هَذَا إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى [[في جـ: "من الله تبارك وتعالى".]] لِلْوَالِدَاتِ: أَنْ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ كَمَالَ الرَّضَاعَةِ، وَهِيَ سَنَتَانِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّضَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا [[في جـ: "فلهذا".]] قَالَ: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ الْمَوْلُودُ وَعُمْرُهُ فَوْقَهُمَا لَمْ يَحْرُمْ.
قَالَ [[في جـ: "وقال".]] التِّرْمِذِيُّ: "بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا فِي الصِّغَرِ [[في أ: "في الصغير".]] دُونَ الْحَوْلَيْنِ": حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ". وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا. وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَهِيَ امْرَأَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [[سنن الترمذي برقم (١١٥٢) .]] .
قُلْتُ: تَفَرَّدَ التِّرْمِذِيُّ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا مَا كَانَ فِي الثَّدْيِ، أَيْ: فِي مَحَلِّ [[في جـ، أ: "في حال".]] الرَّضَاعَةِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيع وَغُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "إن لَهُ مُرْضِعًا [[في أ، و: "إن ابني مات وإن له مرضعا".]] فِي الْجَنَّةِ". وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ [[المسند (٤/٣٠٠) وصحيح البخاري برقم (١٣٨٢) .]] وَإِنَّمَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَاتَ وَلَهُ سَنَةٌ وَعَشَرَةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ: "إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ" يَعْنِي: تُكْمِلُ رِضَاعَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ"، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ [[سنن الدارقطني (٤/١٧٤) .]] .
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا [[في هـ: "مرفوعا" والصواب ما أثبتناه من جـ، أ، و، وهو ما نبه عليه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله.]] [[الموطأ (٢/٦٠٢) .]] . وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ: "وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ"، وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "لا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْم بَعْدَ احْتِلَامٍ"، وَتَمَامُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لُقْمَانَ: ١٤] . وَقَالَ: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الْأَحْقَافِ: ١٥] . وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تحرم بعد الحولين مروي عن عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالْجُمْهُورِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ مُدَّتَهُ سَنَتَانِ وَشَهْرَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سَنَتَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: مَا دَامَ يُرْضِعُ فَإِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ فُطِمَ الصَّبِيُّ دُونَ الْحَوْلَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَعْدَ فِصَالِهِ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْحَوْلَيْنِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْفِعْلَ، كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ [[في أ: "في الصحيحين".]] عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى رِضَاعَ الْكَبِيرِ يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِمَنْ تَخْتَارُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ لِبَعْضِ نِسَائِهَا فَتُرْضِعُهُ، وَتَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ، وَكَانَ كَبِيرًا، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَأَبَى ذَلِكَ سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَأَيْنَ [[في جـ: "ويروى".]] ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ -مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَالْأَكَابِرُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سِوَى عَائِشَةَ -مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "انظرْنَ مِنْ إِخْوَانِكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ" [[صحيح البخاري برقم (٢٦٤٧) وصحيح مسلم برقم (١٤٥٥) .]] . وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسَائِلِ الرَّضَاعِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النِّسَاءِ:٢٣]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ: وَعَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ نَفَقَةُ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِنَّ فِي بَلَدِهِنَّ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فِي يَسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ وَإِقْتَارِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطَّلَاقِ:٧] . قَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا طلَّقَ [الرَّجُلُ] [[زيادة من جـ.]] زَوَّجْتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَأَرْضَعَتْ لَهُ وَلَدَهُ، وَجَبَ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ أَيْ: لَا تَدْفَعُهُ [[في أ، و: "بأن تدفعه".]] عَنْهَا لِتَضُرَّ أَبَاهُ بِتَرْبِيَتِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا دفعُه إِذَا وَلَدَتْهُ حَتَّى تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ [[في جـ: "اللبأة".]] الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِ تَنَاوُلِهِ غَالِبًا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا لَهَا رَفْعُهُ عَنْهَا إِذَا شَاءَتْ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَتْ مُضَارَّةً لِأَبِيهِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ، كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا لِمُجَرَّدِ الضِّرَارِ لَهَا. وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أَيْ: بِأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْتَزِعَ الْوَلَدَ مِنْهَا إِضْرَارًا بِهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ زيد، وغيرهم.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ قِيلَ: فِي عَدَمِ الضِّرَارِ لِقَرِيبِهِ [[في أ: "بقرينه"، وفي و: "بقريبه".]] قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَالِدَةِ الطِّفْلِ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ، وَيُرَشَّحُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمرة مَرْفُوعًا: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عُتِق عَلَيْهِ [[رواه أبو داود في السنن برقم (٣٩٤٩) والترمذي في السنن برقم (١٣٦٥) من طريق عاصم الأحول عن الحسن به، وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه مسندا إلا من حديث حماد بن سلمة، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن، عن عمر شيئا من هذا"، ولفظه عندهما: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر".]] .
وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ رُبَّمَا ضَرَّتِ [[في أ: "جزت".]] الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ، وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تُرضع بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ. فَقَالَ: لَا تُرْضِعِيهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ أَيْ: فَإِنِ اتَّفَقَا وَالِدَا الطِّفْلِ عَلَى فِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَرَأَيَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ، وَتَشَاوَرَا فِي ذَلِكَ، وَأَجْمَعَا [[في جـ، أ: "واجتمعا".]] عَلَيْهِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فيؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ لَا يَكْفِي، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَبِدَّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةِ الْآخَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلطِّفْلِ، وَإِلْزَامٌ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [[في جـ: "من رحمه الله تعالى".]] بِعِبَادِهِ، حَيْثُ حَجَرَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي تَرْبِيَةِ طِفْلِهِمَا وَأَرْشَدَهُمَا إِلَى مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُهُمَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطَّلَاقِ:٦] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ: إِذَا اتَّفَقَتِ الْوَالِدَةُ وَالْوَالِدُ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ مِنْهَا الْوَلَدَ [[في أ، و: "الولد ويسترضع له غيرها".]] إِمَّا لِعُذْرٍ مِنْهَا، أَوْ عُذْرٍ لَهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي بَذْلِهِ، وَلَا عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا إِذَا سَلَّمَهَا أُجْرَتَهَا الْمَاضِيَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَاسْتَرْضَعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِالْأُجْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أَيْ: فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أَيْ: فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ من أحوالكم وأقوالكم.
{"ayah":"۞ وَٱلۡوَ ٰلِدَ ٰتُ یُرۡضِعۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ حَوۡلَیۡنِ كَامِلَیۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن یُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَ ٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضࣲ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرࣲ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّاۤ ءَاتَیۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}