الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ هذه الآية تنعطف على ما تقدمها من الآيات التي ذكر فيها [[قوله: (التي ذكر فيها) ساقطة من (ش).]] (إذ)، ويريد بالبيت الكعبة التي هي القبلة اليوم، ولذلك ذكره بالألف واللام [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 532.]]. قوله تعالى: ﴿مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾ المثاب والمثابة مصدران لقولهم: ثاب يثوب مثابًا ومثابة وثؤوبا وثَوَبانا، ذكر ذلك الفراء في كتاب "المصادر". فالمثابة هاهنا: مصدر وُصِف به، ويراد به الموضعُ الذي يُثاب إليه [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 76، الطبري 1/ 532، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 205 - 206 انظر البحث في مثابة في: "اللسان" 1/ 518 (ثوب).]]، كما يقال: درهمٌ ضربُ الأمير، والمصدر قد يوصف به كثيرًا، قال زهيرٌ: مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ ... هُمُ بَيْنَنا فَهُمُ رضًا وَهُمُ عَدْلُ [[البيت لزهير بن أبي سلمى في "الديوان" ص 40، "والأشباه والنظائر" 2/ 385، و"لسان العرب" 3/ 1664 (مادة: رضى). وينظر: "المعجم المفصل" 6/ 216.]] وأنشد أحمد بن يحيى: سقى الله نجدًا من ربيعٍ وصيّفِ ... وماذا تُرْجَى [[ساقطة من (أ)، (م).]] مِن ربيعٍ سَقَى نَجْدا بلى إنَّهُ قد كانَ للعيشِ مرةً ... وللبيضِ والفتيانِ منزلةً حمدا [[هما بلا نسبة في "المذكر والمؤنث" للأنباري ص 246، "معجم البلدان" 5/ 263 (نجد). وينظر: "المعجم المفصل" 2/ 204.]] أراد: منزلة محمودة. قال ابن الأنباري: والمصدر للمؤنث قد يكون خبرًا عن المذكر، كقولهم: أكلُ الرمانِ لذةٌ، وذكر أخبار الصالحين عظةٌ، ولقاءُ محمد منفعة. ويمكن أن تكون المثابة الموضع الذي يثاب إليه، والهاء فيه لا تكون لتأنيث الموصوف به، كما يقال للمجلس: المقامُ والمقامة، يقال: هذا الموضعُ مقامُ فلان ومقامة بمعنى، والهاء تدخل للتخصيص لا للتأنيث، وهاء التخصيص تدخل في مواضع كثيرة كالقطنة والصوفة وأشباه ذلك [[ابن الأنباري.]]، قال زهير: وفيهم مقاماتٌ حِسَانٌ وجوهُها ... وأنديةٌ ينتابُها القولُ والفِعْلُ [[البيت لزهير بن أبي سلمى، في "ديوانه" ص113، "لسان العرب" 6/ 3787 مادة (قوم)، "المعجم المفصل" 6/ 245.]] وواحد المقامات مقامة، وعلى هذا دلَّ كلام المفسرين. فقد قال ابن عباس في معنى قوله: ﴿مَثَابَةً﴾: يريد: لا يقضون [[في (ش): (لا تقضون).]] منه وطرًا، كلما أتوه وانصرفوا اشتاقوا إلى الرجعة إليه [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 533 وبنحوه أخرجه ابن أبي حاتم 1/ 255 ثم قال: وروي عن أبي العالية، وسعيد بن جبير في إحدى روايتيه وعطاء ومجاهد والحسن وعطية والربيع بن أنس والسدي والضحاك نحو ذلك.]]. وروي أيضًا عن ابن عباس أنه قال في تفسير المثابة: معادًا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1160، البغوي في "تفسيره" 1/ 146، "البحر المحيط" 1/ 380. ولفظهم: معاذًا وملجًا، بالذال، وليست بالدال. وقال الطبري 1/ 532: وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذًا. وورد بالدال في "الوسيط" 1/ 204.]]، وعلى هذا فقال أبو إسحاق: الأصل في مثابة مثْوَبةٌ، ولكنَّ حركة الواو نُقلت إلى الثاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفًا. قال: وهذا إعلال إتباع، تبع مثابةٌ بابَ ثاب [[في (ش): (وإعلال الألف اتباع تبع ألف مثابة ألف ثاب).]]، وأصلُ ثاب ثَوَبَ، ولكنَّ الواوَ قُلِبَت ألفًا؛ لتحركها وانفتاحِ ما قبلها، لا اختلاف بين النحويين في ذلك. انتهى كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 206.]]. وُينشدُ على أن المثاب والمثابة واحد قول ورقة في صفة الحرم: مَثَابًا لأَفْنَاءِ القبائلِ كُلِّها ... تَخُبُّ إليها اليعملاتُ الطَّلائحُ وأنشده الشافعي رحمه الله لأبي طالب، وروى: اليعملات الذوامل [[نسبه إلى ورقة الطبري في "تفسيره" 1/ 532، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 380، و"البداية والنهاية" 2/ 297. ورواية الطبري: مثابٌ، وذكره الشافعي في "الأم" (1/ 153ط. دار المعرفة) منسوبًا لورقة بن نوفل خلافًا لما ذكره الواحدي، لكنه قال: الذوامل بدل الطلائح وكذلك ذكره القرطبي في "تفسيره" 2/ 100 وعدها أبو حيان رواية في البيت. وبمثل هذه الرواية ذكرها صاحب "اللسان" 3/ 1516 منسوبًا لأبي طالب، وذكره في (مادة: ذمل) غير منسوب قال== شاكر في تعليقه على الطبري 3/ 26: "والظاهر أن الشافعي رحمه الله أخطأ في رواية البيت، وأخطأ صاحب "اللسان" في نسبته، اشتبه عليه بشعر أبي طالب في قصيدته المشهورة". وكلام الواحدي صريح في نسبة البيت لأبي طالب، فلعلها في نسخة أو كتاب آخر. وأفناء القبائل: أخلاطهم، وخَبَّت الدابة تَخُبُّ خَبَبًا: ضرب سريع من العدو، واليعملات: جمع يعملة، وهي الناقة السريعة المطبوعة على العمل، اشتق اسمها من العمل، والعمل من الإسراع والعجلة، والطلائح: جمع طليح، ناقة طليح أسفار: جهدها السير وهزلها، والذوامل جمع ذاملة: وهي التي تسير سيرًا لينًا سريعا.]]. ومعنى ثاب في اللغة: عاد ورجع إلى وضعه الذي كان أفضى إليه، يقال: ثاب ماء البئر إذا عاد جُمَّتُها [[في "تهذيب اللغة" 1/ 463 (مادة: ثاب).]]، ومنه تثويب الداعي إذا عاد وكرَّر الدعاء. وقال الأخفشُ: الهاء في المثابة للمبالغة في كثرة من يثوب إليه، كقولهم: رجل علامة ونسابة [["معاني القرآن" 1/ 146.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَمْنًا﴾ أراد: مأمنا [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 534، "تفسير البغوي" 1/ 146.]]، وهو أيضًا مصدر وصف به، كما ذكرنا. قال ابن عباس: يريدُ: من دخله كان آمنًا، فمن أحدث حدثًا خارج الحرم ثم لجأ إليه أمن من أن يُهاجَ فيه. ولكن لا يُؤْذى [[في "تفسير الثعلبي" 1/ 1161: ولكن لا يُؤْوَي.]] ولا يخالط ولا يُبَايع، فإذا خرج منه أُقيم عليه الحدُّ، ومَنْ أحدثَ في الحرم أُقيمَ عليه الحد فيه [[ذكره عنه الثعلبي 1/ 1161 والسمعاني2/ 47، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 141 وينظر: "تفسير السمرقندي" 1/ 157، القرطبي 2/ 111، الرازي 4/ 52 == وقد روي بعضه عن بعض التابعين كما عند الطبري 1/ 534، ابن أبي حاتم 1/ 225.]]. وإلى هذا ذهب أبو حنيفة: أن الجاني إذا لاذ بالحرم أمن [[ينظر: "شرح السير الكبير" للسرخسي 1/ 366 (ط. الشركة الشرقية)، "كشف الأسرار" للبزدوي 1/ 296، قال في "المغني" 9/ 90 (ط. دار احياء التراث العربي): وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وعبيد بن عمير، والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه. وأحمد بن حنبل في القتل وأما في غيره فعنه روايتان.]]، ومذهب الشافعي: أنه لا يأمن بالالتجاء إليه، وُيسْتَوفى منه ما وجب عليه في الحرم [[ينظر: "الأم" للشافعي 4/ 290، وبه قال مالك وابن المنذر كما في "المغني" 9/ 90.]] [[ساقطة من (أ)، (م).]]، على ما قد روي في الخبر: لا يعيذ الحرم عاصيًا [[ذكره البخاري (104) كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ومسلم (1354) كتاب الحج، باب: تحريم مكة وصيده، قال ابن حجر: كلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل، "الفتح" 1/ 199 وقال في "المغني" 9/ 91: وما رووه من الحديث فهو من كلام عمرو بن سعيد الأشدق يرد به قول رسول ﷺ حين روى له أبو شريح هذا الحديث [يعني إن الله حرم مكة] وقول الرسول أحق أن يتبع.]]. وعلى هذا فمعنى قوله: ﴿وَأَمْنًا﴾ الأولى أن يأمن فيه الجاني، فإن أخيف بإقامة الحد عليه جاز، فقد قال كثير من المفسرين: من شاء أمن، ومن شاء لم يؤمن، كما أنه لما جعله مثابة من شاء ثاب ومن شاء لم يثب، وقد كان قبل الإسلام يرى الرجلُ قاتلَ أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شيء كانوا توارثوه من دين إسماعيل، فبقُوا عليه إلى أيام النبي ﷺ، فاليوم من أصاب فيه جريرةً أقيم عليه الحد بالإجماع [[ينظر الخلاف الفقهي فيه في: "تفسير الطبري" 4/ 11 - 15، "غرائب النيسابوري" 1/ 394، "الوسيط" 1/ 204.]]. وقال أبو بكر بن الأنباري: معناه: وَأَمْنًا أن يُبخس القاصد له من الثواب الذي يوعده أمثاله، فهو واثق آمنٌ أنَّ أجرَه لا يضيعُ عند ربه [[في (م): أن أجره عند ربه لا يضيع.]] [[ابن الأنباري.]]، وهذا قول قويم حسن؛ لأن الله تعالى وصف البيت بالأمن، وعلى ما ذكر أبو بكر يتعلق الأمن بالبيت، وعلى [[ساقطة من (أ)، (ش).]] ما قاله غيره من المفسرين من أمْنِ الجاني إذا لاذ بالحرم، فهو أمن الحرم لا أمن البيت، إلا أن يقال: إن أمن الحرم لأجل البيت، فهو بسبب منه وعائد إليه [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 380.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ هذا معطوف على ما أضيف إليه إذ، كأنه: وإذ اتخذوا. قال الزجاج: وهو عطف جملة، على جملة [["معاني القرآن" 1/ 207.]]. وقال الفراء: أي: جعلناه مثابةً لهم فاتخذوه مُصلَّى. والفتح في الخاء على معنى الخبر، قراءة أهل المدينة والشام [["معاني القرآن" 1/ 77.]]. ويؤكده أنَّ الذي قبله والذي بعده خبر، وهو قوله ﴿جَعَلْنَا﴾ و ﴿وَعَهِدْنَا﴾. ومن قرأ ﴿وَأتَّخِذُوا﴾ بالكسر على الأمر [[قرأ بفتح الخاء نافع وابن عمر، وبكسر الخاء على الأمر، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي. ينظر: "السبعة" ص 169، "الحجة" 2/ 220، "المبسوط" لابن مهران ص 135، "التيسير" للداني ص 65.]] فحجته في ذلك: ما أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم [[يعني: الثعلبي في "تفسيره".]] -رحمه الله- ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد [[هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو الحسين بن أبي إسحاق المزكي، من فقهاء نيسابور، قال الخليلي: كان ثقة، وقال الحاكم: كان من الصالحين العباد، التاركين لما لا يغني، قراء القرآن، المكثرين من سماع الحديث توفي سنة 397. ينظر: "تاريخ بغداد"10/ 302، "السير" 16/ 97.]]، ثنا عبدوس بن الحسين بن منصور [[هو أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور النَّصْراباذي، سمع محمد بن عبد الوهاب الفراء وطبقته، روي عنه أبو علي الحافظ، ويقال: إن اسم عبدوس: عبد القدوس، والله أعلم ينظر: "الأنساب" 5/ 492.]]، ثنا أبو حاتم الرازي [[هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، تقدمت ترجمته.]]، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري [[هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، أبو عبد الله البصري القاضي، ثقةٌ، توفي سنة (214) أو نحوها. انظر: "تهذيب الكمال" 25/ 539، "تقريب التهذيب" ص 490 (6046)، "تهذيب التهذيب" 3/ 614.]]، حدثني حُميد الطويل [[هو: حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، كثير التدليس عن أنس معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتاده، وقد وقع تصريحه عن انس بالسماع وبالتحديث في أحاديث كثيرة في البخاري وغيره مات وهو قائم يصلي سنة 142 هـ ينظر: "تهذيب الكمال" 7/ 355، "التهذيب" 1/ 493.]]، عن أنس بن مالك [[أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، الخزرجي، خادم رسول الله ﷺ، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة 92 وقيل: 93 وقد جاوز المائة. ينظر: "الاستيعاب" 1/ 198، "أسد الغابة" 1/ 151.]]، قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: وافقني ربي في ثلاث. قلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى. فأنزل الله عز وجل: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾. وقلتُ: يا رسولَ الله، إنه يدخُلُ عليك البرُّ والفاجرُ، فلو حجبت أمهات المؤمنين، فأنزل الله عز وجل آية الحجاب، قال: وبلغني شيءٌ كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي ﷺ فاستقريتُهن أقول: لتكُفُّنَّ عن رسول الله ﷺ، أو ليبدلَنَّه اللهُ أزواجًا خيرًا منكن، فأنزل الله عز وجل: ﴿عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ الآية [التحريم: 5] [[أخرجه البخاري (4483) كتاب تفسير القرآن، باب: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.]]. وهكذا قال ابن عباس في هذه، فقال في قوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾: وذلك أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، لو صليت بنا خلف المقام، فأنزل الله تعالى على ما قال عمر، ففعل رسول الله ﷺ [[لعله من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها في المقدمة، والحديث رواه عدد كبير من الأئمة، وبعضهم أخرجه مختصرًا. وقد رواه الثعلبي بالإسناد نفسه 1/ 1163 بهذا اللفظ، وإسناده ورجاله ثقات عدا عبدوس فإنه لم يذكر بجرح أو تعديل، والحديث ثابت في البخاري (4484) كتاب التفسير: باب: قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وغيره من طريق آخر عن حميد الطويل عن أنس به.]]. وعلى هذه القراءة يكون قوله: ﴿وَاتَّخِذُوا﴾ عطفا على المعنى لا على اللفظ؛ لأن قوله: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً﴾ معناه: ثوبوا إليه واتخذوا. واختلف في مقام إبراهيم، فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: البيت [[هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.]]، وقال النخعي [[هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران النخعي من أهل الكوفة، كان إماما مجتهدًا، له مذهب، صالح زاهد ثقة، إلا أنه يرسل كثيرًا ويدلس، توفي سنة 97 هـ. ينظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/ 270، "الأعلام" 1/ 80.]] [["تفسير الثعلبي" 1/ 1164، البغوي 1/ 146، القرطبي 2/ 102، "البحر المحيط" 1/ 381، والآلوسي 1/ 380.]]: الحرم كله مقام إبراهيم [["تفسير الثعلبي" 1/ 1164.]]. وقال يمان: المسجد كله مقام إبراهيم [[ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1164، والبغوي 1/ 146، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 381.]]. وقال عطاء: التعريف والصلاتان بعرفة والمشعر ورمي الجمار والطواف بين الصفا والمروة مقام إبراهيم، سمعته من ابن عباس [[أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 226.]]. وقال قتادة [[أخرجه الطبري 1/ 537، وذكره الثعلبي 1/ 1164.]] ومقاتل [["تفسير مقاتل" 1/ 137 - 138، وذكره الثعلبي 3/ 1164.]] والسدي [[أخرجه الطبري 1/ 537، وابن أبي حاتم 1/ 227.]] في هذه الآية: هو الصلاة عند مقام إبراهيم، أمروا بالصلاة عنده، ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله، والمقام في اللغة: موضع القدمين حيث يقوم عليه [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 381.]]. وروى عبد الله بن عمر [[هكذا في الأصل، والصواب: عبد الله بن عمرو كما في مصادر تخريج الحديث.]] أن النبي ﷺ قال: "الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا أن طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب" [[أخرجه الترمذي (878) كتاب الحج، باب: ما جاء في فضل الحجر الأسود، والإمام أحمد في "المسند" 2/ 213 - 214 ابن خزيمة 4/ 219 برقم 2732 في المناسك، باب صفة الركن والمقام، والبيان انهما ياقوتتان من يواقيت الجنة، والحاكم 1/ 456 البيهقي 5/ 75 وعبد الرزاق في "المصنف" 5/ 39، الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1167. قال الترمذي: هذا يُرْوى عن عبد الله بن عمرو، موقوفًا من قوله، وفيه عن أنس أيضا، وهو حديث غريب وقال ابن خزيمة: لست أعرف (رجاء) [يعني رجاء بن صبيح الحَرَشي] هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله، اهـ. وقد ضعفه الحافظ في "الفتح" 3/ 462 وللحديث شواهد كثيرة حكم بعضها على الحديث بالحسن لغيره، كالدكتور خالد العنزي في تحقيق "تفسير الثعلبي".]]. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن إبراهيم عليه السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل عليه السلام، فأذنت له، واشترطت عليه أن لا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب [[ساقطة من (أ)، (م).]] يتصيد، قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم، فجاءت باللبن واللحم فدعا لها بالبركة، فقالت له: انزل حتى أغسل رأسك، فلم ينزل به، فجاءته بالمقام، فوضعته عن شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه فغسلت شق رأسه الأيمن، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر، فغسلت شق رأسه الأيسر، فبقي أثر قدمه عليه [[ذكر القصة مطولة مبسوطة الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1164 وقد ذكر الواحدي منها موضع الشاهد، وقد أخرج القصة الطبري في "تاريخه" 1/ 154 من طرق عن سعيد بن جبير، وذكرها البغوي في "تفسيره" 1/ 147، الثعلبي أيضا من رواية السدي وغيره في كتابه: "عرائس المجالس" ص 71، ورواها الطبري مختصرة من كلام السدي 1/ 537، وأصل القصة رواها البخاري (3364) كتاب الأنبياء، وليس عند البخاري غسل رأس إبراهيم ووضع رجله حينذاك على المقام، ومن طريق البخاري أخرجها ابن الجوزي في "المنتظم" 1/ 268 ثم ذكر قصة غسل زوجة إسماعيل الثانية لرأس إبراهيم، من رواية عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1166 تحقيق د: العنزي.]]. وذلك الحجر هو مقام إبراهيم الذي يعرفه الناس اليوم، وإذا أطلق مقام إبراهيم لم يفهم إلا الذي هو اليوم في المسجد، ويدل على هذا حديث عمر الذي رويناه آنفا [[قال في "البحر المحيط" 1/ 381 بعد أن ذكر اتفاق المحققين على هذا القول: ورجح بحديث عمر أفلا نتخذه مصلى. الحديث، وبقراءة رسول الله ﷺ لما فرغ من الطواف وأتى المقام ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ فدل على أن المراد منه ذلك الموضع؛ ولأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، ولأن الحجر صارت تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه، وفي ذلك معجزة له، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره، فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى == لأنه موضع القيام، وثبت قيامه على الحجر، ولم يثبت قيامه على غيره.]]، وجعل تأثير قدم إبراهيم في الحجر معجزة لنبوته. وقال أنس بن مالك: رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1167 وفي "عرائس المجالس" ص 73، وأخرجه الواحدي بسنده من طريق الزهري، عن ابن أنس في "الوسيط" 1/ 206، وذكره أبن كثير في "تفسيره" 1/ 182 من هذا الطريق، وذكره القرطبي 2/ 102 وابو حيان في "البحر" 1/ 381 وروى الطبري 3/ 35 بسنده عن قتادة قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبيه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.]]. ومعنى قوله تعالى: ﴿مُصَلًّى﴾ قال الحسن: قبلة [[في (ش): (وقبله).]]، وقال مجاهد: مُدَّعى [[أخرجه الطبري 1/ 537، ابن أبي حاتم 1/ 227.]]، أي: موضع دعاء. وقال قتادة: صلوا عنده [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 537.]]. وقوله تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أي: أمرناهما وأوصينا إليهما [["تفسير الثعلبي" 1/ 1169.]]: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ قال سعيد بن جبير [[أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 227، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1169، البغوي 1/ 148، القرطبي 2/ 103.]]، وعبيد بن عمير [[هو: أبو عاصم عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، ولد على عهد النبي ﷺ، يعد من كبار التابعين، أجمعوا على توثيقه، كان من العباد، توفي سنة 73 هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص 377 (4385)، "السير" 4/ 156.]] [[أخرجه الطبري 3/ 40، وذكره ابن أبي حاتم 1/ 228، والثعلبي 1/ 1169.]]، وعطاء [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 3/ 40 عن عطاء، عن عبيد، وذكره عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 228، الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1169.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل"1/ 138. وينظر: "الثعلبي" 1/ 1169، "البحر المحيط" 1/ 382.]]: من الأوثان والريب وقول الزور. وقال الزجاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 207.]] والفراء [["معاني القرآن" 1/ 77.]]: يريد من الأصنام ألا تعلّق فيه. وهذا الاختيار عند أبي علي، قال: لما جاء في المظهر منه لفظ (الرِّجْس) في قوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: 30]. وقال ابن عباس ويمان بن رئاب [[ذكره عنه الثعلبي 1/ 1171 وينظر: البغوي 1/ 1458، "البحر المحيط" 1/ 382.]]: يعنى بَخِّراه وخَلِّقاه [[خَلَّقاه: أي طَيَّباه، والخلُوق والخِلاق: ضرب من الطيب وقيل: الزعفران وغيره، قال بعض الفقهاء: وهو مائع فيه صفرة. "تهذيب اللغة" 1/ 1094 "المصباح المنير" ص 180.]] ونظفاه. وقوله تعالى: ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ قال الفراء [[من قوله: (وقوله تعالى: للطائفين) ساقط من (ش).]]: يقال: طاف يطُوفُ طَوفًا وطَوافًا وطوفانًا، وطاف يطِيف، وأطَاف يُطِيفُ، بمعنى واحد [[هذا في كتاب "المصادر" للفراء وهو مفقود ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2155، "لسان العرب" 5/ 2722.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾ العكوف: الإقامة [[في (م): (القيام).]] على الشيء [[ينظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2532.]]. قال المفسرون: عنى بالطائفين: النُّزَّاع إليه من الآفاق، وبالعاكفين: أهلَ مكة وبالركع السجود [[في (أ)، (م): (بالركع).]]: جميعَ المسلمين [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 539 - 541، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 207، "تفسير الثعلبي"، "تفسير البغوي" 1/ 148 - 149 وذكر الثعلبي في "تفسيره" عن عطاء قال: إذا كان طائفا فهو من الطائفين، وإذا كان جالسًا فهو من العاكفين، وإذا كان مصليًا فهو من الركع السجود. وأخرجه الطبري 1/ 540 - 541 مفرقًا عن ابن عطاء ورجحه، وأخرج ابن حاتم في "تفسيره" 1/ 228 مثله عن عطاء عن ابن عباس.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب