﴿۞ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰتࣲ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامࣰاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ ١٢٤ وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَیۡتَ مَثَابَةࣰ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنࣰا وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ مُصَلࣰّىۖ وَعَهِدۡنَاۤ إِلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ أَن طَهِّرَا بَیۡتِیَ لِلطَّاۤىِٕفِینَ وَٱلۡعَـٰكِفِینَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ ١٢٥ وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَـٰذَا بَلَدًا ءَامِنࣰا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِیلࣰا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥۤ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ ١٢٦﴾ [البقرة ١٢٤-١٢٦]
ثم قال:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة ١٢٤] من المبتلِي؟ الله، (إبراهيم) هو الذي يلي الفعل؟ وابن مالك يقول:
وَالْأَصْلُ فِي الْفَاعِلِ أَنْ يَتَّصِلَا ∗∗∗ وَالْأَصْلُ فِي الْمَفْعُولِ أَنْ يَنْفَصِلَاولكنه قال: ؎وَقَدْ يُجَاءُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ ∗∗∗ ......................... وهذا مما جاء على خلاف الأصل، فـ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ مفعول مقدم، و﴿رَبُّهُ﴾ فاعل مؤخر، وهذا الترتيب على هذا الوصف على هذا الوجه واجب ولَّا جائز؟
* الطلبة: واجب.
* الشيخ: واجب؛ لأن الضمير لو قدمت فاعل عاد الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبة وهذا ممنوع؛ ولهذا قال: ........................ ∗∗∗ وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ وهذا شاذ ما يقاس عليه، أما نظير الآية: ؎وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ ∗∗∗ ..................... ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ إبراهيم فيها قراءة: ﴿إِبْرَاهَامَ﴾ ، ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهَامَ رَبُّهُ﴾ إبراهام، لغة عربية تقرأ باللغة العربية (إبراهام).
* طالب: إبراهام؟
* الشيخ: بالميم، المهم أنه بدل الياء الألف، بدل (إبراهيم) (إبراهام).
* طالب: سبعية؟
* الشيخ: إي، سبعية.
* طالب: اختلفت الحروف؟
* الشيخ: لا، ما اختلفت.
* طالب: فالياء؟
* الشيخ: إي، لكن تكتب الألف ياء بالرسم العثماني تكتب قصاد الياء. وقوله:
﴿إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾ ﴿رَبُّهُ﴾ فاعل، وهنا أضاف الربوبية إلى إبراهيم، وهي من الربوبية الخاصة؛ لأنه سبق لنا أن قلنا: إن الربوبية بإزاء العبودية، فكما أن العبودية نوعان: خاصة وعامة، فالربوبية أيضًا نوعان: خاصة، وعامة، وقد اجتمعا في قول السحرة:
﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف ١٢١] هذه عامة
﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢] هذه خاصة، فهنا ربوبية خاصة، ولا شك أن ربوبية الله سبحانه وتعالى للرسل، ولا سيما أولو العزم منهم وهم؟
* طالب: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد ﷺ.
* الشيخ: نعم، أنها أخص الربوبيات. وقوله:
﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ هذا الذي ابتلي به، والابتلاء هو الاختبار والامتحان، هذه الكلمات، ما هذه الكلمات؟ هل هي كونية، أو شرعية، أو من الكونيات والشرعيات؟ الله سبحانه وتعالى أطلقها، فهي كلمات كونية وشرعية، أو جامعة بينهما، فما هذه الكلمات؟ اختلف فيها المفسرون، وأصح الأقوال فيها: أنها كل ما أمر الله به إبراهيم كونًا أو شرعًا، كل ما أمره به، أو قدَّره عليه فهي كلمات، فمن ذلك مثلًا ابتلي بالأمر بذبح ابنه، ذبحه ولَّا لا؟
* الطلبة: ذبحه.
* الشيخ: ذبحه؟
* طالب: ما ذبحه.
* الشيخ: إي نعم، يعني قال الله له: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات ١٠٥] فهو ذبحه حكمًا، وإن لم يذبحه حقيقة، امتثل لأمر الله، وهذا امتحان ولَّا لا؟ امتحان من أعظم الامتحانات، كذلك أيضًا امتحنه الله تعالى بأن أوقدت له النار وألقي فيها، وهذا من الكلمات الكونية، صبر ولَّا لا؟ صبر، صبر واحتسب، وكل ما قدره الله عليه مما يحتاج إلى صبر ومصابره، أو أمره به كذلك فهو داخل في قوله تعالى: ﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ هذا هو الصحيح، ومنهم من قال: إن الكلمات التي ابتلاه بها: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾، وهذا في الحقيقة ما فيه امتحان، بل هذا نتيجة الامتحان لما امتحنه الله ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾، أتم هذه الكلمات الكونية أو الشرعية، من الذي يستطيع أن يتم كل كلمات الله عز وجل الكونية والشرعية؟ ما كل أحد يصبر على ذلك إلا من وفقه الله؛ ولهذا وصف الله إبراهيم بأنه وَفَّى، فقال: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم ٣٧] أي: تمم ما أمره الله به، وابتلاه به. لما أتمهن، الله جل وعلا أكرم من عبده، أعطاه الله هذه الإمامة، وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ولَّا لا؟ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين،
﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة ٢٤]، هذه واحدة،
﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ هذه الثانية، إبراهيم من هؤلاء الجنس
﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾.
﴿جَاعِلُكَ﴾ مُصَيِّرك، وهي تنصب مفعولين؛ لأنها مشتقة من (جعل) التي بمعنى (صَيَّر)، والمفعول الأول الكاف اللي هي في محل جر بالإضافة، والمفعول الثاني
﴿إِمَامًا﴾.
والإمام من يقتدى به سواء في الخير أو في الشر، لكن لا ريب أن المراد هنا إمامة الخير.
فإذا قال قائل: أرونا دليلًا على أن الإمامة في الشر تسمى إمامة؟
قلنا: قوله تعالى:
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [القصص٤١]، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وُزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»(١)، وهذا لأنه إمام، صار متبوعًا.
﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ عامة ولَّا لا؟ عامة فيمن أتى بعده، لا من كان قبله، لكن فيمن أتى بعده صار إمامًا، حتى لخاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام،
﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل ١٢٣] فهو إمام.
﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ يعني: واجعل من ذريتي إمامًا، وهنا
﴿مِنْ﴾ هذه للتبعيض ولَّا لبيان الجنس؟ يحتمل لبيان الجنس، وبناء على ذلك تصلح
﴿ذُرِّيَّتِي﴾ لجميع الذرية، يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة، ويحتمل أن يكون للتبعيض، وعليه فيكون المقصود: اجعل بعض الذرية إمامًا، أيهما أقرب؟
* الطلبة: للجنس.
* الشيخ: يعني: أنه سأل الله أنه يجعل كل ذريته أئمة؟ يحتمل هذا وهذا، لكن مهما كان، سواء قلنا: إنها لبيان الجنس أو للتبعيض، فالله تعالى أعطاه ذلك مقيدًا فقال: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا حتى البعض ما كل البعض يكون إمام، على كل حال إنه سواء قلنا للجنس أو للتبعيض، فالله تعالى أجابه إجابة مقيدة فقال: ﴿لَا يَنَالُ﴾ أي: لا يصيب، ﴿عَهْدِي﴾ أي: تعهدي لك بهذا، ﴿الظَّالِمِينَ﴾ الظالمين من ذريتك، سواء كان الظلم عامًّا أو خاصًّا، أكبر أو أصغر، فالظالم لا يكون إمامًا؛ ولهذا قال: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ﴿عَهْدِي﴾ فاعل، و﴿الظَّالِمِينَ﴾؟ مفعول به، يعني: أجعل من ذريتك إمامًا، ولكن الظالم لا يدخل في ذلك؛ ولهذا لم يول الله تعالى ظالمًا على وجه التعهد، ولكنه قد يرد عليك أن من ذرية إبراهيم من هو ظالم، ولكن ليس ظلمًا أكبر ولَّا لا؟ مثل من؟
* طالب: الحجاج.
* الشيخ: أي بس ما هم بأئمة، مثلًا من خلفاء بني أمية من هو ظالم، من خلفاء بني عباس من هو ظالم، لكنه ما سمعنا أن أحدًا منهم ظلم ظلمًا أكبر يخرج به من الإسلام، ويأتي إن شاء الله تحقيق لهذه المسألة. قوله:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، ما معنى الابتلاء؟
* طالب: الاختبار.
* الشيخ: الاختبار، وما الذي نصب ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾؟
* الطالب: مفعول.
* الشيخ: مفعول لأيش؟
* الطالب: مفعول لـ﴿ابْتَلَى﴾.
* الشيخ: أين الفاعل؟
* الطالب: ﴿رَبُّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿رَبُّهُ﴾. في
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ قراءتان؟
* طالب: فيه ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، وفيه ﴿إِبْرَاهَامَ﴾ .
* الشيخ: إبراهام، في كل موضع في البقرة، كل ما جاءت في البقرة ففيها قراءتان إبراهام وإبراهيم، في غير البقرة فيه اختلاف. ما هي الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم؟ ما هي الكلمات؟ هل هي كونية ولا شرعية؟
* طالب: كونية وشرعية.
* الشيخ: كونية وشرعية؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: اثبت؟ نعم، زين، الكونية مثل؟
* الطالب: الكونية مثل: (...) في النار.
* الشيخ: إلقاؤه في النار، زين، والشرعية؟
* الطالب: الشرعية، مثل ما ترك زوجته وابنه، وعندما قتل ابنه.
* الشيخ: أُمِر بذبح ابنه.
* الطالب: أُمِر بذبح ابنه.
* الشيخ: وكذلك أيضًا تكسير الأصنام وغيره، إذن الصحيح أن هذه الكلمات معينة ولا غير معينة؟
* طالب: غير معينة.
* الشيخ: غير معينة، لكنها كلمات عظيمة فيها ابتلاء وامتحان. قوله:
﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ ويش معنى
﴿إِمَامًا﴾؟
* طالب: يعني: الإمام هو القدوة الذي يؤتم به.
* الشيخ: في الخير أو في الشر؟
* طالب: في الخير، وتكون في الشر.
* الشيخ: وتكون في الشر، مثل؟
* طالب: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص ٤١] .
* الشيخ: إي، ﴿أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾. وقوله:
﴿إِمَامًا﴾ ما الذي نصبها؟
* طالب: ﴿إِمَامًا﴾؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: نصبها (جاعل).
* الشيخ: (جاعل) على أنها؟
* الطالب: مفعول.
* الشيخ: أول، ولا ثان، ولا ثالث؟
* طالب: ثانٍ.
* الشيخ: ثان؟
* طالب: الكاف الأول و﴿إِمَامًا﴾ ثانٍ.
* الشيخ: و﴿إِمَامًا﴾ ثان.
* طالب: وإمامًا ثان.
* الشيخ: ثان؛ لأن ﴿جَاعِلُ﴾ من جعل، وهي تنصب.
* طالب: مفعولين.
* الشيخ: مفعولين. قوله:
﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ ويش معنى قوله
﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾؟
* طالب: أي: واجعل من ذريتي.
* الشيخ: أئمة.
* الشيخ: هل أجاب الله هذا الدعاء؟
* طالب: أجابه إجابة مقيدة.
* الشيخ: مقيدة؟ في قوله؟
* طالب: ﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
* الشيخ: في قوله: ﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. ما المراد بالعهد هنا؟
* طالب: الإمامة.
* الشيخ: لا ينال عهدي؟ من يعرف؟ يعني: ما أتعهد به لك لا ينال الظالمين، يعني: كأنه يقول: أتعهد لك بذلك وأعطيك به عهدًا إلا أنه لا ينال الظالمين. قال:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ (إذ) هذه ظرفية، وهي متعلقة بمحذوف تقديره؟
* طالب: اذكر.
* الشيخ: اذكر، يعني: اذكر يا محمد للناس هذا الأمر الذي صيرناه للناس. و
﴿جَعَلْنَا﴾ بمعنى صيرنا.
و
﴿الْبَيْتَ﴾ (أل) هنا للعهد الذهني، والمراد به الكعبة؛ لأنها بيت الله عز وجل، وأتي بها ثم بـ (أل) للتفخيم والتعظيم، يعني: البيت المعهود الذي لا يجهل ولا ينسى، جعلناه مثابة.
المثابة بمعنى المرجع، أي: يثوب الناس إليه ويرجعون إليه في كل أقطار الدنيا، سواء ثابوا إليه بأبدانهم أو بقلوبهم، فالذين يأتون إليه حجاجًا أو معتمرين يثوبون إليه بأبدانهم، والذين يتجهون إليه كل يوم في صلواتهم يثوبون إليه بقلوبهم، فإنهم لا يزالون يتذكرون هذا البيت في كل يوم وليلة، بل هو من شروط صحة صلاتهم.
وقوله:
﴿وَأَمْنًا﴾ أي: وجعلناه أمنًا للناس.
«وَلَم تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ»(٢) للضرورة فقط؛ لأنه ما يمكن أن يُخلص هذا البيت من هذا الشرك إلا بهذا الإحلال، أحلها الله له ساعة من نهار للضرورة؛ وهي ساعة الفتح. ثم قال عليه الصلاة والسلام:
«وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ»(٣) فإذن حرمت حتى على الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا معنى كونها أمنًا، قال عليه الصلاة والسلام مجيبًا عن سؤال قد يُفرض:
«وَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ»(٤).
والحكم لله العلي الكبير أذن للرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الساعة، ولكن لم يأذن لأحد، وهذا إذن هذا معنى كونه أمنًا أن الناس يأمنون، وإنما كان أمنًا؛ لأنه مكان عبادات ومناسك، ومشاعر، فلو أنه كان مخافة ما أدى الناس فيه عباداتهم على الوجه الأكمل، ولهذا نُهي عن حمل السلاح في الحرم حتى يبقى كل إنسان آمنًا، وبهذا نعرف عظم جرم أولئك الذين يوقعون المخاوف بين المسلمين في مواسم الحج، وأنهم-والعياذ بالله- من أعظم الناس جرمًا؛ لأن الله تعالى جعل هذا البلد آمنًا في كل وقت، فكيف في وقت أداء مناسك الحج التي ما أُمِّن إلا لأجلها، فهذا- والعياذ بالله- انتهاك لحرمات الله عظيم، ولهذا يجب أن يكون هذا البلد آمنًا، ولما طُعن ابن عمر رضي الله عنه وهو على راحلته في مِنى، طعنه أحد الخوارج طعنه بخنجر معه حتى لزقت رجله بالركاب رضي الله عنه، جاءه الحجاج يعوده.
* طالب: ابن عمر كان؟
* الشيخ: إي نعم ابن عمر، جاءه الحجاج يعوده فقال له: أنت الذي فعلت بنا هذا، فقد كنت أنهاك أن يحمل أحد السلاح في الحرم(٥) فهذا دليل على أن هذا البيت آمِن أمن كامل، قال لله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت ٦٧]. وهذا المأمن عام حتى للكفار إلا أن الله تعالى يقول: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩١] دفاعًا ولَّا طلبًا؟
* الطلبة: دفاعًا.
* الشيخ: دفاعًا، وفرق بين قتل الدفاع وقتل الطلب.
* طالب: هل الجعل هنا كوني أو شرعي؟
* الشيخ: لا هذا شرعي.
* طالب: شيخ، لو (...) في دين كفار ما يستقل منه؟
* الشيخ: يعني ما يمكن يتولى عليها الكفار أبدًا؛ لأن الرسول ﷺ يقول: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»(٦) ولا يمكن إنه يهاجر إلا إذا كان بلد كفر. ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة ١٢٥] اتخذوا: اجعلوا.
* الطالب: (...) يا شيخ، ما يرد على هذا؟
* الشيخ: لا، ما يرد على هذا؛ لأن هذا يسلط عليه ولا يبقى فيه. وقوله:
﴿وَاتَّخِذُوا﴾ أي صَيّروا، أو اجعلوا، وفيها قراءتان إحداهما:
﴿اتَّخِذُوا﴾ بفعل الأمر، والثانية:
﴿اتَّخَذُوا﴾ بفعل الماضي، أي: واتخذ الناس، مثابة للناس واتخذوا من مقام إبراهيم. أو: واتخذوا أنتم من مقام إبراهيم مصلى. وقوله:
﴿اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ المقام مكان القيام، ويطلق إطلاقين: إطلاقًا عامًّا وهو مكان قيامه في العبادة، وإطلاقًا خاصًّا وهو مقامه لبناء الكعبة، فعلى الأول الإطلاق الأول يكون جميع مواقف الحج ومشاعر الحج يكون من مقام إبراهيم، عرفتم؟
على الإطلاق الأول أن المراد بالمقام مقامه للعبادة يشمل جميع مشاعر الحج: عرفة، مزدلفة، الجمرات، والصفا، والمروة، إلى آخره، وعلى القول الثاني الخاص الإطلاق الخاص يُطلق على الحجر المعين الذي قام عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليرفع قواعد البيت، وهو هذا المقام المشهور، معروف للجميع. وقوله:
﴿مُصَلًّى﴾ مصلى، هل المراد مكان للصلاة اللغوية وهي الدعاء؟ أو مكان للصلاة الشرعية؟
* الطلبة: الشرعية.
* الشيخ: على الأول، على الأول يكون مكانًا للدعاء، وعلى الثاني مكانًا للصلاة الشرعية المعروفة، والرسول ﷺ حين أقبل عليه بعد ما طاف قرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام فسرها بالمعنى الخاص، بالمقام الخاص، ولكن كثيرًا من المفسرين فسروها بالمعنيين، وقالوا: إن هذا ذكر لبعض أفراد العام؛ لأنه يدخل فيه، الخاص يدخل في العام، ولا عكس. وقوله سبحانه وتعالى:
﴿اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ المقام الخاص الذي هو الحجر الذي كان يرفع عليه بناء الكعبة اختلف المؤرخون هل كان لاصقًا بالكعبة، أو كان منفصلًا عنها في مكانه الآن؟
فأكثر المؤرخين على أنه كان ملصقًا بالكعبة، وأن الذي أخره إلى هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبناءً على ذلك يكون للخليفة حق النظر في إزاحته عن مكانه إذا رأى في ذلك المصلحة، أما إذا قلنا: إن هذا مكانه على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنه لا يجوز أن يُغيّر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقره، وإذا أقره النبي عليه الصلاة والسلام فليس لنا أن نؤخره عنه، وقد كتب أحد طلبة العلم رسالة في هذا الموضوع، وقرَّظها بعض العلماء، وممن قرظها الشيخ عبد العزيز بن باز، ورأى أنه يجوز إزاحته عن مكانه من أجل المصلحة والتوسعة، بناء على المشهور عند المؤرخين أنه كان لاصقًا بالكعبة، ثم أُخِّر، وهذا لا شك أنه لو أُخر عن مكانه فيه دفع مفسدة؛ وهي مفسدة هؤلاء الذين يتجمعون عنده في أيام المواسم، وفيها نوع مضرة أو نوع مفسدة؛ وهي أنه يُبعد عن الطائفين في غير أيام المواسم ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: في غير أيام المواسم المطاف يكاد يكون خاليًا ما هو كثير الناس، نخليه مثلًا عند الرواق معناه أنه يبعد عليهم أنه يبعد على الناس، (...) يعني المصالح متعارضة هنا؛ هل الأولى بقاؤه في مكانه أو الأولى تأخيره عن مكانه؟ فإذا كانت المصالح متكافئة فالأولى أن يُبقى ما كان على ما كان، وحذرًا أيضًا من التشويش واختلاف الآراء في هذه المسألة، ومسألة التضييق؛ تضييق المصلين على الطائفين، هذا يمكن زواله بالتوعية إذا أفادت، أو بالمنع بالقهر إذا لم تُفد، وهي في الحقيقة في ظني أنها في السنوات الأخيرة قلَّت بعض الشيء، في هذا العام أشوف أنها قليلة؛ لأن الناس صار عندهم توعية.
* طالب: لو يؤخر يا شيخ يصير ملعبة (...) حد يؤخره، كل خليفة يصير له نظر.
* الشيخ: والله يمكن، كل واحد يصير له نظر.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك ركعتي المقام إذا كان في أثناء الحج يزدحم المسجد يجوز صلاتهما في خارج المسجد؟
* الشيخ: إي نعم، يجوز؛ لأن هاتان الركعتان مشروعتان، ولهما مكان أفضل من غيره؛ وهو خلف المقام، فإذا لم يتيسر المكان بقيت المشروعية.
* الطالب: حتى لو خارج المسجد؟
* الشيخ: حتى لو خارج، عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاهما في ذي طوى في مكان بعيد.
* طالب: الآية: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ يعني سنة إن الواحد (...) بعد الطواف؟
* الشيخ: إي نعم، سنة. وقوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ فيها قراءتان: ﴿إِبْرَاهَامَ﴾ و﴿إِبْرَاهِيمَ﴾. وقوله: ﴿مُصَلًّى﴾ مفعول ثاني لـ (اتخذوا) ولَّا مفعول أول؟
* الطلبة: مفعول أول.
* الشيخ: مفعول أول؟ والثاني؟
* الطلبة: الجار والمجرور.
* الشيخ: الجار والمجرور المقدر، وقوله: ﴿مُصَلًّى﴾ هل هو منصوب بالفتحة ولَّا بفتحة مقدرة؟
* طالب: الأخير، منصوب بفتحة مقدرة.
* الشيخ: بفتحة مقدرة، ولهذا هو مكتوب بالياء، يعني أنه معتل بالألف مُصلًّى فهو منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، والتنوين الذي فيه؟
* طالب: تخفيف.
* الشيخ: عوض، عوضًا عن الألف المحذوف. ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أو ﴿إِلَى إِبْرَاهَامَ﴾ ﴿وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة ١٢٥]. ﴿عَهِدْنَا﴾ العهد: الوصية لما هو هام، وليست مجرد الوصية بل لا تكون عهدًا إلا إذا كان الأمر هامًّا، ومنه مثلًا: عهد أبو بكر بالخلافة إلى عمر؛ أي: أوصى بها إليه، ومعلوم أن أهم ما يكون من أمور المسلمين الخلافة. وقوله:
﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ هو ابن إبراهيم، وهو أبو العرب، وهو الذبيح على القول الصحيح؛ يعني هو الذي أمر الله إبراهيم أن يذبحه، وهو الذي قال لأبيه:
﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات ١٠٢].
وقول من قال: إنه إسحاق بعيد، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا منقول عن بني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل يودون أن الذبيح إسحاق؛ لأنه أبوهم دون إسماعيل؛ لأنه عمهم، أبو العرب، ولكن من تأمل آية الصافات أو آيات الصافات علم علمًا يكاد قريبًا من اليقين أن الذبيح إسماعيل؛ لأن الله تعالى ذكر في أثناء هذه الآيات قال:
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات ١١٢] بعد ما ذكر القصة كاملة قال:
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١١٢، ١١٣] فكيف يكون بالأول يتحدث عن همه بذبحه والمحاورة التي جرت بينه وبينه، ثم يقول:
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾؟
البشارة ما تكون إلا بعد، فلو كان إسحاق هو الذبيح ما استقام أن يقول:
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾.
وقوله:
﴿أَنْ طَهِّرَا﴾ ﴿عَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ ﴿أَنْ طَهِّرَا﴾ (أن) هذه مخففة من الثقيلة؟
* طالب: مصدرية.
* الشيخ: ما هي مصدرية.
* طالب: مفسرة.
* الشيخ: المفسرة يكون بعدها أمر ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ﴾ [المؤمنون ٢٧] الظاهر أنها مصدرية.
* طالب: ﴿طَهِّرَا﴾ أليست أمر؟
* الشيخ: إيه لها علة، صحيح، طهِّرا، نعم، فعلًا إذن تصلح أن تكون تفسيرية؛ لأن عهدنا فيه معنى القول دون حروفه، فتكون تفسيرية؛ أي: أن العهد هو قوله: ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ طهِّرا: فعل أمر وقوله: ﴿بَيْتِيَ﴾ المراد به الكعبة، وأضافها الله تعالى إلى نفسه إضافة تشريف، وليست إضافة جزء ولا إضافة صفة، فهي إضافة تشريف، وبهذا نعرف أن المضاف إلى الله ينقسم إلى قسمين أو ثلاثة؟
* طالب: ثلاثة.
* الشيخ: الأول: أن تكون عينًا قائمة بنفسها. الثاني: أن تكون وصفًا في ذلك العين أو في تلك العين.
والثالثة: أن تكون وصفًا لله، فإذا كان عينًا قائمة بنفسها فإضافته إضافة تشريف؛ مثل: ناقة الله، وبيت الله، وإذا كان وصفًا يتصل بعين مثل: الروح إذا قلنا إنها وصف، أو أنها جسم يتصل بجسم آخر مخلوق فهو أيضًا مخلوق، فهو إضافة تشريف وهو مخلوق مثل:
﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر ٢٩] وإذا كان وصفًا فإنه يكون صفة لله، يعني إذا كان المضاف معنى لا يقوم بغير الله فإنه يكون وصفًا لله مثل:
﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ [التوبة ٦]، ومثل: عزة الله، وقدرة الله، وما أشبه ذلك، هنا من القسم الأول
﴿بَيْتِيَ﴾ البيت عين قائمة بنفسها، فإضافته إليه من باب إضافة تشريف.
وقوله:
﴿بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ يعني للذين يطوفون به، والثاني:
﴿الْعَاكِفِينَ﴾ الذين يقيمون فيه للعبادة، والثالث:
﴿الرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ الذين يصلون فيه، وعبر عن الصلاة بالركوع والسجود؛ لأنهما ركنان فيها، وقد تقدم لنا بعيدًا بأنه إذا أُطلق جزء العبادة عليها كان ذلك دليلًا على أن هذا الجزء ركن فيه ما تصح بدونه، هنا بدأ بالطائفين لاختصاصهم بذلك البيت، ثم ثنَّى بالعاكفين؛ لأنها أوسع دائرة من الطائفين، لكنها مختصة بالمساجد، ثم قال:
﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ هذه لا تختص بالمساجد،
«جُعِلَتِ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(٧) فإذن يكون الله سبحانه وتعالى بدأ بالأخص فالأخص، أخص ما يكون بالبيت الحرام الطواف، ثم الاعتكاف، أما الصلاة فلا تختص بمكان، ولهذا يقول بعض أهل العلم: إن ملكًا من الملوك نذر لله نذرًا أن أعبد الله عبادة لا يشاركني فيها أحد فاستفتى بعض أهل العلم قالوا: أيش لون؟ إن صمت يجوز أن يكون فيه ناس صائمين، إن صليت يجوز فيه ناس يصلون، إن تصدقت يجوز فيه ناس يتصدقون، فذهبوا إلى عالم من العلماء فقال لهم: أخلوا له المطاف؛ يعني خلوه يطوف وحده، وحينئذٍ يشاركه أحد ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ما يمكن يشاركه أحد؛ لأنه بالحقيقة ما أحد يطوف أبدًا إلا بهذا البيت.
* طالب: خالف النص: «لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ»(٨)؟
* الشيخ: لا، المهم إن هذا حل المسألة، أما عاد كونه يجوز أو ما يجوز هذا هم يمنعون لغير هذا السبب، لكنه ما فيه؛ يعني ما يمكن الوفاء بهذا النذر إلا بهذا.
* طالب: ما يمكن يا شيخ (...).
* الشيخ: أين؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا يمكن بدون منع الناس، هذا يمكن لو يجي في آخر الليل؛ يعني في غير المواسم أحيانًا تجدوه فاضي، فارغًا أو يجي مثلًا بعد طلوع الشمس دائمًا إلى في أيام الاعتمار اللي ما فيه
* الطالب: أو برمضان في الظهيرة أحيانًا.
* الشيخ: المهم على كل حال يمكن يجد. وقوله: ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ طهر للطائفين؛ اللام هذه للتعليل؛ أي: لأجلهم. وقوله: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ الركع معروف أنها جمع (راكع)، والسجود جمع (ساجد)، وتصح أن تكون مصدرًا، (سَجَدَ، يَسْجُدُ، سُجُودًا)، لكن سجود وقعود هي مصدر وفي نفس الوقت جمع، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ»(٩) ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.
* طالب: شيخ، الركع السجود غير (...).
* الشيخ: وأيش لون؟
* الطالب: غير الركع السجود (...).
* الشيخ: وخص الركوع السجود؛ لأنهما أفضل هيئة، الركوع أفضل هيئة من القيام، والسجود أفضل منه؛ ولهذا نقول: القيام فضل الركوع والسجود بذكره، فإن ذكر القيام ما هو؟
* الطلبة: القرآن.
* الشيخ: كلام الله عز وجل، أفضل من كل شيء، وذكر التسبيح، وذكر الركوع والسجود هو التسبيح، والتسبيح أقل حرمة من القرآن، وإن كان التسبيح لا شك أنه تعظيم لله، لكنه ما مثل القرآن، فالله سبحانه وتعالى حكيم جعل لكل من أركان الصلاة ما يخصه، هذا اختصه بفضل ذكره، وهذا اختصه بفضل هيئته.
* طالب: شيخ، ما نقول أن الركع السجود أخص أوصاف الصلاة؛ يعني ما هو راكع ولا ساجد لله وهو (...)؟
* الشيخ: وأيش لونه؟
* الطالب: يعني أخص أوصاف الصلاة؟
* الشيخ: لا، ما هو صحيح؛ لأن سجود التلاوة سجود بلا صلاة.
* الطالب: على القول بهذا.
* الشيخ: ما يصح.
* طالب: يا شيخ، ﴿اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ﴾ (من) هنا كيف تباينية ولَّا تبعيضية؟ ثم ما يمكن لو اتخذنا مقام إبراهيم مصلى هنصلي فوق الحجر؟
* الشيخ: قوله: اتخذوا من، هذه لبيان الجنس بيانية؛ يعني اتخذوا من هذا المقام، ويجوز أن تُضمن معنى (في)؛ أي اتخذوا في هذا المقام مكانًا للصلاة.
* طالب: لكن المقام ما دام هو الحجر أصبح ما يمكن يتخذونه مصلى؟
* الشيخ: إيه، اتخذوا منه ما هو معناها عليه، اتخذوا منه مكانًا، والرسول فسره بأنه يكون يصلي إلى جنبه.
* الطالب: ما بيرجح هذا أنه مناسك الحج على العموم (...) مقام إبراهيم على العموم هو (...) الحج؟
* الشيخ: هو الحقيقة، كل له مُرجح، أما تفسير النبي عليه الصلاة والسلام فلا شك أنه واضح أنه أراد هذا المقام، وإذا أردنا بالعموم بيرد عليه استعمال الصلاة في اللغة. يقول:
﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾.
* طالب: قوله: ﴿طَهِّرَا﴾ قلت: إن إبراهيم هو اللي بنى البيت يا شيخ، لماذا قال: طهِّرا؟
* الشيخ: نعم، ولكن إسماعيل كان مساعدًا له ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ [البقرة ١٢٧].
* الطالب: لا لا، قصدي يعني كيف يطهر شيئًا طاهرًا هو اللي بنى البيت؟
* الشيخ: إيه، ولو بناه، وأيش؟! يمكن يأتي هذا البيت يجيه نجاسة، يجيه أقذار فيطهراه.
* طالب: قوله: ﴿طَهِّرَا﴾ أمر جه أثناء البناء؟
* الشيخ: يجوز أنه يكون أمر في أثناء البناء؛ لأنه قد يرد عليه شيء في أثناء البناء أو بعده، ما هو مستحيل.
* طالب: يشمل الطهارة حسية ومعنوية؟
* الشيخ: والله فيها نظر؛ المعنوية إلا إذا كان من باب القياس، إذا وجب التطهير من الحسية فمن المعنوية أولى.
* الطالب: (...) هذا؟
* الشيخ: ما هو الظاهر؛ لأنه قال: ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ ما قال: طهراه وأطلق، والتطهير ﴿لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ ما يناسبه إلا الطهارة الحسية.
* الطالب: (...) الطائفين والعاكفين (...) وجدت أصنام فما يستطيعون؟
* الشيخ: لا، يستطيعون، فيه ثلاث مئة وستين صنم والناس يطوفون حولهم. ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ يعني واذكر
﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا﴾ ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ ونقول فيها ما قلنا بالأول القراءة
﴿إِبْرَاهَامَ﴾ ،
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ ﴿اجْعَلْ﴾ صيِّر.
﴿هَذَا﴾ المشار إليه مكة. وقوله:
﴿بَلَدًا﴾ البلد: اسم لكل مكان مسكون، سواء كان ذلك مدينة كبيرة أو مدينة صغيرة كله يسمى بلدًا، وقد سمى الله تعالى مكة بلدًا كما في قوله تعالى:
﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين ٣]، وسماه الله تعالى قرية كما في قوله:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [محمد ١٣].
وقوله:
﴿آمِنًا﴾ قال بعض المفسرين: أي: آمنًا مَن فيه؛ لأن البلد نفسه ما يوصف بالأمن والخوف؛ البلد أرض وبناء، فلا يوصف بالأمن والخوف، وإنما الذي يكون آمنًا أهله، أما هو فيكون أمنًا، والذي ينبغي أن يجعل على ظاهره، وأن يكون البلد نفسه آمنًا، وإذا أمن البلد أمن من فيه وهو أبلغ؛ لأنه مثلًا لو جاء أحد وهدم البناء ما كان البناء آمنًا، صار البناء عرضة لأن يتسلط عليه من يتلفه، فكونه آمنًا أبلغ من أن نفسره بـ (آمنًا أهله)؛ لأنه يشمل البلد ومن فيه، ولهذا قال:
﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ﴾ فرّق ما قال: ارزقه؛ لأنه لا يُرزق.
﴿ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ﴾ ﴿ارْزُقْ﴾: فعل أمر أو فعل دعاء؟
* الطلبة: دعاء.
* الشيخ: دعاء، و﴿أَهْلَهُ﴾ مفعول أول. و﴿مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ مفعول ثاني. وقوله عليه الصلاة والسلام:
﴿مَنْ آمَنَ﴾ هذه بدل من قوله:
﴿أَهْلَهُ﴾، وارزق أهله من آمن، عرفتم؟
وإنما احترز إبراهيم عليه الصلاة والسلام من العموم تأدبًا بتأديب الله عز وجل؛ لأنه قال:
﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة ١٢٤] فتأدب في طلب الرزق أن يكون للمؤمنين فقط من أهل هذا البلد، عرفتم؟ إذن
﴿مَنْ آمَنَ﴾ محلها من الإعراب؟
* طالب: بدل من أهله.
* الشيخ: النصب بدلًا من أهله، بدل بعض من كل، ولا بدل كل من كل؟
* الطلبة: بعض من كل.
* الشيخ: بعض من كل. ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أجاب الله دعاءه فقال: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ يعني وأرزق من كفر أيضًا. ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ لكن ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾ إلى آخره. وقوله سبحانه وتعالى عن إبراهيم:
﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ ما هو الإيمان؟ الإيمان في اللغة: التصديق، وفي الشرع: التصديق المقرون بالقبول والإذعان، هذا في الشرع؛ التصديق المقرون بالقبول والإذعان؛ لأن مجرد التصديق ليس إيمانًا شرعًا؛ فأبو طالب كان مصدقًا بالرسول ﷺ لكنه ليس بمؤمن به؛ لأنه لم يقبل ما جاء به ولم يذعن له وينقاد، فالإيمان شرعًا؟
* الطلبة: التصديق المقرون بالانقياد والإذعان.
* الشيخ: التصديق المقرون بالقبول والإذعان؛ يعني الانقياد، ولهذا قال أهل السنة والجماعة: الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، وتصديق بالجنان، فهو مركب من هذه الثلاثة، ولا يمكن يكون الإيمان شرعًا بدونهم. وقوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ الإيمان بالله يتضمن كما سبق كم؟
* الطالب: ثلاثة.
* الشيخ: ثلاثة أو أربعة؟ يتضمن الإيمان بوجوده، وبربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، لا بد من هذا، فالإيمان بوجوده ما يكفي عن البقية، ولهذا يقول: أنا أعجب من بعض الناس لما أن أحد الروس صعد فوق الجاذبية، ورأى ما حوله من النجوم والكواكب، ورأى الأرض وأنها ككرة في يد الصبي، قال: والله ما خلق هذا إلا قاهر عظيم، ولكنه ما آمن إلا بس إن هذا الشيء ما أنتج نفسه، بعض الناس كان يطبل ويزمر، قال: الحمد لله، هذا آمن، وهل آمن هذا؟
* طالب: لا، ما آمن.
* الشيخ: ما آمن، ما آمن حتى يصدق بالله ووجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، الربوبية أن تؤمن بأن الله تعالى له الخلق والأمر ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾، فهو الخالق الذي له الأمر الكوني والشرعي، ولذلك- بلا شك- أن الحكم بغير ما أنزل الله يتضمن أو يدخل في توحيد الربوبية لا في توحيد الألوهية. ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة ٣١] فالحاصل أن هذا الإيمان بالربوبية؛ الإيمان بالخلق والأمر، أن الله هو الخالق وحده، المالك وحده، الذي له الأمر المطلق وحده. الإيمان بالألوهية أن تؤمن بأنه لا يستحق أحد أن يعبد إلا الله وحده سبحانه وتعالى، لا أحد يستحق أن يعبد؛ لا ملَك، ولا رسول، ولا ولي، ولا صالح، ولا شقي، ولا طالح، ما يستحق العبادة إلا الله سبحانه وتعالى الذي خلق، أما الإيمان بالأسماء والصفات فأن تؤمن بكل ما سمى الله به نفسه، أو وصف به نفسه، أو سماه به رسوله، أو وصفه به رسوله، سواء كانت من الصفات الذاتية أو المعنوية أو الفعلية، كلها يجب عليك أنك تؤمن بها، وسواء كانت هذه الصفات مما يدركه العقل، أو مما لا تثبت إلا بالسمع، كلها يجب عليك أن تؤمن بها، على هذا جميع المحرفين لآيات الصفات غير مؤمنين بها إيمانًا كاملًا، ما آمنوا بها إيمانًا كاملًا، وجميع الممثلين لله بصفات خلقه لم يؤمنوا بالصفات إيمانًا كاملًا.
اليوم الآخر، ما هو اليوم الآخر؟ هو يوم القيامة، وسُمي آخرًا؛ لأنه لا يوم بعده، ما فيه يوم بعده، الدنيا يوم أول؛ لأنه مرحلة تأتي بعدها الآخرة ولا بعدها مرحلة؛ لأنها لا نهاية لها أبد الآبدين؛ إما في الجنة أو في النار.
وإنما يقرن الله تعالى دائمًا بين الإيمان به واليوم الآخر دون الإيمان ببقية الأركان الستة؛ لأن الإيمان به يتضمن الإيمان بكتبه ورسله وملائكته والقدر خيره وشره، أفهمتم؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: كله يتضمن هذا، اليوم الآخر؛ لأنه يوم الجزاء، والإنسان إذا لم يؤمن باليوم الآخر ما هو بعامل، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: إذا كان الإنسان ما يعتقد أنه سيُحشر ويجازى فإنه لا يمكن أن يعمل، فالإيمان باليوم الآخر هو الذي يحدوا بالإنسان إلى العمل يعمل؛ لأنه يؤمن بأن هذا العمل الذي يقوم به اليوم سوف يجازى به غدًا في اليوم الآخر، ولهذا يعمل بالطاعات ويترك المعاصي، يعمل بالطاعات طلبًا للثواب في ذلك اليوم، ويدع المعاصي خوفًا من العقاب في ذلك اليوم. وقوله:
﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ﴾ قال من اللي قائل؟
* الطلبة: الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: الله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه وتعالى يقول قولًا مسموعًا، ولهذا يخاطب إبراهيم ﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ﴾ فهو سبحانه يقول قولًا مسموعًا يسمعه من خُوطب به. وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ معطوفة على قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾؛ يعني وأرزق من كفر، والكَفْر في الأصل- أي في اللغة-: الستر، ومنه سُمّي (الكُفُرَّى) تعرف الكُفُرّى؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما هو؟
* الطالب: الكافور.
* الشيخ: الكافور زين، الكُفُرَّى الذي يكون في طلع النخل؛ لأنه يستره، أما في الشرع فالكفر هو الجحد أو الاستكبار، الجحد أو الاستكبار، يعود على هذين الأمرين، فكل كافر فإما جاحد أو مستكبر، واتصالهما بالمعنى اللغوي ظاهر؛ لأن الجاحد ساتر بلا ريب، والمستكبر عمله يتضمن الستر، كأنه ستر ما يجب لله من حق فاستكبر عن عبادته، وكل الكفر الموجود بجميع أنواعه وأصنافه كله يعود إلى هذين الأمرين؛ إما الجحود وإما الاستكبار. ﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ﴾ يعني فأرزقه، ولكن
﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾. وفي قراءة:
﴿فَأُمْتِعُهُ﴾ ، والإمتاع والتمتيع معناهما واحد وهو (...) يتمتع به، والمتعة البلغة، المتعة البلغة التي تلائم الإنسان.
﴿فَأُمْتِعُهُ قَلِيلًا﴾ إلى متى؟ إلى الموت، ومهما طال بالإنسان العمر فهو قليل، لا بد أن يموت وهو قليل
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات ٤٦] بل أقل من هذا
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف ٣٥].
وإذا شئت أن تعرف الأمر فقس ما مضى من حياتك مما بقي، الآن كلنا يعرف أننا خلَّفنا أيامًا كثيرة ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أيام كثيرة خلَّفناها، نفس اللي خلفناه البارحة وأيش كأنه؟ لا شيء كأنه لا شيء، نحن الآن في الوقت الذي نحن فيه، وأما ما مضى فكأنه لم يكن، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام واصفًا الدنيا:
«إِنَّهَا مَثَلُ الرَّاكِبِ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهَا»(١٠) إنسان اطمأن له شوي تحت ظل الشجرة، ثم ارتحل، هذه الدنيا كلها؛ ولذلك يجب علينا أن نتخذ من هذا الوقت القصير أن نتخذ منه عملًا كثيرًا ينفعنا في الآخرة، والعمل اليسير- ولله الحمد- في الدنيا يثمر ثمرات كثيرة في الآخرة، يضاعف بعشرة أضعاف إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة. نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ما المراد بالتطهير هنا؟ من الأوثان لأن الأوثان رجس، أو المراد من الأقذار والنجاسات؟
* الطالب: تشمل الكل.
* الشيخ: تشمل المعنيين، ما تقولون؟
* الطلبة: نعم، صحيح.
* الشيخ: صحيح، قوله: ﴿أَنْ طَهِّرَا﴾ نجيء للإعراب، وأيش إعرابها (أن)؟
* الطالب: أن تفسيرية.
* الشيخ: أن تفسيرية؛ لأنه جاء بعدها فعل أمر، وسبقها فعل متضمن للقول دون؟ كملوا؟
* الطلبة: دون حروفه.
* الشيخ: دون حروفه، متضمن القول دون حروفه. ﴿عَهِدْنَا﴾ يعني: قلنا مثل: ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ﴾ [المؤمنون ٢٧] فأن تفسيرية. ما المراد بالإضافة في قوله:
﴿بَيْتِيَ﴾؟
* الطالب: ﴿بَيْتِيَ﴾ الله.
* الشيخ: إيه، ما المراد بالإضافة؟ هذه الإضافة لأن الله يسكنه؟
* الطالب: لا، محل عبادته، محل التعبد؛ إضافة تشريف.
* الشيخ: إضافة تشريف، أضافه الله إلى نفسه تشريفًا له وتعظيمًا له. وهذا التشريف، وهذه الإضافة أيضًا كما أنها للتشريف فهي أيضًا فيها حث لإبراهيم وإسماعيل لتطهير هذا البيت؛ لأنه أضافه لنفسه، فتعظيمه من تعظيم الله سبحانه وتعالى. لماذا بدأ بالطائفين قبل المصلين؟
* الطالب: بدأ بالأخص فالأعم.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: الطواف أخص من العكوف.
* الشيخ: لماذا؟
* طالب: لأن هذا مختص بالبيت؛ الطواف بالبيت.
* الشيخ: في المسجد الحرام؛ لأنه ما يكون إلا في المسجد الحرام، طيب كمل؟
* الطالب: ثم الركوع؟
* الشيخ: لا، عاكفين. لأيش وأنت قلت: بدأ بالأخص فالأعم؟
* الطالب: الطواف أخص منه.
* الشيخ: أخص من الاعتكاف نعم، لكن لماذا قدم الاعتكاف على الركوع والسجود مع أن الركوع والسجود أفضل؟
* الطالب: لأنه اختص بالبيت.
* الشيخ: ما يختص بالبيت؟
* الطالب: الطواف.
* الشيخ: انتهينا من الطواف؟
* طالب: لأن الطائفين أحق من العاكفين إن الطائفين في البيت.
* الشيخ: لا، أنا ما أسأل عن تقديم الطائفين، عرفنا تقديمهم، العاكفين لماذا قُدموا على الركع السجود مع أن الصلاة أفضل من الاعتكاف؟
* الطالب: شيخ؛ لأنه اختصاص في المساجد.
* الشيخ: لأنه خاص بالمساجد، الركع السجود؛ لأنها- أي الصلاة- تصح في كل مكان: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».(١١)
* الطالب: إنها في سياق، كلها في سياق المساجد لكن العاكفين خاصة بالمساجد الجامعة؟
* الشيخ: المساجد الجامعة.
* الطالب: إيه.
* الشيخ: لا، ما هي بخاصة بالجامعة، كل مسجد (...).
* الطالب: يعني (...) الأمر، يعني كل (...).
* الشيخ: ﴿عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ عام ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة ١٨٧]. لماذا عطف العاكفين على القائمين بالواو؟ والركع عطفها بالواو أيضًا دون السجود، ما قال والركع والسجود؟
* طالب: لأنه أصل الركع السجود في عبادة واحدة.
* الشيخ: نعم، إي نعم، وأما تلك؟
* الطالب: والعكوف (...) عبادة (...).
* الشيخ: وأما الطواف والاعتكاف فكل واحدة عبادة مستقلة. في قوله عليه الصلاة والسلام: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إشارة إلى أدب فما وجهه؟ لأنه لولا خبرناه ما فينا (...).
* الطالب: هذا يشمل بقية الأمور الغيبية.
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: الإيمان بالله واليوم الآخر يشمل الأمور الغيبية.
* الشيخ: إيه، لماذا؟ إذن لماذا خص اليوم الآخر؟ لماذا لم يقل الإيمان بالله وبس؟
* الطالب: يشمل اليوم الآخر يشمل.
* الشيخ: يشمل الإيمان بالرسل.
* طالب: الإيمان بالله، يشمل الإيمان بالله وملائكته ورسله.
* الشيخ: وكتبه.
* الطالب: وكتبه، وهي كلها (...).
* الشيخ: والقدر خيره وشره.
* الطالب: والقدر خيره وشره، أما اليوم الآخر فهو مختلف؛ يعني يختلف يعني، أما الإيمان بالرسل والكتب والملائكة فهي تابعة للإيمان بالله.
* الشيخ: طيب والإيمان باليوم الآخر من أخبار الله؟
* الطالب: لأن الإيمان باليوم الآخر يحث على العمل.
* الشيخ: إيه، أي: فإنه يوم الجزاء؛ تنبيه بأن حقيقة الأمر أن من لم يؤمن باليوم الآخر ما هو راح يعمل أبدًا مهما كان الأمر، بيعيش عيشة بهيمية، لكن أنه يؤمن باليوم الآخر يعرف أنه بيجازى على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، هذا يحدوه إلى العمل، فنص على الإيمان باليوم الآخر لأيش؟ لأنه يحمل على العمل والإيمان حيث إنه محل الجزاء. قوله:
﴿قَالَ وَمَنْ كَفَرَ﴾ وأيش إعراب
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾؟
* الطالب: الجملة يعني؟
* الشيخ: من؟
* الطالب: (منْ) اسم موصول بمعنى الذي، كفر: فعل ماضٍ.
* الشيخ: وأيش محله من الإعراب؟
* الطالب: محل نصب مفعول به.
* الشيخ: مفعول به لأيش؟ (...)
﴿بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾.
من فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى قد يبتلي بعض العباد بتكليفات خاصة لقوله:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، وكما أنه يبتلي بعض العباد بتكليفات خاصة شرعية، فإنه قد يبتليهم بأحكام كونية مثل:
* الطالب: المرض.
* الشيخ: إيه مرض، أو مصائب في المال، في الأهل، وما أشبه ذلك عرفتم؟
* ومن فوائد الآية: فضيلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من وجهين؛ من قوله: ﴿رَبُّهُ﴾ حيث أضاف ربوبيته إلى إبراهيم، وهذه ربوبية خاصة، ومن قوله: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ ما قال: فأتى بهن. قال: ﴿أَتَمَّهُنَّ﴾ وهذا لا شك أنه منقبة له عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائد الآية: أن من أتم ما كلفه الله به كان من الأئمة لقوله: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ يعني لما أتمهن جُوزي على ذلك بأن جعل إمامًا للناس. ومنها: فضيلة إبراهيم من قوله:
﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾.
* ومن فوائد الآية: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو لذريته بالصلاح لقوله: ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ وإبراهيم طلب أن يكون من ذريته أئمة، وطلب أن يكون من ذريته من يقيم الصلاة ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ [إبراهيم ٤٠] فيستفاد منه: مشروعية الدعاء وأيش هو؟ الدعاء للذرية بالإمامة والصلاح. ومنها من فوائد الآية: أن الظالم لن يكون إمامًا، أو لا يستحق أن يكون إمامًا؟
* طالب: لا يستحق.
* الشيخ: لا يستحق أن يكون إمامًا لقوله: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ يعني فالظالم ليس مستحِقًّا لأن يناله عهد الله، لكن قد يكون إمامًا إذا أتى بأسباب الإمامة، وإن كان فيه ظلم، لكن الإمامة الشرعية غير الإمامة التنفيذية، الإمامة الشرعية ما تكون للظالم ولا يستحق أن يكون إمامًا، لكن الإمامة التنفيذية مثل أن يكون خليفة أو ما أشبه ذلك قد يكون هذا لكنه غير أهل لها. ومنها أيضًا من فوائد الآية: أن الظلم ينزل بأهله إلى أسفل السافلين، ما يجعلهم في قمة، ينزلهم إما في الدنيا وإما في الآخرة، وأيش تقول؟
* الطالب: ما الجمع بين هذا الظاهر أنه كوني قوله: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ ما هو بكوني؟
* الشيخ: لا.
* الطالب: يعني حكم كوني؟
* الشيخ: لا، قد يكون شرعي، يعني معناه أن الله يقول: أعطيك ما طلبت، لكنه لا يستحق هذا من كان ظالِمًا.
* الطالب: يستلزم من هذا أن نقول إن إبراهيم طلب أن يكون هذا شرعيًّا؟
* الشيخ: كيف شرعي؟
* الطالب: يعني إذا قلنا إنه شرعي قوله: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ يلزم أن نرجع هذا إلى السؤال فنقول: إن إبراهيم طلب أن يكون.
* الشيخ: إبراهيم طلب أن يكون إمامًا من ذريته عامة، فأجابه الله إلا أنه سبحانه وتعالى استثنى الظالم؛ فإنه لا يستحق أن يكون إمامًا، قال: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ يعني معناه أني أعهد بذلك إليك، ولكن عهدي لا يدخل فيه الظالمون. ثم قال تعالى:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة ١٢٥].
من هذه الآية يستفاد فضيلة البيت الحرام من وجهين: أنه مثابة، وأمن.
* ومن فوائد الآية: ظهور رحمة الله عز وجل، فإنه لما جعل هذا البيت مثابة والناس لا بد أن يرجعوا إليه رحمهم بأن جعله آمنًا، رحمهم بأن جعله آمنًا.
* ومن فوائد الآية: أنه يجب أن يكون كل مكان مثابة للناس أن يكون آمنًا، ولهذا كره أهل العلم أن يُحمل السلاح في المساجد، قالوا: لأن المساجد محل أمن، لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس به، فالمهم أن كل شيء مثابة للناس شرعًا يثوبون إليه شرعًا فإنه يجب أن يكون آمنًا ليأمن الناس في أداء عباداتهم.
* ومن فوائد الآية: وجوب اتخاذ المصلى من مقام إبراهيم لقوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وجه الدلالة على الوجوب؟
* الطلبة: الأمر.
* الشيخ: الأمر؛ لأن الأصل فيه الوجوب، فإن قلنا: بأن المراد بالمقام جميع مناسك الحج فلا إشكال، أوْ لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن فيه واجب القيام بعرفة، ومزدلفة، ومنى، وإذا قلنا: المراد به الركعتان بعد الطواف صار فيه إشكال؛ فإن جمهور أهل العلم على أنهما سنة، وذهب الإمام مالك إلى أنهما واجبتان، والذي ينبغي للإنسان أن لا يدعهما؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الآية بهما، تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الله سبحانه وتعالى أكرم من عبده، شوف إبراهيم لما أتم الكلمات، وأيش اللي حصل له من الفوائد هذه؟ نتيجة لذلك جعله الله إمامًا للناس، وأمر الناس أن يتخذوا من مقامه مصلى، أمر الناس أن يتخذوا من مقامه مصلى، وهذا بعض من إمامته، وقد يقال أيضًا: إن البيت الذي بناه إبراهيم تعظيمه في الحقيقة يعتبر منقبة لإبراهيم؛ لأن إبراهيم هو الذي بناه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب تطهير البيت من الأرجاس الحسية والمعنوية، كذا؟ قولوا: نعم ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: من أين نأخذه؟ ﴿عَهِدْنَا﴾ ﴿أَنْ طَهِّرَا﴾ وقد سبق لنا أن العهد هو الوصية بالأمر إلهام. ويؤيد ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة ٢٨]. ولهذا لا يجوز للمشركين ولا غيرهم من أهل الكفر أن يدخلوا أميال الحرم؛ لأنهم إذا دخلوها قربوا منه، قربوا من المسجد الحرام، والله يقول: ﴿لَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾. ومنها: اشتراط طهارة مكان الطواف لقوله:
﴿لِلطَّائِفِينَ﴾.
ويؤخذ منه بالأولى اشتراط طهارة لباس الطائفين، وأنه لا يجوز أن يطوف بثوب نجس؛ لأن ملابسة الإنسان للثياب ألصق من ملابسته للمكان، واضح؟
وهل يؤخذ منها وجوب الطهارة من الحدث ولَّا لا؟ قد يؤخذ منها وقد لا يؤخذ؛ وذلك لأن طهارة الحدث ليست نجاسة حسية، فالمحدِث ليس بنجس، وإلا لكان إذا مسك وأنت رطب نجَّسك، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة وهو على جنابة:
«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ»(١٢).
ومنها من فوائد الآية: أن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة لقوله: طهره لهم، ولهذا قال العلماء: يشترط لصحة الطواف أن يكون في المسجد؛ في المسجد الحرام مسجد الكعبة، وأنه لو طاف خارج المسجد ما أجزأه؛ فلو أراد الإنسان مثلًا أن يدور على المسجد الحرام من برّه فإنه لا يجزئه، أما الذين يطوفون في نفس المسجد سواء فوق ولا تحت فهؤلاء يجزئهم.
* طالب: المهم (...).
* الشيخ: لا، المهم أن يكون في المسجد، ولا كان يقول: من وراء العمد ما يجوز.
* الطالب: (...) الطائفين زادوا.
* الشيخ: يعني حتى خرجوا من المسجد؟
* الطالب: حتى خرجوا من المسجد.
* الشيخ: ينتظر لأنهم يفرغوا، ما هم قاعدين (...).
* الطالب: ربما فيه في المستقبل ما جعلهم (...).
* الشيخ: حتى في المستقبل ينتظر حتى يخرج، لا بد أن يكونوا في المسجد.
* الطالب: في حدود المسجد.
* الشيخ: في حدود المسجد. وعلى هذا يجب الحذر من الطواف فوق المسعى؛ لأن بعض الناس يمكن يطوف بالمسعى، المسعى إذا دار يدخل معه؛ لأن المسعى من فوق فيه أبواب ومن تحت فيه أبواب، فقد يطوف مع المسعى، فيجب الحذر؛ لأن المسعى ليس من المسجد، فإن المسعى كما تشاهدون مفصول عن المسجد، وهذا لازم أنه يفصل؛ إذ لو كان من المسجد لكان المرأة إذا حاضت بعد الطواف لا تسعى؛ لأنه يلزمها أن تمكث بالمسجد. ومنها أيضًا: فضيلة هذه العبادات الأربع: الطواف، والاعتكاف، والركوع، والسجود، حيث أمر بتطهير البيت لهم، هل في كونه بنى الأول جمع الأول جمع مذكر سالمًا والثاني جمع تكسير هل فيه فائدة حكمية؟ ولا فائدة لفظية؟ يعني قال: للطائفين والعاكفين والراكعين والساجدين بل قال:
﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾؟
قد يقال: إن الطائفين والعاكفين والركع، الركع هذه (فُعَّل) تدل على الكثرة؛ لأن الصلاة فيها ركوعين، أقل ما فيها ركوعين، وأقل ما فيها أربع سجدات، هذه الثنائية، أما الوتر ففيه ركوع واحد وسجودان.
وقد يقال: إن هذا من باب الاختلاف التعبيري؛ لأنه من البلاغة أن تأتي الألفاظ مختلفة؛ لأنه أنشط، والله أعلم.
* طالب: شيخ، كما يكون عشر سجودات؟
* الشيخ: في صلاة واحدة؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: في صلاة واحدة فريضة يعني؟ فريضة ست سجودات؟
* الطالب: صلاة المغرب (...).
* الشيخ: إيه، عشر ولا ست؟ ست تشهدات، تشهدات (...) ست تشهدات.
* الطالب: (...).
* الشيخ: تشهدات؟ ما ندري على كل حال إن هذه نادر ما تحصل ست تشهدات نادرة.
* الطالب: الصلاة في المسعى تجزئ الإنسان يكون في المسجد؟
* الشيخ: لا، اللهم إلا إذا كانت الصفوف متصلة، إذا كان مملوء الحرم والمسجد واتصلت الصفوف، (...).
* الطالب: شيخ، صلاة النبي عليه الصلاة والسلام عند المقام وقراءته الآية ما فعله؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: قراءة النبي.
* الشيخ: يجوز أن يكون قالها على سبيل التمثيل.
* الطالب: أمس ذكرنا في تفسيرها قلنا: ما يجوز العدول عنها؟
* الشيخ: لا، قلنا: هذه يرجح ذلك، لكن ما يمنع، قلنا: هذا يرجح إلا أنه ما يمنع.
* الطالب: لماذا لم يقرأ الآية حين وقف بعرفة وحين وقف بمزدلفة ما قرأ؟
* الشيخ: قد يكون لما أنه عليه الصلاة السلام ابتدأ الطواف وصلى؛ لأنه ما أحل- كما تعرف- ما أحل من إحرامه، ولا يلزم أن يستشهد لكل فعل بالآية، إنما هو لا شك مما سبق أن هذا يرجح أن المراد الركعتين فقط. يقول:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة ١٢٦] إلى آخره.
في هذه الآية التنويه بفضل إبراهيم؛ لأن قوله:
﴿إذْ قَالَ﴾ سبق أنها على تقدير: واذكر إذ قال، ولولا أن هذا أمر يستحق التنويه والإعلام ما أُمر به، فإذن في هذا دليل على فضيلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث نُوِّه عن قوله هذا.
* ومن فوائد الآية: أنه لا غنى للإنسان عن دعاء الله مهما كانت مرتبته، ما أحد يستغني عن الدعاء أبدًا لقوله: ﴿رَبِّ اجْعَلْ﴾.
* ومن فوائد الآية: أن للدعاء أثرًا في حصول المقصود سواء كان دفع مكروه أو جلب محبوب، فهمت؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لأنه لولا أن للدعاء أثرًا لكان الدعاء عبثًا، وقول من يقول: ما حاجة للدعاء إن كان الله كاتب لي هذا هو اللي بيحصل دعوت ولا ما دعوت، وإن كان ما هو مكتوب لك ما هو حاصل دعوت أو ما دعوت، فإن جوابنا على هذا أن نقول: ولكن قد يكون مكتوبًا وأيش بناء عليه؟
* الطلبة: على الدعاء.
* الشيخ: على دعائك، مكتوب، لكن بشرط أن تدعو، فإذن ادعُ الله، كما أنه لو قال قائل: أنا والله ما أنا بآكل طعام، إن كان الله يريد الحياة فأنا بأحيا لو ما أكلت، وإن كان يريد أني أموت بأموت ولو مليت بطني إلى الحلقوم، وأيش نقول؟ ولكن الأكل سبب للحياة، فإنكار أن يكون الدعاء سببًا هذا إنكار أمور بديهيات؛ لأننا نعلم علم اليقين فيما أُخبرنا به، وفيما شاهدناه، وفيما جرى علينا أن الله سبحانه وتعالى يجيب الدعاء، ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: فالله تعالى قص علينا في القرآن قصصًا كثيرة فيها إجابة للدعاء، وسمعنا أيضًا عن غيرنا مما لم يُقصّ في القرآن قضايا كثيرة فيها إجابة الدعاء، وكذلك جرى للإنسان، يجري للإنسان نفسه أشياء يدعو الله بها فيشاهدها رأي العين أنها جاءت نتيجة لدعائه، فإذن الشرع والواقع كلاهما يرد على من أبطل تأثير الدعاء.
* طالب: شيخ، القول بأن إبراهيم لما أُلقى في النار قال: أما منك فلا يا جبريل ومن الله، بلى، نظره لحالي يكفي عن سؤالي، هل يستقيم؟
* الشيخ: لا، لا، كذب، هذا كذب علمه بحاله يكفي عن سؤالي أو يغني عن سؤالي هذا كذب. ومنها، من فوائد الآية: قلنا منقبة إبراهيم (...) بهذا الدعاء.
ومنها أيضًا: رأفته عليه الصلاة والسلام بمن يؤم هذا البيت؛ لأن جعل البيت آمنًا يتضمن الإرفاق بمن أمه من الناس.
ومنها أيضًا، من فوائد الآية: رأفة إبراهيم أيضًا حيث سأل الله أن يرزق أهله من الثمرات لقوله:
﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾.
ومن فوائده: أدب إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث لم يعمم في هذا الدعاء، بل قال:
﴿ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ﴾ خوفًا من الله أن يقول له: من آمن فأرزقه، لكن المسألة صارت على عكس الأولى، الأولى خصص الله دعاءه، وهذه بالعكس عمم.
* ومن فوائد الآية: أن رزق الله شامل للمؤمن والكافر لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ فالرزق عام شامل للمؤمن والكافر، بل للإنسان والحيوان ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود ٦]. وأنت ترى بعض الخشاش في الأرض ما حوله شيء، ولكن ييسر الله له الرزق، يجلبه إليه من حيث لا يشعر ولا يحتسب، ويُذكر في هذه الأمور قصص غريبة، يشاهَد بعض الحيوانات الصغيرة الصماء العمياء، يجلب الله لها رزقًا فتأكل كل ما احتاجت إلى ذلك، والله على كل شيء قدير.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن رزق غير المؤمنين لا يستمر لقوله:
﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ [البقرة ١٢٦].
ويؤخذ من مفهوم الآية الكريمة: أن المؤمنين رزقهم يستمر؛ لأن الله تعالى إنما قيد الإمتاع القليل بمن؟ بالكافرين؛ فمعنى ذلك أن رزق الله تعالى على المؤمنين مستمر، وأقول: إن رزق الله للمؤمنين جنة في الدنيا وفي الآخرة، ولهذا قال الله تعالى:
﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [الدخان ٥٦].
فهذا الاستثناء عند أكثر أهل العلم استثناء، وأيش نوعه؟ منقطع، ولكنه في الواقع حتى لو قلنا: بأنه منقطع، وأن المعنى لكن الموتة الأولى قد ذاقوها فلا يموتون مرة ثانية كما قال أبو بكر:
« والله لا يجمع الله عليك موتتين. »(١٣) لكن يشير إلى أن أهل الجنة في نعيم في الدنيا وفي الآخرة، وهذا هو الواقع؛ لأنه ما يوجد أحد أنعم بال ولا أسر من أهل العلم والإيمان لقوله تعالى:
﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل ٩٧].
وقال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، والإنسان يجد راحة عظيمة في الطاعة إذا صار إنه في صفاء القلب والإخلاص والإيمان وجد لذة ما يمكن تُوزن بها الدنيا كلها، ولهذا الرسول سمَّى هذا حلاوة؛ حلاوة الإيمان. إذن فهناك طعم يدركه الإنسان، وربما يصل الأمر إلى أن يجد ريح الجنة وهو في الدنيا كما قال أظنه أنس بن النضر:
« إني لأجد رِيح الجنة دون أُحد. »(١٤) وهو في الغزوة فأطلعه الله على ريح الجنة وهو في الدنيا، وهذا من كرامة الله للإنسان لأجل إذا تنشق هذا النسيم (...) ما عادل به الدنيا كلها، بل يتطلب هذا الأمر الذي أدركه بحسه بعد أن أدركه بقلبه بما أخبر الله به، بكتابه وعلى لسان رسوله ﷺ.
ومنها: إثبات عذاب النار.
* طالب: (...) من قول ابن تيمية.
* طالب آخر: ولكن يؤخذ يا شيخ منه جواز الاستثناء (...)؟
* الشيخ: كيف الاستثناء، وأيش نوعه؟
* الطالب: استثناؤه سبحانه وتعالى ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾.
* الشيخ: الاستثناء، كيف الاستثناء؟ وين الاستثناء؟
* الطالب: الاستثناء في ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾.
* الشيخ: هذا تعميم، الاستثناء في قول إبراهيم: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ﴾ ﴿مَنْ آمَنَ﴾. فإن هذا بدل يقتضي إخراج بعض الأفراد؛ أفراد الأهل، هذا هو اللي فيه استثناء؛ يعني قصدي الاستثناء بالمعنى لا بالاصطلاح، وإن كنت تريد الاستثناء اللي مثل: اللهم اغفر لي إن شئت، فليس في الآية دليل عليه.
* طالب: لا، أقول: يستثني واحد، اللهم اغفر (...)؟
* الشيخ: إيه، يمكن هذا يجوز أنه يستدل بالآية على تخصيص ما هو بالاستثناء؛ يعني تخصيص الدعاء للإنسان مقيدًا بوصف معين، مثل: اللهم إن كان ظالِمًا فاجزه على ظلمه أو فانتقم لي منه، أو ما أشبه ذلك. وفي الآية الكريمة: إثبات كلام الله عز وجل لقوله:
﴿قَالَ﴾ أوْ لا؟ وأنه بحرف وصوت، وأيش الدليل إنه بحرف؟
* الطلبة: ﴿قَالَ﴾.
* الشيخ: قال هذه خبر عن قوله.
* طالب: متكونة من حروف.
* الشيخ: لأنه ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ مثلًا متكونة من حروف، هذه من حروف فهو حرف، لكن ما الدليل على أنه بصوت؟
* طالب: إجابته لإبراهيم.
* طلبة: في إجابة (...).
* الشيخ: المحاورة مع إبراهيم، فلولا أن إبراهيم يسمع ما صحت هذه المحاورة. ومنها: إثبات سمع الله؛ لأنه يسمع إبراهيم وهو يكلمه سبحانه وتعالى.
ومنها أيضًا: إثبات اليوم الآخر.
هذه معطوفة على
﴿مَنْ آمَنَ﴾ ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ﴾ ﴿مَنْ آمَنَ﴾. قال الله تعالى:
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ يعني فأرزقه. وقلنا فيما سبق: إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما قال:
﴿مَنْ آمَنَ﴾ أخذًا بتأديب الله عز وجل حيث قال في أول الأمر:
﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ قال:
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾. والكفر في اللغة: الستر، ومنه سمي (كافور النخلة)؛ لأنه يستر الطلع، ولكنه في الشرع: هو الخروج عن الإسلام، يعني من ليس بمسلم فهو كافر، وقد سبق لنا أن الكفر يدور على أمرين: أحدهما: الاستكبار، والثاني: الجحود، ثم هل الكفر والشرك سواء، أو بينهما عموم وخصوص، أو متباينان تباين الغيرين؟
نقول: بينهما عموم وخصوص، فكل مشرك فهو كافر، وليس كل كافر مشركًا، فالذي يكذب ويجحد هذا ليس بمشرك، لكنه كافر، والذي يدعو مع الله إلهًا آخر هذا مشرك، وهو في نفس الوقت كافر، فالنسبة بينهما العموم والخصوص، اللهم إلا أن يريد القائل أن يريد بالشرك اتباع الهوى، فإن اتباع الهوى شرك بالمعنى الأعم، قال الله تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية ٢٣] فجعل الله سبحانه وتعالى اتباع الهوى من باب التأله له، وعلى هذا فنقول: إن أريد به المعنى الأعم للشرك فكل كافر مشرك بهذا المعنى، لكن من حيث المعنى الاصطلاحي المحدِّد لمفهومه فإن الشرك بينه وبين الكفر أيش؟
* طالب: عموم وخصوص.
* الشيخ: عموم وخصوص. وقوله تعالى: ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾ وفي قراءة ﴿فَأُمْتِعُهُ﴾ من الإمتاع أو من التمتيع، والمراد بالتمتيع أو الإمتاع أن يعطى الإنسان بلغته من الدنيا، أن يعطى البلغة من الدنيا يتمتع به ما شاء الله، ولكنه قال: ﴿قَلِيلًا﴾ ما هذا الزمن الذي وصفه الله بالقلة؟ هو الدنيا، والقلة هنا تتناول الزمن، وتتناول عين الإمتاع، عين الإمتاع والزمن يعني زمنه وعينه، فالزمن قصير مهما طال بالإنسان العمر فإنه قصير، مهما طال بالإنسان العمر فهو قليل، قال الله عز وجل:
﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ﴾ [الأحقاف ٣٥].
كذلك أيضًا عين الممتَّع به قليل حتى ما يحصل للإنسان في هذه الدنيا من اللذة والمتاع هو في الحقيقة قليل؛ لأنه مشوب بتنغيص في نفس المتاع وفيما يحيط به قبله أو بعده، كما قال الشاعر:
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا ∗∗∗ وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرْ ويقول الشاعر الآخر: ؎لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ∗∗∗ لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ الْمَــــــــــــــوْتِوَالْـــــــــــهَرَمِ فصار القلة في الدنيا من وجهين؛ الوجه الأول: الزمن، فإنه مهما طال الزمن بالإنسان فهو قليل، والناحية الثانية: نفس الممَتَّع به، فإنه قليل؛ لأنه ليس بكامل فهو ناقص مسبوق بتنغيص وملحوق بتنغيص، وهو بنفسه أيضًا ليس بكامل.
﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ﴿أَضْطَرُّهُ﴾ أي: ألجئه إلى عذاب النار، وإنما جعل الله ذلك إلجاءً؛ لأن كل إنسان يفر من عذاب النار، لكنه- والعياذ بالله- لا بد له منها؛ لأنه هو الذي فعل الأسباب التي توجبها، فما دام فعلها- أي فعل الأسباب التي توجب النار- فإنه ونفسه، ولهذا قال:
﴿أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾. وإذا شئت أن يتبين لك أن هذا الأمر اضطراري فانظر إلى ما ذكره الله تعالى عن حال الظالمين عند الاحتضار:
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾ [الأنعام ٩٣].
فكأنهم يشقون بأنفسهم ويمنعونها، ويقال لهم: أخرجوا أنفسكم بخلاف المؤمن- نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- فإنه عند الاحتضار تفرح نفسه بالخروج ويسهل عليه مفارقة البدن؛ لأنها تُبشّر بروح وريحان ورب غير غضبان، فإذن هي تعرف من الآن، تبغي تنتقل من الدنيا إلى هذا النعيم بخلاف الذين يقال لهم- والعياذ بالله-
﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام ٩٣].
وقوله تعالى:
﴿إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ العذاب معناه: العقوبة التي يتألم بها المرء، و
﴿النَّارِ﴾ اسم معروف.
﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ هذه إعرابها قد يُشكل عليكم لأنه ما مر علينا هذا الباب.
﴿بِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ ﴿بِئْسَ﴾: فعل ماضٍ جامد إنشائي يُراد به الذم، فهو فعل جامد للذم، إنشاءً ولَّا خبرًا؟
* الطلبة: إنشاء.
* الشيخ: إنشاء، و﴿الْمَصِيرُ﴾: فاعل ﴿بِئْسَ﴾. ويقولون: إن (بئس) و(نِعم) وما أشبهها لا بد لها من فاعل ومخصوص، فالفاعل هو المصير والمخصوص محذوف تقديره: وبئس المصير هي؛ لأنه لو لم تُقدِّر هذا ما صارت الجملة عائدة على ما سبق. فإذن نقول: المخصوص محذوف تقديره: هي، وبئس المصير هي، والمصير بمعنى مكان الصيرورة؛ أي: المرجع الذي يصير إليه الإنسان، وهذا كلام الله جل ذكره عن النار يُثني عليها بهذا الذم، وأنها بئس المصير، كل إنسان يسمع هذا من كلام الله عز وجل سوف ينفر من هذه النار، ولا يعمل عمل أهلها.
* طالب: شيخ، المصير هل هي المكان ولَّا نفس المآل؟
* الشيخ: هي مكان الصيرورة؛ يعني هذه مصير يسمونه بيجينا أو نعمل به هنا اسم مكان اسم زمان ومصدر، كلها تبدأ بالميم فعلى حسب السياق تكون مصدرًا ميميًّا، أو تكون ظرف مكان أو ظرف زمان.
* طالب: (...) في القرآن (...)؟
* الشيخ: كيف يعني؟
* طالب: مثال لاسم مكان ثم كانت صيرورة.
* الشيخ: لا، في هذا الموضع في مثل هذا التركيب ما كانت صيرورة، كلما شاء.
* الطالب: يعني تكثر في القرآن ﴿وبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ و﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.
* الشيخ: إي نعم، هذا في نفس الشيء، ما كانت صيرورة.
* الطالب: بئس المصير مصيرهم ولَّا؟
* الشيخ: لا، بئس المصير هي؛ لأنه قال: ﴿عَذَابِ النَّارِ﴾. وبئس المصير هي أي: النار، يعود على النار.
(١) أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.
(٢) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٣٤٩)، ومسلم (١٣٥٣ / ٤٤٥) من حديث ابن عباس ولفظ البخاري: «فلَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلَي ولا لأَحَدٍ بعدِي، أُحِلّتْ لِي ساعَةً مِن نَهَارٍ».
(٣) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٠٤)، ومسلم (١٣٥٤ / ٤٤٦) من حديث أبي شريح العدوي.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) أخرجه البخاري (٩٦٦).
(٦) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٧٨٣)، ومسلم (١٣٥٣ / ٤٤٥) من حديث ابن عباس.
(٧) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله.
(٨) أخرجه أبو داود (١٨٩٤)، والترمذي (٨٦٨) من حديث جبير بن مطعم.
(٩) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٧٨)، ومسلم (٤١١ / ٧٧)، واللفظ له، من حديث أنس بن مالك.
(١٠) أخرجه الترمذي (٢٣٧٧)، وابن ماجه (٤١٠٩) من حديث عبد الله بن مسعود، ولفظه: «مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
(١١) سبق تخريجه.
(١٢) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١) من حديث أبي هريرة.
(١٣) أخرجه البخاري (١٢٤٢) من حديث عائشة.
(١٤) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٠٤٨)، ومسلم (١٩٠٣ / ١٤٨)، واللفظ للبخاري من حديث أنس بن مالك.