة والمطبوعة: "فكذلك ذلك" بالفاء وهو خطأ مخل، والصواب ما أثبت. وفي معاني القرآن للفراء ١: ١١٩: "وكذلك هو في اليوم. . . ". نص كلامه. ويعني أن اليوم الثالث من أيام التشريق هو أيضًا يوم غير تام. وانظر التعليق التالي ص: ٣٣ رقم: ٢ والمراجع فيه.]] وأنه ليس منه شيء تام، ولكن العرب تفعل ذلك في الأوقات خاصة فتقول:"اليوم يومان منذ لم أره"، وإنما تعني بذلك يوما وبعض آخر. وقد توقع الفعل الذي تفعله في الساعة أو اللحظة، على العام والزمان واليوم، فتقول:"زرته عام كذا - [[في المطبوعة: "رزقه عام كذا"، وهو كلام لا خير فيه، والصواب من المخطوطة، وإن كانت غير منقوطة، وحروفها بسيطة القلم.]] وقتل فلان فلانا زمان صفين"، وإنما تفعل ذلك، لأنها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الأيام والسنين، وإنما تعني بذلك الأخبار عن الوقت الذي كان فيه المخبر عنه، فجاز أن ينطق"بالحولين"، و"اليومين"، على ما وصفت قبل. لأن معنى الكلام في ذلك: فعلته إذ ذاك، وفي ذلك الوقت. [[سلف هذا بغير هذا اللفظ في الجزء ٤: ١٢٠، ١٢١ وكثير من لفظه هنا في معاني القرآن للفراء ١: ١١٩ - ١٢٠، ومن الموضعين صححنا ما صححناه آنفًا.]]
فكذلك قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، لما جاز الرضاع في الحولين وليسا بالحولين [[في المطبوعة والمخطوطة: "لما كان الرضاع. . . " وهو تصحيف مخل جدا، والسياق يقتضي قراءته كما أثبت، حتى يستقيم المعنى.]] = [[في المطبوعة والمخطوطة: "فكان" بالفاء، والصواب بالواو، عطفا على قوله: "لما جاز. . . "]] وكان الكلام لو أطلق في ذلك، بغير تضمين الحولين بالكمال، [[في المطبوعة: "تضمين الحولين بالكمال"، وفي المخطوطة: "تضمين" بغير نقط، والميم كأنها هاء قصيرة، ورجحت أن ذلك من عجلة الناسخ، وأن صوابها"تبيين"، لقوله بعد قليل: "وأبين بقوله: كاملين. . . "، لأن البيان هو التفسير، ومن الصفة تفسير وبيان.]] وقيل:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين"، محتملا أن يكون معنيا به حول وبعض آخر= نفي اللبس عن سامعيه بقوله: [[سياق العبارة: "لما جاز الرضاع. . . وكان الكلام لو أطلق. . . نفى اللبس، جواب"لما".]] "كاملين" أن يكون مرادا به حول وبعض آخر، وأبين بقوله:"كاملين" عن وقت تمام حد الرضاع، وأنه تمام الحولين بانقضائهما، دون انقضاء أحدهما وبعض الآخر.
* * *
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في الذي دلت عليه هذه الآية، من مبلغ غاية رضاع المولودين: أهو حد لكل مولود، أو هو حد لبعض دون بعض؟ فقال بعضهم: هو حد لبعض دون بعض.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٥٠- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، في التي تضع لستة أشهر: أنها ترضع حولين كاملين، وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهرا، وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت واحدا وعشرين شهرا.
٤٩٥١- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، بمثله، ولم يرفعه إلى ابن عباس.
٤٩٥٢- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي عبيد، قال: رفع إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر، فقال: إنها رفعت [إلي امرأة] ، لا أراها إلا قد جاءت بشر -أو نحو هذا- ولدت لستة أشهر! فقال ابن عباس: إذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. قال: وتلا ابن عباس: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [سورة الأحقاف: ١٥] ، فإذا أتمت الرضاع كان الحمل لستة أشهر. فخلى عثمان سبيلها. [[الخبر: ٤٩٥٢- أبو عبيد: هو سعد بن عبيد، "مولى عبد الحمن بن أزهر"، ويقال له أيضًا: "مولى عبد الرحمن بن عوف". قال البخاري في الكبير ٢ / ٢ / ٦١: "لأنهما ابنا عم". وقال في صحيحه ٤: ٢٠٩"قال ابن عيينة: من قال مولى ابن أزهر، فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف، فقد أصاب". وهو تابعي ثقة قديم، من فقهاء أهل المدينة، روى عن عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم.
ووقع في المطبوعة: "عن أبي عبيدة"، وهو خطأ، صححناه من كتاب المصنف لعبد الرزاق ج٤ ورقة ٩٧، وفيه: "عن أبي عبيد، مولى عبد الحمن بن عوف".
ونقله السيوطي ٦: ٤٠، ونسبه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، فقط. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "إنها رفعت لا أراها"، وفي مصنف عبد الرزاق: "رفعت إلى امرأة، لا أراه إلا قال: وقد جاءت بشر".]]
* * *
وقال آخرون: بل ذلك حد رضاع كل مولود اختلف والداه في رضاعه، [[في المخطوطة: "وإذا اختلف وأن لإرضاع"، وما بينها بياض كلمتين أو ثلاث. وفي المطبوعة: "إذا اختلف والداه وأن لا رضاع"، وزدت أنا"في رضاعه"، استظهارا من ترجمة الأخبار التي رويت عنهم آنفًا ص: ٣٤، ٣٥، ومن بيان أبي جعفر الآتي بعد سطرين أو ثلاثة.]] فأراد أحدهما البلوغ إليه، والآخر التقصير عنه.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٥٣- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، فجعل الله سبحانه الرضاع حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ثم قال:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"، إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
٤٩٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، قال: إن أرادت أمه أن تقصر عن حولين كان عليها حقا أن تبلغه -لا أن تزيد عليه إلا أن يشاء. [[في المطبوعة: "إلا أن تشاء"، والصواب ما أثبت من المخطوطة. أي: إلا أن يشاء الزوج، ويوافقها على ما تريد من الزيادة.]]
٤٩٥٥- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران [[هو"مهران بن أبي عمر العطار، أبو عبد الله الرازي". قال أبو حاتم ثقة صالح الحديث. وروى له ابن عدي أحاديث من رواية محمد بن حميد عنه، ثم قال: "وكل هذه الأحاديث عن مهران إلا القليل، يرويه عن مهران محمد بن حميد، وابن حميد له شغل في نفسه مما رواه عن الناس! ومهران خير منه". وقال الساجي: "في حديثه اضطراب، وهو من أكثر أصحاب الثوري رواية عنه". وقال العقيلي: "روي عن الثوري أحاديث لا يتابع عليها". وقال ابن حبان: "أسلم على يد الثوري، وله صنف (الجامع الصغير) ". التهذيب.]]
= وحدثني علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء= جميعا، عن الثوري في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، والتمام الحولان. قال: فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض المرأة فليس له ذلك. وإذا قالت المرأة:"أنا أفطمه قبل الحولين"، وقال الأب:"لا"، فليس لها أن تفطمه حتى يرضى الأب، حتى يجتمعا. فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين. وذلك قوله:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور".
* * *
وقال آخرون: بل دل الله تعالى ذكره بقوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، على أن لا رضاع بعد الحولين، فإن الرضاع إنما هو كان في الحولين.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٥٦- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، أخبرنا ابن أبي ذئب قال، حدثنا الزهري، عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا إن الله تعالى ذكره يقول:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا [[الوجور (بفتح الواو) : الدواء يدخل في الفم. والسعوط"بفتح السين) : الدواء يدخل في الأنف.]]
٤٩٥٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: كان ابن عمر وابن عباس يقولان: لا رضاع بعد الحولين.
٤٩٥٨- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا حفص، عن الشيباني، عن أبي الضحى، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله قال: ما كان من رضاع بعد سنتين أو في الحولين بعد الفطام فلا رضاع.
٤٩٥٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، أنه رأى امرأة ترضع بعد حولين فقال: لا ترضعيه.
٤٩٦٠- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الشيباني قال: سمعت الشعبي يقول: ما كان من وجور أو سعوط أو رضاع في الحولين فإنه يحرم، وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا. [[الوجور (بفتح الواو) : الدواء يدخل في الفم. والسعوط (بفتح السين) : الدواء يدخل في الأنف.]]
٤٩٦١- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يحدث عن عبد الله، أنه قال: لا رضاع بعد فصال، أو بعد حولين.
٤٩٦٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ليس يحرم من الرضاع بعد التمام، إنما يحرم ما أنبت اللحم وأنشأ العظم [[الأثر: ٤٩٦٢-"الحسن بن عطية بن نجيح القرشي أبو علي البزار" روىعن الحسن وعلي ابني صالح، ويعقوب القمي، وحمزة الزيات، وإسرائيل بن يونس وطبقتهم. وعنه البخاري في التايخ، وعبد الأعلى بن واصل، وأبو كريب، وأبو زرعة، وأبو حاتم، صدوق. مات سنة ٢١١.]]
٤٩٦٣- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو بن دينار: أن ابن عباس قال: لا رضاع بعد فصال السنتين.
٤٩٦٤- حدثنا هلال بن العلاء الرقي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا عبيد الله، عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى قال: سمعت ابن عباس يقول:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، قال: لا رضاع إلا في هذين الحولين. [[الأثر: ٤٩٦٤- هلال بن العلاء بن هلال بن عمرو الباهلي، أبو عمرو الرقى". قال أبو حاتم: "صدوق" وقال النسائي: "صالح"، وقال في موضع آخر: "ليس به بأس، روى أحاديث منكرة عن أبيه، فلا أدري: الريب منه أو من أبيه". وذكره ابن حبان في الثقات. ولد سنة ١٨٤، ومات سنة ٢٨٠. والعلاء بن هلال" أبوه، روى عن عبد الله بن عمرو الرقى، وخلف بن خليفة ومعتمر بن سليمان وجماعة. قال أبو حاتم: "منكر الحديث ضعيف الحديث". وذكره ابن حبان في الضعفاء وقال: "يقلب الأسانيد ويغير الأسماء، فلا يجوز الاحتجاج به" ولد سنة ١٥٠، ومات سنة ٢١٥. و"عبيد الله"، هو: عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي الرقى. روى عن عبد الملك بن عمير، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي أنيسة وغيرهم. قال أبو حاتم: "صالح الحديث ثقة صدوق، لا أعرف له حديثا منكرا". ولد سنة ١٠١ ومات سنة ١٨٠. و"زيد" هو: زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي، قال ابن سعيد"كان يسكن الرها، ومات بها". كان ثقة كثير الحديث، فقيها، راوية للعلم. مات سنة ١٢٥، وهو ابن ست وثلاثين سنة.]]
* * *
وقال آخرون: بل كان قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، دلالة من الله تعالى ذكره عباده، [[قوله: "عباده" منصوب مفعول به للمصدر"دلالة".]] على أن فرضا على والدات المولودين أن يرضعنهم حولين كاملين، ثم خفف تعالى ذكره ذلك بقوله:"لمن أراد أن يتم الرضاعة"، فجعل الخيار في ذلك إلى الآباء والأمهات، إذا أرادوا الإتمام أكملوا حولين، وإن أرادوا قبل ذلك فطم المولود، كان ذلك إليهم على النظر منهم للمولود [[النظر: اختيار أحسن الأمور له، في الرعاية والحفظ والكلاءة، وطلب المصلحة.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٦٥- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" ثم أنزل الله اليسر والتخفيف بعد ذلك، فقال تعالى ذكره:"لمن أراد أن يتم الرضاعة".
٤٩٦٦- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، يعني المطلقات، يرضعن أودهن حولين كاملين. ثم أنزل الرخصة والتخفيف بعد ذلك، فقال:"لمن أراد أن يتم الرضاعة".
* * *
* ذكر من قال: إن"الوالدات"، اللواتي ذكرهن الله في هذا الموضع: البائنات من أزوجهن، على ما وصفنا قبل. [[انظر ما سلف في أول تفسير الآية ص: ٣٠، ٣١.]]
٤٩٦٧- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" إلى"إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف"، أما"الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، فالرجل يطلق امرأته وله منها ولد، وأنها ترضع له ولده بما يرضع له غيرها.
٤٩٦٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا.
٤٩٦٩- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، القول الذي رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ووافقه على القول به عطاء والثوري= والقول الذي روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وابن عمر: وهو أنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في رضاع المولود إذا اختلف والداه في رضاعه، [[في المخطوطة: "وإذا اختلف وأن لا رضاع"، وما بينهما بياض كلمتين أو ثلاث. وفي المطبوعة: "إذا اختلف والداه وأن لا رضاع"، وزدت أنا"في رضاعه"، استظهارا من ترجمة الأخبار التي رويت عنهم آنفًا ص: ٣٤، ٣٥، ومن بيان أبي جعفر الآتي بعد سطرين أو ثلاثة.]] وأن لا رضاع بعد الحولين يحرم شيئا، وأنه معني به كل مولود، لستة أشهر كان ولاده أو لسبعة أو لتسعة. [[ولدت المرأة تلد ولادا وولادة - بكسر الواو فيهما، بمعنى.]]
* * *
فأما قولنا:"إنه دلالة على الغاية التي ينتهي إليها في الرضاع عند اختلاف الوالدين فيه"، فلأن الله تعالى ذكره لما حد في ذلك حدا، كان غير جائز أن يكون ما وراء حده موافقا في الحكم ما دونه. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن للحد معنى معقول. وإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي هو دون الحولين من الأجل، لما كان وقت رضاع، كان ما وراءه غير وقت له، وأنه وقت لترك الرضاع= وأن تمام الرضاع لما كان تمام الحولين، وكان التام من الأشياء لا معنى إلى الزيادة [[في المطبوعة: "وكان التمام من الأشياء لا معنى للزيادة فيه"، وهو كلام لا محصول له. وفي المخطوطة: "ولما كان التمام من الأشيا لا معنى للزيادة فيه" مع بياض بين الكلمتين، وهذا دليل على أن الناسخ ظن أن في الكلام سقطا، ولكن الحقيقة أن فيه تحريفا، قرأ"التام""التمام"، وقد أثبتنا الصواب الذي لا صواب غيره.]] فيه، كان لا معنى للزيادة في الرضاع على الحولين = وأن ما دون الحولين من الرضاع لما كان محرما، كان ما وراءه غير محرم.
وإنما قلنا:"هو دلالة على أنه معني به كل مولود، لأي وقت كان ولاده، لستة أشهر أو سبعة أو تسعة"، لأن الله تعالى ذكره عم بقوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"، ولم يخصص به بعض المولودين دون بعض.
وقد دللنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان الله تعالى ذكره ذلك في كتابه، أو على لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم- في كتابنا ﴿كتاب البيان عن أصول الأحكام﴾ ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى ذكره: قد بين ذلك بقوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [سورة الأحقاف: ١٥] ، فجعل ذلك حدا للمعنيين كليهما، فغير جائز أن يكون حمل ورضاع أكثر من الحد الذي حده الله تعالى ذكره. فما نقص من مدة الحمل عن تسعة أشهر، فهو مزيد في مدة الرضاع، وما زيد في مدة الحمل، نقص من مدة الرضاع. وغير جائز أن يجاوز بهما كليهما مدة ثلاثين شهرا، كما حده الله تعالى ذكره.
قيل له: فقد يجب أن يكون مدة الحمل -على هذه المقالة- إن بلغت حولين كاملين، ألا يرضع المولود إلا ستة أشهر، وإن بلغت أربع سنين، أن يبطل الرضاع فلا ترضع، لأن الحمل قد استغرق الثلاثين شهرا وجاوز غايته = [[عطف على قوله: "فقد يجب أن تكون مدة الحمل". . . "أو يزعم. . . "]] أو يزعم قائل هذه المقالة: أن مدة الحمل لن تجاوز تسعة أشهر، فيخرج من قول جميع الحجة، ويكابر الموجود والمشاهد، وكفى بهما حجة على خطأ دعواه إن ادعى ذلك. فإلى أي الأمرين لجأ قائل هذه المقالة، وضح لذوي الفهم فساد قوله.
* * *
فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله -إن كان الأمر على ما وصفت-:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"، وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله تعالى ذكره، نظير ما دون حده في الحكم؟ وقد قلت: إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا؟
قيل: إن الله تعالى ذكره لم يجعل قوله:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" حدا تعبد عباده بأن لا يجاوزه، كما جعل قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، حدا لرضاع المولود الثابت الرضاع، [[في المطبوعة: "لرضاع المولود التام الرضاع"، وهو أيضًا كلام بلا معنى مفهوم، غيروا ما في المخطوطة كما أثبتناه، ظنا منهم بأنه هو غير مفهوم!! وعنى بقوله: "الثابت الرضاع"، أي الذي ثبت له أنه"يرضع"، كما سيتبين من سياق كلامه بعد.]] وتعبد العباد بحمل والديه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضرار به. وذلك أن الأمر من الله تعالى ذكره إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه. [[أي: وإلى المعصية بتركه.]] فأما ما لم يكن لهم إلى فعله ولا إلى تركه سبيل، فذلك مما لا يجوز الأمر به ولا النهي عنه ولا التعبد به.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته ولا إلى إطالتها، فيضعنه متى شئن، ويتركن وضعه إذا شئن= كان معلوما أن قوله:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"، إنما هو خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلقه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا= لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهرا، لما وصفنا. وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه: ﴿وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [[هنا آخر التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا. ونص ما بعده: "وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم كثيرا"]] [سورة الأحقاف: ١٥] .
[[أول التقسيم القديم، ونص ما قبله:
"بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن يا كريم"]] فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ وصف أن من خلقه من حملته أمه ووضعته وفصلته في ثلاثين شهرا، فواجب أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم= وأن ذلك دلالة على أن حمل كل عباده وفصاله ثلاثون شهرا= [[قوله: "فقد يجب" جواب قوله: "فإن ظن ذو غباء. . . ".]] فقد يجب أن يكون كل عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدهم وبلغوا أربعين سنة: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ [سورة الأحقاف: ١٥] ، على ما وصف الله به الذي وصف في هذه الآية. [[يعني أن آية سورة الأحقاف معنى بها خاص من الناس دون عام، كما يدل على ذلك ظاهر تلاوتها.]]
وفي وجودنا من يستحكم كفره بالله، [[وجد الشيء يجده وجودا. وقوله: "من يستحكم" مفعول به للمصدر.]] وكفرانه نعم ربه عليه، وجرأته على والديه بالقتل والشتم وضروب المكاره، عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشده= [[السياق: "في وجودنا من يستحكم كفره بالله. . . ما يعلم. . . "، مبتدأ مؤخر.]] ما يعلم أنه لم يعن الله بهذه الآية صفة جميع عباده، بل يعلم أنه إنما وصف بها بعضا منهم دون بعض، وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحد. لأن من يولد من الناس لسبعة أشهر، [[في المطبوعة والمخطوطة: "لتسعة أشهر"، والصواب، أثبت كما يدل عليه سياق الحجة.]] أكثر ممن يولد لأربع سنين ولسنتين؛ كما أن من يولد لتسعة أشهر، أكثر ممن يولد لستة أشهر ولسبعة أشهر.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأ عامة أهل المدينة والعراق والشام:"لم أراد أن يتم الرضاعة" ب"الياء" في"يتم" ونصب"الرضاعة"- بمعنى: لمن أراد من الآباء والأمهات أن يتم رضاع ولده.
وقرأه بعض أهل الحجاز:"لمن أراد أن تتم الرضاعة" ب"التاء" في"تتم"، ورفع"الرضاعة" بصفتها. [[يعني بقوله: "بصفتها"، أي بالفعل اللازم الذي هو صفة لها فتقول: رضاعة تامة.]]
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ ب"الياء" في"يتم" ونصب"الرضاعة". لأن الله تعالى ذكره قال:"والوالدات يرضعن أولادهن"، فكذلك هن يتممنها إذا أردن هن والمولود له إتمامها= وأنها القراءة [["وأنها القراءة. . . " معطوف على قوله: "لأن الله تعالى ذكره قال. . "]] التي جاء بها النقل المستفيض الذي ثبتت به الحجة، دون القراءة الأخرى.
* * *
وقد حكي في الرضاعة سماعا من العرب كسر"الراء" التي فيها. فإن تكن صحيحة، [[في المطبوعة والمخطوطة: "وإن تكن. . . "، والجيد هنا الفاء.]] فهي نظيرة"الوكالة والوكالة" و"الدلالة والدلالة"، و"مهرت الشيء مهارة ومهارة"- فيجوز حينئذ"الرضاع" و"الرضاع"، كما قيل:"الحصاد، والحصاد". وأما القراءة فبالفتح لا غير.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"وعلى المولود له"، وعلى آباء الصبيان للمراضع="رزقهن"، يعني: رزق والدتهن.
* * *
ويعني ب"الرزق": ما يقوتهن من طعام، وما لا بد لهن من غذاء ومطعم.
* * *
و"كسوتهن"، ويعني: ب"الكسوة": الملبس.
* * *
ويعني بقوله:"بالمعروف"، بما يجب لمثلها على مثله، إذ كان الله تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأن منهم الموسع والمقتر وبين ذلك. فأمر كلا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا﴾ [سورة الطلاق: ٧] ، وكما: -
٤٩٧٠- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي ترضع له ولدا، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين، فعلى الوالد رزق المرضع والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة، لا نكلف نفسا إلا وسعها.
٤٩٧١- حدثني علي بن سهل الرملي قال حدثنا زيد= وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= عن سفيان قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، والتمام الحولان"، وعلى المولود له"= على الأب طعامها وكسوتها بالمعروف [[الأثر: ٤٩٧١ - انظر إسناد الأثر السالف: ٤٩٥٥، والآتي: ٤٩٧٣.]]
٤٩٧٢- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله:"وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، قال: على الأب.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا﴾ [[في المخطوطة: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، عجل الناسخ فأخطأ التلاوة.]]
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت. وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك: لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم، إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل، كما قال تعالى ذكره: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ [سورة الطلاق: ٧] ، كما: -
٤٩٧٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد = جميعا، عن سفيان:"لا تكلف نفس إلا وسعها"، إلا ما أطاقت. [[الأثر: ٤٩٧٣- انظر إسناد الأثرين السالفين: ٤٩٥٥، ٤٩٧١.]]
* * *
"والوسع""الفعل" من قول القائل:"وسعني هذا الأمر فهو يسعني سعة"- ويقال:"هذا الذي أعطيتك وسعي"، أي: ما يتسع لي أن أعطيك، فلا يضيق علي إعطاؤكه= و"أعطيتك من جهدي"، إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه.
* * *
فمعنى قوله:"لا تكلف نفس إلا وسعها"، هو ما وصفت: من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله، فلا يضيق عليها ولا يجهدها= لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه: لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات. لأن ذلك لو كان كما زعمت، لكان قوله تعالى ذكره: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا﴾ [سورة الإسراء: ٤٨ وسورة الفرقان: ٩] ، = إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه= واجبا أن يكون القوم في حال واحدة، قد أعطوا الاستطاعة على ما منعوها عليه. وذلك من قائله إن قاله، إحالة في كلامه، ودعوى باطل لا يخيل بطوله. [[قوله: "دعوى باطل" هي هنا بالإضافة، لا صفة لدعوى. ويقال في غير هذا: "دعوى باطل وباطلة" على الوصف. و"البطول" مصدر"بطل" كما أسلفنا في الجزء ٤: ٥٢٣، تعليق: ٣ و"أخال الشيء يخيل": اشتبه، يقال: "هذا الأمر لا يخيل على أحد" أي: لا يشكل. و"هو شيء مخيل"، أي: مشكل.]] وإذ كان بينا فساد هذا القول، فمعلوم أن الذي أخبر تعالى ذكره أنه كلف النفوس من وسعها، غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز والكوفة والشام:"لا تضار والدة بولدها" بفتح"الراء"، بتأويل: لا تضارَرْ [[في المخطوطة: "لا تضارن" بالنون في آخره، وهو خطأ.]] = على وجه النهي، وموضعه إذا قرئ كذلك - جزم، غير أنه حرك، إذ ترك التضعيف بأخف الحركات، وهو الفتح. ولو حرك إلى الكسر كان جائزا، إتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه. وإن شئت فلأن الجزم إذا حرك حرك إلى الكسر. [[هكذا جاءت هذه الفقرة في المخطوطة والمطبوعة. وهي فاسدة كلها بلا شك، ومناقضة لما سيأتي في كلام الطبري في ص: ٥١ إلى ص: ٥٢ ولست أرتاب في أن الكلام قد سقط منه شيء، تخطاه ناسخ قديم، فاضطرب ما أراد الطبري أن يقوله، ثم ما قاله بعد، اضطرابا شديدا. والذي استظهرته من قراءة كلامه من أول تفسير الآية إلى آخرها في ص: ٥٤، يوجب أن يكون سياق كلامه هنا هكذا:
"اختلفت القَرَأَة في قراءة ذلك. فقرأه عامة قرأة أهل الحجاز والكوفة والشام: "لا تضار والدة بولدها"، بفتح"الراء"، على ما لم يسم فاعله، بتأويل: لا تضارر، على وجه النهي. وموضعه إذا قرئ كذلك جزم، غير أنه حرك - إذ ترك التضعيف بحركة الراء الأولى.
وزعم بعض من قرأه كذلك، أن قراءة من قرأ: "لا تضار" بفتح"الراء" على ما سمي فاعله، بتأويل: لا تضارر، على وجه النهي. وموضعه إذا قرئ كذلك جزم، غير أنه حرك -إذ ترك التضعيف- بأخف الحركات، وهو الفتح. ولو حرك إلى الكسر كان جائزا، إتباعا لحركة لام الفعل حركة عينه. وإن شئت، فلأن الجزم إذا حرك، حرك إلى الكسر. وهذا خطأ في التأويل".
ولعل بعض النساخ القدماء، سقط من نسخه شيء ثم جاء آخر، فلم يستطع أن يفهم ما كتبه، ولا أن يعرف موضع السقط فيه، فتصرف في كتابته على هذا الوجه الذي ثبت في مخطوطتنا وفي جميع المطبوع. وهو خطأ لا ريب فيه. وتناقض ظاهر، لا يقع في مثله أبو جعفر، فضلا عما فيه من الاختلال الشديد. وسأبين في التعليقات التالية ما يربط الكلام الآتي بهذه الجملة التي استظهرتها.]]
* * *
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة:"لا تضار والدة بولدها"، رفع. [[في المطبوعة والمخطوطة: مكان"رفع"، "فعل"، وهو تحريف لا شك فيه، كما يدل عليه السالف والآتي. وكما تدل عليه القراءة. وفي المخطوطة قبله: "لا تضارر".]] ومن قرأه كذلك لم يحتمل قراءته معنى النهي، ولكنها تكون [على معنى] الخبر، [[في المطبوعة: "ولكنها تكون بالخبر عطفا"، وكان في المخطوطة: "ولكنها تكون الخبر عطفا" بغير باء الجر. والسياق يدل على ضرورة ما أثبت من الزيادة بين القوسين.]] عطفا بقوله:"لا تضار" على قوله:"لا تكلف نفس إلا وسعها". [[في المخطوطة: "لا تكلف نفسا"، كما وقع في الآية في ص: ٤٥ تعليق: ١.]]
* * *
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى من رفع:"لا تضار والدة بولدها"، هكذا في الحكم: - أنه لا تضار والدة بولدها- أي: ما ينبغي أن تضار. فلما حذفت"ينبغي"، وصار"تضار" في وضعه، صار على لفظه، واستشهد لذلك بقول الشاعر: [[لأبي اللحام التغلبي، وهو سريع بن عمرو (وعمرو هو اللحام) بن الحارث بن مالك بن ثعلبة بن بكر بن حبيب ويقال اسمه"حريث". وهو جاهلي، النقائض: ٤٥٨، وشرح المفضليات: ٤٣٤، والخزانة ٣: ٦١٣ - ٦١٥. وفي سيبويه ١: ٤٣١، ونسبه الشنتمري لعبد الرحمن بن أم الحكم، ولم أجد نسبته إليه في مكان آخر. ولأبي اللحام شعر في ديوان عمرو بن كلثوم.]] على الحكم المأتي يوما إذا قضى قضيته، أن لا يجور ويقصد [[سيبويه ١: ٤٣١ الخزانة ٣: ٦١٣ - ٦١٥، وشرح شواهد المغني: ٢٦٣. وقال صاحب الخزانة: "البيت من قصيدة عدتها تسعة عشر بيتا لأبي اللحام التغلبي أو ردها أبو عمرو الشيباني في أشعار تغلب له، وانتخبها أبو تمام، فأورد منها خمسة أبيات في مختار شعر القبائل، وهذا أولها: عمرت وأطولت التفكر خاليا ... وساءلت حتى كاد عمري ينفد]]
فزعم أنه رفع"يقصد" بمعنى"ينبغي". والمحكي عن العرب سماعا غير الذي قال. وذلك أنه روي عنهم سماعا:"فتصنع ماذا"، إذا أرادوا أن يقولوا:"فتريد أن تصنع ماذا"، فينصبونه بنية"أن. وإذا لم ينووا"أن" ولم يريدوها، قالوا:"فتريد ماذا"، فيرفعون"تريد"، لأن لا جالب ل"أن" قبله، كما كان له جالب قبل"تصنع". فلو كان معنى قوله"لا تضار" إذا قرئ رفعا بمعنى:"ينبغي أن لا تضار" أو"ما ينبغي أن تضار"، ثم حذف"ينبغي" و"أن"، وأقيم"تضار" مقام"ينبغي"، لكان الواجب أن يقرأ- إذا قرئ بذلك المعنى- نصبا لا رفعا، ليعلم بنصبه المتروك قبله المعني المراد، كما فعل بقوله:"فتصنع ماذا"، ولكن معنى ذلك ما قلنا إذا رفع على العطف على"تكلف": [[في المطبوعة: "لا تكلف" بزيادة"لا" وأثبت ما في المخطوطة.]] ليست تكلف نفس إلا وسعها، وليست تضار والدة بولدها. يعني بذلك أنه ليس ذلك في دين الله وحكمه وأخلاق المسلمين.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القرأتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بالنصب، لأنه نهي من الله تعالى ذكره كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه له، حرام عليهما ذلك بإجماع المسلمين. فلو كان ذلك خبرا، لكان حراما عليهما ضرارهما به كذلك. [[في المخطوطة والمطبوعة: "لكان حرام" بالرفع، والأجود ما أثبت.]]
* * *
وبما قلنا في ذلك -من أن ذلك بمعنى النهي- تأوله أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٧٤- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"لا تضار والدة بولدها"، لا تأبى أن ترضعه ليشق ذلك على أبيه، ولا يضار الوالد بولده، فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها.
٤٩٧٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٤٩٧٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده"، قال: نهى الله تعالى عن الضرار وقدم فيه، فنهى الله أن يضار الوالد فينتزع الولد من أمه، إذا كانت راضية بما كان مسترضعا به غيرها= ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارا.
٤٩٧٧- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"لا تضار والدة بولدها"، ترمي به إلى أبيه ضرارا،"ولا مولود له بولده"، يقول: ولا الوالد، فينتزعه منها ضرارا، إذا رضيت من أجر الرضاع ما رضي به غيرها، فهي أحق به إذا رضيت بذلك.
٤٩٧٨- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن:"لا تضار والدة بولدها"، قال: ذلك إذا طلقها، فليس له أن يضارها فينتزع الولد منها، إذا رضيت منه بمثل ما يرضى به غيرها= وليس لها أن تضاره فتكلفه ما لا يطيق، إذا كان إنسانا مسكينا، فتقذف إليه ولده.
٤٩٧٩- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:"لا تضار والدة بولدها"، لا تضار أم بولدها ولا أب بولده. يقول: لا تضار أم بولدها فتقذفه إليه إذا كان الأب حيا، أو إلى عصبته إذا كان الأب ميتا. ولا يضار الأب المرأة إذا أحبت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه. [[في المطبوعة: "ولا ينتزعه"، وهما سواء، وأثبت ما في المخطوطة.]]
٤٩٨٠- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"لا تضار والدة بولدها"، يقول لا ينزع الرجل ولده من امرأته فيعطيه غيرها بمثل الأجر الذي تقبله هي به= ولا تضار والدة بولدها، فتطرح الأم إليه ولده، تقول:"لا أليه ساعة" تضيعه، [[في المطبوعة والمخطوطة: "يقول لا إليه ساعة تضعه"، وهو في المخطوطة غير منقوط، ورأيت الصواب أن تكون هكذا قراءة الجملة، مع جعل"تضعه""تضيعه"، أي تضيعه بتركها إياه.]] ولكن عليها من الحق أن ترضعه حتى يطلب مرضعا.
٤٩٨١- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب- وسئل عن قول الله تعالى ذكره"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" إلى"لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده"، قال ابن شهاب: والوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الأجر، وليس للوالدة أن تضار بولدها فتأبى رضاعه، مضارة وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها من الأجر. وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته مضارا لها، وهي تقبل من الأجر ما يعطاه غيرها.
٤٩٨٢- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثني علي قال، حدثنا زيد جميعا، عن سفيان في قوله:"لا تضار والدة بولدها"، لا ترم بولدها إلى الأب إذا فارقها، تضاره بذلك="ولا مولود له بولده"، ولا ينزع الأب منها ولدها، يضارها بذلك.
٤٩٨٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده"، قال: لا ينزعه منها وهي تحب أن ترضعه فيضارها، ولا تطرحه عليه وهو لا يجد من ترضعه، ولا يجد ما يسترضعه به.
٤٩٨٤- حدثنا عمرو بن علي الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني ابن جريج، عن عطاء في قوله:"لا تضار والدة بولدها"، قال: لا تدعنه ورضاعه، من شنآنها مضارة لأبيه، [[في المطبوعة والمخطوطة"من شأنها"، والصواب ما أثبت، والشنآن: البغض والكره.]] ولا يمنعها الذي عنده مضارة لها.
* * *
وقال بعضهم:"الوالدة" التي نهى الرجل عن مضارتها: ظئر الصبي. [[الظئر: العاطفة على ولد غير ولدها، المرضعة له.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٨٥- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا هارون النحوي قال، حدثنا الزبير بن الخريت، عن عكرمة في قوله:"لا تضار والدة بولدها"، قال: هي الظئر. [[الأثر: ٤٩٨٥-"مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي"، روى عنه البخاري، وأبو داود، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم، ثقة صدوق. مات سنة ٢٢٢. و"هرون النحوي" و"هرون الأعور" هو: هرون بن موسى الأزدي العتكي - النحوي الأعور صاحب القراءات، كان ثقة مأمونا. و"الزبير بن الخريت" (بكسر الخاء وتشديد الراء المكسورة) . ثقة. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "الزبير بن الحارث"، هو خطأ صرف.]]
* * *
فمعنى الكلام: لا يضارر والد مولود والدته بمولوده منها، ولا والدة مولود والده بمولودها منه. ثم ترك ذكر الفاعل في"يضار"، فقيل: لا تضارر والدة بولدها ولا مولود له بولده، [[في المطبوعة: "لا تضار والدة. . . " كنص الآية، ولكنه أراد التضعيف هنا، كما يظهر من السياق، والصواب من المخطوطة.]] كما يقال إذا نهي عن إكرام رجل بعينه فيما لم يسم فاعله، ولم يقصد بالنهي عن إكرامه قصد شخص بعينه:"لا يكرم عمرو، ولا يجلس إلى أخيه"، ثم ترك التضعيف فقيل:"لا تضار" فحركت الراء الثانية التي كانت مجزومة- لو أظهر التضعيف- بحركة الراء الأولى. [[من هذا الموضع أخذت ما زدته هناك ص: ٤٦، ٤٧ تعليق: ٣ في التعليق على الجملة المضطربة التي بينت اضطرابها.]]
وقد زعم بعض أهل العربية أنها إنما حركت إلى الفتح في هذا الموضع، لأنه آخر الحركات. [[في المطبوعة: "لأنه أحد الحركات"، وهو كلام لا معنى له، والصواب ما أثبت، وقد مضى في مكان ما من التفسير مثل هذا الخطأ، ولم أستطع أن أعثر عليه بعد. وقوله: "آخر الحركات" معناه: أخفها. فالضم أثقل الحركات، ثم الكسر، ثم الفتح أخفها وآخرها. وأما السكون فلا يعد في الحركات. وهذا الذي قاله الطبري هنا دليل قاطع على فساد الجملة التي كانت في ص: ٤٦، ٤٧ (تعليق: ٣) وأنه لا يجعل علة الفتح في معنى النهي: "أنه حرك إذ ترك التضعيف بأخف الحركات، وهو الفتح"، ودليل على أن الصواب ما استظهرته في التعليق. وسيظهر ذلك بينا في رده الذي يأتي بعقب هذه الجملة.]] وليس للذي قال من ذلك معنى. لأن ذلك إنما كان جائزا أن يكون كذلك، لو كان معنى الكلام: لا تضارر والدة بولدها، [[في المخطوطة والمطبوعة: "لا تضارن"، وهو كلام لا معنى له. والصواب ما أثبت (بضم التاء وكسر الراء الأولى، وسكون الأخيرة) ،]] وكان المنهي عن الضرار هي الوالدة. على أن معنى الكلام لو كان كذلك، لكان الكسر في"تضار" أفصح من الفتح، والقراءة به كانت أصوب من القراءة بالفتح، كما أن:"مد بالثوب" أفصح من"مد به". [[انظر شرح الشافية ٢: ٢٤٣.]] وفي إجماع القرأة على قراءة:"لا تضار" بالفتح دون الكسر، دليل واضح على إغفال من حكيت قوله من أهل العربية في ذلك. [[إغفاله: دخوله في الغفلة، كما أسلفنا في ١: ١٥١، تعليق: ١، وكذلك معنى قوله في الموضع الثاني"أغفل"، أي: دخل في الغفلة.]]
فإن كان قائل ذلك قاله توهما منه أنه معنى ذلك: لا تضارر والدة، [[في المطبوعة: "لا تضار" براء مشددة، والصواب من المخطوطة. وقوله"مرفوعة بفعلها"، أي أنه فعل لازم، مثل"قاتل الرجل".]] وأن"الوالدة" مرفوعة بفعلها، وأن"الراء" الأولى حظها الكسر، فقد أغفل تأويل الكلام، [[إغفاله: دخوله في الغفلة، كما أسلفنا في ١: ١٥١، تعليق: ١، وكذلك معنى قوله في الموضع الثاني"أغفل"، أي: دخل في الغفلة.]] وخالف قول جميع من حكينا قوله من أهل التأويل. وذلك أن الله تعالى ذكره تقدم إلى كل أحد [[في المطبوعة: "كل واحد"، وهما قريبين. وقوله: تقدم إلى كذا بكذا، أي أمر بأمر أو نهي.]] من أبوي المولود بالنهي عن ضرار صاحبه بمولودهما= لا أنه نهى كل واحد منهما عن أن يضار المولود. وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارة الصبي، والصبي في حال ما هو رضيع - غير جائز أن يكون منه ضرار لأحد؟ فلو كان ذلك معناه، لكل التنزيل: لا تضر والدة بولدها. [[في المخطوطة: "لا تضار" كنص الآية، وهي خطأ بلا شك.]]
* * *
وقد زعم آخرون من أهل العربية أن الكسر في"تضار" جائز. [[هو الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٩، وعنى الفراء برأيه هذا أنه لما سكنت الراء الأولى لإدغامهما في الثانية الساكنة، التقى ساكنان، فكسر، لأن الكسر هو الأصل في التقاء الساكنين هذا ما أجازه.]] والكسر في ذلك عندي في هذا الموضع غير جائز، [[في المطبوعة: "والكسر في ذلك عندي غير جائز في هذا الموضع" وأثبت ما في المخطوطة.]] لأنه إذا كسر تغير معناه عن معنى: لا تضارَرْ "- [[في المطبوعة: "لا تضار"، والصواب التضعيف هنا للبيان، كما في المخطوطة.]] الذي هو في مذهب ما لم يسم فاعله- إلى معنى"لاتضارر"، [[في المخطوطة والمطبوعة: "لا تضار" والصواب ما أثبت للعلة في التعليق السالف.]] الذي هو في مذهب ما قد سمي فاعله. [[هذه الفقرة من كلام أبي جعفر في رد من قال بالكسر، تدل دلالة واضحة أيضًا على فساد الجملة الأولى التي صححناها في ص: ٤٦، ٤٧ تعليق: ٣، وهي تبين لك عن صواب ما استظهرت أنه أصل كلام الطبري.]]
* * *
قال أبو جعفر: فإذ كان الله تعالى ذكره قد نهى كل واحد من أبوي المولود عن مضارة صاحبه بسبب ولدهما، فحق على إمام المسلمين= إذا أراد الرجل نزع ولده من أمه بعد بينونتها منه، وهي تحضنه وتكلفه وترضعه، بما يحضنه به غيرها ويكلفه به ويرضعه من الأجرة= [[في المخطوطة والمطبوعة: "وترضعه"، والصواب بالياء كما أثبت. وسياق الجملة: "فحق على إمام المسلمين. . . أن يأخذ الوالد" وما بينهما فصل للحال. وقوله: "ما دام محتاجا الصبي" حال أخرى معترضة. وسياق الكلام"بتسليم ولدها. . . إليها في ذلك".]] أن يأخذ الوالد بتسليم ولدها، ما دام محتاجا الصبي، إليها في ذلك بالأجرة التي يعطاها غيرها وحق عليه= إذا كان الصبي لا يقبل ثدي غير والدته، أو كان المولود له لا يجد من يرضع ولده وإن كان يقبل ثدي غير أمه، أو كان معدما لا يجد ما يستأجر به مرضعا، ولا يجد ما يتبرع عليه برضاع مولوده. [[في المطبوعة والمخطوطة: "ما يتبرع عليه"، وهو خطأ فاسد، لأنه يريد أنه لم يجد من يتفضل عليه ويتطوع برضاع مولوده. وسياق هذه الجملة أيضًا: "وحق عليه. . . أن يأخذ والدته"، كما في الفقرة السالفة.]] = أن يأخذ والدته البائنة من والده برضاعه وحضانته. [[في المخطوطة: "أن يأخذ بوالدته الثانية من والدته البائنة من والده"، وقد أصابت المطبوعة الصواب، فحذفت"الثانية من والدته"، فهو تصحيف وتكرار.]] لأن الله تعالى ذكره إن حرم على كل واحد من أبويه ضرار صاحبه بسببه، [[في المطبوعة: "لأن الله تعالى ذكره حرم" بإسقاط"إن"، والواجب إثباتها كما جاءت في المخطوطة.]] فالإضرار به أحرى أن يكون محرما، مع ما في الإضرار به من مضارة صاحبه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في"الوارث" الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، وأي وارث هو: ووارث من هو؟
فقال بعضهم: هو وارث الصبي. وقالوا: معنى الآية: وعلى وارث الصبي إذا كان [أبوه] ميتا، [[هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، وإلا اختل الكلام، ويدل على وجودها ما بعده.]] مثل الذي كان على أبيه في حياته.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٨٦- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قالا حدثنا سعيد، عن قتادة:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على وارث الولد.
٤٩٨٧- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على وارث الولد.
٤٩٨٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: وعلى وارث الصبي مثل ما على أبيه.
* * *
ثم اختلف قائلو هذه المقالة في وارث المولود، الذي ألزمه الله تعالى مثل الذي وصف. فقال بعضهم: هم وارث الصبي من قبل أبيه من عصبته، كائنا من كان، أخا كان، أو عما، أو ابن عم، أو ابن أخ.
* ذكر من قال ذلك:
٤٩٨٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج: أن عمرو بن شعيب أخبره: أن سعيد بن المسيب أخبره: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه= قال: في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال [[هذه الجملة بين الخطين، من كلام عمرو بن شعيب. بمعنى أن سعيد بن المسيب أخبره في قوله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك"، أن عمر بن الخطاب حبس. وهذا بين من سياق التحديث.]] = وقف بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه، مثل العاقلة. [[الأثر: ٤٩٨٩- في المخطوطة"قال: وقف بني عم منفوس بني عمه كلالة بالنفقة". وأما الذي في المطبوعة، فكأنه من نص الدر المنثور ١: ٢٨٨، اجتلبه المصحح من هناك، وهذا نص الدر والمطبوعة: "حبس بني عم على منفوس كلالة بالنفقة عليه"، وقد رأيت أن أقرأها كما أثبتها وكما في المحلى بهذا الإسناد ١٠: ١٠٢. والمخطوطة - كما قلت مرارا مضطربة في هذا القسم منها لعجلة الكاتب، كما ظهر في كثرة التصحيحات السالفة. وانظر الأثر رقم: ٤٩٩١ والتعليق عليه. يقال: هو ابن عمه كلالة (بالنصب) ، وابن عم كلالة (بالإضافة) . أي من بني العم الأباعد، وهم العصبة وإن بعدوا. والعاقلة: هم عصبة الرجل وقرابته من قبل الأب الذين يعطون دية القتل.]]
٤٩٩٠- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أن الحسن كان يقول:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على العصبة.
٤٩٩١- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الله بن إدريس وأبو عاصم قالا حدثنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب قال: وقف عمر ابن عم على منفوس كلالة برضاعه. [[الأثر: ٤٩٩١- انظر الأثر السالف: ٤٩٨٩، وفي المطبوعة هنا"ابن عم على منفوس" بزيادة"على"، وأثبت ما في المخطوطة وانظر سنن البيهقي ٧: ٤٧٨ - ٤٧٩، والمحلى ١٠: ١٠٢.]]
٤٩٩٢- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس: أن الحسن كان يقول: إذا توفي الرجل وامرأته حامل، فنفقتها من نصيبها، ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له، فإن لم يكن له مال فنفقته على عصبته.
قال: وكان يتأول قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على الرجال.
٤٩٩٣- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن قال: على العصبة الرجال، دون النساء.
٤٩٩٤- حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي قالا حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا هشام عن ابن سيرين: أتي عبد الله بن عتبة مع اليتيم وليه، ومع اليتيم من يتكلم في نفقته، فقال لولي اليتيم: لو لم يكن له مال لقضيت عليك بنفقته، لأن الله تعالى يقول:" وعلى الوارث مثل ذلك". [[الأثران: ٤٩٩٤، ٤٩٩٥- انظر الأثر التالي رقم: ٥٠٠٤. والذي في المخطوطة في الأثر الأول: "أن أبا عبد الله" بياض بين الكلمتين، وغير منقوط، وفي المطبوعة: "أنه أتى عبد الله"، وظني أن الناسخ قد كرر، وأن الصواب ما أثبت، كما في الأثر الذي يليه.]]
٤٩٩٥- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين قال: أُتي عبد الله بن عتبة في رضاع صبي، فجعل رضاعه في ماله، وقال لوليه: لو لم يكن له مال جعلنا رضاعه في مالك، ألا تراه يقول:"وعلى الوارث مثل ذلك"؟ [[الأثران: ٤٩٩٤، ٤٩٩٥- انظر الأثر التالي رقم: ٥٠٠٤. والذي في المخطوطة في الأثر الأول: "أن أبا عبد الله" بياض بين الكلمتين، وغير منقوط، وفي المطبوعة: "أنه أتى عبد الله"، وظني أن الناسخ قد كرر، وأن الصواب ما أثبت، كما في الأثر الذي يليه.]]
٤٩٩٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على الوارث ما على الأب، إذا لم يكن للصبي مال. وإذا كان له ابن عم أو عصبة ترثه، فعليه النفقة.
٤٩٩٧- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الولي من كان.
٤٩٩٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بشر ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٤٩٩٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٥٠٠٠- حدثنا عبد الله بن محمد الحنفي قال، حدثنا عبد الله بن عثمان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يعقوب- يعني ابن القاسم- عن عطاء وقتادة- في يتيم ليس له شيء، أيجبر أولياؤه على نفقته؟ قالا نعم، ينفق عليه حتى يدرك. [[الأثر: ٥٠٠٠- عبد الله بن محمد بن يزيد أبو محمد الحنفي المروزي صاحب عبدان. سكن بغداد. قال الخطيب: "كان ثقة"، وتوفى سنة ٢٧٥ مترجم في تاريخ بغداد ١٠: ٨٥ و"عبدان"، لقب"عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد الأزدي، روى عنه البخاري. مات سنة ٢٢٠. مترجم في التهذيب. وانظر الأثر الآتي برقم: ٥٠٠٩.]]
٥٠٠١- حدثت عن يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضحاك قال: إن مات أبو الصبي وللصبي مال، أخذ رضاعه من المال. وإن لم يكن له مال، أخذ من العصبة. فإن لم يكن للعصبة مال، أجبرت عليه أمه.
* * *
وقال آخرون منهم: بل ذلك على وارث المولود من كان، من الرجال والنساء.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٠٢- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة أنه كان يقول:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على وارث المولود ما كان على الوالد من أجر الرضاع، إذا كان الولد لا مال له، على الرجال والنساء على قدر ما يرثون.
٥٠٠٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أغرم ثلاثة، كلهم يرث الصبي، أجر رضاعه.
٥٠٠٤- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: أن عبد الله بن عتبة جعل نفقة صبي من ماله، وقال لوارثه: أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقته، ألا ترى أنه يقول:"وعلى الوارث مثل ذلك". [[الأثر: ٥٠٠٤- بإسناده في المحلى ١٠: ١٠٣، وانظر الأثرين السالفين: ٤٩٩٤، ٤٩٩٥.]]
* * *
وقال آخرون منهم: هو من ورثته، من كان منهم ذا رحم محرم للمولود، فأما من كان ذا رحم منه وليس بمحرم، كابن العم والمولى ومن أشبههما، فليس من عناه الله بقوله:"وعلى الوارث مثل ذلك". والذين قالوا هذه المقالة: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
* * *
وقالت فرقةأخرى: بل الذي عنى الله تعالى ذكره بقوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، المولود نفسه.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٠٥- حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال، أخبرنا حيوة بن شريح قال، أخبرنا جعفر بن ربيعة. أن بشير بن نصر المزني - وكان قاضيا قبل ابن حجيرة في زمان عبد العزيز- كان يقول:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الوارث هو الصبي. [[الأثر: ٥٠٠٥-"أبو زرعة وهب الله بن راشد المصري" مضت ترجمته بتفصيل في رقم: ٢٣٧٧. وكان في المطبوعة هنا"حدثنا أبو زرعة وعبد الله بن راشد" كما كان هناك أيضًا، والصواب هنا من المخطوطة. وجعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي أبو شرحبيل المصري. قال أحمد: "كان شيخا من أصحاب الحديث ثقة". توفي سنة ١٣٦. مترجم في التهذيب. و"بشير ابن النضر المزني" مترجم في كتاب القضاة للكندي: ٣١٣ - ٣١٤ توفى سنة ٦٩، وكان في المطبوعة والمخطوطة"بشر بن نصر"، وهو خطأ، وقد روى هذا الأثر بإسناده قال: "حدثنا محمد بن يوسف، قال حدثني محمد بن ربيع الجيزي، قال حدثني أبي، قال حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد. . . ". و"ابن حجيرة" هو: "عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني"، مترجم في كتاب القضاة: ٣١٤ - ٣٢٠، توفى سنة ٨٣، وكان فقيها من أفقه الناس.]]
٥٠٠٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا عبد الله بن يزيد المقري قال، أخبرنا حيوة. قال، أخبرنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيب:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: هو الصبي.
٥٠٠٧- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريح قال، أخبرني جعفر بن ربيعة: أن قبيصة بن ذؤيب كان يقول: الوارث هو الصبي= يعني قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك". [[الأثران: ٥٠٠٦، ٥٠٠٧ - انظر المحلى ١٠: ١٠٣، وروايته هناك: "رضاع الصبي".]]
٥٠٠٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: يعني بالوارث: الولد الذي يرضع.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك على ما تأوله هؤلاء: وعلى الوارث المولود، مثل ما كان على المولود له.
* * *
وقال آخرون: بل هو الباقي من والدي المولود، بعد وفاة الآخر منهما.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٠٩- حدثني عبد الله بن محمد الحنفي قال، أخبرنا عبد الله بن عثمان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، سمعت سفيان يقول في صبي له عم وأم وهي ترضعه، قال: يكون رضاعه بينهما، ويرفع عن العم بقدر ما ترث الأم، لأن الأم تجبر على النفقة على ولدها. [[الأثر: ٥٠٠٩- انظر إسناد الأثر السالف رقم: ٥٠٠٠، وفي المطبوعة: "ويدفع عن العم"، والصواب من المخطوطة.]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"مثل ذلك".
فقال بعضهم: تأويله: وعلى الوارث للصبي بعد وفاة أبويه، [[في المطبوعة: "على الوارث للصبي"، وأثبت ما في المخطوطة.]] مثل الذي كان على والده من أجر رضاعه ونفقته، إذا لم يكن للمولود مال.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠١٠- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على الوارث رضاع الصبي.
٥٠١١- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: أجر الرضاع.
٥٠١٢- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الرضاع.
٥٠١٣- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: أجر الرضاع.
٥٠١٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن عتبة:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الرضاع.
٥٠١٥- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد، عن عبد الله بن عتبة في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: النفقة بالمعروف.
٥٠١٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على الوارث ما على الأب من الرضاع، إذا لم يكن للصبي مال.
٥٠١٧- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الرضاع والنفقة.
٥٠١٨- حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن إبراهيم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الرضاع.
٥٠١٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، قال: الرضاع.
٥٠٢٠- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا أبو عوانة، عن مطرف، عن الشعبي:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: أجر الرضاع.
٥٠٢١- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشعبي مثله.
٥٠٢٢- حدثنا أبو كريب وعمرو بن علي قالا حدثنا عبد الله بن إدريس قال، سمعت هشاما [[في المطبوعة: "سمعت وهشاما عن الحسن"، كأنه سقطا اسم راو عطف عليه قوله"وهشاما" وكأنه صوابه"سمعت أشعث وهشاما"، كما سيأتي في الأثر التالي.]] عن الحسن في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: الرضاع.
٥٠٢٣- حدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام وأشعث، عن الحسن مثله.
٥٠٢٤- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن:"وعلى الوارث مثل ذلك"، يقول في النفقة على الوارث، إذا لم يكن له مال.
٥٠٢٥- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد مثله.
٥٠٢٦- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن مجاهد:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: النفقة بالمعروف.
٥٠٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وعلى الوارث مثل ذلك"، على الولي كفله ورضاعه، إن لم يكن للمولود مال.
٥٠٢٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: وعلى الوارث من كان، مثل ما وصف من الرضاع= قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد: مثل ذلك في الرضاعة= قال:" وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: وعلى الوارث أيضا كفله ورضاعه، إن لم يكن له مال، وأن لا يضار أمه.
٥٠٢٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني الحجاج، عن ابن جريح، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: نفقته حتى يفطم، إن كان أبوه لم يترك له مالا.
٥٠٣٠- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: وعلى وارث الولد ما كان على الوالد من أجر الرضاع، إذا كان الولد لا مال له.
٥٠٣١- حدثني عبد الله بن محمد الحنفي قال، حدثنا عبد الله بن عثمان قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على وارث الصبي مثل ما على أبيه، إذا كان قد هلك أبوه ولم يكن له مال، [[في المطبوعة: "إذ كان قد هلك"، والصواب من المخطوطة.]] فإن على الوارث أجر الرضاع.
٥٠٣٢- حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: إذا مات وليس له مال، كان على الوارث رضاع الصبي.
* * *
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى الوارث مثل ذلك: أن لا يضار.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٣٣- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا حماد بن زيد، عن علي بن الحكم، عن الضحاك بن مزاحم:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: أن لا يضار.
٥٠٣٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم الأحول، عن الشعبي في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: لا يضار، ولا غرم عليه.
٥٠٣٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد في قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، أن لا يضار.
٥٠٣٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين"، قال: الوالدات أحق برضاع أولادهن ما قبلن رضاعهن بما يعطى غيرهن من الأجر. وليس لوالدة أن تضار بولدها، فتأبى رضاعه مضارة، وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها. وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته ضرارا لها، وهي تقبل من الأجر ما يعطي غيرها=" وعلى الوارث مثل ذلك"، مثل الذي على الوالد في ذلك.
٥٠٣٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثنا علي قال: حدثنا زيد، عن سفيان:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: أن لا يضار، وعليه مثل ما على الأب من النفقة والكسوة.
* * *
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى وارث المولود، [[في المطبوعة: "وعلى الوارث المولود"، وأثبت ما في المخطوطة.]] مثل الذي كان على المولود له، من رزق والدته وكسوتها بالمعروف.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٣٨- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على الوارث عند الموت، مثل ما على الأب للمرضع من النفقة والكسوة= قال: ويعني بالوارث: الولد الذي يرضع: أن يؤخذ من ماله- إن كان له مال- أجر ما أرضعته أمه.
فإن لم يكن للمولود مال ولا لعصبته، فليس لأمه أجر، وتجبر على أن ترضع ولدها بغير أجر.
٥٠٣٩- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وعلى الوارث مثل ذلك"، قال: على وارث الولد، مثل ما على الوالد من النفقة والكسوة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: وعلى الوارث مثل ما ذكره الله تعالى ذكره.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٤٠- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قوله تعالى ذكره:"وعلى الوارث مثل ذلك"؟ قال: مثل ما ذكره الله تعالى ذكره.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك": أن يكون المعني بالوارث ما قاله قبيصة بن ذؤيب والضحاك بن مزاحم؛ ومن ذكرنا قوله آنفا: [[انظر الآثار السالفة: ٥٠٠٥ - ٥٠٠٨.]] من أنه معني بالوارث: المولود= وفي قوله:"مثل ذلك"، أن يكون معنيا به: مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف، إن كانت من أهل الحاجة، ومن هي ذات زمانة وعاهة، [[في المطبوعة والمخطوطة: "وهي ذات زمانة"، والسياق يقتضي ما أثبت. والاحتراف الاكتساب يقال: هو يحرف لعياله ويحترف، أي يكتسب.]] ومن لا احتراف فيها، ولا زوج لها تستغني به، وإن كانت من أهل الغنى والصحة، فمثل الذي كان على والده لها من أجر رضاعه.
وإنما قلنا: هذا التأويل أولى بالصواب مما عداه من سائر التأويلات التي ذكرناها، لأنه غير جائز أن يقال في تأويل كتاب الله تعالى ذكره قول إلا بحجة واضحة، على ما قد بينا في أول كتابنا هذا. [[يعني ما سلف في ١: ٧٣ - ٩٣، ثم ذكر ذلك في مواضع أخرى تجدها في الفهارس.]] وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله:"وعلى الوارث مثل ذلك"، محتملا ظاهره: وعلى وارث الصبي المولود مثل الذي كان على المولود له= ومحتملا وعلى وارث المولود له مثل الذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود، وغير ذلك من التأويلات، على نحو ما قد قدمنا ذكرها= [[في المطبوعة: "قدمنا ذكره" وأثبت ما في المخطوطة.]] وكان الجميع [[قوله: "وكان الجميع" معطوف على قوله. وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله. . . "]] من الحجة قد أجمعوا على أن من ورثة المولود من لا شيء عليه من نفقته وأجر رضاعه= [[سياق هذه الجملة من أولها: "وإذ كان ذلك كذلك. . .، وكان قوله. . .، محتملا. . . " ومحتملا. . . " وكان الجميع من الحجة. . . صح بذلك من الدلالة. . . "، وكان في المطبوعة: "وصح" بالواو، والسياق يقتضي حذفها، لأنها جواب"إذ".]] وصح بذلك من الدلالة على أن سائر ورثته، غير آبائه وأمهاته وأجداده وجداته من قبل أبيه أو أمه، في حكمه، [[السياق: "صح بذلك من الدلالة على أن سائر ورثته. . . في حكمه".]] في أنهم لا يلزمهم له نفقة ولا أجر رضاع، إذ كان مولى النعمة من ورثته، وهو ممن لا يلزمه له نفقة ولا أجر رضاع. فوجب بإجماعهم على ذلك أن حكم سائر ورثته غير من استثني- حكمه. [[السياق: "أن حكم سائر ورثته. . . حكمه" خبر"أن"، يعني أن حكمهما واحد.]]
وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا- من أنه معني به ورثة المولود- فبطول القول الآخر= وهو أنه معني به ورثة المولود له سوى المولود= أحرى. لأن الذي هو أقرب بالمولود قرابة ممن هو أبعد منه [[في المخطوطة: "الذي هو أقرب بالمولود قربه ممن هو أبعد منه"، والذي في المطبوعة أصح وأجود.]] - إذا لم يصح وجوب نفقته وأجر رضاعه عليه- فالذي هو أبعد منه قرابة، أحرى أن لا يصح وجوب ذلك عليه.
وأما الذي قلنا من وجوب رزق الوالدة وكسوتها بالمعروف على ولدها -إذا كانت الوالدة بالصفة التي وصفنا -على مثل الذي كان يجب لها من ذلك على المولود له، فما لا خلاف فيه من أهل العلم جميعا. فصح ما قلنا في الآية من التأويل بالنقل المستفيض وراثة عمن لا يجوز خلافه. وما عدا ذلك من التأويلات، فمتنازع فيه، وقد دللنا على فساده.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"فإن أرادا"، إن أراد والد المولود ووالدته="فصالا"، يعني: فصال ولدهما من اللبن.
* * *
ويعني ب"الفصال": الفطام، وهو مصدر من قول القائل:"فاصلت فلانا أفاصله مفاصلة وفصالا"، إذا فارقه من خلطة كانت بينهما. فكذلك"فصال الفطيم"، إنما هو منعه اللبن، وقطعه شربه، وفراقه ثدي أمه إلا الاغتذاء بالأقوات التي يغتذي بها البالغ من الرجال.
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٤١- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"فإن أرادا فصالا"، يقول: إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين.
٥٠٤٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فإن أرادا فصالا"، فإن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
٥٠٤٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما"، قال: الفطام.
* * *
وأما قوله:"عن تراض منهما وتشاور"، فإنه يعني بذلك: عن تراض من والدي المولود وتشاور منهما.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الوقت الذي أسقط الله الجناح عنهما، إن فطماه عن تراض منهما وتشاور، وأي الأوقات الذي عناه الله تعالى ذكره بقوله:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور".
فقال بعضهم: عنى بذلك، فإن أرادا فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٤٤- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور"، يقول: إذا أرادا أن يفطماه قبل الحولين فتراضيا بذلك، فليفطماه.
٥٠٤٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل ولدها قبل الحولين، فكان ذلك عن تراض منهما وتشاور، فلا بأس به.
٥٠٤٦- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور"، قال: التشاور فيما دون الحولين، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى.
٥٠٤٧- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: التشاور ما دون الحولين،"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور" دون الحولين"فلا جناح عليهما"، فإن لم يجتمعا، فليس لها أن تفطمه دون الحولين.
٥٠٤٨- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان عن ليث، عن مجاهد قال: التشاور ما دون الحولين، ليس لها حتى يجتمعا.
٥٠٤٩- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني الليث قال، أخبرنا عقيل، عن ابن شهاب:"فإن أرادا فصالا"، يفصلان ولدهما="عن تراض منهما وتشاور"، دون الحولين الكاملين="فلا جناح عليهما".
٥٠٥٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان قال: التشاور ما دون الحولين، إذا اصطلحا دون ذلك، وذلك قوله:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور". فإن قالت المرأة:"أنا أفطمه قبل الحولين"، وقال الأب:"لا"، فليس لها أن تفطمه قبل الحولين. وإن لم ترض الأم، فليس له ذلك، حتى يجتمعا. فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين. وذلك قوله:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما".
٥٠٥١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور"، قال: قبل السنتين="فلا جناح عليهما".
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"، في أي وقت أرادا ذلك، قبل الحولين أرادا أم بعد ذلك. [[في المطبوعة: "قبل الحولين أرادا ذلك أم بعد الحولين"، ورددتها إلى المخطوطة.]]
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٥٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"، أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
* * *
وأما قوله:"عن تراض منهما وتشاور"، فإنه يعني: عن تراض منهما وتشاور فيما فيه مصلحة المولود لفطمه، كما: -
٥٠٥٣- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور"، قال: غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما [[في المخطوطة: "غير في ظلم أنفسهما" بياض بين الكلمتين، والذي أتمه مصحح المطبوعة لا بأس به، ولم أجد الأثر في مكان آخر.]] ="فلا جناح عليهما".
٥٠٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب تأويل من قال:"فإن أرادا فصالا في الحولين عن تراض منهما وتشاور"، لأن تمام الحولين غاية لتمام الرضاع وانقضائه، ولا تشاور بعد انقضائه، وإنما التشاور والتراضي قبل انقضاء نهايته.
فإن ظن ذو غفلة أن للتشاور بعد انقضاء الحولين معنى صحيحا= إذ كان من الصبيان من تكون به علة يحتاج من أجلها إلى تركه والاغتذاء بلبن أمه= فإن ذلك إذا كان كذلك، فإنما هو علاج، كالعلاج بشرب بعض الأدوية، لا رضاع. فأما الرضاع الذي يكون في الفصال منه قبل انقضاء آخره تراض وتشاور من والدي الطفل الذي أسقط الله تعالى ذكره لفطمهما إياه الجناح عنهما، قبل انقضاء آخر مدته، فإنما حده الحد الذي حده الله تعالى ذكره بقوله: [[في المخطوطة والمطبوعة: "فإنما الحد الذي حده الله تعالى. . . "، وهو كلام غير مستقيم ألبتة، والصواب زيادة ما أثبته، فيكون سياقه: "وأما الرضاع. . . فإنما حده الحد الذي حده الله تعالى. . . ".]] "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، على ما قد أتينا على البيان عنه فيما مضى قبل. [[انظر ما سلف في هذا الجزء ٥: ٣٩ وما قبلها وما بعدها.]]
* * *
وأما الجناح، فالحرج، [[انظر ما سلف في تفسير"الجناح" ٣: ٢٣٠، ٢٣١/ و ٤: ١٦٢، ١٦٣، ٥٦٥.]] كما: -
٥٠٥٥- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"فلا جناح عليهما"، فلا حرج عليهما.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك، وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمهاتهم= إذا أبت أمهاتهم أن يرضعنهم بالذي يرضعنهم به غيرهن من الأجر، أو من خيفة ضيعة منكم على أولادكم بانقطاع ألبان أمهاتهم، أو غير ذلك من الأسباب = فلا حرج عليكم في استرضاعهن، إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٥٦- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، خيفة الضيعة على الصبي،"فلا جناح عليكم".
٥٠٥٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٥٠٥٨- حدثني عبد الله بن محمد الحنفي قال، حدثنا عبد الله بن عثمان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو بشر ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٥٠٥٩- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، إن قالت المرأة:"لا طاقة لي به فقد ذهب لبني" فتُسترْضَع له أخرى.
٥٠٦٠- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قال: ليس للمرأة أن تترك ولدها بعد أن يصطلحا على أن ترضع، ويسلمان، ويجبران على ذلك. قال: فإن تعاسروا عند طلاق أو موت في الرضاع، فإنه يعرض على الصبي المراضع. فإن قبل مرضعا جاز ذلك وأرضعته، [[في المطبوعة: "صار ذلك"، وفي المخطوطة"حار" غير منقوطة، والذي أثبته هو صواب قراءتها.]] وإن لم يقبل مرضعا فعلى أمه أن ترضعه بالأجر إن كان له مال أو لعصبته. فإن لم يكن له مال ولا لعصبته، أكرهت على رضاعه.
٥٠٦١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد= جميعا، عن سفيان:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم"، إذا أبت الأم أن ترضعه، فلا جناح على الأب أن يسترضع له غيرها.
٥٠٦٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، قال: إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها، ورضي الأب أن يسترضع ولده، فليس عليهما جناح.
* * *
واختلفوا في قوله:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف".
فقال بعضهم: معناه: إذا سلمتم لأمهاتهم ما فارقتموهن عليه من الأجرة على رضاعهن، بحساب ما استحقته إلى انقطاع لبنها= أو الحال التي عذر أبو الصبي بطلب مرضع لولده غير أمه، واسترضاعه له.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٦٣- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، قال: حساب ما أرضع به الصبي.
٥٠٦٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، حساب ما يرضع به الصبي.
٥٠٦٥- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، إن قالت - يعني الأم -:"لا طاقة لي به، فقد ذهب لبني"، فتسترضع له أخرى، وليسلم لها أجرها بقدر ما أرضعت.
٥٠٦٦- حدثني المثنى قال، حدثني سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال: قلت -يعني لعطاء-:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"؟ قال: أمه وغيرها="فلا جناح عليكم إذا سلمتم"، قال: إذا سلمت لها أجرها="ما آتيتم"، قال: ما أعطيتم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إذا سلمتم للاسترضاع، عن مشورة منكم ومن أمهات أولادكم الذين تسترضعون لهم، وتراض منكم ومنهن باسترضاعهم. [[في المطبوعة والمخطوطة: "ومنهم"، والصواب ما أثبت.]]
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٦٧- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.
٥٠٦٨- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، أخبرني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب: لا جناح عليهما أن يسترضعا أولادهما- يعني أبوي المولود- إذا سلما ولم يتضارا.
٥٠٦٩- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، يقول: إذا كان ذلك عن مشورة ورضا منهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف إلى التي استرضعتموها بعد إباء أم المرضع، من الأجرة، بالمعروف.
* ذكر من قال ذلك:
٥٠٧٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران= وحدثني علي قال، حدثنا زيد =جميعا، عن سفيان في قوله:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف"، قال: إذا سلمتم إلى هذه التي تستأجرون أجرها بالمعروف- يعني: إلى من استرضع للمولود، إذا أبت الأم رضاعه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال:"تأويله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم إلى تمام رضاعهن، ولم تتفقوا أنتم ووالدتهم على فصالهم، [[في المطبوعة: "أنتم ووالدتهم"، وهو خطأ.]] ولم تروا ذلك من صلاحهم، فلا جناح عليكم أن تسترضعوهم ظؤورة، إن امتنعت أمهاتهم من رضاعهم لعلة بهن أو لغير علة [[الظؤورة جمع ظئر (بكسر فسكون) : وهي المرضعة غير ولدها. والظؤورة مثل البعولة، جمع"بعل"، أو هما اسم جمع، كما يقول سيبويه.]] إذا سلمتم إلى أمهاتهم وإلى المسترضعة الآخرة حقوقهن التي آتيتموهن بالمعروف.
يعني بذلك المعنى: الذي أوجبه الله لهن عليكم، وهو أن يوفيهن أجورهن على ما فارقهن عليه، في حال الاسترضاع،، ووقت عقد الإجارة.
وهذا هو المعنى الذي قاله ابن جريج، ووافقه على بعضه مجاهد والسدي ومن قال بقولهم في ذلك.
وإنما قضينا لهذا التأويل أنه أولى بتأويل الآية من غيره، لأن الله تعالى ذكره ذكر قبل قوله:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم"، أمر فصالهم، وبين الحكم في فطامهم قبل تمام الحولين الكاملين فقال:"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما"، في الحولين الكاملين"فلا جناح عليهما". فالذي هو أولى بحكم الآية- إذ كان قد بين فيها وجه الفصال قبل الحولين- أن يكون الذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتمام الرضاع إلى غاية نهايته= وأن يكون- إذ كان قد بين حكم الأم إذا هي اختارت الرضاع بما يرضع به غيرها من الأجرة- أن يكون الذي يتلو ذلك من الحكم، بيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه، كما كان ذلك كذلك في غير هذا الموضع من كتاب الله تعالى، وذلك في قوله: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [سورة الطلاق: ٦] . فأتبع ذكر بيان رضا الوالدات برضاع أولادهن، ذكر بيان امتناعهن من رضاعهن، فكذلك ذلك في قوله:"وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم".
وإنما اخترنا في قوله:"إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف" - ما اخترنا من التأويل، لأن الله تعالى ذكره فرض على أبي المولود تسليم حق والدته إليها مما آتاها من الأجرة على رضاعها له بعد بينونتها منه، كما فرض عليه ذلك لمن استأجره لذلك ممن ليس من مولده بسبيل، وأمره بإيتاء كل واحدة منهما حقها بالمعروف على رضاع ولده. فلم يكن قوله:"إذا سلمتم" بأن يكون معنيا به: إذا سلمتم إلى أمهات أولادكم الذين يرضعون حقوقهن، بأولى منه بأن يكون معنيا به: إذا سلمتم ذلك إلى المراضع سواهن= ولا الغرائب من المولود، بأولى أن يكن معنيات بذلك من الأمهات [[هذه الجملة بين الخطين، معطوفة على الجملة الأولى، فيكون سياق معناها: ولم يكن الغرائب من المولود بأولى أن يكن معنيات بذلك من الأمهات.]] إذ كان الله تعالى ذكره قد أوجب على أبي المولود لكل من استأجره لرضاع ولده، من تسليم أجرتها إليها مثل الذي أوجب عليه من ذلك للأخرى. فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيل إلى باطن، [[سلف مرارا ذكر"الظاهر" و"الباطن" فاطلبه في فهرس المصطلحات.]] ولا نقل عام إلى خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها- فصح بذلك ما قلنا.
* * *
قال أبو جعفر: وأما معنى قوله:"بالمعروف"، فإن معناه: بالإجمال والإحسان، وترك البخس والظلم فيما وجب للمراضع. [[انظر ما سلف في بيان"المعروف" ٣: ٣٧١ / ثم في الجزء ٤: ٥٤٩ / ٥: ٧، ٤٤ وبيانه عن معنى"المعروف" هنا أوضح وأشمل.]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"واتقوا الله"، وخافوا الله فيما فرض لبعضكم على بعض من الحقوق، وفيما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم، وفيما أوجب عليكم لأولادكم، فاحذروه أن تخالفوه فتعتدوا - في ذلك وفي غيره من فرائضه وحقوقه - حدوده، [[في المطبوعة: "وحدوده" بزيادة واو مفسدة للكلام، فمعنى الكلام: فتعتدوا في ذلك حدوده.]] فتستوجبوا بذلك عقوبته="واعلموا أن الله بما تعملون" من الأعمال، أيها الناس، سرها وعلانيتها، وخفيها وظاهرها، وخيرها وشرها="بصير"، يراه ويعلمه، فلا يخفى عليه شيء، ولا يتغيب عنه منه شيء، [[في المطبوعة: "لا يغيب"، وأثبت ما في المخطوطة، وهما سواء.]] فهو يحصي ذلك كله عليكم، حتى يجازيكم بخير ذلك وشره.
* * *
ومعنى"بصير"، ذو إبصار، وهو في معنى"مبصر". [[انظر ما سلف في تأويل"بصير" ٢: ١٤٠، ٣٧٦، ٥٠٦، وغيرها من المواضع في فهرس اللغة، وفهرس مباحث العربية.]]
{"ayah":"۞ وَٱلۡوَ ٰلِدَ ٰتُ یُرۡضِعۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ حَوۡلَیۡنِ كَامِلَیۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن یُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَ ٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضࣲ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرࣲ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّاۤ ءَاتَیۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق