الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَإذْ جَعَلْنا البَيْتَ﴾: أيْ: الكَعْبَةَ المُعَظَّمَةَ؛ غَلَبَ عَلَيْها غَلَبَةَ النَّجْمِ عَلى الثُّرَيّا؛ مَعْطُوفٌ (p-157)عَلى "إذِ ابْتَلى"؛ عَلى أنَّ العامِلَ فِيهِ هو العامِلُ فِيهِ؛ أوْ مُضْمَرٌ مُسْتَقِلٌّ؛ مَعْطُوفٌ عَلى المُضْمَرِ الأوَّلِ؛ والجَعْلُ: إمّا بِمَعْنى "التَّصْيِيرُ"؛ فَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مَثابَةً﴾؛ - أيْ: مَرْجِعًا يَثُوبُ إلَيْهِ الزُّوّارُ بَعْدَما تَفَرَّقُوا عَنْهُ؛ أوْ أمْثالُهُمْ؛ أوْ مَوْضِعَ ثَوابٍ يُثابُونَ بِحَجِّهِ واعْتِمارِهِ - مَفْعُولُهُ الثّانِي؛ وإمّا بِمَعْنى "الإبْداعُ"؛ فَهو حالٌ مِن مَفْعُولِهِ؛ واللّامُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِلنّاسِ﴾؛ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ؛ وقَعَ صِفَةً لِـ "مَثابَةً"؛ أيْ: كائِنَةً لِلنّاسِ؛ أوْ بِجَعْلِنا؛ أيْ: جَعَلْناهُ لِأجْلِ النّاسِ؛ وقُرِئَ: "مَثاباتٍ"؛ بِاعْتِبارِ تَعَدُّدِ الثّائِبِينَ؛ ﴿وَأمْنًا﴾؛ أيْ: آمِنًا؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿حَرَمًا آمِنًا﴾؛ عَلى إيقاعِ المَصْدَرِ مَوْقِعَ اسْمِ الفاعِلِ لِلْمُبالَغَةِ؛ أوْ عَلى تَقْدِيرِ المُضافِ؛ أيْ: ذا أمْنٍ؛ أوْ عَلى الإسْنادِ المَجازِيِّ؛ أيْ: آمِنًا مَن حَجَّهُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ؛ مِن حَيْثُ أنَّ الحَجَّ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ؛ أوْ: مَن دَخَلَهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالعُقُوبَةِ؛ وإنْ كانَ جانِيًا؛ حَتّى يَخْرُجَ؛ عَلى ما هو رَأْيُ أبِي حَنِيفَةَ؛ ويَجُوزُ أنْ يُعْتَبَرَ الأمْنُ بِالقِياسِ إلى كُلِّ شَيْءٍ؛ كائِنًا ما كانَ؛ ويَدْخُلُ فِيهِ أمْنُ النّاسِ دُخُولًا أوَّلِيًّا؛ وقَدِ اعْتِيدَ فِيهِ أمْنُ الصَّيْدِ؛ حَتّى إنَّ الكَلْبَ كانَ يَهُمُّ بِالصَّيْدِ خارِجَ الحَرَمِ فَيَفِرُّ مِنهُ؛ وهو يَتْبَعُهُ؛ فَإذا دَخَلَ الصَّيْدُ الحَرَمَ لَمْ يَتْبَعْهُ الكَلْبُ.
﴿واتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾؛ عَلى إرادَةِ قَوْلٍ؛ هو عَطْفٌ عَلى "جَعَلْنا"؛ أوْ حالٌ مِن فاعِلِهِ؛ أيْ: "وَقُلْنا"؛ أوْ: "قائِلِينَ لَهُمُ اتَّخِذُوا.."؛ إلَخْ.. وقِيلَ: هو بِنَفْسِهِ مَعْطُوفٌ عَلى الأمْرِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مَثابَةً لِلنّاسِ﴾؛ كَأنَّهُ قِيلَ: "ثُوبُوا إلَيْهِ؛ واتَّخِذُوا.."؛ إلَخْ.. وقِيلَ: عَلى المُضْمَرِ العامِلِ في "إذْ"؛ وقِيلَ: هي جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ؛ والخِطابُ عَلى الوُجُوهِ الأخِيرَةِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ ولِأُمَّتِهِ؛ والأوَّلُ هو الألْيَقُ بِجَزالَةِ النَّظْمِ الكَرِيمِ؛ والأمْرُ - صَرِيحًا كانَ؛ أوْ مَفْهُومًا مِنَ الحِكايَةِ - لِلِاسْتِحْبابِ؛ و"مِن": تَبْعِيضِيَّةٌ؛ والمَقامُ: اسْمُ مَكانٍ؛ وهو الحَجَرُ الَّذِي عَلَيْهِ أثَرُ قَدَمِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ والمَوْضِعُ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ حِينَ قامَ ودَعا النّاسَ إلى الحَجِّ؛ أوْ حِينَ رَفَعَ قَواعِدَ البَيْتِ؛ وهو مَوْضِعُهُ اليَوْمَ؛ والمُرادُ بِالمُصَلّى: إمّا مَوْضِعُ الصَّلاةِ؛ أوْ مَوْضِعُ الدُّعاءِ؛ رُوِيَ أنَّهُ ﷺ أخَذَ بِيَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ فَقالَ: "هَذا مَقامُ إبْراهِيمَ"؛ فَقالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أفَلا نَتَّخِذُهُ مُصَلًّى؟ فَقالَ: "لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ"؛ فَلَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ حَتّى نَزَلَتْ؛ وقِيلَ: المُرادُ بِهِ الأمْرُ بِرَكْعَتَيِ الطَّوافِ؛ لِما رَوى جابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لَمّا فَرَغَ مِن طَوافِهِ؛ عَمَدَ إلى مَقامِ إبْراهِيمَ؛ فَصَلّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ؛ وقَرَأ: ﴿واتَّخِذُوا مِن مَقامِ إبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾؛ ولِلشّافِعِيِّ في وُجُوبِهِما قَوْلانِ؛ وقِيلَ: مَقامُ إبْراهِيمَ الحَرَمُ كُلُّهُ؛ وقِيلَ: مَواقِفُ الحَجِّ: عَرَفَةُ؛ والمُزْدَلِفَةُ؛ والجِمارُ؛ واتِّخاذُها مُصَلًّى: أنْ يُدْعى فِيها ويُتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ وقُرِئَ: "واتَّخَذُوا"؛ عَلى صِيغَةِ الماضِي؛ عَطْفًا عَلى "جَعَلْنا"؛ أيْ: "واتَّخَذَ النّاسُ مِن مَكانِ إبْراهِيمَ الَّذِي وُسِمَ بِهِ لِاهْتِمامِهِ بِهِ؛ وإسْكانِ ذُرِّيَّتِهِ عِنْدَهُ؛ قِبْلَةً يُصَلُّونَ إلَيْها".
﴿وَعَهِدْنا إلى إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ﴾؛ أيْ: أمَرْناهُما أمْرًا مُؤَكَّدًا؛ ﴿أنْ طَهِّرا بَيْتِيَ﴾؛ بِأنْ طَهِّراهُ؛ عَلى أنَّ "أنْ" المَصْدَرِيَّةَ حُذِفَ عَنْها الجارُّ حَذْفًا مُطَّرِدًا؛ لِجَوازِ كَوْنِ صِلَتِها أمْرًا ونَهْيًا؛ كَما في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَأنْ أقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾؛ لِأنَّ مَدارَ جَوازِ كَوْنِها فِعْلًا إنَّما هو دَلالَتُهُ عَلى المَصْدَرِ؛ وهي مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِما؛ ووُجُوبُ كَوْنِها خَبَرِيَّةً في صِلَةِ المَوْصُولِ الِاسْمِيِّ إنَّما هو لِلتَّوَصُّلِ إلى وصْفِ المَعارِفِ بِالجُمَلِ؛ وهي لا يُوصَفُ بِها إلّا إذا كانَتْ خَبَرِيَّةً؛ وأمّا المَوْصُولُ الحَرْفِيُّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ ولَمّا كانَ الخَبَرُ والإنْشاءُ في الدَّلالَةِ عَلى المَصْدَرِ سَواءً؛ ساغَ وُقُوعُ الأمْرِ والنَّهْيِ صِلَةً؛ حَسَبَ وُقُوعِ الفِعْلِ؛ فَيَتَجَرَّدُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ مَعْنى الأمْرِ والنَّهْيِ؛ نَحْوَ تَجَرُّدِ الصِّلَةِ الفِعْلِيَّةِ عَنْ مَعْنى المُضِيِّ؛ والِاسْتِقْبالِ؛ أوْ أيْ: طَهِّراهُ؛ عَلى أنَّ "أنْ" مُفَسِّرَةٌ لِتَضْمِينِ العَهْدِ مَعْنى القَوْلِ؛ وإضافَةُ البَيْتِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ لِلتَّشْرِيفِ؛ وتَوْجِيهُ الأمْرِ بِالتَّطْهِيرِ هَهُنا إلَيْهِما - عَلَيْهِما السَّلامُ - لا يُنافِي ما في سُورَةِ "الحَجِّ"؛ مِن تَخْصِيصِهِ بِإبْراهِيمَ (p-158)
- عَلَيْهِ السَّلامُ؛ فَإنَّ ذَلِكَ واقِعٌ قَبْلَ بِناءِ البَيْتِ؛ كَما يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وَإذْ بَوَّأْنا لإبْراهِيمَ مَكانَ البَيْتِ﴾؛ وكانَ إسْماعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَئِذٍ بِمَعْزِلٍ مِن مَثابَةِ الخِطابِ؛ وظاهِرٌ أنَّ هَذا بَعْدَ بُلُوغِهِ مَبْلَغَ الأمْرِ والنَّهْيِ. وتَمامُ البِناءِ بِمُباشَرَتِهِ؛ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ إيرادُهُ إثْرَ حِكايَةِ جَعْلِهِ مَثابَةً لِلنّاسِ.. إلَخْ.. والمُرادُ تَطْهِيرُهُ مِنَ الأوْثانِ؛ والأنْجاسِ؛ وطَوافِ الجُنُبِ؛ والحائِضِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا يَلِيقُ بِهِ؛ ﴿لِلطّائِفِينَ﴾؛ حَوْلَهُ؛ ﴿والعاكِفِينَ﴾؛ المُجاوِرِينَ؛ المُقِيمِينَ عِنْدَهُ؛ أوِ المُعْتَكِفِينَ؛ أوِ القائِمِينَ في الصَّلاةِ؛ كَما في قَوْلِهِ - عَزَّ وعَلا -: ﴿لِلطّائِفِينَ والقائِمِينَ﴾؛ ﴿والرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾: جَمْعُ "راكِعٌ"؛ و"ساجِدٌ"؛ أيْ: لِلطّائِفِينَ؛ والمُصَلِّينَ؛ لِأنَّ القِيامَ؛ والرُّكُوعَ؛ والسُّجُودَ؛ مِن هَيْئاتِ المُصَلِّي؛ ولِتَقارُبِ الأخِيرَيْنِ ذاتًا وزَمانًا تُرِكَ العاطِفُ بَيْنَ مَوْصُوفَيْهِما؛ أوْ: "أخْلِصاهُ لِهَؤُلاءِ؛ لِئَلّا يَغْشاهُ غَيْرُهُمْ"؛ وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّ مُلابَسَةَ غَيْرِهِمْ بِهِ؛ وإنْ كانَتْ مَعَ مُقارَنَةِ أمْرٍ مُباحٍ؛ مِن قَبِيلِ تَلْوِيثِهِ وتَدْنِيسِهِ.
{"ayah":"وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَیۡتَ مَثَابَةࣰ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنࣰا وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ مُصَلࣰّىۖ وَعَهِدۡنَاۤ إِلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ أَن طَهِّرَا بَیۡتِیَ لِلطَّاۤىِٕفِینَ وَٱلۡعَـٰكِفِینَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق