الباحث القرآني

قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة﴾ مَعْنَاهُ: وَقَالَ رَبك. " إِذْ " زَائِدَة فِيهِ. وَقيل، مَعْنَاهُ: وَاذْكُر إِذْ قَالَ رَبك. وَالْمَلَائِكَة: جمع الْملك، وأصل الْملك مَالك، فَقبلت الْهمزَة فَصَارَ مَالك ثمَّ اسقط الْهمزَة فَصَارَ ملك، واشتقاقه من الألوكة، وَهِي: الرسَالَة، وَمثلهَا المالكة، والمالكة؛ قَالَ الشَّاعِر: (ألكنى إِلَيْهَا (وَخير) الرَّسُول ... أعلمهم بنواحي الْخَبَر) يعْنى: أَرْسلنِي إِلَيْهَا. ﴿إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة﴾ اتَّفقُوا على أَن المُرَاد بِهَذَا الْخَلِيفَة آدم صلوَات الله عَلَيْهِ والخليفة، والخليف بِمَعْنى وَاحِد، وَجمع الخليف خلفاء. وَجمع الْخَلِيفَة خلائف. وَاخْتلفُوا فِي أَنه لما سمى خَليفَة؟ مِنْهُم من قَالَ: لِأَنَّهُ خَليفَة الْجِنّ؛ فَإِن الله تَعَالَى لما خلق الأَرْض أسكنها الْجِنّ، وَلما خلق السَّمَاء أسكنها الْمَلَائِكَة، ثمَّ لما خلق آدم أزعج الْجِنّ إِلَى أَطْرَاف الأَرْض؛ فَهُوَ الْخَلِيفَة الْجِنّ فِي الأَرْض. وَقيل: إِنَّمَا سَمَّاهُ خَليفَة؛ لِأَنَّهُ يخلفه غَيره. فَيكون الْخَلِيفَة بِمَعْنى أَنه يخلف غَيره. وَيكون الْخَلِيفَة أَنه يخلفه غَيره. وَقيل: إِنَّمَا سمى خَليفَة لِأَنَّهُ خَليفَة الله فِي الأَرْض؛ لإِقَامَة أَحْكَامه، وتنفيذ قضاياه، وَهَذَا هُوَ الْأَصَح. قَوْله تَعَالَى: (قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا) الْآيَة قَالَت الْمَلَائِكَة: أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء؟ ! فَإِن قيل: من أَيْن عمِلُوا ذَلِك؟ قيل: إِن الله تَعَالَى أعلمهم بذلك. وَقيل: اطلعوا عَلَيْهِ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. ﴿وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك﴾ هُوَ التَّنْزِيه عَن السوء. وَمَعْنَاهُ: وَنحن ننزهك عَن الأنداد والشركاء. وَقَالَ الْحسن: معنى قَوْله: ﴿وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك﴾ هُوَ قَوْلهم: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ. ﴿ونقدس لَك﴾ يَعْنِي: نثنى عَلَيْك بالقدس وَالطَّهَارَة. وَقيل: مَعْنَاهُ نطهر أَنْفُسنَا بطاعتك وَالثنَاء عَلَيْك. فَإِن قيل: قَوْلهم ﴿أَتجْعَلُ فِيهَا﴾ . يشبه الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ. وَقَوْلهمْ نَحن ﴿نُسَبِّح بحَمْدك﴾ يشبه التفاخر بِالْعَمَلِ؛ وَكِلَاهُمَا لَا يجوز على الْمَلَائِكَة. فَمَا معنى هَذَا الْكَلَام؟ قُلْنَا: أما قَوْلهم: ﴿أَتجْعَلُ فِيهَا﴾ مَعْنَاهُ: أَنْت جَاعل فِيهَا على سَبِيل التَّقْدِير، وَمثله قَول الشَّاعِر: (ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح) يَعْنِي أَنهم بِهَذِهِ الصّفة. وَقَالُوا: إِنَّمَا قَالُوهُ على سَبِيل التَّعَجُّب طلبا لوجه الْحِكْمَة فِيهِ. ﴿خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس﴾ وَأما قَوْله: ﴿وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك﴾ لَيْسَ على سَبِيل التفاخر بل مَعْنَاهُ: أَنه إِذا أفسدوا وسفكوا الدِّمَاء فَنحْن نبقى على هَيْئَة التَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس أم لَا؟ قَالَ: ﴿إِنِّي أعلم مَالا تعلمُونَ﴾ لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: إِنِّي أعلم فيهم من يعبدني ويطيعني من الْأَنْبِيَاء والأولياء والصلحاء. وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: إِنِّي أعلم فِيكُم أَيهَا الْمَلَائِكَة من يعصيني يَعْنِي إِبْلِيس.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب