الباحث القرآني

ولَمّا تَقَدَّمَ في هَذِهِ السُّورَةِ الأمْرُ بِالإحْسانِ والعَدْلِ في النِّساءِ؛ واليَتامى؛ في الإرْثِ وغَيْرِهِ؛ وفي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدِّماءِ؛ والأمْوالِ؛ والأقْوالِ؛ والأفْعالِ؛ وذِكْرُ خِيانَةِ أهْلِ الكِتابِ؛ وما أحَلَّ بِهِمْ لِذَلِكَ مِنَ العِقابِ؛ وذِكْرُ أنَّهُ آتى هَذِهِ الأُمَّةَ المُلْكَ المُقْتَضِيَ لِلْحُكْمِ؛ وآتاهُمُ الحِكْمَةَ بَعْدَ جَهْلِهِمْ؛ وضَعْفِهِمْ؛ أقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِلَذِيذِ خِطابِهِ؛ بَعْدَما وعَدَهم عَلى امْتِثالِ أمْرِهِ مِن كَرِيمِ ثَوابِهِ؛ بِما خَتَمَهُ بِالظِّلِّ المَوْعُودِ عَلى العَدْلِ؛ في حَدِيثِ: «”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ“؛» فَقالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ أيْ: الَّذِي لَهُ صِفاتُ الكَمالِ؛ ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾؛ أيْ: أيَّتُها الأُمَّةُ؛ ﴿أنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهْلِها﴾؛ أيْ: مِن غَيْرِ خِيانَةٍ ما؛ كَما فَعَلَ أهْلُ الكِتابِ في كِتْمانِ ما عِنْدَهُمْ؛ والإخْبارِ بِغَيْرِهِ؛ و”الأمانَةُ“: كُلُّ ما وجَبَ لِغَيْرِكَ عَلَيْكَ. ولَمّا أمَرَ بِما يَحِقُّ لِلْإنْسانِ في نَفْسِهِ؛ أمَرَ بِما يَحِقُّ لَهُ في مُعامَلَةِ غَيْرِهِ؛ (p-٣٠٩)وحَقَّقَ لَهم ما لَمْ يَكُونُوا يَرُومُونَهُ مِن أمْرِ المُلْكِ؛ بِقَوْلِهِ - بِأداةِ القَطْعِ؛ عاطِفًا شَيْئَيْنِ عَلى شَيْئَيْنِ -: ﴿وإذا حَكَمْتُمْ﴾؛ وبَيَّنَ عُمُومَ مُلْكِهِمْ لِسائِرِ الأُمَمِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿بَيْنَ النّاسِ﴾؛ وبَيَّنَ المَأْمُورَ بِهِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾؛ أيْ: السَّواءِ؛ بِأنْ تَأْمُرُوا مَن وجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِأدائِهِ إلى مَن هو لَهُ؛ فَإنَّ ذَلِكَ مِن أعْظَمِ الصّالِحاتِ المُوجِبَةِ لِحُسْنِ المَقِيلِ في الظِّلِّ الظَّلِيلِ؛ أخَرَجَ الشَّيْخانِ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظَلُّهُ: إمامٌ عادِلٌ...“؛» الحَدِيثَ. ولَمّا أخْبَرَهم بِأمْرِهِ زادَهم رَغْبَةً بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ مُعَبِّرًا أيْضًا بِالِاسْمِ الأعْظَمِ؛ ﴿نِعِمّا﴾؛ أيْ: نِعْمَ شَيْئًا عَظِيمًا؛ ﴿يَعِظُكم بِهِ﴾؛ وحَثَّهم عَلى المُبادَرَةِ إلى حُسْنِ الِامْتِثالِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾؛ مُكَرِّرًا لِهَذا الِاسْمِ الشَّرِيفِ؛ لِيَجْتَهِدُوا في التَّرَقِّي في طَهارَةِ الأخْلاقِ إلى حَدٍّ لَمْ يَبْلُغْهُ غَيْرُهُمْ؛ ولَمّا كانَ الرَّقِيبُ في الأماناتِ لا بُدَّ لَهُ مِن أنْ يَكُونَ لَهُ مِن يَدِ سَمْعٍ وعِلْمٍ؛ قالَ: ﴿كانَ﴾؛ أيْ: ولَمْ يَزَلْ؛ ولا يَزالُ؛ (p-٣١٠)﴿سَمِيعًا﴾؛ أيْ: بالِغَ السَّمْعِ لِكُلِّ ما يَقُولُونَهُ؛ جَوابًا لِأمْرِهِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ ﴿بَصِيرًا﴾؛ أيْ: بالِغَ البَصَرِ؛ والعِلْمِ بِكُلِّ ما يَفْعَلُونَهُ في ذَلِكَ؛ وغَيْرِهِ؛ مِنَ امْتِثالٍ وغَيْرِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب