وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ يعني: خلق البساتين يعني: الكروم وما يعرش وهو الذي يبسط مثل القرع ونحو ذلك وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ يعني: كل شجرة قائمة على أصولها وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ يعني: خلق النخل والزرع مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ يعني: طعمه مثل الحامض والحلو والمر وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً يعني: المنظر وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ يعني: في الطعم كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وإنما ذكر ثمره بلفظ التذكير، لأنه انصرف إلى المعنى يعني: ثمره الذي ذكرها وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يعني: أعطوا زكاته يوم كيله ورفعه. قرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر حَصادِهِ بنصب الحاء. وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال:
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال: العُشْر ونصف العشر. وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال: عند الزرع أي يعطي القبض وهو بأطراف الأصابع، ويعطي عند الصرام القبض، ويدعهم يتتبعون آثار الصرام. وعن الربيع بن أنس وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال: لقاط السنبل. وقال الحسن: نسختها آية الزكاة. وقال إبراهيم:
نسختها العشر ونصف العشر: وقال الضحاك: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن وهكذا قال عكرمة. وقال سفيان. سألت السدي عن قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ
قال: هذه السورة مكية نسختها العشر ونصف العشر قلت عمن؟ قال عن العلماء. قال الفقيه الذي قال إنه صار منسوخاً يعني: أداؤه يوم الحصاد بغير تقدير صار منسوخاً ولكن أصل الوجوب لم يصر منسوخاً. وبيّن النبي ﷺ التقدير وهو العشر أو نصف العشر.
ثم قال: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قال ابن عباس رضي الله عنهما: عمد ثابت بن قيس إلى خمسمائة نخلة فصرمها وقسمها في يوم واحد فأمسى ولم يكن لأهله شيء فنزل وَلا تُسْرِفُوا يعني: ولا تتصدقوا بكله، ودعوا لعيالكم شيئاً. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: جد لمعاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء. فنزل وَلا تُسْرِفُوا ويقال: وَلا تُسْرِفُوا يعني: ولا تنفقوا في المعصية. قال مجاهد: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهباً في طاعة الله تعالى ما يكون إسرافاً، ولو أنفقت درهماً في طاعة الشيطان كان إسرافاً. وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سئل عن قوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا قال:
الإسراف ما قصرت عن حق الله تعالى. ويقال: وَلا تُسْرِفُوا يقول: لا تشركوا الآلهة في الحرث والأنعام. وقد ذكر قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ بلفظ التذكير لأنه انصرف إلى المعنى يعني: من ثمر ما ذكرنا.
ثم قال: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ يعني: المشركين الذين يشركون الآلهة في الحرث والأنعام. ثم قال: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً يعني: أنشأ لكم وخلق لكم من الأنعام حمولة وفرشاً أي: مما يحمله عليه من الإبل والبقر وفرشاً مثل الغنم وصغار الإبل. وقال القتبي:
الفرش ما لا يطيق الحمل عليه، وهي ما دون الحفاف التي لا تصلح للركوب. كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: من الحرث والأنعام حلالا طيبا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ يعني: لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة غير ناصح لكم.
ثم قال: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يعني: ثمانية أفراد لكم: يقال لكل فرد معه آخر زوج يقول: خلقت لكم ثمانية أصناف. ويقال: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج نزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا: ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا.
ففي هذه الآية دليل إثبات المناظرة في العلم، لأن الله تعالى أمر النبيّ ﷺ بأن يناظرهم ويبيّن فساد قولهم. وفيها إثبات القول بالنظر والقياس، وفيها دليل أن القياس إذا ورد عليه النص بطل القول به، ويروى إذا ورد عليه النقض لأن الله تعالى أمرهم بالمقايسة الصحيحة، وأمرهم بطرد علّتهم، وأمرهم بأن يثبتوا وجه الحرمة إن كان سبب الحرمة الأنوثة والذكورة أو اشتمال الرحم. فإن كان سبب الحرمة الأنوثة ينبغي أن يكون كل أنثى حراماً لوجود العلة. وإن كان سبب الحرمة الذكورة ينبغي أن يكون كل ذكر حراماً لوجود العلة وإن كان محرماً لاشتمال الرحم وقد حرم الأولاد كلها ووجهت حرمتها لوجود العلة فيها فبّين انتقاض علتهم وفساد قولهم، وذلك قوله: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يعني: ثمانية أصناف مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ يعني: قولهم وذلك قوله: وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ يعني: الذكر والأنثى قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ يعني:
قل لهم من أين جاء هذا التحريم من قبل الذكرين حُرِّمَ أم من قبل الأُنثيين؟ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعني: أم من قبل اشتمال الرحم فإنها لا تشتمل إلا على الذكر والأنثى.
نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ يعني: أخبروني بسبب التحريم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن الله حرم ما تقولون وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعني: من أين جاء هذا التحريم.
ثم قال: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ يعني: إذا لم تقدروا على إثبات تحريم ذلك بالعقل فهل لكم كتاب يشهد على تحريم هذا؟ فذلك قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا يعني:
أمركم الله بهذا التحريم فسكت مالك بن عوف وتحير فقال له النبيّ ﷺ: «مَا لَكَ لاَ تتكلم» فقال: بل تكلم أنت فأسمع قال الله عزّ وجلّ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بغير حجة وبيان لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني: ليصرف الناس عن حكم الله تعالى بالجهل إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني: لا يرشدهم إلى الحجة ويقال لا يوفقّهم إلى الهدى مجازاةً لكفرهم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وَمِنَ الْمَعْزِ بنصب العين. وقرأ الباقون بالجزم. ومعناهما واحد. ثم بيَّن لهم ما حرم عليهم فقال:
{"ayahs_start":141,"ayahs":["۞ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتࣲ مَّعۡرُوشَـٰتࣲ وَغَیۡرَ مَعۡرُوشَـٰتࣲ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهࣲۚ كُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَءَاتُوا۟ حَقَّهُۥ یَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ","وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَـٰمِ حَمُولَةࣰ وَفَرۡشࣰاۚ كُلُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ","ثَمَـٰنِیَةَ أَزۡوَ ٰجࣲۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَیۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۖ نَبِّـُٔونِی بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَیۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَیۡنِۗ قُلۡ ءَاۤلذَّكَرَیۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَیَیۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَیۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۖ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَاۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبࣰا لِّیُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَیۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"۞ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتࣲ مَّعۡرُوشَـٰتࣲ وَغَیۡرَ مَعۡرُوشَـٰتࣲ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهࣲۚ كُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَءَاتُوا۟ حَقَّهُۥ یَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"}