الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا﴾ قَالَ عَطاء: مثابة أَي: مجمعا. وَقَالَ غَيره: مثابة أَي: مرجعا، وَهُوَ مَأْخُوذ من ثاب، أَي: رَجَعَ، وَالْبَيْت مثابة؛ لأَنهم يعودون إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. قَالَ الضَّحَّاك: لَا يقضون مِنْهُ وطرا، أَي: لَا يملون مِنْهُ. والمثاب والمثابة بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ الشَّاعِر: (مثاب لأفناء الْقَبَائِل كلهَا ... تخب إِلَيْهِ اليعملات الذوامل) وَأما قَوْله: ﴿وَأمنا﴾ أَي: ذَا أَمن. قَالَ ابْن عَبَّاس: أَمنه أَن يدْخلهُ الْجَانِي فَيَأْمَن وَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَتَّى يخرج، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: أَنه مأمن من أَيدي الْمُشْركين؛ فَإِنَّهُم مَا كَانُوا يتعرضون لأهل مَكَّة وَيَقُولُونَ: إِنَّهُم أهل الله وخاصته. وَإِنَّمَا كَانُوا يتعرضون لمن حوله. كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ﴾ فَأَما قَول ابْن عَبَّاس فَمَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب. وَذَلِكَ الأولى عندنَا؛ أَن لَا يتَعَرَّض لَهُ حَتَّى يخرج، لَكِن مَعَ هَذَا أجَاز الِاسْتِيفَاء؛ لِأَن الْحرم لَا يمْنَع اسْتِيفَاء الْحُقُوق. قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى﴾ قرىء بقراءتين: " وَاتَّخذُوا " على الْخَبَر، " وَاتَّخذُوا " على الْأَمر. وَأما الْمقَام بِالْفَتْح: مَوضِع الْإِقَامَة. وَالْمقَام بِالضَّمِّ: فعل الْإِقَامَة. وَمَعْنَاهُ على القَوْل الصَّحِيح: أَن مقَام إِبْرَاهِيم هُوَ الْحجر الَّذِي فِي الْمَسْجِد، يُصَلِّي إِلَيْهِ الْأَئِمَّة وَذَلِكَ الْحجر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم عِنْد بِنَاء الْبَيْت، وَبِذَلِك سمى مقَام إِبْرَاهِيم. وَقيل: كَانَ أثر أَصَابِع رجله بَيِّنَة فِيهِ، واندرس من كَثْرَة مسح الْأَيْدِي. وَفِي الْخَبَر: " أَن الرُّكْن وَالْمقَام ياقوتتان من يَوَاقِيت الْجنَّة. وَلَوْلَا مَا مسته أَيدي الْمُشْركين. لأضاءا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ". وَقد روى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: وَافقنِي رَبِّي فِي ثَلَاث: قلت لرَسُول الله: لَو اتَّخذت من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى، فَنزل قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى﴾ . وَفِيه قَول آخر: أَنه أَرَادَ بمقام إِبْرَاهِيم: جَمِيع مشَاهد الْحَج، مثل عَرَفَة والمزدلفة، وَسَائِر الْمشَاهد. وَقَوله: ﴿مصلى﴾ أَي: مدعا؛ أَمرهم أَن يتخذوها مَوَاضِع للدُّعَاء. وَقَوله تَعَالَى: ﴿وعهدنا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل﴾ أَي: أمرنَا، والعهد هَاهُنَا بِمَعْنى الْأَمر. وَأما إِسْمَاعِيل: أَصله: اسْمَع إيل، وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ كَانَ يَدْعُو الله أَن يرزقه ولدا، وَيَقُول: اسْمَع إيل. فَلَمَّا رزقه [الله] الْوَلَد سَمَّاهُ إِسْمَاعِيل. وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَن طهرا بَيْتِي﴾ يَعْنِي من الشّرك والأوثان ﴿للطائفين﴾ الدائرتين حول الْكَعْبَة. ﴿والعاكفين﴾ المقيمين المجاورين ﴿والركع السُّجُود﴾ الْمُصَلِّين. ركع: جمع رَاكِع، وَالسُّجُود جمع ساجد. قَالَ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل: الطائفين: هم الغرباء. والعاكفين: أهل مَكَّة. قَالَ عَطاء وَمُجاهد: الطّواف للغرباء أفضل؛ لِأَنَّهُ يفوتهُمْ، وَالصَّلَاة لأهل مَكَّة أفضل؛ لِأَنَّهُ لَا يفوتهُمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب