الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أُحِلَّ لَكم لَيْلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ إلى نِسائِكم هُنَّ لِباسٌ لَكم وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أنَّكم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أنْفُسَكم فَتابَ عَلَيْكم وعَفا عنكم فالآنَ باشِرُوهُنَّ وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكم وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكم الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطُ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِيامِ إلى اللَيْلِ ولا تُباشِرُوهُنَّ وأنْتُمْ عاكِفُونَ في المَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهُ فَلا تَقْرَبُوها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ لَفْظَةُ "أُحِلَّ" تَقْتَضِي أنَّهُ كانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ ذَلِكَ، و"لَيْلَةَ" نُصِبَ عَلى الظَرْفِ، وهي (p-٤٤٩)اسْمُ جِنْسٍ فَلِذَلِكَ أُفْرِدَتْ، ونَحْوُهُ قَوْلُ عامِرٍ الرامِيِّ الحَضْرَمِيِّ المُحارِبِيِّ: ؎ هُمُ المَوْلى وقَدْ جَنَفُوا عَلَيْنا وإنّا مِن عَداوَتِهِمْ لَزُورُ و"الرَفَثُ" كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ، لِأنَّ اللهَ تَعالى كَرِيمٌ يُكَنّى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والسُدِّيُّ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ "الرُفُوثُ". و"الرَفَثُ" في غَيْرِ هَذا ما فَحُشَ مِنَ القَوْلِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ .................... ∗∗∗ عَنِ اللَغا ورَفَثِ التَكَلُّمِ وقالَ أبُو إسْحاقَ: "الرَفَثُ" كُلُّ ما يَأْتِيهِ الرَجُلُ مَعَ المَرْأةِ مِن قُبْلَةٍ ولَمْسٍ وجِماعٍ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: أو كَلامٌ في هَذِهِ المَعانِي، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: «مَن حَجَّ هَذا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِن خَطاياهُ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ». وسَبَبُ هَذِهِ الآيَةِ فِيما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وغَيْرُهُ: أنَّ جَماعَةً مِنَ المُسْلِمِينَ اخْتانُوا (p-٤٥٠)أنْفُسَهُمْ، وأصابُوا النِساءَ بَعْدَ النَوْمِ، أو بَعْدَ صَلاةِ العِشاءِ عَلى الخِلافِ. مِنهم عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، جاءَ إلى امْرَأتِهِ فَأرادَها فَقالَتْ لَهُ: قَدْ نِمْتُ فَظَنَّ أنَّها تَعْتَلِ فَوَقَعَ بِها، ثُمَّ تَحَقَّقَ أنَّها قَدْ كانَتْ نامَتْ، وكانَ الوَطْءُ بَعْدَ نَوْمِ أحَدِهِما مَمْنُوعًا. وقالَ السُدِّيُّ: جَرى لَهُ هَذا في جارِيَةٍ لَهُ، قالُوا: فَذَهَبَ عُمَرُ فاعْتَذَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وجَرى نَحْوُ هَذا لِكَعْبِ بْنِ مالِكٍ الأنْصارِيِّ، فَنَزَلَ صَدُرُ الآيَةِ فِيهِمْ، فَهي ناسِخَةٌ لِلْحُكْمِ المُتَقَرِّرِ في مَنعِ الوَطْءِ بَعْدَ النَوْمِ. وحَكى النَحّاسُ، ومَكِّيُّ أنَّ عُمَرَ نامَ، ثُمَّ وقَعَ بِامْرَأتِهِ، وهَذا عِنْدِي بَعِيدٌ عَلى عُمْرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ورُوِيَ أنَّ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ، ويُقالُ: صِرْمَةَ بْنَ مالِكٍ، ويُقالُ: أبُو أنَسٍ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ نامَ قَبْلَ الأكْلِ فَبَقِيَ كَذَلِكَ دُونَ أكْلٍ حَتّى غُشِيَ عَلَيْهِ في نَهارِهِ (p-٤٥١)المُقْبِلُ، فَنَزَلَ فِيهِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكُلُوا واشْرَبُوا﴾. واللِباسُ: أصْلُهُ في الثِيابِ، ثُمَّ شُبِّهَ التِباسُ الرَجُلِ بِالمَرْأةِ وامْتِزاجُهُما وتَلازُمُهِما بِذَلِكَ، كَما قالَ النابِغَةُ: ؎ إذا ما الضَجِيعُ ثَنى جِيدَها ∗∗∗ تَداعَتْ فَكانَتْ عَلَيْهِ لِباسًا وقالَ النابِغَةُ أيْضًا: ؎ لَبِسْتُ أُناسًا فَأفْنَيْتُهم ∗∗∗ وأفْنَيْتُ بَعْدَ أُناسٍ أُناسًا فَشَبَّهَ خَلْطَتَهُ لَهم بِاللِباسِ. نَحا هَذا المَنحى في تَفْسِيرِ اللِباسِ الرَبِيعُ، وغَيْرُهُ. وقالَ مُجاهِدٌ، والسُدِّيُّ: لِباسٌ: سَكَنَ، أيْ يَسْكُنُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ. وإنَّما سُمِّيَتْ هَذِهِ الأفْعالُ اخْتِيانًا لِعاقِبَةِ المَعْصِيَةِ وجَزائِها، فَراكِبُها يَخُونُ نَفْسَهُ ويُؤْذِيها. وتابَ عَلَيْكم مَعْناهُ: مِنَ المَعْصِيَةِ الَّتِي واقَعْتُمُوها، ﴿وَعَفا عنكُمْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عَنِ المَعْصِيَةِ بِعَيْنِها، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا وتَأْنِيسًا بِزِيادَةٍ عَلى التَوْبَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ عَفا عَمّا كانَ ألْزَمَكم مِنِ اجْتِنابِ النِساءِ فِيما يُؤْتَنَفُ بِمَعْنى تَرْكِهِ لَكم. كَما تَقُولُ: شَيْءٌ مَعْفُوٌّ عنهُ أيْ مَتْرُوكٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وغَيْرُهُ: "باشِرُوهُنَّ" كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ مَأْخُوذٌ مِنَ البَشْرَةِ، وقَدْ ذَكَرْنا لَفْظَةَ الآنَ في ماضِي قِصَّةِ البَقَرَةِ، ﴿وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، (p-٤٥٢)وَمُجاهِدٌ، والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وعِكْرِمَةُ، والحَسَنُ، والسُدِّيُّ، والرَبِيعُ، والضَحّاكُ، مَعْناهُ: ابْتَغَوُا الوَلَدَ. ورُوِيَ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ أنَّ المَعْنى وابْتَغَوْا لَيْلَةَ القَدْرِ، وقِيلَ: المَعْنى: ابْتَغَوُا الرُخْصَةَ والتَوْسِعَةَ. قالَهُ قَتادَةُ، وهو قَوْلٌ حَسَنٌ. وقَرَأ الحَسَنُ -فِيما رُوِيَ عنهُ- ومُعاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: "واتَّبَعُوا" مِنَ الِإتْباعِ، وجَوَّزَها ابْنُ عَبّاسٍ، ورَجَّحَ ابْتَغُوا مِنَ الِابْتِغاءِ. ﴿وَكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ﴾ نَزَلَتْ بِسَبَبِ صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ، و"حَتّى" غايَةٌ لِلتَّبَيُّنِ، ولا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ التَبَيُّنَ لِأحَدٍ ويَحْرُمَ عَلَيْهِ الأكْلُ إلّا وقَدْ مَضى لِطُلُوعِ الفَجْرِ قَدْرٌ، و"الخَيْطُ" اسْتِعارَةٌ وتَشْبِيهٌ لِرِقَّةِ البَياضِ أوَّلًا ورَقَةِ السَوادِ الحافِّ بِهِ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ أبِي داوُدَ ؎ فَلَمّا بَصَرْنَ بِهِ غَدْوَةً ∗∗∗ ولاحَ مِنَ الفَجْرِ خَيْطٌ أنارا ويُرْوى "فَنارًا". وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: "الخَيْطُ": اللَوْنُ، وهَذا لا يَطَّرِدُ لُغَةً، والمُرادُ فِيما قالَ جَمِيعُ العُلَماءِ: بَياضُ النَهارِ وسَوادُ اللَيْلِ، وهو نَصُّ قَوْلِ النَبِيِّ ﷺ لِعَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ في حَدِيثِهِ المَشْهُورِ، و"مِنَ" الأُولى لِابْتِداءِ الغايَةِ، والثانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ، (p-٤٥٣)وَ"الفَجْرِ" مَأْخُوذٌ مِن تَفَجُّرِ الماءِ لِأنَّهُ يَتَفَجَّرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. ورُوِيَ عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وغَيْرِهِ مِنَ الصَحابَةِ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ إلّا قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ فَصَنَعَ بَعْضُ الناسِ خَيْطَيْنِ أبْيَضَ وأسْوَدَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾، ورُوِيَ أنَّهُ كانَ بَيْنَ طَرَفَيِ المُدَّةِ عامٌ مِن رَمَضانَ إلى رَمَضانَ تَأخَّرَ البَيانُ إلى وقْتِ الحاجَةِ. وعَدِيُّ بْنُ حاتِمٍ جَعَلَ خَيْطَيْنِ عَلى وِسادِهِ وأخْبَرَ النَبِيَّ ﷺ فَقالَ لَهُ: «إنَّ وِسادَكَ لَعَرِيضٌ»، ورُوِيَ أنَّهُ قالَ لَهُ: «إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفا»، ولِهَذِهِ الألْفاظِ تَأْوِيلانِ. واخْتَلَفَ في الحَدِّ الَّذِي بِتَبَيُّنِهِ يَجِبُ الإمْساكُ، فَقالَ الجُمْهُورُ -وَبِهِ أخَذَ الناسُ، ومَضَتْ عَلَيْهِ الأمْصارُ والأعْصارُ، ووَرَدَتْ بِهِ الأحادِيثُ الصِحاحُ -ذَلِكَ الفَجْرُ المُعْتَرِضُ الآخِذُ في الأُفُقِ يَمْنَةً ويَسْرَةً، فَبِطُلُوعِ أوَّلِهِ في الأُفُقِ يَجِبُ الإمْساكُ وهو مُقْتَضى حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وسُمْرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ. (p-٤٥٤)وَرُوِيَ عن عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، وحُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، وابْنِ عَبّاسٍ وطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وعَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، والأعْمَشِ، وغَيْرِهِمْ: أنَّ الإمْساكَ يَجِبُ بِتَبَيُّنِ الفَجْرِ في الطُرُقِ، وعَلى رُؤُوسِ الجِبالِ، وذُكِرَ «عن حُذَيْفَةَ أنَّهُ قالَ: تَسَحَّرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وهو النَهارُ إلّا أنَّ الشَمْسَ لَمْ تَطْلُعْ»، ورُوِيَ عن عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ صَلّى الصُبْحَ بِالناسِ ثُمَّ قالَ: "الآنَ تَبَيَّنَ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ. قالَ الطَبَرِيُّ: "وَمِمّا قادَهم إلى هَذا القَوْلِ أنَّهم يَرَوْنَ أنَّ الصَوْمَ إنَّما هو في النَهارِ، والنَهارُ عِنْدَهم مِن طُلُوعِ الشَمْسِ لِأنَّ آخِرَهُ غُرُوبُها، فَكَذَلِكَ أوَّلُهُ طُلُوعُها". وحَكى النَقّاشُ، عَنِ الخَلِيلِ بْنِ أحْمَدَ أنَّ النَهارَ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ، ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿وَأقِمِ الصَلاةَ طَرَفَيِ النَهارِ﴾ [هود: ١١٤]. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والقَوْلُ في نَفْسِهِ صَحِيحٌ وقَدْ ذُكِرَتْ حُجَّتُهُ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واخْتِلافِ اللَيْلِ والنَهارِ﴾ [البقرة: ١٦٤] وفي الِاسْتِدْلالِ بِهَذِهِ الآيَةِ نَظَرٌ. ومَن أكَلَ وهو يَشُكُّ: هَلْ طَلَعَ (p-٤٥٥)الفَجْرُ أمْ لَمْ يَطْلُعْ؟ فَعَلَيْهِ عِنْدُ مالِكٍ القَضاءُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أتِمُّوا الصِيامَ إلى اللَيْلِ﴾ أمْرٌ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، و"إلى" غايَةٌ، إذا كانَ ما بَعْدَها مِن جِنْسِ ما قَبْلَها فَهو داخِلٌ في حُكْمِهِ، كَقَوْلِكَ اشْتَرَيْتُ الفَدّانَ إلى حاشِيَتِهِ، وإذا كانَ مِن غَيْرِ جِنْسِهِ كَما تَقُولُ: اشْتَرَيْتُ الفَدّانَ إلى الدارِ لَمْ يَدْخُلْ في المَحْدُودِ ما بَعْدَ إلى. ورَأتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إلى اللَيْلِ﴾ يَقْتَضِي النَهْيَ عَنِ الوِصالِ، وقَدْ واصَلَ النَبِيُّ ﷺ ونَهى الناسَ عَنِ الوِصالِ، وقَدْ واصَلَ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ. وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَسَخَتِ الحُكْمَ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣] عَلى قَوْلِ مَن رَأى التَشْبِيهَ في الِامْتِناعِ مِنَ الوَطْءِ والأكْلِ بَعْدَ النَوْمِ في قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وبَعْدَ صَلاةِ العِشاءِ في قَوْلِ بَعْضِهِمْ. واللَيْلُ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الصِيامُ مَغِيبُ قُرْصِ الشَمْسِ، فَمَن أفْطَرَ وهو شاكٌّ هَلْ غابَتِ الشَمْسُ، فالمَشْهُورُ مِنَ المَذْهَبِ أنَّ عَلَيْهِ القَضاءَ والكَفّارَةَ، وفي ثَمانِيَةِ أبِي زَيْدٍ: عَلَيْهِ القَضاءُ فَقَطْ قِياسًا عَلى الشَكِّ في الفَجْرِ، وهو قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ العُلَماءِ، وقالَ إسْحاقُ والحَسَنُ: لا قَضاءَ عَلَيْهِ كالناسِي عِنْدَهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تُباشِرُوهُنَّ وأنْتُمْ عاكِفُونَ في المَساجِدِ﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى: لا تُجامِعُوهُنَّ، وقالَ الجُمْهُورُ: ذَلِكَ يَقَعُ عَلى الجِماعِ فَما دُونَهُ مِمّا يَتَلَذَّذُ بِهِ مِنَ النِساءِ، (p-٤٥٦)وَ"عاكِفُونَ" مُلازِمُونَ، يُقالُ: عَكَفَ عَلى الشَيْءِ إذا لازَمَهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، قالَ الراجِزُ: ؎ .................... ∗∗∗ عَكَفَ النَبِيطُ يَلْعَبُونَ الفَنْزَجا وقالَ الشاعِرُ: ؎ وظَلَّ بَناتُ اللَيْلِ حَوْلِي عُكَّفا ∗∗∗ عُكُوفٌ البَواكِي بَيْنَهُنَّ صَرِيعُ وقالَ أبُو عَمْرٍو، وأبُو حاتِمٍ: قَرَأ قَتادَةُ: "عَكِفُونَ" بِغَيْرِ ألِفٍ، والِاعْتِكافُ سُنَّةٌ. وقَرَأ الأعْمَشُ: "فِي المَسْجِدِ" بِالإفْرادِ، وقالَ: وهو المَسْجِدُ الحَرامُ. قالَ مالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ وجَماعَةٌ مَعَهُ: لا اعْتِكافَ إلّا في مَساجِدِ الجُمُعاتِ، ورُوِيَ عن مالِكٍ أيْضًا أنَّ ذَلِكَ في كُلِّ مَسْجِدٍ، ويَخْرُجُ إلى الجُمْعَةِ كَما يَخْرُجُ إلى ضَرُورِيِّ أشْغالِهِ، وقالَ قَوْمٌ: لا اعْتِكافَ إلّا في أحَدِ المَساجِدِ الثَلاثَةِ الَّتِي تُشَدُّ المَطِيَّ إلَيْها، وقالَتْ فِرْقَةٌ، لا اعْتِكافَ إلّا في مَسْجِدِ نَبِيٍّ. وقالَ مالِكٌ: لا يَعْتَكِفُ أقَلَّ مِن يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، ومِن نَذَرَ أحَدُهُما لَزِمَهُ الآخَرُ. وقالَ سَحْنُونُ: مَن نَذَرَ اعْتِكافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وقالَتْ طائِفَةٌ: أيُّهُما نَذَرَ اعْتَكَفَهُ ولَمْ يَلْزَمْهُ أكْثَرُ. وقالَ مالِكٌ: لا اعْتِكافَ إلّا بِصَوْمٍ، وقالَ غَيْرُهُ: يَعْتَكِفُ بِغَيْرِ صَوْمٍ. ورُوِيَ عن عائِشَةَ أنَّهُ يَعْتَكِفُ في غَيْرِ مَسْجِدٍ، و"تِلْكَ" إشارَةٌ إلى هَذِهِ الأوامِرِ والنَواهِي. والحُدُودُ: الحَواجِزُ بَيْنَ الإباحَةِ والحَظْرِ، ومِنهُ قِيلَ لِلْبَوّابِ حَدّادٌ لِأنَّهُ يَمْنَعُ، ومِنهُ الحادُّ لِأنَّها تَمْنَعُ مِنَ الزِينَةِ،. والآياتُ: العَلاماتُ الهادِيَةُ إلى الحَقِّ، و"لَعَلَّهُمْ" تَرَجٍّ في حَقِّهِمْ، وظاهِرُ ذَلِكَ (p-٤٥٧)عُمُومٌ، ومَعْناهُ خُصُوصٌ فِيمَن يَسَّرَهُ اللهُ لِلْهُدى بِدَلالَةِ الآياتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشاءُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب