الباحث القرآني
قوله تعالى: {أَن تُؤدُّواْ} : منصوبُ المحلِّ: إمَّا على إسقاط حرف الجر؛ لأنَّ حَذْفَه يَطَّرِدُ مع «أنْ» ، إذا أُمِنَ اللَّبْسُ لطولِهما بالصلة، وإمَّا لأن «أَمَر» يتعدَّى إلى الثاني بنفسِه نحو: «أمرتك الخير» . فعلى الأول يجري الخلافُ في محلِّها: أهي في محلِّ نصبٍ أم جر، وعلى الثاني: هي في محلِّ نصبٍ فقط. وقُرئ «الأمانةَ» .
والظاهرُ أنَّ قوله: {أَن تَحْكُمُواْ} معطوفٌ على أَنْ تُؤَدُّوا «أي: يأمركم بتأديةِ الأماناتِ وبالحكمِ بالعدلِ، فيكونُ قد فصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف، وهي مسألة خلاف: ذهب الفارسي الى مَنْعِها إلا في الشعر، وذهب غيره إلى جوازها مطلقاً. ولننقِّحْ محلِّ الخلاف أولاً فأقول: إنَّ حرف العطف إذا كان على حرف واحد كالواو والفاء: هل يجوزُ أن يُفْصَلَ بينه وبين ماعَطَفه بالظرفِ وشِبْهِهِ أم لا؟ ذهب الفارسي إلى مَنْعِه مستدلاً بأنه إذا كان على حرف واحد فقد ضَعُف، فلا يتوسَّط بينه وبين ما عطفه شيءٌ إلا في ضروة كقوله:
1595 - يوماً تَراها كشِبْه أَرْدِيَةِ ال ... عَضْب ويوماً أَدِيمَها نَغِلا
تقديره:» وترى أديمها نَغِلاً يوماً «فَفَصَل ب» يوماً. وذهب غيرُه إلى جوازِه مُسْتَدِلاًّ بقوله: {رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً} [البقرة: 201] {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71] {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} [يس: 9] {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سموات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنّ} [الطلاق: 12] {أَن تُؤدُّواْ الأمانات. . . . .} الآية.
وقال صاحب هذا القول: إن المعطوف عليه إذا كان مجروراً بحرف أُعيد ذلك الحرفُ مع المعطوفِ نحو: «امرُرْ بزيدٍ وغداً بعمروٍ» وهذه الشواهدُ لا دليلَ فيها: أمَّا «في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً» وقوله: «وجَعَلْنَا من بينِ أيديهم» فلأنَّه عَطَفَ شيئين على شيئين: عَطَفَ «الآخرة» على «الدنيا» بإعادة الخافضِ، وعَطَفَ «حسنةً» الثانيةَ على «حسنةً» الأولى، وكذلك عطف «مِنْ خلفهم» على «من بين» ، و «سداً» على «سداً» وكذلك البيت عطف فيه «أَدِيمَها» على المفعولِ الأولِ ل «تَراها» و «نَغِلا» على الثاني وهو «كشِبْه» و «يوماً» الثاني على «يوماً» الأول، فلا فصلَ فيه حينئذ، وحينئذ يقال: ينبغي لأبي عليّ أن يمنعَ مطلقاً، ولا يَسْتثني الضرورة، فإن ما استشهد به مؤولٌ عل ما ذَكَرْتُ. فإنْ قيل: إنَّما لم يجعلْه أبو علي من ذلك لأنه يؤدِّي إلى تخصيصِ الظرفِ الثاني بما وَقَعَ في الأولِ، وهو انه تراها كشِبْه أردية العَضْب في اليوم الأول والثاني؛ لأنَّ حكمَ المعطوف حكمُ المعطوفِ عليه فهو نظيرُ قولك: «ضربت زيداً يوم الجمعة ويوم السبت، ف» يومَ السبت «مقيَّدٌ بضربِ زيد كما يُقيَّد به يوم الجمعة، لكن الغرض أن اليوم الثاني في البيت مُقَيَّدٌ بقيد آخر وهو رؤية أَديمِها نَغِلا، فالجواب: انه لو تُرِكنا والظاهرَ من غيرِ تقييد الظرف الثاني بمعنى آخر كان الحكمُ كما ذكرت؛ لأنه الظاهرُ كما ذكرت في مثالك:» ضربت زيداً يوم الجمعة ويوم السبت «أمَّا إذا قَيَّدْته بشي آخر فقد تُرك ذلك الظاهرُ لهذا النصِّ، ألا تراكَ تقول:» ضربت زيداً يوم الجمعة وعمراً يوم السبت «فكذلك هذا، وهو موضعٌ يحتاج لتأمل.
وأمَّا «فبشَّرناها بإسحاق» ف «يعقوب» ليس مجروراً عطفاً على «إسحاق» بل منصوباً بإضمار فعل أي: ووهبا لها يعقوب، ويدل عليه قراءة الرفع فإنها مؤذنةٌ بانقطاعِه من البشارة به، كيف وقد تقدَّم أنَّ هذا القائَل يقول: إنه متى كان المعطوفُ عليه مجروراً؟ أُعيد مع المعطوفِ الجارُّ. وأمَّا {أَن تُؤدُّواْ الأمانات} فلا دلالة فيها أيضاً لأنَّ «إذا» ظرفٌ لا بدل له من عامل، وعاملُه: إمَّا «أَنْ تَحْكُموا» وهو الظاهرُ / من حيث المعنى، وإمَّا «يأمُركم» ، فالأول ممتنعٌ وإنْ كان المعنى عليه؛ لأنَّ ما في حَيِّزِ الموصول لا يتقدَّمُ عليه عند البصريين، وأما الكوفيون فيُجيزون ذلك، ومنه الآيةُ عندهم، واستدلُّوا بقوله:
4596 - كان جَزائي بالعصا أَنْ أُجْلَدا ... وقد جاء ذلك في المفعول الصريح في قوله:
1597 -. . . . . . . . . . . . ... وشفاءُ غَيِّك خابراً أَنْ تَسْألي
فكيف بالظرفِ وشبهِه؟ والثاني ممتنعٌ أيضاً لأنَّ الأمرَ ليس واقعاً وقت الحكم، كذا قاله الشيخ، وفيه نظرٌ، وإذا بَطَل هذان فالعامل فيه مقدرٌ يفسِّره ما بعدَه تقديُره: وأَنْ تحكموا إذا حكمتم، و «أن» تحكموا «الآخيرةُ دالةٌ على الأولى.
قوله: {بالعدل} يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق ب» تحكموا «فتكونَ الباءُ للتعدية. والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من فاعل» تَحْكُموا «فتكونَ الباءُ للمصاحبَة اي: ملتبسين بالعدل مصاحبين له، والمعنيان متلازمان.
قوله: {إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} قد تقدَّم الكلامُ على» ما «المتصلة ب» نعم «وبئس» وما ذكر الناسُ فيها فعليك بمراجعته. إلا أن ابن عطية نقل هنا نَقْلاً لا يَبْعُد مِنْ وَهْمٍ، فلا بُدَّ من ذكره قال: و «ما» المردفةُ على «نِعْم» إنما هي المهيئةُ لاتصالِ الفعل بها، كما هي في «ربما» و «مِمَّا» في قولِه: «وكان رسولُ الله عليه السلام مِمَّا يحرِّك شفتيه» وكقوله:
1598 - وإنَّا لَمِمَّا نضربُ الكبشَ ضربةً ... على رأسِه تُلْقي اللسانَ من الفم
وفي هذا هي بمنزلة «ربما» ، وهي لها مخالفةٌ في المعنى، لأن «ربما» للتقليل و «مِمَّا» للتكثير، ومع أن «ما» موطئة فهي بمعنى الذي، وما وَطَّأتْ إلا وهي اسم، ولكنَّ القصدَ إنما هو لِما يليها من المعنى الذي في الفعل «قال الشيخ:» وهذا متهافتٌ؛ لأنه من حيث جَعَلَها موطئةً مهيئةً لا تكون اسماً، ومِنْ حيثُ جَعلَها بمعنى «الذي» يلزم أن تكونَ اسماً فتدافعا «.
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق