الباحث القرآني

طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة ٣٠ - ٣٣]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، (إذ) تأتي دائمًا في القرآن الكريم، قال المعرِبون: وهي مفعول لفعل محذوف، التقدير: اذكر إذ قال، فهي منصوبة بفعل محذوف هذا تقديره. ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾، الخطاب في قوله: ﴿رَبُّكَ﴾ للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولما كان الخطاب له صارت الربوبية هنا من أقسام الربوبية الخاصة، إذ قال ﴿لِلْمَلَائِكَةِ﴾، اللام للتعدية، أي تعدية القول للمقول له، والملائكة جمع (مَلْأَك) وأصله (مَأْلَك)؛ لأنه مشتق من (الْأَلُوكَة) وهي الرسالة، لكن صار فيها إعلال بالنقل، أي نقل حرف مكان آخر، مثل (أشياء) أصلها (شَيْئَاء)، ولذلك قد تتعجب تقول: كيف لا ينصرف (أسماء) جمع (اسم)، ولا ينصرف (أشياء) جمع (شيء)؟ والسبب في ذلك أن (أسماء) التي هي جمع (اسم) الهمزة فيها أصلية، وأن (أشياء) الهمزة فيها همزة التأنيث، طيب المهم (الملائكة) نقول: مشتق من أيش؟ (الألوكة) وهي الرسالة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر ١]. والملائكة عالم غيبي خُلقوا من نور لا يحتاجون إلى أكل وشرب، وهم عالم الغيب لا يُرَون، وإلا فهم موجودون معنا ويحضرون مجالس العلم، ويحضرون مجالس الذكر، ويقفون عند أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون الأول فالأول، ثم إذا حضر الإمام طووا الصحف ثم أتوا يستمعون الخطبة، لكن هل نحن نراهم؟ لا نراهم، وهذه من حكمة الله عز وجل وابتلائه أن يخبرنا الله ورسوله عن هؤلاء بهذه الصفات ليبتلينا هل نؤمن أو لا نؤمن، لكن مع ذلك أحيانًا يتشكلون بصور البشر، كما قال الله تعالى عن جبريل حين قابل مريم: ﴿تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم ١٧]، بشر عادي ما فيه شيء، وكما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو جالس في أصحابه بصورة رجل كما قال عمر رضي الله عنه: شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد، وجلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام جلسة المتأدب، أسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأله الأسئلة المعروفة[[أخرجه مسلم (٨ / ١) من حديث عمر بن الخطاب.]]، وكما أتى ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه بصورة الإنسان، وكان موسى عليه السلام شديدًا قويًّا فصكه دفاعًا عن نفسه[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٣٩)، ومسلم (٢٣٧٢ / ١٥٧) من حديث أبي هريرة.]]؛ لأنه لم يعلم أنه رسول الله عز وجل، وإلا لو علم ما فعل هذا، لكن كعادة البشر يدافع الإنسان عن نفسه، وكما هو معهود من موسى ﷺ أنه رجل قوي شديد، لما استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه وَكَزَه وكزة واحدة فقضى عليه، هلك. فعلى كل حال الملائكة الأصل فيهم أنهم عالم غيبي. قال لهم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، خليفة يخلف الله؟ أو يخلف مَن سبقه؟ أو يخلف بعضهم بعضًا يتناسلون؟ أم ماذا؟ أما الأول فيحتمل أن الله تعالى أراد من هذه الخليقة آدم وبنيه أن يجعل منهم الخلفاء يخلفون الله تعالى في عباده بإبلاغ شريعته والدعوة إليها، لا عن جهل بالله سبحانه وتعالى، وحاشاه من ذلك، ولا عن عجز، لكنه يمن على من يشاء من عباده، كما قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [ص ٢٦]، هو خليفة يخلف الله في الحكم بين عباده، وكذلك أيضًا يخلفون مَن سبقهم، ﴿خَلِيفَةً﴾ يخلفون مَن سبقهم، وعلى هذا فتكون ﴿خَلِيفَةً﴾ هنا على هذا الاحتمال بمعنى الفاعل أو المفعول؟ الفاعل، وعلى الأول بمعنى المفعول. أو أنهم يخلف بعضهم بعضًا، بمعنى أنهم يتناسلون، هذا يموت وهذا يحيى، وعلى هذا التقدير أو على هذا التفسير تكون (خليفة) صالحة لاسم الفاعل واسم المفعول، كل هذا محتمل وكل هذا واقع. لكن قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ يدل على أنهم خليفة لمن؟ أيش؟ لمن سبقه، وأنه كان على الأرض مخلوقات قبل ذلك تسفك الدماء وتفسد فيها، فسألت الملائكة ربها عز جل: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، يعني: وستتغير الحال ولا تكون كالتي سبقت، وقولهم: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾: نسبح بمعنى: ننزه، والذي يُنَزَّه الله عنه شيئان؛ أولًا: النقص، والثاني: النقص في كماله، وزد ثالثًا إن شئت: مماثلة المخلوقين،كل هذا يُنَزَّه الله عنه. النقص يعني كل صفة نقص لا يمكن أن يوصف الله بها أبدًا، لا وصفًا دائمًا ولا خبرًا، الثاني أيش؟ النقص في كماله، فلا يمكن أن يكون في كماله نقص، قدرته لا يمكن أن يعتريها عجز، قوته لا يمكن أن يعتريها ضعف، علمه لا يمكن أن يعتريه نسيان، وهلم جرّا، ولهذا قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨]، لا قليل ولا كثير، فهو عز وجل كامل الصفات لا يمكن أن يعتري كماله نقص، الثالث؟ * الطلبة: مشابهة المخلوقين. * الشيخ: عن مماثلة المخلوقين، مماثلة، ولا تقل مشابهة، عن مماثلة المخلوقين، هذه إن شئنا أفردناها بالذكر؛ لأن الله تعالى أفردها بالذكر، فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، وقال: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [الروم ٢٧]، وقال: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل ٧٤]، وإن شئنا جعلناها داخل في أي أقسام؟ القسم الأول: النقص؛ لأن تمثيل الخالق بالمخلوق يعني النقص؛ بل إن المفاضلة بين الكامل والناقص تجعل الكامل ناقصًا، كما قال القائل: ؎أَلَــمْ تَـــرَ أَنَّ السَّـيْـفَ يَنْقُــصُقَــدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ: إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا لو قلت: فلان عنده سيف أمضى من العصا ماذا تقول؟ يتبين لك أن السيف هذا قوي ولا رديء؟ رديء، أمضى من العصا؟! معناه أنه ليس بشيء، فربما ندخل هذا القسم الثالث ربما ندخله في القسم الأول وهو النقص. على كل حال التسبيح، ينبغي لنا عندما نقول: سبحان الله، أو: أسبح الله، أو ما أشبه ذلك، ينبغي لنا أن نستحضر هذه المعاني، يعني لا نقولها على أنها ذكر، نقولها على أنها ذكر وعلى العين والرأس، لكن نستحضر ما دلت عليه من المعاني، وأنك إذا قلت: سبحان الله، فالمعنى أن الله عز وجل مُنَزَّه عن كل نقص، مُنَزَّه عن كل عيب، منزه عن نقص في كماله. وقوله: ﴿بِحَمْدِكَ﴾ ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾، قال العلماء: إن الباء هنا للمصاحبة، أي تسبيحًا مصحوبًا بالحمد، فتكون الجملتان تتضمن التخلية وأيش؟ والتحلية، يعني نفي النقص وإثبات الكمال؛ لأن الحمد وصف المحمود بالكمال، ولا تقل: هو الثناء بالجميل على الفعل الاختياري، كما يقوله بعض المتكلمين، بل هو وصف المحمود بالكمال، زد على ذلك محبة وتعظيمًا، فإن وصفت مرة أخرى بكمال فسمِّه ثناء، والدليل على هذا ما جاء في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَإِذَا قَالَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»[[أخرجه مسلم (٣٩٥ / ٣٨) من حديث أبي هريرة.]]. ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، وقدَّم التسبيح على الحمد من أجل أن التخلية تكون قبل التحلية، يعني نفي النقص يكون قبل إثبات الكمال من أجل أن يَرِد الكمال على محلٍّ خال من النقص، ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾. وقوله: ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، التقديس معناه التطهير، وهو أمر زائد علي التنزيه؛ لأن التنزيه تبرئة وتخلية، والتطهير أمر زائد، ولهذا نقول في دعاء الاستفتاح: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٤)، ومسلم (٥٩٨ / ١٤٧) من حديث أبي هريرة.]]، فالتقديس يعني التطهير، فيجمع الإنسان بين تنزيه الله عز وجل عن كل عيب ونقص وتطهيره، أنه لا أثر إطلاقًا لما يمكن أن يعلق في الذهن من النقص، ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، اللام هنا للاختصاص، فتفيد الإخلاص، وهي أيضًا للاستحقاق؛ لأن الله جل وعلا أهل لأن يقدس، ماذا أجابهم الله؟ ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، قف، ما بعد هذا كلام ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾، (ما) هنا اسم موصول أو نكرة موصوفة؟ هل المعنى إني أعلم شيئًا لا تعلمونه؟ أو المعنى إني أعلم الذي لا تعلمون؟ تحتمل هذا وهذا، وهي صالحة لهذا وهذا، طيب ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ وسوف تتغير الحال. * في هذه الآية الكريمة: إثبات القول لله عز وجل، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ﴾، وهذا هو الذي عليه السلف الصالح أننا نؤمن بأن الله تعالى له قول، يقول. وإثبات أن قوله بحرف وصوت، من أين أخذنا أنه بحرف؟ من قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، وجملة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ﴾ مقول القول، وهي حروف، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، ونأخذ أنه بصوت أنه قال للملائكة، أي قولًا واصلًا إلى الملائكة، ولا يمكن أن يكون قوله واصلًا إلى الملائكة إلا إذا كان أيش؟ بصوت، وهو كذلك، ثم الصوت قد يكون خفيًّا وقد يكون قويًّا؛ لقوله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم ٥٢]، وهذا هو الذي عليه أهل السنة، وهو الحقيقة هو غاية الكمال لله عز وجل، بل هو من أعظم صفات الكمال أن يكون الله عز وجل متكلمًا بما يشاء كونًا وشرعًا، فكل ما يحدث في الكون فهو كائن بكلمة، الدليل ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، وكل شيء فهو مراد لله، إذن كل شيء فهو بقول، وأما القول الشرعي فهو ما أنزله الله على الرسل. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الملائكة ذوو عقول، وجهه أن الله تعالى وجّه إليهم الخطاب وأجابوا، ولا يمكن أن يوجه الخطاب إلا لمن يعقله، ولا يمكن أن يجيبه إلا من يعقل الكلام والجواب عليه، خلافًا لمن قال: إن الملائكة لا يوصفون بذلك، أو قال إنهم عقول لا أجساد. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الفعل الاختياري لله عز وجل، وهذا يتكرر عليكم كثيرًا، فما معنى الفعل الاختياري؟ معناه أن من أهل البدع من يقول: إن الله لا تقوم به الأفعال الاختيارية، فلا يجيء ولا ينزل ولا يستوي ولا يتكلم ولا يضحك ولا يفرح ولا يعجب؛ لأن هذه أمور اختيارية تقع بالمشيئة، ولو صح أن يوصف الله بها لكان حادثًا؛ لأن هذه حوادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث، قياس فاسد في مقابلة نص، وسبحان الله العظيم! ما أعظم أن يصفوا الله عز وجل بأنه لا يفعل، هذا أكبر عيب أن يكون الرب عز وجل لا يفعل، ولهذا فسر بعض السلف (الحي) في قوله تعالى: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة ٢٥٥]، قال: ﴿الْحَيُّ﴾ هو الفعَّال؛ لأن من كمال الحياة أن يفعل ما يشاء، وإذا لم يفعل ما يشاء فهو ناقص لا شك، فهؤلاء -والعياذ بالله- سلبوا بعقولهم الواهية الضعيفة الفاسدة سلبوا الله عز وجل كماله، أضف إلى هذا القول إذن ينفون عن الله القول والفعل؛ لأنه ما يتكلم، لا يتكلم كلامًا اختياريًّا، فنفوا عن الله القول والفعل. وأيش بقي؟ ما بقي شيء، هذا أكبر نقص يوصف الله به أن يقال: لا يتكلم ولا يفعل، وهذه الآية تدل علي ثبوت الأفعال، ﴿إِنِّي جَاعِلٌ﴾، و﴿جَاعِلٌ﴾ اسم فاعل للمستقبل ولّا للماضي؟ * الطلبة: للمستقبل. * الشيخ: ما دليلكم على المستقبل؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا، أنها نصبت، واسم فاعل لا ينصب إلا إذا كان للمستقبل، وعلى هذا ففيه دليل على ثبوت الأفعال الاختيارية لله عز وجل. * طالب: شيخ بارك الله فيك، كثير من أئمة التفسير يذهبون إلى الاحتمال الأول الذي قلناه أن خليفة هنا بمعنى خليفة عن الله، ومشوا على هذا، لكن قرأت لشيخ الإسلام ابن تيمية إنكارًا شديدًا على هذا القول، ويقول: لا يكون الخليفة، لا يعني يستخلف إلا من كان مثلًا ناقصًا أو يحتاج إلى.. أو غائبًا أو كذا؟ * الشيخ: لا، ما هو صحيح، الشيخ له كلام غير هذا. * الطالب: أنا قرأته، شيخ. * الشيخ: يمكن كلام آخر في موضع ثان، إنما نقول نحن كما قال الله: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص ٢٦]. * الطالب: والذي قلته يا شيخ يعني مقتنع به. * الشيخ: إحنا نقول: الآية فيها احتمال الثلاثة. * الطالب: لكن ماذا نقول عن قول شيخ الإسلام، أما تفسير الذي ذكرتموه..؟ * الشيخ: ما نقول هذا، له كلام في موضع آخر، أو ربما أنه، ليس الكتاب بين يدي الآن عشان أشوف قد يكون هناك قرائن تدل على أن المقام مقام إنكار من أجل تفسير هؤلاء. * طالب: شيخ، قدس يا شيخ، ﴿نُقَدِّسُ لَكَ﴾ البيهقي بقي شيخ قدوس معنى أنه وصفه بصفات الكمال هذا معناه.. * الشيخ: إي نعم، الطاهر. * الطالب: مفسرة عكس.. * الشيخ: القدوس يعني الطاهر من كل عيب. * الطالب: إثبات صفة الكمال عكس تسبيح؟ * الشيخ: لأنه ما يمكن يوجد صفة منفية عن الله إلا وهي متضمنة للكمال، ما فيه نفي محض. * طالب: شيخ إذا قائل: إنكم قلتم: إن للملائكة عقولًا، واستدللتم بتوجه الخطاب إليهم واستيعابهم، طيب يا شيخ إذا قال النملة استوعبت سليمان قال ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾ [النمل ١٨]؟ * الشيخ: تخاطب (...). * الطالب: إي يا شيخ بس.. * الشيخ: أنا كنت أتوقع أنك تقول: إن الله قال للأرض: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت ١١]، فنقول: هذه المخلوقات بالنسبة لله عز وجل كلها لها عقول، والأصل أن من يخاطبه الله فهو عاقل، لكن إذا صار هناك أشياء تدل على أن العقل بالنسبة لمخاطبة الله له فقط عملنا به، وإلا فالأصل أنه لا يخاطَب إلا من يعقل. * طالب: لم يثبت استدلالنا يا شيخ؟ * الشيخ: ما يثبت؛ لأن الذي أخرج الأرض عن ذلك هو أن نشاهدها، ما هي عاقلة، لكن بالنسبة لخطاب الله عاقلة. * طالب: أحسن الله إليك، قولنا بأن الملائكة ذوو عقول هل يستلزم هذا أن يكونوا ذوي قلوب أيضًا؟ * الشيخ: لا ما يستلزم. * الطالب: يا شيخ، الله عز وجل يقول: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ [الأعراف ١٧٩]؟ * الشيخ: مَن يخاطب؟ * الطالب: يخاطب الناس. * الشيخ: يخاطب الناس. * الطالب: في موضع يا شيخ في شرح كتاب التوحيد عند قول الله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ ٢٣] أثبتم أثابكم الله بأنه يؤخذ من هذه الآية أن للملائكة قلوب.. * الشيخ: الله لا يثبتها بذلك لكن ليست القلوب عضوا، قد يقال: إن القلوب معناه هنا القلب المعنوي؛ لأن المشهور عند السلف أن الملائكة صُمْد ما لهم أجواف، ولهذا لا يأكلون ولا يشربون ولا يحتاجون للأكل والشرب. * الطالب: إذن ما الذي يثبت يا شيخ القلب المعنوي دون الحسي. * الشيخ: إي نعم، القلب المعنوي، نعم، لكن قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦] هذا القلب الحسي؛ لأنه وصفها بمكانها. * طالب: (...). * الشيخ: إي ما قلنا هذا؟ قلنا هذا. * طالب: يا شيخ ما وصلنا لهذا؟ * الشيخ: إلى الآن ما وصلنا له، وصلنا إلى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ ما وصلناها في الفوائد. * * * * طالب: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة ٣٢ - ٣٤]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾، ﴿عَلَّمَ﴾ الفاعل هو الله عز وجل. * طالب: ما أخذنا الفوائد يا شيخ. * الشيخ: أيهم * طالب: الآية السابقة. * الشيخ: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أخذنا منها أربع فوائد. * طالب: ثلاثة يا شيخ. * الشيخ: عدها؟ * طالب: إثبات القول لله عز وجل، إثبات أنه بحرف وصوت، أن الملائكة ذوو عقول، إثبات الفعل الاختياري لله عز وجل، هذا اللي أخذناه يا شيخ. * الشيخ: * من فوائد الآية الكريمة: أن بني آدم يخلف بعضهم بعضًا على أحد الأقوال في معنى خليفة، وهذا هو الواقع أن بني آدم يخلف بعضهم بعضًا فتجد من له مئة سنة مع من له سنة واحدة، وما بينهما، وهذا من حكمة الله عز وجل؛ لأن الناس لو بقوا مَن ولد بقي لضاقت الأرض بما رحبت، ولما استقامت الأحوال، ولا حصلت الرحمة للصغار، ولا الولاية عليهم، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة. * ومن فوائد الآية الكريمة: قيام الملائكة بعبادة الله عز وجل؛ لقولهم: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾. * ومنها: كراهة الملائكة للإفساد في الأرض لقولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. * ومن فوائد هذه الآية: أن وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به؛ لقولهم: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾، فإذا كان المراد مجرد الخبر فلا بأس، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ»[[أخرجه الترمذي (٣١٤٨) من حديث أبي سعيد الخدري، وأوله أخرجه البخاري (٣٣٤٠)، ومسلم (٢٢٧٨ / ٣) من حديث أبي هريرة.]]، وأما إذا كان المقصود الافتخار وتزكية النفس فهذا لا يجوز. * ومن فوائد الآية الكريمة: شدة تعظيم الملائكة لله عز وجل، حيث قالوا: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾، والثاني: ﴿نُقَدِّسُ لَكَ﴾، فهو يشبه قوله: «نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا... وَاغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٤)، ومسلم (٥٩٨ / ١٤٧) من حديث أبي هريرة.]]. * ومن فوائد الآية الكريمة: جواز المفاضلة بين الله وبين الخلق؛ لقوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ و﴿أَعْلَمُ﴾:اسم تفضيل وهذا هو الحق، وخالف بعض من يقولون: إنهم ينزِّهون الله، وقالوا ﴿أَعْلَمُ﴾ ليست على بابها، بل هي بمعنى عالم، وما علموا أنهم إذا فسروها بعالم صار هذا أشد تنقصًا لله؛ لأن كلمة (عالم) لا تمنعه المشاركة، ومن المعلوم أن الخلق فيهم من هو عالم، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل ٧٨]، وقال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: ﴿عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء ١١٣]. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ﴾ [الممتحنة ١٠]، وعليه فنقول ﴿أَعْلَمُ﴾ هنا على بابها، كما يقال: إن الله أرحم الراحمين، وفي القرآن الكريم: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين ٨]. * طالب: (...). * الشيخ: استنباط الفوائد ما فيه أسئلة. * طالب: (...). * الشيخ: أيها. * طالب: (...). * الشيخ: إي، أحسنت، هذه النتيجة. * طالب: لا يا شيخ إحنا أخدنا.. * الشيخ: على كل حال خير إن شاء الله، توهمنا فيه خير، (أعلم) لا بأس أن نقول: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل ١٢٥]، أقول: بعض العلماء فسر (أعلم) بمعنى عالم، وقال: إنه لا تجوز المفاضلة بين الله وبين الخلق في الصفات، ولكن هذا قول باطل؛ لأن الأدلة تدل على بطلانه، أما الآية التي معنا ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ فهي فعل مضارع. ثم قال ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾، ﴿عَلَّمَ﴾ الفاعل من؟ الله عز وجل، وآدم هو أبو البشر. * طالب: يعني نسقط الفائدة هذه الأخيرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب