الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ: ﴿مَعْرُوشاتٍ﴾ ما عَرَشَ النّاسُ مِنَ الكُرُومِ ونَحْوِها، وهو رَفْعُ بَعْضِ أغْصانِها عَلى بَعْضٍ. وقِيلَ إنَّ تَعْرِيشَهُ أنْ يُحْظَرَ عَلَيْهِ بِحائِطٍ، وأصْلُهُ الرَّفْعُ، ومِنهُ: ﴿خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها﴾ [البقرة: ٢٥٩] أيْ عَلى أعالِيها وما ارْتَفَعَ مِنها، والعَرْشُ السَّرِيرُ لِارْتِفاعِهِ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى الزَّرْعَ والنَّخْلَ والزَّيْتُونَ والرُّمّانَ ثُمَّ قالَ: ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ وهو عَطْفٌ عَلى جَمِيعِ المَذْكُورِ، فاقْتَضى ذَلِكَ إيجابَ الحَقِّ في سائِرِ الزُّرُوعِ والثِّمارِ المَذْكُورَةِ في الآيَةِ وقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ ومُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ والحَسَنِ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وطاوُسٍ وزَيْدِ بْنِ (p-١٧٦)أسْلَمَ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ: أنَّهُ العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةٌ أُخْرى ومُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ والسُّدِّيِّ وإبْراهِيمَ: نَسَخَها العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ. وعَنِ الحَسَنِ قالَ: نَسَخَتْها الزَّكاةُ. وقالَ الضَّحّاكُ: نَسَخَتِ الزَّكاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ في القُرْآنِ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ومُجاهِدٍ: أنَّها مُحْكَمَةٌ وأنَّهُ حَقٌّ واجِبٌ عِنْدَ الصِّرامِ غَيْرُ الزَّكاةِ.
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ نَهى عَنْ جِدادِ اللَّيْلِ وعَنْ صِرامِ اللَّيْلِ» قالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هَذا لِأجْلِ المَساكِينِ كَيْ يَحْضُرُوا قالَ مُجاهِدٌ: إذا حَصَدْتَ طَرَحْتَ لِلْمَساكِينِ مِنهُ، وكَذَلِكَ إذا نَقَّيْتَ وإذا كَدَّسْتَ، ويُتْرَكُونَ يَتَّبِعُونَ آثارَ الحَصّادِينَ، وإذا أخَذْتُ في كَيْلِهِ حَثَوْتُ لَهم مِنهُ، وإذا عَلِمْتُ كَيْلَهُ عَزَلْتُ زَكاتَهُ، وإذا أخَذَتْ في جِدَدِ النَّخْلِ طَرَحْتُ لَهم مِنهُ، وكَذَلِكَ إذا أخَذْتُ في كَيْلِهِ، وإذا عَلِمْتُ كَيْلَهُ عَزَلْتُ زَكاتَهُ وما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ وإبْراهِيمَ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ مَنسُوخٌ بِالعُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ، يُبَيِّنُ أنَّ مَذْهَبَهم تَجْوِيزُ نَسْخِ القُرْآنِ بِالسُّنَّةِ.
* * *
ذِكْرُ الخِلافِ في المُوجَبِ فِيهِ
قالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ: { في جَمِيعِ ما تُخْرِجُهُ الأرْضُ العُشْرُ إلّا الحَطَبَ والقَصَبَ والحَشِيشَ } . وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: { لا شَيْءَ فِيما تُخْرِجُهُ الأرْضُ إلّا ما كانَ لَهُ ثَمَرَةٌ باقِيَةٌ } .
وقالَ مالِكٌ: { الحُبُوبُ الَّتِي تَجِبُ فِيها الزَّكاةُ الحِنْطَةُ والشَّعِيرُ والسُّلْتُ والذُّرَةُ والدُّخْنُ والأُرْزُ والحِمَّصُ والعَدَسُ والجُلْبانُ واللُّوبْياءُ وما أشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الحُبُوبِ وفي الزَّيْتُونِ } . وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى والثَّوْرِيُّ: { لَيْسَ في شَيْءٍ مِنَ الزَّرْعِ زَكاةٌ إلّا التَّمْرَ والزَّبِيبَ والحِنْطَةَ والشَّعِيرَ }، وهو قَوْلُ الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ، وقالَ الشّافِعِيُّ: { إنَّما تَجِبُ فِيما يَيْبَسُ ويُقْتاتُ ويُدَّخَرُ مَأْكُولًا، ولا شَيْءَ في الزَّيْتُونِ لِأنَّهُ إدامٌ } .
وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ وعُمَرَ ومُجاهِدٍ وعَطاءٍ وعَمْرِو بْنِ دِينارٍ: أنَّهُ لَيْسَ في الخُضَرِ صَدَقَةٌ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَأْخُذُ مِن دَساتِجِ الكُرّاثِ العُشْرَ بِالبَصْرَةِ
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ اخْتِلافِ السَّلَفِ في مَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ وفي بَقاءِ حُكْمِهِ أوْ نَسْخِهِ، والكَلامُ بَيْنَ السَّلَفِ في ذَلِكَ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: هَلِ المُرادُ زَكاةُ الزَّرْعِ والثِّمارِ وهو العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ أوْ حَقٌّ آخِرُ غَيْرُهُ ؟ وهَلْ هو مَنسُوخٌ أوْ غَيْرُ مَنسُوخٍ ؟ فالدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ غَيْرُ مَنسُوخٍ اتِّفاقُ الأُمَّةِ (p-١٧٧)عَلى وُجُوبِ الحَقِّ في كَثِيرٍ مِنَ الحُبُوبِ والثِّمارِ وهو العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ، ومَتى وجَدْنا حُكْمًا قَدِ اسْتَعْمَلَتْهُ الأُمَّةُ ولَفْظُ الكِتابِ يَنْتَظِمُهُ ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ عِبارَةً عَنْهُ، فَواجِبٌ أنْ يُحْكَمَ أنَّ الِاتِّفاقَ إنَّما صَدَرَ عَنِ الكِتابِ وأنَّ ما اتَّفَقُوا عَلَيْهِ هو الحُكْمُ المُرادُ بِالآيَةِ، وغَيْرُ جائِزٍ إثْباتُهُ حَقًّا غَيْرَهُ ثُمَّ إثْباتُ نَسْخِهِ بِقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ»؛ إذْ جائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الحَقُّ هو العُشْرُ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» بَيانًا لِلْمُرادِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ كَما أنَّ قَوْلَهُ: «فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَراهِمَ» بَيانٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا الزَّكاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وقَوْلُهُ: ﴿أنْفِقُوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ومِمّا أخْرَجْنا لَكم مِنَ الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ مَنسُوخًا بِالعُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ؛ لِأنَّ النَّسْخَ إنَّما يَقَعُ بِما لا يَصِحُّ اجْتِماعُهُما، فَأمّا ما يَصِحُّ اجْتِماعُهُما مَعًا فَغَيْرُ جائِزٍ وُقُوعُ النَّسْخِ بِهِ، ألا تَرى أنَّهُ يَصِحُّ أنْ يَقُولَ: وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وهو العُشْرُ ؟ فَلَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أنْ يَكُونَ مَنسُوخًا بِهِ وأمّا مَن جَعَلَ هَذا الحَقَّ ثابِتَ الحُكْمِ غَيْرَ مَنسُوخٍ وزَعَمَ أنَّهُ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ العُشْرِ يَجِبُ عِنْدَ الحَصادِ وعِنْدَ الدِّياسِ وعِنْدَ الكَيْلِ، فَإنَّهُ لا يَخْلُو قَوْلُهُ هَذا مِن أحَدِ مَعْنَيَيْنِ:
إمّا أنْ يَكُونَ مُرادُهُ عِنْدَهُ الوُجُوبَ، أوِ النَّدْبَ؛ فَإنْ كانَ نَدْبًا عِنْدَهُ لَمْ يَسُغْ لَهُ ذَلِكَ إلّا بِإقامَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ، إذْ غَيْرُ جائِزٍ صَرْفُ الأمْرِ عَنِ الإيجابِ إلى النَّدْبِ إلّا بِدَلالَةٍ، وإنَّ رَآهُ واجِبًا، فَلَوْ كانَ كَما زَعَمَ لَوَجَبَ أنْ يَرِدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَواتِرًا لِعُمُومِ الحاجَةِ إلَيْهِ، ولَكانَ لا أقَلَّ مِن أنْ يَكُونَ نَقْلُهُ في نَقْلِ وُجُوبِ العُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ، فَلَمّا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ عامَّةُ السَّلَفِ والفُقَهاءِ عَلِمْنا أنَّهُ غَيْرُ مُرادٍ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الحَقَّ هو العُشْرُ ونِصْفُ العُشْرِ الَّذِي بَيَّنَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
فَإنْ قِيلَ: الزَّكاةُ لا تُخْرَجُ يَوْمَ الحَصادِ وإنَّما تُخْرَجُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الزَّكاةَ قِيلَ لَهُ: الحَصادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ، فَمَتى قَطَعَهُ فَعَلَيْهِ إخْراجُ عُشْرِ ما صارَ في يَدِهِ، ومَعَ ذَلِكَ فالخُضَرُ كُلُّها إنَّما يَخْرُجُ الحَقُّ مِنها يَوْمَ الحَصادِ غَيْرَ مُنْتَظَرٍ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُهُ وقِيلَ: أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ لَمْ يَجْعَلِ { اليَوْمَ } ظَرْفًا لِلْإيتاءِ المَأْمُورِ بِهِ وإنَّما هو ظَرْفٌ لَحِقَهُ، كَأنَّهُ قالَ: وآتُوا الحَقَّ الَّذِي وجَبَ يَوْمَ حَصادِهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولَمّا ثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ هو العُشْرُ، دَلَّ عَلى وُجُوبِ العُشْرِ في جَمِيعِ ما تُخْرِجُهُ الأرْضُ إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ ذَكَرَ الزَّرْعَ بِلَفْظِ عُمُومٍ يَنْتَظِمُ لِسائِرِ أصْنافِهِ، وذَكَرَ (p-١٧٨)النَّخْلَ والزَّيْتُونَ والرُّمّانَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ وهو عائِدٌ إلى جَمِيعِ المَذْكُورِ، فَمَنِ ادَّعى خُصُوصَ شَيْءٍ مِنهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ إلّا بِدَلِيلٍ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ إيجابُ الحَقِّ في الخُضَرِ وغَيْرِها وفي الزَّيْتُونِ والرُّمّانِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما أوْجَبَ اللَّهُ تَعالى هَذا الحَقَّ فِيما ذَكَرَ يَوْمَ حَصادِهِ، وذَلِكَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ اسْتِحْكامِهِ ومَصِيرِهِ إلى حالٍ تَبْقى ثَمَرَتُهُ، فَأمّا ما أُخِذَ مِنهُ قَبْلَ بُلُوغِ وقْتِ الحَصادِ مِنَ الفَواكِهِ الرَّطْبَةِ فَلَمْ يَتَناوَلْهُ اللَّفْظُ، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ الزَّيْتُونَ والرُّمّانَ لا يُحْصَدانِ فَلَمْ يَدْخُلا في عُمُومِ اللَّفْظِ قِيلَ لَهُ: الحَصادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ والِاسْتِيصالِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿حَتّى جَعَلْناهم حَصِيدًا خامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] وقالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «تَرَوْنَ أوْباشَ قُرَيْشٍ احْصُدُوهم حَصْدًا»، فَيَوْمَ حَصادِهِ هو يَوْمُ قَطْعِهِ، فَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ في الخُضَرِ وفي كُلِّ ما يُقْطَعُ مِنَ الثِّمارِ عَنْ شَجَرَةٍ سَواءٌ كانَ بالِغًا أوْ أخْضَرَ رَطْبًا وأيْضًا قَدْ أوْجَبَ الآيَةُ العُشْرَ في ثَمَرِ النَّخْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الفُقَهاءِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ يَوْمُ قَطْعِهِ لِشُمُولِ اسْمِ الحَصادِ لِقَطْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ، وفائِدَةُ ذِكْرِ الحَصادِ هاهُنا أنَّ الحَقَّ غَيْرُ واجِبٍ إخْراجُهُ بِنَفْسِ خُرُوجِهِ وبُلُوغِهِ حَتّى يَحْصُلَ في يَدِ صاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إخْراجُهُ، وقَدْ كانَ يَجُوزُ أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّ الحَقَّ قَدْ لَزِمَهُ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ قَطْعِهِ وأخْذِهِ، فَأفادَ بِذَلِكَ أنَّ عَلَيْهِ زَكاةَ ما حَصَلَ في يَدِهِ دُونَ ما تَلِفَ مِنهُ ولَمْ يَحْصُلْ مِنهُ في يَدِهِ ويَدُلُّ عَلى وُجُوبِ العُشْرِ في جَمِيعِ الخارِجِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْفِقُوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ومِمّا أخْرَجْنا لَكم مِنَ الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وذَلِكَ عُمُومٌ في جَمِيعِ الخارِجِ.
فَإنْ قِيلَ: النَّفَقَةُ لا تُعْقَلُ مِنها الصَّدَقَةُ قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها أنَّ النَّفَقَةَ لا يُعْقَلُ مِنها غَيْرُ الصَّدَقَةِ، وبِهَذا ورَدَ الكِتابُ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وقالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والفِضَّةَ ولا يُنْفِقُونَها في سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤] وقالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم بِاللَّيْلِ والنَّهارِ سِرًّا وعَلانِيَةً﴾ [البقرة: ٢٧٤] الآيَةُ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الآيِ المُوجِبَةِ لِما ذَكَرْنا.
وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أنْفِقُوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] أمْرٌ، وهو يَقْتَضِي الوُجُوبَ، ولَيْسَ هاهُنا نَفَقَةٌ واجِبَةٌ غَيْرُ الزَّكاةِ والعُشْرِ؛ إذِ النَّفَقَةُ عَلى عِيالِهِ واجِبَةٌ وأيْضًا فَإنَّ النَّفَقَةَ عَلى نَفْسِهِ وأوْلادِهِ مَعْقُولَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إلى الأمْرِ، فَلا مَعْنى لِحَمْلِ الآيَةِ عَلَيْهِ.
فَإنْ قِيلَ: المُرادُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ الأمْرَ عَلى الوُجُوبِ فَلا يُصْرَفُ إلى النَّدْبِ إلّا بِدَلِيلٍ، والثّانِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلا أنْ (p-١٧٩)تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَدْ دَلَّ عَلى الوُجُوبِ؛ لِأنَّ الإغْماضَ إنَّما يَكُونُ في اقْتِضاءِ الدَّيْنِ الواجِبِ، فَأمّا ما لَيْسَ بِواجِبٍ فَكُلُّ ما أخَذَهُ مِنهُ فَهو فَضْلٌ ورِبْحٌ فَلا إغْماضَ فِيهِ؛ ومِن جِهَةِ السُّنَّةِ حَدِيثُ مُعاذٍ وابْنِ عُمَرَ وجابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما سَقَتِ السَّماءُ فَفِيهِ العُشْرُ وما سُقِيَ بِالسّاقيَةِ فَنِصْفُ العُشْرِ»، وهَذا خَبَرٌ قَدْ تَلْقّاهُ النّاسُ بِالقَبُولِ واسْتَعْمَلُوهُ، فَهو في حَيِّزِ التَّواتُرِ وعُمُومُهُ يُوجِبُ الحَقَّ في جَمِيعِ أصْنافِ الخارِجِ. فَإنَّ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا أبُو كامِلٍ الجَحْدَرِيُّ قالَ: حَدَّثَنا الحارِثُ بْنُ شِهابٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لَيْسَ في الخُضْراواتِ صَدَقَةٌ» قِيلَ لَهُ: قَدْ قالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ إنَّ هَذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وكانَ يَحْيى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: حَدِيثُ الحارِثِ بْنِ شِهابٍ ضَعِيفٌ، قالَ يَحْيى: وقَدْ رَوى عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ هَذا الحَدِيثَ عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائِبِ عَنْ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا، وعَبْدُ السَّلامِ ثِقَةٌ؛ وإنَّما أصْلُ حَدِيثِ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ ما رَواهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ بْنِ مُوهَبٍ عَنْ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ أنَّ بَعْضَ الأُمَراءِ بَعَثَ إلَيْهِ في صَدَقَةِ أرْضِهِ فَقالَ: لَيْسَ عَلَيْها صَدَقَةٌ وإنَّما هي أرْضُ خُضَرٍ ورِطابٍ، إنَّ مُعاذًا إنَّما أمَرَ أنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّخْلِ والحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والعِنَبِ. فَهَذا أصْلُ حَدِيثِ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ، وهو تَأْوِيلٌ لِحَدِيثِ مُعاذٍ أنَّهُ أمَرَ بِالأخْذِ مِنَ الأصْنافِ الَّتِي ذَكَرَ، ولَيْسَ في ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ دَلالَةٌ عَلى نَفْيِ الحَقِّ عَمّا سِواها؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُعاذٌ إنَّما اسْتَعْمَلَ عَلى هَذِهِ الأصْنافِ دُونَ غَيْرِها وأيْضًا فَلَوِ اسْتَقامَ سَنَدُ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ وصَحَّتْ طَرِيقَتُهُ لَمْ يَجُزِ الِاعْتِراضُ بِهِ عَلى خَبَرِ مُعاذٍ في العُشْرِ ونِصْفِ العُشْرِ؛ لِأنَّهُ خَبَرٌ تَلَقّاهُ النّاسُ بِالقَبُولِ واسْتَعْمَلُوهُ وهم مُخْتَلِفُونَ في اسْتِعْمالِ حَدِيثِ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ، ومَتى ورَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرانِ فاتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى اسْتِعْمالِ أحَدِهِما واخْتَلَفُوا في اسْتِعْمالِ الآخَرِ كانَ المُتَّفَقُ عَلى اسْتِعْمالِهِ قاضِيًا عَلى المُخْتَلَفِ فِيهِ مِنهُما خاصًّا كانَ ذَلِكَ أوْ عامًّا، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» قاضِيًا عَلى خَبَرِ مُوسى بْنِ طَلْحَةَ: «لَيْسَ في الخُضْراواتِ صَدَقَةٌ» وأيْضًا يُمْكِنُ اسْتِعْمالُ هَذا الخَبَرِ فِيما يَمُرُّ بِهِ عَلى العُشْرِ عَلى ما يَقُولُ أبُو حَنِيفَةَ؛ لِأنَّهُ لا يَأْخُذُ مِنهُ العُشْرَ، ويَكُونُ خَبَرُ مُعاذٍ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» مُسْتَعْمَلًا في الجَمِيعِ ومِن جِهَةِ النَّظَرِ أنَّ الأرْضَ يُقْصَدُ طَلَبُ نَمائِها بِزِراعَتِها الخَضْراواتِ كَما يُطْلَبُ نَماؤُها بِزِراعَتِها الحَبَّ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ فِيها العُشْرُ كالحُبُوبِ، ولا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الحَطَبُ (p-١٨٠)والقَصَبُ والحَشِيشُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَنْبُتُ في العادَةِ إذا صادَفَهُ الماءُ مِن غَيْرِ زِراعَةٍ ولَيْسَ يَكادُ يُقْصَدُ بِها الأرْضُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ فِيها شَيْءٌ، ولا خِلافَ في نَفْيِ وُجُوبِ الحَقِّ عَنْ هَذِهِ الأشْياءِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ فِيما يَأْكُلُهُ رَبُّ النَّخْلِ مِنَ التَّمْرِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ ومالِكٌ والثَّوْرِيُّ: { يُحْسَبُ عَلَيْهِ ما أكَلَهُ صاحِبُ الأرْضِ } .
وقالَ أبُو يُوسُفَ: { إذا أكَلَ صاحِبُ الأرْضِ وأطْعَمَ جارَهُ وصَدِيقَهُ أُخِذَ مِنهُ عُشْرُ ما بَقِيَ مِن ثَلاثِمِائَةٍ الصّاعُ الَّتِي تَجِبُ فِيها الزَّكاةُ ولا يُؤْخَذُ مِنهُ مِمّا أكَلَ أوْ أطْعَمَ، ولَوْ أكَلَ الثَّلاثَمِائَةِ صاعٍ وأطْعَمَها لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُشْرٌ، فَإنْ بَقِيَ مِنها قَلِيلٌ أوْ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ عُشْرُ ما بَقِيَ أوْ نِصْفُ العُشْرِ } .
وقالَ اللَّيْثُ في زَكاةِ الحُبُوبِ: { يُبْدَأُ بِها قَبْلَ النَّفَقَةِ، وما أكَلَ مِن فَرِيكٍ هو وأهْلُهُ فَإنَّهُ لا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ، بِمَنزِلَةِ الرُّطَبِ الَّذِي يُتْرَكُ لِأهْلِ الحائِطِ ما يَأْكُلُهُ هو وأهْلُهُ لا يُخْرَصُ عَلَيْهِ } . وقالَ الشّافِعِيُّ: { يُتْرَكُ الخارِصُ لِرَبِّ الحائِطِ ما يَأْكُلُهُ هو وأهْلُهُ لا يَخْرُصُهُ عَلَيْهِ، ومَن أكَلَ مِن نَخْلِهِ وهو رُطَبٌ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ الحَقِّ في جَمِيعِ المَأْخُوذِ، ولَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ تَعالى ما أكَلَهُ هو وأهْلُهُ، فَهو عَلى الجَمِيعِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما أُمِرَ بِإيتاءِ الحَقِّ يَوْمَ الحَصادِ، فَلا يَجِبُ الحَقُّ فِيما أُخِذَ مِنهُ قَبْلَ الحَصادِ قِيلَ لَهُ: الحَصادُ اسْمٌ لِلْقَطْعِ، فَكُلَّما قَطَعَ مِنهُ شَيْئا لَزِمَهُ إخْراجُ عُشْرِهِ؛ وأيْضًا فَلَيْسَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ دَلِيلٌ عَلى نَفْيِ الوُجُوبِ عَمّا أُخِذَ قَبْلَ الحَصادِ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يُرِيدَ: وآتُوا حَقَّ الجَمِيعِ يَوْمَ حَصادِهِ المَأْكُولِ مِنهُ والباقِي واحْتَجَّ مَن لَمْ يَحْتَسِبْ بِالمَأْكُولِ بِما رَوى شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: جاءَ سَهْلُ بْنُ أبِي حَثْمَةَ إلى مَجْلِسِنا، فَحَدَّثَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «إذا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا ودَعُوا الثُّلُثَ فَإنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فالرُّبْعَ»، وهَذا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ ما رَوى سَهْلُ بْنُ أبِي حَثْمَةَ أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ أبا حَثْمَةَ خارِصًا، فَجاءَهُ رِجْلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أبا حَثْمَةَ قَدْ زادَ عَلَيَّ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ ابْنَ عَمِّكَ يَزْعُمُ أنَّكَ قَدْ زِدْتَ عَلَيْهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُ لَهُ قَدْرَ عَرِيَّةِ أهْلِهِ وما يُطْعِمُ المَساكِينَ وما يُصِيبُ الرِّيحُ، فَقالَ: قَدْ زادَكَ ابْنُ عَمِّكَ وأنْصَفَكَ»، والعَرايا هي الصَّدَقَةُ؛ فَإنَّما أمَرَ بِذَلِكَ الثُّلُثَ صَدَقَةً ويَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ حازِمٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مَكْحُولٍ الشّامِيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «خَفِّفُوا في الخَرْصِ فَإنَّ في المالِ العَرِيَّةَ والوَصِيَّةَ» فَجَمَعَ بَيْنَ العَرِيَّةِ والوَصِيَّةِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ أرادَ الصَّدَقَةَ.
ورَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: (p-١٨١)«لَيْسَ في العَرايا صَدَقَةٌ»، فَلَمْ يُوجِبْ فِيها صَدَقَةً لِأنَّ العَرِيَّةَ نَفْسَها صَدَقَةٌ، وإنَّما فائِدَةُ الخَبَرِ أنَّ ما تَصَدَّقَ بِهِ صاحِبُ العُشْرِ يُحْتَسَبُ لَهُ ولا تَجِبُ فِيها صَدَقَةٌ ولا يَضْمَنُها.
* * *
ذِكْرُ الخِلافِ في اعْتِبارِ ما يَجِبُ فِيهِ الحَقُّ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ: يَجِبُ العُشْرُ في قَلِيلِ ما تُخْرِجُهُ الأرْضُ وكَثِيرِهِ إلّا ما قَدَّمْنا ذِكْرَهُ. وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ ومالِكٌ وابْنُ أبِي لَيْلى واللَّيْثُ والشّافِعِيُّ: { لا يَجِبُ حَتّى يَبْلُغَ ما يَجِبُ فِيهِ الحَقُّ خَمْسَةَ أوْسُقٍ } وذَلِكَ إذا كانَ ما يَجِبُ فِيهِ الحَقُّ مَكِيلًا، فَإنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا فَإنَّ أبا يُوسُفَ اعْتَبَرَ أنْ يَكُونَ فِيهِ خَمْسَةُ أوْسُقٍ مِن أدْنى الأشْياءِ الَّتِي تَدْخُلُ في الوَسْقِ مِمّا يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ إلّا في العَسَلِ، فَإنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ اعْتَبَرَ عَشْرَةَ أرْطالٍ، ورُوِيَ أنَّهُ اعْتَبَرَ عَشْرَ قِرَبٍ، ورُوِيَ أنَّهُ اعْتَبَرَ قِيمَةَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ مِن أدْنى ما يَدْخُلُ في الوَسْقِ.
وأمّا مُحَمَّدٌ فَإنَّهُ يُنْظَرُ إلى أعْلى ما يُقَدَّرُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَيُعْتَبَرُ مِنهُ أنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أمْثالٍ، وذَلِكَ نَحْوُ الزَّعْفَرانِ، فَإنَّ أعْلى مَقادِيرِهِ مَنًّا فَيُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أمْناءٍ؛ لِأنَّ ما زادَ عَلى المَنِّ فَإنَّهُ يُضاعَفُ أوْ يُنْسَبُ إلَيْهِ فَيُقالُ مَنَوانِ وثَلاثَةٌ ونِصْفُ مَنٍّ ورُبْعُ مَنٍّ، ويُعْتَبَرُ في القُطْنِ خَمْسَةُ أحْمالٍ؛ لِأنَّ الحِمْلَ أعْلى مَقادِيرِهِ وما زادَ فَتَضْعِيفٌ لَهُ، وفي العَسَلِ خَمْسَةُ أفِراقَ لِأنَّ الفِرَقَ أعْلى ما يُقَدَّرُ بِهِ ويُحْتَجُّ لِأبِي حَنِيفَةَ في ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ وذَلِكَ عائِدٌ إلى جَمِيعِ المَذْكُورِ، فَهو عُمُومٌ فِيهِ وإنْ كانَ مُجْمَلًا في المِقْدارِ الواجِبِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿حَقَّهُ﴾ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلى البَيانِ، وقَدْ ورَدَ البَيانُ في مِقْدارِ الواجِبِ وهو العُشْرُ أوْ نِصْفُ العُشْرِ ويُحْتَجُّ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنْفِقُوا مِن طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ومِمّا أخْرَجْنا لَكم مِنَ الأرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وذَلِكَ عامٌّ في جَمِيعِ الخارِجِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» ولَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ القَلِيلِ والكَثِيرِ ومِن جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى سُقُوطِ اعْتِبارِ الحَوْلِ فِيهِ، فَوَجَبَ أنْ يَسْقُطَ اعْتِبارُ المِقْدارِ كالرِّكازِ والغَنائِمِ واحْتَجَّ مُعْتَبِرُو المِقْدارِ بِما رَوى مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطّائِفِيُّ قالَ: أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ دِينارٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا صَدَقَةَ في شَيْءٍ مِنَ الزَّرْعِ أوِ الكَرْمِ أوِ النَّخْلِ حَتّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أوْسُقٍ» .
ورَوى لَيْثُ بْنُ أبِي سُلَيْمٍ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ» ورَواهُ أيُّوبُ بْنُ مُوسى عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ورَوى ابْنُ المُبارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلُهُ. والجَوابُ عَنْ هَذا لِأبِي حَنِيفَةَ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: (p-١٨٢)أنَّهُ إذا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرانِ أحَدُهُما عامٌّ والآخَرُ خاصٌّ واتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى اسْتِعْمالِ أحَدِهِما واخْتُلِفَ في اسْتِعْمالِ الآخَرِ، فالمُتَّفَقُ عَلى اسْتِعْمالِهِ قاضٍ عَلى المُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَمّا كانَ خَبَرُ العُشْرِ مُتَّفَقًا عَلى اسْتِعْمالِهِ واخْتَلَفُوا في خَبَرِ المِقْدارِ كانَ اسْتِعْمالُ خَبَرِ العُشْرِ عَلى عُمُومِهِ أوْلى وكانَ قاضِيًا عَلى المُخْتَلَفِ فِيهِ، فَإمّا أنْ يَكُونَ الآخَرُ مَنسُوخًا أوْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ مَحْمُولًا عَلى مَعْنى لا يُنافِي شَيْئا مِن خَبَرِ العُشْرِ وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» عامٌّ في إيجابِهِ في المَوْسُوقِ وغَيْرِهِ، وخَبَرُ الخَمْسَةِ أوْسُقٍ خاصٌّ في المَوْسُوقِ دُونَ غَيْرِهِ، فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ بَيانًا لِمِقْدارِ ما يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ؛ لِأنَّ حُكْمَ البَيانِ أنْ يَكُونَ شامِلًا لِجَمِيعِ ما اقْتَضى البَيانُ، فَلَمّا كانَ خَبَرُ الأوْساقِ مَقْصُورًا عَلى ذِكْرِ مِقْدارِ الوَسْقِ دُونَ غَيْرِهِ وكانَ خَبَرُ العُشْرِ عُمُومًا في المَوْسُوقِ وغَيْرِهِ عَلِمْنا أنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ البَيانِ لِمِقْدارِ ما يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ وأيْضًا فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ما يُوسَقُ يُعْتَبَرُ في إيجابِ الحَقِّ بُلُوغُ مِقْدارِهِ خَمْسَةَ أوْسُقٍ، وما لَيْسَ بِمَوْسُوقٍ يَجِبُ في قَلِيلِهِ وكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ» .
وفَقْدُ ما يُوجِبُ تَخْصِيصَ مِقْدارِ ما لا يَدْخُلُ في الأوْساقِ، وهَذا قَوْلٌ مَطْرُوحٌ والقائِلُ بِهِ ساقِطٌ مَرْذُولٌ لِاتِّفاقِ السَّلَفِ والخَلَفِ عَلى خِلافِهِ، ولَيْسَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ العَشْرِ» وقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ زَكاةٌ» وذَلِكَ لِأنَّهُ لا شَيْءَ مِنَ الرِّقَةِ إلّا وهو داخِلٌ في الوَزْنِ، والأواقِي مَذْكُورَةٌ لِلْوَزْنِ، فَجازَ أنْ يَكُونَ بَيانًا لِمِقْدارِ جَمِيعِ الرِّقَةِ المَذْكُورَةِ في الخَبَرِ الآخَرِ وأيْضًا فَقَدْ ذَكَرْنا أنَّ لِلَّهِ حُقُوقًا واجِبَةً في المالِ غَيْرَ الزَّكاةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكاةِ، كَما رُوِيَ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ والضَّحّاكِ قالا: { نَسَخَتِ الزَّكاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ في القُرْآنِ }، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ هَذا التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا في الحُقُوقِ الَّتِي كانَتْ واجِبَةً فَنُسِخَتْ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُو القُرْبى واليَتامى والمَساكِينُ فارْزُقُوهم مِنهُ﴾ [النساء: ٨] ونَحْوُ ما رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ: إذا حَصَدْتَ طَرَحْتَ لِلْمَساكِينِ وإذا كَدَّسْتَ وإذا نَقَّيْتَ، وإذا عَلِمْتَ كَيْلَهُ عَزَلْتَ زَكاتَهُ، وهَذِهِ الحُقُوقُ غَيْرُ واجِبَةٍ اليَوْمَ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ ما رُوِيَ مِن تَقْدِيرِ الخَمْسَةِ الأوْسُقِ كانَ مُعْتَبَرًا في تِلْكَ الحُقُوقِ، وإذا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ الآيَةِ والأثَرِ المُتَّفَقِ عَلى نَقْلِهِ بِهِ وأيْضًا فَقَدْ رُوِيَ: «لَيْسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ زَكاةٌ»، فَجائِزٌ أنْ يُرِيدَ بِهِ زَكاةَ التِّجارَةِ بِأنْ يَكُونَ سَألَ سائِلٌ عَنْ أقَلِّ مِن خَمْسَةِ أوْسُقِ طَعامٍ أوْ تَمْرٍ لِلتِّجارَةِ، فَأخْبَرَ أنْ لا زَكاةَ فِيهِ لِقُصُورِ قِيمَتِهِ عَنِ النِّصابِ في ذَلِكَ الوَقْتِ، فَنَقَلَ الرّاوِي كَلامَ النَّبِيِّ ﷺ وتَرَكَ ذِكْرَ السَّبَبِ (p-١٨٣)كَما يُوجَدُ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنَ الأخْبارِ.
* * *
ذِكْرُ الخِلافِ في اجْتِماعِ العُشْرِ والخَراجِ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ وزُفَرُ: { لا يَجْتَمِعانِ } . وقالَ مالِكٌ والثَّوْرِيُّ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ وشَرِيكٌ والشّافِعِيُّ: { إذا كانَتْ أرْضُ خَراجٍ فَعَلَيْهِ العُشْرُ في الخارِجِ والخَراجُ في الأرْضِ } . والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُما لا يَجْتَمِعانِ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ لَمّا فَتَحَ السَّوادَ وضَعَ عَلى الأرْضِ الخَراجَ ولَمْ يَأْخُذِ العُشْرَ مِنَ الخارِجِ وذَلِكَ بِمُشاوَرَةِ الصَّحابَةِ ومُوافَقَتِهِمْ إيّاهُ عَلَيْهِ، فَصارَ ذَلِكَ إجْماعًا مِنَ السَّلَفِ وعَلَيْهِ مَضى الخَلَفُ، ولَوْ جازَ اجْتِماعُهُما لَجَمَعَهُما عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «فِيما سَقَتِ السَّماءُ العُشْرُ وفِيما سُقِيَ بِالنّاضِحِ نِصْفُ العُشْرِ» وذَلِكَ إخْبارٌ بِجَمِيعِ الواجِبِ في كُلِّ واحِدٍ مِنهُما، فَلَوْ وجَبَ الخَراجُ مَعَهُ لَكانَ ذَلِكَ بَعْضَ الواجِبِ لِأنَّ الخَراجَ قَدْ يَكُونُ الثُّلُثَ أوِ الرُّبْعَ وقَدْ يَكُونُ قَفِيزًا ودِرْهَمًا وأيْضًا فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدَّرَ العُشْرَ إلى النِّصْفِ لِأجْلِ المُؤْنَةِ الَّتِي لَزِمَتْ صاحِبَها، فَلَوْ لَزِمَ الخَراجُ في الأرْضِ لَزِمَ سُقُوطُ نِصْفِ العُشْرِ الباقِي لِلُزُومِ مُؤْنَةِ الخَراجِ، ولَكانَ يَجِبُ أنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ ما تَغْلُظُ فِيهِ المُؤْنَةُ وما تَخْلُفُ فِيهِ كَما خالَفَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ ما سَقَتْهُ السَّماءُ وبَيْنَ ما سُقِيَ بِالنّاضِحِ لِأجْلِ المُؤْنَةِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَنَعَتِ العِراقُ قَفِيزَها ودِرْهَمَها» ومَعْناهُ: سَتَمْنَعُ؛ ولَوْ كانَ العُشْرُ واجِبًا لاسْتَحالَ أنْ يَكُونَ الخَراجُ مَمْنُوعًا مِنهُ والعُشْرُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ؛ لِأنَّ مَن مَنَعَ الخَراجَ كانَ لِلْعُشْرِ أمْنَعَ، وفي تَرْكِهِ ذِكْرَ العُشْرِ دَلالَةٌ عَلى أنْ لا عُشْرَ في أرْضِ الخَراجِ ورُوِيَ أنَّ دِهْقانَةَ نَهْرِ المُلْكِ أسْلَمَتْ، فَكَتَبَ عُمَرُ أنْ يُؤْخَذَ مِنها الخَراجُ إنِ اخْتارَتْ أرْضَها ورُوِيَ أيْضًا أنَّ رَفِيلًا أسْلَمَ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ: { إنْ أقَمْتُ عَلى أرْضِكَ أخَذْنا مِنكَ الخَراجَ }؛ ولَوْ كانَ العُشْرُ واجِبًا مَعَ ذَلِكَ لَأخْبَرَ بِوُجُوبِهِ ولَمْ يُخالِفْهُما في ذَلِكَ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ وأيْضًا لَمّا كانَ العُشْرُ والخَراجُ حَقَّيْنِ لِلَّهِ تَعالى لَمْ يَجُزِ اجْتِماعُهُما عَلَيْهِ في وقْتٍ واحِدٍ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى امْتِناعِ وُجُوبِ زَكاةِ السّائِمَةِ وزَكاةِ التِّجارَةِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ الخَراجَ بِمَنزِلَةِ الأُجْرَةِ، والعُشْرُ صَدَقَةٌ، فَكَما جازَ اجْتِماعُ أجْرِ الأرْضِ والعُشْرِ في الخارِجِ كَذَلِكَ يَجُوزُ اجْتِماعُ الخَراجِ والعُشْرِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ أرْضَ الخَراجِ مُبْقاةٌ عَلى حُكْمِ الفَيْءِ، وإنَّما أُبِيحَ لِزارِعِها الِانْتِفاعُ بِها بِالخَراجِ وهو أُجْرَةُ الأرْضِ، فَلا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ العُشْرِ مَعَ الخَراجِ. قِيلَ (p-١٨٤)لَهُ: هَذا غَلَطٌ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ لا يَجْتَمِعُ العُشْرُ والأُجْرَةُ عَلى المُسْتَأْجِرِ، ومَتى لَزِمَتْهُ الأُجْرَةُ سَقَطَ عَنْهُ العُشْرُ فَكانَ العُشْرُ عَلى رَبِّ الأرْضِ الآخِذِ لِلْأُجْرَةِ؛ فَهَذا الإلْزامُ ساقِطٌ عَنْهُ وقَوْلُ القائِلِ إنَّ أرْضَ الخَراجِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِأهْلِها وإنَّها مُبْقاةٌ عَلى حُكْمِ الفَيْءِ خَطَأٌ؛ لِأنَّها عِنْدَنا مَمْلُوكَةٌ لِأهْلِها، والكَلامُ فِيها في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وقَوْلُهُ: { إنَّ الخَراجَ أُجْرَةٌ } خَطَأٌ أيْضًا مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ لا خِلافَ أنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِئْجارُ النَّخْلِ والشَّجَرِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الخَراجَ يُؤَدّى عَنْهُما، فَثَبَتَ أنَّهُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ وأيْضًا فَإنَّ الإجارَةَ لا تَصِحُّ إلّا عَلى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، ولَمْ يَعْتَقِدْ أحَدٌ مِنَ الأئِمَّةِ عَلى أرْبابِ أراضِي الخَراجَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وأيْضًا فَإنْ كانَتْ أرْضَ الخَراجِ وأهْلُها مُقِرُّونَ عَلى حُكْمِ الفَيْءِ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يُؤْخَذَ مِنهم جِزْيَةُ رُءُوسِهِمْ لِأنَّ العَبْدَ لا جِزْيَةَ عَلَيْهِ.
ومِمّا يَدُلُّ عَلى انْتِفاءِ اجْتِماعِ الخَراجِ والعُشْرِ تَنافِي سَبَبَيْهِما؛ وذَلِكَ لِأنَّ الخَراجَ سَبَبُهُ الكُفْرُ؛ لِأنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَ الجِزْيَةِ، وسائِرُ أمْوالِ الفَيْءِ والعُشْرِ سَبَبُهُ الإسْلامُ، فَلَمّا تَنافى سَبَبُهُما تَنافى مُسَبِّباهُما.
{"ayah":"۞ وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتࣲ مَّعۡرُوشَـٰتࣲ وَغَیۡرَ مَعۡرُوشَـٰتࣲ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّیۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهࣰا وَغَیۡرَ مُتَشَـٰبِهࣲۚ كُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦۤ إِذَاۤ أَثۡمَرَ وَءَاتُوا۟ حَقَّهُۥ یَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق