الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٣٠].
أخبَرَ اللهُ تعالى ملائكتَهُ بأنّه سبحانَهُ سيَجْعَلُ خليفةً في الأرضِ، والخليفةُ هو العامرُ لها، ويخلُفُهُ مِن ذريَّتِهِ خلفاءُ يتتابَعونَ تناسُلًا جيلًا بعدَ جيلٍ إلى ما شاء اللهُ.
الحكمةُ من الخلقِ والاستخلافِ:
وإنّما ذكَرَ اللهُ هذه الآيةَ بعدَ آيةِ خلْقِ السمواتِ والأرضِ، وعطَفَها عليها بالواوِ، ليبيِّنَ تسلسُلَ العملِ، وأنّ الحقائقَ لا تَرْسَخُ في الأذهانِ إلا بذِكْرِ مَبْدَئِها مُتسلسِلًا، وبذلك تَقْوى القناعاتُ، ويحصُلُ التسليم، ولِيُثْبِتَ سبحانَهُ لعبادِهِ أنّ هذه المخلوقاتِ: الشمسَ والقمرَ، والأفلاكَ والأرضَ، خُلِقَتْ للإنسانِ المستخلَفِ وتدبيرِ شأنِهِ، وهذا إكرامٌ لبني آدمَ، وعبادةُ الإنسان لهذه المخلوقاتِ تنكيسٌ لمقاديرِ الخليقةِ، فمَن عبَدَ الشجرَ والحَجَرَ والكواكبَ مِن دونِ اللهِ ـ وهي مخلوقةٌ له ـ لم يَعْرِفِ الحِكْمةَ مِن الخلْقِ، وإنّما عبَدَ شيئًا خُلِقَ لأجلِهِ، وهذا مع كونِهِ جهالةً عقليَّةً، فهو ضلالةٌ في الشريعةِ وشِرْكٌ في حقِّ اللهِ سبحانه.
سبب ضلال الناس:
ومن أعظمِ ما يُوقِعُ الإنسانَ في الخطأِ والشرِّ: جهلُهُ بمقاديرِ الأشياءِ وقِيَمِها، فجهلُ الإنسانِ بنفسِهِ وبغيرِهِ، وذَهابُ الحِكْمةِ مِن إيجادِهِ عنه، يجعلُهُ يَتَّجِهُ إلى غيرِهِ بنظرٍ خاطئٍ، ومعرفتُهُ بنفسِهِ وجهلُهُ بغيرِهِ كذلك، فمَن عرَفَ الأشياءَ على الحقيقةِ، عدَلَ في نفسِهِ معها، ومَن جَهِلَ قيمةَ سلعةٍ باعَها ببَخْسٍ.
وسببُ الشرِّ في بني آدمَ هو إعراضُهم عمّا عَرَّفَ اللهُ به المخلوقاتِ، وعن مَنزِلتهم عندَها، فوقَعُوا في أنواعِ الشركِ، خوفًا ومحبةً، وطاعةً وعبادةً، ورجاءً وغيرَ ذلك.
ولذا قال سبحانه وتعالى في أوائلِ الآياتِ: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ الآياتِ [البقرة: ٢٨ ـ ٢٩]، فبدَأَ يَرجِعُ الإنسانَ ويعرِّفُهُ بما نَسِيَهُ مِن أصلِهِ وأصلِ غيرِهِ، ليَعرِفَ الحقائقَ والأصولَ على وجهِها، وأنّ اللهَ أمَرَ الملائكةَ بالسجودِ لآدمَ، فكيفَ يسجُدُ بنو آدَمَ لِحَجَر؟!
وقولُهُ تعالى: ﴿إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾:
التخالُفُ هو التعاقُبُ على الشيءِ، والخَلْفُ: ما وراءَ الشيءِ، قال تعالى: ﴿لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِن خَلْفِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٧٠]، وقال تعالى: ﴿وقالَ مُوسى لأِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ [الأعراف: ١٤٢]، وفي الحديثِ في «صحيحِ مسلمٍ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ في دعاءِ السَّفَرِ: «أنْتَ الصّاحِبُ فِي السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ» [[أخرجه مسلم (١٣٤٢) (٢/٩٧٨).]]، وقال تعالى: ﴿ويَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٣]، وقال تعالى: ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩]، وقال: ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِن بَعْدِ عادٍ﴾ [الأعراف: ٧٤].
إذَنْ: فالخليفةُ هو: الذي يأتي بعد غيرِهِ، والبَشَرُ يتخالَفُونَ على ما هم فيه مِن سُكْنى الأرضِ وعِمارتِها، وتدبيرِ الشأنِ العامِّ والخاصِّ، وعلى الأمرِ والحُكْمِ، ولذا سُمِّيَ الأميرُ: «خليفةً».
وقد كان أبو بكرٍ يسمّى خليفةَ رسولِ اللهِ، وكذلك عمرُ، قال عمرُ بنُ الخطّابِ رضي الله عنه: «لو أطَقْتُ الأذانَ مع الخِلِّيفى، لأَذَّنْتُ»، يعني: الخلافةَ، رواهُ عبدُ الرزّاقِ، وابنُ أبي شَيْبةَ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنَّفه» (١٨٦٩) (١/٤٨٦)، وابن أبي شيبة في «مصنَّفه» (٢٣٣٤) (١/٢٠٣).]].
قال ابنُ جريرٍ: ﴿إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ منِّي يخلُفُني في الحُكْمِ بين خَلْقي[[«تفسير الطبري» (١/٤٧٩، ط. هجر).]].
وذلك الخليفةُ هو آدمُ ومَن قامَ مقامَهُ في طاعةِ اللهِ والحُكْمِ بالعَدْلِ بينَ خلْقِهِ، وأمّا الإفسادُ وسفكُ الدماءِ بغيرِ حقِّها، فمِن غيرِ خلفائِه.
الحكمةُ من التأميرِ، وحكمُهُ:
ومِن هذا يُؤخَذُ وجوبُ التأميرِ على الجماعةِ، لأنّ تخالُفَ البشرِ مجرَّدًا علامةُ فسادِهم، وهذا ما قصدَتْهُ الملائكةُ في قولِهم مستفهِمينَ: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ ؟! لأنّ الجِنَّ سبَقُوا البشرَ في الأرضِ، فأفسَدُوا واقتتَلُوا، روى ابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتمٍ، وغيرُهما، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ، في قولِهِ: ﴿إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، إلى قولِه: ﴿وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: ٣٣]، قال: خلَقَ اللهُ الملائكةَ يومَ الأربِعاءِ، وخلَقَ الجِنَّ يومَ الخميسِ، وخلَقَ آدمَ يومَ الجُمُعَةِ، فكفَرَ قومٌ مِن الجنِّ، فكانتِ الملائكةُ تَهبِطُ إليهم في الأرضِ فتُقاتِلُهم، فكانتِ الدماءُ بينَهم، وكان الفسادُ في الأرضِ، فمِن ثَمَّ قالُوا: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾، كما أفسَدَتِ الجنُّ، ﴿ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾، كما سَفَكُوا[[«تفسير الطبري» (١/٤٩٤)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/٧٧).]].
ورُوِيَ هذا عن الضَّحّاكِ عن ابنِ عبّاسٍ[[«تفسير الطبري» (١/٤٧٨).]].
وإنّما كان الفسادُ لازمًا عن وجودِ الاستخلافِ، لأنّ البشرَ المستخلَفِينَ يتناسَوْنَ ما يقعُ مِن خطأِ آبائِهم، فيتكرَّرُ فيهم ما سبَقَ في غيرِهم، بخلافِ مَن يعمَّرُ ويخلَّدُ دائمًا بلا استخلافٍ، فإنّ الخطأَ يقَعُ منه مرةً ولا يتكرَّرُ غالبًا، لأنّه يَذكُرُهُ بنفسِهِ، ويذوقُ ألمَهُ بحواسِّه.
ثمَّ إنّ مَن يُستخلَفُ يُنازِعُ غيرَهُ على البقاءِ، ويتشبَّثُ بأسبابِه، ويخافُ مِن الموتِ ويترقَّبُهُ، ويهرُبُ من أسبابِه، ليدومَ بقاؤُهُ أطولَ، لهذا نشَأَ في البشرِ الحسدُ والكذبُ والتدليسُ والسرقةُ والقتلُ منازَعَةً لسلامةِ الحياةِ والبقاءِ فيها.
ولا يستقيمُ حالُ بني آدمَ إلا بخليفةٍ يحكُمُ بالعدلِ، ولهذا نجدُ أنّ كلَّ فسادِ الناسِ يكونُ بخروجِهم عن حُكْمِ اللهِ، وحُكْمُ اللهِ لا بدَّ له مِن قائمٍ به، وهو الخليفةُ، فالفسادُ يتحقَّقُ بخروجِ الخليفةِ عن حُكْمِ اللهِ، وبخروجِ المحكومِ عن حكمِ الخليفةِ إذا حكمَ بحكمِ اللهِ وبما لا يُنافِيه.
ومِن الوجوهِ على وجوبِ التأميرِ: أنّ اللهَ أمَرَ الناسَ بالاجتماعِ، ونَهى عن التفرُّقِ والوَحْدةِ، ففي «السننِ»، مِن حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا: أنّ رسولَ الله ﷺ قالَ: (يَدُ اللهِ مَعَ الجَماعَةِ، ومَن شَذَّ شَذَّ إلى النّارِ) [[أخرجه الترمذي (٢١٦٧) (٤/٤٦٦).]].
وروى أحمدُ، وأبو داودَ، عن أبي الدَّرْداءِ، قال: قال ﷺ: (عَلَيْكَ بِالجَماعَةِ، فَإنَّما يَأْكُلُ الذِّئْبُ القاصِيَةَ) [[أخرجه أحمد (٢٧٥١٤) (٦/٤٤٦)، وأبو داود (٥٤٧) (١/١٥٠).]].
والوَحْدةُ يستقيمُ أمرُ الإنسانِ بها بلا فسادٍ غالبًا، لأنّ الفسادَ يتحقَّقُ باجتماعِهِ مع غيرِهِ، كما يحصُلُ الزِّنى والسرقةُ والقتلُ والغِيبةُ وغيرُ ذلك، ومع هذا فقد أمَرَ اللهُ بالاجتماعِ، لأنّ منافعَ الاجتماعِ أكثرُ من مضارِّهِ، ولا بدَّ لهذه المفاسدِ الناشئةِ عن الاجتماعِ من حُكْمٍ يضبِطُ، ونظامٍ يحكُمُ.
ودفعُ الفسادِ لا يكونُ إلا بإمامٍ عَدْلٍ، لذا وجَبَ التأميرُ على الناسِ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، لأنّ أمرَ الجماعةِ لا يصلُحُ إلا بذلك، وتُدفَعُ به المشاحَّةُ فيما بينَهم، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ.
وتتحقَّقُ الوِلايةُ من وجهَيْنِ:
أولًا: ثبوتُ النصِّ من الوحيِ بذلك، والنصُّ: إمّا أنْ يكونَ عامًّا، أو خاصًّا ـ والخاصُّ رُفِعَ بانقطاعِ الوحيِ ـ:
أمّا النصُّ الخاصُّ: فكثبوتِ خلافةِ أبي بكرٍ، فإنّ خلافتَهُ دلَّ عليها الدليلُ الصحيحُ، لأمورٍ ليس هذا مَحَلَّ بسطِها.
وإمامةُ الصلاةِ في الصدرِ الأولِ كانت للإمامِ الأعظمِ، وقد كان النبيُّ ﷺ يقدِّمُ أبا بكرٍ فيها، وإذا أرسَلَ سَرِيَّةً، جعَلَ الأميرَ يصلِّي فيهم، وهكذا ينبغي للمسافرِينَ أنْ يصلِّيَ فيهم أميرُهم، ففي «المصنَّفِ» لعبدِ الرزّاقِ، عن مُهاجِرِ بنِ ضَمْرَةَ، قال: اجتمَعَ أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، فقال سعيدٌ لأبي سَلَمةَ: حدِّثْ، فإنّا سنَتَّبِعُكَ، فقال أبو سلمةَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إذا كانَ ثَلاثَةٌ في سَفَرٍ، فَلْيَؤُمَّهُمْ أقْرَؤُهُمْ، فَإنْ كانَ أصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَإذا أمَّهُمْ فَهُوَ أمِيرُهُمْ)، قال أبو سَلَمةَ: فذاكُم أميرٌ أمَّرَهُ رسولُ اللهِ ﷺ[[أخرجه عبد الرزاق في «مصنَّفه» (٣٨١٢) (٢/٣٩٠).]].
وأمّا النصُّ العامُّ: فكقولِهِ ﷺ: (الأْئِمَّةُ مِن قُرَيْشٍ) [[أخرجه أحمد (١٢٣٠٧) (٣/١٢٩)، والبخاري (٣٥٠٠) (٤/١٧٩)، ومسلم (١٨٢١) (٣/١٤٥٢).]].
فإذا اسْتَوى إمامانِ في أحقيَّةِ الخلافةِ، فالقرشيُّ يقدَّمُ على غيرِ القرشيِّ بالنصِّ.
وإنّما عُرِفَتْ إمامةُ أبي بكرٍ بالاستفاضةِ المعنويَّةِ، وقد تجتمعُ القرائنُ وتستفيضُ، فتكونُ كالنصِّ الواحدِ الصريحِ، وإنّما لم يذكُرِ النبيُّ ﷺ اسمَ الخلافةِ صريحةً بعدَهُ لأبي بكرٍ، لمنزلةِ الشُّورى وتطييبِ نفوسِ الأمَّةِ باختيارِ واليها، ففي «المسندِ»، و«جامعِ الترمذيِّ»، عن عليٍّ، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا أحَدًا مِن غَيْرِ مَشُورَةٍ، لأَمَّرْتُ ابنَ أُمِّ عَبْدٍ)، رواهُ أبو إسحاقَ، عن الحارثِ وعاصمِ بنِ ضَمْرةَ، كلاهُما عن عليٍّ، به[[أخرجه أحمد (٥٦٦) (١/٧٦)، والترمذي (٣٨٠٩) (٥/٦٧٣).]]، والمرادُ بابنِ أمِّ عبدٍ: عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه.
وجوب الشورى في الولاية العامة:
وأصلُ الوِلايةِ الشرعيَّةِ، والخِلافةِ النبويَّةِ: أنْ تكونَ بالشُّورى، ويُقابِلُها المُلْكُ والتغلُّبُ والغَصْبُ، وكلُّ ما كان في الخلفاءِ الراشدينَ فهو شُورى.
وأمّا استخلافُ أبي بكرٍ لعمرَ، فقد كان استئناسًا بنصوصِ الوحيِ الدالَّةِ على فضلِهِ ومنزلتِهِ بعدَهُ، وتقديمًا له ليختارُوهُ، لا أنّه ألزَمَهم به، ففعلُهُ كالنصحِ الذي أخَذَتْ به الأُمَّةُ ولَزِمَتْهُ لمنزلةِ الناصحِ، ولذا يُشرَعُ للخليفةِ الصالحِ أنْ ينصَحَ مستخلِفًا بعدَهُ لا ملزِمًا للناسِ به، حتى لا يختلِفُوا ويقتتِلُوا عليه، ولذا روى البخاريُّ عن عمرَ بنِ الخطابِ، قال: «مَن بايَعَ رجلًا على غيرِ مشورةٍ مِن المسلِمينَ، فلا يُتابَعُ هو ولا الذي بايَعَهُ، تَغِرَّةً أن يُقْتَلا»[[أخرجه البخاري (٦٨٣٠) (٨/١٦٩).]]، أيْ: حذَرًا مِن القتلِ والفتنةِ في المسلِمينَ بسببِ عدَمِ الشُّورى فيهم.
ووصيةُ الإمامِ ونصحُهُ لمَن بعدَهُ يكونُ على صورتَيْنِ:
الأُولى: أنْ ينصَحَ بإمامٍ بعينِهِ أنْ يستخلِفَهُ الناسُ مِن بعدِهِ، فإنْ رَضُوهُ، مَضى، كما فعَلَ أبو بكرٍ مع عُمَرَ، وإنْ لم يَرْضَوْهُ، لم تصحَّ وِلايتُه.
الـثـانيةُ: أنْ ينصَحَ بتعيينِ أهلِ شُورى وحَلٍّ وعَقْدٍ أنْ يختارُوا للناسِ إمامًا، كما فعَلَ عمرُ، حتى لا يتنازَعَ الناسُ في تعيينِ أهلِ الحَلِّ والعَقْدِ والشُّورى منهم، فقد روى مسلمٌ، مِن حديثِ مَعْدانَ بنِ أبي طلحةَ، أنّ عمرَ بنَ الخطابِ خطَبَ يومَ الجُمُعةِ، فذكَرَ نبيَّ اللهِ ﷺ، وذكَرَ أبا بكرٍ، قال: إنِّي رأيتُ كأنّ دِيكًا نَقَرَني ثلاثَ نَقَراتٍ، وإنِّي لا أُراهُ إلا حُضُورَ أجَلِي، وإنّ أقوامًا يأمُرُونَني أنْ أستخلِفَ، وإنّ اللهَ لم يكنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، ولا خِلافتَهُ، ولا الذي بعَثَ به نبيَّهُ ﷺ، فإنْ عَجِلَ بي أمرٌ، فالخلافةُ شُورى بينَ هؤلاءِ الستَّةِ[[أخرجه مسلم (٥٦٧) (١/٣٩٦).]].
وتعيينُ عمرَ لأهلِ الشُّورى نصحٌ ووصيةٌ لقَبُولِ الناسِ لرأيِهِ وثقتِهم فيه، فأرادَ أنْ يَجْمَعَهم، لا أنْ يترُكَهم فيتنازَعُوا.
وإذا لم يَقْبَلِ الناسُ تعيينَ أهلِ الشُّورى مِن قِبَل الإمامِ لم يكُنْ ذلك ماضيًا عليهم، لأنّ أهلَ الشُّورى ليسُوا بأَوْلى مِن الإمامِ المُستخلَفِ، فإذا كان الاستخلافُ لا يصحُّ إلا برِضا أهلِ الشُّورى، فمِن بابِ أولى أنّ أهلَ الشُّورى لا يمضُونَ إلا بأنْ يَرْضى عنهم الناسُ الذين تكونُ بهم شَوْكةٌ.
فإذا رضِيَ الناسُ أهلَ الشُّورى، فقطَعُوا على مبايعةِ إمامٍ مِن المسلِمينَ، وجَبَ التِزامُها عندَ أكثرِ العلماءِ، وحَكى إمامُ الحَرَمَيْنِ الإجماعَ على ذلك[[من «غياث الأمم، والتياث الظلم».]].
الوجهُ الثاني لتحقُّقِ الوِلاية:
أنْ يَقْهَرَ إمامٌ مسلمٌ الناسَ على طاعتِهِ، فيتولّى الأمرَ بالقوةِ، فيتمكَّنَ منهم، فإنّه حينئذٍ يُسمَعُ له ويُطاعُ، دفعًا للشرِّ والخلافِ والفتنةِ وإراقةِ الدماءِ، وقد نصَّ عليه الشافعيُّ[[«البيان في مذهب الإمام الشافعي» للعمراني (١٢/١٤).]].
ولايةُ المتغلِّب:
والإمامُ المتغلِّبُ: هو الذي يتغلَّبُ لحظِّ نفسِهِ، وحبًّا في المُلْكِ والأثَرَةِ، وليس الذي يتغلَّبُ لإقامةِ شرعٍ غيرِ شرعِ اللهِ، فيحكِّمُ ويشرِّعُ غيرَ شرعِهِ، مُحِلًّا ما حرَّمَ اللهُ، ومحرِّمًا ما أحلَّ اللهُ، فهذا ـ وإنْ عَجَزَ الناسُ عن دفعِهِ، لقوَّتِهِ وعِظَمِ المفسدةِ في رفعِهِ ـ إلا أنّ بيعتَهُ لا تنعقِدُ إمامًا للمسلِمينَ، لكنْ يُصْبَرُ عليه إلى حينِ التمكُّنِ والقدرةِ عليه، أو يُتربَّصُ به حتى يَهْلِكَ فيُستراحَ منه بغيرِهِ.
تعدُّد الولاة وبلدان الإسلام:
الأصلُ: وجوبُ جمعِ المسلمين على إمامٍ واحدٍ، وإذا تعذَّر ذلك، فإنَّه يجوزُ نصبُ إمامَيْنِ وأكثرَ في الأرضِ، على كلِّ قُطْرٍ واحدٌ، وذلك أنّ اللهَ يبعَثُ نبيَّيْنِ في زمنٍ واحدٍ، كلُّ نبيٍّ إلى أُمَّةٍ، والنبيُّ نبيٌّ وخليفةٌ حاكمٌ مُطاعٌ، ومع اتِّساعِ رُقْعةِ العالَمِ الإسلاميِّ وترامِي أطرافِ البلدانِ الإسلاميَّةِ قد يَشُقُّ أنْ يتولّى واحدٌ على جميعِها فيدومَ، فإنّ ضَعْفَ قدرةِ الإنسانِ وقِصَرَ بسطتِهِ يجعلُهُ يضعُفُ عن الإحاطةِ بطبائعِ البشرِ وجَمْعِهم على أمرٍ واحدٍ دائم، ولكنْ يقالُ: إنْ أمكَنَ جمْعُهم مِن البقاعِ تحتَ وِلايةٍ واحدةٍ، فهو أولى بالاتِّفاقِ، وبعضُ العلماءِ يحكِي الإجماعَ على وجوبِ ذلك.
وعند تعدد الأمراء المسلمين فكل حاكم له ولايته على أرضه يُسمع له ويُطاع فيها، ومن خرج عن أرضه من رعيته إلى بلد مسلم آخر فيسمع ويطيع لمن في ذلك البلد، وليس عليه للأول شيء لخروجه عن سلطانه، وقد خرج عبادة بن الصامت وأبو الدرداء من حكم معاوية حتى لا يكون لمعاوية عليهما أمر، قال عبادة: «لا أساكنك بأرض لك عليَّ فيها إمرة»، وكان ذلك في خلافة عمر فأقرهما[[أخرجه ابن ماجه (١/٨)، ومالك في «الموطأ» (٤/٩١٦).]]. وإن تعددت بلدان الإسلام وحكامهم فليس لحاكم منهم أن يمنع أحدًا أن يتحوّل إلى بلد آخر منها، لأن منعه من ذلك منع من حقه بسكنى الأرض وحرية السعي فيها، ولا يكون ذلك إلا بعقوبة الحبس، لأن المنع من الخروج من الحي والبلد نوع من الحبس، والحبس عقوبة لا تنزل إلا بجُرْم.
التأميرُ في السفرِ، وحكمُهُ:
والتأميرُ كما يكونُ في الحضرِ، يكونُ في السفرِ، يؤمِّرُ الجماعةُ فيما بينَهم أميرًا عليهم، سواءٌ كان سفرَ جهادٍ أو حجٍّ أو عمرةٍ، أو سفرًا مباحًا، قال تعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى المَلإ مِن بَنِي إسْرائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسى إذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكًا نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٤٦].
وفي الحديثِ الذي رواهُ أحمدُ ومسلمٌ وغيرُهما، من حديثِ بُرَيْدَةَ، قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سَرِيَّةٍ، أوْصاهُ في خاصَّتِهِ بتقْوى اللهِ[[أخرجه أحمد (٢٣٠٣٠) (٥/٣٥٨)، ومسلم (١٧٣١) (٣/١٣٥٧).]].
وروى أبو داودَ وغيرُهُ، عن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ ـ رضِي اللهُ تعالى عنهما ـ قالا: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إذا خَرَجَ ثَلاثَةٌ في سَفَرٍ، فَلْيُؤَمِّرُوا أحَدَهُمْ) [[أخرجه أبو داود (٢٦٠٨) (٣/٣٦).]].
والصوابُ في هذا الحديثِ: الإرسالُ مِن حديثِ ابنِ عَجْلانَ، عن نافعٍ، عن أبي سلمةَ، مرسَلًا[[«علل الدارقطني» (٩/٣٢٧).]]، وقد رجّح الإرسالَ فيه أبو حاتمٍ وأبو زُرْعةَ[[«علل ابن أبي حاتم» (٢/٧٦).]].
ويجوزُ على القومِ في السفرِ وغيرِهم: أنْ يغيِّرُوا الأميرَ بلا طُرُوءِ مفسدةٍ فيما بينَهم، ولو في أثناءِ طريقِهم، فقد روى عبدُ الرزّاقِ في «مصنَّفِهِ»، عن عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قال: لقِيَ عمرُ بنُ الخطابِ رَكْبًا يُريدونَ البيتَ، فقال: «مَن أنتُم؟»، فأجابَهُ أحدثُهم سنًّا، فقال: عبادُ اللهِ المسلِمونَ، قال: «مِن أينَ جئتُم؟»، قال: مِن الفَجِّ العميقِ، قال «أين تُريدونَ؟»، قال: البيتَ العتيقَ، قال عمرُ: تأوَّلَها لَعَمْرُ اللهِ! فقال عمرُ: «مَن أميرُكم؟»، فأشارَ إلى شيخٍ منهم، فقال عمرُ: «بل أنتَ أميرُهم»، لأحدَثِهم سِنًّا الذي أجابَهُ بجيِّدٍ[[اخرجه عبد الرزاق فى «مصنفه» (٣٨١٣) (٢ /٣٩٠).]].
وقد اختلَفَ العلماءُ في التأميرِ في السفرِ، مع اتِّفاقِهم على مشروعيَّتِه:
فذهَبَ إلى الوجوبِ جماعةٌ، كابنِ تَيْمِيَّةَ[[«مجموع الفتاوى»(٢٨ /٦٥).]].
وذهَبَ آخَرونَ إلى الاستحبابِ، كابنِ خُزَيْمَةَ[[«صحيح ابن خزيمة» (٤ /١٤٠).]].
والتأميرُ إذا كثُرَ الناسُ، كان أوجَبَ وآكَدَ، لأنّهم أقرَبُ إلى الفُرْقةِ والاختلافِ، وإذا قلُّوا ـ كسفرِ الاثنَيْنِ ـ كان الأمرُ أخفَّ وأهوَنَ.
استفهامُ المأمورِ عن أمر الآمِرِ:
وفي استفهامِ الملائكةِ عن حِكْمةِ الأمرِ: جوازُ سؤالِ المخبَرِ والمأمورِ عن حِكْمةِ ما يخبَرُ أو يؤمَرُ به، وأنّ ذلك ليس مِن الخروجِ عن الأدبِ، ولا يُنافي تمامَ التسليمِ، فاللهُ وصَفَ ملائكتَهُ بقولِهِ: ﴿لا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: ٢٧].
واستفهامُ المحكومِ عن أمرِ الحاكمِ في أمرٍ يَفعلُهُ فيهم، عن حِكْمتِهِ وعلةِ أمرِهِ ـ جائزٌ، ويجبُ عليه أن يبيِّنَ قَصْدَهُ في ذلك، وهذا عامٌّ في كلِّ آمِرٍ إلا اللهَ سبحانه وتعالى، لأنّه ـ جلَّ وعلا ـ لا يُسأَلُ سؤالًا يقتضِي حَتْمَ الجوابِ عليه، لأنّه المعبودُ سبحانَهُ، والسؤالُ يَلزَمُ منه إفادةٌ بعِلْمٍ، وما كلُّ علمٍ تُدْرِكُهُ العقولُ البشريَّةُ، لهذا أجمَلَ اللهُ القولَ لملائكتِهِ: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ﴾.
وربَّما كانت هناك علومٌ لا تُدرَكُ على وجهِها، لِسَعَتِها وضعفِ عقلِ الإنسانِ وإدراكِهِ وضعفِ خِلْقتِهِ، فبعضُ العلومِ والمعارفِ الواسعةِ لو قِيلتْ للإنسانِ، أفسَدَتْهُ وحيَّرتْهُ، والعيبُ ليس فيها، وإنّما في قصورِ عقلِهِ عن استيعابِها، فعقلُ الإنسانِ وعاءٌ لا يَحتمِلُ إفاضةَ البحرِ فيه، ولو أفَضْتَهُ فيه، لَفَسَدَ وتاهَ وضاعَ في بحرِ الحَيْرَةِ، كما يضيعُ الإناءُ إذا أُفيضَ البحرُ عليه فينغمِرُ في أعماقِه.
وهذا كما هو في العقولِ، فهو في بنيةِ الإنسانِ وخِلْقَتِه، فهذا موسى عليه السلام حينَما سأَلَ اللهَ أنْ يراهُ، قال اللهُ له: ﴿لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾ [الأعراف: ١٤٣].
فإذا كانتِ الأبصارُ لا تستطيعُ استيعابَ كثيرٍ من الحقائق، فكذلك العقولُ، فحَجْبُها عنها أصلَحُ لها حتى يخلُقَها اللهُ على خِلْقةٍ أقوى منها، كحالِ الأبصارِ في الجنةِ حينَ تَرى اللهَ سبحانَه.
والملائكةُ حينَما سألتِ اللهَ وهي تعلَمُ عن اللهِ ما لا يعلَمُهُ أكثَرُ البشرِ، فما أجابَها اللهُ بتمامِ مقصودِها، فورودُ السؤالِ في أذهانِ البشرِ مِن بابِ أولى، وعدمُ إجابةِ اللهِ للبشرِ مِن بابِ أولى أيضًا.
بخلافِ العقولِ البشريَّةِ فيما بينَها، فبعضُها يُدرِكُ ما يُدرِكُهُ أشباهُها، لهذا وجَبَ بيانُ الحِكمةِ مِن أمرِ المأمورِ عندَ سؤالِهِ عنه، مع أنّ امتثالَهُ لأمرِ وليِّ الأمرِ لا يلزَمُ منه فهمُهُ لحكمتِهِ إذا قَصَرَ علمُهُ عن استيعابِه، ما لم يكنْ معصيةً ظاهرةً للهِ، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ.
جوازُ استعمال القياسِ:
وعلى استخلافِ اللهِ الجِنَّ في الأرضِ قاسَ الملائكةُ الفسادَ فيها في استخلافِ البشرِ، وفي هذه الآيةِ دليلٌ على جوازِ القياسِ مِن جهةِ الاستدلالِ به، وعلى عدمِ الاعتبارِ به أحيانًا أيضًا:
أمّا جوازُهُ: فحيثُ قاسَتِ الملائكةُ أمرَ بني آدمَ على أمرِ الجنِّ في الإفسادِ، للعِلَّةِ بينَهما، وهي الاستخلافُ.
وأمّا عدَمُ الاعتبارِ به مع جوازِهِ: فإنّ اللهَ ما ردَّ قولَ الملائكةِ في قياسِهم، وإنّما بَيَّنَ عدمَ الاعتبارِ به لعلةٍ وحكمةٍ غائبةٍ تليقُ بعلمِ اللهِ، وتقصُرُ عنها مدارِكُ الملائكةِ، وهي الفارقُ الذي يمنعُ اعتبارَ القياس.
قاعدةُ درءِ المفاسد:
وفي الآيةِ: دليلٌ على جوازِ الاستدلالِ بقاعدةِ: «دَرْءُ المَفاسِدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المَصالِحِ»، وعلى عدمِ الاعتبارِ بها في بعضِ المواضعِ، لعلةٍ أقوى في المصلحةِ:
أمّا الاستدلالُ بها على جوازِ هذه القاعدةِ: فهو في قولِ الملائكةِ: ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾، عَلِمُوا مِن خلقِ اللهِ المصلحةَ، فاللهُ لا يخلُقُ شرًّا مَحْضًا، ولا شرًّا غالبًا سبحانَه، ويَعْلَمونَ من حالِ المستخلَفِينَ الفسادَ في الأرضِ، فاستشكَلُوا ذلك، فاستفهَمُوا من اللهِ سبحانَه عن تقديمِ المصلحةِ الغائبةِ عنهم على تلك المفسدةِ الظاهرةِ لهم.
وأمّا عدَمُ الاعتدادِ بها في هذا الموضعِ، فظاهرٌ، وذلك إذا قَوِيَتِ المصلحةُ، وكانتِ المفسدةُ دونَها في الأثرِ، فتكونُ المصلحةُ راجحة.
وكلَّما قوِيَ العالِمُ بالشريعةِ والسننِ الكونيةِ إدراكًا وفهمًا، كان أدرَكَ للمصالحِ والمفاسدِ، وأعلَمَ بأشدِّها تأثيرًا، وقد يغيبُ هذا عن العامَّةِ فيَستشكِلونَه، وكما قيل: «ليس العاقلُ مَن عرَفَ الخيرَ من الشرِّ، إنما العاقلُ مَن عرَفَ خيرَ الخيرَيْن، وشرَّ الشَّرَّيْنِ».
وقد تكونُ المصلحةُ بعيدةَ الوقوعِ وهي قويةُ الأثرِ، وبُعْدُها أضعَفَها في عينِ المتأمِّلِ، والمفسدةُ ضعيفةَ الأثرِ قريبةَ الوقوعِ، وقُرْبُها قوّاها في عينِ المتأمِّلِ والناظرِ، وطبيعةُ العقولِ أنّ حدوثَ الأشياءِ بينَ يَدَيْها يقوِّيها عندَها على غيرِها الغائبِ أو الذي لم يحدُثْ، وللهِ حِكَمٌ دقيقةٌ في خلْقِهِ وحُكْمِهِ تغيبُ عن مخلوقاتِهِ يدبِّرُ فيها الكونَ ويُدِيرُ فيها الخلائقَ، يُدرِكُ العقلاءُ بعضًا، ويغيبُ عنهم أكثَرُها.
واللهُ إنّما أخبَرَ الملائكةَ بخبرِ خليفةِ الأرضِ، لأنّهم هم مَن يلي شأنَ بَني آدمَ، مِن النَّفْخِ، والكتابةِ، والرقابةِ، وشأنِ الموتِ، والمطرِ، والسحابِ، وغيرِ ذلك.
فضلُ التسبيح:
وقولُ الملائكةِ: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾: فيه فضلُ التسبيحِ والتعظيمِ للهِ، وتسبيحُ الملائكةِ هو كما جاء في «صحيحِ مسلمٍ»، عن أبي ذرٍّ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ سُئل: أيُّ الكلامِ أفضلُ؟ قال: (ما اصْطَفى اللهُ لِمَلائِكَتِهِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ) [[أخرجه مسلم (٢٧٣١) (٤ /٢٠٩٣).]].
وروى البيهقيُّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ قُرْطٍ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ ليلةَ أُسْرِيَ به، سَمِعَ تسبيحًا في السمواتِ العُلا: (سُبْحانَ العَلِيِّ الأَعْلى، سُبْحانَهُ وتَعالى) [[أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٢٤) (١ /٥٢).]].
وقيلَ: المرادُ بذلك صلاتُهُمْ، فاللهُ يسمِّي الصلاةَ تسبيحًا، كما قال تعالى: ﴿فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ ﴾ [الصافات: ١٤٣].
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق