الباحث القرآني
[خَطَرُ تَوَلِّي القَضاءِ]
جاءَ في القاضِي مِن الوَعِيدِ والتَّخْوِيفِ ما لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ في المُفْتِي، كَما رَواهُ أبُو داوُد الطَّيالِسِيُّ مِن حَدِيثِ عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - أنَّها ذُكِرَ عِنْدَها القُضاةُ فَقالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:
«يُؤْتى بِالقاضِي العَدْلِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَلْقى مِن شِدَّةِ الحِسابِ ما يَتَمَنّى أنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ في تَمْرَةٍ قَطُّ»
وَرَوى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ: «ما مِن حاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النّاسِ إلّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ آخِذٌ بِقَفاهُ حَتّى يَقِفَ بِهِ عَلى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ إلى اللَّهِ فَإنْ أمَرَهُ أنْ يَقْذِفَهُ قَذَفَهُ في مَهْوى أرْبَعِينَ خَرِيفًا» وفي السُّنَنِ مِن حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «القُضاةُ ثَلاثَةٌ، اثْنانِ في النّارِ وواحِدٌ في الجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَقَضى بِهِ فَهو في الجَنَّةِ، ورَجُلٌ قَضى بَيْنَ النّاسِ بِالجَهْلِ فَهو في النّارِ، ورَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فَجارَ فَهو في النّارِ».
وَقالَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ويْلٌ لِدَيّانِ مَن في الأرْضِ مِن دَيّانِ مَن في السَّماءِ، يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ، إلّا مَن أمَرَ بِالعَدْلِ، وقَضى بِالحَقِّ، ولَمْ يَقْضِ عَلى هَوًى، ولا عَلى قَرابَةٍ، ولا عَلى رَغَبٍ ولا رَهَبٍ، وجَعَلَ كِتابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ وفي سُنَنِ أبِي داوُد مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن طَلَبَ قَضاءَ المُسْلِمِينَ حَتّى يَنالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الجَنَّةُ، ومَن غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النّارُ» وفي سُنَنِ البَيْهَقِيّ مِن حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطاءٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُ مَعَ القاضِي ما لَمْ يَجُرْ، فَإذا جارَ بَرِئَ اللَّهُ مِنهُ ولَزِمَهُ الشَّيْطانُ» وفِيهِ مِن حَدِيثِ حُسَيْنِ المُعَلِّمِ عَنْ الشَّيْبانِيِّ عَنْ ابْنِ أبِي أوْفى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنّ اللَّهَ مَعَ القاضِي ما لَمْ يَجُرْ، فَإذا جارَ وكَّلَهُ إلى نَفْسِهِ».
وَفِي السُّنَنِ الأرْبَعَةِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «مَن قَعَّدَ قاضِيًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ فَقَدْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وفي سُنَنِ البَيْهَقِيّ مِن حَدِيثِ أبِي حازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «وَيْلٌ لِلْأُمَراءِ، ووَيْلٌ لِلْعُرَفاءِ، ووَيْلٌ لِلْأُمَناءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أقْوامٌ يَوْمَ القِيامَةِ أنَّ نَواصِيَهم كانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيّا يَتَجَلْجَلُونَ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، وأنَّهم لَمْ يَلُوا عَمَلًا».
[الوَعِيدُ عَلى الإفْتاءِ]
وَأمّا المُفْتِي فَفي سُنَنِ أبِي داوُد مِن حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ يَسّارٍ قالَ: سَمِعْت أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قالَ عَلَيَّ ما لَمْ أقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا في جَهَنَّمَ، ومَن أفْتى بِغَيْرِ عِلْمٍ كانَ إثْمُهُ عَلى مَن أفْتاهُ ومَن أشارَ عَلى أخِيهِ بِأمْرٍ يَعْلَمُ الرُّشْدَ في غَيْرِهِ فَقَدْ خانَهُ» فَكُلُّ خَطَرٍ عَلى المُفْتِي فَهو عَلى القاضِي، وعَلَيْهِ مِن زِيادَةِ الخَطَرِ ما يَخْتَصُّ بِهِ، ولَكِنْ خَطَرُ المُفْتِي أعْظَمُ مِن جِهَةٍ أُخْرى؛ فَإنَّ فَتْواهُ شَرِيعَةٌ عامَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَفْتِي وغَيْرِهِ وأمّا الحاكِمُ فَحُكْمُهُ جُزْئِيٌّ خاصٌّ لا يَتَعَدّى إلى غَيْرِ المَحْكُومِ عَلَيْهِ ولَهُ؛ فالمُفْتِي يُفْتِي حُكْمًا عامًّا كُلِّيًّا أنَّ مَن فَعَلَ كَذا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَذا، ومَن قالَ كَذا لَزِمَهُ كَذا، والقاضِي يَقْضِي قَضاءً مُعَيَّنًا عَلى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَقَضاؤُهُ خاصٌّ مُلْزِمٌ، وفَتْوى العالِمِ عامَّةٌ غَيْرُ مُلْزِمَةٍ، فَكِلاهُما أجْرُهُ عَظِيمٌ، وخَطَرُهُ كَبِيرٌ.
* (فائدة)
قال ابن عقيل: "الأموال التي يأخذها القضاة أربعة أقسام:
رشوة، وهدية، وأجرة، ورزق.
فالرشوة حرام وهي ضربان: رشوة ليميل إلى أحدهما بغير حق فهذه حرام عن فعل حرام على الآخذ والمعطي وهما آثمان، ورشوة يعطاها ليحكم بالحق واستيفاء حق المعطي من دين ونحوه فهي حرام على الحاكم دون المعطي، لأنها للاستنقاذ، فهي كجُعل الآبق وأجرة الوكلاء في الخصومة، وأما الهدية فضربان: هدية كانت قبل الولاية فلا تحرم استدامتها وهدية لم تكن إلا بعد الولاية وهي ضربان: مكروهة وهي الهدية إليه ممن لا حكومة له وهدية ممن قد اتجهت له حكومة فهي حرام على الحاكم والمهدي. وأما الأجرة إن كان للحاكم رزق من الإمام من بين المال حرم عليه أخذ الأجرة قولا واحدا لأنه إنما أجرى له الرزق لأجل الاشتغال بالحكم فلا وجه لأخذ الأجرة من جهة الخصوم وإن كان الحاكم لا رزق له فعلى وجهين: أحدهما الإباحة لأنه عمل مباح فهو كما لو حكماه ولأنه مع عدم الرزق لا يتعين عليه الحكم فلا يمنع من أخذ الأجرة كالوصي وأمين الحاكم يأكلان من مال اليتيم بقدر الحاجة وأما الرزق من بيت المال فإن كان غنيا لا حاجة له إليه احتمل أن يكره لئلا يضيق على أهل المصالح ويحتمل أن يباح لأنه بذل نفسه لذلك فصار كالعامل في الزكاة والخراج.
قلت: أصل هذه المسائل عامل الزكاة وقيم اليتيم فإن الله تعالى أباح لعامل الزكاة جزءا منها فهو يأخذه مع الفقر والغنى
والنبي ﷺ منعه من قبول الهدية وقال:
"هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدي إليه أم لا"
وفي هذا دليل على أن من أهدي إليه في بيته ولم يكن بسببية العمل على الزكاة جاز له قبوله فيدل ذلك على أن الحاكم إذا أهدى إليه من كان يهدي له قبل الحكم ولم تكن ولايته سبب الهدية فله قبولها.
وأما ناظر اليتيم فالله تعالى أمره بالاستعفاف مع الغنى وأباح له الأكل بالمعروف مع الفقر وهو إما اقتراض أو إباحة على الخلاف فيه والحاكم فرع متردد بين أصلين عامل الزكاة وناظر اليتيم فمن نظر إلى عموم الحاجة إليه وحصول المصلحة العامة به ألحقه بعامل الزكاة فيأخذ الرزق مع الغني كما يأخذه عامل الزكاة ومن نظر إلى كونه راعيا منتصبا لمعاملة الرعية بأن لا حظ لهم أنهم ألحقه بولي اليتيم إن احتاج أخذ، وإن استغنى ترك.
وهذا أفقه وهو مذهب الخلفيتين الراشدين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة ولي اليتيم إن احتاج أكل بالمعروف وإن استغنى ترك"
والفرق بينه وبين عامل الزكاة أن عامل الزكاة مستأجر من جهة الإمام لجباية أموال المستحقين لها وجمعها فما يأخذه يأخذه بعمله كمن يستأجره الرجل لجباية أمواله، وأما الحاكم فإنه منتصب لإلزام الناس بشرائع الرب تبارك وتعالى وأحكامه وتبليغها إليهم فهو مبلغ عن الله تعالى عز وجل بفتياه ويتميز عن المفتى بالإلزام بولايته وقدرته والمبلغ عن الله تعالى الملزم للأمة بدينة لا يستحق عليهم شيئا فإن كان محتاجا فله من الفيء ما يسد حاجته وهذا لون وعامل الزكاة لون فالحاكم مفتي في خبره عن حكم الله ورسوله شاهد فيما ثبت عنده ملزم لمن توجه عليه الحق فيشترط له شروط المفتى والشاهد ويتميز بالقدرة على التنفيذ فهو في منصب خلافة من قال: ﴿لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا﴾ فهؤلاء هم الحكام المقدر وجودهم في الأذهان المفقودون في الأعيان الذين جعلهم الله ظلالا يأوي إليها اللهفان ومناهل يردها الظمآن.
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق