الباحث القرآني
يُرْضِعْنَ مثل يتربصن في أنه خبر في معنى الأمر المؤكد كامِلَيْنِ توكيد كقوله: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) لأنه مما يتسامح فيه فتقول: أقمت عند فلان حولين، ولم تستكملهما. وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنهما: أن يكمل الرضاعة: وقرئ الرِّضاعة. بكسر الراء. والرضعة. وأن تتم الرضاعة وأن يتم الرضاعة، برفع الفعل تشبيهاً ل «أن» ب «ما» لتأخيهما في التأويل. فإن قلت: كيف اتصل قوله لِمَنْ أَرادَ بما قبله؟ قلت: هو بيان لمن توجه إليه الحكم، كقوله تعالى: (هَيْتَ لَكَ) لك بيان للمهيت به، أى هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع. وعن قتادة: حولين كاملين، ثم أنزل اللَّه اليسر والتخفيف فقال لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ أراد أنه يجوز النقصان، وعن الحسن:
ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد أن لا يكون في الفطام ضرر. وقيل: اللام متعلقة بيرضعن، كما تقول: أرضعت فلانة لفلان ولده، أى يرضعن حولين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة من الآباء، لأنّ الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم، وعليه أن يتخذ له ظئراً إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه، وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه. ولا يجوز استئجار الأم عند أبى حنيفة رحمه اللَّه ما دامت زوجة أو معتدة من نكاح. وعند الشافعي يجوز. فإذا انقضت عدّتها جاز بالاتفاق. فان قلت:
فما بال الوالدات مأمورات بأن يرضعن أولادهنّ؟ قلت: إما أن يكون أمراً على وجه الندب، وإما على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبى إلا ثدي أمه، أو لم توجد له ظئر، أو كان الأب عاجزاً عن الاستئجار. وقيل: أراد الوالدات المطلقات، وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وعلى الذي يولد له وهو الوالد. و (لَهُ) في محل الرفع على الفاعلية، نحو (عَلَيْهِمْ) في: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) فإن قلت لم قيل (الْمَوْلُودِ) له دون الوالد. قلت: ليعلم أنّ الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات. وأنشد للمأمون بن الرشيد:
فَإنَما أُمَّهَاتُ النَّاسِ أوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلآبَاءِ أبْنَاءُ [[لا تزرين بفتى من أن يكون له ... أم من الروم أو سوداء عجماء
فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللآباء أبناء
للمأمون بن الرشيد حين كتب إليه أخوه الأمين يوبخه على الخلافة بغير استحقاق، وفي آخره: ابن الأمة ما ألأمه:
فأجابه بذلك. وأزرى به: إذا أوقع به العيب ورماه به. والنون في الفعل للتوكيد. ويروى: لا تزدرين فتى، على خطاب المؤنثة، وكأنه أراد به إسماع أخيه. وزرى عليه: إذا عاب عليه. والازدراء: افتعال منه، أى لا تعيبى، والنون ثابتة بعد النهى شذوذا. والعجماء: التي لا تفصح في كلامها. وشبه النساء بالأوعية التي تودع فيها الأشياء تشبيها بليغا، أو على طريق التصريحية على رأى السعد في كل تشبيه بليغ. وروى: وللأبناء آباء. والمعنى أن الرفعة والضعة من جهة الآباء لا من جهة الأمهات، لأنها كالأوعية للأبناء. لكن هذا التشبيه مبنى على الظاهر. ثم كتب المأمون أيضا في جواب أخيه: القلم بمده، والسيف بحده، والمرء بسعده، لا بأبيه ولا يجده.]]
فكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم، كالأظآر. ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى، وهو قوله تعالى: (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) ، بِالْمَعْرُوفِ تفسيره ما يعقبه، وهو أن لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضارّا. وقرئ (لا تكلف) بفتح التاء و (لا نكلف) بالنون. وقرئ: لا تُضَارَّ بالرفع على الإخبار، وهو يحتمل البناء للفاعل والمفعول، وأن يكون الأصل: تضارر بكسر الراء، وتضارر بفتحها. وقرأ (لا تُضَارَّ) بالفتح أكثر القراء. وقرأ الحسن بالكسر على النهى، وهو محتمل للبناءين أيضاً. ويبين ذلك أنه قرئ لا تضارَرْ، ولا تضارِرْ، بالجزم وفتح الراء الأولى وكسرها.
وقرأ أبو جعفر: لا تضارّ، بالسكون مع التشديد على نية الوقف. وعن الأعرج (لا تضارْ) بالسكون والتخفيف، وهو من ضاره يصيره. ونوى الوقف كما نواه أبو جعفر، أو اختلس الضمة فظنه الراوي سكونا. وعن كاتب عمر بن الخطاب: لا تضرر. والمعنى: لا تضارّ والدة زوجها بسبب ولدها، وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد، وأن تقول بعد ما ألفها الصبى: اطلب له ظئراً، وما أشبه ذلك ولا يضارّ مولود له امرأته بسبب ولده، بأن يمنعها شيئا مما وجب عليه من رزقها وكسوتها ولا يأخذه منها وهي تريد إرضاعه، ولا يكرهها على الإرضاع. وكذلك إذا كان مبنياً للمفعول فهو نهى عن أن يلحق بها الضرار من قبل الزوج، وعن أن يلحق بها الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد: ويجوز أن يكون (تُضَارَّ) بمعنى تضر، وأن تكون الباء من صلته، أى لا تضرّ والدة بولدها، فلا تسيء غذاءه وتعهده، ولا تفرط فيما ينبغي له، ولا تدفعه إلى الأب بعد ما ألفها. ولا يضرّ الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصر هي في حق الولد. فان قلت: كيف قيل بولدها وبولده؟ قلت: لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف إليها الولد استعطافا لها عليه وأنه ليس بأجنبىّ منها، فمن حقها أن تشفق عليه وكذلك الوالد وَعَلَى الْوارِثِ عطف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ، وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. فكان المعنى: وعلى وارث المولود له مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة، أى إن مات المولود له لزم من يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشريطة التي ذكرت من المعروف وتجنب الضرار. وقيل: هو وارث الصبى الذي لو مات الصبى ورثه. واختلفوا، فعند ابن أبى ليلى كل من ورثه، وعند أبى حنيفة من كان ذا رحم محرم منه. وعند الشافعي: لا نفقة فيما عدا الولاد. وقيل من ورثه من عصبته مثل الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العمّ. وقيل: المراد وارث الأب وهو الصبى نفسه، وأنه إن مات أبوه وورثه وجبت عليه أجرة رضاعه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أجبرت الأم على إرضاعه.
وقيل (عَلَى الْوارِثِ) على الباقي من الأبوين من قوله: «واجعله الوارث منا» [[قوله «واجعله الوارث منا» الرواية المشهورة: منى. (ع)]] فَإِنْ أَرادا فِصالًا صادراً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما في ذلك، زادا على الحولين أو نقصا، وهذه توسعة بعد التحديد. وقيل: هو في غاية الحولين لا يتجاوز، وإنما اعتبر تراضيهما في الفصال وتشاورهما: أمّا الأب فلا كلام فيه، وأمّا الأمّ فلأنها أحق بالتربية وهي أعلم بحال الصبى. وقرئ (فإن أراد) . استرضع: منقول من أرضع. يقال: أرضعت المرأة الصبى، واسترضعتها الصبى، لتعديه إلى مفعولين، كما تقول: أنجح الحاجة، واستنجحته الحاجة. والمعنى:
أن تسترضعوا المراضع أولادكم، فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه، كما تقول: استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأوّل إِذا سَلَّمْتُمْ إلى المراضع ما آتَيْتُمْ ما أردتم إيتاءه، كقوله تعالى: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) وقرئ: ما أتيتم، من أتى إليه إحساناً إذا فعله. ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أى مفعولا. وروى شيبان عن عاصم: ما أوتيتم، أى ما آتاكم اللَّه وأقدركم عليه من الأجرة، ونحوه (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) وليس التسليم بشرط للجواز والصحة، وإنما هو ندب إلى الأولى. ويجوز أن يكون بعثاً على أن يكون الشيء الذي تعطاه المرضع من أهنى ما يكون، لتكون طيبة النفس راضية، فيعود ذلك إصلاحاً لشأن الصبى واحتياطاً في أمره، فأمرنا بإيتائه ناجزاً يداً بيد، كأنه قيل: إذا أدّيتم إليهن يداً بيد ما أعطيتموهن بِالْمَعْرُوفِ متعلق بسلمتم، أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشرى الوجوه، ناطقين بالقول الجميل، مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن، حتى يؤمن تفريطهن بقطع معاذيرهن.
{"ayah":"۞ وَٱلۡوَ ٰلِدَ ٰتُ یُرۡضِعۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ حَوۡلَیۡنِ كَامِلَیۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن یُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَ ٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضࣲ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرࣲ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّاۤ ءَاتَیۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق