الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً﴾، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ”إذْ“، هَهُنا زائِدَةٌ، وهَذا إقْدامٌ مِن أبِي عُبَيْدَةً، لِأنَّ القُرْآنَ لا يَنْبَغِي أنْ يُتَكَلَّمَ فِيهِ إلّا بِغايَةٍ تَجْرِي إلى الحَقِّ، و”إذْ“، مَعْناها الوَقْتُ، وهي اسْمٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَغْوًا؟ ومَعْناها الوَقْتُ، والحُجَّةُ في ”إذْ“، أنَّ اللَّهَ تَعالى ذَكَرَ خَلْقَ النّاسِ وغَيْرَهُمْ، فَكَأنَّهُ قالَ: ”اِبْتَدَأ خَلْقَكم إذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً“، وفي ذِكْرِ هَذِهِ الآيَةِ احْتِجاجٌ عَلى أهْلِ الكِتابِ بِتَثْبِيتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ خَبَرَ آدَمَ، وما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِن سُجُودِ المَلائِكَةِ لَهُ، مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ، ولَيْسَ هَذا مِن عِلْمِ العَرَبِ الَّذِي كانَتْ تَعْلَمُهُ، فَفي إخْبارِ النَّبِيِّ ﷺ دَلِيلٌ عَلى تَثْبِيتِ رِسالَتِهِ، إذْ أتاهم بِما لَيْسَ مِن عِلْمِ العَرَبِ، وإنَّما هو خَبَرٌ لا يَعْلَمُهُ إلّا مَن قَرَأ الكِتابَ، أوْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِهِ.
؎وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾، رُوِيَ أنَّ خَلْقًا يُقالُ لَهُمْ: ”اَلْجانُّ“، كانُوا في الأرْضِ فَأفْسَدُوا، وسَفَكُوا (p-١٠٩)الدِّماءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ مَلائِكَتَهُ فَأجْلَتْهم مِنَ الأرْضِ، وقِيلَ: إنَّ هَؤُلاءِ المَلائِكَةَ صارُوا سُكّانَ الأرْضِ بَعْدَ الجانِّ، فَقالُوا: يا رَبُّ، أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها، ويَسْفِكُ الدِّماءَ، ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، ونُقَدِّسُ لَكَ؟ وتَأْوِيلُ اسْتِخْبارِهِمْ هَذا عَلى جِهَةِ الِاسْتِعْلامِ وجِهَةِ الحِكْمَةِ، لا عَلى الإنْكارِ، فَكَأنَّهم قالُوا: ”يا اَللَّهُ، إنْ كانَ هَذا ظَنَّنا فَعَرِّفْنا وجْهَ الحَقِّ فِيهِ“، وقالَ قَوْمٌ: اَلْمَعْنى فِيهِ غَيْرُ هَذا، وهو أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - أعْلَمَ المَلائِكَةَ أنَّهُ جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً، وأنَّ مِنَ الخَلِيقَةِ فِرْقَةً تَسْفِكُ الدِّماءَ، وهي فِرْقَةٌ مِن بَنِي آدَمَ، وأذِنَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - لِلْمَلائِكَةِ أنْ يَسْألُوهُ عَنْ ذَلِكَ، وكانَ إعْلامُهُ إيّاهم هَذا زِيادَةً في التَّثْبِيتِ في نُفُوسِهِمْ أنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَكَأنَّهم قالُوا: ”أتَخْلُقُ فِيها قَوْمًا يَسْفِكُونَ الدِّماءَ، ويَعْصُونَكَ؟ وإنَّما يَنْبَغِي إذا عَرَفُوا أنَّكَ خَلَقْتَهم أنْ يُسَبِّحُوا بِحَمْدِكَ، كَما نُسَبِّحُ، ويُقَدِّسُوا كَما نُقَدِّسُ“، ولَمْ يَقُولُوا هَذا إلّا وقَدْ أذِنَ لَهُمْ، ولا يَجُوزُ عَلى المَلائِكَةِ أنْ تَقُولَ شَيْئًا تَتَظَنّى فِيهِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَهم بِأنَّهم يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾، أيْ: أبْتَلِي مَن تَظُنُّونَ أنَّهُ يُطِيعُ، فَيَهْدِيهِ الِابْتِلاءُ، فالألِفُ هَهُنا إنَّما هي عَلى إيجابِ الجَعْلِ في هَذا القَوْلِ، كَما قالَ جَرِيرٌ: (p-١١٠)ألَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ∗∗∗ وأنْدى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
وَمَعْنى ”يَسْفِكُ“: يَصُبُّ، يُقالُ: ”سَفَكَ الشَّيْءَ“، إذا صَبَّهُ، ومَعْنى ”نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ“: نُبَرِّئُكَ مِنَ السُّوءِ، وكُلُّ مَن عَمِلَ عَمَلًا قَصَدَ بِهِ اللَّهَ، فَقَدْ سَبَّحَ، يُقالُ: ”فَرَغْتُ مِن تَسْبِيحِي“، أيْ: مِن صَلاتِي، وقالَ سِيبَوَيْهِ، وغَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: إنَّ مَعْنى ”سُبْحانَ اللَّهِ“: بَراءَةُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ، وتَنْزِيهُهُ مِنَ السُّوءِ، وقالَ الأعْشى:
؎أقُولُ لَمّا جاءَنِي فَخْرُهُ ∗∗∗ سُبْحانَ مِن عَلْقَمَةَ الفاخِرِ
اَلْمَعْنى: اَلْبَراءَةُ مِنهُ، ومِن فَخْرِهِ.
وَمَعْنى ”نُقَدِّسُ لَكَ“: أيْ: نُطَهِّرُ أنْفُسَنا لَكَ، وكَذَلِكَ مَن أطاعَكَ نُقَدِّسُهُ، أيْ نُطَهِّرُهُ، ومِن هَذا: ”بَيْتُ المَقْدِسِ“، أيْ: اَلْبَيْتُ المُطَهَّرُ، أوِ المَكانُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ فِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











