﴿وَٱلْوَٰلِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ﴾ خبر بمعنى الأمر، وتقتضي الآية حكمين: الحكم الأول: من يرضع الولد؟ المرأة يجب عليها إرضاع ولدها ما دامت في عصمة والده، وإن كان والده قد مات وليس للولد مال: لزمها رضاعه في المشهور، وقيل: أجرة رضاعه على بيت المال، وإن كانت مطلقة طلاقاً بائناً: لم يلزمها رضاعه، لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] إلا أن تشاء هي فهي أحق به بأجرة المثل، فإن لم يقبل الطفل غيرها وجب عليها إرضاعه، وقال أبو ثور: يلزمها على الإطلاق لظاهر الآية وحملها على الوجوب، الحكم الثاني: مدة الرضاع؛ وقد ذكرها في قوله: ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ وإنما وصفهما بكاملين؛ لأنه يجوز أن يقال في حول وبعض آخر: حولين، فرفع ذلك الاحتمال، وأباح الفطام قبل تمام الحولين بقوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ﴾ واشترط أن يكون الفطام عن تراضي الأبوين بقوله: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً﴾ الآية، فإن لم يكن على الولد ضرر في الفطام فلا جناح عليهما، ومن دعا منهما إلى تمام الحولين: فذلك له، وأما بعد الحولين فمن دعا منهما إلى الفطام فذلك له، وقال ابن العباس: إنما يرضع حولين من مكث في البطن ستة أشهر، فمن مكث بسعة فرضاعة ثلاثة وعشرون شهراً، وإن مكث تسعة فرضاعه إحدى وعشرون، لقوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً﴾ [الأحقاف: ١٥] ﴿وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ في هذه النفقة والكسوة: قولان: أحدهما: أنها أجرة رضاع الولد، أوجبها الله للأم على الوالد، وهو قول الزمخشري وابن العربي، الثاني: أنها نفقة الزوجات على الإطلاق، وقال منذر بن سعيد البلوطي: هذه الآية نص في وجوب نفقة الرجل على زوجته، وعلى هذا حملها ابن الفرس ﴿بِٱلْمَعْرُوفِ﴾ أي: على قدر حال الزوج في ماله، والزوجة في منصبها، وقد بين ذلك بقوله: ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢] ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ قرئ بفتح الراء التقاء الساكنين على النهي، وبرفعهما على الخبر، ومعناها النهي، ويحتمل على كل واحد من الوجهين أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، فيكون ما قبل الآخر مكسوراً قبل الإدغام، أو يكون مسنداً إلى المفعول، فيكون مفتوحاً، والمعنى على الوجهين: النهي عن إضرار أحد الوالدين بالآخر بسبب الولد، ويدخل في عموم النهي: وجوه الضرر كلها والباء في قوله بولدها وبولده: سببية، والمراد بقوله ﴿وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ﴾ الوالد، وإنما ذكره بهذا اللفظ إعلاماً بأنّ الولد ينسب له لا للأم ﴿وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ﴾ اختلف في الوارث فقيل: وارث المولود له، وقيل: وارث الصبي لو مات، وقيل: هو الصبي نفسه، وقيل: من بقي من أبويه، واختلف في المراد بقوله: ﴿مِثْلُ ذٰلِكَ﴾ فقال مالك وأصحابه: عدم المضارة، وذلك يجري مع كل قول في الوارث لأن ترك الضرر واجب على كل أحد وقيل المراد أجرة الرضاع في النفقة والكسوة ويختلف هذا القول بحسب الاختلاف في الوارث، فأما على القول بأن الوارث هو الصبي فلا إشكال؛ لأن أجرة رضاعه في ماله، وأما على سائر الأقوال، فقيل: إن الآية منسوخة فلا تجب أجرة الرضاع على أحد غير الوالد، وقيل: إنها محكمة فتجب أجرة الرضاع على وارث الصبي لو مات، أو على وارث الوالد، وهو قول قتادة والحسن البصري ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ﴾ إباحة لاتخاذ الغير ﴿إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ﴾ أي دفعتم أجرة الرضاع.
{"ayah":"۞ وَٱلۡوَ ٰلِدَ ٰتُ یُرۡضِعۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ حَوۡلَیۡنِ كَامِلَیۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن یُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَ ٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضࣲ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرࣲ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّاۤ ءَاتَیۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}