الباحث القرآني
هَذِهِ الآيَةُ مِن أُمَّهاتِ الآياتِ المُشْتَمِلَةِ عَلى كَثِيرٍ مِن أحْكامِ الشَّرْعِ؛ لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّ الخِطابَ يَشْمَلُ جَمِيعَ النّاسِ في جَمِيعِ الأماناتِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وزَيْدِ بْنِ أسْلَمَ وشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ أنَّها خِطابٌ لِوُلاةِ المُسْلِمِينَ، والأوَّلُ أظْهَرُ، ووُرُودُها عَلى سَبَبٍ كَما سَيَأْتِي لا يُنافِي ما فِيها مِنَ العُمُومِ، فالِاعْتِبارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ، وتَدْخُلُ الوُلاةُ في هَذا الخِطابِ دُخُولًا أوَّلِيًّا، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَأْدِيَةُ ما لَدَيْهِمْ مِنَ الأماناتِ ورَدُّ الظُّلاماتِ وتَحَرِّي العَدْلِ في أحْكامِهِمْ، ويَدْخُلُ غَيْرُهم مِنَ النّاسِ في الخِطابِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ رَدٌّ ما لَدَيْهِمْ مِنَ الأماناتِ والتَّحَرِّي في الشَّهاداتِ والأخْبارِ. ومِمَّنْ قالَ بِعُمُومِ هَذا الخِطابِ: البَراءُ بْنُ عازِبٍ وابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، واخْتارَهُ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ، ومِنهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّ الأماناتِ مَرْدُودَةٌ إلى أرْبابِها: الأبْرارُ مِنهم والفُجّارُ، كَما قالَ ابْنُ المُنْذِرِ. والأماناتُ جَمْعُ أمانَةٍ، وهي مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: ﴿وإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾ أيْ: وإنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكم إذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ. والعَدْلُ: هو فَصْلُ الحُكُومَةِ عَلى ما في كِتابِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، لا الحُكْمُ بِالرَّأْيِ المُجَرَّدِ، فَإنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الحَقِّ في شَيْءٍ إلّا إذا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ تِلْكَ الحُكُومَةِ في كِتابِ اللَّهِ ولا في سُنَّةِ رَسُولِهِ، فَلا بَأْسَ بِاجْتِهادِ الرَّأْيِ مِنَ الحاكِمِ الَّذِي يَعْلَمُ بِحُكْمِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وبِما هو أقْرَبُ إلى الحَقِّ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ، وأمّا الحاكِمُ الَّذِي لا يَدْرِي بِحُكْمِ اللَّهِ ورَسُولِهِ ولا بِما هو أقْرَبُ إلَيْهِما فَهو لا يَدْرِي ما هو العَدْلُ؛ لِأنَّهُ لا يَعْقِلُ الحُجَّةَ إذا جاءَتْهُ فَضْلًا عَنْ أنْ يَحْكُمَ بِها بَيْنَ عِبادِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: نِعِمّا ما مَوْصُوفَةٌ أوْ مَوْصُولَةٌ، وقَدْ قَدَّمْنا البَحْثَ في مِثْلِ ذَلِكَ. وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ لَمّا فَتَحَ مَكَّةَ وقَبَضَ مَفاتِحَ الكَعْبَةِ مِن عُثْمانَ بْنِ طَلْحَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِرَدِّ المِفْتاحِ، فَدَعا النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ عُثْمانَ بْنَ طَلْحَةَ ورَدَّهُ إلَيْهِ، وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في عُثْمانَ بْنِ طَلْحَةَ لَمّا قَبَضَ مِنهُ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ مِفْتاحَ الكَعْبَةِ فَدَعاهُ ودَفَعَهُ إلَيْهِ» . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: حَقٌّ عَلى الإمامِ أنْ يَحْكُمَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ، وأنْ يُؤَدِّيَ الأمانَةَ، فَإذا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلى النّاسِ أنْ يَسْمَعُوا لَهُ وأنْ يُطِيعُوا وأنْ يُجِيبُوا إذا دُعُوا.
وأخْرَجَ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «أدِّ الأمانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَن خانَكَ» وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ «أنَّ مَن خانَ إذا اؤْتُمِنَ فَفِيهِ خَصْلَةٌ مِن خِصالِ النِّفاقِ» .
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق