الباحث القرآني
﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾، مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ جُمْلَةً في: النِّكاحِ، والطَّلاقِ، والعِدَّةِ، والرَّجْعَةِ، والعَضْلِ؛ أخَذَ يَذْكُرُ حُكْمَ ما كانَ مِن نَتِيجَةِ النِّكاحِ، وهو ما شُرِعَ مِن حُكْمِ الإرْضاعِ ومُدَّتِهِ، وحُكْمِ الكُسْوَةِ، والنَّفَقَةِ، عَلى ما يَقَعُ الكَلامُ فِيهِ في هَذِهِ الآيَةِ، إنْ شاءَ اللَّهُ.
﴿والوالِداتُ﴾: جَمْعُ والِدَةٍ بِالتّاءِ، وكانَ القِياسُ أنْ يُقالَ: والِدٌ، لَكِنْ قَدْ أطْلَقَ عَلى الأبِ والِدٌ؛ ولِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ وفي الأُمِّ (الوالِداتُ)؛ فَجاءَتِ التّاءُ في الوالِدَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ مِن حَيْثُ الإطْلاقِ اللُّغَوِيِّ، وكَأنَّهُ رُوعِيَ في الإطْلاقِ أنَّهُما أصْلانِ لِلْوَلَدِ؛ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِما: والِدانِ. وظاهِرُ لَفْظِ ”الوالِداتِ“ العُمُومُ؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجاتُ والمُطَلَّقاتُ. وقالَ الضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ، وغَيْرُهُما: في المُطَلَّقاتِ، جَعَلَها اللَّهُ حَدًّا عِنْدَ اخْتِلافِ الزَّوْجَيْنِ في مُدَّةِ الرَّضاعِ، فَمَن دَعا مِنهُما إلى إكْمالِ الحَوْلَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ، ورَجَّحَ هَذا القَوْلَ لِأنَّ قَوْلَهُ ﴿والوالِداتُ﴾ عُقَيْبَ آيَةِ الطَّلاقِ، فَكانَتْ مِن تَتِمَّتِها؛ فَشُرِعَ ذَلِكَ لَهُنَّ لِأنَّ الطَّلاقَ يَحْصُلُ فِيهِ التَّباغُضُ، فَرُبَّما حَمَلَ عَلى أذى الوَلَدِ؛ لِأنَّ إيذاءَهُ إيذاءُ والِدِهِ، ولِأنَّ في رَغْبَتِها في التَّزْوِيجِ بِآخَرَ إهْمالَ الوَلَدِ. وقِيلَ: هي في الزَّوْجاتِ فَقَطْ، لِأنَّ المُطَلَّقَةَ لا تَسْتَحِقُّ الكُسْوَةَ، وإنَّما تَسْتَحِقُّ الأُجْرَةَ، ﴿يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ﴾ صُورَتُهُ خَبَرٌ، مُحْتَمِلٌ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ خَبَرًا، أيْ: في حُكْمِ اللَّهِ تَعالى الَّذِي (p-٢١٢)شَرَعَهُ، فالوالِداتُ أحَقُّ بِرَضاعِ أوْلادِهِنَّ، سَواءً كانَتْ في حِيالَةِ الزَّوْجِ أوْ لَمْ تَكُنْ، فَإنَّ الإرْضاعَ مِن خَصائِصِ الوِلادَةِ لا مِن خَصائِصِ الزَّوْجِيَّةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ الأمْرُ كَقَوْلِهِ: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، لَكِنَّهُ أمْرُ نَدْبٍ لا إيجابٍ؛ إذْ لَوْ كانَ واجِبًا لَما اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ. وقالَ تَعالى: ﴿وإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾ [الطلاق: ٦]؛ فَوُجُوبُ الإرْضاعِ إنَّما هو عَلى الأبِ لا عَلى الأُمِّ، وعَلَيْهِ أنْ يَتَّخِذَ لَهُ ظِئْرًا، إلّا إذا تَطَوَّعَتِ الأُمُّ بِإرْضاعِهِ، وهي مَندُوبَةٌ إلى ذَلِكَ ولا تُجْبَرُ عَلَيْهِ، فَإذا لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَها، أوْ لَمْ يُوجِدْ لَهُ ظِئْرًا، وعَجَزَ الأبُ عَنِ الِاسْتِئْجارِ؛ وجَبَ عَلَيْها إرْضاعُهُ، فَعَلى هَذا يَكُونُ الأمْرُ لِلْوُجُوبِ في بَعْضِ الوالِداتِ. ومَذْهَبُ الشّافِعِيِّ أنَّ الإرْضاعَ لا يَلْزَمُ إلّا الوالِدَ أوِ الجَدَّ وإنْ عَلا. ومَذْهَبُ مالِكٍ: أنَّهُ حَقٌّ عَلى الزَّوْجَةِ؛ لِأنَّهُ كالشَّرْطِ، إلّا أنْ تَكُونَ شَرِيفَةً ذاتَ نَسَبٍ، فَعُرْفُها أنْ لا تُرْضِعَ. وعَنْهُ خِلافٌ في بَعْضِ مَسائِلِ الإرْضاعِ.
﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾، وصَفَ الحَوْلَيْنِ بِالكَمالِ دَفْعًا لِلْمَجازِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ حَوْلَيْنِ؛ إذْ يُقالُ: أقَمْتُ عِنْدَ فُلانٍ حَوْلَيْنِ - وإنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهُما - وهي صِفَةُ تَوْكِيدٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿عَشَرَةٌ كامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وجَعَلَ تَعالى هَذِهِ المُدَّةَ حَدًّا عِنْدَ اخْتِلافِ الزَّوْجَيْنِ في مُدَّةِ الرَّضاعِ، فَمَن دَعا مِنهُما إلى كَمالِ الحَوْلَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ”أوْلادَهُنَّ“ العُمُومُ؛ فالحَوْلانِ لِكُلِّ ولَدٍ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي في الوَلَدِ يَمْكُثُ في البَطْنِ سِتَّةَ أشْهُرٍ، فَإنْ مَكَثَ سَبْعَةً فَرَضاعُهُ ثَلاثَةٌ وعِشْرُونَ، أوْ ثَمانِيَةً؛ فاثْنانِ وعِشْرُونَ، أوْ تِسْعَةً، فَأحَدَ وعِشْرُونَ، وكَأنَّ هَذا القَوْلَ انْبَنى عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥]؛ لِأنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَلى الإنْسانِ عُمُومًا. وفي قَوْلِهِ ”يُرْضِعْنَ“ دَلالَةٌ عَلى أنَّ الأُمَّ أحَقُّ بِرَضاعِ الوَلَدِ، وقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ هُنا في مَسائِلَ لا تَعَلُّقَ لَها بِلَفْظِ القُرْآنِ، مِنها: مُدَّةُ الرَّضاعِ المُحَرِّمَةِ، وقَدْرُ الرَّضاعِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، والحَضانَةُ، ومَن أحَقُّ بِها بَعْدَ الأُمِّ ؟ وما الحُكْمُ في الوَلَدِ إذا تَزَوَّجَتِ الأُمُّ ؟ وهَلْ لِلذِّمِّيَّةِ حَقٌّ في الرَّضاعَةِ ؟ وأطالُوا بِنَقْلِ الخِلافِ والدَّلائِلِ، ومَوْضُوعُ هَذا عِلْمُ الفِقْهِ.
﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾، هَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الإرْضاعَ في الحَوْلَيْنِ لَيْسَ بِحَدٍّ لا يُتَعَدّى، وإنَّما ذَلِكَ لِمَن أرادَ الإتْمامَ، أمّا مَن لا يُرِيدُهُ فَلَهُ فَطْمُ الوَلَدِ دُونَ بُلُوغِ ذَلِكَ، إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْوَلَدِ، ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ قالَ: تَضَمَّنَتْ فَرْضَ الإرْضاعِ عَلى الوالِداتِ، ثُمَّ يُسِّرَ ذَلِكَ وخُفِّفَ، فَنَزَلَ: ﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ مُتَداعٍ. قالَ الرّاغِبُ: وفي قَوْلِهِ: ﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ تَجاوُزُ ذَلِكَ، وأنْ لا حُكْمَ لِلرَّضاعِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ، وتَقْوِيَةً لِإرْضاعٍ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ، والرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ، ويُؤَكِّدُهُ أنَّ كُلَّ حُكْمٍ في الشَّرْعِ عُلِّقَ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ يَجُوزُ الإخْلالُ بِهِ في أحَدِ الطَّرَفَيْنِ، لَمْ يَجُزِ الإخْلالُ بِهِ في الطَّرَفِ الآخَرِ، كَخِيارِ الثَّلاثِ، وعَدَدِ حِجارَةِ الِاسْتِنْجاءِ، والمَسْحِ عَلى الخُفَّيْنِ يَوْمًا ولَيْلَةً وثَلاثَةَ أيّامٍ، ولَمّا كانَ الرَّضاعُ يَجُوزُ الإخْلالُ في أحَدِ الطَّرَفَيْنِ - وهو النُّقْصانُ - لَمْ تَجُزْ مُجاوَزَتُهُ. انْتَهى كَلامُهُ. وقالَ غَيْرُهُ: ذِكْرُ الحَوْلَيْنِ لَيْسَ عَلى التَّوْقِيتِ الواجِبِ، وإنَّما هو لِقَطْعِ المُشاجَرَةِ بَيْنَ الوالِدَيْنِ. وجُمْهُورُ الفُقَهاءِ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ الزِّيادَةُ والنُّقْصانُ إذا رَأيا ذَلِكَ. واللّامُ في ”لِمَن“ قِيلَ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ”يُرْضِعْنَ“، كَما تَقُولُ: أرْضَعَتْ فُلانَةٌ لِفُلانٍ ولَدَهُ، وتَكُونُ اللّامُ عَلى هَذا لِلتَّعْلِيلِ، أيْ: لِأجْلِهِ؛ فَتَكُونُ ”مَن“ واقِعَةٌ عَلى الأبِ، كَأنَّهُ قِيلَ: لِأجْلِ مَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ عَلى الآباءِ، وقِيلَ: اللّامُ لِلتَّبْيِينِ؛ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، كَهي في قَوْلِهِمْ: سَقْيًا لَكَ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ [يوسف: ٢٣]، فاللّامُ لِتَبْيِينِ المَدْعُوِّ لَهُ بِالسَّقْيِ، ولِلْمُهَيَّتِ بِهِ، وذَلِكَ أنَّهُ لَمّا قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾؛ بَيَّنَ أنَّ هَذا الحُكْمَ إنَّما هو لِمَن يُرِيدُ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ مِنَ الوالِداتِ، فَتَكُونُ ”مَن“ واقِعَةً عَلى الأُمِّ، كَأنَّهُ قِيلَ: ﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ مِنَ الوالِداتِ. أوْ تَكُونُ ”مَن“ واقِعَةٌ عَلى الوالِداتِ والمَوْلُودِ لَهُ، كُلُّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ“ (p-٢١٣)بِالياءِ، مِن أتَمَّ، ونَصْبِ الرَّضاعَةِ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وحُمَيْدٌ، وابْنُ مُحَيِّصٍ، وأبُو رَجاءٍ: ”تَتِمَّ“ بِالتّاءِ، مِن تَمَّ، ورَفْعِ الرَّضاعَةِ. وقَرَأ أبُو حَنِيفَةَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، والجارُودُ بْنُ أبِي سَبْرَةَ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم كَسَرُوا الرّاءَ مِنَ الرَّضاعَةِ، وهي لُغَةٌ، كالحَضارَةِ والحِضارَةِ، والبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ بِفَتْحِ الرّاءِ مَعَ الهاءِ، وبِكَسْرِها دُونَ الهاءِ، والكُوفِيُّونَ يَعْكِسُونَ ذَلِكَ، ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قَرَأ: ”الرَّضْعَةَ“ عَلى وزْنِ ”القَصْعَةِ“، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: ”أنْ يُكْمِلَ الرَّضاعَةَ“ بِضَمِّ الياءِ، وقُرِئَ: ”أنْ يُتِمُّ“ بِرَفْعِ المِيمِ، ونَسَبَها النَّحْوِيُّونَ إلى مُجاهِدٍ، وقَدْ جازَ رَفْعُ الفِعْلِ بَعْدَ ”أنْ“ في كَلامِ العَرَبِ في الشِّعْرِ. أنْشَدَ الفَرّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى:
أنْ تَهْبِطِينَ بِلادَ قَوْ مٍ يَرْتَعُونَ مِنَ الطِّلاحِ
وقالَ آخَرُ:
؎أنْ تُقْرِآنِ عَلى أسْماءَ ويْحَكُما مِنِّي السَّلامَ وأنْ لا تُبْلِغا أحَدا
وهَذا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ هي النّاصِبَةُ لِلْفِعْلِ المُضارِعِ، وتُرِكَ إعْمالُها حَمْلًا عَلى ”ما“ أُخْتِها في كَوْنِ كُلٍّ مِنهُما مَصْدَرِيَّةً، وأمّا الكُوفِيُّونَ فَهي عِنْدَهُمُ المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وشَذَّ وُقُوعُها مَوْقِعَ النّاصِبَةِ، كَما شَذَّ وُقُوعُ النّاصِبَةِ مَوْقِعَ المُخَفَّفَةِ في قَوْلِ جَرِيرٍ:
؎نَرْضى عَنِ اللَّهِ أنَّ النّاسَ قَدْ عَلِمُوا ∗∗∗ أنْ لا يُدانِيَنا مِن خَلْقِهِ بَشَرُ
والَّذِي يَظْهَرُ أنَّ إثْباتَ النُّونِ في المُضارِعِ المَذْكُورِ مَعَ ”أنَّ“ مَخْصُوصٌ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ، ولا يُحْفَظُ ”أنَّ“ غَيْرَ ناصِبَةٍ إلّا في هَذا الشِّعْرِ، والقِراءَةُ المَنسُوبَةُ إلى مُجاهِدٍ، وما سَبِيلُهُ هَذا، لا تُبْنى عَلَيْهِ قاعِدَةٌ.
﴿وعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾، المَوْلُودُ: جِنْسٌ، واللّامُ فِيهِ مَوْصُولَةٌ وُصِلَتْ بِاسْمِ المَفْعُولِ و”ألْ“ كَـ ”مَن“، و”ما“ يَعُودُ الضَّمِيرُ عَلى اللَّفْظِ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا، ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى المَعْنى بِحَسَبِ ما تُرِيدُهُ مِنَ المَعْنى مِن تَثْنِيَةٍ أوْ جَمْعٍ أوْ تَأْنِيثٍ، وهُنا عادَ الضَّمِيرُ عَلى اللَّفْظِ، فَجاءَ لَهُ. ويَجُوزُ في العَرَبِيَّةِ أنْ يَعُودَ عَلى المَعْنى؛ فَكانَ يَكُونُ ”لَهم“، إلّا أنَّهُ لَمْ يُقْرَأْ بِهِ، والمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ هو الجارُّ والمَجْرُورُ، وحُذِفَ الفاعِلُ - وهو ”الوالِداتُ“ - والمَفْعُولُ بِهِ - وهو الأوْلادُ - وأُقِيمَ الجارُّ والمَجْرُورُ مَقامَ الفاعِلِ، وهَذا عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، أعْنِي: أنْ يُقامَ الجارُّ مَقامَ الفاعِلِ إذا حُذِفَ، نَحْوَ: مُرَّ بِزَيْدٍ. وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ إلّا فِيما حَرْفُ الجَرِّ فِيهِ زائِدٌ، نَحْوَ: ما ضُرِبَ مِن أحَدٍ، فَإنْ كانَ حَرْفُ الجَرِّ غَيْرَ زائِدٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عِنْدَهم، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الِاسْمُ المَجْرُورُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِاتِّفاقٍ مِنهم. واخْتَلَفُوا بَعْدَ هَذا الِاتِّفاقِ في الَّذِي أُقِيمَ مَقامَ الفاعِلِ؛ فَذَهَبَ الفَرّاءُ إلى أنَّ حَرْفَ الجَرِّ وحْدَهُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ، كَما أنَّ: يَقُومُ مِن ”زَيْدٌ يَقُومُ“، في مَوْضِعِ رَفْعٍ، وذَهَبَ الكِسائِيُّ وهِشامٌ إلى أنَّ مَفْعُولَ الفِعْلِ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ مُسْتَتِرٌ في الفِعْلِ، وإبْهامُهُ مِن حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ الفِعْلُ مِن مَصْدَرٍ، أوْ ظَرْفِ زَمانٍ، أوْ ظَرْفِ مَكانٍ، ولَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، ومِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ مَرْفُوعَ الفِعْلِ ضَمِيرٌ عائِدٌ عَلى المَصْدَرِ، والتَّقْدِيرُ: سَيْرٌ هو، يُرِيدُ: أيْ سَيْرُ السَّيْرِ، والضَّمِيرُ يَعُودُ عَلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مِنَ الفِعْلِ، وهَذا سائِغٌ عِنْدَ بَعْضِ البَصْرِيِّينَ، ومَمْنُوعٌ عِنْدَ مُحَقِّقِي البَصْرِيِّينَ، والنَّظَرُ في دَلائِلِ هَذِهِ المَذاهِبِ تَصْحِيحًا وإبْطالًا يُذْكَرُ في عالَمِ النَّحْوِ. وقَدْ وهِمَ بَعْضُ كُبَرائِنا فَذَكَرَ في كِتابِهِ المُسَمّى بِـ (الشَّرْحُ الكَبِيرُ لِجُمَلِ الزَّجّاجِيِّ) أنَّ النَّحْوِيِّينَ أجْمَعُوا عَلى جَوازِ إقامَةِ المَجْرُورِ مَقامَ الفاعِلِ إلّا السُّهَيْلِيُّ؛ فَإنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ، ولَيْسَ كَما ذَكَرَ؛ إذْ قَدْ ذَكَرْنا الخِلافَ عَنِ الفَرّاءِ، والكِسائِيِّ، وهِشامٍ، والتَّفْصِيلَ في المَجْرُورِ. ومِمَّنْ تَبِعَ السُّهَيْلِيَّ عَلى قَوْلِهِ: تِلْمِيذُهُ أبُو عَلِيٍّ الزَّيْدِيُّ شارِحُ (الجُمَلِ) . و”المَوْلُودِ لَهُ“: هو الوالِدُ، وهو الأبُ، ولَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الوالِدِ، ولا بِلَفْظِ الأبِ، بَلْ جاءَ بِلَفْظِ ”المَوْلُودِ لَهُ“، لِما في ذَلِكَ مِن إعْلامِ الأبِ ما مَنَحَ اللَّهُ لَهُ وأعْطاهُ؛ إذِ (p-٢١٤)اللّامُ في ”لَهُ“ مَعْناها شِبْهُ التَّمْلِيكِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢]، وهو أحَدُ المَعانِي الَّتِي ذَكَرْناها في اللّامِ في أوَّلِ الفاتِحَةِ؛ ولِذَلِكَ يَتَصَرَّفُ الوالِدُ في ولَدِهِ بِما يَخْتارُ، وتَجِدُ الوَلَدَ في الغالِبِ مُطِيعًا لِأبِيهِ، مُمْتَثِلًا ما أمَرَ بِهِ، مُنَفِّذًا ما أوْصى بِهِ، فالأوْلادُ في الحَقِيقَةِ هم لِلْآباءِ، ويَنْتَسِبُونَ إلَيْهِمْ لا إلى أُمَّهاتِهِمْ، كَما أنْشَدَ المَأْمُونُ بْنُ الرَّشِيدِ، وكانَتْ أُمُّهُ جارِيَةً طَبّاخَةً تُدْعى مَراجِلُ، قالَ:
؎فَإنَّما أُمَّهاتُ النّاسِ أوْعِيَةٌ ∗∗∗ مُسْتَوْدَعاتٌ ولِلْأبْناءِ آباءُ
فَلَمّا كانَ لَفْظُ ”المَوْلُودِ“ مُشْعِرًا بِالمِنحَةِ وشِبْهِ التَّمْلِيكِ، أتى بِهِ دُونَ لَفْظِ ”الوَلَدِ“ ولَفْظِ ”الأبِ“، وحَيْثُ لَمْ يَرِدْ هَذا المَعْنى أتى بِلَفْظِ ”الوالِدِ“ ولَفْظِ ”الأبِ“، كَما قالَ تَعالى: ﴿لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ ولَدِهِ﴾ [لقمان: ٣٣]، وقالَ: ﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] . ولَطِيفَةٌ أُخْرى في قَوْلِهِ: ﴿وعَلى المَوْلُودِ لَهُ﴾، وهو أنَّهُ لَمّا كُلِّفَ بِمُؤَنِ المُرْضِعَةِ لِوَلَدِهِ مِنَ الرِّزْقِ والكِسْوَةِ؛ ناسَبَ أنْ يُسَلّى بِأنَّ ذَلِكَ الوَلَدَ هو ولَدٌ لَكَ لا لِأُمِّهِ، وأنَّكَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ في التَّناصُرِ وتَكْثِيرِ العَشِيرَةِ، وأنَّ لَكَ عَلَيْهِ الطَّواعِيَةَ كَما كانَ عَلَيْكَ لِأجْلِهِ كُلْفَةُ الرِّزْقِ والكِسْوَةِ لِمُرْضِعَتِهِ. وفَسَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ هُنا ”الرِّزْقَ“ بِأنَّهُ الطَّعامُ الكافِي؛ فَجَعَلَهُ اسْمًا لِلْمَرْزُوقِ، كالطَّحْنِ والرَّعْيِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَكانَ عَلَيْهِمْ أنْ يَرْزُقُوهُنَّ ويَكْسُوهُنَّ؛ فَشَرَحَ الرِّزْقَ بِـ ”أنْ والفِعْلِ“ اللَّذَيْنِ يَنْسَبِكُ مِنهُما المَصْدَرُ، ويَحْتَمِلُ الرِّزْقُ الوَجْهَيْنِ مِن إرادَةِ المَرْزُوقِ، وإرادَةِ المَصْدَرِ. وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ ”رِزْقًا“ بِكَسْرِ الرّاءِ: حُكِيَ مَصْدَرًا، كَرَزْقٍ بِفَتْحِها، فِيما تَقَدَّمَ، وقَدْ جَعَلَهُ مَصْدَرًا أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٣]، وقَدْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ابْنُ الطَّراوَةِ، وسَيَأْتِي ذَلِكَ في مَكانِهِ، إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. ومَعْنى ”بِالمَعْرُوفِ“: ما جَرى بِهِ العُرْفُ مِن نَفَقَةٍ وكُسْوَةٍ لِمِثْلِها؛ بِحَيْثُ لا يَكُونُ إكْثارٌ ولا إقْلالٌ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ”بِالمَعْرُوفِ“ يَجْمَعُ جِنْسَ القَدْرِ في الطَّعامِ، وجَوْدَةَ الِاقْتِضاءِ لَهُ، وحُسْنَ الِاقْتِضاءِ مِنَ المَرْأةِ. انْتَهى كَلامُهُ. ولا يَدُلُّ عَلى حُسْنِ الِاقْتِضاءِ مِنَ المَرْأةِ؛ لِأنَّ الآيَةَ إنَّما هي فِيما يَجِبُ عَلى المَوْلُودِ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ والكِسْوَةِ؛ فَـ ”بِالمَعْرُوفِ“ يَتَعَلَّقُ بِـ ”رِزْقُهُنَّ“ أوْ بِـ ”كِسْوَتُهُنَّ“ عَلى الإعْمالِ، إمّا لِلْأوَّلِ وإمّا لِلثّانِي - إنْ كانا مَصْدَرَيْنِ - وإنْ عَنى بِهِما المَرْزُوقَ، والشَّأْنَ؛ فَلا بُدَّ مِن حَذْفِ مُضافٍ، التَّقْدِيرُ: إيصالٌ أوْ دَفْعٌ، أوْ ما أشْبَهَ ذَلِكَ مِمّا يَصِحُّ بِهِ المَعْنى، ويَكُونُ ”بِالمَعْرُوفِ“ في مَوْضِعِ الحالِ مِنهُما؛ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ. وقِيلَ: العامِلُ فِيهِ مَعْنى الِاسْتِقْرارِ في عَلى. وقَرَأ طَلْحَةُ: ﴿وكِسْوَتُهُنَّ﴾ بِضَمِّ الكافِ، وهُما لُغَتانِ، يُقالُ: كُسْوَةً وكِسْوَةً، بِضَمِّ الكافِ وكَسْرِها.
* * *
﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَها﴾، التَّكْلِيفُ: إلْزامُ ما يُؤْثَرُ في الكُلْفَةِ، مِن كَلِفَ الوَجْهُ، وكَلِفَ العِشْقُ؛ لِتَأْثِيرِهِما. وُسْعَها: طاقَتَها وهو ما يَحْتَمِلُهُ، وقَدْ بَيَّنَ تَعالى ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: ٧] الآيَةَ، وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَها﴾ العُمُومُ في سائِرِ التَّكالِيفِ، قِيلَ: والمُرادُ مِنَ الآيَةِ: أنَّ والِدَ الصَّبِيِّ لا يُكَلَّفُ مِنَ الإنْفاقِ عَلَيْهِ وعَلى أُمِّهِ إلّا بِما تَتَّسِعُ بِهِ قُدْرَتُهُ، وقِيلَ: المَعْنى: لا تُكَلَّفُ المَرْأةُ الصَّبْرَ عَلى التَّقْصِيرِ في الأُجْرَةِ، ولا يُكَلَّفُ الزَّوْجُ ما هو إسْرافٌ، بَلْ يُراعى القَصْدُ. وقِراءَةُ الجُمْهُورِ: ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ﴾ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، والفاعِلُ هو اللَّهُ تَعالى، وحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ: ”لا تَكَلَّفُ“ بِفَتْحِ التّاءِ، أيْ: لا تَتَكَلَّفُ، وارْتَفَعَ نَفْسٌ عَلى الفاعِلِيَّةِ، وحُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ عَلى الخِلافِ الَّذِي بَيْنَنا وبَيْنَ بَعْضِ الكُوفِيِّينَ، و”تَكَلَّفَ“ تَفَعَّلَ، مُطاوِعُ فَعَّلَ، نَحْوَ: كَسَرْتُهُ فَتَكَسَّرَ، والمُطاوَعَةُ أحَدُ المَعانِي الَّتِي جاءَ لَها تَفَعَّلَ. ورَوى أبُو الأشْهَبِ عَنْ أبِي رَجاءٍ أنَّهُ قَرَأ: ”لا نُكَلِّفُ نَفْسًا“ بِالنُّونِ، مُسْنِدًا الفِعْلَ إلى ضَمِيرِ اللَّهِ تَعالى، و”نَفْسًا“ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ.
﴿لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ولا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، ويَعْقُوبُ، وأبانٌ عَنْ عاصِمٍ: ”لا تُضارُّ“ بِالرَّفْعِ، أيْ: بِرَفْعِ الرّاءِ المُشَدَّدَةِ، وهَذِهِ القِراءَةُ مُناسِبَةٌ لِما قَبْلَها مِن قَوْلِهِ: ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَها﴾ لِاشْتِراكِ الجُمْلَتَيْنِ في الرَّفْعِ، وإنِ اخْتَلَفَ مَعْناهُما؛ لِأنَّ (p-٢١٥)الأُولى خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا ومَعْنًى، وهَذِهِ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا نَهْيِيَّةٌ في المَعْنى. وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ: ”لا تُضارَّ“ بِفَتْحِ الرّاءِ، جَعَلُوهُ نَهْيًا؛ فَسُكِّنَتِ الرّاءُ الأخِيرَةُ لِلْجَزْمِ، وسُكِّنَتِ الرّاءُ الأُولى لِلْإدْغامِ، فالتَقى ساكِنانِ، فَحُرِّكَ الأخِيرُ مِنهُما بِالفَتْحِ لِمُوافَقَةِ الألِفِ الَّتِي قَبْلَ الرّاءِ؛ لِتَجانُسِ الألِفِ والفَتْحَةِ، ألا تَراهم حِينَ رَخَّمُوا: ”أسْحارًّا“ وهو اسْمُ نَباتٍ، إذا سُمِّيَ بِهِ حَذَفُوا الرّاءَ الأخِيرَةَ، وفَتَحُوا الرّاءَ السّاكِنَةَ الَّتِي كانَتْ مُدْغَمَةً في الرّاءِ المَحْذُوفَةِ؛ لِأجْلِ الألْفِ قَبْلَها، ولَمْ يَكْسِرُوها عَلى أصْلِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ، فَراعَوُا الألِفَ وفَتَحُوا، وعَدَلُوا عَنِ الكَسْرِ وإنْ كانَ الأصْلَ ؟ وقُرِأ: ”لا يُضارِّ“ بِكَسْرِ الرّاءِ المُشَدَّدَةِ عَلى النَّهْيِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ الصَّفّارُ: ”لا تُضارّْ“ بِالسُّكُونِ مَعَ التَّشْدِيدِ، أجْرى الوَصْلَ مَجْرى الوَقْفِ، ورُوِيَ عَنْهُ: ”لا تُضارْ“ بِإسْكانِ الرّاءِ وتَخْفِيفِها، وهي قِراءَةُ الأعْرَجِ، مِن ضارَ يَضِيرُ، وهو مَرْفُوعٌ أُجْرِيَ الوَصْلُ فِيهِ مَجْرى الوَقْفِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اخْتَلَسَ الضَّمَّةَ فَظَنَّهُ الرّاوِي سُكُونًا. انْتَهى. وهَذا عَلى عادَتِهِ في تَغْلِيطِ القُرّاءِ وتَوْهِيمِهِمْ، ولا نَذْهَبُ إلى ذَلِكَ. ووَجَّهَ هَذِهِ القِراءَةَ بَعْضُهم بِأنْ قالَ: حَذَفَ الرّاءَ الثّانِيَةَ فِرارًا مِنَ التَّشْدِيدِ في الحَرْفِ المُكَرَّرِ، وهو الرّاءُ، وجازَ أنْ يُجْمَعَ بَيْنَ السّاكِنَيْنِ: إمّا لِأنَّهُ أجْرى الوَصْلَ مَجْرى الوَقْفِ، أوْ لِأنَّ مَدَّةَ الألِفِ تَجْرِي مَجْرى الحَرَكَةِ. انْتَهى. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: ”لا تُضارِرْ“ بِفَكِّ الإدْغامِ وكَسْرِ الرّاءِ الأُولى وسُكُونِ الثّانِيَةِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”لا تُضارِرْ“ بِفَكِّ الإدْغامِ أيْضًا وفَتْحِ الرّاءِ الأُولى وسُكُونِ الثّانِيَةِ، قِيلَ: ورَواها أبانٌ عَنْ عاصِمٍ. والإظْهارُ في نَحْوِ هَذَيْنِ المَثَلَيْنِ لُغَةُ الحِجازِ، فَأمّا مَن قَرَأ بِتَشْدِيدِ الرّاءِ، مَرْفُوعَةً أوْ مَفْتُوحَةً أوْ مَكْسُورَةً، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، كَما جاءَ في قِراءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ويَكُونُ ارْتِفاعُ ”والِدَةٌ“ و”مَوْلُودٌ“ عَلى الفاعِلِيَّةِ، إنْ قُدِّرَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وعَلى المَفْعُولِيَّةِ إنْ قُدِّرَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، فَإذا قَدَّرْناهُ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ فالمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لا تُضارِرْ والِدَةٌ زَوْجَها بِأنْ تُطالِبَهُ بِما لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن رِزْقٍ وكِسْوَةٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن وُجُوهِ الضَّرَرِ، ولا يُضارِرْ مَوْلُودٌ لَهُ زَوْجَتَهُ بِمَنعِها ما وجَبَ لَها مِن رِزْقٍ وكِسْوَةٍ، وأخْذِ ولَدِها مَعَ إيثارِها إرْضاعَهُ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن وُجُوهِ الضَّرَرِ. والباءُ في ”بِوَلَدِها“ وفي ”بِوَلَدِهِ“ باءُ السَّبَبِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”يُضارَّ“ بِمَعْنى تَضُرُّ، وأنْ تَكُونَ الباءُ مِن صِلَتِهِ، لا تَضُرُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها، فَلا تُسِيءُ غِذاءَهُ وتَعَهُّدَهُ، ولا تُفَرِّطُ فِيما يَنْبَغِي لَهُ، ولا تَدْفَعُهُ إلى الأبِ بَعْدَما آلَفَها، ولا يَضُرُّ الوالِدُ بِهِ بِأنْ يَنْزِعَهُ مِن يَدِها، أوْ يُقَصِّرَ في حَقِّها، فَتُقَصِّرَ هي في حَقِّ الوَلَدِ. انْتَهى كَلامُهُ. ويَعْنِي بِقَوْلِهِ: أنْ تَكُونَ الباءُ مِن صِلَتِهِ، يَعْنِي مُتَعَلِّقَةً بِتُضارَّ، ويَكُونُ ضارَّ بِمَعْنى أضَرَّ، فاعَلَ بِمَعْنى أفْعَلَ، نَحْوَ: باعَدْتُهُ وأبْعَدْتُهُ، وضاعَفْتُهُ وأضْعَفْتُهُ، وكَوْنُ فاعَلَ بِمَعْنى أفْعَلَ هو مِنَ المَعانِي الَّتِي وُضِعَ لَها فاعَلَ، تَقُولُ: أضَرَّ بِفُلانٍ الجُوعُ؛ فالجارُّ والمَجْرُورُ هو المَفْعُولُ بِهِ مِن حَيْثُ المَعْنى، فَلا يَكُونُ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا، بِخِلافِ التَّوْجِيهِ الأوَّلِ، وهو أنْ تَكُونَ الباءُ لِلسَّبَبِ؛ فَيَكُونَ المَفْعُولُ مَحْذُوفًا كَما قَدَّرْناهُ. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الضِّرارُ راجِعًا إلى الصَّبِيِّ، أيْ: لا يُضارُّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما الصَّبِيَّ، فَلا يُتْرَكُ رَضاعُهُ حَتّى يَمُوتَ، ولا يُنْفِقُ عَلَيْهِ الأبُ أوْ يَنْزِعُهُ مِن أُمِّهِ حَتّى يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ، وتَكُونُ الباءُ زائِدَةً؛ مَعْناهُ: لا تُضارَّ والِدَةٌ ولَدَها ولا مَوْلُودٌ لَهُ ولَدَهُ. انْتَهى. فَيَكُونُ ”ضارَّ“ بِمَعْنى: ضَرَّ، فَيَكُونُ مِمّا وافَقَ فِيهِ فاعَلَ الفِعْلَ المُجَرَّدَ الَّذِي هو ”ضَرَّ“، نَحْوَ قَوْلِهِمْ: جاوَزْتُ الشَّيْءَ وجُزْتُهُ، وواعَدْتُهُ ووَعَدْتُهُ، وهو أحَدُ المَعانِي الَّتِي جاءَ لَها فاعَلَ. والظّاهِرُ أنَّ الباءَ لِلسَّبَبِ، ويُبَيِّنُ ذَلِكَ قِراءَةُ مَن قَرَأ: ”لا تُضارِرْ“ بِراءَيْنِ، الأُولى مَفْتُوحَةٌ، وهي قِراءَةُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ. وتَأْوِيلُ مَن تَأوَّلَ في الإدْغامِ أنَّ الفِعْلَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَإذا كانَ الفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ تَعَيَّنَ كَوْنُ الباءِ لِلسَّبَبِ، وامْتَنَعَ تَوْجِيهُ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّ ”ضارَّ بِهِ“ في مَعْنى ”أضَرَّ بِهِ“، والتَّوْجِيهُ الآخَرُ أنَّ ”ضارَّ بِهِ“ بِمَعْنى ”ضَرَّهُ“ (p-٢١٦)وتَكُونُ الباءُ زائِدَةً، ولا تَنْقاسُ زِيادَتُها في المَفْعُولِ، مَعَ أنَّ في التَّوْجِيهَيْنِ إخْراجُ فاعَلَ عَنِ المَعْنى الكَثِيرِ فِيهِ، وهو كَوْنُ الِاسْمَيْنِ شَرِيكَيْنِ في الفاعِلِيَّةِ والمَفْعُولِيَّةِ مِن حَيْثُ المَعْنى، وإنْ كانَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما مَرْفُوعًا والآخَرُ مَنصُوبًا. وفي هَذِهِ الجُمَلِ الأرْبَعِ مِن بَلاغَةِ المَعْنى ونَصاعَةِ اللَّفْظِ ما لا يَخْفى عَلى مَن تَعاطى عِلْمَ البَيانِ؛ فالجُمْلَةُ الأُولى أُبْرِزَتْ في صُورَةِ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ، وجَعَلَ الخَبَرَ فِعْلًا لِأنَّ الإرْضاعَ مِمّا يَتَجَدَّدُ دائِمًا، ثُمَّ أُضِيفَ الأوْلادُ إلى الوالِداتِ تَنْبِيهًا عَلى شَفَقَتِهِنَّ عَلى الأوْلادِ، وهَزًّا لَهُنَّ وحَثًّا عَلى الإرْضاعِ، وقَيَّدَ الإرْضاعَ بِمُدَّةٍ، وجَعَلَ ذَلِكَ لِمَن أرادَ الإتْمامَ، وجاءَ الوالِداتُ بِلَفْظِ العُمُومِ، وأُضِيفَ الأوْلادُ لِضَمِيرِ العامِّ لِيَعُمَّ، وجَمْعُ القِلَّةِ إذا دَخَلَتْهُ الألِفُ واللّامُ، أوْ أُضِيفَ إلى عامٍّ؛ عَمَّ. وقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى شَيْءٍ مِن هَذا في كِتابِنا المُسَمّى بِـ (التَّكْمِيلُ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ) . والجُمْلَةُ الثّانِيَةُ أُبْرِزَتْ أيْضًا في صُورَةِ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ، وجَعَلَ الخَبَرَ جارًّا ومَجْرُورًا بِلَفْظِ ”عَلى“ الدّالَّةِ عَلى الِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ والوُجُوبِ؛ فَأُكِّدَ بِذَلِكَ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ؛ لِأنَّ مِن عادَةِ المَرْءِ مَنعَ ما في يَدِهِ مِنَ المالِ، وإهْمالَ ما يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الحُقُوقِ؛ فَأكَّدَ ذَلِكَ، وقَدَّمَ الخَبَرَ عَلى سَبِيلِ الِاعْتِناءِ بِهِ، وجاءَ الرِّزْقُ مُقَدَّمًا عَلى الكِسْوَةِ لِأنَّهُ الأهَمُّ في بَقاءِ الحَياةِ، والمُتَكَرِّرُ في كُلِّ يَوْمٍ. والجُمْلَةُ الثّالِثَةُ أُبْرِزَتْ في صُورَةِ الفِعْلِ ومَرْفُوعِهِ، وأتى بِمَرْفُوعِهِ نَكِرَةً لِأنَّهُ في سِياقِ النَّفْيِ؛ فَيَعُمَّ، ويَتَناوَلُ أوَّلًا ما سِيقَ لِأجْلِهِ، وهو حُكْمُ الوالِداتِ في الإرْضاعِ، وحُكْمُ المَوْلُودِ لَهُ في الرِّزْقِ والكِسْوَةِ اللَّذَيْنِ لِلْوالِداتِ. والجُمْلَةُ الرّابِعَةُ كالثّالِثَةِ؛ لِأنَّها في سِياقِ النَّفْيِ؛ فَتَعُمَّ أيْضًا، وهي كالشَّرْحِ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَها؛ لِأنَّ النَّفْسَ إذا لَمْ تُكَلَّفْ إلّا طاقَتَها لا يَقَعُ ضَرَرٌ لا لِلْوالِدَةِ ولا لِلْمَوْلُودِ لَهُ؛ ولِذَلِكَ جاءَتْ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ عَلى الجُمْلَةِ قَبْلَها، فَلا يُناسِبُ العَطْفَ، بِخِلافِ الجُمْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ؛ فَإنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مِنهُما مُغايِرَةٌ لِلْأُخْرى، ومُخَصَّصَةٌ بِحُكْمٍ لَيْسَ في الأُخْرى، ولَمّا كانَ تَكْلِيفُ النَّفْسِ فَوْقَ الطّاقَةِ، ومُضارَّةُ أحَدِ الزَّوْجَيْنِ الآخَرَ مِمّا يَتَجَدَّدُ كُلَّ وقَتٍ؛ أتى بِالجُمْلَتَيْنِ فِعْلِيَّتَيْنِ أدْخَلَ عَلَيْهِما حَرْفَ النَّفْيِ الَّذِي هو ”لا“ المَوْضُوعُ لِلِاسْتِقْبالِ غالِبًا، وفي قِراءَةِ مَن جَزَمَ: ﴿لا تُضارَّ﴾ أدْخَلَ حَرْفَ النَّهْيِ المُخَلِّصَ المُضارِعَ لِلِاسْتِقْبالِ، ونَبَّهَ عَلى مَحَلِّ الشَّفَقَةِ بِقَوْلِهِ: ”بِوَلَدِها“، فَأضافَ الوَلَدَ إلَيْها، وبِقَوْلِهِ: ”بِوَلَدِهِ“ فَأضافَ الوَلَدَ إلَيْهِ؛ وذَلِكَ لِطَلَبِ الِاسْتِعْطافِ والإشْفاقِ. وقَدَّمَ ذِكْرَ عَدَمِ مُضارَّةِ الوالِدَةِ عَلى عَدَمِ مُضارَّةِ الوالِدِ مُراعاةً لِلْجُمْلَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ؛ إذْ بُدِئَ فِيهِما بِحُكْمِ الوالِداتِ، وثَنّى بِحُكْمِ الوالِدِ في قَوْلِهِ: ﴿لا تُضارَّ﴾ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ إذا اجْتَمَعَ مُؤَنَّثٌ ومُذَكَّرٌ مَعْطُوفانِ؛ فالحُكْمُ في الفِعْلِ السّابِقِ عَلَيْهِما لِلسّابِقِ مِنهُما، تَقُولُ: قامَ زَيْدٌ وهِنْدٌ وقامَتْ هِنْدٌ وزَيْدٌ، ويَقُومُ زَيْدٌ وهِنْدٌ، وتَقُومُ هِنْدٌ وزَيْدٌ، إلّا إنْ كانَ المُؤَنَّثُ مَجازِيًّا بِغَيْرِ عَلامَةِ تَأْنِيثٍ فِيهِ؛ فَيَحْسُنُ عَدَمُ إلْحاقِ العَلامَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجُمِعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ﴾ [القيامة: ٩] .
﴿وعَلى الوارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾، هَذا مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وعَلى المَوْلُودِ لَهُ﴾، والجُمْلَتانِ قَبْلَ هَذا كالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: ”بِالمَعْرُوفِ“ اعْتِراضٌ بِهِما بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ. وقَرَأ يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ: ”وعَلى الوَرَثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ“ بِالجَمْعِ. والظّاهِرُ في الوارِثِ أنَّهُ وارِثُ المَوْلُودِ لَهُ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ؛ ولِأنَّ المَوْلُودَ لَهُ - وهو الأبُ - هو المُحَدَّثُ عَنْهُ في جُمْلَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، والمَعْنى: أنَّهُ إذا ماتَ المَوْلُودُ لَهُ وجَبَ عَلى وارِثِهِ ما وجَبَ عَلَيْهِ مِن رِزْقِ الوالِداتِ، وكِسْوَتِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ، وتَجَنُّبِ الضِّرارِ. ورُوِيَ هَذا عَنْ عُمَرَ، والحَسَنِ، وقَتادَةَ، والسُّدِّيِّ. وخَصَّهُ بَعْضُهم بِمَن يَرِثُ مِنَ الرِّجالِ يَلْزَمُهُ الإرْضاعُ، كَما كانَ يَلْزَمُ أبا الصَّبِيِّ لَوْ كانَ حَيًّا، وقالَهُ مُجاهِدٌ، وعَطاءٌ. وقالَ سُفْيانُ: الوارِثُ هو الباقِي مِن والِدَيِ المَوْلُودِ بَعْدَ وفاةِ الآخَرِ مِنهُما، ويَرى مَعَ ذَلِكَ إنْ كانَتِ الوالِدَةُ هي الباقِيَةُ أنْ يُشارِكَها العاصِبُ إرْضاعَ المَوْلُودِ عَلى قَدْرِ حَظِّهِ مِنَ المِيراثِ، كَما قالَ: (واجْعَلْهُ الوارِثَ مِنّا) . وقالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، والضَّحّاكُ، وبَشِيرُ بْنُ نَصْرٍ، قاضِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ: الوارِثُ هو الصَّبِيُّ نَفْسُهُ، أيْ: عَلَيْهِ في مالِهِ إذا (p-٢١٧)ورِثَ أباهُ إرْضاعَ نَفْسِهِ، وقالَ بَعْضُهم: الوارِثُ الوَلَدُ؛ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الوالِدَيْنِ الفَقِيرَيْنِ، ذَكَرَهُ السَّجاوَنْدِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ. فَعَلى هَذِهِ الأقْوالِ تَكُونُ الألِفُ واللّامُ في قَوْلِهِ: ﴿وعَلى الوارِثِ﴾ كَأنَّها نابَتْ عَنِ الضَّمِيرِ العائِدِ عَلى ”المَوْلُودِ لَهُ“، كَأنَّهُ قِيلَ: وعَلى وارِثِ المَوْلُودِ لَهُ. وقالَ عَطاءٌ أيْضًا، ومُجاهِدٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، ومُقاتِلٌ، وابْنُ أبِي لَيْلى، والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ في آخَرِينَ: الوارِثُ وارِثُ المَوْلُودِ. واخْتَلَفُوا؛ فَقِيلَ: وارْثُ المَوْلُودِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، قالَهُ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهُما، ويَلْزَمُهم إرْضاعُهُ عَلى قَدْرِ مَوارِيثِهِمْ مِنهُ. وقِيلَ: وارِثُهُ مِن عَصَبَتِهِ كائِنًا مَن كانَ؛ مِثْلَ: الجَدِّ، والأخِ، وابْنِ الأخِ، والعَمِّ، وابْنِ العَمِّ، وهَذا يُرْوى عَنْ عُمَرَ، وعَطاءٍ، والحَسَنِ، ومُجاهِدٍ، وإسْحاقَ، وأحْمَدَ، وابْنِ أبِي لَيْلى. وقِيلَ: مَن كانَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَإنْ كانَ لَيْسَ بِذِي رَحِمِ مَحْرَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ، وأبُو يُوسُفَ، ومُحَمَّدٌ. والشّافِعِيُّ، قالَ: الأجْدادُ ثُمَّ الأُمَّهاتُ مِثْلُ ذَلِكَ، أيِ: الأُجْرَةُ والنَّفَقَةُ وتَرْكُ المُضارَّةِ. وعَلى هَذِهِ الأقْوالِ تَكُونُ الألِفُ واللّامُ كَأنَّها نابَتْ عَنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلى المَوْلُودِ، وكَأنَّهُ قِيلَ: وعَلى وارِثِهِ أيْ وارِثِ المَوْلُودِ. وقِيلَ: الوارِثُ هُنا مَن يَرِثُ الوِلايَةَ عَلى الرَّضِيعِ، يُنْفِقُ مِن مالِ الرَّضِيعِ عَلَيْهِ، مِثْلَ ما كانَ يُنْفِقُ أبُوهُ. فَتَلَخَّصَ في الوارِثِ سِتَّةُ أقْوالٍ، وفي بَعْضِها تَفْصِيلٌ كَما ذَكَرْناهُ، فَيَجِيءُ بِالتَّفْصِيلِ عَشَرَةُ أقْوالٍ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ ”ذَلِكَ“ مِن قَوْلِهِ ”مِثْلُ ذَلِكَ“ إلى ما وجَبَ عَلى الأبِ مِن رِزْقِهِنَّ وكِسْوَتِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ، عَلى ما شَرَحَ في الأقْوالِ في قَوْلِهِ: ﴿وعَلى الوارِثِ﴾، وقالَهُ أيْضًا ابْنُ عَبّاسٍ، وإبْراهِيمُ، وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، والشَّعْبِيُّ، والحَسَنُ. وعَبَّرَ بَعْضُهم عَنْ هَذا القَوْلِ بِأنَّ مِثْلَ ذَلِكَ، هو: أُجْرَةُ المِثْلِ والنَّفَقَةِ. قالَ: ويُرْوى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وزَيْدٍ، والحَسَنِ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، وإبْراهِيمَ، وقَتادَةَ، وقَبِيصَةَ، والسُّدِّيِّ، واخْتارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ الشَّعْبِيُّ أيْضًا، والزُّهْرِيُّ، والضَّحّاكُ، ومالِكٌ وأصْحابُهُ، وغَيْرُهم: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ”مِثْلُ ذَلِكَ“ أنْ لا يُضارَّ، وأمّا الرِّزْقُ والكِسْوَةُ فَلا شَيْءَ مِنهُما. ورَوى ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ أنَّ الآيَةَ تَضَمَّنَتْ أنَّ الرِّزْقَ والكِسْوَةَ عَلى الوارِثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالإجْماعِ مِنَ الأُمَّةِ أنْ لا يُضارَّ الوارِثُ. انْتَهى. وأنّى يَكُونُ بِالإجْماعِ وقَدْ رَأيْتُ أقْوالَ العُلَماءِ في وُجُوبِ ذَلِكَ ؟ وقِيلَ: مِثْلُ ذَلِكَ: أُجْرَةُ المِثْلِ، والنَّفَقَةُ، وتَرْكُ المُضارَّةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٍ، ومُقاتِلٍ، وأبِي سُلَيْمانَ الدِّمَشْقِيِّ، واخْتارَهُ القاضِي أبُو يَعْلى، قالُوا: ويَشْهَدُ لِهَذا القَوْلِ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، وقَدْ ثَبَتَ أنَّ عَلى المَوْلُودِ لَهُ النَّفَقَةُ والكِسْوَةُ، وأنْ لا يُضارَّ؛ فَيَكُونُ مِثْلَ ذَلِكَ مُشِيرًا إلى جَمِيعِ ما عَلى المَوْلُودِ لَهُ.
﴿فَإنْ أرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾، الضَّمِيرُ في ”أرادا“ عائِدٌ عَلى الوالِدَةِ والمَوْلُودِ لَهُ، و”الفِصالُ“: الفِطامُ قَبْلَ تَمامِ الحَوْلَيْنِ؛ إذا ظَهَرَ اسْتِغْناؤُهُ عَنِ اللَّبَنِ، فَلا بُدَّ مِن تَراضِيهِما، فَلَوْ رَضِيَ أحَدُهُما وأبى الآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والزُّهْرِيُّ، والسُّدِّيُّ وابْنُ زَيْدٍ، وسُفْيانُ، وغَيْرُهم. وقِيلَ: الفِطامُ، سَواءً كانَ في الحَوْلَيْنِ أوْ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. وتَحْرِيرُ هَذا القَوْلِ أنَّهُ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ لا يَكُونُ إلّا بِتَراضِيهِما، وأنْ لا يَتَضَرَّرَ المَوْلُودُ، وأمّا بَعْدَ تَمامِهِما؛ فَمَن دَعا إلى الفَصْلِ فَلَهُ ذَلِكَ، إلّا أنْ يَلْحَقَ المَوْلُودَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ يَكُونُ ذَلِكَ تَوْسِعَةً بَعْدَ التَّحْدِيدِ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: الفِصالُ أنْ يَفْصِلَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما القَوْلَ مَعَ صاحِبِهِ بِتَسْلِيمِ الوَلَدِ إلى أحَدِهِما، وذَلِكَ بَعْدَ التَّراضِي والتَّشاوُرِ؛ لِئَلّا يُقْدِمَ أحَدُ الوالِدَيْنِ عَلى ما يَضُرُّ بِالوَلَدِ، فَنَبَّهَ تَعالى عَلى أنَّ ما كانَ مُتَّهَمَ العاقِبَةِ لا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلّا بَعْدَ اجْتِماعِ الآراءِ. وقُرِئَ: ”فَإنْ أرادَ“، ويَتَعَلَّقُ عَنْ تَراضٍ بِمَحْذُوفٍ؛ لِأنَّهُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ ”فِصالًا“، أيْ: فِصالًا كائِنًا، وقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ صادِرًا. و”عَنْ“ لِلْمُجاوَزَةِ مَجازًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَعْنًى مِنَ المَعانِي لا جَرَمَ، و”تَراضٍ“ وزْنُهُ تَفاعُلٌ، وعَرَضَ فِيهِ ما عَرَضَ في ”أظْبٍ“ جَمْعُ ظَبْيٍ؛ إذْ أصْلُهُ ”أظْبِيٌ“ عَلى: أفْعُلٍ، فَتَنْقَلِبُ (p-٢١٨)الياءُ واوًا لِضَمَّةِ ما قَبْلَها، ثُمَّ إنَّهُ لا يُوجَدُ في لِسانِ العَرَبِ اسْمٌ آخِرُهُ واوٌ قَبْلَها ضَمَّةٌ لِغَيْرِ الجَمْعِ، وأنَّهُ مَتى أدّى إلى ذَلِكَ التَّصْرِيفِ قُلِبَتِ الواوُ ياءً، وحُوِّلَتِ الضَّمَّةُ كَسْرَةً، وكَذَلِكَ فُعِلَ في تَراضٍ، وتَفاعُلٌ هُنا في تَراضٍ وتَشاوُرٍ عَلى الأكْثَرِ مِن مَعانِيهِ مِن كَوْنِهِ واقِعًا مِنَ اثْنَيْنِ، وأخَّرَ التَّشاوُرَ لِأنَّهُ بِهِ يَظْهَرُ صَلاحُ الأُمُورِ والآراءِ وفَسادُها، و”مِنهُما“ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِتَراضٍ، فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، وهو مُرادٌ بَعْدَ قَوْلِهِ ”وتَشاوُرٍ“، أيْ: مِنهُما، ويُحْتَمَلُ في تَشاوُرٍ أنْ يَكُونَ أحَدُهُما شاوَرَ الآخَرَ، أوْ يَكُونَ أحَدُهُما شاوَرَ غَيْرَ الآخَرِ لِتَجْتَمِعَ الآراءُ عَلى المَصْلَحَةِ في ذَلِكَ. (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما)، هَذا جَوابُ الشَّرْطِ، وقَبْلَ هَذا الجَوابِ جُمْلَةٌ مَحْذُوفَةٌ بِها يَصِحُّ المَعْنى، التَّقْدِيرُ: فَفَصَلاهُ، أوْ فَفَعَلا ذَلِكَ، والمَعْنى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما في الفِصالِ.
* * *
﴿وإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكم فَلا جُناحَ عَلَيْكم إذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ﴾، الخِطابُ لِلْآباءِ والأُمَّهاتِ وفِيهِ التِفاتٌ؛ إذْ هو خُرُوجٌ مِن غَيْبَةٍ إلى خِطابٍ، وتَلْوِينٍ في الضَّمِيرِ؛ لِأنَّ قَبْلَهُ: ﴿فَإنْ أرادا فِصالًا﴾ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ، وكَأنَّهُ رُجُوعٌ إلى قَوْلِهِ: ”والوالِداتُ“، ”وعَلى المَوْلُودِ لَهُ“ . و”اسْتَرْضَعَ“ فِيهِ خِلافٌ، هَلْ يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ، أوْ إلى مَفْعُولَيْنِ الثّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ، قَوْلانِ: فالأوَّلُ: قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ، قالَ: اسْتَرْضَعَ مَنقُولٌ مِن أرْضَعَ، يُقالُ: أرْضَعَتِ المَرْأةُ الصَّبِيَّ، واسْتَرْضَعَها الصَّبِيُّ، فَتَعَدِّيهِ إلى مَفْعُولَيْنِ، كَما تَقُولُ: أنْجَحَ الحاجَةَ، واسْتَنْجَحَتْهُ الحاجَةُ، والمَعْنى: أنْ تَسْتَرْضِعُوا المَراضِعَ أوْلادَكم، فَحُذِفَ أحَدُ المَفْعُولَيْنِ لِلِاسْتِغْناءِ عَنْهُ، كَما تَقُولُ: اسْتَنْجَحَتِ الحاجَةُ، ولا تَذْكُرُ مَنِ اسْتَنْجَحَتْهُ، وكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَفْعُولَيْنِ لَمْ يَكُنْ أحَدُهُما عِبارَةً عَنِ الأوَّلِ. انْتَهى كَلامُهُ. وهو نَقْلٌ مِن نَقْلِ، الأصْلِ رَضَعَ الوَلَدُ، ثُمَّ تَقُولُ: أرْضَعَتِ المَرْأةُ الوَلَدَ، ثُمَّ تَقُولُ: اسْتَرْضَعَتِ المَرْأةُ الوَلَدَ، واسْتَفْعَلَ هُنا لِلطَّلَبِ، أيْ: طَلَبْتُ مِنَ المَرْأةِ إرْضاعَ الوَلَدِ، كَما تَقُولُ اسْتَسْقَيْتُ زَيْدًا الماءَ، واسْتَطْعَمْتُ عَمْرًا الخُبْزَ، أيْ: طَلَبْتُ مِنهُ أنْ يَسْقِيَنِي وأنْ يُطْعِمَنِي، فَكَما أنَّ الخُبْزَ والماءَ مَنصُوبانِ ولَيْسا عَلى إسْقاطِ الخافِضِ، كَذَلِكَ ”أوْلادَكم“ مَنصُوبٌ لا عَلى إسْقاطِ الخافِضِ. والثّانِي: قَوْلُ الجُمْهُورِ، وهو أنْ يَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ، الثّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ، وحُذِفَ مِن قَوْلِهِ: ”أوْلادَكم“، والتَّقْدِيرُ: لِأوْلادِكم، وقَدْ جاءَ اسْتَفْعَلَ أيْضًا لِلطَّلَبِ مُعَدًّى بِحَرْفِ الجَرِّ في الثّانِي، وإنْ كانَ في ”أفْعَلَ“ مُعَدًّى إلى اثْنَيْنِ، تَقُولُ: أفْهَمَنِي زَيْدٌ المَسْألَةَ، واسْتَفْهَمْتُ زَيْدًا عَنِ المَسْألَةِ، فَلَمْ يَجِئْ: اسْتَطْعَمْتُ، ويَصِيرُ نَظِيرُ: اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ مِنَ الذَّنْبِ، ويَجُوزُ حَذْفُ ”مِن“ فَتَقُولُ: الذَّنْبَ، ولَيْسَ في قَوْلِهِمْ: كانَ فُلانٌ مُسْتَرْضَعًا في بَنِي فُلانٍ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِنَفْسِهِ، أوْ بِحَرْفِ جَرٍّ. (فَلا جُناحَ عَلَيْكم)، هَذا جَوابُ الشَّرْطِ، وقَبْلَهُ جُمْلَةٌ حُذِفَتْ لِفَهْمِ المَعْنى، التَّقْدِيرُ: فاسْتَرْضَعْتُمْ أوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؛ فَلا جُناحَ عَلَيْكم في الِاسْتِرْضاعِ ﴿إذا سَلَّمْتُمْ﴾ ما آتَيْتُمْ، هَذا خِطابٌ لِلرِّجالِ خاصَّةً، وهو مِن تَلْوِينِ الخِطابِ، وقِيلَ: هو خِطابٌ لِلرِّجالِ والنِّساءِ، ويَتَّضِحُ ذَلِكَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿ما آتَيْتُمْ﴾ . و﴿إذا سَلَّمْتُمْ﴾ شَرْطٌ، قالُوا: وجَوابُهُ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْطُ الأوَّلُ وجَوابُهُ، وذَلِكَ المَعْنى هو العامِلُ في ”إذا“، وهو مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ ”عَلَيْكم“ . انْتَهى. وظاهِرُ هَذا الكَلامِ خَطَأٌ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ العامِلَ في إذا أوَّلًا المَعْنى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الشَّرْطُ وجَوابُهُ، ثُمَّ قالَ ثانِيًا: إنَّ ”إذا“ تَتَعَلَّقُ بِما تَعَلَّقَ بِهِ ”عَلَيْكم“، وهَذا يُناقِضُ ما قَبْلَهُ، ولَعَلَّ قَوْلَهُ: وهو مُتَعَلِّقٌ، سَقَطَتْ مِنهُ ألِفٌ، وكانَ: أوْ هو مُتَعَلِّقٌ، فَيَصِحُّ إذْ ذاكَ المَعْنى؛ ولا تَكُونُ إذْ ذاكَ شَرْطًا، بَلْ تَتَمَحَّضُ لِلظَّرْفِيَّةِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: ”ما أتَيْتُمْ“ بِالقَصْرِ، وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ بِالمَدِّ، وتَوْجِيهُ قِراءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: أنَّ ”أتَيْتُمْ“ بِمَعْنى جِئْتُمُوهُ وفَعَلْتُمُوهُ، يُقالُ: أتى جَمِيلًا، أيْ: فَعَلَهُ، وأتى إلَيْهِ إحْسانًا: فَعَلَهُ، وقالَ: (إنَّ وعْدَهُ كانَ مَأْتِيًّا)، أيْ: مَفْعُولًا، وقالَ زُهَيْرٌ:
؎فَما يَكُ مِن خَيْرٍ أتَوْهُ فَإنَّما تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وتَوْجِيهُ المَدِّ أنَّ المَعْنى: ما أعْطَيْتُمْ، و”ما“ في الوَجْهَيْنِ مَوْصُولَةٌ بِمَعْنى الَّذِي، والعائِدُ عَلَيْها مَحْذُوفٌ، وإذا (p-٢١٩)كانَتْ بِمَعْنى أعْطى احْتِيجَ إلى تَقْدِيرِ حَذْفٍ ثانٍ؛ لِأنَّها تَتَعَدّى لِاثْنَيْنِ، أحَدُهُما ضَمِيرُ ”ما“، والآخَرُ الَّذِي هو فاعِلٌ مِن حَيْثُ المَعْنى، والمَعْنى في: ”ما آتَيْتُمْ“، أيْ: ما أرَدْتُمْ إتْيانَهُ أوْ إيتاءَهُ. ومَعْنى الآيَةِ - واللَّهُ أعْلَمُ - جَوازُ الِاسْتِرْضاعِ لِلْوَلَدِ غَيْرَ أُمِّهِ، إذا أرادُوا ذَلِكَ واتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وسَلَّمُوا إلى المَراضِعِ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ؛ فَيَكُونُ ما سَلَّمْتُمْ هو الأُجْرَةُ عَلى الِاسْتِرْضاعِ، قالَهُ السُّدِّيُّ، وسُفْيانُ. ولَيْسَ التَّسْلِيمُ شَرْطًا في جَوازِ الِاسْتِرْضاعِ والصِّحَّةِ، بَلْ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ النَّدْبِ؛ لِأنَّ في إيتائِها الأُجْرَةَ مُعَجَّلًا هَنِيًّا تَوْطِينًا لِنَفْسِها واسْتِعْطافًا مِنها عَلى الوَلَدِ؛ فَتُثابِرَ عَلى إصْلاحِ شَأْنِهِ. وقِيلَ: سَلَّمْتُمُ الأوْلادَ إلى مَن رَضِيَها الوالِدانِ، قالَهُ قَتادَةُ، والزُّهْرِيُّ، وفِيهِ بُعْدٌ؛ لِإطْلاقِ ”ما“ المَوْضُوعَةِ لِما لا يَعْقِلُ عَلى العاقِلِ. وقِيلَ: سَلَّمْتُمْ إلى الأُمَّهاتِ أجْرَهُنَّ بِحِسابِ ما أرْضَعْنَ إلى وقْتِ إرادَةِ الِاسْتِرْضاعِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. وقِيلَ: سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ مِن إرادَةِ الِاسْتِرْضاعِ، أيْ: سَلَّمَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الأبَوَيْنِ ورَضِيَ، وكانَ عَنِ اتِّفاقٍ مِنهُما، وقَصْدِ خَيْرٍ وإرادَةِ مَعْرُوفٍ، قالَهُ قَتادَةُ. وأجازَ أبُو عَلِيٍّ: في ”ما آتَيْتُمْ“ أنْ تَكُونَ ”ما“ مَصْدَرِيَّةً، أيْ: إذا سَلَّمْتُمُ الإتْيانَ، والمَعْنى مَعَ القَصْرِ، وكَوْنُ ”ما“ بِمَعْنى الَّذِي أنْ يَكُونَ الَّذِي ما آتَيْتُمْ نَقْدَهُ وإعْطاءَهُ، فَحُذِفَ المُضافُ وأُقِيمَ الضَّمِيرُ مَقامَهُ، فَكانَ التَّقْدِيرُ: ما آتَيْتُمُوهُ، ثُمَّ حُذِفَ الضَّمِيرُ مِنَ الصِّلَةِ، وإذا كانَتْ مَصْدَرِيَّةً اسْتَغْنى الكَلامُ عَنْ هَذا التَّقْدِيرِ، ورَوى شَيْبانُ عَنْ عاصِمٍ: ”أُوتِيتُمْ“ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، أيْ: ما آتاكُمُ اللَّهُ وأقْدَرَكم عَلَيْهِ مِنَ الأُجْرَةِ ونَحْوِها. قالَ تَعالى: ﴿وأنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكم مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧]، ويَتَعَلَّقُ ”بِالمَعْرُوفِ“ بِـ ”سَلَّمْتُمْ“، أيْ: بِالقَوْلِ الجَمِيلِ الَّذِي تَطِيبُ النَّفْسُ بِهِ، ويُعِينُ عَلى تَحْسِينِ نَشْأةِ الصَّبِيِّ. وقِيلَ: تَتَعَلَّقُ بِـ ”آتَيْتُمْ“ . قالُوا: وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ لِلْآباءِ أنْ يَسْتَأْجِرُوا لِأوْلادِهِمْ مَراضِعَ إذا اتَّفَقُوا مَعَ الأُمَّهاتِ عَلى ذَلِكَ، وهَذِهِ كانَتْ سُنَّةً جاهِلِيَّةً؛ كانُوا يَتَّخِذُونَ المَراضِعَ لِأوْلادِهِمْ ويُفَرِّغُونَ الأُمَّهاتِ لِلِاسْتِمْتاعِ بِهِنَّ؛ والِاسْتِصْلاحِ لِأبْدانِهِنَّ؛ ولِاسْتِعْجالِ الوَلَدِ بِحُصُولِ الحَمْلِ، فَأقَرَّهُمُ الشَّرْعُ عَلى ذَلِكَ لِما في ذَلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ ورَفْعِ المَشَقَّةِ عَنْهم بِقَطْعِ ما ألِفُوهُ، وجَعَلَ الأُجْرَةَ عَلى الأبِ بِقَوْلِهِ: ﴿إذا سَلَّمْتُمْ﴾ .
﴿واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، لَمّا تَقَدَّمَ أمْرٌ ونَهْيٌ، خَرَجَ عَلى تَقْدِيرِ أمْرٍ بِتَقْوى اللَّهِ تَعالى، ولَمّا كانَ كَثِيرٌ مِن أحْكامِ هَذِهِ الآيَةِ مُتَعَلِّقًا بِأمْرِ الأطْفالِ الَّذِينَ لا قُدْرَةَ لَهم ولا مَنَعَةَ مِمّا يَفْعَلُهُ بِهِمْ؛ حَذَّرَ وهَدَّدَ بِقَوْلِهِ: (واعْلَمُوا)، وأتى بِالصِّفَةِ الَّتِي هي ”بَصِيرٌ“ مُبالَغَةً في الإحاطَةِ بِما يَفْعَلُونَهُ مَعَهم والِاطِّلاعِ عَلَيْهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩] في حَقِّ مُوسى - عَلى نَبِيِّنا وعَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ - إذْ كانَ طِفْلًا. قالُوا: وفي الآيَةِ ضُرُوبٌ مِنَ البَيانِ والبَدِيعِ؛ مِنها: تَلْوِينُ الخِطابِ، ومَعْدُولُهُ في: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ﴾؛ فَإنَّهُ خَبَرٌ مَعْناهُ الأمْرُ عَلى قَوْلِ الأكْثَرِ، والتَّأْكِيدُ بِـ ”كامِلَيْنِ“، والعَدْلُ عَنْ رِزْقِ الأوْلادِ إلى رِزْقِ أُمَّهاتِهِنَّ؛ لِأنَّهُنَّ سَبَبُ تَوَصُّلِ ذَلِكَ، والإيجازُ في: ﴿وعَلى الوارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾، وتَلْوِينُ الخِطابِ في: ﴿وإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكُمْ﴾؛ فَإنَّهُ خِطابٌ لِلْآباءِ والأُمَّهاتِ، ثُمَّ قالَ: ﴿إذا سَلَّمْتُمْ﴾، وهو خِطابٌ لِلْآباءِ خاصَّةً، والحَذْفُ في: ﴿أنْ تَسْتَرْضِعُوا﴾، التَّقْدِيرُ: مَراضِعَ لِلْأوْلادِ، وفي قَوْلِهِ: ﴿إذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ﴾ . انْتَهى. وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآياتُ الكَرِيمَةُ أمْرَ اللَّهِ تَعالى الأزْواجَ إذا طَلَّقُوا نِساءَهم فَيُقارِبُوا انْقِضاءَ العِدَّةِ بِإمْساكِهِنَّ، وهو مُراجَعَتُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، أوْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِنَّ بِانْقِضاءِ العِدَّةِ، ثُمَّ أكَّدَ الأمْرَ بِالإمْساكِ بِمَعْرُوفٍ، بِأنْ نَصَّ عَلى النَّهْيِ عَنْ إمْساكِهِنَّ ضِرارًا بِهِنَّ، وجاءَ النَّهْيُ عَلى حَسَبِ ما كانَ يَقَعُ مِنهم في الجاهِلِيَّةِ مِنَ الرَّجْعَةِ، ثُمَّ الطَّلاقِ، ثُمَّ الرَّجْعَةِ، ثُمَّ الطَّلاقِ؛ عَلى سَبِيلِ المُضارَّةِ لِلنِّساءِ، فَنُهُوا عَنْ هَذِهِ الفِعْلَةِ القَبِيحَةِ تَعْظِيمًا لِهَذا الفِعْلِ السَّيِّءِ الَّذِي هو أعْظَمُ إيذاءِ النِّساءِ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّ مَنِ ارْتَكَبَ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ مِن ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، أيْ: إنَّ إمْساكَ النِّساءِ عَلى سَبِيلِ المُضارَّةِ، وتَطْوِيلِ عِدَّتِهِنَّ، إنَّما وبالُ ذَلِكَ في الحَقِيقَةِ عَلى نَفْسِهِ؛ حَيْثُ ارْتَكَبَ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ نَهى (p-٢٢٠)تَعالى عَنِ اتِّخاذِ آياتِ اللَّهِ هُزُوًا؛ لِأنَّهُ تَعالى قَدْ أنْزَلَ آياتٍ في النِّكاحِ، والحَيْضِ، والإيلاءِ، والطَّلاقِ، والعِدَّةِ، والرَّجْعَةِ، والخُلْعِ، وتَرْكِ المُضارَّةِ، وتَضَمَّنَتْ أحْكامًا بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، وإيجابَ حُقُوقٍ لَهم وعَلَيْهِمْ، وكانَ مِن عادَةِ العَرَبِ عَدَمُ الِاكْتِراثِ بِأمْرِ النِّساءِ، حَتّى كانُوا لا يُوَرِّثُونَ البَناتِ احْتِقارًا لَهُنَّ، وذَكَرَ قَبْلَ هَذا أنَّ مَن تَعَدّى حُدُودَ اللَّهِ فَهو ظالِمٌ، أكَّدَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنِ اتِّخاذِ آياتِ اللَّهِ هُزُوًا، بَلْ تُؤْخَذُ بِجِدٍّ وقَبُولٍ، وإنْ كانَ فِيها ما يُخالِفُ عاداتِهِمْ، ثُمَّ أمَرَهم بِذِكْرِ نِعْمَتِهِ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّ مَن أنْعَمَ عَلَيْكَ فَيَجِبُ أنْ يَأْخُذَ ما يُلْقِي اللَّهُ مِنَ الآياتِ بِالقَبُولِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ شُكْرًا لِنِعْمَتِهِ السّابِقَةِ، ثُمَّ نَبَّهَ تَعالى عَلى أنَّ ما أنْزَلَ مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ فَهو واعِظٌ لَكم؛ فَيَنْبَغِي قَبُولُهُ والِانْتِهاءُ عِنْدَهُ، ثُمَّ أمَرَ بِتَقْوى اللَّهِ تَعالى، وبِأنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فَهو لا يَخْفى عَنْهُ شَيْءٌ مِن أفْعالِكم، وهو يُجازِيكم عَلَيْها. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّ الأزْواجَ إذا طَلَّقُوا نِساءَهم وانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ لا تَعْضُلُوهُنَّ عَنْ تَزَوُّجِ مَن أرَدْنَ إذا وقَعَ تَراضٍ بَيْنَ المُطَلَّقَةِ وخاطِبِها، وكانَ مِن عادَةِ العَرَبِ أنَّ مَن طَلَّقَ مِنهُمُ امْرَأةً وبَتَّها يَعْضُلُها عَنِ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أشارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلى العَضْلِ، وذَكَرَ أنَّهُ يُوعَظُ بِهِ المُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعالى وبِاليَوْمِ الآخِرِ؛ لِأنَّ مَن لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا لَمْ يَزْدَجِرْ عَنْ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ، ونَبَّهَ عَلى الإيمانِ بِاليَوْمِ الآخِرِ؛ لِأنَّ ثَمَرَةَ مُخالَفَةِ النَّهْيِ إنَّما تَظْهَرُ في الدّارِ الآخِرَةِ، ثُمَّ أشارَ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكم أزْكى لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٢] إلى التَّمْكِينِ مِنَ التَّزْوِيجِ وعَدَمِ العَضْلِ لِما في ذَلِكَ مِنَ الثَّوابِ بِامْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى، وأطْهَرَ لِما يُخْشى مِنَ اجْتِماعِ الخاطِبِ والمَرْأةِ عَلى رِيبَةٍ إذا مُنِعا مِنَ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ نَسَبَ العِلْمَ إلَيْهِ تَعالى ونَفاهُ عَنِ المُخاطَبِينَ؛ إذْ هو العالِمُ بِخَفايا الأُمُورِ وبَواطِنِها. ثُمَّ شَرَعَ تَعالى في ذِكْرِ أشْياءَ مِن نَتائِجِ التَّزْوِيجِ، مِن إرْضاعِ الوالِداتِ أوْلادَهُنَّ، وذِكْرِ حَدِّ ذَلِكَ لِمَن أرادَ الإتْمامَ، وما يَجِبُ لِلْمَرْأةِ عَلى الزَّوْجِ وعَلى وارِثِهِ إذا ماتَ الزَّوْجُ مِنَ النَّفَقَةِ والكُسْوَةِ، وأنَّ ذَلِكَ بِالمَعْرُوفِ مِن غَيْرِ إجْحافٍ لا بِالزَّوْجِ ولا بِالزَّوْجَةِ، وذَكَرَ جَوازَ فَصْلِهِ وفِطامِهِ، إذا كانَ ذَلِكَ بِرِضا أبِيهِ وأُمِّهِ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ، وجَوازَ الِاسْتِرْضاعِ لِلْأوْلادِ إذا اتَّفَقَ الرَّجُلُ والزَّوْجَةُ عَلى ذَلِكَ، وأشارَ إلى تَسْلِيمِ أجْرِ الأظْآرِ تَطْيِيبًا لِأنْفُسِهِنَّ وإعانَةً لَهُنَّ عَلى مَحَبَّةِ الصَّغِيرِ، واشْتِمالِهِنَّ عَلَيْهِ حَتّى يَنْشَأ، كَأنَّهُ قَدْ أرْضَعَتْهُ أُمُّهُ، فَإنَّ الإحْسانَ جالِبٌ لِلْمَحَبَّةِ. ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ بِالأمْرِ بِتَقْوى اللَّهِ تَعالى، وبِأنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ، كَما خَتَمَ تَعالى الآيَةَ الأُولى بِالأمْرِ بِالتَّقْوى بِالعِلْمِ بِأنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وذَلِكَ إشارَةٌ إلى المُجازاةِ، وتَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ لِمَن خالَفَ أمْرَهُ تَعالى.
{"ayah":"۞ وَٱلۡوَ ٰلِدَ ٰتُ یُرۡضِعۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ حَوۡلَیۡنِ كَامِلَیۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن یُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَاۤرَّ وَ ٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودࣱ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَ ٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضࣲ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرࣲ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوۤا۟ أَوۡلَـٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّاۤ ءَاتَیۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق