الباحث القرآني
﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ﴾ الآيات - سياقات القصة كاملة
١١٠٠- عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي ﷺ -من طريق السُّدِّيّ، عن مُرَّة الهمداني-= (١/٢٤٤)
١١٠١- وعبد الله بن عباس -من طريق السُّدِّيّ، عن أبي مالك وأبي صالح-: لَمّا فَرَغَ اللهُ مِن خَلْق ما أحبَّ استوى على العرش، فجعل إبليسُ على مُلْك سماء الدنيا، وكان من قبيلةٍ من الملائكة يقال لهم: الجن؛ وإنما سموا الجِنَّ لأنهم خُزّان الجنة، وكان إبليس مع مُلْكِه خازِنًا، فوقع في صدره كِبْر، وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد[[قال ابن جرير ١/٤٨٦: «هكذا قال موسى بن هارون [شيخ ابن جرير]، وقد حدثني به غيره، وقال: لمزية لي».]] لي على الملائكة، فلما وقع ذلك الكِبْرُ في نفسه اطَّلَع الله على ذلك منه، فقال الله للملائكة: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. قالوا: ربَّنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذريةٌ، يُفْسِدون في الأرض، ويَتَحاسَدُون، ويقتل بعضهم بعضًا. قالوا: ربنا، أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟! قال: إني أعلم ما لا تعلمون. يعني: من شأن إبليس. فبعث جبريلَ ﵇ إلى الأرض؛ ليأتيه بطِين منها، فقالت الأرض: إنِّي أعوذ بالله منك أن تنقص مني، أو تُشِينَنِي. فرجع، ولم يأخذ، وقال: ربِّ، إنها عاذتْ بك؛ فأعذتُها. فبعث الله ميكائيل، فعاذت منه، فأعاذها، فرجع، فقال كما قال جبريل، فبعث ملك الموت، فعاذت منه، فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض، وخلط، فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به، فبلَّ التراب حتى عاد طينًا لازِبًا -واللازِب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض-، ثم تُرِك حتى أنتَن وتَغَيَّر، وذلك حين يقول: ﴿من حمإٍ مسنون﴾ [الحجر:٢٦]، قال: مُنتِن. ثم قال للملائكة: ﴿إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ [ص:٧٢]، فخلقه الله بيديه لكيلا يتكبر إبليس عليه؛ ليقول له: تتكبَّر عما عَمِلْتُ بيَدَيَّ ولم أتكبر أنا عنه؟ فخلقه بشرًا، فكان جسدًا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمَرَّت به الملائكة، ففزِعوا منه لَمّا رَأَوْه، وكان أشدهم منه فَزَعًا إبليس، فكان يَمُرُّ فيضربه، فيُصَوِّت الجسدُ كما يُصَوِّت الفَخّارُ، وتكون له صَلْصَلَة، فذلك حين يقول: ﴿من صلصال كالفخار﴾ [الرحمن:١٤]، ويقول: لأمر ما خُلِقْتَ. ودخل من فِيه، فخرج من دُبُرِه، فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صَمَد، وهذا أجْوَف، لئن سُلِّطت عليه لأُهْلِكَنَّه. فلما بلغ الحينُ الذي يريد الله -جل ثناؤه- أن ينفخ فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له. فلما نفخ فيه الروح، فدخل الروح في رأسه عَطَس، فقالت له الملائكة: قل: الحمد لله. فقال: الحمد لله. فقال له الله: رحمك ربك. فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عَجْلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: ﴿خلق الإنسان من عجل﴾ [الأنبياء:٣٧]. ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين﴾ [الحجر:٣٠-٣١]، أي: استكبر، وكان من الكافرين. قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خَلَقْتُ بيَدَيَّ؟ قال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لبشر خلقتَه من طين. قال الله له: اخرج منها ﴿فما يكون لك﴾ يعني: ما ينبغي لك ﴿أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين﴾ [الأعراف:١٣]. والصَّغار هو الذُّلُّ. قال: ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾، ثم عَرَض الخلق على الملائكة، فقال: ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ أنّ بني آدم يُفْسِدون في الأرض، ويسفكون الدماء. فقالوا له: ﴿سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾. قال الله: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾. قال: قولهم: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾، فهذا الذي أبدوا، وأعلم ما كنتم تكتمون، يعني: ما أسَرَّ إبليسُ في نفسه من الكِبْر[[أخرجه ابن جرير ١/٤٨٧-٤٨٨، وابن عساكر ٧/٣٧٧. وأورده السيوطي دون ذكر ابن عباس إلى قوله: من شأن إبليس.]]١٣١. (ز)
١١٠٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: كان إبليس مِن حَيٍّ من أحياء الملائكة، يقال لهم: الجن، خُلِقوا من نار السَّمُوم من بين الملائكة، قال: وكان اسمه: الحارث. قال: وكان خازِنًا من خُزّان الجنة. قال: وخُلِقَت الملائكة كلهم من نورٍ غير هذا الحي. قال: وخُلِقَت الجِنُّ الذين ذُكِروا في القرآن من مارج من نار -وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا أُلهِبَت-. قال: وخُلِق الإنسان من طين، فأول من سكن الأرضَ الجنُّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضًا. قال: فبعث الله إليهم إبليسَ في جُندٍ من الملائكة -وهم هذا الحي الذين يقال لهم: الجن-، فقتلهم إبليسُ ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلمّا فعل إبليس ذلك اغْتَرَّ في نفسه، وقال: قد صنعتُ شيئًا لم يصنعه أحد. قال: فاطَّلع اللهُ على ذلك مِن قلبه، ولم تَطَّلِع عليه الملائكةُ الذين كانوا معه؛ فقال الله للملائكة الذين معه: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. فقالت الملائكة مجيبين له: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾، كما أفسدت الجنُّ، وسفكت الدماء، وإنما بعثتنا عليهم لذلك. فقال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾. يقول: إني قد اطَّلَعْتُ مِن قَلْب إبليس على ما لم تَطَّلِعوا عليه من كِبْره واغْتِراره. قال: ثم أمر بتربة آدم فرُفِعَت، فخلق الله آدم من طين لازِب -واللازب: اللَّزِج الطيِّب- من حَمَأٍ مَسْنُون مُنتِن. قال: وإنما كان حَمَأً مسنونًا بعد التراب. قال: فخلق منه آدم ﵇ بيده. قال: فمكث أربعين ليلة جسدًا مُلْقًى، فكان إبليس يأتيه، فيضربه برجله، فيُصَلْصِل -أي: فيُصَوِّت-. قال: فهو قول الله -تعالى ذِكْرُه-: ﴿من صلصال كالفخار﴾ [الرحمن:١٤]. يقول: كالشيء المنفوخ الذي ليس بمُصْمَت. قال: ثم يدخل في فِيه، ويَخْرُج من دُبُرِه، ويدخل من دُبُره، ويَخْرُج مِن فيه. ثم يقول: لَسْتَ شيئًا للصَّلْصَلَة، ولشيء ما خُلِقت! لَئِن سُلِّطتُّ عليك لأُهْلِكَنَّك، ولئن سُلِّطتَّ عَليَّ لأَعْصِيَنَّك. قال: فلمّا نفخ الله فيه من روحه، أتت النفخة من قِبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودَمًا، فلما انتهت النفخة إلى سُرَّتِه نظر إلى جسده، فأعجبه ما رأى من حُسْنه، فذهب لينهض فلم يَقْدِر، فهو قول الله: ﴿وكان الإنسان عجولا﴾ [الإسراء:١١]. قال: ضَجِرًا، لا صبر له على سراء ولا ضراء. قال: فلمّا تَمَّت النفخة في جسده عَطَس، فقال: الحمد لله رب العالمين. بإلهام الله له. فقال الله له: يرحمك الله، يا آدم. قال: ثم قال الله للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: اسجدوا لآدم. فسجدوا كلهم أجمعون، إلا إبليس أبى واستكبر، لِما كان حدَّث به نفسَه من كِبْرِه واغْتِراره، فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سِنًّا، وأقوى خَلْقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول: إنّ النار أقوى من الطين. قال: فلَمّا أبى إبليسُ أن يسجد أبْلَسَه الله، أي: آيَسَه من الخيرِ كُلِّه، وجعله شيطانًا رجيمًا؛ عقوبة لمعصيته. ثُمَّ عَلَّم آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة -يعني: الملائكة الذين كانوا مع إبليس الذين خُلِقوا من نار السَّموم-، وقال لهم: ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء﴾ يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء، ﴿إن كنتم صادقين﴾: إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة. قال: فلَمّا علمت الملائكةُ مؤاخذة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب الذي لا يعلمه غيره، الذي ليس لهم به علم، قالوا: ﴿سبحانك﴾ تنزيهًا لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، تُبْنا إليك، ﴿لا علم لنا إلا ما علمتنا﴾ تَبَرِّيًا منهم من علم الغيب ﴿إلا ما علمتنا﴾ كما علمتَ آدم. فقال: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾ يقول: أخْبِرْهم بأسمائهم، ﴿فلما أنبأهم بأسمائهم﴾ يقول: أخبرهم بأسمائهم، ﴿قال ألم أقل لكم﴾ أيها الملائكة خاصة: ﴿إني أعلم غيب السموات والأرض﴾، ولا يعلمه غيري، ﴿وأعلم ما تبدون﴾ يقول: ما تظهرون، ﴿وما كنتم تكتمون﴾ يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كَتَم إبليسُ في نفسه من الكِبْر والاغْتِرار[[أخرجه ابن جرير ١/٤٨٢-٤٨٥. وأورده السيوطي إلى قوله: وجعله شيطانًا رجيمًا عقوبة لمعصيته. وعزاه إلى عبد بن حميد.]]١٣٢. (١/٢٤١)
١١٠٣- عن الحسن البصري -من طريق جرير بن حازم، ومبارك، وأبي بكر-= (ز)
١١٠٤- وقتادة -من طريق أبي بكر- قالا: قال الله لملائكته: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. قال لهم: إني فاعل. فَعَرَّضُوا برأيهم، فعلَّمَهم عِلْمًا، وطوى عنهم عِلْمًا عَلِمَه لا يعلمونه، فقالوا بالعلم الذي علَّمهم: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾. وقد كانت الملائكةُ عَلِمَتْ من علم الله أنه لا ذنب أعظم عند الله من سفك الدماء، ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾. فلما أخذ في خلق آدم همست الملائكة فيما بينها، فقالوا: ليخلق ربُّنا ما شاء أن يخلق، فلن يخلق خلقًا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه. فلمّا خلقه، ونفخ فيه من روحه، أمرهم أن يسجدوا له لِما قالوا، ففضَّله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه، فقالوا: إن لم نكن خيرًا منه فنحن أعلم منه؛ لأنّا كُنّا قبله، وخُلِقَت الأمم قبله. فلما أُعْجِبوا بعلمهم ابتُلُوا، ﴿وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين﴾ أنِّي لا أخلق خلقًا إلا كنتم أعلم منه، فأخبِروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قال: ففَزِع القوم إلى التوبة -وإليها يفزَع كلُّ مؤمن-، فقالوا: ﴿سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ لقولهم: ليخلق ربنا ما شاء، فلن يخلق خلقًا أكرم عليه مِنّا، ولا أعلم مِنّا. قال: علَّمه اسمَ كل شيء، هذه الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه أمة أمة: ﴿قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾. قال: أمّا ما أبْدَوا فقولهم: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾. وأما ما كتموا فقول بعضهم لبعض: نحن خير منه، وأعلم[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٢.]]. (ز)
١١٠٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وذلك أن اللَّه ﷿ خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس، وهو آدم ﵇، فجعلهم سُكّانَ الأرض، وجعل الملائكة سُكّانَ السماوات، فوقع في الجن الفتنُ والحسدُ؛ فاقتتلوا، فبعث الله جُندًا من أهل سماء الدنيا -يُقال لهم: الجن، إبليس عدو الله منهم، خُلِقوا جميعًا من نار، وهم خُزّان الجنة، رأسهم إبليس-، فهبطوا إلى الأرض، فلم يُكَلَّفوا من العبادة في الأرض ما كُلِّفوا في السماء، فأحبوا القيام في الأرض، فأوحى الله ﷿ إليهم: ﴿إني جاعل فِي الأرض خليفة﴾ سواكم، ورافعكم إلَيَّ. فكَرِهوا ذلك؛ لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالًا. ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها﴾ يقول: أتجعل في الأرض ﴿مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ يعني: مَن يعمل فيها بالمعاصي، ﴿ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ بغير حق كفعل الجن، ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ يقول: نحن نذكرك بأمرك. كقوله سبحانه: ﴿ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ [الرعد:١٣] يعني: يذكره بأمره. ﴿ونقدس لك﴾ ونُصَلِّي لك، ونُعَظِّم أمرك. قال الله سبحانه: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ إنّ فِي علمي أنّكم سكان السماء، ويكون آدم وذريته سكان الأرض، ويكون منهم من يسبح بحمدي ويعبدني. فخلق آدم ﵇ من طين أحمر وأبيض، من السَّبَخَةِ[[السبخة: الأرض المالحة. لسان العرب (سبخ).]] والعَذْبَةِ؛ فَمِن ثَمَّ نسلُه أبيض وأحمر وأسود، مؤمن وكافر. فحَسَد إبليسُ تلك الصورة، فقال للملائكة الذين هم معه: أرأيتم هذا الذي لم تَرَوْا شيئًا من الخلق على خِلْقَته، إن فُضِّل عَلَيَّ ماذا تصنعون؟ قالوا: نسمع ونطيع لأمر الله. وأَسَرَّ عدوُّ الله إبليسُ في نفسه: لَئِن فُضِّل آدمُ عليه لا يطيعه، ولَيَسْتَفِزَّنَّه. فتُرِك آدمُ طينًا أربعين سنة مُصَوَّرًا، فجعل إبليس يدخل من دُبُرِه ويخرج من فِيهِ، ويقول: أنا نار وهذا طين أجوف، والنار تغلب الطين، ولأَغْلِبَنَّه. فذلك قوله ﷿: ﴿ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ:٢٠]، يعني: قوله يومئذ: لأغلبنه. وقوله: ﴿لأحتنكن﴾ يعني: لأَحْتَوِيَنَّ على ﴿ذريته إلّا قليلا﴾ [الإسراء:٦٢]. فقال للرُّوح: ادخلي هذا الجَسَد. فقالت: أيْ ربِّ، أين تُدْخِلُنِي هذا الجسد المظلم؟! فقال الله -تبارك وتعالى-: ادخُلِيه كُرْهًا. فدخلته كُرْهًا، وهي لا تخرج منه إلّا كُرْهًا. ثُمَّ نُفِخ فيه الروحُ من قِبَل رأسه، فترددت الرُّوحُ فيه حتّى بَلَغَت نِصْفَ جسده موضع السُّرَّة، فعَجَّل للقعود، فذلك قوله تعالى: ﴿وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء:١١]. فجَعَلَت الرُّوحُ تَتَرَدَّدُ فيه، حتّى بلغت أصابع الرِّجْلَيْن، فأرادت أن تخرج منها فلم تَجِد منفذًا، فرجعت إلى الرأس، فخرجت من المِنخَرَيْنِ، فعطس عند ذلك لخروجها من مِنخَرَيْهِ، فقال: الحمد لله. فكان أول كلامه، فرد ربُّه ﷿: يرحمك الله، لهذا خلقتك، تُسَبِّح بحمدي، وتُقَدِّس لي. فسبقت رحمتُه لآدم ﵇. ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها﴾ ثُمّ إن اللَّه تبارك وتعالى حشر الطير، والدوابَّ، وهوام الأرض كلها، فعلم آدم ﵇ أسماءَها، فقال: يا آدم، هذا فرس، وهذا بغل، وهذا حمار. حتى سَمّى له كلَّ دابة، وكل طير باسمه، ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى المَلائِكَةِ﴾ ثُمَّ عرض أهل تلك الأسماء على الملائكة الذين هم في الأرض، ﴿فَقالَ أنْبِئُونِي﴾ يعني: أخبِروني ﴿بِأَسْماءِ هؤُلاءِ﴾ يعني: دواب الأرض كلها، ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ بأنِّي جاعلٌ في الأرض مَن يُفسِد فيها ويَسْفِك الدماء. ﴿قالُوا﴾ قالت الملائكة: ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إلّا ما عَلَّمْتَنا إنَّكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾. قال الله ﷿ لهم: كيف تَدَّعُون العلمَ فيما لَمْ يُخْلق بعدُ، ولَم تَرَوْه، وأنتم لا تعلمون مَن تَرَوْن. قال الله ﷿ لآدم: يا آدم، ﴿أنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ﴾. يقول: أخبر الملائكة بأسماء دواب الأرض والطير كلها. ففعل، قال الله ﷿: ﴿فَلَمّا أنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ ألَمْ أقُلْ لَكُمْ إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ﴾ ما يكون في ﴿السَّماواتِ والأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ﴾ يعني: ما أظهرت الملائكةُ لإبليس من السمع والطاعة للرَّبِّ، ﴿و﴾ أعلم ﴿ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يعني: إبليس وحده؛ ما كان أسَرَّ إبليسُ في نفسه من المعصية لله ﷿ في السجود لآدم[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦-٩٧.]]. (ز)
١١٠٦- عن محمد بن إسحاق -من طريق سَلَمَة بن الفَضْل- قال: لَمّا أراد اللهُ أن يخلق آدم بقدرته ليبتليه ويبتلي به، لعلمه بما في ملائكته وجميع خلقه -وكان أوَّل بلاء ابتُلِيَت به الملائكة مِمّا لها فيه ما تحب وما تكره؛ للبلاء والتمحيص لِما فيهم مِمّا لم يعلموا، وأحاط به علمُ الله منهم-؛ جمع الملائكة من سكان السموات والأرض، ثم قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. يقول: ساكنًا وعامِرًا ليسكنها ويعمُرَها، خلقًا ليس منكم. ثم أخبرهم بعلمه فيهم، فقال: يفسدون في الأرض، ويسفكون الدماء، ويعملون بالمعاصي. فقالوا جميعًا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾، لا نعصي، ولا نأتي شيئًا كرهته؟ ﴿قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾ أي: فيكم ومنكم -ولم يُبْدِها لهم- من المعصية، والفساد، وسفك الدماء، وإتيان ما أكْرَه منهم، مما يكون في الأرض مما ذكرتُ في بني آدم. قال الله لمحمد ﷺ: ﴿ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين﴾ إلى قوله: ﴿فقعوا له ساجدين﴾ [ص:٦٩- ٧٢]. فذكر لنبيه ﷺ الذي كان من ذِكْرِه آدمَ ﷺ حين أراد خلقه، ومراجعة الملائكة إيّاه فيما ذكر لهم منه. فلَمّا عَزَم الله -تعالى ذِكْرُه- على خلق آدم قال للملائكة: ﴿إني خالق بشرا من صلصال من حمإٍ مسنون﴾ [الحجر:٢٨] بيديه تكرمة له، وتعظيمًا لأمره، وتشريفًا له؛ حفظت الملائكة عهده، ووعَوْا قوله، وأجمعوا لطاعته، إلا ما كان من عدو الله إبليس، فإنّه صمت على ما كان في نفسه من الحسد، والبغي، والتكبر، والمعصية. وخلق الله آدم من أدَمَة[[أدمة الأرض: باطنها، وقيل: ظاهرها. لسان العرب (أدم).]] الأرض، من طين لازب من حمإٍ مسنون، بيديه تكرمة له، وتعظيمًا لأمره، وتشريفًا له على سائر خلقه. قال ابن إسحاق: فيُقال -والله أعلم-: خلق الله آدم، ثم وضعه ينظر إليه أربعين عامًا قبل أن ينفخ فيه الروح، حتى عاد صلصالًا كالفخار، ولم تمسه نار. قال: فيُقال -والله أعلم-: إنه لَمّا انتهى الروح إلى رأسه عطس، فقال: الحمد لله. فقال له ربه: يرحمك ربك. ووقع الملائكة حين استوى سجودًا له؛ حفظًا لعهد الله الذي عهد إليهم، وطاعة لأمره الذي أمرهم به، وقام عدو الله إبليس من بينهم، فلم يسجد مُكابرًا مُتَعَظِّمًا، بغيًا وحسدًا، فقال له: ﴿يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ إلى ﴿لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين﴾ [ص:٧٥-٨٥]. قال: فلمّا فرغ الله من إبليس ومعاتبته، وأبى إلا المعصية؛ أوقع عليه اللعنة، وأخرجه من الجنة. ثم أقبل على آدم، وقد علمه الأسماء كلها، فقال: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾. ﴿قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾ أي: إنما أجبناك فيما علَّمْتَنا، فأما ما لم تُعَلِّمْنا فأنت أعلم به. فكان ما سمّى آدمُ من شيء كان اسمَه الذي هو عليه إلى يوم القيامة[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٦.]]. (ز)
﴿وَإِذۡ قَالَ﴾ - تفسير
١١٠٧- عن أبي مالك غَزْوان الغِفارِيّ -من طريق السُّدِّيّ- قال: ما كان في القرآن ﴿إذ﴾ فقد كان[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٥.]]. (١/٢٤٠)
١١٠٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذ﴾، يعني: وقد[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦.]]. (ز)
﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ﴾ - تفسير
١١٠٩- عن قتادة -من طريق سعيد- قوله: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فاستشار الملائكةَ في خلق آدم[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩١. وعلّقه ابن أبي حاتم ١/٧٦. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (ز)
١١١٠- عن السدي -من طريق أسباط- في قوله تعالى: ﴿جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، قال: فاستشار الملائكة في خلق آدم[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٦.]]١٣٣. (ز)
﴿إِنِّی جَاعِلࣱ﴾ - تفسير
١١١١- عن الحسن البصري -من طريق جرير بن حازم، ومبارك، وأبي بكر الهُذَلِي- في قوله: ﴿إني جاعل﴾، قال: فاعل[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٥، وابن أبي حاتم ١/٧٦ من طريق مبارك بن فضالة، كما أخرجه ابن جرير ١/٤٩٢ مُطَوَّلًا عن الحسن وقتادة، وقد تقدم.]]. (١/٢٤٠)
١١١٢- عن قتادة -من طريق أبي بكر الهُذَلِيّ- قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، قال لهم: إني فاعل[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٥.]]١٣٤. (ز)
١١١٣- عن أبي رَوْق عطية بن الحارث الهمداني -من طريق بِشْرِ بن عُمارة- قال: كل شيء في القرآن «جعل» فهو: خلق[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٥. وعزاه السيوطي إليه من قول الضحاك. قال الشيخ شاكر في تحقيقه لتفسير ابن جرير ١/٤٤٨ معللًا ذلك: «وأبو روق يكثر رواية التفسير عن الضحاك، فلعل ذِكْر الضحاك سقط من الناسخين في بعض نسخ الطبري». لكن السيوطي في الإتقان (ط: مجمع الملك فهد) ١/٩٩٩ عزا هذا الأثر إلى ابن جرير من قول أبي روق.]]١٣٥. (١/٢٤٠)
﴿إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ - تفسير
١١١٤- عن ابن سابط، أنّ النبي ﷺ قال: «دُحِيَت الأرض من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت، فهي أول من طاف به، وهي الأرض التي قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. وكان النبيُّ إذا هلك قومُه، ونجا هو والصالحون؛ أتاها هو ومن معه، فيعبدون الله بها حَتّى يموتوا فيها، وإنّ قبر نوح، وهود، وشعيب، وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام»[[أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٧٤/٩٠ مختصرًا، وابن جرير ١/٤٧٦ واللفظ له، وابن أبي حاتم ١/٧٦ (٣١٧) مختصرًا. قال ابن كثير في تفسيره ١/٢١٧: «وهذا مرسل، وفي سنده ضعف».]]١٣٦. (١/٢٤٦)
١١١٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق سالم بن أبي حفصة، عن رجل- قال: إنّ الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه. ثم قرأ: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾[[أخرجه سفيان الثوري ص٤٣، وابن أبي حاتم ١/٧٦، وابن عساكر ٧/٤٥٢ كلاهما من طريقه. وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق، ووكيع، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]]١٣٧. (١/٢٤١)
١١١٦- عن خالد الحذاء، قال: سألتُ الحسن، فقلتُ: يا أبا سعيد، آدمُ للسماء خُلِق أم الأرض؟ قال: أما تقرأ القرآن: ﴿إني جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾؟ لا، بل للأرض خُلِق[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٦ (٣١٨).]]. (ز)
﴿إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ﴾ - تفسير
١١١٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: أوَّل من سكن الأرضَ الجنُّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضًا. قال: فبعث الله إليهم إبليسَ في جند من الملائكة، فقتلهم إبليسُ ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور، وأطراف الجبال، ثم خلق آدم، فأسكنه إياها، فلذلك قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٧.]]. (ز)
١١١٨- عن الحسن البصري، في الآية، أي: خلفاء يخلف بعضهم بعضًا[[علّقه ابن جرير ١/٤٧٩.]]١٣٨. (ز)
١١١٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وذلك أنّ الله ﷿ خلق الملائكة والجن قبل خلق الشياطين والإنس -وهُوَ آدم ﵇، فجعلهم سُكّانَ الأرض، وجعل الملائكة سكان السماوات، فوقع في الجن الفتنُ والحسدُ؛ فاقتتلوا، فبعث الله جُندًا مِن أهل سماء الدنيا -يُقال لهم: الجن، إبليس عدو الله منهم، خُلِقوا جميعًا من نار، وهم خُزّان الجنة، رأسهم إبليس-، فهبطوا إلى الأرض، فلم يُكَلَّفُوا من العبادة فِي الأرض ما كُلِّفُوا في السماء، فأحبوا القيام في الأرض، فأوحى الله ﷿ إليهم: ﴿إني جاعل فِي الأرض خليفة﴾ سواكم، ورافعكم إليَّ. فكرهوا ذلك؛ لأنهم كانوا أهونَ الملائكةِ أعمالًا[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦-٩٧.]]. (ز)
١١٢٠- عن محمد بن إسحاق -من طريق سَلَمة- ﴿جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، يقول: ساكِنًا وعامِرًا يسكنها ويعمرها، ليس خَلْقًا منكم[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٧، ٤٩٦، وابن أبي حاتم ١/٧٦.]]١٣٩. (ز)
١١٢١- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- قال: قال الله للملائكة: إنِّي أُريدُ أن أخلق في الأرض خَلْقًا، وأجعل فيها خليفة. وليس لله يومئذ خَلْقٌ إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خَلْق[[أخرجه ابن جرير ١/٤٧٩.]]. (ز)
﴿قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ﴾ - تفسير
١١٢٢- عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «إنّ أوَّلَ من لَبّى الملائكةُ، قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾. قال: فَرادُّوه، فأعرض عنهم، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون: لبيك لبيك اعتذارًا إليك، لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك»[[أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب ١/٤٤٠ (٧٧٦) من طريق ابن أبي الدنيا. وعزاه السيوطي إلى ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة. وفي إسناده جهالة، فقد رواه فضيل بن يونس، عن شيخ من أهل البصرة، عن أنس.]]. (١/٢٤٦)
١١٢٣- عن عبد الله بن عمر، أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إنّ آدم لَمّا أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أيْ رَبّ، ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾. قال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾. قالوا: ربنا، نحن أطوعُ لك من بني آدم. قال الله للملائكة: هَلُمُّوا مَلَكَيْن من الملائكة حتى نُهْبِطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان؟ فقالوا: ربنا، هاروت وماروت...[[ينظر تتمة الأثر عند تفسير قوله تعالى: ﴿وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت﴾.]]»[[أخرجه أحمد ١٠/٣١٧-٣١٨ (٦١٧٨)، وابن حبان ١٤/٦٣-٦٤ (٦١٨٦)، والحاكم ٤/٦٥٠ (٨٧٩٦). وفيه يحيى بن سلمة، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وترك حديث يحيى بن سلمة عن أبيه من المحالات التي يردها العقل؛ فإنه لا خلاف أنه من أهل الصنعة، فلا ينكر لأبيه أن يخصه بأحاديث يتفرد بها عنه». وقال الذهبي في التلخيص: «قال النسائي: متروك». وقال ابن أبي حاتم في العلل ٤/٦٤٠-٦٤١: «قال أبي: هذا حديث منكر». وقال البزار في مسنده ١٢/٢٤٨ (٥٩٩٦): «وهذا الحديث رواه غير موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا. وموسى بن جبير ليس به بأس، وإنما أتى رفعُ هذا الحديث عندي من زهير بن محمد؛ لأنه لم يكن بالحافظ، على أنه قد روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وابن وهب، وأبو عامر وغيرهم». وقال ابن كثير في تفسيره ١/٣٥٣: «وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين، إلا موسى بن جبير هذا». وقال المنذري في الترغيب والترهيب ٣/١٧٩-١٨٠ (٣٥٧٥): «قد قيل: إن الصحيح وقْفُه على كَعْب». وقال ابن حجر في القول المسدد ص٣٩: «له طرق كثيرة، جمعتها في جزء مفرد، يكاد يكون الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة؛ لكثرة الطرق الواردة فيها، وقوة مخارج أكثرها». وقال الهيثمي في المجمع ٥/٦٨ (٨١٧٥)، ٦/٣١٣-٣١٤ (١٠٨٣٢): «رجاله رجال الصحيح، خلا موسى بن جبير، وهو ثقة». وقال الهيتميُّ في الزواجر عن اقتراف الكبائر ٢/٢٥٢-٢٥٣: «وقيل: الصحيح وقفه على كعب، عن ابن عمر». وقال الألباني في الضعيفة ١/٣١٤-٣١٥ (١٧٠): «باطل مرفوعًا».]]. (١١/٢٤٩)
١١٢٤- عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي ﷺ -من طريق السدي، عن مُرَّة الهمداني-= (١/٢٤٥)
١١٢٥- وعبد الله بن عباس -من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح-: لَمّا فرغ الله من خلق ما أحبَّ؛ اسْتَوى على العرش، فجعل إبليسَ على مُلْك سماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم: الجن. وإنما سُّمُوا الجِنَّ لأنهم خزانُ الجنة، وكان إبليس مع مُلْكِه خازِنًا، فوقع في صدره كِبْر، وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد[[قال ابن جرير١/٤٨٦: «هكذا قال موسى بن هارون [شيخ ابن جرير]، وقد حدثني به غيره، وقال: لمزية لي».]] لي على الملائكة. فلما وقع ذلك الكِبْر في نفسه؛ اطَّلَع الله على ذلك منه، فقال الله للملائكة: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. قالوا: ربَّنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية، يفسدون في الأرض، ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضًا. قالوا: ربنا، ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾[[أخرجه ابن جرير ١/٤٨٧-٤٨٨، وابن عساكر ٧/٣٧٧.]]. (ز)
١١٢٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: كان إبليس من حَيٍّ من أحياء الملائكة يقال لهم: الجن، خُلِقوا من نار السموم من بين الملائكة. قال: وكان اسمه الحارث. قال: وكان خازنًا من خُزّان الجنة. قال: وخُلِقَت الملائكة كلهم من نورٍ غير هذا الحي. قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارِج من نار -وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا أُلهِبَت-. قال: وخُلِق الإنسان من طين، فأول من سكن الأرضَ الجنُّ، فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضًا. قال: فبعث الله إليهم إبليسَ في جُندٍ من الملائكة -وهم هذا الحي الذين يقال لهم: الجن-، فقتلهم إبليس ومَن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلما فعل إبليس ذلك اغْتَرَّ في نفسه، وقال: قد صنعت شيئًا لم يصنعْه أحد. قال: فاطَّلع الله على ذلك من قلبه، ولم تطَّلع عليه الملائكة الذين كانوا معه، فقال الله للملائكة الذين معه: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. فقالت الملائكة مجيبين له: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾، كما أفسدت الجن، وسفكت الدماء، وإنما بعثتنا عليهم لذلك[[أخرجه ابن جرير ١/٤٨٢-٤٨٥. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (ز)
١١٢٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق مجاهد- قال: لقد أخرج الله آدمَ من الجنة قبل أن يدخلها؛ قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾. وقد كان فيها قبل أن يُخْلَق بألفي عام الجِنُّ؛ بنو الجان، فأفسدوا في الأرض، وسفكوا الدماء، فلَمّا أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودًا من الملائكة، فضربوهم، حتى ألحقوهم بجزائر البحور، فلما قال الله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾، كما فعل أولئك الجان. فقال الله: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾[[أخرجه الحاكم ٢/٢٦١. وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخَرِّجاه». ووافقه الذهبي.]]. (١/٢٤١)
١١٢٨- وعن عبد الله بن عمرو -من طريق مجاهد-، مثله[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٧ (٣٢١).]]. (١/٢٤١)
١١٢٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق السدي، عَمَّن حدثه- في قوله: ﴿وإذ قال ربك للملائكة﴾ الآية، قال: إنّ الله قال للملائكة: إنِّي خالقٌ بشرًا، وإنهم يتحاسدون، فيقتل بعضهم بعضًا، ويفسدون في الأرض. فلذلك قالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٧.]]. (١/٢٤٥)
١١٣٠- عن عبد الله بن عباس، قال: إيّاكم والرَّأْيَ؛ فإن الله تعالى رد الرَّأْيَ على الملائكة، وذلك أن الله تعالى قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. قالت الملائكة: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾. قال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾[[عزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن بطة في أماليه.]]. (١/٢٤٦)
١١٣١- عن قتادة -من طريق سعيد-: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وقد علِمَت الملائكة من عِلْمِ الله أنّه لا شيء أكره إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض، ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾. فكان في علم الله -جَلَّ ثناؤُه- أنّه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء، ورسل، وقوم صالحون، وساكنو الجنة.= (ز)
١١٣٢- قال قتادة: وذُكِر لنا أنّ ابن عباس كان يقول: إنّ الله لَمّا أخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله خالقٌ خَلْقًا أكرم عليه مِنّا، ولا أعلم مِنّا. فابْتُلُوا بخلق آدم، وكل خَلْقٍ مُبْتَلًى، كما ابتُلِيَت السموات والأرض بالطاعة، فقال الله: ﴿ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين﴾ [فصلت:١١][[أخرجه ابن جرير ١/٤٩١، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٧/٣٩٩ من طريق شَيْبان.]]١٤٠. (ز)
١١٣٣- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- قال: إنّ الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكَفَر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض، فمن ثَمَّ قالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٧، وهو عند ابن جرير وأبي الشيخ من قول الربيع، كما سيأتي.]]. (١/٢٤٣)
١١٣٤- عن مجاهد -من طريق ابنه عبد الوهاب– قال: كان إبليس على سُلْطان سماء الدنيا وسُلْطان الأرض، وكان [مكتوبًا] في الرفيع الأعلى عند الله أنه سيجعل في الأرض خليفة، وأنه سيكون دمًا و[أحداثًا]، فوجد ذلك إبليس، فقرأه أو أبصره دون الملائكة، فلمّا ذكر أمرَ آدم للملائكة أخبر إبليسُ الملائكةَ أنّ هذا الخليفة الذي يكون ستسجد له الملائكة، وأسَرَّ إبليس في نفسه أن لن يسجد له، وأخبر الملائكةَ أن الله سيخلق خلقًا، وأنه يسفك الدماء، وأنه سيأمر الملائكة يسجدون لذلك الخليفة، قال: فلما قال الله ﷿: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ حَفِظُوا ما كان قال لهم إبليس قبل ذلك، فقالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾[[أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٧/٣٩٨.]]. (ز)
١١٣٥- عن الحسن البصري -من طريق جرير بن حازم، ومبارك، وأبي بكر-= (ز)
١١٣٦- وقتادة -من طريق أبي بكر- قالا: قال الله لملائكته: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾. قال لهم: إني فاعِل. فعَرَضوا برأيهم، فعلَّمهم عِلْمًا، وطوى عنهم عِلمًا عَلِمه لا يعلمونه. فقالوا بالعلم الذي عَلَّمهم: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ وقد كانت الملائكة عَلِمَت من عِلْمِ الله أنه لا ذنب أعظم عند الله من سفك الدماء، ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٢، وابن أبي حاتم ١/٧٧ عن الحسن فقط من طريق مبارك. كما ذكر نحوه يحيى بن سلام مختصرًا -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/١٣١-.]]. (ز)
١١٣٧- عن أبي جعفر محمد بن علي -من طريق معروف المَكِّيّ عمَّن سمع أبا جعفر- قال: السِّجِلُّ مَلَكٌ، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له كل يوم ثلاث لَمَحات ينظرهن في أُمِّ الكتاب، فنظر نظرة لم تكن له، فأبصر فيها خَلْق آدم وما فيه من الأمور، فأسرَّ ذلك إلى هاروت وماروت وكانا من أعوانه، فلما قال: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾. قالا ذلك استطالة على الملائكة[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٨ (٣٢٧). وقد أورده السيوطي عند تفسير آية سورة الأنبياء: ﴿يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب﴾ [١٠٤].]]١٤١. (١٠/٣٩٦)
١١٣٨- عن قتادة -من طريق مَعْمَر- ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾، قال: كان الله أعْلَمَهُم إذا كان في الأرض خَلْقٌ أفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، فذلك قوله: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾. يعنون: الناس[[أخرجه عبد الرزاق ١/٤٢، وابن جرير ١/٤٩٢، وابن أبي حاتم ١/٧٨.]]. (ز)
١١٣٩- عن عبد الرحمن بن سابط -من طريق عطاء بن السائب- قوله: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾، قال: يعنون الناس[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩١، وفي لفظ آخر ١/٤٧٩: يعنون به: ابن آدم، وابن أبي حاتم ١/٧٨، وفي لفظ آخر عنده ١/٧٧: يعنون: الحرام.]]. (ز)
١١٤٠- قال إسماعيل السّدي: لما قال الله لهم ذلك قالوا: وما يكون من ذلك الخليفة؟ قال: تكون له ذرية، يفسدون في الأرض، ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضًا. قالوا عند ذلك: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾[[تفسير الثعلبي ١/١٧٥.]]. (ز)
١١٤١- عن يحيى بن أبي كثير -من طريق ابنه عبد الله- قال: إنّ الملائكة الذين قالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾ كانوا عشرة آلاف، فخرجت نارٌ من عند الله، فأَحْرَقَتْهُم[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٨ (٣٢٧). وقد أورده السيوطي عند تفسير آية سورة الأنبياء.]]. (ز)
١١٤٢- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- في قوله: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ الآية، قال: إنّ الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجِنَّ يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة. قال: فكفر قوم من الجِنّ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض، فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض، فمِن ثَمَّ قالوا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ الآية[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٤، وأبو الشيخ في العظمة (٨٨٢).]]. (ز)
١١٤٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها﴾ يقول: أتجعل في الأرض ﴿مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ يعني: من يعمل فيها بالمعاصي، ﴿ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ بغير حقٍّ، كفِعْلِ الجِنِّ[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦-٩٧.]]. (ز)
١١٤٤- عن ابن جُرَيْج -من طريق حَجّاج- قال: إنّما تَكَلَّمُوا بما أعْلَمَهم أنّه كائنٌ مِن خَلْقِ آدم، فقالوا: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٨.]]. (ز)
١١٤٥- عن محمد بن إسحاق -من طريق سَلَمَة بن الفضل- قال: ... ثم أخبرهم بعلمه فيهم، فقال: يفسدون في الأرض، ويسفكون الدماء، ويعملون بالمعاصي. فقالوا جميعًا: ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٦.]]. (ز)
١١٤٦- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب-: لَمّا خلق الله النارَ ذُعِرَتْ منها الملائكةُ ذُعْرًا شديدًا، وقالوا: ربَّنا، لِمَ خلقتَ هذه النار، ولأيِّ شيء خلقتَها؟ قال: لِمَن عصاني مِن خلقي. قال: ولَمْ يكن لله خلق يومئذ إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق، إنما خلق آدم بعد ذلك. وقرأ قول الله: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا﴾ [الإنسان:١]. قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ليت ذلك الحين[[قوله: ليت ذلك الحين، يعني: ليت الإنسان بقي شيئًا غير مذكور، قالها خوفًا من عذاب الله. وبنحو هذا المعنى ما أخرجه ابن المبارك (٢٣٥)، وأبو عبيد في فضائله (٧٠) عن عمر بن الخطاب أنه سمع رجلًا يقرأ: ﴿هل على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا﴾، فقال: ليتها تمت. وسيأتي في تفسير الآية.]]. ثم قال: قالت الملائكة: يا رب، أوَيأتي علينا دهرٌ نعصيك فيه! لا يرون له خلقًا غيرهم، قال: لا، إنِّي أُريد أن أخلق في الأرض خلقًا، وأجعل فيها خليفة، يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض. فقالت الملائكة: أتجعل في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء، وقد اخْتَرْتَنا؟ فاجعلنا نحن فيها، فنحن نُسَبِّح بحمدك ونُقَدِّس لك، ونعمل فيها بطاعتك. وأَعْظَمَتِ الملائكةُ أن يجعل الله في الأرض من يعصيه، فقال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم﴾. فقال: فلان، وفلان. قال: فلما رَأَوْا ما أعطاه الله من العلم عليهم، أقرُّوا لآدم بالفضل عليهم، وأبى الخبيثُ إبليسُ أن يُقِرَّ له، قال: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها﴾ [الأعراف:١٢-١٣][[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٥-٤٩٦.]]١٤٢١٤٣. (١/٢٤٤)
﴿وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ﴾ - تفسير
١١٤٧- عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي ﷺ -من طريق السُّدِّيّ، عن مُرَّة الهمداني-= (١/٢٤٨)
١١٤٨- وعبد الله بن عباس -من طريق السُّدِّيّ، عن أبي مالك وأبي صالح- في قوله: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾، قال: يقولون: نصلي لك[[أخرجه ابن جرير ١/٥٠٤.]]١٤٤. (ز)
١١٤٩- وعن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-، مثله[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٩ (٣٣٠).]]. (ز)
١١٥٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: التقديس: التطهير[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٩ (٣٣١).]]١٤٥. (١/٢٤٨)
١١٥١- عن عبد الله بن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة[[تفسير البغوي ١/٧٩.]]. (ز)
١١٥٢- عن مجاهد -من طريق ابن أبي نجيح- في قوله: ﴿ونقدس لك﴾، قال: نُعَظِّمك، ونُكَبِّرك[[تفسير مجاهد ص١٩٩، وأخرجه ابن جرير ١/٥٠٦. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٢٤٨)
١١٥٣- عن الضحاك -من طريق أبي رَوْق- في قوله: ﴿ونقدس لك﴾، قال: التقديس: التطهير[[أخرجه ابن جرير ١/٥٠٦.]]. (ز)
١١٥٤- قال الحسن البصري: يقولون: سبحان الله وبحمده، وهو صلاة الخلق، وتسبيحهم، وعليها يُرزقون[[تفسير الثعلبي ١/١٧٦، وتفسير البغوي ١/٧٩.]]. (ز)
١١٥٥- عن أبي صالح [باذام] -من طريق إسماعيل- في قوله: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾، قال: نُعَظِّمك، ونُمَجِّدك[[أخرجه ابن جرير ١/٥٠٦. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٢٤٨)
١١٥٦- عن قتادة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾، قال: التسبيح: التسبيح. والتقديس: الصلاة[[أخرجه عبد الرزاق ١/٤٢، وابن جرير ١/٥٠٥. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٢٤٧)
١١٥٧- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: التقديس: الصلاة[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٩.]]. (ز)
١١٥٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ يقول: نحن نَذْكُرُك بأمرك. كقوله سبحانه: ﴿ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ﴾ [الرعد:١٣]، يعني: يَذْكُرُه بأمره، ﴿ونقدس لك﴾: ونُصَلِّي لك، ونُعَظِّم أمرك[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦-٩٧.]]. (ز)
١١٥٩- عن محمد بن إسحاق -من طريق سَلَمَة بن الفَضْل- ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾: لا نعصي، ولا نأتي شيئًا تكرهه[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٦، ٥٠٦.]]. (ز)
١١٦٠- قال سفيان الثوري: ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾: نُمَجِّدك، ونُعَظِّمك[[تفسير سفيان الثوري ص٤٤.]]١٤٦. (ز)
﴿وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ﴾ - آثار متعلقة بالآية
١١٦١- عن أبي ذر، أنّ النبي ﷺ قال: «أحبُّ الكلام إلى الله ما اصطفاه الله لملائكته: سبحان ربي وبحمده». وفي لفظ: «سبحان الله وبحمده»[[أخرجه مسلم ٤/٢٠٩٣ (٢٧٣١)، والترمذي ٦/١٨٦(٣٩١٠) واللفظ له.]]. (١/٢٤٧)
١١٦٢- عن سعيد بن جبير، أنّ عمر بن الخطاب سأل النبي ﷺ عن صلاة الملائكة. فلم يَرُدَّ عليه شيئًا، فأتاه جبريل، فقال: إنّ أهل السماء الدنيا سجودٌ إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي المُلْك والمَلَكُوت. وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان ذي العِزَّة والجَبَرُوت. وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة، يقولون: سبحان الحيِّ الذي لا يموت[[أخرجه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة ١/٢٦٤-٢٦٦ (٢٥٧)، وأبو نعيم في الحلية ٤/٢٧٧-٢٧٨، وابن جرير ١/٥٠٢-٥٠٣ مُطَوَّلًا. قال المتقي الهندي في كنز العمال ١٠/٣٦٥-٣٦٦ (٢٩٨٣٥): «عن سعيد بن جبير مرسلًا». وقال أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري ١/٤٧٣: «هو حديث مرفوع، لكنه مرسل؛ لأن سعيد بن جبير تابعي، وإسناده إليه إسناد جيد».]]. (١/٢٤٧)
﴿قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٠﴾ - تفسير
١١٦٣- عن عبد الله بن مسعود، وناس من أصحاب النبي ﷺ -من طريق السُّدِّيّ، عن مُرَّة الهمداني-= (ز)
١١٦٤- وعبد الله بن عباس -من طريق السُّدِّي، عن أبي مالك وأبي صالح- ﴿قالَ إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾، يعني: من شأن إبليس[[أخرجه ابن جرير ١/٥٨٧.]]. (ز)
١١٦٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، يقول: إنِّي قد اطَّلَعْتُ من قلب إبليس على ما لم تَطَّلِعُوا عليه من كِبْرِه واغْتِرارِه[[أخرجه ابن جرير ١/٥٠٧، ٥٨٢.]]. (ز)
١١٦٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق السُّدِّيّ، عمَّن حَدَّثه-: كان إبليسُ أميرًا على ملائكة سماء الدنيا، فاستكبر، وهَمَّ بالمعصية، وطغى، فعلم الله ذلك منه، فذلك قوله: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، وأنّ في نفس إبليس بَغْيًا[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٩.]]. (١/٢٤٥)
١١٦٧- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط-، نحو ذلك[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/٧٩.]]. (ز)
١١٦٨- عن مجاهد -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، قال: عَلِم من إبليس المعصية، وخَلَقَه لها[[تفسير مجاهد ص١٩٩، وأخرجه سعيد بن منصور (١٨٤- تفسير)، وابن جرير ١/٥٠٨-٥٠٩ من طرق عن ابن أبي نجيح، والقاسم بن أبي بزة، وعلي بن بَذِيمَة، وابن أبي حاتم ١/٧٩ من طريق علي بن بَذِيمَة. وعزاه السيوطي إلى وكيع، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد. وعند ابن جرير في لفظ آخر: علم من إبليس كتمانه الكبر ألا يسجد لآدم.]]. (١/٢٤٩)
١١٦٩- عن مجاهد -من طريق ابنه عبد الوهاب- قال: عَلِم من إبليس المعصية، وخَلَقه لها، وعَلِمَ من آدم الطاعة، وخَلَقه لها[[أخرجه ابن جرير ١/٥٠٩.]]. (ز)
١١٧٠- عن قتادة -من طريق سعيد- في قوله: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾، قال: كان في علم الله أنّه سيكون من تلك الخليفة أنبياء ورسل، وقوم صالحون، وساكنو الجنة[[أخرجه ابن جرير ١/٥١٠، وابن أبي حاتم ١/٧٩ من طريق سعيد بن بشير. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد. وذكر يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ١/١٣٢- نحوه.]]. (١/٢٤٩)
١١٧١- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ إنّ في علمي أنَّكم سكان السماء، ويكون آدم وذريته سكان الأرض، ويكون منهم من يُسَبِّح بحمدي ويعبدني[[تفسير مقاتل بن سليمان ١/٩٦-٩٧.]]. (ز)
١١٧٢- عن محمد بن إسحاق -من طريق سَلَمَة بن الفضل- ﴿قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾، أي: فيكم ومنكم -ولم يُبْدِها لهم- من المعصية، والفساد، وسفك الدماء[[أخرجه ابن جرير ١/٤٩٦، ٥١٠، وقد تقدم مطولًا.]]١٤٧. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.