الباحث القرآني

(p-٤٨)﴿أُحِلَّ لَكم لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ﴾ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ما رَواهُ البُخارِيُّ، عَنِ البَراءِ: لَمّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضانَ كُلِّهِ، وكانَ رِجالٌ يَخُونُونَ أنْفُسَهم، فَنَزَلَتْ، وقِيلَ: كانَ الرَّجُلُ إذا أمْسى حَلَّ لَهُ الأكْلُ والشُّرْبُ والجِماعُ إلى أنْ يُصَلِّيَ العِشاءَ الآخِرَةَ أوْ يَرْقُدَ، فَإذا صَلّاها أوْ رَقَدَ ولَمْ يُفْطِرْ حَرُمَ عَلَيْهِ ما حَلَّ لَهُ قَبْلُ إلى القابِلَةِ، وأنَّ عُمَرَ، وكَعْبًا الأنْصارِيَّ، وجَماعَةً مِنَ الصَّحابَةِ واقَعُوا أهْلَهم بَعْدَ العِشاءِ الآخِرَةِ، وأنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأنْصارِيَّ نامَ قَبْلَ أنْ يُفْطِرَ، وأصْبَحَ صائِمًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ انْتِصافِ النَّهارِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَنَزَلَتْ. وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: نَزَلَتِ الآيَةُ في زَلَّةٍ بَدَرَتْ، فَجُعِلَ ذَلِكَ سَبَبَ رُخْصَةٍ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، هَذا مِن إحْكامِ العِنايَةِ. ومُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها مِنَ الآياتِ أنَّها مِن تَمامِ الأحْوالِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلصّائِمِ، ولَمّا كانَ افْتِتاحُ آياتِ الصَّوْمِ بِأنَّهُ: كُتِبَ عَلَيْنا كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا، اقْتَضى عُمُومَ التَّشْبِيهِ في الكِتابَةِ، وفي العَدَدِ، وفي الشَّرائِطِ، وسائِرِ تَكالِيفِ الصَّوْمِ. وكانَ أهْلُ الكِتابِ قَدْ أُمِرُوا بِتَرْكِ الأكْلِ بِالحِلِّ، والشُّرْبِ والجِماعِ في صِيامِهِمْ بَعْدَ أنْ يَنامُوا، وقِيلَ: بَعْدَ العِشاءِ، وكانَ المُسْلِمُونَ كَذَلِكَ، فَلَمّا جَرى لِعُمَرَ وقَيْسٍ ما ذَكَرْناهُ في سَبَبِ النُّزُولِ، أباحَ اللَّهُ لَهم ذَلِكَ مِن أوَّلِ اللَّيْلِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ: لُطْفًا بِهِمْ. وناسَبَ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى في آخِرِ آيَةِ الصَّوْمِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وهَذا مِنَ التَّيْسِيرِ. وقَوْلُهُ ”أُحِلَّ“ يَقْتَضِي أنَّهُ كانَ حَرامًا قَبْلَ ذَلِكَ، وقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ ذَلِكَ في سَبَبِ النُّزُولِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرامًا في جَمِيعِ اللَّيْلَةِ، ألا تَرى أنَّ ذَلِكَ كانَ حَلالًا لَهم إلى وقْتِ النَّوْمِ أوْ إلى بَعْدِ العِشاءِ ؟ وقَرَأ الجُمْهُورُ ”أُحِلَّ“ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وحُذِفَ الفاعِلُ لِلْعِلْمِ بِهِ، وقُرِئَ ”أحَلَّ“ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، ونُصِبَ ”الرَّفَثَ“ بِهِ، فَإمّا أنْ يَكُونَ مِن بابِ الإضْمارِ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ، إذْ مَعْلُومٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أنَّ الَّذِي يُحِلُّ ويُحَرِّمُ هو اللَّهُ، وإمّا أنْ يَكُونَ مِن بابِ الِالتِفاتِ، وهو الخُرُوجُ مِن ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ إلى ضَمِيرِ الغائِبِ: لِأنَّ قَبْلَهُ: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي﴾ [البقرة: ١٨٦] و”لَكم“ مُتَعَلِّقٌ بِأحَلَّ، وهو التِفاتٌ: لِأنَّ قَبْلَهُ ضَمِيرُ غائِبٍ، وانْتِصابُ ”لَيْلَةَ“ عَلى الظَّرْفِ، ولا يُرادُ بِـ ”لَيْلَةَ“ الوَحْدَةُ بَلِ الجِنْسُ، قالُوا: والنّاصِبُ لِهَذا الظَّرْفِ ”أحَلَّ“ ولَيْسَ بِشَيْءٍ: لِأنَّ ”لَيْلَةَ“ لَيْسَ بِظَرْفٍ لِأحَلَّ، إنَّما هو مِن حَيْثُ المَعْنى ظَرْفٌ لِلرَّفَثِ، وإنْ كانَتْ صِناعَةُ النَّحْوِ تَأْبى أنْ تَكُونَ انْتِصابُ ”لَيْلَةَ“ بِالرَّفَثِ: لِأنَّ الرَّفَثَ مَصْدَرٌ وهو مَوْصُولٌ هُنا، فَلا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ، لَكِنْ يُقَدَّرُ لَهُ ناصِبٌ، وتَقْدِيرُهُ: الرَّفَثَ لَيْلَةَ الصِّيامِ، فَحُذِفَ، وجُعِلَ المَذْكُورُ مَبْنِيًّا لَهُ كَما قالُوا في قَوْلِهِ: ؎وبَعْضُ الحِلْمِ عِنْدَ الجَهْلِ لِلذِّلَّةِ إذْعانُ إنَّ تَقْدِيرَهُ: إذْعانٌ لِلذِّلَّةِ إذْعانٌ، وكَما خَرَّجُوا قَوْلَهُ: ﴿إنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١]، و﴿إنِّي لِعَمَلِكم مِنَ القالِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٨] أيْ ناصِحٌ لَكُما، وقالَ ”لِعَمَلِكم“ فَما كانَ مِنَ المَوْصُولِ قُدِّمَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِن حَيْثُ المَعْنى عَلَيْهِ أُضْمِرَ لَهُ عامِلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ المَوْصُولُ، وقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَن يُجِيزُ تَقَدُّمَ الظَّرْفِ عَلى نَحْوِ هَذا المَصْدَرِ، وأُضِيفَتِ اللَّيْلَةُ إلى الصِّيامِ عَلى سَبِيلِ الِاتِّساعِ: لِأنَّ الإضافَةَ تَكُونُ لِأدْنى مُلابَسَةٍ، ولَمّا كانَ الصِّيامُ يُنْوى في اللَّيْلَةِ ولا يَتَحَقَّقُ إلّا بِصَوْمِ جُزْءٍ مِنها، صَحَّتِ الإضافَةُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”الرَّفَثُ“ وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ ”الرُّفُوثُ“ وكَنّى بِهِ هُنا عَنِ الجِماعِ، والرَّفَثُ قالُوا: هو الإفْصاحُ بِما يَجِبُ أنْ يُكَنّى عَنْهُ، كَلَفْظِ: النَّيْكِ، وعَبَّرَ بِاللَّفْظِ القَرِيبِ مِن لَفْظِ النَّيْكِ تَهْجِينًا لِما وُجِدَ مِنهم، إذْ كانَ ذَلِكَ حَرامًا عَلَيْهِمْ، فَوَقَعُوا فِيهِ، كَما قالَ فِيهِ: ﴿تَخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ﴾، فَجَعَلَ ذَلِكَ خِيانَةً، وعُدِّيَ بِإلى، وإنْ كانَ أصْلُهُ التَّعْدِيَةَ بِالباءِ: لِتَضْمِينِهِ مَعْنى الإفْضاءِ، وحَسَّنَ اللَّفْظُ بِهِ هَذا التَّضْمِينَ، فَصارَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنَ الكِناياتِ الَّتِي جاءَتْ في القُرْآنِ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَلَمّا تَغَشّاها﴾ [الأعراف: ١٨٩]، ﴿ولا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، ﴿فالآنَ باشِرُوهُنَّ﴾ . والنِّساءُ جَمْعُ الجَمْعِ، وهو نِسْوَةٌ، أوْ جَمْعُ امْرَأةٍ عَلى غَيْرِ اللَّفْظِ، وأضافَ النِّساءَ إلى المُخاطَبِينَ لِأجْلِ الِاخْتِصاصِ، إذْ لا يَحِلُّ الإفْضاءُ إلّا لِمَنِ اخْتَصَّتْ (p-٤٩)بِالمُفْضِي: إمّا بِتَزْوِيجٍ أوْ مِلْكٍ. ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكم وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾، اللِّباسُ، أصْلُهُ في الثَّوْبِ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ في المَرْأةِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: يُقالُ لِلْمَرْأةِ هي لِباسُكَ وفِراشُكَ، وإزارُكَ لِما بَيْنَهُما مِنَ المُمازَجَةِ. ولَمّا كانا يَعْتَنِقانِ ويَشْتَمِلُ كُلٌّ مِنهُما صاحِبَهُ في العِناقِ شُبِّهَ كُلٌّ مِنهُما بِاللِّباسِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلى الإنْسانِ. قالَ الرَّبِيعُ: هُنَّ لِحافٌ لَكم وأنْتُمْ لِحافٌ لَهُنَّ، وقالَ مُجاهِدٌ، والسُّدِّيُّ: هُنَّ سَكَنٌ لَكم، أيْ: يَسْكُنُ بَعْضُكم إلى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباسًا والنَّوْمَ سُباتًا﴾ [الفرقان: ٤٧]، وهَذِهِ الجُمْلَةُ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، بَلْ هي مُسْتَأْنَفَةٌ كالبَيانِ لِسَبَبِ الإحْلالِ، وهو عَدَمُ الصَّبْرِ عَنْهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ لَكم في المُخالَطَةِ كاللِّباسِ، وقَدَّمَ ”﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ﴾“ عَلى قَوْلِهِ ”﴿وأنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾“: لِظُهُورِ احْتِياجِ الرَّجُلِ إلى المَرْأةِ وقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْها، والرَّجُلُ هو البادِئُ بِطَلَبِ ذَلِكَ الفِعْلِ، ولا تَكادُ المَرْأةُ تَطْلُبُ ذَلِكَ الفِعْلَ ابْتِداءً لِغَلَبَةِ الحَياءِ عَلَيْهِنَّ، حَتّى أنَّ بَعْضَهُنَّ تَسْتُرُ وجْهَها عِنْدَ المُواقَعَةِ حَتّى لا تَنْظُرَ إلى زَوْجِها حَياءً وقْتَ ذَلِكَ الفِعْلِ. جَمَعَتِ الآيَةُ ثَلاثَةَ أنْواعٍ مِنَ البَيانِ: الطِّباقُ المَعْنَوِيُّ، بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾، فَإنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمًا سابِقًا، فَكَأنَّهُ أُحِلَّ لَكم ما حُرِّمَ عَلَيْكم، أوْ ما حُرِّمَ عَلى مَن قَبْلَكم، والكِنايَةُ بِقَوْلِهِ ”الرَّفَثُ“ وهو كِنايَةٌ عَنِ الجِماعِ، والِاسْتِعارَةُ البَدِيعَةُ بِقَوْلِهِ: ”﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ﴾“، وأُفْرِدَ اللِّباسُ لِأنَّهُ كالمَصْدَرِ، تَقُولُ: لابَسْتُ مُلابَسَةً ولِباسًا. * * * ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ إنْ كانَتْ ”عَلِمَ“ مُعَدّاةً تَعْدِيَةَ عَرَفَ، فَسَدَّتْ ”أنَّ“ مَسَدَّ المَفْعُولِ، أوِ التَّعْدِيَةَ الَّتِي هي لَها في الأصْلِ، فَسَدَّتْ مَسَدَّ المَفْعُولَيْنِ، عَلى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ لَنا نَظِيرُ هَذا. و”﴿تَخْتانُونَ﴾“: هو مِنَ الخِيانَةِ، وافْتَعَلَ هُنا بِمَعْنى فَعَلَ، فاخْتانَ بِمَعْنى: خانَ، كاقْتَدَرَ بِمَعْنى: قَدَرَ. قِيلَ وزِيادَةُ الحَرْفِ تَدُلُّ عَلى الزِّيادَةِ في المَعْنى، والِاخْتِيانُ هُنا مُعَبَّرٌ بِهِ عَمّا وقَعُوا فِيهِ مِنَ المَعْصِيَةِ بِالجِماعِ وبِالأكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، وكانَ ذَلِكَ خِيانَةً لِأنْفُسِهِمْ: لِأنَّ وبالَ المَعْصِيَةِ عائِدٌ عَلى أنْفُسِهِمْ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: تَظْلِمُونَ أنْفُسَكم وتَنْقُصُونَ حَقَّها مِنَ الخَيْرِ، وقِيلَ: مَعْناهُ تَسْتَأْثِرُونَ أنْفُسَكم فِيما نُهِيتُمْ عَنْهُ، وقِيلَ: مَعْناهُ تَتَعَهَّدُونَ أنْفُسَكم بِإتْيانِ نِسائِكم. يُقالُ: تَخَوَّنَ وتَخَوَّلَ، بِمَعْنى: تَعَهَّدَ، فَتَكُونُ النُّونُ بَدَلًا مِنَ اللّامِ لِأنَّهُ بِاللّامِ أشْهَرُ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: هي عِبارَةٌ عَنْ عَدَمِ الوَفاءِ بِما يَجِبُ عَلَيْهِ مِن حَقِّ النَّفْسِ، ولِذَلِكَ قالَ: ”﴿أنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤]“ ولَمْ يَقُلِ: اللَّهَ، وظاهِرُ الكَلامِ وُقُوعُ الخِيانَةِ مِنهم لِدَلالَةِ كانَ عَلى ذَلِكَ، ولِلنَّقْلِ الصَّحِيحِ في حَدِيثِ الجِماعِ وغَيْرِهِ، وقِيلَ: ذَلِكَ عَلى تَقْدِيرِ ”ولَمْ يَقَعْ بَعْدُ“، والمَعْنى: تَخْتانُونَ أنْفُسَكم لَوْ دامَتْ تِلْكَ الحُرْمَةُ، وهَذا فِيهِ ضَعْفٌ لِوُجُودِ كانَ: ولِأنَّهُ إضْمارٌ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، ولِمُنافاةِ ظاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿فَتابَ عَلَيْكم وعَفا عَنْكُمْ﴾ . ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ أيْ: قَبِلَ تَوْبَتَكم حِينَ تُبْتُمْ مِمّا ارْتَكَبْتُمْ مِنَ المَحْظُورِ، وقِيلَ: مَعْناهُ خَفَّفَ عَنْكم بِالرُّخْصَةِ والإباحَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ [المزمل: ٢٠]، ﴿فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٩٢]، ﴿لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلى النَّبِيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ﴾ [التوبة: ١١٧]، مَعْناهُ كُلُّهُ التَّخْفِيفُ، وقِيلَ: مَعْناهُ أسْقَطَ عَنْكم ما افْتَرَضَهُ مِن تَحْرِيمِ الأكْلِ والشُّرْبِ والجِماعِ بَعْدَ العِشاءِ، أوْ بَعْدَ النَّوْمِ عَلى الخِلافِ، وهَذا القَوْلُ راجِعٌ لِمَعْنى القَوْلِ. الثّانِي: ﴿وعَفا عَنْكُمْ﴾ أيْ: عَنْ ذُنُوبِكم فَلا يُؤاخِذُكم، وقَبُولُ التَّوْبَةِ هو رَفْعُ الذَّنْبِ كَما قالَ ﷺ: «التَّوْبَةُ تَمْحُو الحَوْبَةَ» والعَفْوُ: تَعْفِيَةُ أثَرِ الذَّنْبِ، فَهُما راجِعانِ إلى مَعْنًى واحِدٍ، وعاقَبَ بَيْنَهُما لِلْمُبالَغَةِ، وقِيلَ: المَعْنى، سَهَّلَ عَلَيْكم أمْرَ النِّساءِ فِيما يُؤْتَنَفُ، أيْ: تَرَكَ لَكُمُ التَّحْرِيمَ، كَما تَقُولُ: هَذا شَيْءٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، أيْ: مَتْرُوكٌ، ويُقالُ: أعْطاهُ عَفْوًا، أيْ سَهْلًا لَمْ يُكَلِّفْهُ إلى سُؤالٍ، وجَرى الفَرَسُ شَأْوَيْنِ عَفْوًا، أيْ: مِن ذاتِهِ مِن غَيْرِ إزْعاجٍ واسْتِدْعاءٍ بِضَرْبٍ بِسَوْطٍ، أوْ نَخْسٍ بِمِهْمازٍ. ﴿فالآنَ باشِرُوهُنَّ﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ”الآنَ“ في قَوْلِهِ: ﴿قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١]، أيْ: فَهَذا الزَّمانُ، أيْ: لَيْلَةَ الصِّيامِ باشِرُوهُنَّ، وهَذا أمْرٌ يُرادُ بِهِ الإباحَةُ لِكَوْنِهِ ورَدَ بَعْدَ النَّهْيِ: ولِأنَّ الإجْماعَ انْعَقَدَ عَلَيْهِ (p-٥٠)والمُباشَرَةُ في قَوْلِ الجُمْهُورِ: الجِماعُ، وقِيلَ: الجِماعُ فَما دُونَهُ، وهو مُشْتَقٌّ مِن تَلاصُقِ البَشَرَتَيْنِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ المُعانَقَةُ والمُلامَسَةُ. وإنْ قُلْنا: المُرادُ بِهِ هُنا الجِماعُ، لِقَوْلِهِ: ”الرَّفَثُ“ ولِسَبَبِ النُّزُولِ، فَإباحَتُهُ تَتَضَمَّنُ إباحَةَ ما دُونَهُ. ) أيْ ﴿وابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾: اطْلُبُوا، وفي تَفْسِيرِ: ”﴿ما كَتَبَ اللَّهُ﴾“ أقْوالٌ: أحَدُهُما: أنَّهُ الوَلَدُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، والحَسَنُ، والضَّحّاكُ، والرَّبِيعُ، والسُّدِّيُّ، والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: لَمّا أُبِيحَتْ لَهُمُ المُباشَرَةُ أُمِرُوا بِطَلَبِ ما قَسَمَ اللَّهُ لَهم، وأثْبَتَهُ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ مِنَ الوَلَدِ، وكَأنَّهُ أُبِيحَ لَهم ذَلِكَ لا لِقَضاءِ الشَّهْوَةِ فَقَطْ، لَكِنْ لِابْتِغاءِ ما شَرَعَ اللَّهُ النِّكاحَ لَهُ مِنَ التَّناسُلِ: ”تَناكَحُوا تَناسَلُوا، فَإنِّي مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ القِيامَةِ“ . الثّانِي: هو مَحَلُّ الوَطْءِ أيِ: ابْتَغُوا المَحَلَّ المُباحَ الوَطْءِ فِيهِ دُونَ ما لَمْ يُكْتَبْ لَكم مِنَ المَحَلِّ المُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ: ( ﴿فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] . الثّالِثُ: هو ما أباحَهُ بَعْدَ الحَظْرِ، أيِ: ابْتَغُوا الرُّخْصَةَ والإباحَةَ، قالَهُ قَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ. الرّابِعُ: وابْتَغُوا لَيْلَةَ القَدْرِ، قالَهُ مُعاذُ بْنُ جَبَلٍ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهو قَرِيبٌ مِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ. الخامِسُ: هو القُرْآنُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، والزَّجّاجُ. أيِ: ابْتَغُوا ما أُبِيحَ لَكم وأُمِرْتُمْ بِهِ، ويُرَجِّحُهُ قِراءَةُ الحَسَنِ، ومُعاوِيَةِ بْنِ قُرَّةَ: ”واتَّبِعُوا“ مِنَ الِاتِّباعِ، ورُوِيَتْ أيْضًا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. السّادِسُ: هو الأحْوالُ والأوْقاتُ الَّتِي أُبِيحَ لَكُمُ المُباشَرَةُ فِيهِنَّ: لِأنَّ المُباشَرَةَ تَمْتَنِعُ في زَمَنِ الحَيْضِ والنِّفاسِ والعِدَّةِ والرِّدَّةِ. السّابِعُ: هو الزَّوْجَةُ والمَمْلُوكَةُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] . الثّامِنُ: أنَّ ذاكَ نَهْيٌ عَنِ العَزْلِ لِأنَّهُ في الحَرائِرِ. و”كَتَبَ“ هُنا بِمَعْنى: جَعَلَ، كَقَوْلِهِ: ﴿كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمانَ﴾ [المجادلة: ٢٢]، أوْ بِمَعْنى: قَضى، أوْ بِمَعْنى: أثْبَتَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، أوْ: في القُرْآنِ. والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَها، والمَعْنى، واللَّهُ أعْلَمُ: ابْتَغُوا وافْعَلُوا ما أذِنَ اللَّهُ لَكم في فِعْلِهِ مِن غَشَيانِ النِّساءِ في جَمِيعِ لَيْلَةِ الصِّيامِ، ويُرَجِّحُ هَذا قِراءَةُ الأعْمَشِ: وأْتُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكم. وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ لِمُخالَفَتِها سَوادَ المُصْحَفِ. ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا﴾ أمْرُ إباحَةٍ أيْضًا، أُبِيحَ لَهم ثَلاثَةُ الأشْياءِ الَّتِي كانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ في بَعْضِ لَيْلَةِ الصِّيامِ ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ﴾ غايَةُ الثَّلاثَةِ الأشْياءِ مِنَ الجِماعِ، والأكْلِ، والشُّرْبِ. وقَدْ تَقَدَّمَ في سَبَبِ النُّزُولِ قِصَّةُ صِرْمَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَإحْلالُ الجِماعِ بِسَبَبِ عُمَرَ وغَيْرِهِ، وإحْلالُ الأكْلِ بِسَبَبِ صِرْمَةَ أوْ غَيْرِهِ. ﴿لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ﴾، ظاهِرُهُ أنَّهُ الخَيْطُ المَعْهُودُ، ولِذَلِكَ كانَ جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ إذا أرادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أحَدُهم في رِجْلِهِ خَيْطًا أبْيَضَ وخَيْطًا أسْوَدَ، فَلا يَزالُ يَأْكُلُ ويَشْرَبُ حَتّى يَتَبَيَّنا لَهُ، إلى أنْ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾، فَعَلِمُوا أنَّما عَنى بِذَلِكَ مِنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ. رَوى ذَلِكَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ في نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، ورُوِيَ أنَّهُ كانَ بَيْنَ نُزُولِ: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ﴾، وبَيْنَ نُزُولِ: ﴿مِنَ الفَجْرِ﴾ سَنَةٌ مِن رَمَضانَ إلى رَمَضانَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ومَن لا يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ البَيانِ وهم أكْثَرُ الفُقَهاءِ والمُتَكَلِّمِينَ، وهو مَذْهَبُ أبِي عَلِيٍّ وأبِي هاشِمٍ، فَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهم هَذا الحَدِيثُ لِمَعْنى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وأمّا مَن يُجَوِّزُهُ فَيَقُولُ: لَيْسَ بِعَبَثٍ: لِأنَّ المُخاطَبَ يَسْتَفِيدُ مِنهُ وُجُوبَ الخِطابِ، ويَعْزِمُ عَلى فِعْلِهِ إذا اسْتَوْضَحَ المُرادَ بِهِ، انْتَهى كَلامُهُ. ولَيْسَ هَذا عِنْدِي مِن تَأْخِيرِ البَيانِ إلى وقْتِ الحاجَةِ، بَلْ هو مِن بابِ النَّسْخِ، ألا تَرى أنَّ الصَّحابَةَ عَمِلَتْ بِهِ، أعَنِي بِإجْراءِ اللَّفْظِ عَلى ظاهِرِهِ إلى أنْ نَزَلَتْ: ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ فَنُسِخَ حَمْلُ الخَيْطِ الأبْيَضِ والخَيْطِ الأسْوَدِ عَلى ظاهِرِهِما، وصارا ذَلِكَ مَجازَيْنِ، شَبَّهَ بِالخَيْطِ الأبْيَضِ ما يَبْدُو مِنَ الفَجْرِ المُعْتَرِضِ في الأُفُقِ، وبِالأسْوَدِ ما يَمْتَدُّ مَعَهُ مِن غَبَشِ اللَّيْلِ، شُبِّها بِخَيْطَيْنِ أبْيَضَ وأسْوَدَ، وأخْرَجَهُ مِنَ الِاسْتِعارَةِ إلى التَّشْبِيهِ قَوْلُهُ: ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ كَقَوْلِكَ: رَأيْتُ أسَدًا مِن زَيْدٍ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِن زَيْدٍ كانَ اسْتِعارَةً، وكانَ التَّشْبِيهُ هُنا أبْلَغَ مِنَ الِاسْتِعارَةِ: لِأنَّ الِاسْتِعارَةَ لا تَكُونُ إلّا حَيْثُ يَدُلُّ عَلَيْها الحالُ، أوِ الكَلامُ (p-٥١)وهُنا لَوْ لَمْ يَأْتِ ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ لَمْ يُعْلَمِ الِاسْتِعارَةُ، ولِذَلِكَ فَهِمَ الصَّحابَةُ الحَقِيقَةَ مِنَ الخَيْطَيْنِ قَبْلَ نُزُولِ ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“، حَتّى أنَّ بَعْضَهم، وهو عَدِيُّ بْنُ حاتِمٍ، غَفَلَ عَنْ هَذا التَّشْبِيهِ وعَنْ بَيانِ قَوْلِهِ: ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ فَحَمَلَ الخَيْطَيْنِ عَلى الحَقِيقَةِ. وحَكى ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَضَحِكَ وقالَ: «إنْ كانَ وِسادُكَ لَعَرِيضًا»، ورُوِيَ: «إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفا» . إنَّما ذاكَ بَياضُ النَّهارِ وسَوادُ اللَّيْلِ، والقَفا العَرِيضُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى قِلَّةِ فِطْنَةِ الرَّجُلِ، وقالَ: ؎عَرِيضُ القَفا مِيزانُهُ عَنْ شِمالِهِ قَدِ انْحَصَّ مِن حَسْبِ القَرارِيطِ شارِبُهْ وكُلُّ ما دَقَّ واسْتَطالَ وأشْبَهَ الخَيْطَ سَمَّتْهُ العَرَبُ خَيْطًا. وقالَ الزَّجّاجُ: هُما فَجْرانِ، أحَدُهُما يَبْدُو سَوادًا مُعْتَرِضًا، وهو الخَيْطُ الأسْوَدُ: والآخَرُ يَطْلُعُ ساطِعًا يَمْلَأُ الأُفُقَ، فَعِنْدَهُ الخَيْطانِ: هُما الفَجْرانِ، سُمِّيا بِذَلِكَ لِامْتِدادِهِما تَشْبِيهًا بِالخَيْطَيْنِ. وقَوْلُهُ: ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أُرِيدَ بِالخَيْطِ الأبْيَضِ الصُّبْحُ الصّادِقُ، وهو البَياضُ المُسْتَطِيرُ في الأُفُقِ، لا الصُّبْحُ الكاذِبُ، وهو البَياضُ المُسْتَطِيلُ: لِأنَّ الفَجْرَ هو انْفِجارُ النُّورِ، وهو بِالثّانِي لا بِالأوَّلِ، وشُبِّهَ بِالخَيْطِ وذَلِكَ بِأوَّلِ حالِهِ: لِأنَّهُ يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَرْتَفِعُ مُسْتَطِيرًا، فَبِطُلُوعِ أوَّلِهِ في الأُفُقِ يَجِبُ الإمْساكُ. هَذا مَذْهَبُ الجُمْهُورِ، وبِهِ أخَذَ النّاسُ ومَضَتْ عَلَيْهِ الأعْصارُ والأمْصارُ، وهو مُقْتَضى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. وقِيلَ: يَجِبُ الإمْساكُ بِتَبَيُّنِ الفَجْرِ في الطُّرُقِ، وعَلى رُءُوسِ الجِبالِ، وهَذا مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمانَ، وحُذَيْفَةَ وابْنِ عَبّاسٍ، وطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، وعَطاءٍ، والأعْمَشِ، وغَيْرِهِمْ. ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أنَّهُ صَلّى الصُّبْحَ بِالنّاسِ، ثُمَّ قالَ: الآنَ تَبَيَّنَ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ، ومِمّا قادَهم إلى هَذا القَوْلِ أنَّهم يَرَوْنَ أنَّ الصَّوْمَ إنَّما هو في النَّهارِ، والنَّهارُ عِنْدَهم مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في النَّهارِ، وفي تَعْيِينِهِ إباحَةَ المُباشَرَةِ والأكْلِ والشُّرْبِ بِتَبَيُّنِ الفَجْرِ لِلصّائِمِ، دَلالَةٌ عَلى أنَّ مَن شَكَّ في التَّبَيُّنِ وفَعَلَ شَيْئًا مِن هَذِهِ، ثُمَّ انْكَشَفَ أنَّهُ كانَ الفَجْرُ قَدْ طَلَعَ وصامَ، أنَّهُ لا قَضاءَ لِأنَّهُ غَيّاهُ بِتَبَيُّنِ الفَجْرِ لِلصّائِمِ لا بِالطُّلُوعِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ بَعَثَ رَجُلَيْنِ يَنْظُرانِ لَهُ الفَجْرَ، فَقالَ أحَدُهُما: طَلَعَ الفَجْرُ، وقالَ الآخَرُ: لَمْ يَطْلُعْ، فَقالَ اخْتَلَفْتُما، فَأكَلَ وبانَ لا قَضاءَ عَلَيْهِ. قالَ الثَّوْرِيُّ، وعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الحَسَنِ، والشّافِعِيُّ، وقالَ مالِكٌ: إنْ أكَلَ شاكًّا في الفَجْرِ لَزِمَهُ القَضاءُ، والقَوْلانِ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ. وفِي هَذِهِ التَّغْيِئَةِ أيْضًا دَلالَةٌ عَلى جَوازِ المُباشَرَةِ إلى التَّبَيُّنِ، فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاغْتِسالُ قَبْلَ الفَجْرِ: لِأنَّهُ إذا كانَتِ المُباشَرَةُ مَأْذُونًا فِيها إلى الفَجْرِ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِسالُ إلّا بَعْدَ الفَجْرِ، وبِهَذا يَبْطُلُ مَذْهَبُ أبِي هُرَيْرَةَ. والحَسَنُ يَرى: أنَّ الجُنُبَ إذا أصْبَحَ قَبْلَ الِاغْتِسالِ بَطَلَ صَوْمُهُ، وقَدْ رَوَتْ عائِشَةُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِن جِماعٍ وهو صائِمٌ»، وهَذِهِ التَّغْيِئَةُ إنَّما هي حَيْثُ يُمْكِنُ التَّبَيُّنُ مِن طَرِيقِ المُشاهَدَةِ، فَلَوْ كانَتْ مُقْمِرَةً أوْ مُغَيِّمَةً، أوْ كانَ في مَوْضِعٍ لا يُشاهِدُ مَطْلَعَ الفَجْرِ، فَإنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِياطِ في دُخُولِ الفَجْرِ، إذْ لا سَبِيلَ لَهُ إلى العِلْمِ بِحالِ الطُّلُوعِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الإمْساكُ إلى التَّيَقُّنِ بِدُخُولِ وقْتِ الطُّلُوعِ اسْتِبْراءً لِدِينِهِ. وذَهَبَ أبُو مُسْلِمٍ أنَّهُ لا فِطْرَ إلّا بِهَذِهِ الثَّلاثَةِ: المُباشَرَةِ، والأكْلِ، والشُّرْبِ، وأمّا ما عَداها مِنَ القَيْءِ، والحُقْنَةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، فَإنَّهُ كانَ عَلى الإباحَةِ، فَبَقِيَ عَلَيْهِمْ. وأمّا الفُقَهاءُ فَقالُوا: خُصَّتْ هَذِهِ الثَّلاثَةُ بِالذِّكْرِ لِمَيْلِ النَّفْسِ إلَيْها، وأمّا القَيْءُ والحُقْنَةُ، فالنَّفْسُ تَكْرَهُهُما، والسَّعُوطُ نادِرٌ، فَلِهَذا لَمْ يَذْكُرْها. ومِنَ الأُولى، هي لِابْتِداءِ الغايَةِ، قِيلَ: وهي مَعَ ما بَعْدَها في مَوْضِعِ نَصْبٍ: لِأنَّ المَعْنى: حَتّى يُبايِنَ الخَيْطُ الأبْيَضُ الخَيْطَ الأسْوَدَ، كَما يُقالُ: بانَتِ اليَدُ مِن زَنْدِها، أيْ فارَقَتْهُ، و”مِن“ الثّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ: لِأنَّ الخَيْطَ الأبْيَضَ هو بَعْضُ الفَجْرِ وأوَّلُهُ، ويَتَعَلَّقُ أيْضًا بِـ ”يَتَبَيَّنَ“، وجازَ تَعَلُّقُ الحَرْفَيْنِ بِفِعْلٍ واحِدٍ، وقَدِ اتَّحَدَ اللَّفْظُ لِاخْتِلافِ المَعْنى، فَـ ”مِن“ الأُولى (p-٥٢)هِيَ لِابْتِداءِ الغايَةِ، و”مِن“ الثّانِيَةُ هي لِلتَّبْعِيضِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ لِلْخَيْطَيْنِ مَعًا، عَلى قَوْلِ الزَّجّاجِ: لِأنَّ الفَجْرَ عِنْدَهُ فَجْرانِ، فَيَكُونُ الفَجْرُ هُنا لا يُرادُ بِهِ الإفْرادُ، بَلْ يَكُونُ جِنْسًا. قِيلَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”﴿مِنَ الفَجْرِ﴾“ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في ”﴿الأبْيَضُ﴾“، فَعَلى هَذا يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أيْ: كائِنًا مِنَ الفَجْرِ، ومَن أجازَ أنْ تَكُونَ ”مِن“ لِلْبَيانِ أجازَ ذَلِكَ هُنا، فَكَأنَّهُ قِيلَ: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ الَّذِي هو الفَجْرُ، مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ، واكْتَفى بِبَيانِ الخَيْطِ الأبْيَضِ عَنْ بَيانِ الخَيْطِ الأسْوَدِ: لِأنَّ بَيانَ أحَدِهِما بَيانٌ لِلثّانِي، وكانَ الِاكْتِفاءُ بِهِ أوْلى: لِأنَّ المَقْصُودَ بِالتَّبَيُّنِ والمَنُوطِ بِتَبْيِينِهِ: الحُكْمُ مِن إباحَةِ المُباشَرَةِ، والأكْلِ، والشُّرْبِ. ولِقَلَقِ اللَّفْظِ لَوْ صَرَّحَ بِهِ، إذْ كانَ يَكُونُ: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَكُونُ مِنَ الفَجْرِ بَيانًا لِلْخَيْطِ الأبْيَضِ، ومِنَ اللَّيْلِ بَيانًا لِلْخَيْطِ الأسْوَدِ. ولِكَوْنِ: مِنَ الخَيْطِ الأسْوَدِ، جاءَ فَضْلَةً فَناسَبَ حَذْفُ بَيانِهِ. * * * ﴿ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ﴾، تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُجُوبِ الصَّوْمِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُ بِهِ هُنا، ولَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ غايَتِهِ، فَذُكِرَتْ هُنا الغايَةُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿إلى اللَّيْلِ﴾، والغايَةُ تَأْتِي إذا كانَ ما بَعْدَها لَيْسَ مِن جِنْسِ ما قَبْلَها، لَمْ يَدْخُلْ في حُكْمِ ما قَبْلَها، واللَّيْلُ لَيْسَ مِن جِنْسِ النَّهارِ، فَلا يَدْخُلُ في حُكْمِهِ، لَكِنْ مِن ضَرُورَةِ تَحَقُّقِ عِلْمِ انْقِضاءِ النَّهارِ دُخُولُ جُزْءٍ ما مِنَ اللَّيْلِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أهْلُ الكِتابِ يُفْطِرُونَ مِنَ العِشاءِ إلى العِشاءِ، فَأمَرَ اللَّهُ تَعالى بِالخِلافِ لَهم، وبِالإفْطارِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. والأمْرُ بِالإتْمامِ هُنا لِلْوُجُوبِ: لِأنَّ الصَّوْمَ واجِبٌ، فَإتْمامُهُ واجِبٌ، بِخِلافِ المُباشَرَةِ، والأكْلِ والشُّرْبِ، فَإنَّ ذَلِكَ مُباحٌ في الأصْلِ، فَكانَ الأمْرُ بِها الإباحَةَ. وقالَ الرّاغِبُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ النِّيَّةِ بِالنَّهارِ، وعَلى جَوازِ تَأْخِيرِ الغُسْلِ إلى الفَجْرِ، وعَلى نَفْيِ صَوْمِ الوِصالِ، انْتَهى. أمّا كَوْنُ الآيَةِ تَدُلُّ عَلى جَوازِ النِّيَّةِ بِالنَّهارِ فَلَيْسَ بِظاهِرٍ: لِأنَّ المَأْمُورَ بِهِ إتْمامُ الصَّوْمِ لا إنْشاءُ الصَّوْمِ، بَلْ في ذَلِكَ إشْعارٌ بِصَوْمٍ سابِقٍ أُمِرْنا بِإتْمامِهِ، فَلا تَعَرُّضَ في الآيَةِ لِلنِّيَّةِ بِالنَّهارِ. وأمّا جَوازُ تَأْخِيرِ الغُسْلِ إلى الفَجْرِ فَلَيْسَ بِظاهِرٍ مِن هَذِهِ الآيَةِ أيْضًا، بَلْ مِنَ الكَلامِ الَّذِي قَبْلَها. وأمّا الدَّلالَةُ عَلى نَفْيِ صَوْمِ الوِصالِ فَلَيْسَ بِظاهِرٍ: لِأنَّهُ غَيّا وُجُوبَ إتْمامِ الصَّوْمِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ فَقَطْ، ولا مُنافاةَ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ الوِصالِ، وصَحَّ في الحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الوِصالِ، فَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ فِيهِ عَلى التَّحْرِيمِ، وبَعْضُهم عَلى الكَراهَةِ. وقَدْ رُوِيَ الوِصالُ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وإبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، وأبِي الحَوْراءِ، ورَخَّصَ بَعْضُهم فِيهِ إلى السَّحَرِ، مِنهم: أحْمَدُ، وإسْحاقُ، وابْنُ وهْبٍ. وظاهِرُ الآيَةِ وُجُوبُ الإتْمامِ إلى اللَّيْلِ فَلَوْ ظَنَّ أنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ فَأفْطَرَ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَهَذا ما أتَمَّ إلى اللَّيْلِ فَيَلْزَمُهُ القَضاءُ ولا كَفّارَةَ عَلَيْهِ، وهو قَوْلُ الجُمْهُورِ، وأبِي حَنِيفَةَ والشّافِعِيِّ وغَيْرِهِمْ: وقالَ إسْحاقُ وأهْلُ الظّاهِرُ: لا قَضاءَ عَلَيْهِ كالنّاسِي: ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وقالَ مالِكٌ: مَن أفْطَرَ شاكًّا في الغُرُوبِ قَضى وكَفَّرَ: وفي ثَمانِيَةِ أبِي زَيْدٍ: عَلَيْهِ القَضاءُ فَقَطْ قِياسًا عَلى الشّاكِّ في الفَجْرِ، فَلَوْ قَطَعَ الإتْمامَ مُتَعَمِّدٌ الجِماعَ، فالإجْماعُ عَلى وُجُوبِ القَضاءِ، أوْ بِأكْلٍ وشُرْبٍ وما يَجْرِي مَجْراهَما فَعَلَيْهِ القَضاءُ عِنْدَ الشّافِعِيِّ، والقَضاءُ والكَفّارَةُ عِنْدَ بَقِيَّةِ العُلَماءِ، أوْ ناسِيًا بِجِماعٍ فَكالمُتَعَمِّدِ عِنْدَ الجُمْهُورِ. وفي الكَفّارَةِ خِلافٌ عَنِ الشّافِعِيِّ، أوْ بِأكْلٍ وشُرْبٍ فَهو عَلى صَوْمِهِ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ والشّافِعِيِّ، وعِنْدَ مالِكٍ يَلْزَمُهُ القَضاءُ، ولَوْ نَوى الفِطْرَ بِالنَّهارِ ولَمْ يَفْعَلْ، بَلْ رَفَعَ نِيَّةَ الصَّوْمِ، فَهو عَلى صَوْمِهِ عِنْدَ الجُمْهُورِ، ولا يَلْزَمُهُ قَضاءٌ، قالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وعِنْدَ مالِكٍ في المُدَوَّنَةِ: أنَّهُ يُفْطِرُ وعَلَيْهِ القَضاءُ. وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّ الإتْمامَ لا يَجِبُ إلّا عَلى مَن تَقَدَّمَ لَهُ الصَّوْمُ، فَلَوْ أصْبَحَ مُفْطِرًا مِن غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الإمْساكُ: لِأنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ صَوْمٌ فَيُتِمَّهُ، قالُوا: لَكِنَّ السُّنَّةَ أوْجَبَتْ عَلَيْهِ الإمْساكَ، وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ إتْمامِ الصَّوْمِ النَّفْلِ عَلى ما ذَهَبَتْ إلَيْهِ الحَنَفِيَّةُ لِانْدِراجِهِ تَحْتَ (p-٥٣)عُمُومِ: وأتِمُّوا الصِّيامَ. وقالَتِ الشّافِعِيَّةُ: المُرادُ مِنهُ صَوْمُ الفَرْضِ: لِأنَّ ذَلِكَ إنَّما ورَدَ لِبَيانِ أحْكامِ الفَرْضِ. قالَ بَعْضُ أرْبابِ الحَقائِقَ: لَمّا عَلِمَ تَعالى أنَّهُ لا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنَ الحُظُوظِ، قَسَمَ اللَّيْلَ والنَّهارَ في هَذا الشَّهْرِ بَيْنَ حَقِّهِ وحَظِّكَ، فَقالَ في حَقِّهِ و﴿أتِمُّوا الصِّيامَ إلى اللَّيْلِ﴾ . وحَظِّكَ: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ﴾ . * * * ﴿ولا تُباشِرُوهُنَّ وأنْتُمْ عاكِفُونَ في المَساجِدِ﴾، لَمّا أباحَ لَهُمُ المُباشَرَةَ في لَيْلَةِ الصِّيامِ، كانُوا إذا كانُوا مُعْتَكِفِينَ ودَعَتْ ضَرُورَةُ أحَدِهِمْ إلى الجِماعِ خَرَجَ إلى امْرَأتِهِ، فَقَضى ما في نَفْسِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ وأتى المَسْجِدَ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ في حالِ اعْتِكافِهِمْ داخِلَ المَسْجِدِ وخارِجَهُ وظاهِرُ الآيَةِ وسِياقُ المُباشَرَةِ المَذْكُورَةِ قَبْلُ. وسَبَبُ النُّزُولِ أنَّ المُباشَرَةَ هي الجِماعُ فَقَطْ، وقالَ بِذَلِكَ فِرْقَةٌ، فالمَنهِيُّ عَنْهُ الجِماعُ، وقالَ الجُمْهُورُ: يَقَعُ هُنا عَلى الجِماعِ وما يُتَلَذَّذُ بِهِ، وانْعَقَدَ الإجْماعُ عَلى أنَّ هَذا النَّهْيَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ، وأنَّ الِاعْتِكافَ يَبْطُلُ بِالجِماعِ. وأمّا دَواعِي النِّكاحِ: كالنَّظْرَةِ واللَّمْسِ والقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَيَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكافُ عِنْدَ مالِكٍ، وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: إنْ فَعَلَ فَأنْزَلَ فَسَدَ، وقالَ المُزَنِيُّ عَنِ الشّافِعِيِّ: إنْ فَعَلَ فَسَدَ، وقالَ الشّافِعِيُّ أيْضًا: لا يَفْسُدُ مِنَ الوَطْءِ إلّا بِما مِثْلُهُ مِنَ الأجْنَبِيَّةِ يُوجِبُ، وصَحَّ في الحَدِيثِ «أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو مُعْتَكِفٌ في المَسْجِدِ»، ولا شَكَّ أنَّها كانَتْ تَمَسُّهُ. قالُوا: فَدَلَّ عَلى أنَّ اللَّمْسَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ غَيْرُ مَحْظُورٍ. وإذا كانَتِ المُباشَرَةُ مَعْنِيًّا بِها اللَّمْسُ، وكانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فالجِماعُ أحْرى وأوْلى: لِأنَّ فِيهِ اللَّمْسَ وزِيادَةً، وكانَتِ المُباشَرَةُ المَعْنِيُّ بِها اللَّمْسَ مُقَيَّدَةً بِالشَّهْوَةِ. والعُكُوفُ في الشَّرْعِ عِبارَةٌ عَنْ حَبْسِ النَّفْسِ في مَكانٍ لِلْعِبادَةِ والتَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ، وهو مِنَ الشَّرائِعِ القَدِيمَةِ. وقَرَأ قَتادَةُ: ”وأنْتُمْ عَكِفُونَ“، بِغَيْرِ ألِفٍ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ أيْ: لا تُباشِرُوهُنَّ في هَذِهِ الحالَةِ، وظاهِرُ الآيَةِ يَقْتَضِي جَوازَ الِاعْتِكافِ، والإجْماعُ عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِواجِبٍ، وثَبَتَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَكَفَ»، فَهو سُنَّةٌ، ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ لِمَطْلُوبِيَّتِهِ، فَنَذْكُرُ شَرائِطَهُ، وشَرْطُهُ الصَّوْمُ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عُمَرَ، وابْنِ عَبّاسٍ، وعائِشَةَ، وبِهِ قالَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ، ومالِكٌ، والثَّوْرِيُّ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: ورُوِيَ عَنْ عائِشَةَ أنَّ الصَّوْمَ مِن سُنَّةِ المُعْتَكِفِ. وقالَ جَماعَةٌ مِنَ التّابِعِينَ مِنهم سَعِيدٌ، وإبْراهِيمُ: لَيْسَ الصَّوْمُ شَرْطًا. ورَوى طاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِثْلَهُ، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ. وظاهِرُ الآيَةِ أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ تَحْدِيدٌ في الزَّمانِ، بَلْ كُلُّ ما يُسَمّى لُبْثًا في زَمَنٍ ما، يُسَمّى عُكُوفًا، وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وقالَ مالِكٌ: لا يَعْتَكِفُ أقَلَّ مِن عَشَرَةِ أيّامٍ، هَذا مَشْهُورُ مَذْهَبِهِ، ورُوِيَ عَنْهُ: أنَّ أقَلَّهُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ. وظاهِرُ إطْلاقِ العُكُوفِ أيْضًا يَقْتَضِي جَوازَ اعْتِكافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وأحَدِهِما، فَعَلى هَذا لَوْ نَذَرَ اعْتِكافَ لَيْلَةٍ فَقَطْ صَحَّ، أوْ يَوْمٍ فَقَطْ صَحَّ، وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وقالَ سَحْنُونٌ: لَوْ نَذَرَ اعْتِكافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لَوْ نَذَرَ اعْتِكافَ أيّامٍ لَزِمَتْهُ بِلَيالِيها. وفِي الخُرُوجِ مِنَ المُعْتَكَفِ، والِاشْتِغالِ فِيهِ بِغَيْرِ العِبادَةِ المَقْصُودَةِ، والدُّخُولِ إلَيْهِ، وفي مُبْطِلاتِهِ أحْكامٌ كَثِيرَةٌ ذُكِرَتْ في كُتُبِ الفِقَهِ. وظاهِرُ قَوْلِهِ: ”﴿عاكِفُونَ في المَساجِدِ﴾“، أنَّهُ لَيْسَ مِن شَرْطِ الِاعْتِكافِ كَوْنُهُ في المَساجِدِ: لِأنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ مُقَيَّدًا بِحالٍ لَها مُتَعَلَّقٌ، لا يَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الحالَ إذا وقَعَتْ مِنَ المَنهِيِّينَ يَكُونُ ذَلِكَ المُتَعَلَّقُ شَرْطًا في وُقُوعِها، ونَظِيرُ ذَلِكَ: لا تَضْرِبْ زَيْدًا وأنْتَ راكِبٌ فَرَسًا، ولا يَلْزَمُ مِن هَذا أنَّكَ مَتى رَكِبْتَ فَلا يَكُونُ رُكُوبُكَ إلّا فَرَسًا، فَتَبَيَّنَ مِن هَذا أنَّ الِاسْتِدْلالَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى اشْتِراطِ المَسْجِدِ في الِاعْتِكافِ ضَعِيفٌ، فَذِكْرُ المَساجِدِ إنَّما هو لِأنَّ الِاعْتِكافَ غالِبًا لا يَكُونُ إلّا فِيها، لا أنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ في الِاعْتِكافِ. والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ: ”﴿فِي المَساجِدِ﴾“ أنَّهُ لا يَخْتَصُّ الِاعْتِكافُ بِمَسْجِدٍ، بَلْ كُلُّ مَسْجِدٍ هو مَحَلٌّ لِلِاعْتِكافِ، وبِهِ قالَ أبُو قِلابَةَ، وابْنُ عُيَيْنَةَ، والشّافِعِيُّ، وداوُدُ الطَّبَرِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وهو أحَدُ قَوْلَيْ مالِكٍ، والقَوْلُ الآخَرُ: أنَّهُ لا اعْتِكافَ إلّا في مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ، وبِهِ (p-٥٤)قالَ عَبْدُ اللَّهِ، وعائِشَةُ، وإبْراهِيمُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وعُرْوَةُ وأبُو جَعْفَرٍ. وقالَ قَوْمٌ: إنَّهُ لا اعْتِكافَ إلّا في أحَدِ المَساجِدِ الثَّلاثَةِ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وحُذَيْفَةَ. وقالَ قَوْمٌ: لا اعْتِكافَ إلّا في مَسْجِدِ نَبِيٍّ، وبِهِ قالَ ابْنُ المُسَيَّبٍ، وهو مُوافِقٌ لِما قَبْلَهُ: لِأنَّها مَساجِدُ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ورَوى الحارِثُ عَنْ عَلِيٍّ: أنَّهُ لا اعْتِكافَ إلّا في المَسْجِدِ الحَرامِ، وفي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى جَوازِ الِاعْتِكافِ لِلرِّجالِ، وأمّا النِّساءُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُنَّ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: تَعْتَكِفُ في مَسْجِدِ بَيْتِها لا في غَيْرِهِ، وقالَ مالِكٌ: تَعْتَكِفُ في مَسْجِدِ جَماعَةٍ ولا يُعْجِبُهُ في بَيْتِها. وقالَ الشّافِعِيُّ: حَيْثُ شاءَتْ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، والأعْمَشُ: ”في المَسْجِدِ“ عَلى الإفْرادِ، وقالَ الأعْمَشُ: هو المَسْجِدُ الحَرامُ، والظّاهِرُ أنَّهُ لِلْجِنْسِ. ويُرَجِّحُ هَذا قِراءَةُ مَن جَمَعَ فَقَرَأ ”في المَساجِدِ“ . وقالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تُباشِرُوهُنَّ﴾ الآيَةَ. أخْبَرَ اللَّهُ أنَّ مَحَلَّ القُرْبَةِ مُقَدَّسٌ عَنِ اجْتِلابِ الحُظُوظِ، انْتَهى. * * * ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾، تِلْكَ مُبْتَدَأٌ مُخْبَرٌ عَنْهُ بِجَمْعٍ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ إشارَةً إلى ما نُهِيَ عَنْهُ في الِاعْتِكافِ: لِأنَّهُ شَيْءٌ واحِدٌ، بَلْ هو إشارَةٌ إلى ما تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ الصِّيامِ مِن أوَّلِها إلى هُنا. وكانَتْ آيَةُ الصِّيامِ قَدْ تَضَمَّنَتْ عِدَّةَ أوامِرَ، والأمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، فَبِهَذا الِاعْتِبارِ كانَتْ عِدَّةَ مَناهٍ، ثُمَّ جاءَ آخِرَها النَّهْيُ عَنِ المُباشَرَةِ في حالَةِ الِاعْتِكافِ، فَأُطْلِقَ عَلى الكُلِّ ”حُدُودٌ“ تَغْلِيبًا لِلْمَنطُوقِ بِهِ، واعْتِبارًا بِتِلْكَ المَناهِي الَّتِي تَضَمَّنَتْها الأوامِرُ. فَقِيلَ: ”حُدُودُ اللَّهِ“ واحْتِيجَ إلى هَذا التَّأْوِيلِ: لِأنَّ المَأْمُورَ بِفِعْلِهِ لا يُقالُ فِيهِ: ”﴿فَلا تَقْرَبُوها﴾“، وحُدُودُ اللَّهِ: شُرُوطُهُ، قالَهُ السُّدِّيُّ، أوْ فَرائِضُهُ، قالَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ. أوْ مَعاصِيهِ، قالَهُ الضَّحّاكُ. وقالَ مَعْناهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، قالَ: مَحارِمُهُ ومَناهِيهِ، أوِ الحَواجِزُ هي الإباحَةُ والحَظْرُ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وإضافَةُ الحُدُودِ إلى اللَّهِ تَعالى هُنا، وحَيْثُ ذُكِرَتْ، تَدُلُّ عَلى المُبالَغَةِ في عَدَمِ الِالتِباسِ بِها، ولَمْ تَأْتِ مُنَكَّرَةً ولا مُعَرَّفَةً بِالألِفِ واللّامِ لِهَذا المَعْنى. ﴿فَلا تَقْرَبُوها﴾، النَّهْيُ عَنِ القُرْبانِ لِلْحُدُودِ أبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الِالتِباسِ بِها، وهَذا كَما قالَ ﷺ: «إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، وحِمى اللَّهِ مَحارِمُهُ، فَمَن رَتَعَ حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يَقَعَ فِيهِ» . والرَّتْعُ حَوْلَ الحِمّى وقُرْبانُهُ واحِدٌ، وجاءَ هُنا: ”فَلا تَقْرَبُوها“ وفي مَكانٍ آخَرَ: ﴿فَلا تَعْتَدُوها ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، وقَوْلُهُ: ﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ [النساء: ١٤]: لِأنَّهُ غَلَّبَ هُنا جِهَةَ النَّهْيِ، إذْ هو المُعَقِّبُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وما كانَ مَنهِيًّا عَنْ فِعْلِهِ كانَ النَّهْيُ عَنْ قُرْبانِهِ أبْلَغَ، وأمّا حَيْثُ جاءَ ”﴿فَلا تَعْتَدُوها﴾ [البقرة: ٢٢٩]“ فَجاءَ عَقِبَ بَيانِ عَدَدِ الطَّلاقِ، وذِكْرِ أحْكامِ العِدَّةِ والإيلاءِ والحَيْضِ، فَناسَبَ أنْ يَنْهى عَنِ التَّعَدِّي فِيها، وهو مُجاوَزَةُ الحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّهُ فِيها، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ [النساء: ١٤] جاءَ بَعْدَ أحْكامِ المَوارِيثِ، وذِكْرِ أنْصِباءِ الوارِثِ، والنَّظَرِ في أمْوالِ الأيْتامِ، وبَيانِ عَدَدِ ما يَحِلُّ مِنَ الزَّوْجاتِ، فَناسَبَ أنْ يَذْكُرَ عَقِيبَ هَذا كُلِّهُ التَّعَدِّيَ، الَّذِي هو مُجاوَزَةُ ما شَرَعَهُ اللَّهُ مِن هَذِهِ الأحْكامِ إلى ما لَمْ يَشْرَعْهُ. وجاءَ قَوْلُهُ: ”﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾“ عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿وصِيَّةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١٢]، ثُمَّ وعَدَ مَن أطاعَ بِالجَنَّةِ، وأوْعَدَ مَن عَصا وتَعَدّى حُدُودَهُ بِالنّارِ، فَكُلُّ نَهْيٍ مِنَ القُرْبانِ والتَّعَدِّي واقِعٌ في مَكانِ مُناسَبَتِهِ. وقالَ أبُو مُسْلِمٍ مَعْنى ”لا تَقْرَبُوها“ لا تَتَعَرَّضُوا لَها بِالتَّغْيِيرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] . ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ﴾ أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ البَيانِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ في ذِكْرِ أحْكامِ الصَّوْمِ وما يَتَعَلَّقُ بِهِ في الألْفاظِ اليَسِيرَةِ البَلِيغَةِ، يُبَيِّنُ آياتِهِ الدّالَّةَ عَلى بَقِيَّةِ مَشْرُوعاتِهِ، وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُرادُ بِالآياتِ: الفَرائِضُ الَّتِي بَيَّنَها، كَأنَّهُ قالَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لِلنّاسِ ما شَرَعَهُ لَهم لِيَتَّقُوهُ بِأنْ يَعْمَلُوا بِما أنْزَلَ، انْتَهى كَلامُهُ. وهَذا لا يَتَأتّى إلّا عَلى اعْتِقادِ أنْ تَكُونَ الكافُ زائِدَةً، وأمّا إنْ كانَتْ لِلتَّشْبِيهِ فَلا بُدَّ مِن مُشَبَّهٍ ومُشَبَّهٍ بِهِ. ﴿لِلنّاسِ﴾، ظاهِرُهُ العُمُومُ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْناهُ خُصُوصٌ فِيمَن يَسَّرَهُ اللَّهُ لِلْهُدى، بِدَلالَةِ الآياتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن (p-٥٥)يَشاءُ، انْتَهى كَلامُهُ ولا حاجَةَ إلى دَعْوى الخُصُوصِ، بَلِ اللَّهُ تَعالى يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ ويُوَضِّحُها لَهم، ويَكْسِيها لَهم حَتّى تَصِيرَ جَلِيَّةً واضِحَةً، ولا يَلْزَمُ مِن تَبْيِينِها تَبَيُّنُ النّاسِ لَها: لِأنَّكَ تَقُولُ: بَيَّنْتُ لَهُ فَما تَبَيَّنَ، كَما تَقُولُ: عَلَّمْتُهُ فَما تَعَلَّمَ. ونَظَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ إلى أنَّ مَعْنى يُبَيِّنُ، يَجْعَلُ فِيهِمُ البَيانَ، فَلِذَلِكَ ادَّعى أنَّ المَعْنى عَلى الخُصُوصِ: لِأنَّ اللَّهَ تَعالى كَما جَعَلَ في قَوْمٍ الهُدى، جَعَلَ في قَوْمٍ الضَّلالَ، فَعَلى هَذا المَفْهُومِ يَلْزَمُ أنْ يُرَدَّ الخُصُوصُ عَلى ما قَرَّرْناهُ ويَبْقى عَلى دَلالَتِهِ الوَضْعِيَّةِ مِنَ العُمُومِ، وعَلى تَفْسِيرِنا التَّبْيِينَ يَكُونُ ذَلِكَ إجْماعًا مِنّا ومِنَ المُعْتَزِلَةِ، وعَلى تَفْسِيرِهِ يُنازِعُ فِيهِ المُعْتَزِلِينَ. ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ أنَّهُ حَيْثُ ذُكِرَ التَّقْوى، فَإنَّهُ يَكُونُ عَقِبَ أمْرٍ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وكَذَلِكَ جاءَ هُنا: لِأنَّ مَنعَ الإنْسانِ مِن أمْرٍ مُشْتَهًى بِالطَّبْعِ اشْتِهاءً عَظِيمًا - بِحَيْثُ هو ألَذُّ ما لِلْإنْسانِ مِنَ المَلاذِّ الجُسْمانِيَّةِ - شاقٌّ عَلَيْهِ، ذَلِكَ ولا يَحْجُزُهُ عَنْ مُعاطاتِهِ إلّا التَّقْوى، فَلِذَلِكَ خُتِمَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِها، أيْ: هم عَلى رَجاءٍ مِن حُصُولِ التَّقْوى لَهم بِالبَيانِ الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ لَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب