الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"أحل لكم"، أطلق لكم وأبيح [[انظر تفسير"الحلال" فيما سلف من هذا الجزء ٣: ٣٠٠، ٣٠١.]] . * * * ويعني بقوله:"ليلة الصيام"، في ليلة الصيام. * * * فأما"الرفث" فإنه كناية عن الجماع في هذا الموضع، يقال:"هو الرفثُ والرُّفوث". [[انظر ما سيأتي في معنى"الرفث" في هذا الجزء (٢: ١٥٣ - ١٥٥ بولاق) .]] . * * * وقد روي أنها في قراءة عبد الله:"أحل لكم ليلة الصيام الرفوثُ إلى نسائكم". * * * وبمثل الذي قلنا في تأويل"الرفث" قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٢٠- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن عاصم، عن بكر عن عبد الله المزني، عن ابن عباس قال: الرفث، الجماعُ، ولكن الله كريم يَكني. ٢٩٢١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس، مثله. ٢٩٢٢- حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث، النكاح. ٢٩٢٣- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: الرفث: غِشيانُ النساء. ٢٩٢٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"، قال: الجماع. ٢٩٢٥- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٩٢٦- حدثني المثني قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الرفث: هو النكاح. ٢٩٢٧- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الكبير البصري قال، حدثنا الضحاك بن عثمان قال، سألت سالم بن عبد الله عن قوله:"أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم"، قال: هو الجماع. ٢٩٢٨- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم"، يقول: الجماع. * * * "والرفث" في غير هذا الموضع، الإفحاشُ في المنطق، كما قال العجاج: عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ [[ديوانه: ٥٩، وسيأتي مع البيت قبله في التفسير ٢: ٢٤٦ (بولاق) ، من رجز له طويل، حمد فيه الله ومجده بقوله: فَالحَمْد ِللهِ العَلِيِّ الأَعْظَمِ ... ذِي الجَبَرُوتِ والجَلاَلِ الأَفْخَمِ وَعَالِمِ الإِعْلاَنِ والمُكَتَّمِ ... وربّ كُلِّ كَافِرٍ ومُسْلِمِ ثم عطف على قوله: "ورب كل كافر ومسلم" عطوفًا كثيرة، حتى انتهى إلى ما أنشده الطبري: وربِّ أسْرَابِ حَجيجٍ كُظَّمِ ... عن اللَّغَا وَرفَثِ التَّكَلُّمِ والأسراب جمع سرب: وهو القطيع أو الطائفة من القطار الظباء والشاء والبقر والنساء، وجعله هذا للحجاج. والحجيج: الحجاج. وكظم جمع كاظم: وهو الساكت الذي أمسك لسانه وأخبت، من الكظم (بفتحتين) وهو مخرج النفس. واللغا واللغو: السقط ومالا يعتد به من كلام أو يمين، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع. هذا، ومما يدل على أن أبا جعفر كان يختصر القول اختصارًا في بعض المواضع، أنه لم يفسر تعدية"الرفث" بحرف الجر"إلى"، ولولا الاختصار لقال فيه مقالا على ما سلف من نهجه. وقد عدي"الرفث"بـ "إلى"، لأنه في معنى الإفضاء. يقال: "أفضيت إلى امرأتي"، فلما أراد هذا المعنى جاء بحرفه ليضمنه معناه، إيذانًا بأن ذلك ما أراد بهذه الكناية.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم لباسٌ لكمُ وأنتم لباسٌ لهن. * * * فإن قال قائل: وكيف يكون نساؤنا لباسًا لنا، ونحن لهن لباسًا و"اللباس" إنما هو ما لبس؟ قيل: لذلك وجهان من المعاني: أحدهما: أن يكون كل واحد منهما جُعل لصاحبه لباسًا، لتخرُّدهما عند النوم، [[في المطبوعة: "لتخرجهما عند النوم"، وأخشى أن يكون تصحيفًا. جعل الجيم خاء، وألصق الدال بالهاء، فظنها الناسخ خاء، لتشابههما. ولم أجد في مادة"خرج""خرج" بتشديد الراء بمعنى التجرد من الثياب، وإن كانوا يقولون: "خرج فلان من ثيابه" ولكنه هنا لا يظهر معناه لسقوط ذكره اللباس في عبارته. وإن كنت أظنها بعيدة، ولو ذكر معها اللباس. ورجح هذا التصحيح عندي قوله بعد البيت الآتي: "متجردين في فراش واحد".]] واجتماعهما في ثوب واحد، وانضمام جسد كل واحد منهما لصاحبه، بمنزلة ما يلبسه على جَسده من ثيابه، فقيل لكل واحد منهما: هو"لباس" لصاحبه، كما قال نابغة بني جعدة: إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهَا ... تَدَاعَتْ، فكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا [[الشعر والشعراء: ٢٥٥ من أبيات جياد، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: ٦٧، وتأويل مشكل القرآن ١٠٧، وغيرها، وقبله أَضَاءَتْ لَنَا النَّارُ وَجْهًا ... أَغَرَّ مُلْتَبِسًا بِالفُؤَاءِ الْتِبَاسَا يُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ ... لَمْ يَجْعَلِ اللهُ فِيه نُحَاسَا بِآنسَةٍ غَيْرِ أنْسِ القِرَافِ وَتَخْلِطُ ... بالأُنْسِ مِنْها شِمَاسَا وهو شعر كما ترى]] ويروي:" تثنت" فكنى عن اجتماعهما متجردين في فراش واحد ب"اللباس"، كما يكنى ب"الثياب" عن جسد الإنسان، كما قالت ليلى، وهي تصف إبلا ركبها قومٌ: رَمَوْهَا بِأَثْوَابٍ خِفَافٍ، فَلا تَرَى ... لَهَا شَبَهًا إلا النَّعَامَ المُنَفَّرَا [[المعاني الكبير ١: ٤٨٦، وتأويل مشكل القرآن: ١٠٧ وغيرهما. وقولهما: "رموها بأثواب" قالوا: تعني بأجسام خفاف (المعاني) والصواب في ذلك أن يقال: أن هؤلاء الركب قد لوحتهم البيد وأضتتهم، فلم يبق فيهم إلا عظام معروقة عليها الثياب، لا تكاد ترى إلا ثوبًا يلوح على كل ضار وضامر، ولذلك شبهت الإبل عليها ركبها بالنعام المنفر. والمنفر: الذي ذعر فانطلق هاربًا يخفق في الأرض.]] يعني: رموها بأنفسهم فركبوها. وكما قال الهذليّ [[هو أبو ذؤيب الهذلي.]] تَبَرَّأُ مِنْ دَمِ القَتيلِ وَوَتْرِهِ ... وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ القَتِيلِ إزَارُهَا [[ديوانه: ٢٦، والمعاني الكبير: ٤٨٣، ومشكل القرآن: ١٠٨ وغيرها. من قصيدة له عجيبة، يرثى بها صديقه وحميمه نشيبة بن محرث، استفتحها متغزلا مشببًا بصاحبته أم عمرو، واسمها فطيمة، وقال قبل هذا البيت، يلوم نفسه على هجرها ويقول: فَإنَّكَ مِنْهَا والتَّعَذُّرَ، بَعْدَ مَا ... لَجِجْتَ، وشطَّتْ مِنْ فُطَيْمَةَ دَارُهَا كَنَعْتِ الَّتِي ظَلَّت تُسَبِّع سُؤْرَهَا ... وَقَالتْ: حَرَامٌ أنْ يرَجَّلَ جَارُهَا تبرَّأُ مِنْ دَم القَتِيل. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . يقول أنت في انتفاءك من حبها بعد اللجاجة فيه، كهذه المرأة التي قتلت قتيلا وحازت بزه، أي سلاحه، وأخفته. قال الأصمعي في خبر هذه المرأة: هذه امرأة نزل بها رجل فتحرجت أن تدهنه وترجل شعره، ثم جاء كلب فولغ في إنائها فغسلته سبع مرات. وذلك بعين الرجل، فتعجب منها ومن ورعها. فبينا هو كذلك، أتاها قوم يطلبون عندها قتيلا، فانتفلت من ذلك -أي أنكرت- وحلفت. ثم فتشوا منزلها، فوجدوا القتيل وسلاحه في بيتها". يقول أنت كهذه المرأة، تجحد حب صاحبتك، وتظهر أنك قد كبرت وانتهيت عن الجهل والصبا، ولو فتش قلبك. لرأوا حبك لها لا يزال يتأجج ويشتعل.]] يعني ب"إزارها"، نفسها. وبذلك كان الربيع يقول: ٢٩٢٩- حدثني المثني قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع:"هن لباسٌ لكم وأنتم لباس لهنّ"، يقول: هنّ لحاف لكم وأنتم لحاف لهن. [[الأثر: ٢٩٢٩- في المطبوعة: "عبد الرحمن بن سعيد"، وقد مضى برقم: ٢٩١٧، على الصواب كما أثبته. وعبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ المؤدب، روي عن أبيه وعمه محمد وبني أعمامه. وجماعة من أهله، وأبي الزناد وصفوان بن سليم، وروي عنه إسحاق بن راهويه وإبراهيم بن المنذر وغيرهما. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال البخاري: فيه نظر. وقال الحاكم أبو أحمد حديثه ليس بالقائم.]] . * * * والوجه الآخر: أن يكون جَعل كلَّ واحد منهما لصاحبه"لباسًا"، لأنه سَكنٌ له، كما قال جل ثناؤه: ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾ [سورة الفرقان: ٤٧] ، يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرجل سَكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ [سورة الأعراف: ١٨٩] فيكون كل واحد منهما"لباسًا" لصاحبه، بمعنى سكونه إليه. وبذلك كان مجاهد وغيره يقولون في ذلك. وقد يقال لما سَتر الشيء وَواراه عَن أبصار الناظرين إليه:"هو لباسه، وغشاؤه"، فجائز أن يكونَ قيل:"هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن"، بمعنى: أنّ كل واحد منكم ستر لصاحبه -فيما يكون بينكم من الجماع- عن أبصار سائر الناس. وكان مجاهد وغيره يقولون في ذلك بما:- ٢٩٣٠- حدثنا به المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"هن لباس لكم وأنتم لباسٌ لهن"، يقول: سكنٌ لهن. ٢٩٣١- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن"، قال قتادة: هُنّ سكنٌ لكم، وأنتم سكنٌ لهنّ. ٢٩٣٢- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"هن لباسٌ لكم" يقول: سكن لكم،"وأنتم لباس لهن"، يقول: سكن لهن. ٢٩٣٣- حدثني يونس، قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال عبد الرحمن بن زيد في قوله:"هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن"، قال: المواقعة. ٢٩٣٤- حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إبراهيم، عن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قوله:"هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن"، قال: هن سكنٌ لكم وأنتم سكنٌ لهن. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وما هذه الخيانة التي كانَ القوم يختانونها أنفسهم، التي تابَ الله منها عليهم فعفا عنهم؟ قيل: كانت خيانتُهم أنفسَهم التي ذكرها الله في شيئين، أحدهما: جماع النساء، والآخر: المطعم والمشربُ في الوقت الذي كانَ حرامًا ذلك عليهم، كما:- ٢٩٣٥- حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبه، عن عمرو بن مرة قال، حدثنا ابن أبي ليلى: أن الرجل كان إذا أفطرَ فنام لم يأتها، وإذا نام لم يطعم، حتى جاء عمر بن الخطاب يُريد امرأته، فقالت امرأته: قد كنتَ نمتَ! فظنّ أنها تعتلُّ فوقع بها. قال: وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم، فقالوا: نسخّن لك شيئًا؟...... [[الأثر: ٢٩٣٥- موضع هذه النقط خرم في النسخ. وخبر عبد الرحمن بن أبي ليلى هذا أخرجه وكيع وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو في الدر المنثور ١: ١٩٨، بغير هذا اللفظ. ولو أريد إتمامه لكان: [نسخن لك شيئًا تفطِرُ عليه؟ فغلبته عيناهُ فنام. فجاءوا وقد نام، فقالوا: كُلْ! فقال: قد كنتُ نمتُ! فترك الطعام وبات ليلته يتقلّبُ. فلما أصبح أتى النبي ﷺ، فذكر ذلك له. فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، إني أردتُ أهلي البارحة على ما يريدُ الرجلُ أهله، فقالت: إنها قد نامت! فظننتها تعتَلُُّ، فواقعتها، فأخبرتني أنّها كانت نامت] . هذا لفظ آخر، ولكنه دال على المعنى الذي ذكره عبد الرحمن بن أبي ليلى، والذي استدل به الطبري. ثم انظر الآثار التالية ٢٩٣٦-٢٩٣٨ عن ابن أبي ليلى.]] قال: ثم نزلت هذه الآية:"أحِلَ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم" الآية. ٢٩٣٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر، فلما دخل رَمضان كانوا يصومون، فإذا لم يأكل الرجل عند فطره حتى ينام، لم يأكل إلى مثلها، وإن نام أو نامت امرأته لم يكن له أن يأتيها إلى مثلها. فجاء شيخٌ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك، فقال لأهله: أطعموني. فقالت: حتى أجعل لك شيئًا سخنًا! قال: فغلبته عينه فنام. ثم جاء عمر فقالت له امرأته: إني قد نمت! فلم يعذرها، وظن أنها تعتلّ، فواقعها. فبات هذا وهذا يتقلبان ليلتهما ظهرًا وبطنًا، فأنزل الله في ذلك:"وكلوا واشرَبوا حتى يَتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر"، وقال:"فالآن بَاشروهن"، فعفا الله عن ذلك، وكانت سُنَّةً. ٢٩٣٧- حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساءَ ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعامَ والشرابَ وإتيانَ النساء. فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صِرْمة يعمل في أرض له، قال: فلما كان عند فطره نام، فأصبح صائمًا قد جُهد. فلما رآه النبي ﷺ قال: ما لي أرى بكَ جهدًا! فأخبره بما كان من أمره. واختان رَجل نفسه في شأن النساء، فأنزل الله"أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم"، إلى آخر الآية. [[الحديث: ٢٩٣٧- هو قطعة من حديث طويل، سبق بعضه بهذا الإسناد: ٢٧٢٩، ٢٧٣٣. ووقع في المطبوعة هنا تحريف في الإسناد، هكذا: "حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله عن عتبة"! وصوابه: "عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة"، وهو المسعودي، كما بينا فيما مضى. وقد أشرنا فيما مضى إلى أن أبا داود روى هذا الحديث المطول: ٥٠٧، من طريق يزيد بن هارون، عن المسعودي. ولكنه لم يذكر فيه القسم الذي هنا كاملا، بل أشار إليه، إحالة على الرواية قبله، فقال: "وجاء صرمة وقد عمل يومه. وساق الحديث". والحديث مطول في مسند أحمد ٥: ٢٤٦-٢٤٧، من رواية أبي النضر ويزيد بن هارون - كلاهما عن المسعودي، به. كما أشرنا إليه مفصلا، فيما مضى: ٢١٥٦. وفيه القسم الذي هنا. ولكن فيه أن الرجل الأنصاري"يقال له صرمة"، كما في رواية أبي داود. وقد مضى في الرواية السابقة: ٢٩٣٦. أنه"صرمة بن مالك". وفي هذه الرواية -هنا-: "يدعى أبا صرمة". والرواية السابقة مرسلة. وهذه الرواية منقطعة، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل. وسيأتي مزيد بيان عن اسم هذا الأنصاري، في الرواية الآتية: ٢٩٣٩.]] . ٢٩٣٨- حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثني أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء - نحو حديث ابن أبي ليلى الذي حَدّث به عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى - قال: كانوا إذا صاموا ونام أحدهم، لم يأكُل شيئًا حتى يكون من الغد. فجاء رجلٌ من الأنصار وقد عمل في أرض له وقد أعيا وكلَّ، فغلبته عينه فنام، وأصبح من الغد مجهودًا، فنزلت هذه الآية:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". [[الحديث: ٢٩٣٨- هذا إسناد صحيح، لولا ضعف سفيان بن وكيع -كما قلنا مرارًا- ولكنه ثابت في تفسير وكيع، كما ذكره السيوطي. والطبري لم يذكر لفظه كاملا، أحال على الروايات قبله. وسيذكره كاملا عقب هذا.]] . ٢٩٣٩- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل صائمًا فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإنّ قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، وكان توجَّه ذلك اليوم فعمِل في أرضه، فلما حضر الإفطارُ أتى امرأته فقال: هل عندكم طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته قالت: قد نمت! فلم ينتصف النهارُ حتى غُشي عليه، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فنزلت فيه هذه الآية:"أحِلَ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" إلى"من الخيط الأسود" ففرحوا بها فرحًا شديدًا [[الحديث: ٢٩٣٩- وهذا إسناد صحيح. عبد الله بن رجاء الغذائي: سبق توثيقه: ٢٨١٤. والحديث ثابت من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب الأنصاري: فرواه أحمد في المسند ٤: ٢٩٥ (حلبي) ، عن أسود بن عامر، وأبي أحمد الزبيري. والبخاري ٤: ١١١-١١٢ (فتح) ، عن عبيد الله بن موسى. وأبو داود: ٢٣١٤، من طريق أبي أحمد. والترمذي ٤: ٧١-٧٢، من طريق عبيد الله بن موسى - كلهم عن إسرائيل، عن جده أبي إسحاق. السبيعي. ورواه النسائي ١: ٣٠٥، من طريق زهير، عن أبي إسحاق. ورواه البخاري أيضًا ٨: ١٣٦، مختصرًا. عن عبيد الله بن موسى، وبإسناد آخر عن أبي إسحاق. وذكره السيوطي ١: ١٩٧، وزاد نسبته إلى وكيع، وعبد بن حميد، والنحاس في ناسخه، وابن المنذر، والبيهقي في السنن. وقد أطال الحافظ في الفتح ٤: ١١١-١١٢، في بيان الاختلاف في اسم الأنصاري، والروايات في ذلك. ورجح أنه"أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي. . . ". وأنه عن هذا جاء الاختلاف فيه: فبعضهم أخطأ اسمه وسماه بكنيته، وبعضهم نسبه لجده، وبعضهم قلب نسبه. وبعضهم صفحه"ضمرة بن أنس"، وأن صوابه"صرمة بن أبي أنس". وكذلك صنع في الإصابة بأطول من ذلك ٣: ٢٤١-٢٤٣، ٢٨٠. "صرمة": بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الميم.]] . ٢٩٤٠- حدثني المثني قال حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره:"أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم"، وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حُرِّم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. ثم إن نَاسًا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله:"علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتابَ عليكم وعَفا عنكم فالآن باشروهن" يعني انكحوهن،"وكلوا واشربوا حَتى يَتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". [[الحديث: ٢٩٤٠- ذكره ابن كثير ١: ٤١٨-٤١٩، من غير تخريج. والسيوطي ١: ١٩٧، ونسبه لابن جرير، وابن المنذر، فقط.]] ٢٩٤١- حدثني المثني قال، حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، قال: حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة: أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناسُ في رمضان إذا صامَ الرجل فأمسَى فنام، حُرِّم عليه الطعام والشراب والنساءُ حتى يفطر من الغد. فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي ﷺ ذات ليلة وقد سَمَر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها فقالت: إني قد نمت! فقال: ما نمت! ثم وقع بها. وصنع كعب بن مالك مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي ﷺ فأخبره، فأنزل الله تعالى ذكره:"علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتابَ عَليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن" ... الآية [[الحديث: ٢٩٤١- سويد: هو ابن نصر بن سويد المروزي، وهو ثقة. مترجم في التهذيب، ونص البخاري في الكبير ٢/٢/١٤٩ على أنه سمع ابن المبارك. وذكر أنه مات سنة ٢٤٠ عن ٩١ سنة. ابن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء: هو عبد الله، الفقيه القاضي المصري. مختلف فيه كثيرا، والتحقيق أنه ثقة صحيح الحديث. وقد فصلنا القول فيه في شرح المسند: ٨٧، ٦٦١٣. موسى بن جبير المدني الحذاء: ثقة، يخطئ في بعض حديثه. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٢٨١، وابن أبي حاتم ٤/١/١٣٩، ولم يذكرا فيه جرحا. وهو مولى"بني سلمة" بفتح السين وكسر اللام، من الأنصار. انظر المشتبه للذهبي، ص: ٢٧٠. عبد الله كعب بن مالك الأنصاري السلمي -بفتح اللام، نسبة إلى"بني سلمة" بكسرها: تابعي ثقة، كان قائد أبيه حين عمي، أخرج له الشيخان وغيرهما. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٥٨٦٠ (٣: ٤٦٠ حلبي) ، عن عتاب بن زياد، عن عبد الله بن المبارك، بهذا الإسناد. وذكره ابن كثير ١: ٤٢٠. عن الطبري، فقط. وذكره السيوطي ١: ١٩٧، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم"بسند حسن". وإنما حسن إسناده، من أجل ابن لهيعة -فيما أرجح- وعندي أنه إسناد صحيح.]] . ٢٩٤٢- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، حدثنا ثابت: أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان، فاشتد ذلك عليه، فأنزل الله: ﴿أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم﴾ [[الحديث: ٢٩٤٢- ثابت: هو ابن أسلم البناني، بضم الباء الموحدة وتخفيف النون الأولى. وهو تابعي ثقة، ولكنه يروي عن صغار الصحابة، كأنس، وابن الزبير، وابن عمر لم يدرك أن يروي عن عمر بن الخطاب. فهذا إسناد منقطع، ضعيف لذلك. والحديث ذكره السيوطي ١: ١٩٧، ولم ينسبه لغير ابن جرير.]] . ٢٩٤٣- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم هُنّ لباسٌ لَكم وأنتم لباسٌ لهن" إلى:"وعفا عَنكم". كان الناس أوّلَ ما أسلموا إذا صام أحدُهم يصوم يومه، حتى إذا أمسى طَعِم من الطعام فيما بينه وبين العتمة، حتى إذا صُليت حُرّم عليهم الطعامُ حتى يمسي من الليلة القابلة. وإنّ عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سوّلت له نفسه فأتى أهله لبعض حاجته، فلما اغتسلَ أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيتَ من الملامة. ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسولَ الله، إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة، فانها زيَّنت لي فواقعتُ أهلي! هل تجد لي من رخصة يا رسول الله؟ قال: لم تكن حقيقًا بذلك يا عمر! فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعُذره في آية من القرآن، وأمر الله رسوله أن يَضَعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال:"أحلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" إلى"علم الله أنكم كنتم تَختانون أنفسكم" يعني بذلك: الذي فعل عمر بن الخطاب فأنزل الله عفوه. فقال:"فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن بَاشرُوهن" إلى:"من الخيط الأسود" فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح [[الحديث: ٢٩٤٣- هذا الحديث بالإسناد المسلسل بالضعفاء، الذي شرحناه مفصلا في: ٣٠٥. وقد ذكره السيوطي ١: ١٩٧، ونسبه للطبري وابن أبي حاتم. ولم تكن بنا حاجة للكلام عليه هنا، إلا أننا أردنا أن نمهد به لحديث لأبي هريرة في معناه. نقله السيوطي ١: ١٩٧، ونسبه للطبري فقط، قال: "وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة. . ". وذكره ابن كثير ١: ٤١٩ مع أواخر إسناده، ولم يذكر من خرجه. والظاهر من تتبع صنيعه أنه نقله عن الطبري أيضًا. ولم نجده في الطبري، فإما سقط من الناسخين، وإما هو في موضع آخر من الطبري لما تصل إلينا معرفته. فرأينا إثباته - تماما للفائدة، وحفظا لما ينسب لهذا التفسير العظيم. قال ابن كثير: "وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، في قول الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامُ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله (ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية - إذا صلُّوا العشاءَ الآخِرَةَ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ حتى يُفْطروا. وإن عمر بن الخطاب أصاب أهلَه بعد صلاة العشاء، وإن صِرْمَةَ بن قيس الأنصاري غَلَبَتْهُ عيناه بعد صلاة المغرب، فنام ولم يشبع من الطعام، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله ﷺ العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتَى رسولَ الله صلى الله عليه سلم، فأخبره بذلك، فأنزل الله عند ذلك: (أُحِلَّ لَكُم لَيْلَةَ الصِّيَامَ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) ، يعني بالرفث مجامعةَ النساء، (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم) ، يعني: تجامعون النساء وتأكلون وتشربون بعد العشاء، (فَتَاب عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فالآنبَاشِرُوهُنَّ) يعني: جامعوهن، (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُم) ، يعني: الولد، (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ) ، فكان ذلك عَفْوًا من الله ورَحْمَةً". هذا لفظ رواية ابن كثير. والسيوطي اختصره قليلا. فهذا إسناد صحيح من سعيد بن أبي عروبة إلى أبي هريرة. أما ما وراه سعيد بن أبي عروبة، فلا ندري ما حاله، حتى نعرف رواته. وقيس بن سعد: هو المكي، أبو عبد الملك، وهو ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/١٥٤. وابن أبي حاتم ٣/٢/٩٩، وابن سعد ٥: ٣٥٥، ولكن ذكر أن كنيته"أبو عبيد الله". وقال: "كان قد خلف عطاء بن أبي رباح في مجلسه". وكنية قيس عند البخاري"أبو عبد الله". والظاهر أن هذا هو الصحيح، لأن الدولابي ذكره في الكنى ٢: ٥٩، في باب"أبو عبد الله".]] . ٢٩٤٤- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" قال: كان الرجل من أصحاب محمد ﷺ يصوم الصيام بالنهار، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء، فإذا رَقَد حرَّم ذلك كله عليه إلى مثلها من القابلة. وكان منهم رجال يَختانون أنفسهم في ذلك، فعفا الله عنهم، وأحل [ذلك] لهم بعد الرقاد وقبله في الليل كله [[الزيادة بين القوسين لا بد منها، استظهرتها من الأثر الذي يليه ومن السياق.]] . ٢٩٤٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان أصحاب النبي ﷺ يصوم الصائم في رمضان، فإذا أمسى -ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو وزاد فيه: وكان منهم رجال يختانون أنفسهم، وكان عمر بن الخطاب ممن اختان نفسه، فعفا الله عنهم، وأحل ذلك لهم بعد الرقاد وقبله، وفي الليل كله. ٢٩٤٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن شَرُوس، عن عكرمة مولى ابن عباس: أن رجلا -قد سَمَّاه [فنسيته]- من أصحاب رسول الله ﷺ من الأنصار، جاء ليلةً وهو صائم، فقالت له امرأته: لا تَنمْ حتى نصنعَ لك طعامًا! فنام، فجاءت فقالت: نمت والله! فقال: لا والله! قالت: بلى والله! فلم يأكل تلك الليلة، وأصبح صائمًا فَغُشى عليه، فأنزلت الرخصة فيه [[الحديث: ٢٩٤٦- إسماعيل بن شروس، أبو المقدام الصنعاني: ذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات، كما في لسان الميزان. وذكره ابن سعد في الطبقات ٥: ٣٩٧، ولم يذكر فيه أكثر من قوله"قد روى عنه". وترجمه ابن أبي حاتم ١/١/١٧٧، ولم يذكر فيه جرحا، والبخاري في الكبير ١/١/٣٥٩-٣٦٠، وذكر أنه يروي عن عكرمة، من قوله - يعني غير متصل، فهو إشارة إلى هذه الرواية، لأنها من قول عكرمة، مرسلة، لم يسندها عن أحد من الصحابة، ثم قال البخاري: "قال عبد الرزاق، عن معمر: كان يثبج الحديث". ونقل مصححه العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني، عن هامش إحدى نسخ التاريخ الكبير: "أي لا يأتي به على الوجه". وهذا هو الصواب في هذا الحرف، أنه"يثبج" من"التثبيج" بالثاء المثلثة والجيم، ففي شرح القاموس ٢: ١٣"يقال ثبج الكتاب والكلام تثبيجا: لم يبينه. وقيل: لم يأت به على وجهه. وقال الليث: التثبيج التخليط". ونقلت هذه الكلمة في لسان الميزان ١: ٤١١ محرفة إلى"يضع الحديث"! وهو تحريف قبيح. فما رمى هذا الرجل بالوضع قط. ولم يذكره البخاري ولا النسائي في الضعفاء. و"شروس": من الأسماء النادرة، ولم أجد نصا على ضبطه، إلا أنه ضبط بالقلم في تفسير عبد الرزاق بفتحة فوق الشين المعجمة وضمة فوق الراء وكسرتين تحت السين المهملة في آخره. ونقل الشيخ عبد الرحمن اليماني هذا الضبط أيضًا عن إحدى نسخ التاريخ الكبير، وأن بهامشها نسخة أخرى مضبوطة بفتحة فوق الشين وأخرى فوق الواو مع سكون فوق الراء. وهذا الحديث مرسل - كما ترى. وهو في تفسير عبد الرزاق، ص: ١٨. ولم أجده في غير هذين الموضعين. وقد زدنا كلمة [فنسيته] ، بعد كلمة"سماه" - من تفسير عبد الرزاق. وكان في المطبوعة"وأنزلت الرخصة"، بالواو بدل الفاء. وأثبتنا الفاء من تفسير عبد الرزاق، إذ هي أجود هنا.]] . ٢٩٤٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"علم الله أنكم كُنتُم تَختانون أنفسكم" وكان بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين غدوة، وركعتين عشية، فأحلّ الله لهم في صيامهم - في ثلاثة أيام، وفي أول ما افترض عليهم في رمضان - إذا أفطروا، وكان الطعام والشرابُ وغشيان النساءَ لهم حلالا ما لم يرقدوا، فإذا رَقَدوا حُرم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة. وكانت خيانة القوم أنهم كانوا يُصيبون أو ينالون من الطعام والشراب وغشيان النساء بعد الرقاد، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثم أحل الله لهم [بعد] ذلك الطعام والشراب وغشيانَ النساء إلى طلوع الفجر [[الأثر: ٢٩٤٧- الذي بين القوسين زيادة لا بد منها. وسياق هذا الأثر فيه بعض الغرابة، ولم أجده بنصه هذا في مكان آخر. ولكن جاء في الدر المنثور ١: ١٩٨ أثر مثله، قال في صدره: "وأخرج عبد حميد وابن جرير عن قتادة"، وساق أثرا يخالفه كل المخالفة في أكثر لفظه، وإن وافقه في بعض المعنى: قال. [كان هذا قبل صوم رمضان، أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، من كل عشرة أيام يوما. وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية. فكان هذا بدء الصلاة والصوم. فكانوا في صومهم هذا، وبعد ما فرض الله رمضان، إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة. وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء والطعام بعد رقادهم، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، فأنزل الله في ذلك من القرآن: "علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم"، الآية] .]] . ٢٩٤٨- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"أحلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" قال: كان الناس قبل هذه الآية إذا رَقَد أحدُهم من الليل رَقْدًة، لم يحلَّ له طعامٌ ولا شرابٌ ولا أن يأتي امرأته إلى الليلة المقبلة، فوقع بذلك بعض المسلمين، فمنهم من أكل بعد هجعته أو شرب، ومنهم من وقع على امرأته، فرخص الله ذلك لهم. ٢٩٤٩- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: كُتب على النصارى رَمَضان، وكُتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يَشربوا بَعد النوم، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كُتب عليهم، فلم يزل المسلمون على ذلك يَصنعون كما تصنع النصارى، حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة، وكان يَعمل في حيطان المدينة بالأجر [[الحيطان جمع حائط: وهو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط، فإذا لم يكن عليه حائط فهو ضاحية، وجمعه الضواحي.]] فأتى أهله بتمر فقال لامرأته: استبدلي بهذا التمر طحينا فاجعليه سَخينةً، لعليّ أن آكله، فإن التمر قد أحرق جَوْفي! فانطلقت فاستبدلت له، ثم صنعتْ فأبطأتْ عليه فنام، فأيقظته، فكره أن يعصي الله ورسوله، وأبى أن يأكل، وأصبح صائما؛ فرآه رسول الله ﷺ بالعشيّ، فقال: ما لك يا أبا قيس! أمسيتَ طليحا؟ [[الطليح: الساقط من الإعياء والجهد والهزال.]] فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية لهُ -في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم- فلما سمع عمر كلام أبي قيس، رَهبَ أن ينزل في أبي قيس شيء، فتذكّرُ هُو، فقام فاعتذر إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله إني أعوذُ بالله إنّي وقعتُ على جاريتي، ولم أملك نفسي البارحة! فلما تكلم عُمر، تكلم أولئك الناس، فقال النبي ﷺ: ما كنتَ جديرًا بذلك يا ابن الخطاب! فنُسِخ ذلك عنهم، فقال:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفث إلى نسائكم هُن لباسٌ لكم وأنتم لباس لهن عَلم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم"، -يقول: إنكم تقعون عليهن خيانةً-"فتابَ عليكم وعفا عنكم فالآنَ باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم" -يقول: جامعوهن، ورجع إلى أبي قيس فقال-:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". ٢٩٥٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم" قال: كانوا في رمضان لا يمسُّون النساءَ ولا يطعمون ولا يشربون بعد أن يناموا حتى الليل من القابلة، فإن مسُّوهن قبل أن يناموا لم يروا بذلك بأسا. فأصاب رجل من الأنصار امرأته بعد أن نام، فقال: قد اختنت نفسي! فنزل القرآن، فأحل لهم النساء والطعام والشرابَ حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال: وقال مجاهد: كان أصحاب محمد ﷺ يصوم الصائمُ منهم في رمضان، فإذا أمسى أكل وشرب وَجامع النساء، فإذا رَقد حرُم عليه ذلك كله حتى كمثلها من القابلة: وكان منهم رجال يختانون أنفسَهم في ذلك، فعفا عنهم وأحلَّ لهم بعد الرقاد وَقبله في الليل، فقال:"أحِلَّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" ... الآية. ٢٩٥١- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية:"أحِلّ لكم ليلة الصيام الرفثُ إلى نسائكم" مثل قول مجاهد -وزاد فيه: أن عمر بن الخطاب قال لامرأته: لا ترقدي حتى أرْجع من عند رسول الله ﷺ. فرقدت قبل أن يرجع، فقال لها: ما أنت براقدة! ثم أصابها، حتى جاء إلى النبي ﷺ فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: نزلت:"وكلوا واشربوا" الآية في أبي قيس بن صرْمة، من بني الخزرج، أكل بعد الرقاد. ٢٩٥٢- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، قال، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن صرمة بن أنس أتى أهله ذات ليلة وهو شيخٌ كبيرٌ، وهو صائم فلم يُهيئوا له طعاما، فوضع رأسه فأغفى، وجاءته امرأته بطعامه فقالت له: كل. فقال: إني قد نمتُ! قالت: إنك لم تنم! فأصبح جائعا مجهودا، فأنزل الله:"وكلوا واشربوا حتى يَتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر". * * * فأما"المباشرة" في كلام العرب، فإنه مُلاقاة بَشَرة ببَشرة، و"بشرة" الرجل: جلدته الظاهرة. * * * وإنما كنى الله بقوله:"فالآنَ باشروهن" عن الجماع. يقول: فالآن إذ أحللتُ لكم الرفثَ إلى نسائكم، فجامعوهن في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهو تبيُّنُ الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. * * * وبالذي قلنا في"المباشرة" قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٥٣- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان= وحدثنا عبد الحميد بن سنان، قال، حدثنا إسحاق، عن سفيان= وحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد، عن سفيان =، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكنّ الله كريمٌ يكني. ٢٩٥٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس نحوه. ٢٩٥٥- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فالآن باشرُوهن" انكحُوهنّ. ٢٩٥٦- حدثني محمد بن سعد، قال حدثني أبي، قال، حدثني عمي، قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: المباشرة النكاحُ. ٢٩٥٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله:"فالآن باشرُوهن" قال: الجماع. وكل شيء في القرآن من ذكر"المباشرة" فهو الجماع نفسه، وقالها عبد الله بن كثير مثل قول عطاء: في الطعام والشراب والنساء. ٢٩٥٨- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة= وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة= عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: المباشرة الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء [[الأثر: ٢٩٥٨- في المطبوعة: "محمد بن مسعدة"، والصواب ما أثبت، وقد سلف في رقم ٢٧٧٤، ٢٨٨٣، وهو حميد بن مسعدة بن المبارك الباهلي البصري. ذكره ابن حبان في الثقات. وتوفي سنة ٢٤٤.]] . ٢٩٥٩- حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال، حدثنا هشيم، قال أبو بشر، أخبرنا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله. ٢٩٦٠- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد، قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"فالآن بَاشروهن" يقول: جامعوهن. ٢٩٦١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المباشرةُ الجماع. ٢٩٦٢- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد، قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء مثله. ٢٩٦٣- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن الأوزاعي، قال، حدثني عبدة بن أبي لبابة قال: سمعت مجاهدا يقول: المباشرة، في كتاب الله، الجماع. ٢٩٦٤- حدثنا ابن البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال، قال الأوزاعي: حدثنا من سمع مجاهدا يقول: المباشرة في كتاب الله، الجماع. * * * واختلفوا في تأويل قوله:"وابتغوا مَا كتب الله لكم" فقال بعضهم: الولد. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٦٥- حدثني عبدة بن عبد الله الصفَّار البصري قال، حدثنا إسماعيل بن زياد الكاتب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد [[الخبر: ٢٩٦٥- عبدة بن عبد الله بن عبدة الصفار: ثقة من شيوخ البخاري. وهو من نوادر الشيوخ الذين روى عنهم في صحيحه وهم أحياء. لأنه مات سنة ٢٥٨، أي بعد البخاري بسنتين. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣/١/٩٠، ورجال الصحيحين، ص: ٣٣٦. إسماعيل بن زياد الكاتب: لم أعرف من هو يقينا، وفي هذه الترجمة بضع شيوخ في التهذيب ١: ٢٩٨-٣٠١، ولسان الميزان ١: ٤٠٥-٤٠٧، ولكني أكاد أرجح أنه هو الذي روى له ابن ماجه حديثا: ١٣١٤، عن ابن جريج، باسم"إسماعيل بن زياد" دون لقب أو وصف.]] . ٢٩٦٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا سهل بن يوسف وأبو داود، عن شعبة قال: سمعت الحكم:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد. ٢٩٦٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا عبيد الله، عن عكرمة قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد. ٢٩٦٨- حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل، حدثنا أبو مودود بحر بن موسى قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن يقول في هذه الآية:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد. ٢٩٦٩- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدى:"وابتغوا ما كتب الله لكم" فهو الولد. ٢٩٧٠- حدثني محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثني عمي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وابتغوا ما كتب الله لكم" يعني: الولدَ. ٢٩٧١- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد، فإنْ لم تلد هذه فهذه. ٢٩٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه. ٢٩٧٣- حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عمن سمع الحسن في قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: هو الولد. ٢٩٧٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: ما كتب لكم من الولد. ٢٩٧٥- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:" وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الجماع. ٢٩٧٦- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: الولد [[الخبر: ٢٩٧٦-"الحسين بن الفرج": ثبت هنا في المطبوعة"الحسن بن الفرج"، وهو خطأ تكرر مرارا، منها: ٢٧١٩. ولا نرى داعيا لتكرار التنبيه عليه بعد.]] . * * * وقال بعضهم: معنى ذلك ليلة القدر. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٧٧- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: ليلةُ القدر. قال أبو هشام: هكذا قرأها معاذ. ٢٩٧٨- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال، حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" قال: ليلة القدر [[الخبران: ٢٩٧٧-٢٩٧٨- عمرو بن مالك، في الإسنادين: هو النكري، بضم النون وسكون الكاف، نسبة إلى"بني نكرة" من عبد القيس. وهو ثقة. أبو الجوزاء: هو أوس بن عبد الله الربعي، وهو تابعي ثقة معروف، أخرج له الشيخان، وسائر أصحاب الكتب الستة. وقد بينا حاله وحال عمرو بن مالك الراوي عنه، في شرح المسند: ٢٦٢٣. "الربعي": بفتح الراء والباء، نسبة إلى"ربعة الأزد"، كما في اللباب لابن الأثير ١: ٤٥٩.]] . وقال آخرون: بل معناه: ما أحله الله لكم ورخصه لكم. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٧٩- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وابتغوا ما كتب الله لكم" يقول: ما أحله الله لكم. ٢٩٨٠- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة في ذلك: ابتغوا الرخصة التي كتبتُ لكم. * * * وقرأ ذلك بعضهم: ﴿وَاتَّبِعُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ * ذكر من قال ذلك: ٢٩٨١- حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية:"وابتغوا" أو"اتبعوا"؟ قال: أيتهما شئت! قال: عليك بالقراءة الأولى. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره قال:"وابتغوا" - بمعنى: اطلبوا-"ما كتب الله لكم" يعني" الذي قَضَى الله تعالى لَكم. وإنما يريد الله تعالى ذكره: اطلبوا الذي كتبتُ لكم في اللوح المحفوظ أنه يُباح فيطلقُ لكم وطلب الولد إنْ طلبه الرجل بجماعه المرأةَ، مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، وكذلك إن طلب ليلةَ القدر، فهو مما كتب الله له، وكذلك إن طلب ما أحلَّ الله وأباحه، فهو مما كتبه له في اللوح المحفوظ. وقد يدخل في قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" جميعُ معاني الخير المطلوبة، غيرَ أن أشبه المعاني بظاهر الآية قول من قال: معناه وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد، لأنه عَقِيبُ قوله:"فالآن باشرُوهن" بمعنى: جامعوهنّ، فَلأنْ يكون قوله:"وابتغوا ما كتب الله لكم" بمعنى: وابتغوا ما كتب الله في مباشرتكم إياهن من الولد والنسل، أشبهُ بالآية من غيره من التأويلات التي ليس على صحتها دلالة من ظاهر التنزيل، ولا خبرٌ عن الرسول ﷺ. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود من الفجر". * * * فقال بعضهم: يعني بقوله:"الخيط الأبيض"، ضوءَ النهار، وبقوله:"الخيطِ الأسود" سوادَ الليل. فتأويله على قول قائلي هذه المقالة: وكلوا بالليل في شهر صَوْمكم، واشربوا، وبَاشروا نساءكم مبتغينَ ما كتب الله لكم من الولد، من أول الليل إلى أن يقع لكم ضوءُ النهار بطلوع الفجر من ظلمة الليل وسواده. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٨٢- حدثني الحسن بن عرفة قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا أشعث، عن الحسن في قول الله تعالى ذكره:"حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" قال: الليل من النهار. ٢٩٨٣- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" قال: حتى يتبين لكم النهار من الليل،"ثم أتموا الصيام إلى الليل". ٢٩٨٤- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وكلوا واشرَبوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل" فهما عَلَمان وحدَّان بَيِّنان فلا يمنعكم أذانُ مُؤذِّن مُراءٍ أو قليل العقل من سَحُوركم، فإنهم يؤذنون بهجيع من الليل طويل. وقد يُرى بياضٌ ما على السحر يقال له:"الصبح الكاذب" كانت تسميه العرب، فلا يمنعكم ذلك من سَحوركم، فإن الصبح لا خفاء به: طريقةٌ مُعترِضة في الأفق، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الصبح، فإذا رأيتم ذلك فأمسكوا [[الأثر: ٢٩٨٤- الهجيع: الطائفة من الليل. يقال: مر هجيع -أو هزيع- من الليل، أي ساعة وطائفة منه. والسحر الثلث الآخر من الليل قبيل طلوع الفجر. والطريقة: الخط الممتد في الشيء يكون ظاهرا باختلاف لون، أو اختلاف ظاهر.]] . ٢٩٨٥- حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود منَ الفجر" يعني الليل من النهار، فأحلَّ لكم المجامعة والأكل والشربَ حتى يتبين لكم الصبح، فإذا تبين الصبحُ حرِّم عليهم المجامعة والأكل والشربُ حتى يُتمُّوا الصيامَ إلى الليل. فأمر بصوم النهار إلى الليل، وأمر بالإفطار بالليل. ٢٩٨٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، وقيل له: أرأيتَ قولَ الله تعالى:"الخيط الأبيضُ من الخيط الأسْود من الفجر"؟ قال: إنك لعريض القفا، قال: هذا ذهابُ الليل ومجيءُ النهار. قيل له: الشعبي عن عدي بن حاتم؟ قال: نعم، حدثنا حصين [[الحديث: ٢٩٨٦- حصين: هو ابن عبد الرحمن السلمي، الثقة المأمون، من كبار أئمة الحديث. مضت له رواية في: ٥٧٩. وهذا الحديث اختصره أبو بكر بن عياش جدا، وحذف إسناده حين حدث به، ثم سئل عنه، فبين أنه سمعه من حصين عن الشعبي عن عدي بن حاتم. وسيأتي: ٢٩٨٧، ٢٩٨٩ مختصرا، و ٢٩٨٨ مطولا، ولكنه ثابت في الصحيحين وغيرهما، مطولا بسياق صحيح واضح: فرواه أحمد في المسند ٤: ٣٧٧ (حلبي) عن هشيم: "أخبرنا حصين، عن الشعبي، أخبرنا عدي بن حاتم، قال: لما نزلت هذه الآية (فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ، قال: عمدت إلى عقالين، أحدهما أسود، والآخر أبيض، فجعلتهما تحت وسادي، قال: ثم جعلت أنظر إليهما، فلا يتبين لي الأسود من الأبيض، ولا الأبيض من الأسود، فلما أصبحت غدوت على رسول الله ﷺ، فأخبرته بالذي صنعت، فقال: إن كان وسادك إذًا لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل". وقول عدي: "لما نزلت هذه الآية"، يريد: لما تليت عليه عند إسلامه، لأن فرض الصوم كان في أوائل الهجرة، وعدي أسلم بعد ذلك بدهر، في السنة التاسعة أو العاشرة. ورواه البخاري ٤: ١١٣ (فتح) ، من طريق هشيم، ورواه مسلم ١: ٣٠١، وأبو داود: ٢٣٤٩- كلاهما من طريق عبد الله بن إدريس، عن حصين. ورواه البخاري ٨: ١٣٧ (فتح) مختصرا، من طريق أبي عوانة، عن حصين. وذكره ابن كثير ١: ٤٢١، من رواية أحمد، ثم قال: "أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، عن عدي". وذكره السيوطي ١: ١٩٩، وزاد نسبته لسفيان بن عيينة، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والترمذي، وابن المنذر، والبيهقي. قوله: "عريض القفا"، كناية عن السمن وطول النوم. وذلك دليل على الغفلة والركود.]] . * * * وعلَّة من قال هذه المقالة، وتأوَّل الآية هذا التأويل ما: ٢٩٨٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن غياث، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت يا رسول الله، قول الله:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر"؟ قال: هو بياض النهار وسوادُ الليل. [[الحديث: ٢٩٨٧- مجالد بن سعيد: مضت ترجمته في: ١٦١٤. والحديث تكرار للذي قبله في معناه.]] . ٢٩٨٨- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن نمير وعبد الرحيم بن سليمان، عن مجالد بن سعيد، عن عامر، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله ﷺ فعلَّمني الإسلام، ونَعت ليَ الصلوات، كيفَ أصَلي كلَّ صلاة لوقتها، ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيامَ إلى الليل. ولم أدر ما هو، ففعلتُ خَيطين من أبيض وأسود، فنظرت فيهما عند الفجر، فرأيتهما سواءً. فأتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظتُ، غير"الخيط الأبيض من الخيط الأسود"! قال: وما منعك يا ابن حاتم؟ وتبسَّم كأنه قد علم ما فعلت. قلتُ: فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرتُ فيهما من الليل فوجدتهما سواء! فضحك رسول الله ﷺ حتى رُئي نَواجذُه، ثم قال: ألم أقلْ لك"من الفجر"؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل [[الحديث: ٢٩٨٨- مجالد بن سعيد، ثبت في المطبوعة هنا محرفا: "مجالد عن سعيد"؛ وهذا السياق المطول ذكره السيوطي ١: ١٩٩، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم، فقط. ورواه أحمد في المسند ٤: ٣٧٧ (حلبي) ، عن يحيى، وهو القطان، عن مجالد، عن عامر، وهو الشعبي. ولكنه مختصر قليلا عما هنا.]] . ٢٩٨٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مالك بن إسماعيل قال، حدثنا داود وابن علية جميعا، عن مطرِّف، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: قلت لرسول الله ﷺ: ما"الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود" أهما خيطان أبيض وأسود؟ فقال: وإنك لعَريضُ القفا إن أبصرْت الخيطين. ثم قال: لا ولكنه سوادُ الليل وبياضُ النهار. [[الحديث: ٢٩٨٩- مالك بن إسماعيل بن زياد بن درهم، أبو غسان النهدي: حافظ ثقة. من شيوخ البخاري وغيره من الأئمة. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/١/٣١٥، وابن سعد ٦: ٢٨٢، وابن أبي حاتم ٤/١/٢٠٦-٢٠٧. داود، شيخ مالك بن إسماعيل: لم أستطع معرفته، ففي هذه الطبقة ممن يسمى"داود" كثرة. وأيا ما كان فالحديث صحيح، من جهة رواية ابن علية معه عن مطرف. مطرف: هو ابن طريف الحارثي، مضت ترجمته في: ٢٢٤. والحديث مختصر - كما أشرنا آنفًا. وقد رواه البخاري ٨: ١٣٧، عن قتيبة بن سعيد، عن جرير، وهو ابن عبد الحميد الضبي، عن مطرف، بهذا الإسناد، نحوه.]] . ٢٩٩٠- حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد، قال: نزلت هذه الآية:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود" فلم ينزل"من الفجر" قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيطَ الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبَّين له. فأنزل الله بعد ذلك:"من الفجر" فعلموا إنما يعني بذلك الليلَ والنهارَ [[الحديث: ٢٩٩٠- أحمد بن عبد الرحيم البرقي: هو أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، مضى في: ٢٢، ١٦٠. ابن أبي مريم: هو سعيد بن الحكم، ثقة معروف، أخرج له أصحاب الكتب الستة، مضى في: ٢٢. أبو غسان: هو محمد بن مطرف -بكسر الراء المشددة- الليثي المدني، أحد العلماء الأثبات، روى له أصحاب الكتب الستة. أبو حازم: هو سلمة بن دينار الأعرج التمار، المدني، تابعي ثقة، لم يكن في زمانه مثله. والحديث رواه البخاري ٤: ١١٤-١١٥، و ٨: ١٣٧، عن ابن أبي مريم، بهذا الإسناد. ورواه مسلم ١: ٣٠١، عن شيخين، عن ابن أبي مريم. ورواه أيضًا النسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، كما في الدر المنثور ١: ١٩٩.]] . * * * وقال متأولو قول الله تعالى ذكره:"حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" أنه بياض النهار وسواد الليل-: صفة ذلك البياض أن يكون منتشرا مستفيضا في السماء يملأ بياضه وضوءُهُ الطرق، فأما الضوء الساطع في السماء، فإن ذلك غير الذي عناه الله بقوله:"الخيط الأبيض من الخيط الأسود". * ذكر من قال ذلك: ٢٩٩١- حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير، عن أبي مجلز: الضوء الساطعُ في السماء ليس بالصبح، ولكن ذاك"الصبح الكاذب"، إنما الصبح إذا انفضح الأفق [[فضحه الصبح: دهمته فضحة الصبح، وهي بياضه فكشفه وبينه للأعين بضوئه. والأفضح: الأبيض ليس شديد البياض.]] . ٢٩٩٢- حدثني سَلْم بن جنادة السوائي قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، قال: لم يكونوا يعدُّون الفجر فجرَكم هذا، كانوا يعدُّون الفجرَ الذي يملأ البيوتَ والطرُق [[الأثر: ٢٩٩٢- في المطبوعة: "مسلم بن جنادة" والصواب ما أثبت، وانظر ما سلف رقم: ٤٨، ومواضع أخرى كثيرة.]] . ٢٩٩٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن مسلم: ما كانوا يرون إلا أنّ الفجر الذي يَستفيض في السماء. ٢٩٩٤- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: هما فجران، فأما الذي يسطَع في السماء فليس يُحِلّ ولا يُحرّم شيئا، ولكن الفجر الذي يستبين على رءوس الجبال هو الذي يحرِّم الشراب. ٢٩٩٥- حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي قال، حدثنا أبو أسامة، عن محمد بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، قال: [قال رسول الله ﷺ] : الفجر فجران، فالذي كأنه ذنَب السِّرحان لا يحرّم شيئا، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يُحل الصلاة ويُحرّم الصوم. [[الخبر: ٢٩٩٥- الحسن بن الزبرقان النخعي، شيخ الطبري: ترجمه ابن أبي حاتم ١/٢/١٥، قال: "الحسن بن الزبرقان الكوفي، سكن قزوين، ويكنى بأبي الخزرج. روى عن مندل بن علي، وشريك، وفضيل بن عياض، والمطلب بن زياد، ومحمد بن صبيح السماك. روى عنه أبي، والفضل بن شاذان. سئل أبي عنه، فقال: هو شيخ". ولم أجد له ترجمة عند غيره. أبو أسامة: هو حماد بن أسامة بن زيد الكوفي، ثقة حافظ ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة. محمد بن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، القرشي العامري المدني، نسب إلى جده الأعلى، وهو إمام ثقة حافظ، يقرن بمالك أو يفضل عليه. وثبت في المطبوعة هنا"محمد بن أبي ذؤيب"؛ وهو خطأ بين. الحارث بن عبد الرحمن القرشي العامري -من أنفسهم- المدني: ثقة، وهو خال"ابن أبي ذئب"، وهو أيضًا ابن عم أبيه، كما في نسب قريش، ص: ٤٢٣. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي العامري -مولاهم- المدني: تابعي ثقة معروف، قال أبو حاتم"لا يسأل عن مثله". وقد زدنا بين قوسين، عقب قوله"عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال" - (قال رسول الله ﷺ) ، لأنه هكذا نقله ابن كثير ١: ٤٢٤، عن هذا الموضع من الطبري، بهذه الزيادة، فيكون حديثا مرسلا. وهكذا قال ابن كثير، عقب نقله: "وهذا مرسل جيد". يريد: جيد الإسناد إلى ابن ثوبان التابعي، ولكنه لا يكون صحيحا مرفوعا، لأن المرسل لا تقوم به حجة. وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ٤: ٢١٥، من طريق ابن وهب، عن ابن أبي ذئب، بهذا الإسناد. من رواية ابن ثوبان عن رسول الله ﷺ، مرفوعا، مرسلا. وكذلك ذكره السيوطي ١: ٢٠٠"عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان: أنه بلغه أن رسول الله ﷺ قال. . ". ثم قال السيوطي: "وأخرجه الحاكم من طريقه، عن جابر، موصولا"، وكذلك ذكر البيهقي أنه"قد روى موصولا، بذكر جابر بن عبد الله فيه". وقد جهدت أن أجده في المستدرك، فخفي على موضعه. ويكون ما وقع من الناسخين، في الطبري هنا، من حذف (قال رسول الله ﷺ) - خطأ يقينا. إذ يكون حينئذ موقوفا على ابن ثوبان. وقد تضافرت الدلائل على أنه عن ابن ثوبان، مرفوعا مرسلا، في رواية الطبري ورواية غيره. والسرحان: الذئب. وذلك كناية عن استطالته وامتداده.]] . ٢٩٩٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وإسماعيل بن صبيح وأبو أسامة، عن أبي هلال، عن سَوادة بن حنظلة، عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله ﷺ:"لا يمنعكم من سَحُوركم أذانُ بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجرُ المستطيرُ في الأفق" [[الحديث: ٢٩٩٦- إسماعيل بن صبيح- بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة - اليثكري الكوفي: ثقة مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ١/١/١٧٨. أبو هلال: هو الراسبي محمد بن سليم، وهو ثقة. سوادة بن حنظلة القشيري البصري: تابعي ثقة. والحديث رواه أحمد في المسند ٥: ١٣-١٤ (حلبي) ، عن وكيع، بهذا الإسناد، نحوه. وكذلك رواه الترمذي ٢: ٣٩، من طريق وكيع. . وسيأتي مزيد تخريجه، في الحديث بعده.]] . ٢٩٩٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام الأسدي قال، حدثنا شعبة، عن سوادة قال: سمعت سمرة بن جندب يذكر عن النبي ﷺ أنه سمعه وهو يقول:"لا يغرنّكم نداء بلال ولا هذا البياضُ حتى يبدوَ الفجرُ وَينفجر" [[الحديث: ٢٩٩٧- معاوية بن هشام الأسدي القصار: ثقة، وثقه أبو داود وابن حبان. و"الأسدي" بفتح السين، لأنه"مولى بني أسد"، كما في ابن سعد ٦: ٢٨٢، والتقريب، وكذلك ثبت في الصحيحين: ٩٢. ووقع في التهذيب والخلاصة"الأزدي" بالزاي، هو خطأ. وهذا الحديث في معنى الذي قبله. وقد رواه أبو داود الطيالسي: ٨٩٧، عن شعبة، بهذا الإسناد، نحوه. وكذلك رواه النسائي ١: ٣٠٥، من طريق الطيالسي. ورواه أحمد في المسند ٥: ٧ (حلبي) : "حدثنا محمد بن جعفر، وروح، قالا: حدثنا شعبة، عن شيخ من بني قشير، قال روح: قال (يعني شعبة) : سمعت سوادة القشيري، وكان إمامهم" فذكر الحديث. ورواه مسلم ١: ٣٠٢، من طريق معاذ، وهو العنبري، ومن طريق أبي داود، وهو الطيالسي - كلاهما عن شعبة. وقد سقط في هذا الموضع إسنادان آخران لهذا الحديث، ذكرهما ابن كثير ١: ٤٢٣. فرأينا إثباتهما، تماما لنص أبي حعفر ما استطعنا: قال ابن كثير: "وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنَّى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن شيخ من بني قُشَيْر سمعت سمُرة بن جَندُب يقول: قال رسول الله ﷺ: لا يَغُرنَّكم نداءُ بلال وهذا البياض، حتى ينفجر الفجر، أو يطلع الفجر". "ثم رواه من حديث شعبة وغيره، عن سَوادَةَ بن حنظلة، عن سمرة، قال: قال رسول الله ﷺ: لا يمنعنَّكم من سَحُوركم أذانُ بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطيرُ في الأفق". وهذا هو لفظ الحديث: ٢٩٩٦ هنا، ولكنه من غير طريق شعبة. ثم قال ابن كثير، نقلا عن أبي جعفر: "قال: وحدثني يعقوب بن إبراهيم، [عن] ابن علية، عن عبد الله بن سَوَادَةَ القُشَيْرِي، عن أبيه، عن سَمُرة بن جُنْدَُب، قال: قال رسول الله ﷺ: لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال، ولا هذا البياض، لِعَمُود الصبح، حتى يَسْتَطِيرَ". فهذان الإسنادان اللذان لم يذكرا هنا، ثابتان في ابن كثير نقلا عن ابن جرير. والأول منهما يوافق رواية أحمد في المسند -التي ذكرنا آنفًا- عن محمد بن جعفر عن شعبة، التي أبهم فيها"شيخ من بني قشير". والثاني منهما: وقع فيه خطأ مطبعي في ابن كثير، لأن الطبري يرويه عن يعقوب بن إبراهيم، وهو الدورقي الحافظ، عن ابن علية، عن عبد الله بن سوادة، عن أبيه. فسقط في مطبوعة ابن كثير حرف [عن] فزدناه ضرورة. لأن الحديث ثابت من رواية ابن علية، وهو"إسماعيل بن إبراهيم" المعروف بابن علية. والحديث ثابت من رواية ابن علية: فرواه مسلم ١: ٣٠٢، عن زهير بن حرب، "حدثنا إسماعيل ابن علية. . ". وكذلك رواه الحاكم في المستدرك ١: ٤٢٥، من طريق مسدد، "حدثنا ابن علية". وعبد الله بن سوادة القشيري -شيخ ابن علية في هذا الإسناد-: ثقة، كما بينا في تخريج حديث آخر مضى، برقم: ٢٧٩٢. والحديث رواه أيضًا أحمد في المسند ٥: ١٨ (حلبي) ، عن يزيد بن هارون، عن شعبة. ورواه الطيالسي أيضًا: ٨٩٨، عن محمد بن مسلم، قال: "حدثنا سوادة بن حنظلة القشيري. . ". ورواه أيضًا مسلم ١: ٣٠٢، وأبو داود: ٢٣٤٦، والبيهقي ٤: ٢١٥- ثلاثتهم من طريق حماد بن زيد، عن عبد الله بن سوادة، عن أبيه.]] . * * * وقال آخرون: الخيطُ الأبيض: هو ضوء الشمس، والخيط الأسود: هو سوادُ الليل. * ذكر من قال ذلك: ٢٩٩٨- حدثنا هنّاد بن السري قال، حدثنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، قال: سافر أبي مع حُذيفة قال: فسار حتى إذا خشينا أن يفجأنا الفجرُ قال: هل منكم من أحد آكلٍ أو شاربٍ؟ قال: قلت له: أمّا من يريد الصومَ فلا. قال: بلى! قال: ثم سار حتى إذا استبطأنا الصلاة نزل فتسحَّر [[الخبر: ٢٩٩٨- هذا موقوف على حذيفة بن اليمان، وإسناده صحيح. إلا أنه وقع في المطبوعة خطأ في موضعين. وسيأتي عقب هذا موقوفا بإسنادين آخرين. ثم يأتي معناه مرفوعا، من حديث حذيفة نفسه: ٣٠١١-٣٠١٤. هناد بن السري - شيخ الطبري في هذا الإسناد: وقع في المطبوعة"هشام بن السري"؛ وهو خطأ يقينا، ليس من راو بهذا الاسم -فيما علمنا- وإنما هو"هناد". وقد ترجمنا له في: ٢٠٥٨. عبيدة -بفتح العين- بن حميد، بضم الحاء المهملة: مضى في: ٢٧٨١، ووقع في المطبوعة"عبادة بن حميد"؛ وهو خطأ أيضًا. إبراهيم التيمي: هو إبراهيم بن يزيد بن شريك، وهو وأبوه تابعان ثقتان، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة. وظاهر هذا الإسناد الانقطاع، لأن إبراهيم التيمي لم يدرك حذيفة، ولم يشهد سفر أبيه معه. ولكن تبين من الإسنادين بعده أنه روى ذلك عن أبيه، فاتصل الإسناد.]] . ٢٩٩٩- حدثنا هناد وأبو السائب، قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان، فلما طلع الفجر، قال: هل منكم من أحد آكل أو شارب؟ قلنا: أمَّا رجل يريدُ أن يصوم فلا. قال: لكنّي! قال: ثم سرنا حتى استبطأنا الصلاة، قال: هل منكم أحد يريد أن يتسحَّر؟ قال: قلنا أمّا من يريد الصومَ فلا. قال: لكنّي! ثم نزل فتسحَّر، ثم صلى [[الخبر: ٢٩٩٩- إسناده صحيح متصل. وقوله: "لكني"، اختصار قوله: لكني أريد الصوم، مثل ذلك كثير في كلامهم.]] . ٣٠٠٠- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر، قال: ربما شربت بعد قول المؤذن - يعني في رمضان -:"قد قامت الصلاة". قال: وما رأيت أحدًا كان أفعلَ له من الأعمش، وذلك لما سمع، قال: حدثنا إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا مع حذيفة نسير ليلا فقال: هل منكم متسحِّرٌ الساعة؟ قال: ثم سار، ثم قال حذيفة: هل منكم متسحِّر الساعة؟ قال: ثم سار حتى استبطأنا الصلاة، قال: فنزل فتسحّر [[الخبر: ٣٠٠٠- هذا إسناد صحيح متصل أيضًا. أبو بكر: هو ابن عياش، وقد مضى مرارا، منها: ٢١٥٠. وهذا الإسناد صريح في سماعه من الأعمش، ورؤيته إياه يفعل ما حكى من سحوره بعد الأذان. وقال الحافظ في الفتح ٤: ١١٧"وذهب جماعة من الصحابة، وبه قال الأعمش من التابعين، وصاحبه أبو بكر بن عياش -: إلى جواز السحور إلى أن يتضح الفجر". وقال أيضًا: "وقد روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق - ذلك عن حذيفة، من طرق صحيحة". وانظر لهذه المسألة - المحلى لابن حزم، في المسألة: ٧٥٦ (ج ٧ ص ٢٢٩-٢٣٥) . وسيأتي مزيد تخريج، عند حديثه المرفوع: ٣٠١١-٣٠١٣، إن شاء الله.]] . ٣٠٠١- حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة، عن علي: أنه لما صلى الفجرَ قال: هذا حين يتبيّن الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [[الخبر: ٣٠٠١- هارون بن إسحاق الهمداني، شيخ الطبري: كوفي حافظ ثقة، من شيوخ البخاري في غير الصحيح، والترمذي، والنسائي، وغيرهم من الأئمة. مترجم في التهذيب، وابن سعد ٦: ٢٨٩، وابن أبي حاتم ٤/٢/٨٧-٨٨. وهو من الشيوخ الذين روى عنهم البخاري وهم أحياء، مات سنة ٢٥٨، بعد البخاري بسنتين. مصعب بن المقدام: مضت ترجمته: ١٢٩١. هبيرة - بضم الهاء: هو ابن يريم، بفتح الياء التحتية وكسر الراء، الشبامي، بكسر الشين المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف ميم، نسبة إلى"شبام"، وهو"عبد الله بن أسعد بن جثم بن حاشد"، قال ابن سعد: "وسمي شبام، بجبل لهم". ووقع في التهذيب والتقريب والخلاصة"الشيباني"، وهو تصحيف. وهبيرة: تابعي ثقة، تكلم فيه بعضهم، لم يرو عنه غير أبي إسحاق السبيعي، وهو خال العالية امرأة أبي إسحاق. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/٢/٢٤١، وابن سعد ٦: ١١٨، وابن أبي حاتم ٤/٢/١٠٩-١١٠. وهذا الخبر سيأتي بإسناد آخر، بنحوه: ٣٠١٠. وقد ذكره الحافظ في الفتح ٤: ١١٧، قال: "روى ابن المنذر بإسناد صحيح، عن علي: أنه صلى الصبح ثم قال: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود". ولكن ذكره السيوطي ١: ١٩٩، بنحوه، بلفظ"أنه قال حين طلع الفجر. . "! ونسبه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير. وأنا أكاد أرجح أن قوله"طلع الفجر" تحريف من الناسخين، لأن روايتي الطبري، هذه والآتية، فيهما"صلى الفجر"، وأيده ما نقله الحافظ من رواية ابن المنذر.]] . ٣٠٠٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن الصلت قال، حدثنا إسحاق بن حذيفة العطار، عن أبيه، عن البراء، قال: تسحرت في شهر رمضان، ثم خرجت فأتيت ابن مسعود، فقال: اشربْ. فقلت: إنّي قد تسحَّرت! فقال: اشرب! فشربنا، ثم خرجنا والناس في الصلاة [[الخبر: ٣٠٠٢- هذا إسناد مشكل، لا أدري ما هو؟ فابن الصلت: يدور بين اثنين في هذه الطبقة، "محمد بن الصلت بن الحجاج الأسدي"، و"محمد بن الصلت التوزي". فلا أدري أيهما هو؟ أم هو غيرهما. وإسحاق بن حذيفة العطار، وأبوه: لم أجد لهما ترجمة، ولا ذكرا، في شيء مما بين يدي من المراجع. وأخشى أن يكون فيهما معا تحريف، فلئن تركوا ترجمة"إسحاق" ليبعدن أن يتركوا ترجمة أبيه، وهو في ظاهر هذا الإسناد تابعي، يروي عن صحابي، وهو البراء بن عازب. وانظر الخبر الذي بعده.]] . ٣٠٠٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن جبله بن سحيم، عن عامر بن مطر، قال: أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرجَ فضلا من سَحُوره، فأكلنا معه، ثم أقيمت الصلاة فخرجنا فصلينا [[الخبر: ٣٠٠٣- أما هذا فإسناده صحيح. الشيباني: هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان، مضت ترجمته: ١٠٣٧. جبلة بن سحيم - بضم السين المهملة، التيمي الشيباني: تابعي ثقة، ينسب إلى"تيم بن شيبان"، فهو"تيمي"، و"شيباني". عامر بن مطر الشيباني: تابعي ثقة. مترجم في ابن سعد ٦: ٨٢، وابن أبي حاتم ٣/١/٣٢٨، ولسان الميزان ٣: ٢٢٥. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الحكم بن بشير، قال: "أبو مطر، الذي يروي عنه جبلة بن سحيم: هو عامر بن مطر، شيباني، رجل له شأن في المسلمين". وهذا الخبر رواه ابن حزم في المحلى ٧: ٢٣٣، من طريق ابن أبي شيبة: "حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني - هو أبو إسحاق. . " فذكره، بهذا الإسناد، نحوه. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٣: ١٥٤ مختصرا، هكذا: "وعن مطر الشيباني، قال: تسحرنا مع عبد الله، ثم خرجنا فأقيمت الصلاة، رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح". فسمى التابعي"مطر الشيباني". وهو تحريف -فيما أرجح- فليس في الرواة من هذا اسمه. وما أدري: التحريف من رواة الطبراني، أم من الهيثمي، أم من ناسخ أو طابع؟ ولكنه -عندي- تحريف على كل حال.]] . ٣٠٠٤- حدثنا خلاد بن أسلم قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل، عن سالم مولى أبي حذيفة قال، كنت أنا وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان، فأتيت ذات ليلة فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله ﷺ؟ فأومأ بيده: أنْ كُفَّ، ثم أتيته مرة أخرى، فقلت له: ألا تأكلُ يا خليفة رسول الله؟ فأومأ بيده: أنْ كُف. ثم أتيته مرة أخرى، فقلت: ألا تأكل يا خليفةَ رسول الله؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده: أنْ كُفّ. ثم أتيته فقلت: ألا تأكل يا خليفة رسول الله؟ قال: هات غَداءك! قال: فأتيته به فأكل، ثم صلى ركعتين، ثم قام إلى الصلاة [[الخبر: ٣٠٠٤- هذا إسناد ضعيف، لانقطاعه. خلاد بن أسلم، أبو بكر الصفار، شيخ الطبري: ثقة، من شيوخ عبد الله بن أحمد، والترمذي والنسائي، مات في جمادى الآخرة سنة ٢٤٩. مترجم في التهذيب، والصغير للبخاري ص: ٢٣٧، وتاريخ بغداد ٨: ٣٤٢-٣٤٣. عبد الله بن معقل -بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف - بن مقرن - بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة- المزني: تابعي ثقة، يروي عن أبيه، وهو صحابي، وعن علي، وابن مسعود، وغيرهم. ولكنه لم يدرك أن يروي عن سالم مولى أبي حذيفة، لأنه مات سنة ٨٨، وسالم قتل باليمامة سنة ١٢ في خلافة أبي بكر. ولذلك تعقب الحافظ ابن حجر في التهذيب، ما ذكره أصله، فقال: "وأطلق المؤلف روايته عن سالم مولى أبي حذيفة. والظاهر أنها مرسلة، لأنه قتل باليمامة". وابن معقل هذا مترجم في التهذيب. والصغير للبخاري، ص: ٩٣-٩٤، وابن سعد ٦: ١٢١-١٢٢، والإصابة ٥: ١٤٤. ووقع في المطبوعة هنا"عبيد الله"، بالتصغير، وهو خطأ. سالم مولى أبي حذيفة: صحابي قديم الموت، كما قلنا آنفًا. وهو الذي وردت في شأنه سنة إرضاع الكبير. وهو مولى ثبيتة بنت يعار الأنصارية زوج أبي حذيفة، هي التي أعتقته، فتولى أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي زوجها. قال ابن سعد: "فسالم يذكر في الأنصار في بني عبيد، لعتق ثبيتة بنت يعار إياه، ويذكر في المهاجرين، لموالاته لأبي حذيفة". وهو مترجم في الكبير ٢/٢/١٠٨، والصغير، ص: ٢١، ٢٢، وابن سعد ٣/١/٦٠-٦٢، وابن أبي حاتم ٢/١/١٨٩، والإصابة ٣: ٥٦-٥٧. وقال ابن أبي حاتم: "لا أعلم روى عنه". وتعقبه الحافظ في الإصابة، فذكر له رواية حديثين مرفوعين، ثم قال: "وفي السندين جميعا ضعف وانقطاع. فيحمل كلام ابن أبي حاتم على أنه لم يصح عنه شيء". ولم يذكر الحافظ رواية الطبري هذه، وهي منقطعة أيضًا. وهذا الخبر ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٤: ١٥٤، مختصرا قليلا، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح". هكذا قال، فلم يشر إلى علته بالانقطاع، إلا أن يكون إسناد الطبراني متصلا براو آخر فوق عبد الله بن معقل، فلعل. ولكني لا أظن ذلك. نعم ذكر الحافظ في الفتح ٤: ١١٧، أن ابن المنذر"روى بإسناد صحيح، عن سالم بن عبيد الأشجعي، وله صحبة: أن أبا بكر قال له: اخرج فانظر هل طلع الفجر؟ قال: فنظرت ثم أتيته، فقلت: قد ابيض وسطع، ثم قال: اخرج فانظر هل طلع؟ فنظرت فقلت: قد اعترض، فقال: الآن أبلغني شرابي". فهذا سالم بن عبيد صحابي معروف من أهل الصفة. والرواية عنه تأتي من وجه آخر غير رواية سالم مولى أبي حذيفة. فإن كان الإسناد إليه صحيحا كما قال الحافظ، فهو ذلك، إلا أن يكون ذكر سالم بن عبيد" خطأ من بعض الرواة، فليس عندي بيان آخر عن إسناد ابن المنذر. وقد روى ابن حزم في المحلى ٦: ٢٣٢، نحو هذا المعنى، بألفاظ أخر، عن أبي بكر: فقال ابن حزم: "روينا من طريق معمر، عن أبان، عن أنس، عن أبي بكر الصديق، أنه قال: إذا نظر الرجلان إلى الفجر، فشك أحدهما، فليلأكلا حتى يتبين لهما". "ومن طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن سالم بن عبيد، قال: كان أبو بكر الصديق يقول لي: قم بيني وبين الفجر حتى أتسحر". ومن طريق ابن أبي شيبة، عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن سالم بن عبيد الأشجعي، قال: قم فاسترني من الفجر، ثم أكل". وهذا اللفظ الأخير مختصر، يفهم مما قبله أنه حكاية عن أبي بكر أيضًا، ولعله سقط منه شيء من ناسخي المحلى. ثم قال ابن حزم: "سالم بن عبيد هذا: أشجعي كوفي، من أصحاب رسول الله ﷺ. وهذه أصح طريق يمكن أن تكون". وأنا أرجح أن يكون طريق ابن المنذر -الذي نقله الحافظ في الفتح- مثل هذين الطريقين الأخيرين، اللذين نقلهما ابن حزم، فيكون من رواية هلال بن يساف عن سالم بن عبيد. واستبعد جدا أن يكون طريق الطبراني، الذي ذكره الهيثمي-: من هذا الوجه. ثم روى ابن حزم ٦: ٢٣٣، نحو هذا المعنى، من رواية أبي السفر، ومن رواية أبي قلابة - كلاهما عن أبي بكر. وهما إسنادان منقطعان، فإن أبا السفر وأبا قلابة لم يدركا أبا بكر يقينا.]] . ٣٠٠٥- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الوتر بالليل والسَّحور بالنهار. وقد رُوي عن إبراهيم غير ذلك: ٣٠٠٦- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن حماد، عن إبراهيم، قال: السحور بليل، والوتر بليل. ٣٠٠٧- حدثنا حكام، عن ابن أبي جعفر، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: السحور والوتر ما بين التَّثْويب والإقامة. ٣٠٠٨- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة، عن حبان، قال: تسحرنا مع عليّ، ثم خرجنا وقد أقيمت الصلاة، فصلينا [[الخبر: ٣٠٠٨- شبيب بن غرقدة السلمي: تابعي ثقة، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما. مترجم في التهذيب، والكبير ٢/٢/٢٣٢، وابن أبي حاتم ٢/١/٣٥٧. عروة: هو ابن أبي الجعد الأزدي البارقي: صحابي معروف. قال البخاري: "وبارق: جبل، نزله بعض الأزد". حبان - بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: هو ابن الحارث، أبو عقيل، وهو تابعي ثقة. ترجمه البخاري في الكبير ٢/١/٧٧، وابن أبي حاتم ١/٢/٢٦٩، والدولابي في الكنى ٢: ٣٣. وهكذا وقع في الطبري عن شيخه محمد بن المثنى -في هذا الإسناد- زيادة"عروة البارقي" بين"شبيب" و"حبان بن الحارث". وسيأتي الخبر عقب هذا: ٣٠٠٩، من رواية سفيان بن عيينة، عن شبيب، عن حبان، مباشرة دون واسطة، وهو الثابت المحفوظ عن شبيب. فلعل ابن المثنى -شيخ الطبري- وهم في هذه الزيادة، أو لعله كان من رواية شبيب، عن عروة وعن حبان، كلاهما عن علي، ثم اختلط في الإسناد على الناسخين. فإن البخاري روى هذا الخبر، في ترجمة"حبان" في التاريخ الكبير، موجزا بالإشارة كعادته - على الصواب، من الوجه الذي رواه الطبري هنا: فقال البخاري: "حدثنا محمد، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن شبيب، عن حبان: تسحرنا مع علي". فحمد - شيخ البخاري: هو محمد بن بشار الحافظ. وغندر: هو هو محمد بن جعفر شيخ ابن المثنى في إسناد الطبري هذا. وهو قد رواه -كما ترى- دون واسطة بين شبيب وحبان. وكذلك رواه البخاري بثلاثة أسانيد عن شبيب عن حبان، فقال: "قال ابن محبوب، عن عمر الأبار، عن منصور، عن شبيب، عن حبان بن الحارث: تسحرنا مع علي. وقال جرير، عن منصور، عن شبيب، عن أبي عقيل. قال حسين، عن زائدة، عن شبيب، عن طارق بن قرة، وحبان بن الحارث، بهذا". وقد زاد في الإسناد الأخير للبخاري: أن شبيبا رواه عن طارق بن طارق بن قرة، عن علي، كمثل روايته إياه عن حبان، عن علي. و"طارق بن قرة": تابعي، لم يترجمه البخاري في الكبير، ولكن ترجمه ابن أبي حاتم ٢/١/٤٨٦، قال: "طارق بن قرة: روى عن علي، روى عنه شبيب بن غرقدة". وبذلك ترجمه أيضًا ابن حبان في الثقات، ص: ٢٢٩. ورواية البخاري، من طريق جرير عن منصور - رواها ابن حزم في المحلى ٦: ٢٣٣ مفصلة، قال: "ومن طريق ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، هو ابن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن شبيب بن غرقدة، عن أبي عقيل، قال: تسحرت مع علي بن أبي طالب، ثم أمر المؤذن أن يقيم الصلاة". فهذه أسانيد تدل على أن ذكر"عروة البارقي" في إسناد الطبري هنا - إما سهو من ابن المثنى، وإما إضافة في الرواية مع حبان -لا رواية عنه- ثم حرفت من الناسخين.]] . ٣٠٠٩- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن شبيب، عن حبان بن الحارث، قال: مررت بعليّ وهو في دار أبي موسى وهو يتسحَّر، فلما انتهيتُ إلى المسجد أقيمت الصلاة [[الخبر: ٣٠٠٩- سفيان: هو ابن عيينة. والخبر تكرار في معناه للخبر قبله. ورواه أيضًا ابن حزم في المحلى ٦: ٢٣٣، قال: "وعن سفيان بن عيينة، عن شبيب بن غرقدة، عن حبان بن الحارث: أنه تسحر مع علي بن أبي طالب، وهما يريدان الصيام، فلما فرغ قال للمؤذن: أقم الصلاة".]] . ٣٠١٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي إسحاق، عن أبي السفر، قال: صلى عليُّ بن أبي طالب الفجرَ، ثم قال: هذا حين يتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [[الخبر: ٣٠١٠- أبو السفر -بفتح الفاء-: هو سعيد بن محمد، بضم الياء التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الميم، وهو تابعي ثقة، يروي عن متوسطي الصحابة، كابن عباس وابن عمر. وهذا الإسناد منقطع، لأن أبا السفر لم يدرك أن يروي عن علي بن أبي طالب. وقد مضى معناه عن علي، بإسناد آخر متصل: ٣٠٠١.]] . * * * وعلة من قال هذا القول: أنَّ القول إنما هو النهارُ دون الليل. قالوا: وأول النهار طلوعُ الشمس، كما أنّ آخرَه غروبُها. قالوا: ولو كان أوله طلوعُ الفجر، لوَجب أن يكون آخرَه غروبُ الشفق. قالوا: وفي إجماع الحجة على أنَّ آخر النهار غروب الشمس، دليلٌ واضح على أن أوله طلوعها. قالوا: وفي الخبر عن النبي ﷺ أنه تسحر بعد طُلوع الفجر، أوضحُ الدليل على صحة قولنا. ذكر الأخبار التي رويت عن النبي ﷺ في ذلك: ٣٠١١- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، قال: قلت: تسحَّرتَ مع النبي ﷺ؟ قال: نعم، قال: لو أشاءُ لأقولُ هو النهارُ إلا أنّ الشمس لم تطلع [[الحديث: ٣٠١١- عاصم: هو ابن بهدلة، وهو ابن أبي النجود -بفتح النون- الكوفي المقرئ، أحد القراء السبعة. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. زر - بكسر الزاي وتشديد الراء: هو ابن حبيش، التابعي الثقة. مضى في: ٢٧٤. حذيفة: هو ابن اليمان العبسي، صحابي مشهور، مناقبه كثيرة معروفة. وهذا الحديث رواه ابن ماجه: ١٦٩٥، عن علي بن محمد، هو الطنافسي، عن أبي بكر بن عياش، بهذا الإسناد نحوه، مختصرا. وسيأتي مزيد تخريج له في الثلاثة بعده.]] . ٣٠١٢- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر، قال: ما كذب عاصمٌ على زرّ، ولا زرّ على حذيفة، قال: قلتُ له: يا أبا عبد الله تسحرت مع النبي ﷺ؟ قال: نعم هو النهارُ إلا أن الشمس لم تطلع [[الحديث: ٣٠١٢- هو الحديث السابق بمعناه، بالإسناد نفسه. ولكن هذا جاء بصيغة في التوكيد موثقة، قصد بها أبو بكر بن عياش رفع شبهة الخطأ أو التزيد في الرواية.]] . ٣٠١٣- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة قال: كان النبي ﷺ يتسحَّر وأنا أرى مواقعَ النَّبل. قال: قلت أبعدَ الصبح؟ قال: هو الصبح، إلا أنه لم تطلع الشمس [[الحديث: ٣٠١٣- سفيان: هو الثوري. والحديث في معنى الحديثين قبله. وقد رواه أحمد في المسند ٥: ٤٠٠ (حلبي) ، عن وكيع، عن سفيان، بهذا الإسناد نحوه. وكذلك رواه النسائي ١: ٣٠٣، وابن حزم في المحلى ٦: ٢٣٢ - كلاهما من طريق وكيع. وفي الفتح ٤: ١١٧ أنه رواه"سعيد بن منصور، عن أبي الأحوص، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة، قال: تسحرنا مع رسول الله ﷺ، هو والله النهار، غير أن الشمس لم تطلع"]] . ٣٠١٤- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قيس وخلاد الصفار، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: أصبحت ذات يوم فغدوتُ إلى المسجد، فقلت: لو مررت على باب حذيفة! ففتح لي فدخلتُ، فإذا هو يسخّن له طعامٌ، فقال: اجلس حتى تطعَم. فقلت: إنّي أريد الصوم. فقرّب طعامه فأكل وأكلت معه، ثم قام إلى لِقْحة في الدار، فأخذ يحلُب من جانب وأحلُب أنا من جانب، فناولني، فقلت: ألا ترى الصبح؟ فقال: اشرب! فشربتُ، ثم جئتُ إلى باب المسجد فأقيمت الصلاة، فقلت له: أخبرني بآخر سَحور تسحَّرته مع رَسول الله ﷺ. فقال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمسُ [[الحديث: ٣٠١٤- الحكم بن بشير النهدي: مضت ترجمته: ١٤٩٧. وعمرو بن قيس هو الملائي، مضت ترجمته: ٨٨٦. خلاد الصفار: هو خلاد بن عيسى العبدي، ويقال: خلاد بن مسلم. وهو ثقة. مترجم في التهذيب والكبير ٢/١/١٧١، وابن أبي حاتم ١/٢/٣٦٧. وهذا الحديث تكرار للثلاثة قبله في معناها، إلا أنه مطول في قصة. وقد روى نحو هذه القصة - حماد بن سملة، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة: فرواها أحمد ٥: ٣٩٦ (حلبي) ، عن عفان، عن حماد بن سلمة. وكذلك رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ١: ٣٢٤، وابن حزم في المحلى ٦: ٢٣١: ٢٣٢، كلاهما من طريق روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة. ورواه أحمد أيضًا ٥: ٤٠٥ (حلبي) ، من طريق شريك بن عبد الله -هو النخعي القاضي- عن عاصم، عن زر، قال: "قلت، يعني لحذيفة: يا أبا عبد الله، تسحرت مع رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، قلت: أكان الرجل يبصر مواقع نبله؟ قال: نعم، هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع". وقد ذكر ابن كثير ١: ٤٢٢ رواية حماد بن سلمة عن عاصم - مختصرة، ونسبها لأحمد، والنسائي وابن ماجه، وقال: "وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، قاله النسائي". ولم أجده في النسائي من رواية حماد ولم أجد كلمة النسائي أيضًا. فلعل ذلك في السنن الكبرى. وقال الحافظ في الفتح ٤: ١١٧، بعد نقله رواية سعيد بن منصور وإشارته إلى رواية الطحاوي عن حذيفة: "روى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق ذلك عن حذيفة، من طرق صحيحة". "اللقحة": الناقة القريبة العهد بالولادة، فهي من ذوات الألبان.]] . ٣٠١٥- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ أنه قال:"إذا سمع أحدكم النداءَ والإناءُ على يده، فلا يضعه حتى يقضيَ حاجته منه" [[الحديث: ٣٠١٥- هذا إسناد صحيح. روح بن عبادة القيسي، من بني قيس بن ثعلبة: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ووثقه ابن معين وغيره. تكلم فيه بعضهم بغير حجة. مترجم في التهذيب، والكبير ٢/١/٢٨٢-٢٨٣، وابن سعد ٧/٢/٥٠، وابن أبي حاتم ١/٢/٤٩٨-٤٩٩، وتاريخ بغداد ٨: ٤٠١-٤٠٦. "عبادة": بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة. ووقع في المطبوعة، في هذا الإسناد والذي بعده"روح بن جنادة"! وهو تصحيف، ولا يوجد راو بهذا الاسم. حماد: هو ابن سلمة. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي: ثقة، أخرج له الجماعة أيضًا. أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٠٦٣٧ (٢: ٥١٠ حلبي) ، عن روح بن عبادة، بهذا الإسناد واللفظ. ورواه أحمد أيضًا: ٩٤٦٨ (٢: ٤٢٣ حلبي) ، عن غسان بن الربيع، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. وقرن إليه إسنادا آخر مرسلا، عن يونس، عن الحسن، عن النبي ﷺ. ورواه أبو داود: ٢٣٥٠، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي. عن حماد بن سلمة، به. وكذلك رواه الحاكم في المستدرك ١: ٤٢٦، من طريق عبد الأعلى، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وانظر تعليقنا على الحديث، فيما كتبنا على مختصر السنن للمنذري: ٢٢٤٩ (٣: ٢٣٣، ٢٣٤) .]] . ٣٠١٦- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ مثله- وزاد فيه: وكان المؤذن يؤذن إذا بَزَغ الفجر [[الحديث: ٣٠١٦- عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم: تابعي ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه. والحديث رواه أحمد في المسند: ١٠٦٣٨، عن روح بن عبادة، بهذا الإسناد، عقب الحديث السابق، كما صنع الطبري تماما. وذكره ابن حزم في المحلى ٦: ٢٣٢، من رواية حماد بن سلمة، به، وساق لفظه كاملا. وزاد في آخره: وقال حماد، عن هشام بن عروة: كان أبي يفتي بهذا".]] . ٣٠١٧- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين = وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال، سمعت أبي قال، أخبرنا الحسين بن واقد = قالا جميعا، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر، قال: أشرَبُها يا رسول الله؟ قال: نعم!، فشربها [[الحديث: ٣٠١٧- رواه الطبري بإسنادين: فرواه عن بن حميد، عن يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد - ثم استأنف إسنادا آخر، فرواه عن محمد بن علي بن الحسن، عن أبيه، عن الحسين بن واقد، فاجتمع الطريقان في الحسين بن واقد، عن أبي غالب، إلخ. ويحيى بن واضح: هو أبو تميلة، مضت ترجمته: ٣٩٢. أبو غالب: هو صاحب أبي أمامة، وقد اختلف في اسمه: فقيل: "حزور"، بفتح الحاء المهملة والزاي والواو المشددة وآخره راء. وقيل: "سعيد بن الحزور"، وهو الذي اقتصر عليه ابن سعد ٧/٢/٧. واختصر البخاري في الكبير ٢/١/١٢٤ على"حزور". وترجمه ابن أبي حاتم في الترجمتين ١/٢/٣١٥-٣١٦، ثم ٢/١/١٣، وقال في الموضع الثاني: "وحزور أصح". وهو ثقة، وتكلم فيه بعضهم. ووثقه الدارقطني، وحسن الترمذي بعض أحاديثه، وصحح بعضها. مترجم في التهذيب ١٢: ١٩٧-١٩٨. أبو أمامة: هو الباهلي، واسمه: "صدي" بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وتشديد الياء"بن عجلان". وهو صحابي معروف مات سنة ٨٦ وقد جاوز المئة، لأنه ثبت أنه كان ابن ٣٠ سنة أو ٣٣. ووقع في ابن سعد ٧/٢/١٣١-١٣٢ أنه مات وهو ابن ٦١ سنة! وهو خطأ فاحش. وهذا الحديث صحيح الإسناد. ولم أجده في غير هذا الموضع من تفسير الطبري.]] . ٣٠١٨- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال بلال:"أتيتُ النبيّ ﷺ أُوذِنه بالصلاة وهو يريد الصوم، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربتُ، ثم خرج إلى الصلاة [[الحديث: ٣٠١٨- يونس: هو ابن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، وثقه ابن معين وابن سعد وغيرهما. مترجم في التهذيب، والكبير ٤/٢/٤٠٨، وابن سعد ٦: ٢٥٢، وابن أبي حاتم ٤/٢/٢٤٣-٢٤٤. عبد الله: هو ابن معقل بن مقرن المزني، مضت ترجمته: ٣٠٠٤. بلال: هو ابن رباح، مؤذن رسول الله ﷺ، من المهاجرين الأولين، مات في طاعون عمواس، سنة: ١٧، أو ١٨. ولم يدركه عبد الله بن معقل المتوفى سنة: ٨٨. فالإسناد إليه ضعيف لانقطاعه. وسيأتي تخريج الحديث في الإسناد التالي.]] . ٣٠١٩- حدثني محمد بن أحمد الطوسي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل، عن بلال قال: أتيتُ النبي ﷺ أوذنه بصلاة الفجر وهو يريد الصيام، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربتُ، ثم خرجنا إلى الصلاة [[الحديث: ٣٠١٩- محمد بن أحمد الطوسي، شيخ الطبري: لم أعرف من هو؟ "عبد الله بن معقل": بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. وثبت في المطبوعة هنا"مغفل"، وهو تصحيف. والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ١٢ (حلبي) عن يحيى بن آدم، وأبي أحمد الزبيري - كلاهما عن إسرائيل، بهذا الإسناد، نحوه. ثم رواه ٦: ١٣، عن حسين بن محمد، عن إسرائيل، به. وهو حديث ضعيف، لانقطاعه بين ابن معقل بن مقرن وبلال، كما بينا. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٣: ١٥٢، من رواية أحمد الأولى، وقال: "رواه أحمد، والطبراني في الكبير". ثم ذكر رواية أحمد الثانية، ثم قال: "ورجالهما رجال الصحيح". ففاته أن يعلمه بالانقطاع. وروى أحمد أيضًا ٦: ١٣، عن وكيع، عن جعفر بن برقان، عن شداد مولى عياض بن عامر، عن بلال: "أنه جاء إلى النبي ﷺ يؤذنه بالصلاة، فوجده يتسحر في مسجد بيته". وهذا ذكره الهيثمي أيضًا عن المسند، ثم قال: "وشداد مولى عياض: لم يدرك بلالا". وهو كما قال.]] . * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، التأويلُ الذي رُوي عن رسول الله ﷺ أنه قال:"الخيط الأبيض" بياض النهار،"والخيط الأسود" سوادُ الليل. وهو المعروف في كلام العرب، قال أبو دُؤاد الإياديّ: فَلَمَّا أضَاءت لَنَا سُدْفَةٌ ... وَلاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا [[الأصمعيات: ٢٨ من أبيات. يصف فرسا خرج عليه للصيد، واللسان (خيط) . وفي الأصمعيات: "خير أنارا" ولا معنى لها. والسدفة: ظلمة الليل في لغة نجد، والضوء في لغة قيس، وهي أيضًا: اختلاط الضوء والظلمة جميعا، كوقت ما بين صلاة الفجر إلى أولى الإسفار. قال عمارة: ظلمة فيها ضوء من أول الليل وآخره، ما بين الظلمة إلى الشفق، وما بين الفجر إلى الصلاة. وأراد أبو دؤاد اختلاط الظلمة والضوء. ولاح: بدا وظهر من بعيد. والخيط: اللون هنا يكون ممتدا كالخيط.]] * * * وأما الأخبارُ التي رويتْ عن رسول الله ﷺ أنه شرب أو تسحَّر، ثم خرج إلى الصلاة، فإنه غير دافع صحةَ ما قلنا في ذلك؛ لأنه غير مستنكر أن يكون ﷺ شَرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، إذ كانت الصلاةُ -صلاة الفجر- هي على عهده كانت تُصلى بعد ما يطلع الفجر ويتبيَّن طلوعه ويؤذَّن لها قبل طلوعه. وأما الخبر الذي رُوي عن حذيفة:"أنّ النبي ﷺ كان يتسحر وأنا أرى مَواقعَ النَّبل"، فإنه قد استُثبتَ فيه فقيل له: أبعد الصبح؟ فلم يجب في ذلك بأنه كان بعد الصبح، ولكنه قال:"هو الصبح". وذلك من قوله يُحتمل أن يكون معناهُ: هو الصبح لقربه منه، وإن لم يكن هو بعينه، كما تقول العرب:"هذا فلان" شبها، وهي تشير إلى غير الذي سمَّته، فتقول:"هو هو" تشبيها منها له به، فكذلك قول حذيفة:"هو الصبح"، معناه: هو الصبح شبها به وقربا منه. * * * وقال ابن زيد في معنى"الخيط الأبيض والأسود" ما: ٣٠٢٠- حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد:"حتى يتبيَّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" قال:"الخيط الأبيض" الذي يكون من تحت الليل، يكشف الليل -"والأسود" ما فوقه. * * * وأما قوله:"من الفجر" فإنه تعالى ذكره يعني: حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود الذي هو من الفجر. وليس ذلك هوَ جميعَ الفجر، ولكنه إذا تبيَّن لكم أيها المؤمنون من الفجر ذلك الخيط الأبيض الذي يكون من تحت الليل الذي فوقه سواد الليل، فمن حينئذ فصُوموا، ثم أتِمُّوا صيامكم من ذلك إلى الليل. وبمثل ما قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول: ٣٠٢١- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:"منَ الفجر" قال: ذلك الخيط الأبيضُ هو من الفجر نسبةً إليه، وليس الفجر كله، فإذا جاء هذا الخيط، وهو أوله، فقد حلت الصلاةُ وحَرُم الطعام والشراب على الصائم. * * * قال أبو جعفر: وفي قوله تعالى ذكره:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيامَ إلى الليل" أوضحُ الدلالة على خطأ قول من قال: حلالٌ الأكلُ والشربُ لمن أراد الصوم إلى طلوع الشمس؛ لأن الخيط الأبيض من الفجر يتبين عند ابتداء طلوع أوائل الفجر، وقد جعل الله تعالى ذكره ذلك حدًّا لمن لزَمه الصوم في الوقت الذي أباح إليه الأكل والشرب والمباشرة. فمن زعم أنّ له أنْ يتجاوز ذلك الحدّ، قيل له: أرأيتَ إن أجازَ له آخَرُ ذلك ضحوةً أو نصف النهار؟ فإن قال: إنّ قائلَ ذلك مخالف للأمة. قيل له: وأنتَ لما دلَّ عليه كتاب الله ونقلُ الأمة مخالفٌ، فما الفرق بينك وبينه من أصْل أو قياس؟ فإن قال: الفرق بيني وبينه أن الله أمر بصوم النهار دون الليل، والنهارُ من طلوع الشمس. قيل له: كذلك يقول مخالفوك، والنهار عندهم أوَّله طلوع الفجر، وذلك هو ضوء الشمس وابتداءُ طلوعها دون أن يتتامَّ طلوعها، كما أن آخر النهار ابتداءُ غروبها دون أن يتتامَّ غروبها. ويقال لقائلي ذلك [[جمع القائلين، بعد الإفراد.]] إن كان"النهار" عندكم كما وصفتم، هو ارتفاع الشمس، وتكامل طُلوعها وذهاب جميعُ سدْفة الليل وَغبَس سواده -فكذلك عندكم"الليل": هو تتامُّ غروب الشمس، وذهاب ضيائها، وتكامل سواد الليل وظلامه؟ فإن قالوا: ذلك كذلك! قيل لهم: فقد يجبُ أن يكون الصوم إلى مَغيب الشفق وذهاب ضوء الشمس وبياضها من أفق السماء! فإن قالوا: ذلك كذلك! أوجبوا الصومَ إلى مغيب الشفق الذي هوَ بياضٌ. وذلك قولٌ إنْ قالوه مدفوعٌ بنقل الحجة التي لا يجوز فيما نقلته مُجمعةً عليه -الخطأُ والسهوُ، [وكفى بذلك شاهدا] على تخطئته [[ما بين القوسين زيادة لا بد منها لسياق الجملة.]] . وإن قالوا:"بل أول الليل" ابتداء سُدْفته وظلامه ومَغيبُ عَين الشمس عنا. قيل لهم: وكذلك"أول النهار": طلوع أوّل ضياء الشمس ومغيب أوَائل سُدفة الليل. ثم يعكس عليه القول في ذلك، [[عاد مرة أخرى فأفرد القائل بعد جمع القائلين. ولولا الضمائر الكثيرة التي تمنع ظن التحريف أو التصحيف في جمل متتابعة. لغيرتها. ولعل أبا جعفر كان يسهو أحيانا عن مثل ذلك. لجوازه في العربية.]] ويُسأل الفرقَ بين ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. * * * وأما"الفجر" فإنه مصدر من قول القائل:"تفجَّر الماءُ يتفجَّرُ فجرًا"، [[هكذا جاء في المطبوعة، ولم أملك أن أغيره، لأن كلامه دال على أنه يجعله مصدرا، لقولهم: "تفجر" بالتاء وتشديد الجيم. وكأنه يحمله على أنه من المصادر التي جاءت على غير بناء أفعالها. كما مضى ذلك آنفًا في ١: ١١٦-١١٨. وانظر تفسير"التفجر" فيما سلف ٢: ٢٣٨.]] إذا انبعثَ وجرى، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلع الشمس"فجر"، لانبعاث ضوئه عليهم، وتورُّده عليهم بطرُقهم ومحاجِّهم، تفجُّرَ الماء المتفجِّر من منبعه. * * * وأما قوله:"ثم أتموا الصيام إلى الليل" فإنه تعالى ذكره حَدَّ الصوم بأن آخرَ وقته إقبالُ الليل - كما حدَّ الإفطارَ وإباحةَ الأكل والشرب والجماع وأوَّل الصوم بمجيء أول النهار وأوَّل إدبار آخر الليل، فدلّ بذلك على أن لا صومَ بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم = وعلى أنّ المواصل مجوِّعٌ نفسه في غير طاعة ربه. كما: - ٣٠٢٢- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أقبل الليل وأدبر النهارُ وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم. [[الحديث: ٣٠٢٢- عبدة: هو ابن سليمان. عاصم: هو ابن عمر بن الخطاب، وهو تابعي ثقة، ولد في حياة رسول الله ﷺ. ووقع في المطبوعة هنا عاصم بن عمرو"، وهو خطأ. والحديث رواه بنحوه، أحمد في المسند: ١٩٢، ٣٨٣، عن وكيع، عن هشام، بهذا الإسناد. ورواه أيضًا: ٢٣١، عن ابن نمير، و ٣٣٨، عن سفيان بن عيينة - كلاهما عن هشام. ورواه البخاري ٤: ١٧١ (فتح) ، من طريق ابن عيينة. ورواه مسلم ١: ٣٠٣، من طريق أبي معاوية، وابن نمير، وأبي أسامة - ثلاثتهم عن هشام. ورواه أبو داود: ٢٣٥١، عن أحمد بن حنبل، عن وكيع، وعن مسدد. عن عبد الله بن داود - كلاهما عن هشام بن عروة.]] . ٣٠٢٣- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا أبو إسحاق الشيباني = وحدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو عبيدة وأبو معاوية، عن الشيباني = وحدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو معاوية = وحدثني أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن الشيباني = قالوا جميعا في حديثهم، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي ﷺ في مسير وهو صائم، فلما غَرَبت الشمسُ قال لرجل: انزل فاجدَحْ لي. قالوا: لو أمسيت يا رسول الله! فقال: انزل فاجدح. فقال الرجل: يا رسول الله لو أمسيت! قال: انزل فاجدح لي. قال: يا رسول الله إن علينا نهارا! فقال له الثالثة، فنزل فجدح له. ثم قال رسول الله ﷺ: إذا أقبل الليل من هاهنا - وضرب بيده نحو المشرق - فقد أفطر الصائم [[الحديث: ٣٠٢٣- رواه الطبري بأسانيد، تجتمع كلها في أبي إسحاق الشيباني. فرواه عن هناد بن السري، عن ثلاثة شيوخ: عن أبي بكر بن عياش، وأبي عبيدة، وأبي معاوية. ورواه عن محمد بن المثنى، عن أبي معاوية. ورواه عن أبي السائب سلم بن جنادة، عن عبد الله بن إدريس الأودي - كلهم عن أبي إسحاق الشيباني، واسمه: سليمان بن أبي سليمان، عن عبد الله بن أبي أوفى. أبو عبيدة: هو عبد الواحد بن واصل الحداد، وهو ثقة من شيوخ أحمد. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣/١/٢٤، وتاريخ بغداد ١١: ٣-٥. ووقع في المطبوعة في هذا الجزء من الإسناد: "حدثنا أبو عبيدة وأبو معاوية، عن شيبان". وهو خطأ واضح، ليس لشيبان صلة بهذا الإسناد. صوابه: "عن الشيباني"، كما أثبتناه. والحديث رواه البخاري ٤: ١٥٦، من طريق سفيان بن عيينة، و ١٧١-١٧٢، من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، و ١٧٢، من طريق عبد الواحد بن زياد العبدي، و ١٧٣، من طريق أبي بكر بن عياش. ورواه مسلم ١: ٣٠٣، من طريق هشيم، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوم، وعبد الواحد بن زياد، وسفيان، وجرير، وشعبة. ورواه أبو داود: ٢٣٥٢، من طريق عبد الواحد بن زياد - كلهم عن أبي إسحاق الشيباني، به، نحوه. جدح السويق في اللبن أو الماء: إذا خاضه وحركه حتى يختلط ويستوي. وقوله: "ضرب بيده"، يعني أشار بيده مادا يده كفعل الضارب. و"ضرب" فعل من الأفعال التي تقع على كثير من الأعمال إلا قليلا. يقال: "ضرب في الأرض"، و"ضرب بيده إلى الشيء"، أهوى إليه، و"ضرب على يده"، و"ضرب يده إلى عمل كذا".]] . ٣٠٢٤- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن رفيع، قال: فرض الله الصيام إلى الليل، فإذا جاء الليل فأنت مفطر إن شئت فكل، وإن شئت فلا تأكل [[الأثر: ٣٠٢٤- رفيع، هو رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي، ذكر مئات من المرات بكنيته. أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي ﷺ بسنتين. مات سنة ٩٠. وداود هو ابن أبي هند. وانظر الإسنادين التاليين.]] . ٣٠٢٥- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي العالية: أنه سُئل عن الوصال في الصوم فقال: افترض الله على هذه الأمَّة صومَ النهار، فإذا جاءَ الليل فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل. ٣٠٢٦ - حدثني يعقوب، قال: حدثني ابن علية، عن داود بن أبي هند، قال: قال أبو العالية في الوصال في الصوم، قال: قال الله:"ثم أتموا الصيام إلى الليل" فإذا جاء الليل فهو مفطر، فإن شاء أكل، وإن شاء لم يأكل. ٣٠٢٧- حدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين، عن مسعر، عن قتادة، قال: قالت عائشة: أتموا الصيامَ إلى الليل - يعني: أنها كرهت الوصال. * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه وصال مَنْ واصَل؟ فقد علمت بما: ٣٠٢٨- حدثكم به أبو السائب قال، حدثنا حفص، عن هشام بن عروة، قال: كان عبد الله بن الزبير يُواصل سبعة أيام، فلما كبِر جعلها خمسا، فلما كبِر جدًّا جعلها ثلاثا. ٣٠٢٩- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا حفص، عن عبد الملك، قال: كان ابن أبي يعمر يفطر كل شهر مرة. ٣٠٣٠ - حدثنا ابن أبي بكر المقدّمي قال، حدثنا الفروي، قال: سمعت مالكا يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل ليلةَ ستَّ عشرة وليلة سبعَ عشرة من رمضان لا يفطر بينهما، فلقيته فقلت له: يا أبا الحارث ماذا تجدُه يقوِّيك في وصَالك؟ قال: السمْن أشرُبه أجده يُبلّ عروقي، فأما الماء فإنه يخرج من جسدي [[الخبر: ٣٠٣٠- ابن أبي بكر المقدمي: هو أبو عثمان أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي، شيخ الطبري. و"الفروي" بفتح الفاء وسكون الراء: هو إسحاق بن محمد بن أبي فروة، وقد سبق مثل هذا الإسناد إلى مالك: ٨٧٦. ولكن قال الطبري هناك: "حدثنا أبو عثمان المقدمي". وهنا لم يذكر اسمه ولا كنيته، بل نسبه إلى جده.]] . = وما أشبه ذلك ممن فعل ذلك، ممن يطولُ بذكرهم الكتاب؟ قيل: وجه من فعل ذلك إن شاء الله تعالى على طلب الخموصة لنفسه والقوة [["الخموصة" مصدر خمص بطنه خمصا (بسكون الميم وفتحها) وخماصة. ولم يذكروا"الخموصة" في كتب اللغة، وهو عربي عريق كقولهم: الفسالة والفسولة، والرذالة والرذولة، وفارس بين الفراسة والفروسة، ورجل جلد بين الجلادة والجلودة، وبطل بين البطالة والبطولة، وأشباه ذلك.]] لا على طلب البرّ لله بفعله. وفعلهم ذلك نظيرُ ما كان عمر بن الخطاب يأمرهم به بقوله: "اخشَوشِنوا وَتمعْددوا، وانزوا على الخيل نزوًا، واقطعوا الرُّكُب وامشوا حُفاة" [[اخشوشن الرجل: لبس الخشن وتعوده، وأكل الخشن، وعاش عيشا خشنا وبالغ في التخشن. وتمعدد الرجل: تشبه بعيش معد بن عدنان في التشظف وترك التزيي بزي العحم. يعني: اصبروا على عيش معد في الحضر والسفر، وتشبهوا بلباسه، ودعوا زي الأعاجم. النزو: الوثب، يأمرهم أن يثبوا على الخيل وثبا بلا استعانة بركاب. والركب جمع ركاب: وهو ما يكون في سرج الفرس يضع الراكب فيه رجله، فإذا كان مثله في رحل البعير سمي"الغرز".]] . يأمرهم في ذلك بالتخشن في عيشهم، لئلا يتنعموا فيركنوا إلى خَفْض العيش ويميلوا إلى الدعة فيجبُنوا ويحتموا عن أعدائهم. = وقد رَغِب - لمن واصل - عن الوصال كثيرٌ من أهل الفضل: ٣٠٣٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق: أنّ ابن أبي نُعم كان يواصل من الأيام حتى لا يستطيع أن يقومَ، فقال عمرو بن ميمون: لو أدرَك هذا أصحابُ محمد ﷺ رَجمُوه [[الأثر: ٣٠٣٢- ابن أبي نعم، هو"عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي" الكوفي العابد. قال بكير بن عامر: لو قيل لعبد الرحمن: "قد توجه ملك الموت إليك يريد قبض روحك! " ما كانت عنده زيادة على ما هو فيه. وكان صبورا على الجوع الدائم، وهو الذي دخل على الحجاج في أيام الجماجم فوعظه. وأخذه الحجاج ليقتله، وأدخله بيتا مظلما، وسد الباب خمسة عشر يوما، ثم أمر بالباب ففتح ليخرج فيدفن. فدخلوا عليه فإذا هو قائم يصلي. فقال له الحجاج: سر حيث شئت.]] . = ثم في الأخبار المتواترة عن رسول الله ﷺ بالنهي عن الوصال التي يطول بإحصائها الكتاب تركنا ذكر أكثرها استغناء بذكر بعضها، إذ كان في ذكر ما ذكرنا مُكتفًى عن الاستشهاد على كراهة الوصال بغيره. ٣٠٣٣ - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر: أنّ رسول الله ﷺ نَهى عن الوصال، قالوا: إنك تُواصلُ يا رَسول الله! قال: إني لست كأحدٍ منكم، إني أبيت أُطعَم وأسقَى [[الحديث: ٣٠٣٣- يحيى بن سعيد: هو القطان. عبيد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم، مضت ترجمته: ٢٧٤٠. ووقع في المطبوعة هنا"عن عبد الله" - يعني بالتكبير. و"عبد الله": هو العمري، وهو أخو"عبيد الله". بالتصغير - في هذا الإسناد، لأن القطان رواه عن"عبيد الله"، ولأن القطان كان لا يحدث عن"عبد الله"، كما روي ذلك عند ابن أبي حاتم ٢/٢/١٠٩ في ترجمة"عبد الله"، وكذلك نقل في التهذيب في ترجمته. والحديث رواه أحمد في المسند: ٤٧٢١، عن يحيى القطان، عن عبيد الله، بهذا الإسناد. ورواه أيضًا: ٥٧٩٥، عن محمد بن عبيد، و ٦٢٩٩، عن ابن نمير - كلاهما عن عبيد الله. وكذلك رواه مسلم ١: ٣٠٣، من طريق ابن نمير. ورواه مالك في الموطأ، ص: ٣٠٠، عن نافع، عن ابن عمر. وكذلك رواه أحمد: ٥٩١٧، ٦١٢٥. والبخاري ٤: ١٧٧ - كلاهما من طريق مالك. ورواه أحمد أيضًا: ٦٤١٦، ومسلم ١: ٣٠٣- كلاهما من طريق عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع. وأما رواية"عبد الله" العمري - فقد رواه أحمد: ٤٧٥٢، عن وكيع، عن العمري، عن نافع.]] . وقد روي عن النبي ﷺ الإذنُ بالوصال من السحر إلى السَّحر. ٣٠٣٤ - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا شعيب، عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: لا تواصلوا، فأيُّكم أراد أن يُواصل فليواصل حتى السَّحر. قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل! قال: إني لست كهيئتكم، إنّي أبيت لي مُطعم يُطعمني، وَساقٍ يسقيني [[الحديث: ٣٠٣٤- شعيب: هو ابن الليث بن سعد الإمام، وهو ثقة معروف، أخرج له مسلم وغيره. ووقع في المطبوعة"أبو شعيب"! وزيادة"أبو" خطأ، لا معنى لها ولا موضع. يزيد بن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، مضت ترجمته في: ٢٠٣١. عبد الله بن خباب -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة- مولى بني عدي بن النجار: تابعي ثقة، وثقه أبو حاتم والنسائي، وروى له أصحاب الكتب الستة. والحديث رواه البخاري ٤: ١٧٧، عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، بهذا الإسناد. ورواه أحمد في المسند: ١١٠٧٠ (٣: ٨ حلبي) ، عن قتيبة بن سعيد، عن بكر بن مضر، عن ابن الهاد - وكذلك رواه أبو داود: ٢٣٦١، عن قتيبة. ورواه أحمد أيضًا: ١١٨٤٥ (٣: ٨٧ حلبي) ، عن أبي سعيد، عن عبد الله بن جعفر عن ابن الهاد. ورواه البخاري أيضًا ٤: ١٨١، من طريق ابن أبي حازم، عن ابن الهاد. وذكره السيوطي ١: ٢٠٠، ونسبه للبخاري وأبي داود؟ وذكره أيضًا ابن كثير ١: ٤٢٦، وقال: "أخرجاه في الصحيحين" فوهم وهما شديدا، رحمه الله فإن مسلما لم يخرجه في صحيحه. وقد نص الحافظ في الفتح ٤: ٢١٧، في آخر كتاب الصيام، على أنه من أفراد البخاري.]] . ٣٠٣٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا أبو إسرائيل العبسي، عن أبي بكر بن حفص، عن أمِّ وَلد حاطب بن أبي بَلتعة: أنها مرّت برسول الله ﷺ وهو يتسحَّر، فدعاها إلى الطعام فقالت: إنّي صَائمة، قال: وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فقال: أين أنت من وصال آل محمد ﷺ من السَّحر إلى السَّحر. [[الحديث: ٣٠٣٥- أبو نعيم: هو الفضل بن دكين -بضم الدال المهملة وفتح الكاف- ثقة حافظ من شيوخ أحمد، قال أحمد: "هو على قلة روايته أثبت من وكيع"، وقال أيضًا: "كان يقظان في الحديث، عارفا به". أبو إسرائيل العبسي: هو إسماعيل بن خليفة الملائي - بضم الميم وتخفيف اللام وهمزة بعد الألف. وهو ضعيف، بينا ضعفه في شرح المسند: ٩٧٤. أبو بكر بن حفص: هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص. وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. أم ولد حاطب بن أبي بلتعة: لم أعرف من هي، ولا وجدت لها ترجمة ولا ذكرا. ولو صح الإسناد إليها لم يكن بذلك بأس، لأن جهالة الصحابي لا تضر. ولكن الإسناد ضعيف. وهذا الحديث لم أجده عند أحد غير الطبري. وقد نقله عنه ابن كثير ١: ٤٢٦، بإسناده. ولم يزد شيئا في تخريجه. ولم يذكره السيوطي.]] . * * * فتأويل الآية إذًا: ثم أتموا الكفَّ عما أمركم الله بالكفّ عنه، من حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل، ثم حَلّ لكم ذلك بعدَه إلى مثل ذلك الوقت. كما: ٣٠٣٦- حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:"ثم أتمُّوا الصيامَ إلى الليل" قال: من هذه الحدود الأربعة، فقرأ:"أحِلّ لكم ليلةَ الصيام الرفثُ إلى نسائكم" فقرأ حتى بَلغ:"ثم أتمُّوا الصيام إلى الليل" وكان أبي وغيره من مَشيختِنا يقولون هذا ويتلونه علينا [[الأثر: ٣٠٣٦- أبوه، هو زيد بن أسلم العدوي أبو أسامة الفقيه مولى عمر. روى عن أبيه وابن عمر وأبي هريرة وعائشة وطائفة من أصحاب رسول الله، كان ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن. مات سنة ١٣٦.]] . * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره - بقوله:"ولا تباشرُوهن" لا تجامعوا نساءكم [[انظر تفسير"المباشرة" فيما سلف قريبا: ٥٠٣-٥٠٥.]] . * * * = وبقوله:"وأنتم عَاكفونَ في المساجد" يقول: في حال عُكوفكم في المساجد، وتلك حال حَبْسهم أنفسَهم على عبادة الله في مساجدهم. [[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب