الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾. قال النحاة: (إذ) و (إذا) [حرفا توقيت، (إذ) للماضي و (إذا)] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] لما يستقبل [[قال الثعلبي (إذ وإذا حرفا توقيت، إلا أن (إذ) للماضي و (إذا) للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر) "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ، وذكر نحوه ابن الأنباري في (الأضداد) ص 118، وكذا الأزهري في "تهذيب اللغة" 1/ 137، وقال سيبويه: (إذا لما يستقبل من الدهر ... وهي ظرف ... وتكون إذ مثلها، "الكتاب" 4/ 232، وانظر: "مغني اللبيب" 1/ 80، 87.]]. قال المبرد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه المضي نحو قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ﴾ [الأنفال:30]، ﴿وَإِذْ تَقُولُ﴾ [الأحزاب:37] يريد: وإذ مكر، وإذ قلت. وإذا جاء (إذا) [[في (ب): (إذ).]] مع الماضي كان معناه الاستقبال [[في (ب) كان معناه الاستقبال في (المعنى وفي اللفظ)، وهذِه الزيادة غير موجودة في (أ)، (ج). ولا في "تفسير الثعلبي" الذي نقل الواحدي عنه.]] كقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ﴾ [النازعات:34] و ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ [النصر:1] أي يجيء [[في (أ)، (ج). (تجئ) وفي (ب) بدون إعجام، والتصحيح من "تفسير الثعلبي"، انظر كلام المبرد في "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 223، ولم أجده بهذا النص فيما اطلعت عليه من كتب المبرد، انظر: "المقتضب" 2/ 52 - 57، 76، 77، 176، 178، "تهذيب اللغة" 1/ 137، "الأضداد" لابن الأنباري ص 118.]]. فإن قيل: إذا كانت (إذ) لما مضى [[سبق قريبًا أن (إذ)، قد تأتي للمستقبل إذا شهر المعنى، ذكر هذا ابن الأنباري واستشهد بقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 110] انظر "الأضداد" ص 118.]]، فكيف جاز [[في (ب): (جاد).]] {وَإِذ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 116] ، ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ﴾ [غافر: 47]؟. والجواب أن هذا خرج على تقدير الاستقبال في المعنى، وفي اللفظ على صورة المضي [[من قوله: (على صورة المضي ..). وما بعده إلى نهاية تفسير لفظ (الملائكة) ورد مكررا في جميع النسخ الثلاث التي اعتمدت عليها، وقد علق الناسخ في نسخة (أ) على أول الكلام المكرر كلمة (مكرر) بينما الناسخ في (ج) أدخل كلمة (مكرر) وسط الكلام، وكأنه ظن أنها جزء من السياق. وبعد التمحيص للكلام المكرر وجدت في أوله بعض الفروقات اليسيرة أما في تفسير لفظ: (الملائكة) ففيه اختلاف كبير، وهو ملخص مما قبله بإتقان، ويظهر لي أن المؤلف أضرب عن كلامه السابق وأعاده مرة أخرى، ونقله النساخ على وضعه، وقد أثبت الكلام على حسب ما ورد في المخطوطات بدون تصرف في الأصل وعلقت على الفروق في مواضعها.]]، لأن ما تحقق كونه فهو بمنزلة ما قد كان، كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف:44]، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [الأعراف: 50] وأشباهه [[انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص 119، "تهذيب اللغة" 1/ 137.]]. وقال أبو عبيدة: (إذ) هاهنا [[في المكرر (في هذا الموضع).]] زائدة، معناه: وقال ربك للملائكة [[انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 36، "تفسير الثعلبي" 1/ 59 ب، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 195، وبنحو قول أبي عبيدة قال ابن قتيبة، انظر: "غريب القرآن" ص 45.]]. وأنكر الزجاج وغيره هذا القول [[قال الزجاج في رده على أبي عبيدة (هذا إقدام من أبي عبيدة، لأن القرآن لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بغاية تجري إلى الحق و (إذ) معناها الوقت، وهي اسم، فكيف يكون لغوا ...)، "معاني القرآن" 1/ 75، وممن أنكر على أبي عبيدة النحاس في "إعراب القرآن"، 1/ 156، و"الطبري" في "تفسيره" 1/ 195.]]، وقالوا [[في المكرر (وهو أن الحرف إذا كان مفيدًا معنى ...)، وفي (ب) (مقيد).]]: إن الحرف إذا أفاد معنى صحيحا لم يجز إلغاؤه، قالوا: وفي الآية محذوف معناه: واذكر يا محمد إذ قال ربك [["تفسير الثعلبي" 1/ 59 ب، وانظر "تفسير الطبري" 1/ 196.]]. وقال أبو إسحاق [[في المكرر (الزجاج).]]: إن الله جل ذكره ذكر خلق الناس في هذه الآية فكأنه قال: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك للملائكة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 76.]]. وأكثر المفسرين [[في (ب): (المفسرون) وفي المكرر (وعند غيره من المفسرين ...).]] على أن كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فالذكر فيه مضمر [[انظر: "تفسير أبي الليث" 1/ 107، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 240، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 224.]]. وأما [[(الواو) ساقطة من (ب).]] (الملائكة) فقال سيبويه [[انظر كلام سيبويه في (الكتاب) 4/ 379.]]: واحدها ملك، وأصله مَلْأَك، مهموز، حذف همزه لكثرة الاستعمال، وأنشد: فَلَسْتَ لإنْسِيٍّ ولكن لمَلْأَكٍ ... تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السِّماء يَصُوبُ [[البيت لعلقمة الفحل، وقيل: لرجل من عبد القيس جاهلي، وقيل لأبي وجزة السعدي، وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: 19] ص 572.]] وتابعه على هذا القول أكثر أهل العلم [[أصلها (ملْأك)، يحذفون الهمزة منه، وينقلون حركتها إلى اللام وكانت مسكنة في حال همز الاسم. فإذا جمع الاسم ردوا الهمزة على الأصل فقالوا: (ملائكة)، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 197، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 60 أ، "مجاز القرآن" 1/ 35، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 80، "تهذيب اللغة" (ملك) 4/ 3449، == و (ألك) 1/ 184، "الكشاف" 1/ 371. وذكر أبو البركات ابن الأنباري الأقوال في أصل (ملك) وهي: 1 - الملائكة جمع (ملك) على أصله في الهمز بعد القلب وهو (مَلْأَك) وأصل (مَلْأَك): (مَأْلكَ) لأنه من أَلكَ إذا أرسل، ووزنه على الأصل (مَفْعَل) فنقلت العين إلى موضع الفاء فصار (مَلْأكًا). 2 - أنه مشتق من (لَأَك) إذأ أرسل، فاللام (فاء) والهمز (عين) ولا قلب فيه. 3 - أنه مشتق من (مَلَكْت)، الميم أصلية ووزنه (فَعَلٌ) انظر "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 70.]]. إلا أن المحدثين من البصريين ذكروا أن هذا من باب القلب [[أي قلب المكان.]] فقالوا: نقل همزة (الأَلُوك)، وهو (فاء) إلى عينه، وقدموا العين، فقالوا: (لؤُوك) [[في (ب): (لؤك).]] وبنوا (الْمَلْأَك) منه، وإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا لـ (مَلْأَك) [[في (ب): (الملاك).]] أصلاً يردّونه إليه. وكان ادعاء القلب في الكلمة أولى عندهم من إهمال أصل (الْمَلْأَك) إذ علموا أن (المَفْعَل) [[في (ج): (الفعل).]] وما يجري مجراه مما زيد في أوله ميم لابد له [[(له) ساقط من (ب).]] من أصل ثلاثي يرد إليه، ولم يمكن رد (الْمَلأَك) إلى (لَأَكَ) لأنه مهمل لم ينطق به [[قال مكي: قال أبو عبيد: هو مشتق -أي: ملك- من (لأك) إذا أرسل، فالهمزة عين ولا قلب فيه، انظر (مشكل إعراب القرآن) 1/ 36، وقد أورد صاحب "اللسان" مادة (لأك) وتكلم عنها، ولم يذكر أنها مهملة، انظر "اللسان" (لأك) 7/ 3975.]] فردوه إلى (أَلَك) لما [[(لما) ساقطة من (أ)، (ج)، والسياق يقتضيها.]] وجدوا في الكلام: (الْمألَك) [[في (ب): (المألكه).]]، و (الْمَأْلُك) و (الْمَاْلُكة) في معنى الرسالة [[انظر "غريب القرآن"، لابن قتيبة 1/ 37، "الزينة" لأبي حاتم الرازي 2/ 160، 161، "الزاهر" 2/ 267، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36، "مفردات الراغب" ص 21، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 70، "اللسان" (ألك) 1/ 110.]]. ومعنى (أَلكَ) في اللغة: علك، يقال الخيل تَأْلُك اللجم، بمعنى: تعلُك، والرسالة سميت (أَلُوكا) لأن الإنسان يَأْلُكُها، ويدير الكلام في فيه، كما يَأْلُك الفرس اللجام [[ذكره الأزهري عن الليث، انظر: "تهذيب اللغة" (ألك) 1/ 184، وانظر "اللسان" (ألك) 1/ 110.]]. فعلى هذا (ملك) وزنه (مَفَل) [[بل الصواب وزنه (مَعَل) لأن المحذوف فاء الكلمة وهي الهمزة، انظر "البيان" 1/ 70.]]، وكان في الأصل [[(في الأصل) ساقط من (ب).]] (مَعْفَل)، لأنه مَلْأَك، هو مقلوب من [[في (ج): (عن).]] (مأْلَك)، وأوردوا أن يكون مفعلًا من (الألوك)، إلا أنهم قلبوا كما ذكرنا [[انظر: "المحكم" (ل أك) 7/ 69، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36، "البيان في غريب إعراب القرآن"، 1/ 70.]]. هذا قول عامة أهل اللغة والنحو في هذا الحرف [[في (ب): (الحروف).]]. وذهب بعض [[في (ب): (ذهب المتأخرون).]] المتأخرين من أصحاب أبي علي الفارسي وهو أبو القاسم الزجاجي إلى خلاف ما ذهب إليه هؤلاء فقال: قول من يقول: إن تركيب ملك من (م، ل، ك) أولى من قول من يقول: إنه (مَفْعَل) [[انظر: "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36، "البيان" 1/ 70، وقد رد ابن سيده القول == بأن الميم أصلية في (ملك)، انظر "المحكم" 7/ 47، 69، وانظر "اللسان" (لَأَك) 7/ 3975. والرد على هذا القول يرد في الكلام المكرر فيقول: (وقال بعض المتأخرين أصله (مَلك) كما هو الآن، وهو بمعنى المملوك ... فخالف بهذا القول جميع أهل اللغة، واحتج على ما ذهب إليه بما يطول ذكره) فلعل الواحدي أضرب عن كلامه الأول واعتمد الأخير. وهذا ولأبي القاسم الزجاجي قول يخالف هذا، قال في كتاب "اشتقاق أسماء الله": (وأما (الملك) واحد الملائكة، فليس من هذا، لأن ذاك أصله الهمز؛ لأن أصله (مَلْأَك) مَفْعَل من الأَلُوك وهي الرسالة ... فكان سبيله أن يقال: مَأْلَك، ثم قلب فقيل: (مَلْأَك) ثم استعمل بطرح الهمزة ....)، "اشتقاق أسماء الله" ص 45 وقول الزجاجي هذا يوافق الجمهور ويخالف ما نقل الواحدي عنه.]] من (الْأَلُوك) مقلوبًا، لأن (المَفْعَل) لا يكون حامل الرسالة، وهم يقولون: إنما قيل: (ملك) لحمله الرسالة، والذي يصلح من الأبنية له (فَاعِل) أو (فَعُول) [[في (ب): (مَفْعُول).]] أو (فَعِيل) أو (مُفْعَل) فأما (مَفْعَل) فإنه يصلح أن يكون موضعًا أو مصدرًا. وما يتركب من (م، ل، ك) هو في كلامهم الاستيلاء على الشيء وإجادته وإنعامه كملك الشيء وملك العجين، وإملاكه هو إنعام عجنه، ولا يصل إلى ذلك إلا بالاستيلاء عليه، وإملاك الرجل أن يجعله مالكًا لعقد النكاح، وكل شيء مكنت غيرك منه وجعلته له فقد أملكته [[في (ب): (أمكنته).]] إياه وملكته، وجميع ما يتركب من هذه الحروف راجع إلى ما ذكرنا، وهذا قد مر ذكره في قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: 4]. فـ (الْمَلكَ) [[في (ب): (والملك).]] اسم الجنس يقع على الواحد والجمع [[من جعل (مَلَك) هو الأصل فهو مفرد جمعه (فعائلة) وهو جمع شاذ كما قال العكبري في (الإملاء) 1/ 28، وقال أبو البركات ابن الأنباري: (مجيء هذا == الوزن في الجمع يدل على فساد قول من جعل (ملكاً) على وزن (فَعَل) لأن فَعَلاً لا يجوز أن يجمع فعائلة ...)، "البيان" 1/ 71.]]، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ [الحاقة: 17] وهو (فَعَل) في معنى مَفْعول، كالنشر والنقض والخبط. والله تعالى ذكره وإن كان قد ملك كل الخلق، فإنه أجرى هذه اللفظة على الجنس، لأنه [[في (ب): (لأنهم).]] وصفهم فقال: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 16] وبهذه الصفة يجب أن يكون [[(يكون) ساقطة من (ج).]] كُلٌّ مملوكاً [[في الأصل (مملوك) والتصحيح من المحقق.]]، فلما وجد فيهم [[في (ب): (منهم).]] المعنى الذي يجب أن يكون عليه المملوك من الطاعة سماهم (الملك)، ومثل هذا الاختصاص كثير نحو: (ناقة الله) و (بيت الله). قال [[أي الزجاجي.]]: وذكر ابن دريد في الجمهرة فقال: (ويجمع (الْملَكُ) أمْلاَكًا وَملاَئِك) [["جمهرة اللغة" 2/ 981.]]، وهذا قد أزال [[في (ب): (ارال).]] الخلاف لأن (أَفْعَالاً)، لا يجوز أن يكون جمع ما في أوله ميم زائدة. وحكى أبو القاسم الآمدي [[هو الحسن بن بشر الآمدي البصري المنشأ، إمام في الأدب، قدم بغداد وأخذ عن الحسن بن علي بن سليمان الأخفش، والزجاج، وابن دريد، وفاتهم سنة سبعين وثلاثمائة، انظر ترجمته في: "إنباه الرواة" 1/ 285، "معجم الأدباء" 2/ 469، "بغية الوعاة" 1/ 500.]] عن علي بن سليمان الأخفش [[هو علي بن سليمان بن الفضل، أبو الحسن، المعروف (د) (الأخفش الصغير) == سمع من ثعلب والمبرد، كان ثقة، توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة، انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" 11/ 433، "إنباه الرواة" 2/ 276، "معجم الأدباء" 4/ 126.]] أنه قال: جمع الملك: أَمْلَاك [[انظر كلام الأخفش في "الزينة" 2/ 162.]]. وحكي عن العرب (مالك الموت) في (ملك الموت) فلولا أنهم عرفوا أن الأصل فيه (م ل ك) ما عبروا عن (ملَك) بمالك. قال رويشد بن حنظلة [[خطأ الأكثرون هذا الشاعر، قال ابن سيده: (ورأيت في بعض الأشعار: مالك الموت في ملك الموت ...) ثم ذكر البيت، ثم قال: (وهذا عندي خطأ، وقد يجوز أن يكون من جفاء الأعراب وجهلهم، لأن ملك الموت مخفف عن (مَلْأك) ...) "المحكم" 7/ 47. وقال في موضع آخر: (فإنه ظن ملك الموت من (م ل ك) فصاغ (مالكا) من ذلك، وهو غلط منه، وقد غلط بذلك في غير موضع من شعره ... وذلك أنه رآهم يقولون: (ملك) بغير همز، وهم يريدون: (مَلْأَك) فتوهم أن الميم أصل، وأن مثال ملك (فَعَل): كَفَلَك، وسَمَك، وإنما مثال (ملك): (مَفَل) والعين محذوفة ألزمت التخفيف إلا الشاذ .. ومثل غلط رويشد كثير في شعر الأعراب الجفاة) "المحكم" 7/ 69. وعقد ابن جني في "الخصائص" بابا في أغلاط العرب، وذكر أبيات رويشد، ثم قال: (وحقيقة لفظه غلط وفساد ..)، "الخصائص" 3/ 273، 274، انظر: "اللسان" (لأك) 7/ 3975. وروشيد بن حنظلة لم أجد له ترجمة.]]: غَدَا مالِكٌ يَبْغِي نِسَائِي كَأَنَّمَا ... نِسَائِي لسَهْمَيْ مَالِكٍ غَرَضَانِ فَيَارَبِّ فَاتْرُكْ لِي جُهَيْمةَ [[في (ب): (جهينة) وهي رواية في البيت.]] أَعْصُراً ... فَمَالِكُ مَوْتٍ بِالْفِرَاقِ دَهَانِي [[ورد البيتان في "المحكم" 7/ 47،7/ 69، "الخصائص" 2/ 72، 3/ 273، "اللسان" (لأك) 7/ 3975.]] وهذا الشاعر ماتت نساؤه [[في (أ)، (ج): (نساه) وأثبت ما في (ب) لأنه الأولى.]] وأطال التزوج فلم تلبث [[في (ج): (يلبث).]] عنده واحدة، فهذا كما ترى سمى المَلَك: (مَالِكاً)، وأما البيت الذي أُنشد في (الْمَلْأَك) [[في (ب): (الملك) والبيت هو ما احتج به سيبويه وغيره من أهل اللغة والنحو وهو قول علقمة الفحل أو غيره: فَلَسْتَ لِإنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ. وقد سبق آنفاً.]] فليس فيه حجة قاطعة فإنه شاعر [[في (أ)، (ج): (لا شاعر) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.]] واحد، ولم يسمع (الْمَلْأَك) إلا في ذلك البيت الواحد، ولعله همز ما ليس أصله الهمز كما قالوا: (رمح يَزْأَنِيَّ) [[(يَزْأَنِيّ) نسبة إلى ذي يزن من ملوك حمير نسبت الرماح له لأنه أول من عملت له، والأصل (يَزَنِيُّ) و (أزَنِي) وبعضهم زاد الهمزة فقال: (يَزْأَنِي) انظر "اللسان" (يزن) 8/ 4956.]] فزادوا الهمز، وقالوا: (حَلَّأْتُ [[الأصل (حَلَّيْت السويق) أي جعلته حلوا وهمزه شاذ، انظر "سر صناعة الإعراب" 1/ 90، 420، "اللسان" (حلا) 2/ 983.]] السَّويق) وليس أصله الهمز، ومثله كثير. وأما الجمع فالملائك (فعائل) كالجمائل في جمع الجمل [[قوله (في جمع الجمل) ساقط من (ب). وقوله: (فعائل) هذا عند من يرى أن (الميم) في (ملك) أصلية، أما على قول الجمهور فجمعه (معافله) أو (مفاعلة)، انظر "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36، 37.]]. ويجوز أن يكون الملائك (مفاعلا)، وإن كان الواحد (فَعَلاً)، لأن باب الجمع ليس بمطرد ولا مقيس، ألا ترى أنهم قالوا في جمع القبح [[في (ب): (الفتح: مفاتح).]]: مقابح، وفي جمع الحسن: محاسن، وفي جمع الشبه: مشابه، وفي جمع العزف وهو اللهو معازف، وقالوا: أطعمني مطايب الجزور، لجمع [[في (أ)، (ج): (لجميع) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.]] طيب، وهذا باب واسع [[في (ب): (وهذا جمع واجب يتبع).]]. والأمر فيه عند المحققين أن كل لفظة من هذه الألفاظ التي وردت في الجمع مخالفة للقياس هي موضوعة للجمع من غير أن كُسِّر [[أي: جمع تكسير.]] عليها الواحد، فالمحاسن لفظة نابت [[في (ب): (ثابت).]] عن جمع الحسن، وكذلك [[في (ب): (وذلك).]] أشباهها، هذا كلامه وهو طويل وقد [[في (ب): (وهو).]] اختصرته [[يريد كلام أبي القاسم الزجاجي وسيأتي في المكرر إشارة له بقوله: (وقال بعض المتأخرين أصله (ملك) كما هو الآن ... فخالف بهذا القول جميع أهل اللغة، واحتج على ما ذهب إليه بما يطول ذكره) ولعل الواحدي ترك ذكر كلام الزجاجي مفصلا واكتفى عن ذلك بالإشارة إليه.]]. وحكي عن النضر بن شميل، أنه قال في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه وهو مما فات [[في (أ)، (ج): (مات) وما في (ب) موافق لما عند الثعلبي فقد نقل عنه الواحدي كلام النضر والتعليق عليه. "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ.]] علمه، فهذا الذي ذكرنا طرف من الكلام في أصل هذا الحرف [[في (ب): (هذِه الحروف).]] على مقدار ما يليق بهذا الكتاب (على [[قوله: (على صورة الماضي) .. من هنا إلى قوله: (واحتج على ما ذهب إليه بما == يطول ذكره) مكرر مع ما سبق، ولعل الواحدي لم يرض عن كلامه الأول فأعرض عنه ثم أعاد الكتاب فيه، غير أن النساخ أثبتوا كل ما كتبه، انظر التنبيه السابق ص 312.]] صورة المضي، لأن ما تحقق كونه، فهو بمنزلة ما قد كان، كقوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ﴾ [[سورة الأعراف: 44. وفي كلامه المكرر السابق أورد آيتين قال: (كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ ...)]] وأشباهه. وقال أبو عبيدة (إذ) في هذا الموضع [[هناك في المكرر قال: (هاهنا).]] زائدة. معناه: وقال ربك للملائكة. وأنكر الزجاج وغيره هذا القول، وهو [[كذا ورد في جميع النسخ وفي الموضع السابق: (وقالوا: إن الحرف ...).]] أن الحرف إذا كان مفيداً [[في (ب): (مقيدًا).]] معنى صحيحاً لم يجز إلغاؤه، قالوا: وفي الآية محذوف معناه: واذكر يا محمد إذ قال لربك. وقال الزجاج [[في كلامه المكرر السابق (أبو إسحاق).]]: إن الله جل ذكره ذكر خلق الناس [[في (ب): (السموات).]] في هذه الآية فكأنه قال: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك للملائكة. وعند غيره من المفسرين [[في الكلام المكرر: (وأكثر المفسرين). وتخريج الأقوال والتعليق عليها ذكر في الكلام السابق فلا أطيل بإعادته.]]: أن كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فالذكر فيه مضمر. و (الملائكة) [[تفسير لفظ (الملائكة) هنا مختلف عما سبق وأكثر اختصار منه.]]: الرسل واحدها مَلَك وأصله (مَأْلَك) وجمعها (مآلِك) [[(مآلك) جمع (مألك) على أصله قبل التغيير. قال الطبري: ولست أحفظ جمعهم كذلك سماعا، ولكنهم يجمعون: (ملائك وملائكة) "تفسير الطبري" 1/ 198، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36.]] ووزنه من الفعل (مَفْعَل) والهمزة فاء الفعل، واللام عينه ثم أخرت الهمزة بالقلب [[ويسمى قلبًا مكانيًا، انظر "مشكل إعراب القرآن" 1/ 36.]]، تأخيرهم للعين من (القوس) في جمعها حيث قالوا: (قُسِيّ) [[قال في "اللسان": (قُسي) و (قِسي) كلاهما على القلب عن (قُووس) وإن كان (قُووس) لم يستعمل استغنوا بقسيِّ عنه، فلم يأت إلا مقلوبا ...) "اللسان" (قوس) 6/ 3773.]] وقالوا: (شَمْأَل وشَأْمَل) [[في (أ) (شئمال وشأمل)، والصحيح ما أثبت كما في (ب) و (ج)، ومثله عند "الطبري"، وهو على القلب المكاني. انظر "تفسير الطبري" 1/ 198.]] كذلك هاهنا قلبت الهمزة. ثم خفف [[في (ج): (خففت).]] بالحذف فقيل: ملك وأصله من المأْلُكة والمَأْلَكَة [[(والمألكة) ساقطة من (ب).]] والألوك وهي: الرسالة، ويقال: ألِكْني [[في (ب): (اللي).]] إليه، أي: كن رسولي، وبلغ إليه رسالتي. قال لبيد: وغُلَامٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ ... بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ [[ورد البيت في (ديوان لبيد) مع شرحه: ص 178، "تفسير الطبري" 1/ 198، "المعاني الكبير" 1/ 410، 3/ 1238، "الزاهر" 2/ 267، "المحكم" (أَلك) 7/ 68، "الخصائص" 3/ 275، "المنصف" 2/ 104، "تفسير القرطبي" 1/ 224، "الدر المصون" 1/ 250، "إملاء ما مَنَّ به الرحمن" 1/ 27، "اللسان" (ألك) 1/ 110. يقول (أرسلت هذا الغلام أمُّه برسالة فأعطيناه ما طلب).]] وسميت الرسالة أَلوُكا، لأنه يؤلك في الفم، مشتقّاً [[كذا في جميع النسخ، ولعل الأولى (مشتق).]] من قول العرب: الفرس يألك [[في (ب): (تألك، وتعضه، وتمضع) بالتأنيث في المواضع الثلاثة.]] اللجام ويعضه بمعنى يمضغ الحديدة [[في (ب)، (ج): (الحديد).]]. ذكره الليث، قال: والمعروف: يَلُوك [["تهذيب اللغة" (ألك) 1/ 184.]]. وقال عبد بني الحسحاس [[هو سحيم عبد بني الحسحاس، أدرك الجاهلية والإسلام، ولا يعرف له صحبة، كان أسود شديد السواد وبنو الحسحاس: من بني أسد بن خزيمة. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص 258، "الخزانة" 2/ 102.]]: أَلِكني إليْهَا عَمْرَكَ اللهُ يَا فَتَى ... بآيةِ [[في (أ)، (ج): (كآية) وما في (ب) تفسير موافق لجميع المصادر التي ورد فيها البيت.]] مَا جَاءَتْ إليْنَا تَهَادِيَا [[ورد البيت في (ديوان سحيم): ص 19، و"الطبري" 1/ 198، "الخصائص" 3/ 274، "معجم مقاييس اللغة" 1/ 133، "مجمل اللغة" (ألك) 1/ 102، أساس البلاغة (ألك): ص 8، "الخزانة" 2/ 104. قوله: ألكني إليها: بلغها عني رسالة، والآية: العلامة، والتهادي: التمايل في المشي.]] وقال آخر، فردّ الملك إلى الأصل [[قوله: (فرد الملك إلى الأصل) ورد في (ب) بعد البيت وهذا أولى، والمعنى رد الملك إلى أصله وهو (ملأك).]]: فَلَسْتَ لإنسيٍّ ولكن لمَلأَكٍ [[في (أ) و (ج): (لها لا ك) وهو تصحيف يخالف رواية البيت المشهورة.]] ... تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ [[سبق تخريج البيت.]] وأصله مألك [[(مألك) قلبت الهمزة قلبًا مكانيًا، فوضعت مكان العين، ونقلت العين إلى الفاء وهي (اللام) فصار (ملأك) ثم خفف بحذف الهمزة، انظر (البيان في غريب إعراب القرآن) 1/ 70.]] فقلب الهمزة كما قالوا: شاك في شائك، ولاث في لائث [[انظر: "الكتاب" 3/ 466، 4/ 378، "سر صناعة الإعراب" 1/ 307.]]. ويقال في الجمع الملائكة والملائك، قال كثير: كَمَا قَدْ عَمَمْتَ المؤْمِنِينَ بِنَائِلٍ ... أَبَا [[في (ب): (اخالد).]] خَالِدٍ صَلَّتْ عَلَيْكَ المَلاَئِكُ [[ورد البيت في "المنصف" 2/ 103، "البحر" 1/ 127، "الدر المصون" 1/ 251، غير منسوب فيها كلها.]] هذا قول الجمهور من أهل اللغة [[انظر: "تهذيب اللغة" (ملك) 4/ 3449، (ألك) 1/ 184، "تفسير الطبري" 1/ 197، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 80، "مجاز القرآن" 1/ 35، "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ، "الكشاف" 1/ 371.]]. وقال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات [[في (ج): (من مات عليه) وكلام النضر ورد في "تفسير الثعلبي" قال: وهو مما فات عليه 1/ 60 أ. وقد سبق كلام النضر. وانظر التعليق عليه.]] علمه. وقال بعض المتأخرين [[هو أبو القاسم الزجاجي ذكره فيما سبق قال: (وذهب بعض المتأخرين من أصحاب أبىِ علي الفارسي، وهو أبو القاسم الزجاجي ...). والتعليق عليه هناك، حيث إن للزجاجي قولاً آخر يوافق الجمهور.]]: أصله ملك كما [[(كما) ساقطة من (أ) و (ج) والسياق يقتضيها.]] هو الآن وهو بمعنى المملوك يذهب [[(يذهب) ساقطة من (ب).]] فيه إلى أنه لله بمنزلة العبد لغيره، فهو (فَعَل) بمعنى مفعول كالنقض [[في (ب): (بالنقض).]] والخبط، فخالف بهذا القول جميع أهل اللغة واحتج على ما ذهب إليه بما يطول ذكره [[وقد سبق ذكر احتجاجه مفصلاً في الكلام السابق.]]. و (الخليفة) الذي يخلف الذاهب أي يجيء بعده، ويقال للسلطان: خليفة لأنه يخلف من قبله، يقال: خلف فلان مكان فلان، يخلف [إذا كان في مكانه [[أنظر: "تفسير الطبري" 1/ 199، "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ.]]. اللحياني: خلف فلان فلانا في أهله وفي مكانه يخلفه، [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] خلافة حسنة، وكذلك [[في "تهذيب اللغة" (ولذلك) 1/ 1089.]] قيل: أوصى له بالخلافة، ويقال: خلفني ربي في أهلي وولد في أحسن الخلافة [["تهذيب اللغة" (خلف) 1/ 1089.]]. وأصل الخليفة خليف بغير هاء، لأنه (فَعِيل) بمعنى: (فاعل)، كالعليم والسميع، فدخلت (الهاء) للمبالغة بهذا الوصف، كما قالوا: راوية [[وفي (ج): (رواية).]] وعلاَّمة [[انظر: "الزاهر" لابن الأنباري 2/ 241، "الصحاح" (خلف) 4/ 1356، "اللسان" (خلف) 2/ 1235.]]. وقال ابن السكيت: أما الخليفة فإنه وقع للرجال خاصة، وإن كان [[(كان) ساقط من (ب).]] فيه (الهاء)، ألا ترى أنهم قد جمعوه (خلفاء) كما يجمع فعيل. هذا فيمن ذَكَّر واستعمل المعنى، ومن أنث لتأنيث اللفظ قال في الجمع: (خلائف) [[انظر كلام ابن السكيت في "تهذيب اللغة" (خلف) 1/ 1090، وانظر: "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري: ص 565، "الزاهر" 2/ 242]]. وقد ورد التنزيل بها، قال الله تعالى: ﴿خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: 69]، وقال: ﴿خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [[سورة يونس: 14، وفي فاطر: 39.]] ويجوز تأنيث الخليفة على اللفظ كما قال: أَبُوك خَلِيفَةٌ وَلَدَتْه أُخْرى ... وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ ذَاكَ الكَمَالُ [[البيت استشهد به الفراء في "معاني القرآن" 1/ 208، ولم ينسبه، وورد في "الزاهر" 2/ 242، "والمذكر والمؤنث" لابن الأنباري: ص 565، ونسبه لـ (نُصيب) قال المحقق: ليس في شعره، وورد في "تهذيب اللغة" (خلف) 1/ 1090، "الصحاح" 4/ 1356، "اللسان" 2/ 1235، كلهم قالوا: أنشد الفراء. والشاهد فيه: قوله: (أخرى) فأنث لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر. قاله الفراء.]] قال ابن عباس وابن مسعود وابن زيد [[هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، بالولاء، مدني روى عن أبيه زيد بن أسلم، ضعيف. مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" 5/ 233، "تهذيب التهذيب" 2/ 507، "طبقات المفسرين" للداودي 1/ 271.]]: أراد بالخليفة آدم عليه السلام جعله خليفة لنفسه، يحكم بالحق في أرضه [[ورد ضمن آثار رويت عن ابن عباس وابن مسعود وابن زيد ذكرها الطبري في "تفسيره" بسنده، وقد علق الأستاذ محمود شاكر على هذِه الآثار بكلام طويل، محصلته أن الطبري استدل بهذِه الآثار لبيان معنى لفظ (خليفة) وتحقيق معناه، ولم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه، وقد رجح الطبري: أن المراد بالخلافة خلافة قرن منهم قرنًا غيرهم، وأن الذي يفسد ويسفك الدماء غير آدم. وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 451 - 453، وذكر نحوه ابن كثير في "تفسيره" 1/ 75 وساق الآثار على هذا.]]. وروي عن ابن عباس أنه قال: جعله خليفة عن الملائكة الذين كانوا سكان الأرض بعد الجن [[أخرج "الطبري" نحوه من طريق الضحاك عن ابن عباس، وقال شاكر: في إسناده ضعف. "تفسير الطبري" 1/ 450، وذكره ابن كثير من طريق ابن جرير "تفسير ابن كثير" 1/ 75، وأخرج الحاكم في مستدركه نحوه عن مجاهد عن ابن عباس، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. "المستدرك" 2/ 261.]]. قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض، وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن [[(الجن) ساقط من (ب).]] الأرض، فغبروا دهراً طويلاً في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن ورأسهم إبليس، وهم خزان الجنان، اشتق لهم اسم من الجنة، فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجن عن وجوهها إلى شعوب الجبال، وجزائر البحور، وسكنوا الأرض، وكانوا أخف الملائكة عبادة، لأن أهل السماء الدنيا أخف عبادة من الذين فوقهم، وكذلك أهل كل سماء، وهؤلاء الملائكة لما صاروا سكان الأرض خفف الله عليهم العبادة، وخلقت الملائكة كلها من نور غير هذا الحي [[في (ب): (الجن).]] الذين يقال لهم: الجن [[في "تفسير الطبري": (الحن) بالمهملة. قال شاكر في هامش "الطبري": في المطبوعة في موضعين (الجن) بالجيم وهو خطأ، يدل عليه سياق الأثر، فقد ميز ما بين إبليس، وبين الجن الذين ذكروا في القرآن .. والجن (بالجيم) أول من سكن الأرض، وإبليس جاء لقتالهم في جند من الملائكة ..) "تفسير الطبري" 1/ 455 (ط. شاكر).]]، فأحبوا [[في (ب): (واحبوا).]] البقاء في الأرض. كان الله تعالى قد أعطى إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنان، وكان يعبد الله عز وجل تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة، فأعجب بنفسه، وتداخله الكبر، فاطلع الله على ما انطوى عليه في الكبر، فقال له ولجنده: إني جاعل في الأرض خليفة [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" قال: (وقال المفسرون ... ثم ذكره)، "تفسير الثعلبي" 1/ 60 أ، ب، ولعل الواحدي نقل عنه. وإن مما أخذ على الثعلبي في "تفسيره" أنه حاطبُ ليل جمع فيه الضعاف والإسرائيليات، ولقد تأثر الواحدي به ونقل عنه في، بعض المواضع. وحول ما أورده الواحدي هنا ورد أثر عن ابن عباس، أخرجه الطبري، قال شاكر في تعليقه عليه. (.. لم يروه لاعتماد صحته، بل رواه لبيان أن قول الله سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ إنما هو خطاب فيه لفظ العموم للملائكة ..) "تفسير الطبري" 1/ 201. وأورد الأثر ابن كثير وقال: (هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر، يطول مناقشتها، وهذا الإسناد إلى ابن عباس يُرْوى به تفسير مشهور)، "تفسير ابن كثير" 1/ 76. ومثل هذِه القضايا يجب الاعتماد فيها على النص من الكتاب، أو من السنة الصحيحة، وهي من المواطن التي كثر النقل فيها عن الإسرائيليات، وليت كتب التفسير صينت عن مثل هذِه القصص والروايات.]]. وإخبار [[في (ب): (واختار).]] الله تعالى الملائكة بهذا يكون على جهة البشارة لهم بمكان آدم كما جرت به سنته بالبشارة بالأنبياء قبل خلقهم وقبل إرسالهم [[أنظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 74.]]. ولا يكون ذلك [[في (أ)، (ج): (على ذلك جهة) وأثبت ما في (ب)، لأنه أصح لاستقامة السياق.]] على جهة المشاورة معهم [[أورد ابن أبي حاتم في "تفسيره" أثرًا منكرا عن السدي، وفيه: (فاستشار الملائكة في خلق آدم) قال المحقق: هذا خبر منكر، انظر "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 76. وأورده ابن كثير في تفسير، وقال: وهذِه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الإخبار == ففيها تساهل، وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جرير أحسن. "تفسير ابن كثير" 1/ 75. عبارة الحسن وقتادة: إني فاعل، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 205.]]، لامتناع المشاورة في وصفه، لوجوب كونه عالماً لا يخفى عليه شيء. وقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. قال الفراء [[أنظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 44، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 60 ب.]]: أراد: فقالوا فحذف فاء النسق كقول الشاعر: لمَّا رَأَيْتُ نَبَطاً أَنْصَارَا شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِي الإزَارَا كُنْتُ لَهْمْ مِنْ النَّصَارى جَارَا [[أنشد الفراء الرجز ونسبه لبعض الأعراب "معاني القرآن" 1/ 44، وأورده "الطبري" في "تفسيره" 1/ 318، والثعلبي 1/ 60 ب، وهو في "الزاهر" 1/ 225، "تفسير الماوردي" 1/ 132، "تفسير القرطبي" 1/ 369، "الدر المصون" 1/ 407.]] أي: فكنت لهم. واختلفوا [[في (ب): (فاختلوا).]] في قول الملائكة: (أتجعل فيها) على أي وجه حصل منهم هذا: فروي أن الذين قالوا هذا عشرة آلاف من الملائكة، فأرسل الله [[لفظ الجلالة غير موجود في (ب).]] عليهم نارا فأحرقتهم [[هذا الكلام ورد في رواية منكرة غريبة أخرجها ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه. قال المحقق: (منكر غريب)، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 78. وذكرها ابن كثير عن ابن أبي حاتم، وقال: (إسرائيلي منكر)، "تفسير ابن كثير" 1/ 76.]]. وقال بعض أهل المعاني: فيه إضمار واختصار، معناه: أتجعل فيها من يفسد فيها [ويسفك الدماء؟ أم تجعل فيها من لا يفسد فيها] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ولا يسفك الدماء؟ كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر:9]، يعني كمن هو غير قانت [[هذا المعنى ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 60 ب.]]، وكقول أبي ذؤيب: عَصَيْتُ إليْها القَلْبَ إِنِّي لِأَمْرِهَا ... مُطِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا [[سبق ذكر البيت وتخريجه وشرحه في: 2/ 55.]] أراد: أرشد [[في (ب): (رشد).]] أم غي، وعلى هذا فالملائكة أرادوا بالاستفهام أن يخبروا بما لا يعلمون، ولم يذهبوا إلى الإنكار والاعتراض [[في (أ): (ولاعتراض).]]، فقال الله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [[ذكر نحوه الطبري ورجحه. انظر: "تفسير الطبرى" 1/ 209 وهو قريب من قول الزجاج الآتي ذكره، انظر: "معاني القرآن" 1/ 76، وانظر. "زاد المسير" 1/ 60، "تفسير القرطبي" 1/ 135.]]، لم يطلعهم على صفة أولاد آدم. ولم يبين لهم أنه يريد أن يخلق من يفسد أو لا يفسد [[رجح الطبري أن الله أطلع الملائكة على ما يكون من ولد آدم، لأن ذلك يفهم من السياق، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 210.]]. وقيل: لما قال الله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أشكل على الملائكة أن الخليفة ممن يكون، قالوا: يا ربنا أتجعل في الأرض خليفة كما كان بنو الجان مفسدين؟ أم تجعل خليفة من الملائكة؟ فإنا نسبح بحمدك، فلم يطلعهم الله على ذلك، فقال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي [[في (ب): (إذ فيهم).]]: أن فيهم المطيع والعاصي جميعاً [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 209، "تفسير الثعلبي" 1/ 60 ب، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 76، "تفسير القرطبي" 1/ 235.]]. وقال الزجاج حكاية عن غيره: المعنى في هذا هو [[(هو) ساقط من (ب). ولفظ الزجاج: (وقال قوم: المعنى فيه غير هذا وهو أن الله .. إلخ) والزجاج ذكر قبل هذا القول الذي يرتضيه، وسيورده الواحدي فيما بعد، كما سيأتي، انظر: "معاني القرآن" 1/ 76.]]: أن الله أعلم الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة، أن الخليفة [[كذا في جميع النسخ وفي "معاني القرآن" (بالقاف) في الموضعين.]] فرقة من بني آدم [تسفك] [[في (أ) و (ج): (يسفك)، و (ب) غير معجم، وفي "معاني القرآن" (تسفك) 1/ 76.]] الدماء، وأن الله أذن للملائكة أن يسألوه عن ذلك، وكان [[(الواو) ساقطة من (ج).]] إعلامه إياهم هذا زيادة في التثبيت [[في (أ) و (ج): (التثبت)، وما في (ب) موافق لما في "معاني القرآن" 1/ 76.]] في نفوسهم أنه يعلم الغيب، وكأنهم قالوا: أتخلق [[في النسخ: (الخلق)، تحريف، والصواب ما أثبتنا من "معاني القرآن".]] فيها قوماً يسفكون الدماء ويعصونك، وإنما ينبغي إذا عرفوا أنك خلقتهم أن يسبحوا بحمدك كما نسبح، ويقدسوا كما نقدس، ولم يقولوا هذا إلا وقد أذن لهم، لأن الله تعالى وصفهم بأنهم يفعلون ما يؤمرون [[انتهى كلام الزجاج، انظر: "المعاني": ص 77.]]. فإن قيل: فأين إخبار الله بذلك للملائكة فإنا لا نراه في القرآن؟ قيل: هو محذوف مكتفى بدلالة الكلام عليه، كأنه قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) يكون من ولده إفساد [[(إفساد) مكرر في (أ) و (ج).]] في الأرض، وسفك للدماء [[في (ب): (الدماء).]]، فحذف هذا اكتفاء [[في (أ) و (ج): (اكتفى) وأثبت ما في (ب)، لأنه هو الأصوب.]] بما دل عليه من جواب الملائكة، كما قال الشنفرى [[الشنفرى: شاعر جاهلي من الأزد، والشنفرى اسمه، وقيل: لقبه ومعناه: العظيم الشفة، انظر: "الخزانة" 3/ 343، "الأعلام" 5/ 85.]]: فَلَا تَدْفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ ... عَلَيْكُمْ ولكن خَامِري أُمَّ عَامِرِ [[البيت قاله الشنفرى الأزدي في قصة طويلة انظر تفاصيلها في "الخزانة" 3/ 344 - 348، ويروى البيت (لا تقتلوني)، (إن قبري)، (ولكن أبشري) وفي "ذيل الأمالي" (لا تقتلوني)، (إن قتلي). وأم عامر: كنية الضبع و (خامري) أي استتري، يريد دنو الضبع مستخفية ملازمة لمكانها حتى تخالط القتيل فتصيب منه. والمعنى: يقول لا تدفنوني بعد قتلي واتركوني للتي يقال لها (أم عامر). ورد البيت في "تفسير الطبري" 1/ 210، "الحماسة بشرح المرزوقي" 2/ 487، "الشعر والشعراء" ص 31، "ذيل الأمالي" للقالي 3/ 36، "الخزانة" 3/ 327.]] أراد: ولكن دعوني للتي يقال لها إذا أريد صيدها: خامري أم عامر، فحذف [[السؤال الذي ذكره الواحدي والإجابة عنه، ورد عند الطبري في "تفسيره" 1/ 210.]]. قال الزجاج: ويجوز أن يكون هذا القول من الملائكة على وجه استعلام وجه الحكمة، لا على الإنكار. معناه: كيف تجعل في الأرض من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبحك الآن إذ أجليناهم [[في (ب): (اخليناهم).]] وصرنا سكانها، فأخبِرْنا [[في (ب): (فأضرها).]] وجه الحكمة فيه [[نقل الواحدي كلام الزجاج بمعناه، ومنه قوله: (روي أن خلقًا يقال لهم: (الجان) كانوا في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء. فبعث الله ملائكته فأجلتهم من الأرض، وقيل: إن هؤلاء الملائكة صاروا سكان الأرض بعد الجان .. إلخ) وهذا يوضح قول الواحدي: (ونحن نسبحك الآن إذ أجليناهم وصرنا سكانها). "معاني القرآن" للزجاج 1/ 76.]]. وقال ابن عباس وأكثر المفسرين: إن الله تعالى لما اطلع على كبر إبليس قال للملائكة الذين كانوا معه: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فقالت [[في (ب): (فقال).]] الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيهما كما فعل [[في (ب): (فعلوا).]] بنو الجان، قاسوا بالشاهد على الغائب [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 60 ب.]]، فقال الله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من كبر إبليس واغتراره بفعله، ثم لما ظهر من أمر إبليس ما ظهر وعجزت هؤلاء الملائكة عن [[في (ب): (من).]] الإخبار عن أسماء الأشياء اعترفوا بالعجز، وقالوا: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [[ورد نحوه في رواية طويلة عن ابن عباس ساقها "الطبري" في "تفسيره"، وعلق عليها بأن الرواية أفادت أن القائل ذلك خاص من الملائكة وليس كلهم. وقد أخذ محمود شاكر من تعليق الطبري: أن الطبري لم يروه لاعتماد سنده وإنما لبيان أن الخطاب لبعض الملائكة، وأن قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ لم يكن عن علم بالغيب عرفوه، بل كان ظنا ظنوه). انظر: "تفسير الطبري" 1/ 455 - 458، "تفسير أبي الليث" 1/ 108، "الدر المصون" 1/ 45.]] ومع وضوح هذه الأقوال فإن ظاهر الخطاب يدل على أنه شق على الملائكة خلق الخليفة لأنهم لما سكنوا [[في (ب): (اسكنوا).]] الأرض خفت عنهم العبادة كما ذكرنا، فخافوا أن يردوا إلى السماء فتثقل عليهم العبادة فلهذا شق عليهم خلق الخليقة [[اعتمد الواحدي في هذا على ما ذكره شيخه الثعلبي في "تفسيره" 1/ 60 ب. وورد نحوه عند أبي الليث في "تفسيره" 1/ 108. وهذا لا يتناسب مع منزلة الملائكة == وما ذكره الله عنهم بقوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6]. والأرجح في معنى الآية: أن الملائكة قالت ذلك على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 221.]]. وقوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾. معنى التسبيح: تنزيه الله من كل سوء، وقد يكون بمعنى الصلاة، ويقال: سبح لله [[في (ب): (الله).]] أي صلى لله [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 221، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 77، "القرطبي" في "تفسيره" 1/ 236، "زاد المسير" 1/ 61.]]. قال الحسن: معناه: يقول سبحان الله وبحمده [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 60 ب.]]. قال الأزهري [["تهذيب اللغة" (سبح) 2/ 1609. نقل كلامه بتصرف.]]: أجمع المفسرون وأهل المعاني: أن معنى [[في (ب): (على أن المعنى). وقوله: (أجمع المفسرون وأهل المعاني) ليس في "تهذيب اللغة".]] تسبيح الله، تنزيه الله وتبرئته عن السوء. قال: وأصل التسبيح [[(التسبيح) ساقط من (ج).]] في اللغة، التبعيد من قولك: سبحت في الأرض، إذا تباعدت فيها، ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، فكل من أثنى على الله وبعّده من السوء، فقد سبح له [[في (ب): (فقد سبح الله).]] ونزهه. وقال بعض أهل المعاني: معنى قوله: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ نتكلم بالحمد لك، والنطق بالحمد لله تسبيح له، كما قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى:5] وقال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [النصر:3] أي: احمده، ويكون حمد الحامد لله تسبيحا له، لأن معنى الحمد لله: الثناء عليه والشكر له، وهذا تنزيه له واعتراف بأنه أهل لأن ينزه [[في (ج): (ينزهه).]]، ويعظم، ويثنى عليه [[نحوه في "تفسير الطبري" 1/ 211، "زاد المسير" 1/ 61، "تفسير القرطبي" 1/ 237.]]. ومعنى قول القائل (سبحان الله): براءة الله من السوء [[انظر: "الكتاب" 1/ 324، "تهذيب اللغة" (سبح) 2/ 1609.]] وتنزيهه، وكثر لفظ (سبحان الله) في كلامهم، سيما عند التعجب، حتى صار كلمة للتعجب، قال الأعشى: أَقُولُ لمّا [[في (ج): (لمن).]] جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ [[(من) ساقطة من (ب).]] عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ [[البيت للأعشى ضمن قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة العامري، ويمدح عامر بن الطفيل، لما تنازعا في الجاهلية على الرياسة في بني كلاب. وقد مات عامر مشركًا، وأسلم علقمة، ولهذا ورد أن النبي ﷺ نهى عن رواية القصيدة. يقول: أقول لما جاءني فخر علقمة على عامر: (سبحان من علقمة الفاخر)، أي أتعجب، سبحان الله منه، كذا خرجه بعضهم، وبهذا المعنى استشهد الواحدي به، وخرجه ابن فارس: بمعنى: ما أبعده، وبعضهم قال معنى (سبحان) في البيت: البراءة والتنزيه، وللراغب في "مفرداته" أقوال أخرى: ص 221. ورد البيت في "الكتاب" 1/ 324، "مجاز القرآن" 1/ 36، "المقتضب" في "تفسيره" 3/ 218، "مقاييس اللغة" (سبح) 3/ 125، "الزاهر" 1/ 144، و"الطبري" 1/ 211، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 78، "مفردات الراغب": ص 221، "الخصائص" 2/ 197، 435، "شرح المفصل" لابن يعيش 1/ 37، 120، "الديوان": ص 93.]] أي تعجب منه. ونحو هذا قال الزجاج في معنى: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ قال: نبرئك من السوء [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج: ص 77.]]. ويأتي بقية القول في معنى (سبحان) [[في (ج) (سبحانا).]] عند قوله: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا﴾ [البقرة: 32]. وقوله تعالى: ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [[(الواو) ساقطة من (ب).]]. أي: نطهرك وننزهك عما لا يليق بك من النقص. و (اللام)، فيه صلة [[ذكره الثعلبي 1/ 61 أ، وأجاز العكبري في (اللام) أن تكون بمعنى: لأجلك، أو زائدة أو تكون معدية للفعل مثل الباء، "الإملاء" 1/ 28.]]. و (التقديس): التطهير، والقدس: الطهارة، والبيت المقدس: المطهر [[انظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 78، "تهذيب اللغة" (قدس) 3/ 2900، "تفسير الثعلبي" 1/ 61 أ.]]. قال الزجاج: ومن هذا قيل للسطل: قدس، لأنه يتقدس منه، أي يتطهر [["شرح أسماء الله الحسنى" للزجاج: ص 30، وانظر "تهذيب اللغة" 3/ 2900، "اللسان" (قدس) 6/ 3549.]]. قال غيره [[هو الليث كما في "تهذيب اللغة" (قدس) 3/ 2900.]]: والقُداس هو [[(هو) ساقط من (ب).]] الجمان [[في (ب): (الجمال). والجمان: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ، وقيل: خرز يُبَيَّض بماء الفضة. "اللسان" (جمن) 2/ 689.]] من فضة، لأنه أبيض نقي. قال الشاعر في وصف الدموع: كَنَظْمِ قُدَاسٍ سَلْكُهُ مُتَقَطِّعُ [[صدره كما في "اللسان": تَحَدَّرَ دَمْعُ العَيْنِ مِنْهَا فَخِلْتُه يصف تحدر دمعة العين بنظم القُدَاس إذا انقطع سلكه، والبيت غير منسوب، ذكره الأزهري في "التهذيب" (قدس) 3/ 2900، والجوهري في "الصحاح" (قدس) 3/ 961، وابن فارس في "مجمل اللغة" (قدس) 1/ 745، "مقاييس اللغة" (قدس) 5/ 64، وورد في "اللسان" (قدس) 6/ 3550.]] قال أبو علي الفارسي: معنى نقدس لك: ننزهك عن السوء، فلا [[في (ب): (ولا).]] ننسبه إليك، و (اللام) فيه على حدها في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: 72] لأن المعنى تنزيهه، وليس المعنى أن ينزه شيء من أجله. فأما قولهم: (بيت المقدس) وقول الراجز: الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ القَادِسِ [[ورد في "الحجة" لأبي علي بدون نسبة "الحجة" 2/ 152. ولم أجده في غيرها.]] يدل على أن الفعل قد استعمل من التقديس، بحذف الزيادة، فإذا كان كذلك، لم يخل (المَقْدِس) من أن يكون مصدرا أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [[سورة الأنعام: 60، ويونس: 4. وفي (الحجة): (كقوله: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾)، (الحجة) 2/ 152. وهي جزء من آية في سورة آل عمران: 55، والعنكبوت: 8، ولقمان: 15.]] ونحوه من المصادر، والتي [[(والتي) كذا وردت في جميع النسخ والأولى حذف الواو كما في "الحجة" 2/ 152.]] جاءت على هذا المثال. وإن كان مكاناً، فالمعنى: بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، كما جاء ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ [[في الآيه تصحيف في (ب): (طهر) بدون (ألف)، وفي (ج): (طهري)]] [البقرة: 125]. انتهى كلامه [[أي كلام أبي علي، نقله بتصرف، انظر: "الحجة" 2/ 151، 152.]]. فعلى قول أبي علي (اللام) في (لك) صلة [[وهو قول الثعلبي كما مر قريبًا وذكر العكبري فيها أقوالًا أخرى، انظر: "الإملاء" ص 706، تعليق رقم 5.]]. وقال أبو إسحاق: معنى: (نقدس لك) أي نطهر أنفسنا لك. قال: ومن هذا: البيت المقدس، أي: البيت المطهر، وبيت المقدس أي بيت المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب [[انظر كلام الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 78، ليس فيه قوله: (البيت المقدس) أي (البيت المطهر).]]. فعلى هذا (اللام) لام أجل [[وبه أخذ العكبري، انظر: ص 706، تعليق 5، وانظر "الإملاء" "تفسير الطبري" 1/ 211، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 231.]]، أي نطهر لأجلك قلوبنا من الشرك، وأبداننا من المعصية. وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾. قال ابن عباس: يعني من إضمار إبليس العزم على المعصية، وما اطلع عليه من كبره [[أخرجه "الطبري" بسنده من طريق الضحاك، "تفسير الطبري" 1/ 212، وانظر "تفسير ابن عطية" 1/ 232، "الدر" 1/ 95، "زاد المسير" 1/ 61.]]. وقال ابن مسعود: ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ مما يؤول إليه أمر إبليس [[أخرجه "الطبري" من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود، وعن أبي صالح عن ابن عباس 1/ 212، وأخرج ابن أبي حاتم نحوه 1/ 79، وانظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 232.]]. وقال قتادة [[أخرجه الطبري بسنده عن سعيد عن قتادة. "تفسير الطبري" 1/ 213، وأخرجه ابن أبي حاتم 1/ 79 - 80، قال المحقق: ضعيف، ولكن أخرجه "الطبري" من طريق آخر 1/ 284، وذكره ابن كثير في "تفسيره" 1/ 74، وانظر ابن عطية 1/ 233، "الدر" 1/ 96، "زاد المسير" 1/ 62.]]: ﴿أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أنه يكون في أولاد آدم من هو من أهل الطاعة. وقال الزجاج: معناه أبتلي من تظنون أنه مطيع فيؤديه الابتلاء إلى المعصية، ومن تظنون أنه عاص فيؤديه إلى الطاعة [[ذكر كلام الزجاج بمعناه. انظر: "معاني القرآن" 1/ 77، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 62.]]. وقيل: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من تفضيل آدم عليكم، وما أتعبدكم به من السجود له، وأفضله به عليكم من تعليمي الأسماء، وذلك أنهم قالوا فيما بينهم: ليخلق ربنا ما يشاء، فلن يخلق خلقاً أفضل ولا أكرم عليه منا [[لم أجد هذا القول فيما اطلعت عليه من كتب التفسير، والله أعلم.]]. وفتح أبو عمرو وابن كثير (الياء) في قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ [البقرة: 30]، ﴿إِنِّي أَرَى﴾ [[سورة الأنفال: 48، وسورة يوسف: 43، وسورة الصافات:102.]] عند الهمزة المفتوحة. وزاد أبو عمرو عند الهمزة المكسورة، مثل: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [[سورة يونس: 72، سورة هود: 29، وسورة سبأ: 47.]]. وزاد نافع عند المضمومة، مثل: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ﴾ [الأعراف: 156]، ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ﴾ [المائدة: 115]، ﴿إِنِّي أُرِيدُ﴾ [[(إني) ساقط من (ب). سورة المائدة: 29، والقصص: 27. == اختلف القراء في حكم (ياء المتكلم)، فقرأ بعضهم بفتحها، وبعضهم بتسكينها، ولهم أصول في ذلك، ولكنها لا تطرد في كل موضع، لهذا نجد من ذكر أصولهم في (ياء المتكلم) يقول: ونذكر ما شذ عن هذا في موضعه. فعند أبي عمرو: كل ياء مكسور ما قبلها، إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مكسورة يفتحها. أما ابن كثير فيوافقه في بعضها، ويخالفه في بعضها فيسكنها. أما نافع فإنه يفتح هذِه الياء إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وقد اختلف في بعض هذِه الحروف عنه. أما بقية (السبعة): وهم حمزة، والكسائي، وعاصم، وابن عامر، فأصلهم فيها الإسكان، وروي عنهم مواضع بالفتح. والياء في قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ﴾ قرأ بفتحها في الوصل أبو عمرو وابن كثير ونافع من (السبعة). انظر: "السبعة" لابن مجاهد: ص 152، "الحجة" لأبي علي 1/ 411، "الكشف" لمكي 1/ 324، "تحبير التيسير": ص 79، "البدور الزاهرة": ص 28.]]. وحجتهم في ذلك [[أي حجة من قرأ بالفتح، والكلام منقول من "الحجة" بتصرف 1/ 414.]] أن هذه (الياء) أصلها الحركة، لأنها بإزاء الكاف للمخاطب، فكما فتحت الكاف، كذلك تفتح (الياء). فإن قيل: إن الحركة في حروف اللين مكروهة؟ قيل: الفتحة من بينها [[(بينها) ساقطة من (ج).]] لا تكره، وإن كرهت الضمة والكسرة، ألا ترى أن (القاضي) ونحوه يحرك بالفتح [[أي أن الاسم الذي آخره (ياء) مكسور ما قبلها لا يدخله جر ولا رفع لثقل ذلك، يدخله الفتح، ولذلك بني على الفتح، انظر "المقتضب" 4/ 248.]]، كما يحرك [[في (ج): (تحرك).]] سائر الحروف التي لا لين لها [[في (ج): (فيها) وهذا موافق لما في "الحجة" 1/ 414.]]، ألا ترى أن (غواشي) [[كذا في جميع النسخ وفي "الحجة": (.. أن الياء في (غواش) ..) 1/ 414، قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: 41].]] تجري في النصب مجرى مساجد ونحوه [[في (ج): (ونحوها). والمراد أن (الياء) تثبت في (غواش) في حالة النصب، انظر: "الحجة" 1/ 414.]] من الصحيح. وقد اتفقوا أيضًا على تحركها بالفتح، إذا سكن ما قبلها، نحو بشراي [[(ب): (براى).]] وغلامي وقاضيّ، ورأيت غلاميّ [[الياء في (قاضي) ورأيت غلامي (مشددة) والأولى منهما ساكنة فتفتح (الياء) الثانية انظر: "الكتاب" 3/ 414، 4/ 187.]]، فاجتماعهم على تحريكها بالفتح [[في (ب): (نحو في هذا النحو).]] في هذا النحو يدل على أن ذلك أصلها إذا تحرك ما قبلها [[انتهى من بيان حجة من قرأ بفتح الياء في قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ والكلام من "الحجة" بتصرف 1/ 414. وانظر: "الحجة" لابن خالويه: ص 74، "الكشف" لمكي 1/ 324، "البيان" لابن الأنباري 1/ 720.]]. وأما [[في (ب): (وإنما من).]] من أسكن هذه (الياءات) فحجته أن الفتحة مع (الياء) قد كرهت في [[في (ب): (بالكلام).]] الكلام، كما كرهت الحركتان [[في (ب): (الحركات). والحركات: هما الضمة والكسرة.]] الأخريان فيها، ألا ترى أنهم قد أسكنوها في الكلام في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة، كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين [[في (أ) و (ج): (الأخرين) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح وموافق لما في "الحجة" 1/ 415.]]، وذلك قولهم: (قالي قلا) [[(قالي قلا) اسم مدينة بأرمينة، سميت باسم امرأة ملكتهم وبنت تلك المدينة وإليها ينسب بعض العلماء كالقالي، انظر: "معجم البلدان" 4/ 299.]]، و (بادي بدا) [[قال الجوهري: أفعل ذاك بادئ بدء، وبادي بديٍّ، أي أولا، وأصله الهمزة، وإنما ترك لكثرة الاستعمال ... ، وهما اسمان جعلا اسما واحدا مثل: معد يكرب، وقالي قلا. "الصحاح" (بدا) 6/ 2279، وانظر: "اللسان" (بدا) 1/ 234.]]، و (معد يكرب) [[في (أ)، (ج): (معدي).]] و (حيري [[في (ب): (حرى).]] دهر) [[ومنه قول العرب (لا أفعل ذلك حيري دهر). أي: أبداً. انظر "الكتاب" 3/ 307.]]. و (الياء) في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر أول الاسمين، نحو: (حضر موت) و (بعلبك) وقد أسكنت كما أسكنت في الجر [[في (ب): (الخبر).]] والرفع [[يقول: إن الأسماء المركبة مثل (قالي قلا) مما آخر الاسم الأول (ياء) فالياء تسكن، لأنها في وسط الاسم، ولأنها لو كانت معربة بالجر أو الرفع سكنت، كما تقول: (مررت بالقاضي). وكان ينبغي في هذِه الياء أن تفتح، كما فتح آخر الاسم الأول من المركب نحو (حضرموت) والذي جعل الاسمان فيه كاسم واحد، لأن الحركة تستثقل عليه، والفتح أخف الحركات، ولما ثقلت الفتحة على الياء لم يبق بعد الفتح إلا السكون. انظر: "الكتاب" 3/ 304، 305، "المقتضب" 4/ 21، "البيان" 1/ 72.]]. ومما يؤكد الإسكان فيها أنها مشابهة [[في (ب): (متشابهه).]] للألف، والألف تسكن [[في (أ): (سكن) وفي (ب): (يسكن) وما في (ج) أصح في السياق وموافق لما في "الحجة" 1/ 416.]] في الأحوال الثلاث [[في (ب): (السبت).]]، كذلك (الياء) تسكن. والدليل على شبه (الياء) الألف قربها منها في المخرج، وإبدالهم إياها منها في نحو (طائيٍّ) و (حاريٍّ) في النسب [[في (ب): (النسبة).]] إلى (طيئ) [[قال سيبويه: ولا أراهم قالوا: طائي إلا فرارا من (طيئي) وكان القياس (طيئي) ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء. "الكتاب" 3/ 371.]] و (الحيرة) وقوله: لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا [[البيت لأعرابي، ونسبه أبو زيد لراجز من حمير، يخاطب به عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- وقبله: يَابنَ الزُّبَيْرِطَالَمَا عَصَيْكَا ... وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا والشاهد (قفيكا) حيث أبدل الألف ياء مع الإضافة للضمير، والأصل قفاكا، وبعضهم يجعله من ضرورة الشعر. وردت الأبيات في "النوادر": ص 347، "الحجة" 1/ 416، "المسائل العسكرية" لأبي علي ص 158، "أمالي الزجاجي": ص 236، "المحكم" 6/ 354، "سر صناعة الإعراب" 1/ 285، "الخزانة" 4/ 428.]] كثر إسكان (الياء) في [[(في) ساقطة من (ب).]] موضع النصب في الشعر لهذه المشابهة [[أي مشابهة الياء للألف.]]، حتى ذهب بعضهم إلى استجازته في الكلام [[انتهى ما نقله المؤلف عن "الحجة" لأبي علي 1/ 415 - 417. في حجة من أسكن الياء في قوله: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ﴾ وانظر "الحجة" لابن خالويه: ص 74.]]. فأما حجة أبي عمرو حيث لم يفتح عند المضمومة، وفتح عند المفتوحة والمكسورة [[مر بنا أن أبا عمرو يفتح (الياء) إذا وقع بعدها همزة مفتوحة أو مكسورة، ويسكنها إذا وقع بعدها همزة مضمومة.]]، هي: أن الهمزة قد فتحت لها [[في (ب): (قد فتحت لما لم تكن تفتح)، وفي "الحجة" (فتح لها ما لم يكن يفتح ..) 1/ 417. وهو الصواب.]] ما لم يكن يفتح لو لم تجاور الهمزة، ألا ترى أنهم فتحوا نحو: (يقرأ ويبرأ) ولولا الهمزة لم يفتح شيء من ذلك. فإذا فتحت لها ما لم [[في (ب): (ما لا يفتتح) ومثله في "الحجة" 1/ 417.]] يفتح إذا لم تجاور [[في (ب): (يجاوز)، وفي "الحجة": (يجاور) 1/ 417.]] الهمزة، فأن يفتح لها ما قد يفتح مع غيرها أحرى. والمفتوحة والمكسورة [[في (ب): (من المكسورة).]] سيّان [[في (أ): (شيان) وفي (ب): (سان) وأثبت ما في (ج)، لأنه أصوب وموافق للحجة 1/ 417.]] في إتباع (الياء) لها في التحريك بالفتح، ألا ترى أنهم قد غيروا للهمزة [[في (ب): (الهمزة).]] المكسورة الحرف [[في (ب): (للحرف).]] الذي قبلها، فقالوا: (الضِّئين) [[في (أ)، (ب) (الصيئن) وأثبت ما في (ج)، لأنه هو الصواب وموافق لما في (الحجة) 1/ 417.]] في جمع [الضَّائِن] [[في جميع النسخ (الضان) وفي (الحجة) (الضائن)، قال في "الصحاح": (الضائن) خلاف الماعز والجمع (الضأن) وقد يجمع على (ضئين) "الصحاح" (ضائن) 6/ 2153.]]، و (صأى صِئِيَّا [[في (أ). (صآ. صئيا) وفي (ب): (صاصا) وفي (ج): (صاصيا) وفي (الحجة): (صأي، صئيا)، "الحجة" 1/ 417. و (الصِّئي) مثلثة: صوت الفرخ، والفيل والخنزير والفأر كلها تَصْأَى صِئِيّاً، انظر: "تهذيب اللغة" (صآ) 2/ 1955، "القاموس" (صأي): ص 1301.]] ولم يفعلوا ذلك في (رؤوف) وكذلك لم تفتح (الياء) قبل الهمزة المضمومة [[كما في قوله تعالى: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾ [الأعراف: 156].]] كما فتحت قبل المفتوحة والمكسورة [[(الواو) ساقطة من (ب).]]. فإن قيل: إن ما ذكرته من التغيير للهمزة المفتوحة والمكسورة إنما جاز في المتصل نحو (يقرأ) و (يبرأ) و (الضَّئين) و (الضَّئِي) [[(الضئي) كذا وردت في (أ، ج) وكذا في "الحجة" 1/ 418، وفي (ب): (الضبي) ولم أعرف المراد به، والمعروف (ضأي): دق جسمه. انظر "تهذيب اللغة" (ضأي) 3/ 2083، "اللسان" (ضأي) 4/ 2542، "القاموس": ص1304. ولعل المراد (الصئي) كما سبق أن مثل بها مع (الضئين).]]، وما فعله أبو عمرو من فتح (الياء) مع المفتوحة والمكسورة منفصل. قيل: شبه [[في (أ)، (ج): (نشبه) وفي "الحجة": (يشبه) 1/ 418، وأثبت ما في (ب)، لأنه أولى بالسياق.]] المنفصل بالمتصل. وقد ذكرنا أشياء من هذا في الحجة لمن خفف: (وهو ولهو) [[في (أ)، (ج): (وهو وهو) وأثبت ما فىِ (ب). وعبارة أبي علي في (الحجة): (قد ذكرنا منها أشياء في هذا "الكتاب" 1/ 418، وقد سبق هذا في: 2/ 306 - 309.]]. ومن قال: إنه فتح (الياء) مع الهمزة، لتتبين [[في (أ)، (ج): (ليتبين) وما في (ب) أولى، وموافق لما في "الحجة" 1/ 418.]] (الياء) معها، لأنها خفية، كما بينوا (النون) مع حرف الحلق، وأخفوها مع غيرها، فإن هذه العلة لا تستقيم [[في (أ) (يستقيم). وعبارة أبي علي في (الحجة): (فإنا لا نرى أن أبا عمرو اعتبر هذا الذى سلكه هذا القائل، ولو كان كذلك لحرك (الياء) ... إلخ) 1/ 418.]]، لأنه [[في (ب): (لا يلزمه).]] يلزمه تحريك (الياء) مع الهمزة المضمومة لأن [النون تُبَيَّن مع الهمزة المضمومة كما تُبَيَّن مع المفتوحة والمكسورة، وأيضا فإن] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] النون تُبيَّن [[في (أ)، (ج): (يتبين) وما في (ب) موافق للحجة.]] مع سائر حروف الحلق [، ولسنا نعلم أبا عمرو يفتح (الياء) مع سائر حروف الحلق.] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب). وبهذا ينتهي الجزء الأول من "الحجة"، وقوله: (فإن قلت ..) أول الجزء الثاني.]] فإن قلت: فإن الهمزة قد تفتح [[في (ب): (يفتح).]] لها ما قبلها وإن كانت مضمومة، نحو: (يقرأ) في موضع الرفع، فهلا فتح (الياء) في ﴿عَذَابِي أُصِيبُ﴾ [الأعراف: 156]. قلنا: الضمة إذا كانت للإعراب [[في (أ)، (ج): (الإعراب) وما في (ب) هو الصحيح وموافق للحجة 2/ 5.]] لم يكن في حكم الضمة عندهم، ألا ترى أنهم قد [[(ق) ساقطة من (ب).]] قالوا: نَمِرٌ وكَتِفٌ، ونحو ذلك في الرفع، ورفضوا الضمة مع الكسرة في كلامهم [[إذا لم تكن الضمة للإعراب، أما الضمة في (نمر وكتف) فهي للإعراب، فلم يمنعوا مجيء الكسرة قبلها.]] فلم يجئ فيه (فُعِل) [[هذا آخر ما نقله الواحدي عن كتاب "الحجة" لابن علي الفارسي في حجة أبي عمرو في فتح (ياء المتكلم) إذا لقيت همزة مفتوحة أو مكسورة، وتسكينها إذا لقيت همزة مضمومة. انظر: "الحجة" 1/ 417، 2/ 5.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب