قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾، ذكر الزجاج وجه اتصال هذه الآية بما قبلها فقال: (احتج الله عليهم، ونبه على عظيم ما أتوه في أن أقدموا على الكذب على الله، وشرَّعُوا من الدين ما لم يأذن به فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾، فكأنه قال: افتروا على الله، وهو المحدِث للأشياء، الفاعِل ما لا يقدر أحد على الإتيان بمثله فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ﴾ أي: أبدع) [["معاني الزجاج" 2/ 296.]]، يقال: نشأ [[الإنشاء: إيجاد الشيء وتربيتهِ. والنَّشْءُ والنَّشأةُ: إحداث الشيء وتربيته. يقال: نَشَأ: بالفتح - يَنْشأ نَشأ ونَشْأة ونشَاءة، وفي "اللسان" 7/ 4418 مادة (نشأ): (نَشأ يَنْشَأ نَشأ ونُشُوءًا ونَشَاءً ونَشْأةً ونَشَاءَةً: حَيي، وأنشأ الله الخلق، أي: ابتدأ خلقهم) ا. هـ وانظر: "العين" 6/ 287، و"الجمهرة" 2/ 1076، و"تهذيب اللغة" 4/ 3567، و"الصحاح" 1/ 77، و"المجمل" 4/ 868، و"المفردات" ص 807.]] الشيء ينشأ نشأً ونشأة ونشاءةً إذا ظهر وارتفع، والله ينشئه إنشاءً، أي [[في (أ): (أن يظهره) ثم صحح أعلى السطر (أي).]]: يظهره ويرفعه، ويبتدئ خلقه.
قوله تعالى: ﴿جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ﴾ يقال: عَرَّشْتُ [[انظر: "العين" 1/ 249، و"الجمهرة" 2/ 728، و"الصحاح" 3/ 1009، و"المجمل" 3/ 658، و"المفردات" ص 558، و"اللسان" 5/ 2882 (عرش).]] الكرم أَعْرِشُه عَرْشًا، وعَرَشْتُه تَعْرِيشًا إذا عطفت العيدان التي تُرسل عليها قُضبان الكَرْم، والواحد عَرْش، والجميع عُروش، ويقال: عَرِيش، وجمعه عُرُشٌ، واعْتَرشَ العِنَبُ العَريشَ اعْتِراشًا إذا عَلاه [[النص في "تهذيب اللغة" 3/ 2392 (عرش).]]. قال ابن عباس: (يريد: ما يعرش من الكروم. ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ يريد: أن كثيراً من الأعناب لا يُعرش) هذا قوله في رواية عطاء [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 52، رقم 13958 بسند ضعيف، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، وهو في "تفسير عطاء الخراساني" ص 88، رقم 208، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 92، وقال: (أخرجه أبو الشيخ، عن ابن عباس، وأخرج من وجه آخر عن ابن عباس (معروشات) قال: الكرم خاصة) ا. هـ، وعلق البخاري في "صحيحه" 8/ 287، في كتاب تفسير القرآن، سورة الأنعام، عن ابن عباس قال: ((معروشات) ما يعرش من الكرم وغير ذلك) ا. هـ، وقال الحافظ بن حجر في "فتح الباري" 8/ 287، والعيني في "عمدة القارئ" 15/ 143: (وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: (﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾ ما يعرش من الكرم، ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ ما لا يعرش) ا. هـ.]] وهو قول الضحاك [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" ص 185 أ، والبغوي 3/ 195، وابن الجوزي 3/ 135.]] والفراء [["معاني القرآن" 1/ 359 وقال الزجاج في "معانيه" 2/ 296: (ومعنى المعروشات ههنا: الكروم) اهـ.]]: (إن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم خاصّة، منه ما عُرش، ومنه ما لا يُعرش).
وروي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: (﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾ ما انبسط على وجه الأرض، وانتشر مما يعرش، مثل: الكروم والقرع والبطيخ، {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} ما قام على ساق وبسق [[بَسَق، بالفتح: طال، وارتفع. انظر: "اللسان" 1/ 284 (بسق)، وجاء الأثر عند البغوي في "تفسيره" 3/ 195، وفيه (ونسق) بالنون بدل الباء، والنَّسَق: ما كان على طريقة نظام واحد. انظر: "اللسان" 10/ 7/ 4412 (نسق).]]، مثل النخل والزرع وسائر الأشجار) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 185 أ، والقرطبي 7/ 98، والخازن 2/ 190، وأبو حيان في "البحر" 4/ 236، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 52، بسند جيد عن ابن عباس قال: (﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾ مسموكات)، وفي رواية (﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾: ما عرش الناس ﴿وغير معروشات﴾: ما خرج في البر والجبال من الثمرات) اهـ. والظاهر أن المراد بالمعروشات: ما كانت مرفوعة على ما يحملها من دعائم كأشجار العنب وغيرها، وغير المعروشات هي المتروكة على وجه الأرض لم تعرش. وهو اختيار أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 207، وأبي حيان في "البحر" 4/ 236، والدكتور فريد مصطفى سلمان في "تفسير آيات الأحكام من سورتي الأنعام والأعراف" ص 85 - 86.]].
وقوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ فسر ابن عباس: (الزرع هاهنا بجميع الحبوب التي تقتات، ﴿مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ﴾ قال: يريد بكل شيء منها طعم غير طعم الآخر) [[ذكره الرازي في "تفسيره" 13/ 212، وانظر: "تفسير الخازن" 2/ 190، و"البحر المحيط" 4/ 234.]]، والأكل كل ما أكل، وهاهنا المراد به: ثمر النخل والزرع، ومضى القول في الأكل عند قوله تعالى: ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ﴾ [البقرة: 265] وانتصب (مختلفًا) على الحال [[حال مقدرة؛ لأن النخل والزرع وقت خروجهما لا أكل فيه، حتى يقال فيه متفق أو مختلف. انظر: "إعراب النحاس" 1/ 585، و"المشكل" 1/ 274، و"غرائب التفسير" 1/ 389، و"البيان" 1/ 345، و"التبيان" 361، و"الفريد" 2/ 239 ، و"الدر المصون" 5/ 187.]] أي: أنشأه في حال اختلاف أكله.
فإن قيل: كيف أنشأه في حال اختلاف أكله وهو قد أنشأه من قبل ظهور أكله، وأكله ثمره؟ والجواب: ما ذكره الزجاج وابن الأنباري [[لم أقف عليه عن ابن الأنباري.]] وهو: (أن الله تعالى قد دل على خلقه جميع الأشياء في غير موضع من كتابه، فكان في ذلك دليل على إنشائه هذين قبل اختلاف أكلهما، ثم دل على أنه هو المنشئ لهما في حال اختلاف طعم الثمار، فلم يجب بهذا أن يكون غير منشئ لهما فيما تقدم).
قال الزجاج: (ويجوز أن يكون أنشأه ولا أكل فيه، ﴿مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ﴾؛ لأن المعنى: مقدرًا ذلك فيه، كما تقول: لتدخلن منزل زيدٍ آكلين شاربين، والمعنى: أنكم تدخلون مقدّرين ذلك، وسيبويه [["الكتاب" 2/ 52.]] مثل هذا بقولهم: مررت برجل معه صقرا صائدًا به غدًا، فنصب صائدًا على الحال، والمعنى: مقدرًا به الصيد) [["معاني الزجاج" 2/ 296.]].
وقال أبو بكر: (ويجوز أن يكون نصب ﴿مُخْتَلِفًا﴾ على القطع من ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ لا على الحال، والقطع النعت، فكأنه قال: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ المختلف أكلهما فلما كان (مختلفًا) نكرةً، ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ معرفتان، لم تحمل نكرة على إعراب معرفة، فقطعت من لفظهما، أجاز الكسائي والفراء [[قال الفراء في "معانيه" 1/ 11 - 12، في إعراب قوله تعالى: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الآية: 2البقرة] (في: (هدى) النصب من وجهين: أن تجعل (الكتاب) خبرًا، لذلك فتنصب (هدى) على القطع؛ لأن (هدى) نكرة اتصل بمعرفة قد تم خبرها فنصبتها؛ لأن النكرة لا تكون دليلًا على معرفة، وإن شئت نصت (هدى) على == القطع، الحال من الهاء التي في (فيه)، كأنك قلت: لا شك فيه هاديا) ا. هـ. وانظر: "معاني الفراء" 1/ 358، وقال السمين في "الدر" 5/ 189، قال ابن الأنباري: (إن (مختلفًا) نصب على القطع، فكأنه قال: والنخل والزرع المختلف أكلهما، وهذا رأي الكوفيين) ا. هـ.]]: جاءني زيد أحمر يا هذا، وقالا: أحمر ينتصب على القطع من زيد على أنه نعتٌ في الأصل، ودال على صاحبه، فإن نصبت على الحال استحالت المسألة، إذ كانت العمرة في الرجل لا تنتقل كما ينتقل الركوب والقيام والجلوس، فالذي ينصبُ (مختلفًا) على القطع يقول: معناه النعت.
قال: وأما توحيده الهاء [[الضمير في (أكله) يعود على الزرع؛ لأنه أقرب مذكور ولقرينة الحصد، أو يعود على جميع ما سبق؛ لأن التعميم أولى، والمعنى: مختلف ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب.
وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 52، وانظر: "البحر المحيط" 4/ 236 و"الدر المصون" 5/ 188.]] العائدة على ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ فلأنه اكتفي بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعًا كقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة: 11] والمعنى: إليهما. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [[جاء في النسخ (أن ترضوه) بالتاء، وهو خطأ واضح.]] [التوبة: 62] ويجوز أن تكون الهاء مخصوصًا بها النخل؛ لأن أهل التفسير [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 195، ولم أقف على من خصه بالنخل.]] قالوا في قوله: ﴿مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ﴾ أي: منه الحامض والمر والحلو والجيد والرديء، وكل هذا من نعت ضروب التمر) [[لم أقف عليه عن ابن الأنباري.]].
وقوله تعالى: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾. قال أبو بكر: وهو قول غيره من المفسرين [[ومنهم ابن جريج، فقد أخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 52، بسند جيد عنه قال: (متشابهًا في المنظر، وغير متشابه في الطعم) ا. هـ.
وانظر: "تفسير مقاتل" 1/ 593، والسمرقندي 1/ 518، وابن الجوزي 3/ 94.]]: (إن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان في الشيوع، وفي أن ورقه يشتمل على الغصن ويستره من أوله إلى آخره، فأحدهما متشابه بالآخر في ورقه غير متشابه في ثمره؛ لأن طعم الزيتون غير طعم الرمان، ويجوز أن يكون التشابه وغير التشابه في كل واحد من الزيتون والرمان، وذلك أن الرمان يشبه بعضه بعضًا في اللون والخِلقة، ثم يختلف الطعم فمنه حلو، ومنه حامض، وكذلك الزيتون)، وهذا قول الفراء [["معاني الفراء" 1/ 359، والآية عامة، أي: متشابه في المنظر ومختلف في الطعم، كالنخل متعدد الأنواع والطعم، والرمان منه الحلو والحامض، أو متشابه في الطعم ومختلف في المنظر، والأول أدل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى وإبداع مخلوقاته.
انظر: "معاني الزجاج" 2/ 297، و"معاني النحاس" 2/ 500.]]، وقد مر القول في هذا.
وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾: أمر إباحة [[انظر: "تفسير البغوي" 3/ 195، وابن عطية 5/ 370.]]، ومضى الكلام في الثَّمَر [[انظر: "البسيط" تفسير سورة البقرة: 267.]] والثُّمُر.
وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، قال الأزهري [["تهذيب اللغة" 2/ 894 (حصد).]]: (يريد -والله أعلم-: يوم حَصْدِه).
وقال جميع أهل اللغة: [[انظر: "العين" 3/ 122، و"الجمهرة" 1/ 503، و"الصحاح" 2/ 465، و"المجمل" 1/ 238، و"المفردات" ص 238، و"اللسان" 2/ 894 مادة (حصد).]] (يقال: حِصَاد وحَصَاد وجِزاز وجَزاز وقِطاف وقَطاف وجِداد وجَداد) [[لفظ: (وجداد الثانية) ساقطة من (ش): والمراد أن الجميع يقال بفتح أوله وكسره، ومعنى الحصاد والجزاز والقطاف والجداد: هو قطع الثمر ووقت قطعه. انظر: "اللسان" 1/ 563 مادة (جدد)، 2/ 856 (جزز) 9/ 3680 (قطف).]] قال سيبويه: (جاؤوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فِعَال، وربما قالوا فيه: فَعال) [["الكتاب" 4/ 12، وانظر: "الحجة" لأبي علي 3/ 416، و"اللسان" 1/ 563 مادة (جدد).]].
واختلفوا في معنى قوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ أي حقٍّ هو؟ فقال ابن عباس في رواية عطاء [[ذكره الرازي في "تفسيره" 13/ 213، عن عطاء عن ابن عباس، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 53، وابن أبي حاتم 5/ 1398، والبيهقي في "سننه" 4/ 132، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 332، من عدة طرق جيدة عن ابن عباس قال: (العشر ونصف العشر)، وأخرج أبو عبيد في "ناسخه" ص 31، والطبري في "تفسيره" 8/ 54، بسند جيد عن ابن عباس قال: (حقه زكاته المفروضة يوم يكال أو يعلم كيله) اهـ.]]: (يعني: زكاته، يريد به: العشر ونصف العشر مما سقى بالسواني). وهذا قول طاووس [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 145، وفي "التفسير" 1/ 2/ 219، والطبري في "تفسيره" 8/ 54، والبيهقي في "سننه" 4/ 132، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 332، من عدة طرق جيدة.]] والحسن [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 53، والنحاس في "ناسخه" 2/ 325، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 332، من عدة طرق جيدة، وأخرج أبو عبيد في "ناسخه" ص 31، والطبري في "تفسيره" من عدة طرق جيدة عن الحسن قال: (هي الصداقة من الحب والثمار) اهـ.]] وسعيد بن المسيب [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 145، والطبري في "تفسيره" 8/ 54 بسند ضعيف.]] والضحاك [[أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (1084)، والطبري في "تفسيره" 8/ 54 بسند ضعيف.]] وابن زيد [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 54 بسند جيد.]] وجماعة [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 53، 54، من عدة طرق عن أنس بن مالك، وجابر ابن زيد، ومحمد بن الحنفية، وقتادة، وزيد بن أسلم. وزاد النحاس في "ناسخه"، 2/ 325 نسبته إلى مالك، وعطاء الخراساني. وزاد هود الهواري في "تفسيره" 1/ 566 نسبته إلى سعيد بن جبير، وزاد ابن كثير في "تفسيره" 2/ 203، ابن جريج. وقال الماوردي في "تفسيره" 2/ 178: (قال الجمهور: هي الصدقة المفروضة فيه العشر فيما سقي بغير آلة، ونصف العشر فيما سقي بآلة) ا. هـ.]].
فإن قيل: على هذا كيف يؤدي الزكاة يوم الحصاد والحب في السنبل؟
فالجواب: أن معناه قدروا إخراج الواجب منه، فإن وقت الحصاد قريب من زمان التنقية الذي هو وقت وجوب الإخراج هذا في الزرع، فأما في النخل فلا اختلاف بين المسلمين أن ثمارها إذا حصدت وجب إخراج ما يجب فيها من الصدقة. وقوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ ظاهر في ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾ محمول عليه في وجوب الإخراج منه، إلا أنه لا يمكن ذلك عند الحصاد فيؤخر إلى زمان التنقية [[انظر: "زاد المسير" 3/ 135 - 136.]].
وقال بعضهم: (هذا حق في المال سوى الزكاة، أمر الله تعالى به تأديبًا وحضًا على البر، فإن فعل فحسن، وإن لم يفعل فلا شيء على تاركه، وليس بأمرٍ حتمٍ).
وهذا قول عطاء [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 143، والطبري في "تفسيره" 8/ 59، وابن أبي حاتم 5/ 1398، والبيهقي في "سننه" 4/ 132، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 333 - 334، من عدة طرق جيدة.]] وحماد [[أثر حماد بن زيد الأزدي، أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 59، وابن أبي حاتم 5/ 1398 بسند جيد، وذكره الثعلبي في الكشف 185 أ، والبغوي في "تفسيره" 3/ 195.]] والحكم [[الحكم بن عُتَيبَة الكندي، أبو محمد الكوفي، إمام عابد، ثقة، ثبت، فقيه، من كبار أصحاب إبراهيم النخعي، توفي سنة 113 هـ أبو بعدها ، وله نيف وستون سنة. انظر: "الطبقات الكبرى" 6/ 331، و"الجرح والتعديل" 3/ 123، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 208، و"تذكرة الحفاظ" 1/ 117، و"تهذيب التهذيب" 1/ 466، و"تقريب التهذيب" (1453).]] [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 185 أ، والبغوي في "تفسيره" 3/ 195.]] ومجاهد، وإبراهيم ، والربيع، قال مجاهد: (إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، وإذا دسته وذريته فاطرح لهم منه، وإذا كدسته فاطرح لهم منه، فإذا عرفت كيله فاعزل زكاته) [["تفسير مجاهد" 1/ 225، وأخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" ص 159، وعبد الرزاق 1/ 2/ 219، وفي "المصنف" 4/ 144 - 145، وأبو عبيد في "ناسخه" ص 31 - 32، وابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (10477)، والطبري في "تفسيره" 8/ 56، 57، وابن أبي حاتم 5/ 1398، والبيهقي في "سننه" 4/ 132، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 333، من عدة طرق جيدة، وبألفاظ مختلفة.]]. وقال إبراهيم [[الأثر عن إبراهيم النخعي، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (10481)، والطبري في "تفسيره" 8/ 56، من عدة طرق جيدة.]]: (هو الضِّغْث) [[الضِّغث، بكسر فسكون: ملء اليد من النبات المختلط. انظر: "اللسان" 5/ 2591 مادة (ضغث).]]. وقال الربيع [[الأثر عن الربيع بن أنس، أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 57، بسند لا بأس به.]]: (لقاط السنبل) [[لَقَاط السُّنْبُل، بضم اللام وبفتحها: ما يلتقطه الناس من نُثارة الثمر، والذي تخطته المنَاجِل فيلتقطه الناس. انظر: "اللسان" 7/ 4061 مادة (لقط).]]. وفي الآية قول ثالث، وهو: إن هذا كان قبل وجوب الزكاة فلما فرضت الزكاة نسخ هذا، وهو [[في (أ): (وهذا).]] قول سعيد بن جبير [[أخرجه أبو عبيد في "ناسخه" ص 32، والطبري في "تفسيره" 8/ 58، والنحاس في "ناسخه" 2/ 322، والبيهقي في "سننه" من عدة طرق جيدة.]] وعطية [[الأثر عن عطية العوفي. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (10485)، والطبري في "تفسيره" 8/ 59، وابن أبي حاتم 5/ 1398، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص 334، بسند جيد.]] والسدي، قال السدي: (نسخها العشر ونصف العشر) [[أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (10480)، والطبري في "تفسيره" 8/ 58، 59، من عدة طرق جيدة.]].
وقال مقسم عن ابن عباس: (نسخت الزكاة كل نفقة في القرآن) [[أخرجه أبو عبيد في "ناسخه" 33، بسند جيد، وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 408 (10486)، والطبري في "تفسيره" 8/ 58، والنحاس في "ناسخه" 2/ 323 بسند جيد عن ابن عباس قال: (نسخها العشر ونصف العشر) ا. هـ وقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبري في "تفسيره" القول بالنسخ عن جماعة من السلف رضي الله عنهم، ويحمل هذا على أن مفهوم النسخ عندهم أوسع كما بينا.]]، والقول هو الأول [[الظاهر -وهو قول الجمهور- أن الآية محكمة، وقد رجح هذا أبو عبيد في "ناسخه" ص 33 - 37، ومكي في "الإيضاح" ص 244 - 247، وابن العربي في "ناسخه" 2/ 217، وابن عطية في "تفسيره" 5/ 371، والرازي 13/ 213، ومصطفي زيد في "ناسخه" 2/ 72 - 73، وغيرهم؛ لأنه لا تنافي بينهما وبين عامة آيات الزكاة، ولا بينها وبين ما جاء في السنة من تحديد أنصبة الزكاة ومقاديرها، == إذ أصل الزكاة شرع في أول الإسلام بدون تحديد، وفي المدينة المنورة حددت بمقاديرها المفروضة. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" 2/ 761: (قد قال مالك: إن المراد به: الزكاة المفروضة، وتحقيقه في نكتة بديعة، وهي أن القول في أنها مكية أو مدنية يطول، فهبكم أنها مكية إن الله أوجب الزكاة بها إيجابًا مجملاً، فتعين فرض اعتقادها ووقف العمل بها على بيان الجنس والقدر والوقت، فلم تكن بمكة حتى تمهد الإِسلام بالمدينة فوقع البيان، فتعين الامتثال، وهذا لا يفقهه إلا العلماء بالأصول) ا. هـ وقد نقل الزجاج في "معانيه" 2/ 297 عن قوم إنها مدنية، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 2/ 206: (اختار ابن جريج النسخ، وفي تسمية هذا نسخًا نظر؛ لأنه قد كان شيئًا واجبًا في الأصل ثم إنه فصل بيانه وبُين مقدار المخرج وكميته، قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة، فالله أعلم) ا. هـ، وانظر: "معاني الفراء" 1/ 359، و"معاني النحاس" 2/ 500، و"البحر المحيط" 4/ 237.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ قال أبو العباس [[أبو العباس: هو ثعلب أحمد بن يحيى، إمام تقدمت ترجمته.]] عن ابن الآعرابي: (السَّرَف تجاوز ما حُدّ لك) [["تهذيب اللغة" 2/ 1675 - 1676.]].
وقال شَمِر: (سَرَف الماء ما ذهب منه في غير سقى ولا نفع قال: أرْوَت البئر النخيل وذهب بقيّة الماء سَرَفًا) [[الإسراف -في اللغة-: ضد القصد والإغفال والجهل والخطأ. وأصله مجاوزة الحد في كل فعل، وهو في الإنفاق أشهر، والإسراف في النفقة التبذير، وأما السرف الذي نهى الله تعالى عنه فهو: ما أنفق في غير طاعة الله قليلاً كان أو كثيراً.
انظر: "العين" 7/ 244، و"الجمهرة" 2/ 716، و"الصحاح" 4/ 1373، و"مجمل اللغة" 2/ 493، و"المفردات" ص 407، و"اللسان" 4/ 1996 (سرف).]]، فإن أخذت الإسراف مما قاله ابن الأعرابي فهو: مجاوزة الحد، وإن أخذت من قول شمر فهو: الإنفاق فيما لا يجدي عليك [[انظر: "تفسير الماوردي" 2/ 178 - 179، وابن الجوزي 3/ 136.]].
وقد فُسر الإسراف بالوجهين [[ذكره أكثرهم. انظر: السمرقندي 1/ 519، و"الوسيط" 1/ 129، والبغوي 3/ 195، وابن الجوزي 3/ 136، والقرطبي 7/ 110، والخازن 2/ 191، و"تنوير المقباس" 2/ 68، وأخرجه الطبري 8/ 61 بسند جيد عن ابن جريج، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 93، وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 145، وابن أبي حاتم 5/ 1399 بسند جيد، عن ابن جريج قال: (جَدَّ معاذ بن جبل -رضي الله عنه- نخله، فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منها شيء، فنزلت الآية) ا. هـ، وهذا مرسل، والأول أشهر، لكنه ضعيف؛ لأن أكثرهم قد صرح أنه من رواية الكلبي.]] في هذه الآية.
وقال ابن عباس: كان رجال يتبرعون عند الصرام، فيقول الرجل: لا أمنع سائلا حتى أمسي، فعمد ثابت بن قيس بن شماس إلى خمسمائة نخلة فجدها ثم قسمها في يومٍ واحدٍ، ولم يدخل منها إلى منزله شيئًا، فأنزل الله ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا﴾ أي: لا تعطوا كله [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 61، وابن أبي حاتم 5/ 1399 بسند جيد، عن السدي قال: (لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء).]].
وهذا قول السدي [[ذكره الثعلبي ص 185 بلفظ: (لا تبذروا تبذيرًا) ا. هـ.]] ويمانٍ والفراء [["معاني الفراء" 1/ 359.]]، وحكاه الزجاج أيضًا وقال [["معاني الزجاج" 2/ 297.]]: (فيكون على هذا التأويل، أن الإنسان إذا أعطى كل ماله، ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف؛ لأنه جاء في الخبر (ابدأ بمن تعول) [[حديث متفق عليه. أخرجه البخاري في "صحيحه" (1427)، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومسلم (1034)، كتاب الزكاة، حديث 1034 - 1036، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: "أفضل الصدقة أو خير == الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" ا. هـ لفظ مسلم، وأخرج البخاري أيضًا عن أبي هريرة، ومسلم عن أبي أمامة، نحوه.]])، فهذا مجاوزة حد الإعطاء.
وقال سعيد بن المسيب: (معناه: لا تمنعوا الصدقة) [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 4/ 145، والطبري في "تفسيره" 8/ 61، وابن أبي حاتم 5/ 1399 بسند ضعيف.]]، وهذا يتوجه على أن تأويله: لا تتجاوزوا الحد في البخل والإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة، وهذا ضد القول الأول، ولكنهما راجعان إلى معنى مجاوزة الحد، فالأول: مجاوزة في الإعطاء. والثاني: مجاوزة في البخل.
وقال مقاتل [["تفسيرمقاتل" 1/ 593.]] وعطية: (معناه: لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 185 أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 136، عن عطية العوفي.]]، وهذا أيضًا من باب المجاوزة؛ لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام فقد جاوز ما حُدّ له. وروى عطاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (لا تجعلوا لله شريكًا، إنه لا يحب من جعل له شريكًا) [["تنوير المقباس" 2/ 68، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1399، بسند جيد عن عطاء، عن ابن عباس في قوله ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ قال: (في الطعام والشراب) اهـ، وأخرج أيضًا بسند جيد عن طاووس، عن ابن عباس في الآية قال: (أحل الله الأكل والشراب ما لم يكن سرفًا أو مخيلة) ا. هـ واختار هذا القول ابن كثير في "تفسيره" 2/ 204.]]، وهذا أيضًا من مجاوزة الحد.
وقال إياس بن معاوية [[إياس بن معاوية بن قُرة بن إياس المزني، أبو واثلة، قاضي المغيرة، تابعي، ثقة، فقيه، يضرب به المثل في الذكاء والدهاء، والعقل والفطنة، والفصاحة، توفي == سنة 122 هـ، وله 76 سنة. انظر: "حلية الأولياء" 3/ 123، و"وفيات الأعيان" 1/ 247، و"سير أعلام النبلاء" 5/ 155، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" 2/ 178.]]: (ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف) [[أخرجه الطبري 8/ 61، وذكره الثعلبي ص 185 أ، والبغوي 3/ 196، والقرطبي 7/ 110، وأبو حيان في "البحر" 4/ 238، والسيوطي في "الدر" 3/ 94.]]، وهذا كله على الأصل الذي ذكره ابن الأعرابي، وقال الزهري: (معناه: لا تنفقوا في معصية الله) [[ذكره الثعلبي ص 185 أ، والبغوي 3/ 196، وابن الجوزي 3/ 136، والرازي 13/ 214، والخازن 2/ 191، وأبو حيان في "البحر" 4/ 238.]]، قال مجاهد: (لو كان أبو قبيس [[أبو قبيس، بضم القاف، وفتح الباء، وسكون الياء، بلفظ التصغير: اسم الجبل المشرف على مكة من جهة الصفا. انظر: "معجم البلدان" 1/ 80.]] ذهبًا فأنفقه رجل في طاعة الله لم يكن مسرفًا ، ولو أنفق درهمًا في معصية الله كان مسرفًا) [[أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1399 بسند جيد، وذكره السمرقندي في "تفسيره" 1/ 519، والثعلبي ص 185/ أ، والبغوي 3/ 196.]]، وهذا المعنى أراد حاتم الطائي [[حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، أبو عدي، فارس جاهلي وشاعر مشهور بجوده وخلقه وسماحته، ويضرب المثل بجوده، يتميز شعره بالإشادة بالسخاء والحكم الجميلة، توفي في السنة الثامنة بعد مولد النبي ﷺ. انظر: "الشعر والشعراء" ص 143، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" 3/ 424، و"الأعلام" 2/ 151.]] حين قيل له: لا خير في السرف، فقال: (لا سرف في الخير) [[ذكره الثعلبي في "الكشف" 185 أ، والرازي 13/ 214، والقرطبي 7/ 110.]]، وهذا على الأصل الثاني في معنى السرف، وذلك أن من أنفق في معصية، فقد أنفق فيما لا يجدي عليه [[والظاهر أن الخطاب عام، والمتبادر من الآية النهي عن تجاوز الحد في الإنفاق وفي الأكل والشرب، والمسلم مطالب بالبعد عن الحرام أصلاً وليس بالإسراف فيه فقط، وهذا هو اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 61، والنحاس في "ناسخه" == 2/ 336، وانظر: "القرطبي" 7/ 110، وابن كثير 2/ 204، و"تفسير آيات الأحكام من سورتي الأنعام والأعراف" للدكتور: فريد مصطفى سلمان ص 99 - 101.]].
142 - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ الآية معناها: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا؛ لأن قوله: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ﴾ نسق علي قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾ [الأنعام: 141] قاله [[في (ش): (قال)، وهو تحريف.]] الفراء [["معاني الفراء" 1/ 359.]] وأبو إسحاق [["معاني الزجاج" 2/ 298، وقال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 586، ومكي في "المشكل" 1/ 274 - 275 (قوله: ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ نصب على العصف على (جنات)، أي: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشًا) ا. هـ.]].
وأما الحمولة، فقال الفراء: (الحمولة: ما أطاق العمل والحمل، والفرش: الصغار) [["معاني الفراء" 1/ 359.]].
وقال ابن السكيت: (قال أبو زيد: الحمولة: ما احتمل عليه الحيّ من بعير أو حمار أو غيره كانت عليها أحمال أو لم تكن، وأنكر أبو الهيثم ما قاله أبو زيد، وقال: الحمولة من الإبل التي تحمل الأحمال على ظهرها، فأما الحُمر والبغال فلا تدخل في الحمولة) [["تهذيب اللغة" 1/ 925 مادة (حمل)، وفيه قال أبو الهيثم: (الحَمُولة من الإبل: التىِ تحمل الأحمال على ظهورها، بفتح الحاء: والحمولة: بضم الحاء: هي الأحمال التي تحمل عليها، واحدها حِمْل وأَحَمال وحُمول وحُمولة. فأما الحُمُر والبغال فلا تدخل في الحَمُولة) ا. هـ.]]، وقال الليث: (الحمولة: الإبل التي تحمل الأثقال) [["تهذيب اللغة" 1/ 925، وفيه ضبط: الحَمُولة، بالفتح، وقال: (والحُمُول، == بالضم: الإبل بأثقالها). وانظر: "العين" 3/ 242، و"الجمهرة" 1/ 566، و"الصحاح" 4/ 1676 (حمل).]]، وقال النابغة: وأنزلت بيتي في يَفَاعٍ مُمُنَّعٍ ... نُخَالُ به راعِي الحَمُولةِ طَائِرَا [["ديوان النابغة الذبياني" ص 47، و"الكتاب" 1/ 368، و"الأصول" 1/ 207، و"تهذيب اللغة" 1/ 925، و"اللسان" 2/ 1004 (حمل)، و"الدر المصون" 5/ 191، وجاء في هذه المراجع: وحلت بيوتي - بدل: وأنزلت بيتي. واليفاع: المُشْرِف من الأرض. انظر: "اللسان" 8/ 4963 (يفع). وقوله: يخال طائرًا، أي: كالطائر في صغره لبعده في السماء أو كالطائر المحلق في الهواء.]]
وقال عنترة:
ما رَاعَني إلاَّ حَمُولَة أَهلِهَا ... وَسْطَ الدِّيار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِمِ [["ديوانه" ص 17، والقرطبي 7/ 112، و"الدر المصون" 5/ 191، وهو من معلقته المشهورة.
وراعني: أفزعني. وتسف: تأكل. والخمخم: نبت تعلفه الإبل.
يقول: لما رأيت أهلها يتحملون راعني ذلك لفراقي إياها. انظر: "شرح القصائد" لابن الأنباري ص 304، و"النحاس" 2/ 13، و"جمهرة أشعار العرب" ص 161.]]
وأما الفرش، فقال أبو إسحاق: (أجمع أهل اللغة [[انظر: "الجمهرة" 2/ 729، و"الصحاح" 3/ 1014، و"المجمل" 3/ 715، و"المفردات" ص 629 مادة (فرش).]] على أن الفرش صغار الإبل. قال: وقال بعض المفسرين: الفرش صغار الأنعام، وإن البقر والغنم من الفرش، قال: ويدل على هذا قوله تعالى: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ [الأنعام: 143]، فلما جاء هذا بدلاً من قوله ﴿حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ جعله للبقر والغنم مع الإبل) [["معاني الزجاج" 2/ 298.]].
قال الأزهري [["تهذيب اللغة" 3/ 2769]]: ومما يحقق هذا قوله: وَلَنا الحَامِلُ الحَمولةُ والفرشُ ... من الضَّأنِ والحُصُون السُّيوفُ [[لم أهتد إلى قائله، وقد جاء في النسخ، وفي "اللسان" 6/ 3383 مادة (فرش) عن الأزهري: (والحصون السُّيوف)، وفي "تهذيب اللغة" 3/ 2769، (الحصون الشّيوف) بالشين، بدل السين، ولعله أصح لأن الشّيوف: المرتفع المزين. انظر: "اللسان" 4/ 2361 مادة (شوف).]]
وقال الليث: (الفرش: من النعم التي لا تصلح إلا للذبح، وهي ما دون الحَمولة) [["العين" 6/ 256، و"تهذيب اللغة" 3/ 2769.]]. وقال الكسائي [[لم أقف عليه عن الكسائي بعد طول بحث، وهو قول ثعلب في "مجالسه" ص 425، وابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص 335، وقال ابن الأنباري في "شرح القصائد" ص 304: (الحمولة: الإبل التي تطيق أن يحمل عليها، والفرش: الصغار التي لا تطيق الحمل عليها، وقال بعض المفسرين: الحمولة: الإبل. والفرش: البقر والغنم، وأهل اللغة على القول الأول) ا. هـ.]]: (الحمولة ما حمل، والفرش الصغار) [[لفظ: (الصغار) مكرر في (أ).]]، هذا قول أهل اللغة [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 207، و"غريب القرآن" لليزيدي ص 143، و"تفسير غريب القرآن" ص 1/ 172، و"نزهة القلوب" للسجستاني ص 202، 352، و"تفسير المشكل" ص80، والظاهر أن الحمولة، ما حمل من الأنعام، والفرش: الصغار؛ لأنها دانية من الأرض، وهذا هو قول الجمهور، واختاره الطبري في "تفسيره" 8/ 64، أو الفرش: ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره، الفرش. واستحسنه ابن كثير في "تفسيره" 2/ 205، وقال النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 586: (ومن أحسن ما قيل: إن الحمولة المسخرة المذللة للحمل، والفرش: ما خلقه الله عز وجل من الجلود والصوف مما يجلس عليه ويتمهد) ا. هـ، وانظر: "معاني النحاس" 2/ 503، و"تفسير ابن عطية" 5/ 373، والرازي 13/ 216.]] في تفسير الحرفين.
وأما [[في (ش): فأما.]] المفسرون فقال عطاء، عن ابن عباس: (﴿حَمُولَةً﴾: الحوامل، ﴿وَفَرْشًا﴾: الذي ليس بحامل) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 64 بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس.]].
وقال ابن مسعود: (الحمولة: الكبار، والفرش: الصغار) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 62، وابن أبي حاتم 5/ 1400 بسند جيد، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 62، وابن أبي حاتم 5/ 1400، والحاكم في "المستدرك" 2/ 317، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في التلخيص عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (الحمولة: ما حمل من الإبل، والفرش: الصغار)، وفي رواية عند الطبري قال: (الحمولة: الكبار من الإبل، والفرش: الصغار من الإبل)، وروي بسند جيد عن ابن مسعود مثله في "تفسير مجاهد" 1/ 225 - 226، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 94، وانظر: "مجمع الزوائد" 7/ 22.]].
وقال الحسن: (الفرش: الحواشي) [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 219 - 220، والطبري 8/ 63، بسند جيد عن الحسن قال: (الحمولة: ما حمل عليه، والفرش: حواشيها، يعني: صغارها).]].
وروي عن ابن عباس [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 63، وابن أبي حاتم 5/ 1400 بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" 3/ 95، وعلق البخاري في "صحيحه" 5/ 192، عن ابن عباس قال: (حمولة ما يحمل عليها) ا. هـ، وأخرج الطبري في "تفسيره" 8/ 62، بسند ضعيف عن ابن عباس قال: (الحمولة: الكبار، والفرش: الصغار من الإبل) ا. هـ، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 5/ 1401 بسند جيد عن ابن عباس قال: (الفرش: صغار الإبل)، وذكر السيوطي في "الدر" 3/ 94، عن ابن عباس أنه قال: (الفرش: الصغار من الإبل)، وفي رواية: (الفرش: ما أكل منه) اهـ.]]: (أن الحمولة: الإبل والخيل والبغال والحمير، وكل شيء يحمل عليه، وأما الفرش: فالغنم) [[في (أ) (وأما الفرش الغنم)، وهو تحريف.]]، وهذا مثل قول أبي زيد في الحمولة.
وقال مجاهد: (الحمولة: ما حمل عليها، والفرش: صغار الإبل) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 62، من عدة طرق جيدة عن مجاهد قال: (الحمولة: ما حمل من الإبل، والفرش: ما لم يحمل)، وفي رواية قال: (الفرش: صغار الإبل).]]
وقال قتادة: (الحمولة: الإبل، والفرش: البقر والغنم) [[أخرج عبد الرزق في "تفسيره" 1/ 2/ 220، والطبري 8/ 63، بسند جيد، عن قتادة قال: (الحمولة: الإبل والبقر، والفرش: الغنم)، ولم أقف عليه عن قتادة بلفظ: (الفرش: البقر والغنم).]].
وقال الربيع بن أنس: (الحمولة: الإبل والبقر، والفرش: الماعز والضأن) [[أخرجه الطبري في "تفسيره" 8/ 63 بسند لا بأس به.]]، ونحو ذلك قال الكلبي [["تنوير المقباس" 2/ 68، وفيه قال: (الحمولة: ما يحمل عليها، مثل الإبل والبقر. والفرش: ما لا يحمل عليها، مثل الغنم وصغار الإبل) ا. هـ.]].
وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. قال ابن عباس: (يريد: أحل الله لكم الذبائح مما ذكر اسم الله عليه) [[لم أقف عليه. وانظر: "معاني النحاس" 2/ 504، و"تفسير ابن عطية" 5/ 373]].
وقال أبو إسحاق: (أي: لا تُحرموا ما حرمتم مما جرى ذكره) [["معاني الزجاج" 2/ 298.]].
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ (يريد: ما زين الشيطان وشرع عمرو بن لحي)، قاله ابن عباس [[لم أقف عليه.]]. وقال الزجاج: (المعنى: لا تسلكوا الطريق الذي يُسَوّله لكم الشيطان) [["معاني الزجاج" 2/ 298، وقال: (هذا هو الذي تدل عليه اللغة) ا. هـ، وانظر: "تفسير الطبري" 8/ 64، و"معاني النحاس" 2/ 504 - 505.]].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ قال ابن عباس: (يريد: بيّن العداوة، أخرج آدم من الجنة، وهو القائل: ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 62] [[لم أقف عليه، وفي "تنوير المقباس" 2/ 68، قال: (ظاهر العداوة يأمركم بتحريم الحرث والأنعام).]].
{"ayah":"۞ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتࣲ مَّعۡرُوشَـٰتࣲ وَغَیۡرَ مَعۡرُوشَـٰتࣲ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهࣲۚ كُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَءَاتُوا۟ حَقَّهُۥ یَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"}