الباحث القرآني
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾، رُوِيَ أنَّ خَلْقًا يُقالُ لَهُمْ: ”اَلْجانُّ“، كانُوا في الأرْضِ فَأفْسَدُوا، وسَفَكُوا الدِّماءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ مَلائِكَتَهُ فَأجْلَتْهم مِنَ الأرْضِ، وقِيلَ: إنَّ هَؤُلاءِ المَلائِكَةَ صارُوا سُكّانَ الأرْضِ بَعْدَ الجانِّ، فَقالُوا: يا رَبُّ، أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها، ويَسْفِكُ الدِّماءَ، ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، ونُقَدِّسُ لَكَ؟ وتَأْوِيلُ اسْتِخْبارِهِمْ هَذا عَلى جِهَةِ الِاسْتِعْلامِ وجِهَةِ الحِكْمَةِ، لا عَلى الإنْكارِ، فَكَأنَّهم قالُوا: ”يا اَللَّهُ، إنْ كانَ هَذا ظَنَّنا فَعَرِّفْنا وجْهَ الحَقِّ فِيهِ“، وقالَ قَوْمٌ: اَلْمَعْنى فِيهِ غَيْرُ هَذا، وهو أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - أعْلَمَ المَلائِكَةَ أنَّهُ جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً، وأنَّ مِنَ الخَلِيقَةِ فِرْقَةً تَسْفِكُ الدِّماءَ، وهي فِرْقَةٌ مِن بَنِي آدَمَ، وأذِنَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - لِلْمَلائِكَةِ أنْ يَسْألُوهُ عَنْ ذَلِكَ، وكانَ إعْلامُهُ إيّاهم هَذا زِيادَةً في التَّثْبِيتِ في نُفُوسِهِمْ أنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، فَكَأنَّهم قالُوا: ”أتَخْلُقُ فِيها قَوْمًا يَسْفِكُونَ الدِّماءَ، ويَعْصُونَكَ؟ وإنَّما يَنْبَغِي إذا عَرَفُوا أنَّكَ خَلَقْتَهم أنْ يُسَبِّحُوا بِحَمْدِكَ، كَما نُسَبِّحُ، ويُقَدِّسُوا كَما نُقَدِّسُ“، ولَمْ يَقُولُوا هَذا إلّا وقَدْ أذِنَ لَهُمْ، ولا يَجُوزُ عَلى المَلائِكَةِ أنْ تَقُولَ شَيْئًا تَتَظَنّى فِيهِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَهم بِأنَّهم يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾، أيْ: أبْتَلِي مَن تَظُنُّونَ أنَّهُ يُطِيعُ، فَيَهْدِيهِ الِابْتِلاءُ، فالألِفُ هَهُنا إنَّما هي عَلى إيجابِ الجَعْلِ في هَذا القَوْلِ، كَما قالَ جَرِيرٌ: ألَسْتُمْ خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايا ∗∗∗ وأنْدى العالَمِينَ بُطُونَ راحِأقُولُ لَمّا جاءَنِي فَخْرُهُ ∗∗∗ سُبْحانَ مِن عَلْقَمَةَ الفاخِرِ
اَلْمَعْنى: اَلْبَراءَةُ مِنهُ، ومِن فَخْرِهِ.