الباحث القرآني
«كانَ الرَجُلُ إذا أمْسى حَلَّ لَهُ الأكْلُ والشُرْبُ والجِماعُ إلى أنْ يُصَلِّيَ العِشاءَ الآخِرَةَ، أوْ يَرْقُدَ، فَإذا صَلّاها أوْ رَقَدَ، ولَمْ يُفْطِرْ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَعامُ والشَرابُ والنِساءُ إلى القابِلَةِ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ -رِضى اللهُ عَنْهُ- واقَعَ أهْلَهُ بَعْدَ صَلاةِ العِشاءِ الآخِرَةِ، فَلَمّا اغْتَسَلَ أخَذَ يَبْكِي، ويَلُومُ نَفْسَهُ، فَأتى النَبِيَّ ﷺ وأخْبَرَهُ بِما فَعَلَ فَقالَ ﷺ: "ما كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ" فَنَزَلَ ﴿أُحِلَّ لَكم لَيْلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ﴾ » أيِ:الجِماعُ ﴿إلى نِسائِكُمْ﴾ عَدّى بِإلى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الإفْضاءِ، وإنَّما كَنّى عَنْهُ بِلَفْظِ الرَفَثِ الدالِّ عَلى مَعْنى القُبْحِ، ولَمْ يَقُلِ الإفْضاءُ إلى نِسائِكُمْ، اسْتِقْباحًا لِما وُجِدَ مِنهم قَبْلَ الإباحَةِ، كَما سَمّاهُ اخْتِيانًا لِأنْفُسِهِمْ، ولَمّا كانَ الرَجُلُ والمَرْأةُ يَعْتَنِقانِ، ويَشْتَمِلُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما عَلى صاحِبِهِ في عِناقِهِ، شُبِّهَ بِاللِباسِ المُشْتَمَلِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكم وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ وقِيلَ: لِباسٌ، أيْ: سِتْرٌ عَنِ الحَرامِ. و﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ كالبَيانِ لِسَبَبِ الإحْلالِ، وهو أنَّهُ إذا كانَتْ بَيْنَكم وبَيْنَهُنَّ مِثْلُ هَذِهِ المُخالَطَةِ والمُلابَسَةِ، قَلَّ صَبْرُكم عَنْهُنَّ، وصَعُبَ عَلَيْكُمُ اجْتِنابُهُنَّ، فَلِذا رَخَّصَ لَكم في مُباشَرَتِهِنَّ ﴿عَلِمَ (p-١٦٢)اللهُ أنَّكم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ تَظْلِمُونَها بِالجِماعِ، وتَنْقُصُونَها حَظَّها مِنَ الخَيْرِ. والِاخْتِيانُ: مِنَ الخِيانَةِ، كالِاكْتِسابِ مِنَ الكَسْبِ، فِيهِ زِيادَةٌ وشِدَّةٌ ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ حِينَ تُبْتُمْ مِمّا ارْتَكَبْتُمْ مِنَ المَحْظُورِ،
﴿وَعَفا عَنْكُمْ﴾ ما فَعَلْتُمْ قَبْلَ الرُخْصَةِ،
﴿فالآنَ باشِرُوهُنَّ﴾ جامِعُوهُنَّ في لَيالِي الصَوْمِ، وهو أمْرُ إباحَةٍ، وسُمِّيَتِ المَجامَعَةُ مُباشَرَةً لِالتِصاقِ بَشَرَتَيْهِما،
﴿وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ واطْلُبُوا ما قَسَّمَ اللهُ لَكم وأثْبَتَ في اللَوْحِ مِنَ الوَلَدِ بِالمُباشَرَةِ، أيْ: لا تُباشِرُوا لِقَضاءِ الشَهْوَةِ وحْدَها، ولَكِنْ لِابْتِغاءِ ما وضَعَ اللهُ لَهُ النِكاحَ مِنَ التَناسُلِ، أوْ ﴿وابْتَغُوا﴾ المَحَلَّ الَّذِي كَتَبَهُ اللهُ لَكم وحَلَّلَهُ دُونَ ما لَمْ يَكْتُبْ لَكم مِنَ المَحَلِّ المُحَرَّمِ،
﴿وَكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ﴾ هو أوَّلُ ما يَبْدُو مِنَ الفَجْرِ المُعْتَرِضِ في الأُفُقِ كالخَيْطِ المَمْدُودِ ﴿مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ﴾ وهو ما يَمْتَدُّ مِن سَوادِ اللَيْلِ، شُبِّها بِخَيْطَيْنِ أبْيَضَ وأسْوَدَ، لِامْتِدادِهِما.
﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ بَيانُ أنَّ الخَيْطَ الأبْيَضَ مِنَ الفَجْرِ لا مِن غَيْرِهِ، واكْتَفى بِهِ عَنْ بَيانِ الخَيْطِ الأسْوَدِ، لِأنَّ بَيانَ أحَدِهِما بَيانٌ لِلْآخَرِ، أوْ مِن لِلتَّبْعِيضِ، لِأنَّهُ بَعْضُ الفَجْرِ وأوَّلُهُ، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ أخْرَجَهُ مِن بابِ الِاسْتِعارَةِ، وصَيَّرَهُ تَشْبِيهًا بَلِيغًا، كَما أنَّ قَوْلَكَ: رَأيْتُ أسَدًا مَجازًا، فَإذا زِدْتَ: مِن فُلانٍ، رَجَعَ تَشْبِيهًا، «وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: عَمَدْتُ إلى عِقالَيْنِ أبْيَضَ وأسْوَدَ فَجَعَلْتُهُما تَحْتَ وِسادَتِي، فَنَظَرْتُ إلَيْهِما، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي الأبْيَضُ مِنَ الأُسُودِ، فَأخْبَرْتُ النَبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ فَقالَ: "إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفا" » - أيْ: سَلِيمُ القَلْبِ، لِأنَّهُ مِمّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى بَلاهَةِ الرَجُلِ وقِلَّةِ فِطْنَتِهِ- « "إنَّما ذَلِكَ بَياضُ النَهارِ وسَوادُ اللَيْلِ". » وفي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أتِمُّوا الصِيامَ إلى اللَيْلِ﴾ أيِ:الكَفُّ عَنْ هَذِهِ الأشْياءِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ النِيَّةِ بِالنَهارِ في صَوْمِ رَمَضانَ، وعَلى جَوازِ تَأْخِيرِ الغُسْلِ إلى الفَجْرِ، وعَلى نَفْيِ الوِصالِ، وعَلى وُجُوبِ الكَفّارَةِ في الأكْلِ (p-١٦٣)والشُرْبِ، وعَلى أنَّ الجَنابَةَ لا تُنافِي الصَوْمَ ﴿وَلا تُباشِرُوهُنَّ وأنْتُمْ عاكِفُونَ في المَساجِدِ﴾ مُعْتَكِفُونَ فِيها، بَيَّنَ أنَّ الجِماعَ يَحِلُّ في لَيالِي رَمَضانَ لَكِنْ لِغَيْرِ المُعْتَكَفِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الِاعْتِكافَ لا يَكُونُ إلّا في المَسْجِدِ، وأنَّهُ لا يَخْتَصُّ بِهِ مَسْجِدٌ دُونَ مَسْجِدٍ،
﴿تِلْكَ﴾ الأحْكامُ الَّتِي ذُكِرَتْ ﴿حُدُودُ اللهِ﴾ أحْكامُهُ المَحْدُودَةُ ﴿فَلا تَقْرَبُوها﴾ بِالمُخالَفَةِ، والتَغْيِيرِ.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ﴾ شَرائِعَهُ ﴿لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ المَحارِمَ.
{"ayah":"أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسࣱ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسࣱ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَیۡطُ ٱلۡأَبۡیَضُ مِنَ ٱلۡخَیۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّیَامَ إِلَى ٱلَّیۡلِۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق