الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿أحل لكم﴾ أَي: أُبِيح لكم (لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم) .
قيل: والرفث: كل مَا يُريدهُ الرجل من امْرَأَته، وَهُوَ بِمَعْنى الْوَطْء هَاهُنَا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: إِن الله حييّ كريم، يكنى بالْحسنِ عَن الْقَبِيح.
﴿هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ﴾ قيل: مَعْنَاهُ: هن سكن لكم، وَأَنْتُم سكن لَهُنَّ. وَقيل: لَا يسكن شَيْء إِلَى شَيْء كسكون أحد الزَّوْجَيْنِ إِلَى الآخر. وَقيل: أَرَادَ بِهِ حَقِيقَة اللبَاس، فَإِن أَحدهمَا يصير لباسا لصَاحبه عِنْد الْمُبَاشرَة، قَالَ ﴿عَنْكُم فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب الله لكم وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم﴾ الشَّاعِر:
(إِذا مَا الضجيع ثنى جيده ... تثنت فَصَارَت عَلَيْهِ لباسا)
قَالَ الرّبيع بن أنس: مَعْنَاهُ: هن فرش لكم، وَأَنت لحف لَهُنَّ.
وَقَوله تَعَالَى: (علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم) هُوَ افتعال: من الْخِيَانَة، أَي: تخونون أَنفسكُم بمخالفة الْأَمر، وَترك الْوِقَايَة. وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالْآن باشروهن﴾ قيل: أَرَادَ بِهِ الْوَطْء. وَقيل: مَا دون الْوَطْء. وَقَوله تَعَالَى: ﴿وابتغوا مَا كتب الله لكم﴾ قَالَ أنس بن مَالك: أَرَادَ بِهِ طلب الْوَلَد.
وروى أَبُو الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِهِ ابْتِغَاء لَيْلَة الْقدر.
وَقَالَ قَتَادَة وَهُوَ أحسن الْأَقْوَال: يَعْنِي: وابتغوا مَا كتب الله لكم من الرُّخْصَة بِإِبَاحَة الْأكل، وَالشرب، وَالْوَطْء، فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس فِي الشواذ: " وَاتبعُوا مَا كتب الله لكم وكلوا وَاشْرَبُوا ".
وَسبب نزُول الْآيَة: أَن الله تَعَالَى كَانَ قد أوجب الصَّوْم فِي الِابْتِدَاء من الْعَتَمَة إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة، وَكَانَ كل من نَام أَو صلى الْعشَاء حرم عَلَيْهِ الْأكل، وَالشرب، وَالْوَطْء " فروى أَن رجلا يُقَال لَهُ: صرمة أَبُو قيس ظلّ يعْمل جَمِيع النَّهَار، ثمَّ آوى إِلَى منزله، وَطلب من امْرَأَته طَعَاما، فأبطأت، فغلبه النّوم، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ كَانَ قد حرم الطَّعَام وَالشرَاب فَأصْبح وَقد جهد جهدا شَدِيدا، حَتَّى خر مغشيا عَلَيْهِ، فَأخْبر بِهِ ﴿الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل﴾ رَسُول الله؛ فَنزلت الْآيَة بِإِبَاحَة الْأكل وَالشرب بِاللَّيْلِ.
وَسبب إِبَاحَة الْمُبَاشرَة: مَا روى أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: " يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت امْرَأَتي بعد مَا نمت، فَقَالَ: مَا كنت جَدِيرًا بِهَذَا يَا عمر ".
" وروى أَن رجلا من الصَّحَابَة أخبر النَّبِي بِمثل ذَلِك، فَنزلت الْآيَة بِإِبَاحَة الْمُبَاشرَة " وَذَلِكَ معنى قَوْله: ﴿كُنْتُم تختانون أَنفسكُم﴾ .
فَأَما قَوْله: ﴿وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: أَرَادَ بالخيط: اللَّوْن، وَمَعْنَاهُ: بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿من الْفجْر﴾ سَبَب نُزُوله مَا روى " أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة أَخذ عدي ابْن حَاتِم عِقَالَيْنِ، أَحدهمَا أَبيض، وَالْآخر أسود، وَوَضعهمَا تَحت وسادته فَلَمَّا أصبح كَانَ ينظر إِلَيْهِمَا، ويتسحر، حَتَّى يتَبَيَّن الْأَبْيَض من الْأسود، فَأخْبر بِهِ النَّبِي فَقَالَ: إِنَّك لَعَرِيض الوساد ".
وَفِي رِوَايَة: " إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا، إِنَّمَا هُوَ بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل " وَهِي كلمة لَهُم يكنون بهَا عَن قلَّة الْفَهم؛ فَنزل قَوْله ﴿من الْفجْر﴾ وَالْفَجْر فجران: ﴿وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها كَذَلِك﴾ أَحدهمَا فجر مستطيل كذنب السرحان، يطاع صاعدا، ثمَّ يغيب، ويغلب الظلام، وَهُوَ الْفجْر الْكَاذِب.
وَالثَّانِي بعده: فجر مستطير، ينتشر فِي الْأُفق سَرِيعا، وَقيل: يخْتَلط بِهِ الْحمرَة، وَهُوَ الْفجْر الصَّادِق الَّذِي يحرم الطَّعَام ويبيح الصّيام.
وَتقول الْعَرَب: الْفجْر (بشير) الشَّمْس.
ويحكى عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان خلافًا غَرِيبا، وَهُوَ مَعْرُوف عَنهُ، أَنه قَالَ: أَرَادَ بِالْفَجْرِ طُلُوع الشَّمْس، وَكَانَ يُبِيح التسحر بعد طُلُوع الْفجْر.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل﴾ وَهَذَا يَقْتَضِي حُرْمَة الصَّوْم بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ قد جعله حدا.
وَقد قَالَ: " من صَامَ بِاللَّيْلِ فقد تَعب وَلَا أجر لَهُ ".
وَقَالَ أَيْضا: " إِذْ أقبل اللَّيْل من هَاهُنَا، وَأدبر النَّهَار من هَاهُنَا، فقد أفطر الصَّائِم ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد﴾ والعكوف: هُوَ الْمقَام فِي الْموضع.
وَقيل: نزلت الْآيَة فِي قوم من الْمُسلمين كَانُوا يخرجُون من الِاعْتِكَاف، ويباشرون الْأَهْل، ثمَّ يعودون إِلَى الْمُعْتَكف، فَحرم الله تَعَالَى الْمُبَاشرَة فِي الِاعْتِكَاف.
وَالِاعْتِكَاف جَائِز فِي كل الْمَسَاجِد، وَحكى عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان خلافًا شاذا فِيهِ فَقَالَ: لَا يجوز الِاعْتِكَاف إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَسَاجِد: فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى، وَمَسْجِد الْمَدِينَة وَكَانَ يعيب على عبد الله بن مَسْعُود اعْتِكَافه فِي غَيرهَا من الْمَسَاجِد، وَكَانَ عبد الله يُنكره وَيرد عَلَيْهِ قَوْله، وَالْأمة على قَول عبد الله.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿تِلْكَ حُدُود الله﴾ وَهِي مَا منع الله تَعَالَى عَنْهَا من الْمعاصِي.
وأصل الْحَد: الْمَنْع. وَمِنْه الْحداد للبواب؛ لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس، وَمِنْه الْحَدِيد؛ لِأَنَّهُ يحتمي بِهِ للامتناع من الأعادي.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فَلَا تقربوها﴾ أَي: فَلَا ترتكبوها.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿كَذَلِك يبين الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
{"ayah":"أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسࣱ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسࣱ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَیۡطُ ٱلۡأَبۡیَضُ مِنَ ٱلۡخَیۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّیَامَ إِلَى ٱلَّیۡلِۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق