الباحث القرآني
فِيهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنْشَأَ﴾ أَيْ خَلَقَ. جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ أَيْ بَسَاتِينَ مَمْسُوكَاتٍ [[كذا في اوك وج. لعل الأصل: مسموكات. في البحر: عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكا ينعطف عليه القضبان.]] مَرْفُوعَاتٍ. وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ غَيْرَ مَرْفُوعَاتٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مَعْرُوشاتٍ" مَا انْبَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَفْرِشُ مِثْلَ الْكُرُومِ وَالزُّرُوعِ وَالْبِطِّيخِ. "وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ" مَا قَامَ عَلَى سَاقٍ مِثْلِ النَّخْلِ وَسَائِرِ الْأَشْجَارِ. وَقِيلَ: الْمَعْرُوشَاتُ مَا ارْتَفَعَتْ أَشْجَارُهَا. وَأَصْلُ التَّعْرِيشِ الرَّفْعُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْمَعْرُوشَاتُ مَا أَثْبَتَهُ وَرَفَعَهُ النَّاسُ. وَغَيْرُ الْمَعْرُوشَاتِ مَا خَرَجَ فِي الْبَرَارِي وَالْجِبَالِ مِنَ الثِّمَارِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "مَغْرُوسَاتٍ وَغَيْرَ مَغْرُوسَاتٍ" بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْجَنَّاتِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْفَضِيلَةِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قول:" مَنْ كانَ عَدُوًّا [[راجع ج ٢ ص ٣٦.]] لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ "الْآيَةَ." مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ "يَعْنِي طَعْمَهُ مِنْهُ الْجَيِّدُ وَالدُّونُ. وَسَمَّاهُ أكلا لأنه يؤكل. و" أُكُلُهُ "مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ. وَ" مُخْتَلِفاً" نَعْتُهُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَوَلِيَ مَنْصُوبًا نُصِبَ. كَمَا تَقُولُ: عِنْدِي طَبَّاخًا غُلَامٌ. قَالَ:
الشَّرُّ مُنْتَشِرٌ يَلْقَاكَ عَنْ عُرُضٍ ... وَالصَّالِحَاتُ عَلَيْهَا مُغْلَقًا بَابُ
وَقِيلَ: "مُخْتَلِفاً" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ مِنَ النَّحْوِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: قَدْ أَنْشَأَهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ أُكُلُهَا وَهُوَ ثَمَرُهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْشَأَهَا بِقَوْلِهِ: "خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ" فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَنْشَأَهَا مُخْتَلِفًا أُكُلُهَا، أَيْ [[كذا في الأصول والمتبادر أن العبارة: أو أنه أنشأها إلخ فيكون هذا جوابا ثان كما يستفاد من العبارة الآتية والخامس.]] أَنَّهُ أَنْشَأَهَا مُقَدِّرًا فِيهِ الِاخْتِلَافَ، وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا سِيبَوَيْهِ بِقَوْلِهِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا، عَلَى الْحَالِ، كَمَا تَقُولُ، لَتَدْخُلُنَّ الدَّارَ آكِلِينَ شَارِبِينَ، أَيْ مُقَدِّرِينَ ذَلِكَ. جَوَابٌ ثَالِثٌ: أَيْ لَمَّا أَنْشَأَهُ كَانَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ لَكَانَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ. وَلَمْ يَقُلْ أُكُلُهُمَا، لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِإِعَادَةِ الذِّكْرِ عَلَى أَحَدِهِمَا، كقول: "وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها»" أي إليهما. وقد تقدم هذا المعنى.
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ عَطْفٌ عَلَيْهِ (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) نصب على الحال، وَفِي هَذِهِ أَدِلَّةٌ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُتَغَيِّرَاتِ لَا بدلها مِنْ مُغَيِّرٍ. الثَّانِي عَلَى الْمِنَّةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا، فَلَوْ شَاءَ إِذْ خَلَقَنَا أَلَّا يَخْلُقَ لنا غذاء، إذ خَلَقَهُ أَلَّا يَكُونَ جَمِيلَ الْمَنْظَرِ طَيِّبَ الطَّعْمِ، وَإِذْ خَلَقَهُ كَذَلِكَ أَلَّا يَكُونَ سَهْلَ الْجَنْيِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، لأنه لا يجب عليه شي. الثَّالِثُ عَلَى الْقُدْرَةِ فِي أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الرُّسُوبُ يَصْعَدُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ مِنْ أَسَافِلِ الشَّجَرَةِ إِلَى أَعَالِيهَا، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى آخِرِهَا نَشَأَ فِيهَا أَوْرَاقٌ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا، وَثَمَرٌ خَارِجٌ مِنْ صِفَتِهِ الْجُرْمُ الْوَافِرُ، وَاللَّوْنُ الزَّاهِرُ، وَالْجَنْيُ الْجَدِيدُ، وَالطَّعْمُ اللَّذِيذُ، فَأَيْنَ الطَّبَائِعُ وَأَجْنَاسُهَا، وَأَيْنَ الْفَلَاسِفَةُ وَأُنَاسُهَا، هَلْ فِي قُدْرَةِ الطَّبِيعَةِ أَنْ تُتْقِنَ هَذَا الْإِتْقَانَ، أَوْ تُرَتِّبَ هَذَا التَّرْتِيبَ الْعَجِيبَ! كَلَّا! لَا يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ إِلَّا لِحَيٍّ عَالِمٍ قَدِيرٍ مُرِيدٍ. فَسُبْحَانُ مَنْ له في كل شي آيَةٌ وَنِهَايَةٌ! وَوَجْهُ اتِّصَالِ هَذَا بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَشْرَكُوا مَعَهُ وَحَلَّلُوا وَحَرَّمُوا دَلَّهُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ بِأَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَرْزَاقًا لَهُمْ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ فهذان بناء ان جاءا بصيغة أفعل، أحدهما مباح كقول:" فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [[راجع ج ١٨ ص ١٠٨.]] " وَالثَّانِي وَاجِبٌ. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي الشَّرِيعَةِ اقْتِرَانُ الْمُبَاحِ وَالْوَاجِبِ، وَبَدَأَ بِذِكْرِ نِعْمَةِ الْأَكْلِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالنِّعْمَةِ كَانَ مِنْ فَضْلِهِ قَبْلَ التَّكْلِيفِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَقِّ، مَا هُوَ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ حَقٌّ فِي المال سوى [[وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ فإنها مكية.]] الزكاة، الله به ندبا. وروى عن ابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا حَصَدْتَ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَذَذْتَ فَأَلْقِ لَهُمْ مِنَ الشَّمَارِيخِ، وَإِذَا دَرَسْتَهُ وَدُسْتَهُ [[من ك، ز.]] وَذَرَيْتَهُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا عَرَفْتَ [[في ع: وإذا عزمت على كلية فأخرج لهم زكاته.]] كَيْلَهُ فَأَخْرِجْ مِنْهُ زَكَاتَهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ هُوَ مَنْسُوخٌ بِالزَّكَاةِ، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَآيَةُ الزَّكَاةِ لَمْ تَنْزِلْ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ:" خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [[راجع ج ٨ ص ١٤٤.]] "،" وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [[راجع ج ١ ص ٣٤٣.]] ". رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَسَنِ وَعَطِيَّةِ الْعَوْفِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: سَأَلْتُ السُّدِّيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ. نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. فَقُلْتُ عَمَّنْ؟ فَقَالَ عَنِ الْعُلَمَاءِ. السَّادِسَةُ- وَقَدْ تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِعُمُومِ مَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ [[النضح: سقى الزرع وغيره بالسانيه وهى الناقة يستقي عليها.]] أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ" فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ: إِلَّا الْحَطَبَ وَالْحَشِيشَ وَالْقَضْبَ وَالتِّينَ وَالسَّعَفَ [[في ك: الشعف: هو قشر الغاف.]] وَقَصَبَ الذَّرِيرَةِ [[الذريرة: قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب أحمر يتداوى به.]] وَقَصَبَ السُّكَّرِ. وَأَبَاهُ الْجُمْهُورُ، مُعَوِّلِينَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ [[يعنى الحبوب الستة أي والذرة والسلت فإنه لا خلاف بينهم في زكاتها.]]. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِهَا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَ بِهِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ إِلَّا مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، ذَكَرَهُ وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَيْبَسُ يدخر في كل مقتات مأكولا. ولا شي فِي الزَّيْتُونِ لِأَنَّهُ إِدَامٌ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَقْوَالًا أَظْهَرُهَا أَنَّ الزَّكَاةَ إنما تجب في كل ما قال أبو حنيفة إذا كان يُوَسَّقُ، فَأَوْجَبَهَا فِي اللَّوْزِ لِأَنَّهُ مَكِيلٌ دُونَ الجوز لأنه معدود. واحتج بقول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ) قَالَ: فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ مَحِلَّ الْوَاجِبِ هُوَ الْوَسْقُ، وَبَيَّنَ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ إِخْرَاجُ الْحَقِّ مِنْهُ. وَذَهَبَ النَّخَعِيُّ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ، حَتَّى فِي عَشْرِ دَسَاتِجَ [[الدستجة: الحزمة. تعليق الحكم بالوسق لا يتسق مع هذه الروية لتخصيصها ولكن مع رواية البخاري "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" فتأمل.]] مِنْ بَقْلِ دَسْتَجَةَ بَقْلٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ كَتَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ [[من ك.]] ... ، فَذَكَرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَتِلْمِيذِهِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِلَى هَذَا مَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَجَعَلَ الْآيَةَ مِرْآتَهُ فَأَبْصَرَ الْحَقَّ، وَأَخَذَ يَعْضُدُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيِّ وَيُقَوِّيهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ (الْقَبَسِ بِمَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ". وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ أَوْ بَعْضِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ، فِي (الْأَحْكَامِ) لُبَابُهُ، أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُقْتَاتِ كَمَا بَيَّنَّا دُونَ الْخَضْرَاوَاتِ، وَقَدْ كَانَ بِالطَّائِفِ الرُّمَّانُ وَالْفِرْسِكُ [[الفرسك: الخوخ أو ضرب منه أجرد أحمر أو ما ينفلق عن نواة.]] وَالْأُتْرُجُّ فَمَا اعْتَرَضَهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا ذَكَرَهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ. قُلْتُ: هَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَحْكَامِ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْخَضْرَاوَاتِ لَيْسَ فِيهَا شي. وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ. وَلَا قَاطِعَ يُبَيِّنُ أَحَدَ مَحَامِلِهَا [[في ك: محتملاتها.]]، بَلِ الْقَاطِعُ الْمَعْلُومُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي أَحْكَامِهِ: أَنَّ الْكُوفَةَ افْتُتِحَتْ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ فِي الْمَدِينَةِ، أَفَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَوْ مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةٌ مِثْلُ هَذِهِ عُطِّلَتْ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَمُسْتَقَرِّ الْوَحْيِ وَلَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى عَمِلَ بِذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ؟. إِنَّ هَذِهِ لَمُصِيبَةٌ فِيمَنْ ظَنَّ هَذَا وَقَالَ بِهِ! قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مِنْ مَعْنَى التَّنْزِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [[راجع ج ٦ ص ٢٤٢.]] " أَتَرَاهُ يَكْتُمُ شَيْئًا أُمِرَ بتبليغه أو ببيانه؟ حاشاه عن ذلك
وَقَالَ تَعَالَى:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [[راجع ج ٦ ص ٦١.]] " وَمِنْ كَمَالِ الدِّينِ كَوْنُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِنَّ الْمَقَاثِئَ [[المقاثي.
(جمع مقثأة بفتح الثاء وضمها): موضع القثاء.]] كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَنَا تُخْرِجُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَلَا يكون فيها شي. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ: تُزَكَّى أَثْمَانُ الْخُضَرِ إِذَا بِيعَتْ [[كذا في ج وك وز: وفي أو ب: أينعت.]] وَبَلَغَ الثَّمَنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي ثَمَنِ الْفَوَاكِهِ. وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ الْبُقُولُ فَقَالَ: (ليس فيها شي). وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَابِرٍ وَأَنْسٍ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ. ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمْ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ شي. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ أَحَدٌ هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ. قُلْتُ: وَإِذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ من تخصيص عموم الآية، وعموم قول عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) ما ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ: لَيْسَ فِي شي مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ، سِوَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ الْبَزْرَ، فَإِذَا بَلَغَ بَزْرُهُمَا مِنَ الْقُرْطُمِ وَالْكَتَّانِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَانَ الْعُصْفُرُ وَالْكَتَّانُ تَبَعًا لِلْبَزْرِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَأَمَّا الْقُطْنُ فَلَيْسَ (فِيهِ [[من ك.]] عِنْدَهُ دُونَ خَمْسَةِ أحمال شي، وَالْحَمْلُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ بِالْعِرَاقِيِّ. وَالْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ لَيْسَ فيما دون خمسة أمنان منها شي. فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَانٍ كَانَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، عُشْرًا أَوْ نِصْفَ، الْعُشْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَكَذَلِكَ قَصَبُ السُّكَّرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ السُّكَّرُ، وَيَكُونُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ دُونَ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فِيهِ مَا فِي الزَّعْفَرَانِ. وَأَوْجَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الزَّكَاةُ فِي أُصُولِ الثِّمَارِ دون البقول. وهذا خلاف مَا عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ لَا فِي اللَّوْزِ وَلَا فِي الْجَوْزِ وَلَا فِي الْجِلَّوْزِ [[الجلوز: البندق.]] وَمَا كَانَ مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُدَّخَرُ. كَمَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي الْإِجَّاصِ [[الإجاص: شجر معروف واحدته إجاصة. ثمره حلو لذيذ.]] وَلَا فِي التُّفَّاحِ وَلَا فِي الْكُمَّثْرَى، وَلَا مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِمَّا لَا يُيْبَسُ وَلَا يُدَّخَرُ. وَاخْتَلَفُوا فِي التِّينِ، وَالْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِمَّنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي التِّينِ. إِلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى فِيهِ الزَّكَاةَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، قِيَاسًا عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جماعة من أهل العلم البغداد بين الْمَالِكِيِّينَ، إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أنه ليس في شي مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا صَدَقَةٌ: الرُّمَّانُ وَالْفِرْسِكُ وَالتِّينُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَمَا لَمْ يُشْبِهْهُ إِذَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَأَدْخَلَ التِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَظُنُّهُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ يُيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَيُقْتَاتُ، وَلَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مِنْهُ بِالرُّمَّانِ. وَقَدْ بَلَغَنِي عَنِ الْأَبْهَرِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ بِالزَّكَاةِ فِيهِ، وَيَرَوْنَهُ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَلَى أُصُولِهِ عِنْدَهُمْ. وَالتِّينُ مَكِيلٌ يُرَاعَى فِيهِ الْخَمْسَةُ الْأَوْسُقُ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا وَزْنًا، وَيُحْكَمُ فِي التِّينِ عِنْدَهُمْ بِحُكْمِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمُجْتَمَعِ عليهما. وقال الشافعي: لا زكاة في شي مِنَ الثِّمَارِ غَيْرَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكَانَا قُوتًا بِالْحِجَازِ يُدَّخَرُ. قَالَ: وَقَدْ يُدَّخَرُ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا بِالْحِجَازِ قُوتًا فِيمَا عَلِمْتُ، وَإِنَّمَا كانا فاكهة. ولا زكاة في الزيتون، لقول تَعَالَى: "وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ" فَقَرَنَهُ مَعَ الرُّمَّانِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ التِّينَ أَنْفَعُ مِنْهُ فِي الْقُوتِ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بزكاة الزيتون قاله بالعراق، والأول [[في ك: والأولى ما قاله بمصر.]] قال بِمِصْرَ، فَاضْطَرَبَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الزَّيْتُونِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ عِنْدَهُمَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ. وَاتَّفَقَا [[في ك: والفقهاء جميعا.]] جَمِيعًا عَلَى أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الرُّمَّانِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُمَا إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَإِنْ كَانَ الرُّمَّانُ خَرَجَ بِاتِّفَاقٍ فَقَدْ بَانَ بِذَلِكَ الْمُرَادُ بِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا، وَكَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى بَعْضِ الْمَذْكُورِ دُونَ بعض. والله أعلم.
قُلْتُ: بِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الْعُشْرَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ" وَالْمَذْكُورُ قَبْلَهُ الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ، وَالْمَذْكُورُ عَقِيبَ. جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف، قال إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا لُقِّحَتْ رُمَّانَةٌ قَطُّ إِلَّا بِقَطْرَةٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَكَلْتُمُ الرُّمَّانَةَ فَكُلُوهَا بِشَحْمِهَا فَإِنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَكْسِرُوا الرُّمَّانَةَ مِنْ رَأْسِهَا فَإِنَّ فِيهَا دُودَةً يَعْتَرِي مِنْهَا الْجُذَامُ. وَسَيَأْتِي مَنَافِعُ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فِي سُورَةِ" الْمُؤْمِنُونَ [[راجع ج ١٢ ص ١١٤.]] " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الزَّيْتُونِ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ: يُخْرَصُ [[ستأتي معاني الخرص في المسألة التاسعة.]] زَيْتُونًا وَيُؤْخَذُ زَيْتًا صَافِيًا. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُخْرَصُ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ كَيْلُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ حَبِّهِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ حَصادِهِ﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ "حَصَادَهُ" بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَمِثْلُهُ الصِّرَامُ وَالصَّرَامُ وَالْجَذَاذُ وَالْجِذَاذُ وَالْقَطَافُ وَالْقِطَافُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ على ثلاثة أقوال: الأولى: أنه وقت الجذاذ، قال محمد بن مسلمة، لقول تَعَالَى: "يَوْمَ حَصادِهِ". الثَّانِي: يَوْمُ الطِّيبِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ الطِّيبِ يَكُونُ عَلَفًا لَا قُوتًا وَلَا طَعَامًا، فَإِذَا طَابَ وَحَانَ [[في ك وز وى: وكان.]] الْأَكْلُ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ وَجَبَ الْحَقُّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، إِذْ بِتَمَامِ النِّعْمَةِ يَجِبُ شُكْرُ النعمة، ويكون الإيتاء الْحَصَادِ لِمَا قَدْ وَجَبَ يَوْمَ الطِّيبِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْخَرْصِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْوَاجِبُ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا. أَصْلُهُ مَجِيءُ السَّاعِي فِي الْغَنَمِ، وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِنَصِّ التَّنْزِيلِ. وَالْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَفَائِدَةُ الخلاف إذا مات بعد الطيب زُكِّيَتْ عَلَى مِلْكِهِ، أَوْ قَبْلَ الْخَرْصِ عَلَى وَرَثَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: إِنَّمَا قَدَّمَ الْخَرْصَ تَوْسِعَةً عَلَى أَرْبَابِ الثِّمَارِ، وَلَوْ قَدَّمَ رجل زكاته بعد الخرص وقبل الجذاذ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَوْلِ بِالْخَرْصِ وَهِيَ:- الثَّامِنَةُ- فَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَلَمْ يُجِزْهُ بِحَالٍ، وَقَالَ: الْخَرْصُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُؤَدِّيَ عُشْرَ مَا يَصِيرُ فِي يَدِهِ لِلْمَسَاكِينِ إِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ. وَرَوَى الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَرْصُ الْيَوْمَ بِدْعَةٌ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ هَذَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَالْمُعْظَمُ عَلَى جَوَازِهِ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ كَمَا يَخْرُصُ النَّخْلَ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: الْخَرْصُ لِلزَّكَاةِ جَائِزٌ فِي النَّخْلِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْعِنَبِ، وَدَفَعَ حَدِيثَ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَلَا يَتَّصِلُ من طريق صحيح، قال أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. التَّاسِعَةُ: وَصِفَةُ الْخَرْصِ أَنْ يُقَدَّرَ مَا عَلَى نَخْلِهِ رُطَبًا وَيُقَدَّرُ مَا يَنْقُصُ لَوْ يُتَمَّرُ [[في ك: تتمر. أي صار تمرا بتيبيسه.]]، ثُمَّ يُعْتَدُّ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ النَّقْصِ وَيُضِيفُ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْمُلَ الْحَائِطُ [[الحائط البستان.]]، وَكَذَلِكَ فِي الْعِنَبِ (في كل دالية [[من ك.]]). العاشر- وَيَكْفِي فِي الْخَرْصِ الْوَاحِدُ كَالْحَاكِمِ. فَإِذَا كَانَ فِي التَّمْرِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا خَرِصَ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّ الْحَائِطِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ قد نفذ، قال عبد الوهاب. وكذلك إذا نقصى لَمْ تَنْقُصِ الزَّكَاةُ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْخَرْصِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- فَإِنِ اسْتَكْثَرَ رَبُّ الْحَائِطِ الْخَرْصَ خَيَّرَهُ الْخَارِصُ فِي أَنْ يُعْطِيَهُ مَا خَرَصَ وَأَخْذِ خَرْصِهِ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي [[في ك: ابن الزبير.]] الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: خَرَصَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا خَيَّرَهُمْ أَخَذُوا التَّمْرَ وَأَعْطَوْهُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَحَقَّ على الخارص إذا استكثر سيد المال الْخَرْصَ أَنْ يُخَيِّرَهُ كَمَا خَيَّرَ ابْنُ رَوَاحَةَ الْيَهُودَ؟ قَالَ: أَيْ لَعَمْرِي! وَأَيُّ سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَلَا يَكُونُ الْخَرْصُ إِلَّا بَعْدَ الطِّيبِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَبْعَثُ ابْنَ رواحة إلى اليهود فيحرص عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِينَ تَطِيبُ أَوَّلُ التَّمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ يُخَيِّرُ يَهُودًا يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَوْ يَدْفَعُونَهَا إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا كَانَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ: وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَرْسَلَهُ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَعُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- فَإِذَا خَرَصَ الْخَارِصُ فَحُكْمُهُ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ خَرْصِهِ مِقْدَارًا مَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبُسْتِيُّ [[في ك، النسائي.]] فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ). لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْخَارِصُ يَدَعُ الثُّلُثَ لِلْخُرْفَةِ: وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ لِهَذَا الْخَبَرِ صِفَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ مِنَ الْعُشْرِ، وَالثَّانِي أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يُعْشَرَ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ حَائِطًا كَبِيرًا يَحْتَمِلُهُ. الْخُرْفَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ: مَا يُخْتَرَفُ مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرَكُ ثَمَرُهُ، أَيْ يُجْتَنَى. يُقَالُ: التَّمْرُ خُرْفَةُ الصَّائِمٍ، عَنِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْهَرَوِيِّ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْخَارِصُ شَيْئًا فِي حِينِ خَرْصِهِ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إِلَّا خَرَصَهُ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّهُ يُخَفَّفُ فِي الْخَرْصِ وَيُتْرَكُ»
لِلْعَرَايَا وَالصِّلَةِ وَنَحْوِهَا. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- فَإِنْ لَحِقَتِ الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ الْجَذَاذِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنْهُ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ خَمْسَةُ أوسق فصاعدا.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- وَلَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوَسُقٍ، كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَهُوَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [[راجع ج ٣ ص ٣٢٠.]] ". وَقَالَ تَعَالَى: "وَآتُوا حَقَّهُ". ثُمَّ وَقَعَ الْبَيَانُ بِالْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمِقْدَارُ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمَالُ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقُّ مُجْمَلًا بَيَّنَهُ أَيْضًا فَقَالَ: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ) وَهُوَ يَنْفِي الصَّدَقَةَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، إِذْ لَيْسَتْ مِمَّا يُوسَقُ، فَمَنْ حَصَلَ لَهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فِي نَصِيبِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ مِنْ زَبِيبٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالنِّصَابِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. يُقَالُ: وِسْقٌ وَوَسْقٌ (بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا) وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَمَبْلَغُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ مِنَ الْأَمْدَادِ أَلْفُ مُدٍّ وَمِائَتَا مُدٍّ، وَهِيَ بِالْوَزْنِ أَلْفُ رِطْلٍ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ [[في المصباح: الرطل بالبغدادي اثنا عشر أوقية والأوقية أستار وثلثا أستار والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم ستة دوانق والدوانق ثمان حبات وخمسا حبة. وعلى هذا فالرطل تسعون مثقالا. وهى مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.]]. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- وَمَنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الزَّكَاةُ (إِجْمَاعًا [[من ب وز وك.]] لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَافُ التَّمْرُ إِلَى الْبُرِّ وَلَا الْبُرُّ إِلَى الزَّبِيبِ، وَلَا الْإِبِلُ إِلَى الْبَقَرِ، وَلَا الْبَقَرُ إِلَى الْغَنَمِ. وَيُضَافُ الضَّأْنُ إِلَى الْمَعْزِ بِإِجْمَاعٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي ضم البر إلى الشعير والسلت وهي: السَّابِعَةَ عَشْرَةَ- فَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً فَقَطْ، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الصِّنْفِ الْوَاحِدِ لِتَقَارُبِهَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَاجْتِمَاعِهَا فِي الْمَنْبَتِ وَالْمَحْصَدِ، وَافْتِرَاقُهَا فِي الِاسْمِ لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا فِي الْحُكْمِ كَالْجَوَامِيسِ وَالْبَقَرِ، وَالْمَعْزِ وَالْغَنَمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا، لِأَنَّهَا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَصِفَاتُهَا مُتَبَايِنَةٌ، وَأَسْمَاؤُهَا مُتَغَايِرَةٌ، وَطَعْمُهَا مُخْتَلِفٌ، وَذَلِكَ يُوجِبُ افْتِرَاقَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْقَطَانِيُّ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ، يُضَمُّ إِلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الشافعي: لا يضم حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ دُونَ صَاحِبَتِهَا، وَهِيَ خِلَافُهَا مُبَايِنَةٌ فِي الْخِلْقَةِ وَالطَّعْمِ إِلَى غَيْرِهَا يضم كُلُّ صِنْفٍ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، رَدِيئُهُ إِلَى جَيِّدِهِ، كَالتَّمْرِ وَأَنْوَاعِهِ، وَالزَّبِيبِ أَسْوَدِهِ وَأَحْمَرِهِ، وَالْحِنْطَةِ وَأَنْوَاعِهَا مِنَ السَّمْرَاءِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد وأبي ثَوْرٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: تُضَمُّ الْحُبُوبُ كُلُّهَا: الْقُطْنِيَّةُ [[القطنية (بضم القاف وكسرها): ما كان سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر. في التذهيب: القطنية اسم جامع للحبوب التي تطبخ مثل العدس والبقلا واللوبيا والحمص ... إلخ.]] وَغَيْرُهَا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَجْبُنُ عَنْ ضَمِّ الذَّهَبِ إِلَى الْوَرِقِ، وَضَمِّ الْحُبُوبِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَقُولُ فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ- قَالَ مَالِكٌ: وَمَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْهُ رَبُّهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ بعد ما أَفَرَكَ حُسِبَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْطَاهُ رَبُّهُ مِنْهُ فِي حَصَادِهِ وَجَذَاذِهِ، وَمِنَ الزَّيْتُونِ فِي الْتِقَاطِهِ، تَحَرَّى ذَلِكَ وَحُسِبَ عَلَيْهِ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُونَ الزَّكَاةَ إِلَّا فِيمَا حَصَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الدَّرْسِ. قَالَ اللَّيْثُ فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ: يَبْدَأُ بِهَا قَبْلَ النَّفَقَةِ، وَمَا أَكَلَ مِنْ فَرِيكٍ هُوَ وَأَهْلُهُ فَلَا يحسب عليه، بمنزلة الَّذِي يُتْرَكُ لِأَهْلِ الْحَائِطِ يَأْكُلُونَهُ فَلَا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُ الْخَارِصُ لِرَبِّ الْحَائِطِ مَا يَأْكُلُهُ هُوَ وَأَهْلُهُ رُطَبًا، لَا يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ. وَمَا أَكَلَهُ وَهُوَ رُطَبٌ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ". وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِالْمَأْكُولِ قَبْلَ الْحَصَادِ بهذه الآية. واحتجوا بقول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ). وَمَا أَكَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْبَقَرُ مِنْهُ عِنْدَ الدَّرْسِ لَمْ يُحْسَبْ منه شي عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. التَّاسِعَةَ- عَشْرَةَ- وَمَا بِيعَ مِنَ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْجُلْبَانِ أَخْضَرَ، تَحَرَّى مِقْدَارَ ذَلِكَ يَابِسًا وَأُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ حَبًّا. وَكَذَا مَا بِيعَ مِنَ الثَّمَرِ أَخْضَرَ اعْتُبِرَ وَتُوُخِّيَ وَخُرِصَ يَابِسًا وَأُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَرْصِ زَبِيبًا وَتَمْرًا. وَقِيلَ: يُخْرَجُ مِنْ ثَمَنِهِ. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- وَأَمَّا مَا لَا يَتَتَمَّرُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَلَا يَتَزَبَّبُ مِنَ الْعِنَبِ كَعِنَبِ مِصْرَ (وَبَلَحِهَا) ٢ (، وَكَذَلِكَ زَيْتُونُهَا الَّذِي لَا يُعْصَرُ، فَقَالَ مَالِكٌ: تُخْرَجُ زَكَاتُهُ مِنْ ثَمَنِهِ، لَا يُكَلَّفُ غَيْرَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ، وَلَا يُرَاعَى فِيهِ بُلُوغُ ثَمَنِهِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا يَرَى أَنَّهُ يَبْلُغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (يُخْرِجُ [[من ك. وفى أو ب: نخيلها.]] عُشْرَهُ أَوْ نِصْفَ عُشْرِهِ مِنْ وَسَطِهِ تَمْرًا إِذَا أكله أهله رطبا أو أطعموه.
الْحَادِيَةَ وَالْعِشْرُونَ- رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ [[البعل: هو ما ينبت من النخيل في أرض يقرب ماءها، فرسخت عروقها في الماء واستغنت عن ماء السماء والأنهار. ويروى: أو كان عثريا. وهو البعلى.]]، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي [[السواني: جمع سانية وهى الناقة التي يستقى عليها.]] أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ يَشْرَبُ سَيْحًا فِيهِ الْعُشْرُ). وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي عَلَى وجه الأرض، قال ابْنُ السِّكِّيتِ. وَلَفْظُ السَّيْحِ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ [[لم نجد في النسائي هذه الزيادة والله أعلم.]]. فَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ بِالسَّيْحِ لَكِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَا يَمْلِكُ مَاءً وَإِنَّمَا يَكْتَرِيهِ لَهُ فَهُوَ كَالسَّمَاءِ، عَلَى الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَرَأَى أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ كَالنَّضْحِ، فَلَوْ سُقِيَ مَرَّةً بِمَاءِ السَّمَاءِ وَمَرَّةً بِدَالِيَةٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: يُنْظَرُ إِلَى مَا تَمَّ بِهِ الزَّرْعُ وَحَيِيَ وَكَانَ أَكْثَرَ، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ: إِذَا سُقِيَ نِصْفَ سَنَةٍ بِالْعُيُونِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَسُقِيَ بَقِيَّةَ السَّنَةِ بِالنَّاضِحِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ زَكَاتِهِ عُشْرًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَقَالَ مَرَّةً: زَكَاتُهُ بِالَّذِي تَمَّتْ بِهِ حَيَاتُهُ. وقال الشافعي: يزكى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِهِ. مِثَالُهُ أَنْ يَشْرَبَ شَهْرَيْنِ بِالنَّضْحِ وَأَرْبَعَةً بِالسَّمَاءِ، فَيَكُونُ فِيهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِمَاءِ السَّمَاءِ وَسُدُسُ الْعُشْرِ لِلنَّضْحِ! وَهَكَذَا مَا زاد ونقصي بحساب. وبهذا كان يفتي بكار بقتيبة. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُنْظَرُ إِلَى الْأَغْلَبِ فَيُزَكَّى، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْمَطَرِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَلَا يُجْعَلُ لِذَلِكَ حِصَّةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَغْلَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَعَلَّ غَيْرَنَا يَأْتِي بِأَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى مَا يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ [[راجع ج ٣ ص ٣٢١.]] " جُمْلَةٌ مِنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّانِيَةَ وَالْعِشْرُونَ- وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ: (لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ [[بقيته: حتى تبلغ خمسة أوسق الحديث.]] فَخَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ: لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فِي حَبٍّ) غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ قُرَشِيٌّ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ. قَالَ: وَهَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ عن النبي ﷺ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ كَمَا قَالَ حَمْزَةُ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ جَلِيلَةٌ تَلَقَّاهَا الْجَمِيعُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ مَحْفُوظٍ غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ. وَقَدْ رَوَى جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ غَرِيبٌ، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. الثَّالِثَةَ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ الْإِسْرَافُ فِي اللُّغَةِ الْخَطَأُ. وَقَالَ أَعْرَابِيٌّ أَرَادَ قَوْمًا: طَلَبْتُكُمْ فَسَرِفْتُكُمْ، أَيْ أَخْطَأْتُ مَوْضِعَكُمْ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَالَ قَائِلُهُمْ وَالْخَيْلُ تَخْبِطُهُمْ ... أَسْرَفْتُمُ فَأَجَبْنَا أَنَّنَا سَرَفُ
وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ: التَّبْذِيرُ. وَمُسْرِفٌ لَقَبُ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ صَاحِبِ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ [[بظاهر المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية.]]، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْرَفَ فِيهَا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ:
هُمْ مَنَعُوا ذِمَارِي يَوْمَ جَاءَتْ ... كَتَائِبُ مُسْرِفٍ وَبَنِي [[بظاهر المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية.]] اللَّكِيعَهْ
وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ: لَا تَأْخُذُوا الشَّيْءَ بِغَيْرِ حَقِّهِ ثُمَّ تَضَعُوهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، قَالَهُ أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ. وَنَحْوَهُ قَوْلُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَا جَاوَزْتَ به أمر الله فهو سَرَفُ وَالْإِسْرَافُ فِي النَّفَقَةِ: التَّبْذِيرُ. وَمُسْرِفٌ لَقَبُ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ صَاحِبِ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ [[بظاهر المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية.]]، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْرَفَ فِيهَا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ:
هُمْ مَنَعُوا ذِمَارِي يَوْمَ جَاءَتْ ... كَتَائِبُ مُسْرِفٍ وَبَنِي [[في اللسان: بنو اللكيعة. معطوف على فاعل جاءت. في س ر ف. وفي ل ك ع بنى.]] اللَّكِيعَهْ
وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ: لَا تَأْخُذُوا الشَّيْءَ بِغَيْرِ حَقِّهِ ثُمَّ تَضَعُوهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، قَالَهُ إصبع ابن الْفَرَجِ. وَنَحْوَهُ قَوْلُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَا جَاوَزْتَ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ وَإِسْرَافٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ خِطَابٌ لِلْوُلَاةِ، يَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا فَوْقَ حَقِّكُمْ وَمَا لَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ. وَالْمَعْنَيَانِ يَحْتَمِلُهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كَانَ أَبُو قُبَيْسٍ ذَهَبًا لِرَجُلٍ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُسْرِفًا، وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا أَوْ مُدًّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ مُسْرِفًا. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ لِحَاتِمٍ: لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، فَقَالَ: لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ. قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، يَرُدُّهُ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ عَمَدَ إِلَى خَمْسِمِائَةِ نَخْلَةٍ فَجَذَّهَا ثُمَّ قَسَمَهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَهْلِهِ شَيْئًا، فَنَزَلَتْ "وَلا تُسْرِفُوا" أَيْ لَا تُعْطُوا كُلَّهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: جَذَّ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نَخْلَهُ فَلَمْ يزل يتصدق حتى لم يبق منه شي: فَنَزَلَ "وَلا تُسْرِفُوا". قَالَ السُّدِّيُّ: "وَلا تُسْرِفُوا" أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ. وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَلا تُسْرِفُوا" قَالَ: الْإِسْرَافُ ما قصرت [[في ك: ما يصرف.]] عن حق الله تعالى.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْهُ إِخْرَاجُ حَقِّ الْمَسَاكِينِ دَاخِلَيْنِ، فِي حُكْمِ السَّرَفِ، وَالْعَدْلُ خِلَافُ هَذَا، فَيَتَصَدَّقُ وَيُبْقِي كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى [[أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى. وقيل: أراد ما فضل عن العيال. والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام وتمكينا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال من ابن الأثير.]] إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَوِيَّ النَّفْسِ غَنِيًّا بِاللَّهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا لَا عِيَالَ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُ الْحَقَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَمَا يَعِنُّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَيِّنَةِ فِي الْمَالِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْإِسْرَافُ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَالسَّرَفُ مَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ إِلَى الصَّلَاحِ. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْإِسْرَافُ التَّبْذِيرُ وَالْإِفْرَاطُ، وَالسَّرَفُ الْغَفْلَةُ وَالْجَهْلُ. قَالَ جَرِيرٌ:
أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةً ... مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفٌ
أَيْ إِغْفَالٌ، وَيُقَالُ: خَطَأٌ. وَرَجُلٌ سَرِفُ الْفُؤَادِ، أَيْ مُخْطِئُ الفؤاد غافلة. قال طرفة:
إن امرأ سوف الفؤاد يرى ... عسلا بماء سحابة شتمي
{"ayah":"۞ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتࣲ مَّعۡرُوشَـٰتࣲ وَغَیۡرَ مَعۡرُوشَـٰتࣲ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهࣲۚ كُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَءَاتُوا۟ حَقَّهُۥ یَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق