الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾، (p-٣١٢)اَللَّفْظُ لَفْظُ الخَبَرِ، والمَعْنى الأمْرُ، كَما تَقُولُ: ”حَسْبُكَ دِرْهَمٌ“، فَلَفْظُهُ لَفْظُ الخَبَرِ، ومَعْناهُ: ”اِكْتَفِ بِدِرْهَمِ“، وكَذَلِكَ مَعْنى الآيَةِ: ”لِتُرْضِعِ الوالِداتُ“، يُقالُ: ”أرْضَعَتِ المَرْأةُ، فَهي مُرْضِعَةٌ“، قَوْلُهُمْ: ”اِمْرَأةٌ مُرْضِعٌ“، بِغَيْرِ هاءٍ، مَعْناهُ: ”ذاتُ إرْضاعٍ“، فَإذا أرَدْتُمُ اسْمَ الفاعِلِ عَلى ”أرْضَعَتْ“، قُلْتَ: ”مُرْضِعَةٌ“، لا غَيْرُ، ويُقالُ: ”رُضِعَ المَوْلُودُ، يُرْضَعُ“، و”رَضَعَ، يَرْضَعُ“، والأُولى أكْثَرُ وأوْضَحُ، ويُقالُ: ”اَلرَّضاعَةُ“، و”اَلرِّضاعَةُ“، بِالفَتْحِ، والكَسْرِ، والفَتْحُ أكْثَرُ الكَلامِ، وأصَحُّهُ، وعَلَيْهِ القِراءَةُ ﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾، ورَوى أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ أنَّ بَعْضَ بَنِي تَمِيمٍ تَقُولُ: ”اَلرِّضاعَةُ“، بِكَسْرِ الرّاءِ، ورَوى الكَسْرَ أيْضًا غَيْرُهُ، ويُقالُ: ”اَلرَّضاعُ“، و”اَلرِّضاعُ“، ويُقالُ: ”ما حَمَلَهُ عَلى ذَلِكَ إلّا اللُّؤْمُ والرَّضاعَةُ“، بِالفَتْحِ، لا غَيْرُ، هَهُنا، ويُقالُ: ”ما حَمَلَهُ عَلَيْهِ إلّا اللُّؤْمُ والرِّضْعُ“، مِثْلُ: ”اَلْحِلْفُ“، و”اَلرَّضْعُ“، يُقالانِ جَمِيعًا، ومَعْنى ﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾، أرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ شَهْرًا، مِن يَوْمٍ يُولَدُ إلى يَوْمِ يُفْطَمُ، وإنَّما قِيلَ: ”كامِلَيْنِ“، لِأنَّ القائِلَ يَقُولُ: قَدْ مَضى لِذَلِكَ عامانِ، وسَنَتانِ، فَيُجِيزُ أنَّ السَّنَتَيْنِ قَدْ مَضَتا، ويَكُونُ أنْ تَبْقى مِنهُما بَقِيَّةٌ، إذا كانَ في الكَلامِ دَلِيلٌ عَلى إرادَةِ المُتَكَلِّمِ، فَإذا قالَ: ”كامِلَيْنِ“، لَمْ يَجُزْ أنْ تَنْقُصا شَيْئًا، وتُقْرَأُ: ”لِمَن أرادَ أنْ تَتِمَّ الرَّضاعَةُ“، و”لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ“، وهَذا هو الحَقُّ في الرَّضاعَةِ، إلّا أنْ يَتَراضَيا - أعْنِي الوالِدَيْنِ - في الفِطامِ بِدُونِ الحَوْلَيْنِ، ويُشاوَرا في ذَلِكَ. (p-٣١٣)وَمَعْنى: ﴿وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ﴾ أيْ: عَلى الزَّوْجِ رِزْقُ المَرْأةِ المُطَلَّقَةِ، إذا أرْضَعَتِ الوَلَدَ، وعَلَيْهِ الكِسْوَةُ، ومَعْنى ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾، أيْ: بِما يَعْرِفُونَ أنَّهُ العَدْلُ، عَلى قَدْرِ الإمْكانِ، ومَعْنى لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَها، أيْ: لا تُكَلَّفُ إلّا قَدْرَ إمْكانِها. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها﴾، قُرِئَتْ عَلى ضَرْبَيْنِ: ”لا تُضارُّ والِدَةٌ“، بِرَفْعِ الرّاءِ، عَلى مَعْنى: ”لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ“، عَلى الخَبَرِ الَّذِي فِيهِ مَعْنى الأمْرِ، ومَن قَرَأ: ”لا تُضارَّ والِدَةٌ“، بِفَتْحِ الرّاءِ، فالمَوْضِعُ مَوْضِعُ جَزْمٍ عَلى النَّهْيِ، الأصْلُ: ”لا تُضارَرْ“، فَأُدْغِمَتِ الرّاءُ الأُولى في الثّانِيَةِ، وفُتِحَتِ الثّانِيَةُ، لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وهَذا الِاخْتِيارُ في التَّضْعِيفِ، إذا كانَ قَبْلَهُ فَتْحٌ، أوْ ألِفٌ، الِاخْتِيارُ: ”عَضَّ يا رَجُلُ“، و”ضارَّ زَيْدًا يا رَجُلُ“، ويَجُوزُ: ”لا تُضارِّ والِدَةٌ“، بِالكَسْرِ، ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِها، فَلا تَقْرَأنَّ بِها، وإنَّما جازَ الكَسْرُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، لِأنَّهُ الأصْلُ في تَحْرِيكِ أحَدِ السّاكِنَيْنِ، ومَعْنى ”لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها“: لا تَتْرُكْ إرْضاعَ ولَدِها غَيْظًا عَلى أبِيهِ، فَتَضُرَّ بِهِ، لِأنَّ الوالِدَةَ أشْفَقُ عَلى ولَدِها مِنَ الأجْنَبِيَّةِ، ﴿وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، أيْ: لا يَأْخُذْهُ مِن أُمِّهِ لِلْإضْرارِ بِها، فَيَضُرَّ بِوَلَدِهِ، وعَلى الوارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ، أيْ: عَلَيْهِ تَرْكُ الإضْرارِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَإنْ أرادا فِصالا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ﴾، أيْ: فِطامًا، وتَراضَيا بِذَلِكَ، بَعْدَ أنْ تَشاوَرا، وعَلِما أنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُدْخِلٍ عَلى الوَلَدِ ضَرَرًا. (p-٣١٤)﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾، أيْ: فَلا إثْمَ عَلَيْهِما في الفِصالِ، عَلى ما وصَفْنا. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ﴾، مَعْناهُ: تَسْتَرْضِعُوا لِأوْلادِكم غَيْرَ الوالِدَةِ، فَلا إثْمَ عَلَيْكُمْ، ﴿إذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ﴾، قِيلَ فِيهِ: إذا سَلَّمْتُمُ الأمْرَ إلى المُسْتَرْضَعَةِ، وقِيلَ: إذا أسْلَمْتُمْ ما أعْطاهُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ مِنَ التَّراضِي في ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب